فصل: تابع كتاب الوقف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


تابع كتاب الوقف

مطلب في نقل أنقاض المسجد ونحوه

قلت‏:‏ لكن الفرق غير ظاهر فليتأمل والذي ينبغي متابعة المشايخ المذكورين في جواز النقل بلا فرق بين مسجد أو حوض، كما أفتى به الإمام أبو شجاع والإمام الحلواني وكفى بهما قدوة، ولا سيما في زماننا فإن المسجد أو غيره من رباط أو حوض إذا لم ينقل يأخذ أنقاضه اللصوص والمتغلبون كما هو مشاهد وكذلك أوقافه يأكلها النظار أو غيرهم، ويلزم من عدم النقل خراب المسجد الآخر المحتاج إلى النقل إليه، وقد وقعت حادثة سئلت عنها في أمير أراد أن ينقل بعض أحجار مسجد خراب في سفح قاسيون بدمشق ليبلط بها صحن الجامع الأموي فأفتيت بعدم الجواز متابعة للشرنبلالي، ثم بلغني أن بعض المتغلبين أخذ تلك الأحجار لنفسه، فندمت على ما أفتيت به، ثم رأيت الآن في الذخيرة قال وفي فتاوى النسفي‏:‏ سئل شيخ الإسلام عن أهل قرية رحلوا وتداعى مسجدها إلى الخراب، وبعض المتغلبة يستولون على خشبه، وينقلونه إلى دورهم هل لواحد من أهل المحلة أن يبيع الخشب بأمر القاضي، ويمسك الثمن ليصرفه إلى بعض المساجد أو إلى هذا المسجد‏؟‏ قال‏:‏ نعم وحكى أنه وقع مثله في زمن سيدنا الإمام الأجل في رباط في بعض الطرق خرب، ولا ينتفع المارة به وله أوقاف عامرة فسئل هل يجوز نقلها إلى رباط آخر ينتفع الناس به قال‏:‏ نعم لأن الواقف غرضه انتفاع المار، ويحصل ذلك بالثاني‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فلو قبله‏)‏ أي قبل التسجيل الذي هو الحكم لا مجرد التسليم الذي في صدر العبارة، لكن هذا إنما يظهر على قول الإمام بعد لزوم الوقف قبل الحكم، ولذا لم يذكر التسجيل في الخانية، حيث قال‏:‏ وقف ضيعة في صحته على الفقراء، وأخرجها من يده إلى المتولي ثم قال لوصيه عند الموت‏:‏ أعط من غلتها لفلان كذا ولفلان كذا فجعله لأولئك باطل؛ لأنها صارت للفقراء أو فلا يملك إبطال حقهم إلا إذا شرط في الوقف أن يصرف غلتها إلى من شاء ا هـ‏.‏ والمراد ببطلانه أنه لا يكون حقا لازما لفلان في غلة الوقف فلو كان فلان فقيرا لا يلزم إعطاؤه بل له أن يعطي غيره ‏(‏قوله لكن سيجيء‏)‏ أي آخر الفصل الآتي وفيه كلام سيأتي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ اتحد الواقف والجهة‏)‏ بأن وقف وقفين على المسجد أحدهما على العمارة والآخر إلى إمامه أو مؤذنه والإمام والمؤذن لا يستقر لقلة المرسوم للحاكم الدين أن يصرف من فاضل وقف المصالح، والعمارة إلى الإمام والمؤذن باستصواب أهل الصلاح من أهل المحلة إن كان الوقف متحدا لأن غرضه إحياء وقفه، وذلك يحصل بما قلنا عن البزازية وظاهره اختصاص ذلك بالقاضي دون الناظر ‏(‏قوله‏:‏ بسبب خراب وقف أحدهما‏)‏ أي خراب أماكن أحد الوقفين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بأن بنى رجلان مسجدين‏)‏ الظاهر أن هذا من اختلافهما معا أما اختلاف الواقف ففيما إذا وقف رجلان وقفين على مسجد ‏(‏قوله‏:‏ لا يجوز له ذلك‏)‏ أي أي الصرف المذكور، لكن نقل في البحر بعد هذا عن الولوالجية مسجد له أوقاف مختلفة لا بأس للقيم أن يخلط غلتها كلها، وإن خرب حانوت منها فلا بأس بعمارته من غلة حانوت آخر؛ لأن الكل للمسجد ولو كان مختلفا لأن المعنى يجمعهما ا هـ‏.‏ ومثله في البزازية تأمل‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال الخير الرملي‏:‏ أقول‏:‏ ومن اختلاف الجهة ما إذا كان الوقف منزلين أحدهما للسكنى والآخر للاستغلال فلا يصرف أحدهما للآخر وهي واقعة الفتوى‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في وقف المنقول تبعا للعقار

‏(‏قوله‏:‏ ولو وقف العقار‏)‏ هو الأرض مبنية أو غير مبنية فتح وفي القاموس هو الضيعة، وهو المناسب لقوله ببقره إلخ نهر ‏(‏قوله‏:‏ عبيده الحراثون‏)‏ الأكرة الحراثون من أكرت الأرض حرثتها واسم الفاعل أكار للمبالغة مصباح، والمراد أنهم إذا كانوا عبيده صح وقفهم تبعا للأرض وكذا آلات الحراثة كما في البحر ‏(‏قوله‏:‏ صح استحسانا إلخ‏)‏ فإنه قد يثبت من الحكم تبعا ما لا يثبت مقصودا كالشرب في البيع والبناء في الوقف، وهذا قول أبي يوسف ومحمد معه؛ لأنه أجازه إفراد بعض المنقول بالوقف فالتبع أولى‏.‏ قال في الإسعاف ويدخل في وقف الأرض ما فيها من الشجر والبناء دون الزرع والثمرة كما في البيع، ويدخل أيضا للشرب والطريق كالإجارة، ولو جعلها مقبرة وفيها أشجار عظام وأبنية لا يدخل، ولو زاد في وقف الأرض بحقوقها وجميع ما فيها ومنها وعلى الشجرة ثمرة قائمة يوم الوقف قال هلال‏:‏ لا تدخل قياسا، وفي الاستحسان يلزمه التصدق بها على وجه النذر لا الوقف وذكر الناطفي إذا قال بحقوقها تدخل في الوقف، وهذا أولى خصوصا إذا زاد بجميع ما فيها ومنها ولو وقف دارا بجميع ما فيها وفيها حمامات يطرن أو بيتا وفيه كورات عسل يدخل الحمام والنحل تبعا للدار والعسل كما لو وقف ضيعة وذكر ما فيها من العبيد والدواليب وآلات الحراثة ا هـ‏.‏ ملخصا وقوله وذكر ما فيها إلخ يفيد عدم الدخول بلا ذكره وبه صرح في الفتح، وقد اختصر في البحر عبارة الإسعاف اختصارا مخلا‏.‏

مطلب لا يشترط التحديد في وقف العقار

‏[‏تنبيه‏]‏

لم يذكر المصنف لصحة الوقف اشتراط تحديد العقار لأن الشرط كونه معلوما وقول الفتح‏:‏ إذا كانت الدار مشهورة معروفة صح وقفها وإن لم تحدد استغناء بشهرتها عن تحديدها ا هـ‏.‏ ظاهره اشتراط التحديد، ولا يخفى ما فيه بل ذلك شرط لقبول الشهادة بوقفيتها، وتمامه في البحر‏.‏ وقال في أنفع الوسائل بعد ما قسم مسألة التحديد إلى سبع صور‏:‏ وأما الصورة الثالثة أي ما لو لم يحددها أصلا، وهم لا يعرفونها فقال الخصاف فيها الوقف باطل إلا أن تكون مشهورة وقال هلال‏:‏ الشهادة باطلة ولا شك أن الأول يحتاج إلى تأويل بمعنى أن الشهادة باطلة كما قال هلال وغيره، ولا يجوز العمل بظاهره؛ لأن الوقف لا يشترط لصحته التحديد في نفس الأمر، ولا يجوز الحكم بإبطاله بمجرد قول الشهود لم يحددها لنا ولا نعرفها ولا هي مشهورة ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وجاز وقف القن على مصالح الرباط‏)‏ ظاهره جواز وقفه استقلالا ويؤيده أنه ذكره في الفتح عن الخلاصة في مسائل وقف المنقول الذي جرى فيه التعامل، فكان ينبغي للشارح ذكره بعد قول المصنف، ومنقول فيه تعامل، لئلا يتوهم أن المراد أنه وقفه تبعا للرباط كما توهمه في البحر حيث قال‏:‏ وأما وقف العبيد تبعا للمدرسة والرباط فسيأتي أنه جوزه بعض المشايخ ا هـ‏.‏ مع أنه فيما سيأتي إنما ذكر ما في الفتح عن الخلاصة ‏(‏قوله‏:‏ ونفقته‏)‏ أي وإن لم يشترطها الواقف وفي الإسعاف لو شرطها من الغلة ثم مرض بعضهم استحقاقا إن شرط إجراءها عليهم ما داموا أحياء وإن قال لعملهم لا يجري شيء على من تعطل عن العمل، ولو باع العاجز واشترى بثمنه عبدا مكانه جاز ا هـ‏.‏ وقال في موضع آخر‏:‏ وكذلك الدواليب والآلات يبيعها ويشتري بثمنها ما هو أصلح للوقف ‏(‏قوله‏:‏ وجنايته في مال الوقف‏)‏ وعلى المتولي ما هو الأصلح من الدفع أو الفداء ولو فداه بأكثر من أرش الجناية كان متطوعا في الزائد فيضمنه من ماله وإن فداه أهل الوقف كانوا متطوعين ويبقى العبد على ما كان عليه من العمل إسعاف ‏(‏قوله‏:‏ لا قود فيه‏)‏ كأن وجهه أن في القود ضرر الوقف بفوات البدل‏.‏ ا هـ‏.‏ ح والظاهر أن محل ما ذكر فيما إذا رضي القاتل بدفع البدل أما إذا لم يرض إلا بتسليم نفسه للقصاص، فإنه لا يجبر لأن القصاص عندنا هو الأصل ط ‏(‏قوله‏:‏ بل تجب قيمته‏)‏ كما لو قتل خطأ ويشتري به المتولي عبدا ويصير وقفا كما لو قتل المدبر خطأ وأخذ مولاه قيمته فإنه يشتري بها عبدا ويصير مدبرا، وقد صرح به في الذخيرة عن الخصاف بحر‏.‏

مطلب في وقف المشاع المقضي به

‏(‏قوله‏:‏ كما صح وقف مشاع قضى بجوازه‏)‏ ويصير بالقضاء متفقا عليه والخلاف في وقف المشاع مبني على اشتراط التسليم وعدمه لأن القسمة من تمامه فأبو يوسف أجازه لأنه لم يشترط التسليم ومحمد لم يجزه لاشتراطه التسليم كما مر عند قوله ويفرز، وقدمنا أن محل الخلاف فيما يقبل القسمة بخلاف ما لا يقبلها فيجوز اتفاقا إلا في المسجد والمقبرة وقدمنا بعض فروع ذلك ‏(‏قوله‏:‏ لأنه مجتهد فيه‏)‏ أي لا يسوغ فيه الاجتهاد لعدم مخالفته لنص أو إجماع‏.‏

مطلب مهم إذا حكم الحنفي بما ذهب إليه أبو يوسف أو محمد

لم يكن حاكما بخلاف مذهبه ‏(‏قوله‏:‏ فللحنفي المقلد إلخ‏)‏ أفاد أن المراد بقوله قضى بجوازه ما يشمل قضاء الحنفي وإنما خصه بالتفريع لئلا يتوهم أن المراد به من مذهب آخر لأن إمام مذهبنا غير قائل به، لكن لما كان قول أصحابه غير خارج عن مذهبه صح حكم مقلده به ولذا قال في الدرر من كتاب القضاء عند الكلام على قضاء القاضي، بخلاف مذهبه أن المراد به خلاف أصل المذهب كالحنفي إذا حكم على مذهب الشافعي، وأما إذا حكم الحنفي بما ذهب إليه أبو يوسف أو محمد أو نحوهما من أصحاب الإمام فليس حكما بخلاف رأيه‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد أفاد أن أقوال أصحاب الإمام غير خارجة عن مذهبه، فقد نقلوا عنهم أنهم ما قالوا قولا إلا هو مروي عن الإمام كما أوضحت ذلك في شرح منظومتي في رسم المفتي‏.‏

مطلب مهم في إشكال وقف المنقول على النفس

وبهذا يرتفع الإشكال المشهور الذي ذكره الإمام الطرسوسي في أنفع الوسائل والعلامة ابن الشلبي في فتاواه وهو إن وقف الإنسان على نفسه أجازه أبو يوسف، ومنعه محمد كما سيأتي ووقف المنقول كالبناء بدون أرض والكتب والمصحف منعه أبو يوسف وأجازه محمد فوقف المنقول على النفس لا يقول به واحد منهما، فيكون الحكم به ملفقا من قولين، والحكم الملفق باطل بالإجماع كما مر أول الكتاب، وبه يندفع ما أجاب به الطرسوسي من أنه في منية المفتي أفاد جواز الحكم الملفق، وتمام ذلك مبسوط في كتابنا تنقيح الحامدية في الباب الأول من الوقف ‏(‏قوله‏:‏ لاختلاف الترجيح‏)‏ فإن كلا من قول أبي يوسف وقول محمد صحح بلفظ الفتوى كما مر‏.‏

مطلب فيما إذا كان في المسألة قولان مصححان

‏(‏قوله‏:‏ قولان مصححان‏)‏ أي وقد تساويا في لفظي التصحيح وإلا فالأولى الأخذ بما هو آكد في التصحيح كما لو كان أحدهما بلفظ الصحيح والآخر بلفظ عليه الفتوى، فإن الثاني أقوى وكذا لو كان أحدهما في المتون أو كان ظاهر الرواية أو كان عليه الأكثر أو كان هو الأرفق فإنه إذا صح هو ومقابله كان الأخذ به أولى كما قدمناه في أول الكتاب ‏(‏قوله‏:‏ بأحدهما‏)‏ أي بأي واحد منهما أراد لكن إذا قضى بأحدهما في حادثة ليس له القضاء فيها بالقول الآخر نعم يقضي به في حادثة غيرها وكذا المفتي وينبغي أن يكون مطمح نظره إلى ما هو الأرفق والأصلح وهذا معنى قولهم‏:‏ إن المفتي يفتي بما يقع عنده من المصلحة أي المصلحة الدينية لا مصلحته الدنيوية‏.‏

مطلب في وقف المنقول قصدا

‏(‏قوله‏:‏ كل منقول قصدا‏)‏ إما تبعا للعقار فهو جائز بلا خلاف عندهما كما مر لا خلاف في صحة وقف السلاح والكراع أي الخيل للآثار المشهورة والخلاف فيما سوى ذلك فعند أبي يوسف لا يجوز وعند محمد يجوز ما فيه تعامل من المنقولات واختاره أكثر فقهاء الأمصار كما في الهداية وهو الصحيح كما في الإسعاف، وهو قول أكثر المشايخ كما في الظهيرية؛ لأن القياس قد يترك بالتعامل ونقل في المجتبى عن السير جواز وقف المنقول مطلقا عند محمد وإذا جرى فيه التعامل عند أبي يوسف وتمامه في البحر والمشهور الأول ‏(‏قوله‏:‏ وقدوم‏)‏ بفتح أوله وضم ثانيه مخففا ومثقلا‏.‏

مطلب في وقف الدراهم والدنانير

‏(‏قوله‏:‏ بل ودراهم ودنانير‏)‏ عزاه في الخلاصة إلى الأنصاري وكان من أصحاب زفر، وعزاه في الخانية إلى زفر حيث قال‏:‏ وعن زفر شرنبلالية وقال المصنف في المنح‏:‏ ولما جرى التعامل في زماننا في البلاد الرومية وغيرها في وقف الدراهم والدنانير دخلت تحت قول محمد المفتى به في وقف كل منقول فيه تعامل كما لا يخفى؛ فلا يحتاج على هذا إلى تخصيص القول بجواز وقفها بمذهب الإمام زفر من رواية الأنصاري والله تعالى أعلم‏.‏ وقد أفتى مولانا صاحب البحر بجواز وقفها ولم يحك خلافا‏.‏ ا هـ‏.‏ ما في المنح قال الرملي‏:‏ لكن في إلحاقها بمنقول فيه تعامل نظر إذ هي مما ينتفع بها مع بقاء عينها على ملك الواقف، وإفتاء صاحب البحر بجواز وقفها بلا حكاية خلاف لا يدل على أنه داخل تحت قول محمد المفتى به في وقف منقول فيه تعامل؛ لاحتمال أنه اختار قول زفر وأفتى به وما استدل به في المنح من مسألة البقرة الآتية ممنوع بما قلنا إذ ينتفع بلبنها وسمنها مع بقاء عينها لكن إذا حكم به حاكم ارتفع الخلاف ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قلت وإن الدراهم لا تتعين بالتعيين، فهي وإن كانت لا ينتفع بها مع بقاء عينها لكن بدلها قائم مقامها لعدم تعينها، فكأنها باقية ولا شك في كونها من المنقول، فحيث جرى فيها تعامل دخلت فيما أجازه محمد ولهذا لما مثل محمد بأشياء جرى فيها التعامل في زمانه قال في الفتح‏:‏ إن بعض المشايخ زادوا أشياء من المنقول على ما ذكره محمد لما رأوا جريان التعامل فيها، وذكر منها مسألة البقرة الآتية ومسألة الدراهم والمكيل حيث قال‏:‏ ففي الخلاصة‏:‏ وقف بقرة على أن ما يخرج من لبنها وسمنها يعطى لأبناء السبيل، قال‏:‏ إن كان ذلك في موضع غلب ذلك في أوقافهم رجوت أن يكون جائزا، وعن الأنصاري وكان من أصحاب زفر فيمن وقف الدراهم، أو ما يكال أو ما يوزن أيجوز ذلك قال‏:‏ نعم قيل وكيف قال يدفع الدراهم مضاربة، ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه وما يكال أو يوزن يباع ويدفع ثمنه لمضاربة أو بضاعة قال فعلى هذا القياس إذا وقف كرا من الحنطة على شرط أن يقرض للفقراء الذين لا بذر لهم ليزرعون لأنفسهم، ثم يوجد منهم بعد الإدراك قدر القرض، ثم يقرض لغيرهم بهذا الفقراء أبدا على هذا السبيل، يجب أن يكون جائزا قال ومثل هذا كثير في الري وناحية دوماوند ا هـ‏.‏ وبهذا ظهر صحة ما ذكره المصنف من إلحاقها بالمنقول المتعارف على قول محمد المفتى به وإنما خصوها بالنقل عن زفر لأنها لم تكن متعارفة إذ ذاك؛ و لأنه هو الذي قال بها ابتداء قال في النهر‏:‏ ومقتضى ما مر عن محمد عدم جواز ذلك أي وقف الحنطة في الأقطار المصرية لعدم تعارفه بالكلية‏.‏ نعم وقف الدراهم والدنانير تعورف في الديار الرومية‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومكيل‏)‏ معطوف على قول المصنف ودراهم ‏(‏قوله‏:‏ ويدفع ثمنه مضاربة أو بضاعة‏)‏ وكذا يفعل في وقف الدراهم والدنانير، وما خرج من الربح يتصدق به في جهة الوقف وهذا هو المراد في قول الفتح عن الخلاصة، ثم يتصدق بها فهو على تقدير مضاف أي بربحها، وعبارة الإسعاف ثم يتصدق بالفضل ‏(‏قوله‏:‏ فعلى هذا‏)‏ أي القول بصحة وقف المكيل ‏(‏قوله‏:‏ وجنازة‏)‏ بالكسر النعش وثيابها ما يغطى به الميت وهو في النعش ط‏.‏

مطلب في التعامل والعرف

‏(‏قوله‏:‏ لأن التعامل يترك به القياس‏)‏ فإن القياس عدم صحة وقف المنقول لأن من شرط الوقف التأبيد، والمنقول لا يدوم والتعامل كما في البحر عن التحرير، هو الأكثر استعمالا وفي شرح البيري عن المبسوط أن الثابت بالعرف كالثابت بالنص ا هـ‏.‏ وتمام تحقيق ذلك في رسالتنا المسماة ‏[‏نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف‏]‏ وظاهر ما مر في مسألة البقرة اعتبار العرف الحادث، فلا يلزم كونه من عهد الصحابة، وكذا هو ظاهر ما قدمناه آنفا من زيادة بعض المشايخ أشياء جرى التعامل فيها وعلى هذا فالظاهر اعتبار العرف في الموضع، أو زمان الذي اشتهر فيه دون غيره فوقف الدراهم متعارف في بلاد الروم دون بلادنا وقف الفأس والقدوم كان متعارفا في زمن المتقدمين ولم نسمع به في زماننا فالظاهر أنه لا يصح الآن ولئن وجد نادرا لا يعتبر لما علمت من أن التعامل هو الأكثر استعمالا فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لحديث إلخ‏)‏ رواه أحمد في كتاب السنة، ووهم من عزاه للمسند من حديث أبي وائل عن ابن مسعود، وهو موقوف حسن وتمامه في حاشية الحموي عن المقاصد الحسنة للسخاوي ‏(‏قوله‏:‏ ومتاع‏)‏ ما يتمتع به فهو عطف عام على خاص، فيشمل ما يستعمل في البيت من أثاث المنزل كفراش وبساط وحصير لغير مسجد والأواني والقدور‏.‏ نعم تعورف وقف الأواني من النحاس ونص المتقدمون على وقف الأواني والقدور المحتاج إليها في غسل الموتى ‏(‏قوله‏:‏ هذا‏)‏ أي جواز وقف المنقول المتعارف ‏(‏قوله‏:‏ وألحق في البحر السفينة بالمتاع‏)‏ أي فلا يصح لكن قال شيخ مشايخنا السائحاني‏:‏ إنهم تعاملوا وقفها فلا تردد في صحته‏.‏ ا هـ‏.‏ وكأنه حدث بعد صاحب البحر وألحق في المنح وقف البناء بدون الأرض، وكذا وقف الأشجار بدونه؛ لأنه منقول فيه تعامل وتمامه في الدرر المنتقى‏.‏ و سيأتي عند قول المصنف بنى على أرض إلخ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ جاز وقف الأكسية إلخ‏)‏ قلت‏:‏ وفي زماننا قد وقف بعض المتولين على المؤذنين الفراء شتاء ليلا فينبغي الجواز سيما على ما مر عن الزاهدي فتدبر‏.‏ شرح الملتقى‏:‏ أي ما ذكره الزاهدي في المجتبى من جواز وقف المنقول مطلقا عند محمد، ولا يخفى أن هذا في وقف نفس الأكسية أما لو وقف عقارا وشرط أن يشتري من ريعه أكسية للفقراء أو المؤذنين فلا كلام فيه كما أفاده ط‏.‏

مطلب متى ذكر للوقف مصرفا لا بد أن يكون فيهم تنصيص على الحاجة

‏(‏قوله‏:‏ إن يحصون جاز‏)‏ هذا الشرط مبني على ما ذكره شمس الأئمة من الضابط وهو أنه إذا ذكر للوقف مصرفا لا بد أن يكون فيهم تنصيص على الحاجة حقيقة كالفقراء أو استعمالا بين الناس كاليتامى والزمنى؛ لأن الغالب فيهم الفقر، فيصح للأغنياء والفقراء منهم إن كانوا يحصون، وإلا فلفقرائهم فقط، ومتى ذكر مصرفا يستوي فيه الأغنياء والفقراء، فإن كانوا يحصون صح باعتبار أعيانهم وإلا بطل، وروي عن محمد أن ما لا يحصى عشرة، وعن أبي يوسف مائة وهو المأخوذ به عند البعض وقيل أربعون وقيل ثمانون والفتوى أنه مفوض إلى رأي الحاكم إسعاف وبحر ‏(‏قوله‏:‏ وإن وقف على المسجد جاز‏)‏ ظاهره أنه لا يشترط فيه كون أهله ممن يحصون؛ لأن الوقف على المسجد لا على أهله كما هو المتبادر من المقابلة، ولعل وجهه أنه يصير كالتنصيص على التأبيد بمنزلة الوقف على عمارة مسجد معين فإنه يصح في المختار لتأبده مسجدا كما قدمناه عند قوله ويجعل آخره لجهة قربة ‏(‏قوله‏:‏ ولا يكون محصورا على هذا المسجد‏)‏ هذا ذكر في الخلاصة بقوله وفي موضع آخر ولا يكون إلخ أي وذكر في كتاب آخر فهو قول آخر مقابل لقوله‏:‏ ويقرأ فيه، فإن ظاهره أنه يكون مقصورا على ذلك المسجد وهذا هو الظاهر حيث كان الواقف عين ذلك المسجد، فما فعله صاحب الدر حيث نقل العبارة عن الخلاصة، وأسقط منها قوله وفي موضع آخر غير مناسب لإيهامه أنه من تتمة ما قبله إلا أن يكون قد فهم أن قوله‏:‏ ويقرأ فيه محمول على الأولوية فيكون ما في موضع آخر غير مخالف له تأمل، لكن في القنية‏:‏ سبل مصحفا في مسجد بعينه للقراءة ليس له بعد ذلك أن يدفعه إلى آخر من غير أهل تلك المحلة للقراءة قال في النهر‏:‏ وهذا يوافق القول الأول لا ما ذكر في موضع آخر ا هـ‏.‏ فهذا يفيد أنهما قولان متغايران خلافا لما فهمه في الدرر وتبعه الشارح ‏(‏قوله‏:‏ وبه عرف حكم إلخ‏)‏ الحكم هو ما بينه بعد بقوله‏:‏ فإن وقفها إلخ ط ‏(‏قوله‏:‏ لم يجز نقلها‏)‏ ولا سيما إذا كان الناقل ليس منهم نهر، ومفاده أنه عين مكانها بأن بنى مدرسة وعين وضع الكتب فيها لانتفاع سكانها‏.‏

مطلب في حكم الوقف على طلبة العلم

‏(‏قوله‏:‏ وإن على طلبة العلم إلخ‏)‏ ظاهره صحة الوقف عليهم لأن الغالب فيهم الفقر كما علم من الضابط المار آنفا‏.‏ وفي البحر قال شمس الأئمة‏:‏ فعلى هذا إذا وقف على طلبة العلم في بلدة كذا يجوز لأن الفقر غالب فيهم، فكان الاسم منبئا عن الحاجة ثم ذكر الضابط المار‏.‏ قلت‏:‏ ومقتضاه أنهم إذا كانوا لا يحصون يختص بفقرائهم، فعلى هذا وقف المصحف في المسجد والكتب في المدارس لا يحل لغير فقير وهو خلاف المتبادر من عبارة الخلاصة والقنية في المصحف‏.‏ وقد يقال إن هذا مما يستوي في الانتفاع به الغني والفقير كما سيأتي من أن الوقف على ثلاثة أوجه‏:‏ منها‏:‏ ما يستوي فيه الفريقان كرباط وخان ومقابر وسقاية وعلله في الهداية بأن أهل العرف يريدون فيه التسوية بينهم لأن الحاجة داعية، وهنا كذلك فإن واقف الكتب يقصد نفع الفريقين و لأنه ليس كل غني يجد كل كتاب يريده خصوصا وقت الحاجة إليه‏.‏

مطلب في نقل كتب الوقف من محلها

‏(‏قوله‏:‏ ففي جواز النقل تردد‏)‏ الذي تحصل من كلامه أنه إذا وقف كتبا وعين موضعها فإن وقفها على أهل ذلك الموضع، لم يجز نقلها منه لا لهم ولا لغيرهم، وظاهره أنه لا يحل لغيرهم الانتفاع بها وإن وقفها على طلبة العلم، فلكل طالب الانتفاع بها في محلها وأما نقلها منه، ففيه تردد ناشئ مما تقدمه عن الخلاصة من حكاية القولين، من أنه لو وقف المصحف على المسجد أي بلا تعيين أهله قيل يقرأ فيه أي يختص بأهله المترددين إليه، وقيل‏:‏ لا يختص به أي فيجوز نقله إلى غيره، وقد علمت تقوية القول الأول بما مر عن القنية وبقي ما لو عمم الواقف بأن وقفه على طلبة العلم لكنه شرط أن لا يخرج من المسجد أو المدرسة كما هو العادة وقدمنا عند قوله ولا يرهن عن الأشباه‏:‏ أنه لو شرط أن لا يخرج إلا برهن لا يبعد وجوب اتباع شرطه وحمل الرهن على المعنى اللغوي تبعا لما قاله السبكي ويؤيده ما قدمناه قبيل قوله والملك يزول عن الفتح من قوله‏:‏ إن شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع وهو مالك، فله أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية وله أن يخص صنفا من الفقراء، وكذا سيأتي في فروع الفصل الأول أن قولهم شرط الواقف كنص الشارع أي في المفهوم والدلالة، ووجوب العمل به قلت‏:‏ لكن لا يخفى أن هذا إذا علم أن الواقف نفسه شرط ذلك حقيقة أما مجرد كتابة ذلك على ظهر الكتب كما هو العادة فلا يثبت به الشرط وقد أخبرني بعض قوام مدرسة إن واقفها كتب ذلك ليجعل حيلة لمنع إعارة من يخشى منه الضياع والله سبحانه أعلم‏.‏

مطلب يبدأ من غلة الوقف بعمارته

‏(‏قوله‏:‏ ويبدأ من غلته بعمارته‏)‏ أي قبل الصرف إلى المستحقين قال القهستاني العمارة بالكسر مصدر أو اسم ما يعمر به المكان‏.‏ بأن يصرف إلى الموقوف عليه حتى يبقى على ما كان عليه دون الزيادة إن لم يشترط ذلك‏.‏ كما في الزاهدي وغيره، فلو كان الوقف شجرا يخاف هلاكه كان له أن يشتري من غلته قصيلا فيغرزه لأن الشجر يفسد على امتداد الزمان، وكذا إذا كانت الأرض سبخة لا ينبت فيها شيء كان له أن يصلحها كما في المحيط‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب دفع المرصد مقدم على الدفع للمستحقين

ومثله في الخانية وغيرها ودخل في ذلك دفع المرصد الذي على الدار، فإنه مقدم على الدفع للمستحقين كما في فتاوى تلميذ الشارح المرحوم الشيخ إسماعيل وهذه فائدة جليلة قل من تنبه لها، فإن المرصدين على الوقف لضرورة تعميره فإذا وجد في الوقف مال ولو في كل سنة شيء حتى تتلخص رقبة الوقف ويصير يؤجر بأجرة مثله لزم الناظر ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

مطلب كون التعمير من الغلة إن لم يكن الخراب بصنع أحد

وذكر في البحر أن كون التعمير من غلة الوقف إذا لم يكن الخراب بصنع أحد، ولذا قال في الولوالجية رجل آجر دار الوقف فجعل المستأجر رواتها مربوطا للدواب وخرابها يضمن لأنه فعل بغير إذن ا هـ‏.‏

مطلب عمارة الوقف على الصفة التي وقفه

‏[‏تنبيه‏]‏

لو كان الوقف على معين فالعمارة في ماله كما سيأتي بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة التي وقفه، فإن خرب يبني كذلك ولا تجوز الزيادة بلا رضاء ولو كان على الفقراء فكذلك، وعند البعض تجوز والأول أصح هداية ملخصا وبه علم أن عمارة الوقف زيادة على ما في زمن الواقف لا تجوز بلا رضا المستحقين وظاهر قوله بقدر ما يبقى إلخ منع البياض والحمرة على الحيطان من مال الوقف إن لم يكن فعله الواقف وإن فعله فلا منع بحر‏.‏

مطلب يبدأ بعد العمارة بما هو أقرب إليها

‏(‏قوله‏:‏ ثم ما هو أقرب لعمارته إلخ‏)‏ أي فإن انتهت عمارته وفضل من الغلة شيء يبدأ بما هو أقرب للعمارة وهو عمارته المعنوية التي هي قيام شعائره قال في الحاوي القدسي‏:‏ والذي يبدأ به من ارتفاع الوقف أي من غلته عمارته شرط الواقف أولا ثم ما هو أقرب إلى العمارة، وأعم للمصلحة كالإمام للمسجد، والمدرس للمدرسة يصرف إليهم إلى قدر كفايتهم، ثم السراج والبساط كذلك إلى آخر المصالح، هذا إذا لم يكن معينا فإن كان الوقف معينا على شيء يصرف إليه بعد عمارة البناء ا هـ‏.‏ قال في البحر والسراج بالكسر‏:‏ القناديل ومراده مع زيتها والبساط بالكسر أيضا الحصير، ويلحق بهما معلوم خادمهما وهما الوقاد والفراش فيقدمان وقوله إلى آخر المصالح‏:‏ أي مصالح المسجد يدخل فيه المؤذن والناظر ويدخل تحت الإمام الخطيب لأنه إمام الجامع ا هـ‏.‏ ملخصا ثم لا يخفى أن تعبير الحاوي بثم يفيد تقديم العمارة على الجميع كما هو إطلاق المتون فيصرف إليهم الفاضل عنها خلافا لما يوهم كلام البحر نعم كلام الفتح الآتي يفيد المشاركة ويأتي بيانه فافهم ‏(‏قوله‏:‏ بقدر كفايتهم‏)‏ أي لا بقدر استحقاقهم المشروط لهم والظاهر أن قول الحاوي هذا إذا لم يكن معينا إلخ راجع إليه كما فهمه في شرح الملتقى، وقال‏:‏ إن فرض المسألة فيما إذا كان الوقف على جملة المستحقين بلا تعيين قدر لكل فلو به فلا ينبغي جعل الحكم كذلك ا هـ‏.‏ أي بل يصرف إلى كل منهم القدر الذي عينه الواقف، ثم قال في شرح الملتقى‏:‏ ويمكن أن يقال لا فرق بين التعيين وعدمه؛ لأن الصرف إلى ما هو قريب من العمارة كالعمارة وهي مقدمة مطلقا، ويقويه تجويزهم مخالفة شرط الواقف في سبعة مسائل منها‏:‏ الإمام لو شرط له ما لا يكفيه يخالف شرطه ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا مأخوذ من البحر حيث قال‏:‏ والتسوية بالعمارة تقتضي تقديمهما أي الإمام والمدرس عند شرط الواقف إنه إذا ضاق ريع الوقف قسم الريع عليهم بالحصة وأن هذا الشرط لا يعتبر‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل‏:‏ أن الوجه يقتضي أن ما كان قريبا من العمارة يلحق بها في التقديم على بقية المستحقين، وإن شرط الواقف قسمة الريع على الجميع بالحصة أو جعل للكل قدرا وكان ما قدره للإمام ونحوه لا يكفيه فيعطي قدر الكفاية لئلا يلزم تعطيل المسجد، فيقدم أولا العمارة الضرورية ثم الأهم فالأهم من المصالح والشعائر بقدر ما يقوم به الحال، فإن فضل شيء يعطى لبقية المستحقين إذ لا شك أن مراد الواقف انتظام حال مسجده أو مدرسته لا مجرد انتفاع أهل الوقف، وإن لزم تعطيله خلافا لما يوهمه كلام الحاوي المذكور، ولكن يمكن إرجاع الإشارة في قول الحاوي هذا إذا لم يكن معينا إلخ إلى صدر عبارته، يعني أن الصرف إلى ما هو أقرب إلى العمارة كالإمام ونحوه إنما هو فيما إذا لم يكن الوقف معينا على جماعة معلومين كالمسجد والمدرسة، أما لو كان معينا كالدار الموقوفة على الذرية أو الفقراء فإنه بعد العمارة يصرف الريع إلى ما عينه الواقف بلا تقديم لأحد على أحد فاغتنم هذا التحرير ‏(‏قوله‏:‏ كذلك‏)‏ أي بقدر الكفاية لا بقدر الشرط، وأما قوله الآتي‏:‏ فيعطوا المشروط وقوله‏:‏ فلهم أجرة عملهم، فيأتي الكلام فيه ‏(‏قوله‏:‏ لثبوته اقتضاء‏)‏ لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدا ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء بحر ومثلها ما هو قريب منها كما قررناه آنفا‏.‏

مطلب في قطع الجهات لأجل العمارة

‏(‏قوله‏:‏ وتقطع الجهات‏)‏ أي تمنع من الصرف إليها، وعبارة الفتح وتقطع الجهات الموقوف عليها للعمارة إن لم يخف ضرر بين فإن خيف قدم ا هـ‏.‏ أي إن من يخاف بقطعه ضرر بين كإمام ونحوه يقدم أي على بقية المستحقين ممن ليس في قطعهم ضرر بين لا على العمارة فافهم، إلا أن يكون المراد العمارة الغير الضرورية، فإن الإمام يقدم عليها ويحتمل أن المراد من قوله‏:‏ قدم أنه لا يقطع بقرينة صدر العبارة، لكن يصير مفاده أن من في قطعه ضرر بين يساوي العمارة فيصرف أولا إليها وإليه وهو خلاف المفاد من التعبير بثم في عبارة الحاوي كما مر، فإما أن يراد بثم معنى الواو كما هو مفاد كلام البحر، أو يراد بالعمارة فيما مر الضرورية كرفع سقف أو جدار، فيصرف الريع إليها أولا كما هو مفاد المتون، ثم الفاضل إلى الجهات الضرورية الأهم فالأهم دون غيرها كالشاهد والجابي وخازن الكتب ونحوهم، ويراد بما في الفتح العمارة الغير الضرورية فتقدم الجهات الضرورية عليها أو تشاركها إذا كان الريع يكفي كلا منهما، ثم لا يخفى أنه لو احتيج قطع الكل للعمارة الضرورية قدمت على جميع الجهات؛ إذ ليس من النظر خراب المسجد لأجل إمام ومؤذن‏.‏ فالحاصل‏:‏ أن الترتيب المستفاد من عبارة الحاوي بالنظر إلى تقديم العمارة الضرورية، على جميع الجهات، والمشاركة المفادة من عبارة الفتح بالنظر إلى غير الضرورية أو إذا كان في الريع زيادة على الضرورية، ثم رأيت في حاشية الأشباه التصريح بحمل ما في الحاوي على ما قلنا ‏(‏قوله‏:‏ فيعطى المشروط لهم‏)‏ برفع المشروط نائب فاعل يعطى، وفي بعض النسخ فيعطوا بالجزم بحذف النون عطفا على قدموا ونصب المشروط مفعول ثان‏.‏ واعترض بأن ما ذكره تابع فيه النهر وهو خلاف ما مر من أنهم يعطون بقدر كفايتهم، وخلاف ما في البحر من أخذ قدر الأجرة‏.‏ قلت‏:‏ لا يخفى على أن قول الفتح المار، وتقطع الجهات إلخ معناه أن من يخاف بقطعه ضرر بين لا يقطع معلومه المشروط له بل يقدم ويأخذه بخلاف غيره من المستحقين كالناظر والشاد والمباشر ونحو ذلك فإنه يقطع ولا يعطى شيئا أي إلا إذا عمل زمن العمارة، فله قدر أجرته فقط لا المشروط، فإنه في الفتح قال بعد قوله قدم، وأما الناظر فإن كان المشروط له من الواقف فهو كأحد المستحقين فإذا قطعوا للعمارة قطع إلا أن يعمل كالفاعل والبناء ونحوهما فيأخذ قدر أجرته وإن لم يعمل لا يأخذ شيئا ا هـ‏.‏ ولهذا قال في النهر‏:‏ وأفاد في البحر أن مما يخاف بقطعه الضرر البين الإمام والخطيب، فيعطيان المشروط لهما أما المباشر والشاد إذا عملا زمن العمارة فإنما يستحقان بقدر أجرة عملهما لا المشروط ا هـ‏.‏ لكن الظاهر أن قوله‏:‏ وأفاد في البحر سبق قلم، وصوابه وأفاد في الفتح لأن ما ذكره هو مفاد كلام الفتح كما علمته، وأما ما في البحر فإنه خلاف هذا لأنه بعد ما ذكر كلام الفتح قال‏:‏ فظاهره أن من عمل من المستحقين زمن العمارة يأخذ قدر أجرته، لكن إذا كان مما لا يمكن ترك عمله إلا بضرر بين كالإمام والخطيب، ولا يراعى المعلوم المشروط زمن العمارة، فعلى هذا إذا عمل المباشر والشاد زمن العمارة يعطيان بقدر أجرة عملهما فقط وأما ما ليس في قطعه ضرر بين فإنه لا يعطى شيئا أصلا زمن العمارة‏.‏ ا هـ‏.‏ وأنت خبير بأن ما نسبه إلى ظاهر الفتح خلاف الظاهر، فإن ظاهر الفتح أن من لا يقطع يعطى المشروط لا الأجر ومن يقطع وهو من ليس في قطعه ضرر بين لا يعطى، ثم ذكر أن الناظر ممن يقطع وأنه إذا عمل فله قدر أجرته‏:‏ أي لا ما شرطه له الواقف فأفاد أن من يقطع كالناظر لا يعطى شيئا إلا إذا عمل وهذا كله كما ترى مخالف لما فهمه في البحر من أن من لا يقطع كالإمام له الأجر إذا عمل، ومن يقطع لا يعطى شيئا أصلا أي لا أجرا ولا مشروطا وإن عمل وفيه أيضا أنه جعل للشاد والمباشر أجرة إذا عملا، ومقتضاه أنهما من الشعائر التي لا تقطع، وهو خلاف ما صرح به نفسه بعد نحو ثلاث أوراق نعم هو موافق لما بحثه في الأشباه من أنه ينبغي أن يلحق بهؤلاء يعني الإمام والمدرس والخطيب والمؤذن والميقاتي والناظر؛ وكذا الشاد والكاتب والجابي زمن العمارة ا هـ‏.‏ لكن رد في النهر ما في الأشباه بأنه مخالف لصريح كلامهم كما مر، بل الناظر وغيره إذا عمل زمن العمارة، كان له أجر مثله كما جرى عليه في البحر وهو الحق ا هـ‏.‏ ومراده بما جرى عليه في البحر، ما نقله عن الفتح ومراده بقوله‏:‏ بل الناظر وغيره‏:‏ أي من ليس في قطعه ضرر بين ووجه مخالفته للمنقول‏.‏ أن هؤلاء لهم أجرة عملهم إذا عملوا زمن العمارة فإلحاقهم بالإمام وأخويه تقتضي أن لهم الشروط، وليس كذلك كما دل عليه كلام الفتح وبه ظهر خلل ما في البحر وصحة ما ذكره الشارح تبعا للنهر خلافا لمن نسبهما إلى عدم الفهم فافهم‏.‏ نعم في عبارة البحر والنهر خلل من وجه آخر وهو أن كلامهما مبني أن المراد بالعمل في عبارة الفتح عمله في وظيفة، وهو بعيد لأنه إذا عمل في وظيفته، وأعطي قدر أجرته لم يقطع بل صدق عليه أنه قدم كغيره ممن في قطعه ضرر كالإمام، وهذا خلاف ما مر من تقديم الأهم فالأهم‏.‏ وأيضا من لم يعمل عمله المشروط لا يعطى شيئا أصلا ولو كان في قطعه ضرر، فلا فرق بينه وبين غيره فيتعين حمل العمل في كلام الفتح على العمل في التعمير وعبارة الفتح صريحة في ذلك فإنه قال‏:‏ إلا أن يعمل كالفاعل والبناء ونحوهما فيأخذ قدر أجرته ا هـ‏.‏ لكن هو مقيد بما إذا عمل بأمر القاضي لما في جامع الفصولين لو عمل المتولي في الوقف بأجر جاز ويفتى بعدمه إذ لا يصلح مؤجرا ومستأجرا وصح لو أمره الحاكم أن يعمل فيه‏.‏ ا هـ‏.‏ وعليه كما في القنية‏:‏ إذا عمل القيم في عمارة المسجد والوقف كعمل الأجير لا يستحق أجرا محمول على ما إذا كان بلا أمر الحاكم والظاهر أن الناظر غير قيد، بل كل من عمل في التعمير من المستحقين له أجرة عمله وإنما نصوا على الناظر؛ لأنه لا يصلح مؤجرا ومستأجرا أي مستأجرا لنفسه، فإذا كان بأمر الحاكم كان الحاكم هو المستأجر له، بخلاف غيره من المستحقين فإن المستأجر له هو الناظر، فلا شبه في استحقاقه الأجرة كالأجنبي‏.‏ وحيث حملنا كلام الفتح على ما قلنا صار حاصله‏:‏ أن من في قطعه ضرر بين لا يقطع زمن التعمير أي بل يبقى على ما شرط له الواقف وأما غيره فيقطع ولا يعطى شيئا أصلا وإن عمل في وظيفته‏.‏ نعم يعطى لكل أجرة عمله إذا عمل في العمارة ولو هو الناظر لكن لو بأمر الحاكم وبهذا التقرير سقط ما قدمناه عن النهر في الرد على الأشباه إذ لا أجرة على العمل في غير التعمير، ثم الظاهر أن المراد بالمشروط ما يكفيه لأن المشروط له من الوقف لو كان دون كفايته وكان لا يقوم بعمله إلا بها يزاد عليه ويؤيده ما سيأتي في فروع الفصل الأول أن للقاضي الزيادة على معلوم الإمام إذا كان لا يكفيه، وكذا الخطيب‏.‏ قلت‏:‏ بل الظاهر أن كل من في قطعه ضرر بين فهو كذلك لأنه في الأجير في التعمير، وأما لو كان المشروط له أكثر من قدر الكفاية فلا يعطى إلا الكفاية في زمن التعمير لأنه لا ضرورة إلى دفع الزائد المؤدي إلى قطع غيره فيصرف الزائد إلى من يليه من المستحقين، وعلى هذا يحصل التوفيق بين ما مر عن الحاوي من أنهم يعطون بقدر كفايتهم، وبين ما استفيد من الفتح من أنهم يعطون المشروط‏.‏ والحاصل مما تقرر وتحرر أنه يبدأ بالتعمير الضروري حتى لو استغرق جميع الغلة صرفت كلها إليه ولا يعطى أحد ولو إماما أو مؤذنا، فإن فضل عن التعمير شيء يعطى ما كان أقرب إليه مما في قطعه ضرر بين وكذا لو كان التعمير غير ضروري بأن كان لا يؤدي تركه إلى خراب العين، لو أخر إلى غلة السنة القابلة فيقدم الأهم فالأهم ثم من لا يقطع يعطى المشروط له إذا كان قدر كفايته وإلا يزاد أو ينقص، ومن لم يكن في قطعه ضرر بين قدمت العمارة عليه وإن أمكن تأخيرها إلى غلة العام القابل كما هو مقتضى إطلاق المتون ولا يعطى شيئا أصلا وإن باشر وظيفته ما دام الوقف محتاجا إلى التعمير وكل من عمل من المستحقين في العمارة فله أجرة عمله لا المشروط ولا قدر الكفاية فهذا غاية ما ظهر لي في تحرير هذا المقام الذي زلت فيه أقدام الأفهام‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأما الناظر والكاتب إلخ‏)‏ قد علمت ما في هذا الكلام وما ادعاه في النهر أنه الحق مخالفا لما في الأشباه بما حررناه آنفا ‏(‏قوله‏:‏ ضمن‏)‏ هذا إذا كان في تأخير التعمير خراب عين الوقف، وإلا فيجوز الصرف للمستحقين، وتأخير العمارة للغلة الثانية إذا لم يخف ضرر بين، فإن خيف قدم كما في الزواهر عن البحر در منتقى ‏(‏قوله‏:‏ الظاهر لا‏)‏ قياسا على مودع الابن إذا أنفق على الأبوين بلا إذنه ولا إذن القاضي فإنه يضمن بلا رجوع عليهما لأنه بالضمان تبين أنه دفع مال نفسه وأنه متبرع بحر وفيه نظر بل له الرجوع ما دام المدفوع قائما لو هلك لأنه هبة نهر‏.‏ أقول‏:‏ لا وجه لجعله هبة بل هو دفع مال يستحقه غير المدفوع إليه على ظن أنه يستحقه المدفوع إليه فينبغي الرجوع قائما أو مستهلكا كدفع الدين المظنون، بخلاف مودع الابن فإنه مأمور بالحفظ رملي ملخصا ونحوه في شرح المقدسي، ونقل ط نحوه عن البيري‏.‏ والحاصل‏:‏ أن الظاهر الرجوع مطلقا لا عدمه مطلقا ولا التفصيل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وما قطع إلخ‏)‏ في الأشباه إذا حصل تعمير الوقف في سنة وقطع معلوم المستحقين كله، أو بعضه فما قطع لا يبقى دينا لهم على الوقف إذ لا حق لهم في الغلة زمن التعمير، وفائدته لو جاءت الغلة في السنة الثانية وفاض شيء بعد صرف معلومهم هذه السنة لا يعطيهم الفاضل عوضا عما قطع ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ قدر العمارة‏)‏ أي القدر الذي يغلب على ظنه الحاجة إليه حموي ويصرف الزيادة على ما شرط الواقف أشباه ‏(‏قوله‏:‏ ولا غلة‏)‏ أي والحال أنه لا غلة للأرض حين يحدث حدث ‏(‏قوله‏:‏ فليحفظ الفرق إلخ‏)‏ قال في الأشباه فيفرق بين اشتراط تقديم العمارة كل سنة والسكوت عنه فإنه مع السكوت تقدم العمارة عند الحاجة إليها ولا يدخر لها عند عدم الحاجة إليها ومع الاشتراط تقدم عند الحاجة ويدخر لها عند عدمها ثم يفرق الباقي لأن الواقف إنما جعل الفاضل ا هـ‏.‏ عنها للفقراء‏.‏ ا هـ‏.‏ ط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لو زاد المتولي دانقا‏)‏ صورته استأجر المتولي رجلا في عمارة المسجد بدرهم ودانق وأجرة مثله درهم ضمن جميع الأجرة من ماله لأنه زاد في الأجر أكثر مما يتغابن فيه الناس، فيصير مستأجرا لنفسه فإذا نقض الأجر من مال المسجد، كان ضامنا بحر عن الخانية والدانق سدس الدرهم والمدار على ما لا يتغابن فيه أي ما لا يقبل الناس الغبن فيه إذ ما دونه يسير لا يمكن الاحتراز عنه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفي شرحها‏)‏ خبر مقدم وجملة قوله الشعائر إلخ قصد بها لفظها مبتدأ مؤخر ‏(‏قوله‏:‏ في وقف المصالح‏)‏ أي فيما لو وقف على مصالح المسجد ‏(‏قوله‏:‏ يعبر‏)‏ من العبور بمعنى الدخول ‏(‏قوله‏:‏ التي تقدم‏)‏ أي على بقية المستحقين بعد العمارة الضرورية ‏(‏قوله‏:‏ إمام وخطيب إلخ‏)‏ ظاهره أن جميع من ذكر يكون في قطعه ضرر بين وخصه في النهر بالخطيب فقط بشرط أن يتحد في البلد كمكة والمدينة، ولم يوجد من يخطب حسبة بإذن الإمام ا هـ‏.‏ وفيه نظر كما في الحموي ‏(‏قوله‏:‏ مباشر‏)‏ انظر ما المراد به ‏(‏قوله‏:‏ وشاهد‏)‏ قيل المراد به كاتب الغيبة المعروف بالنقطجي بعرف أهل الشام ‏(‏قوله‏:‏ وشاد‏)‏ هو الملازم للمسجد مثلا لتفقد حاله من تنظيف ونحوه ط، وقيل‏:‏ هو المسمى بالدعجي‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده ما في القاموس الإشادة رفع الصوت بالشيء وتعريف الضالة والإهلال والشيادة الدعاء بالإبل ودلك الطيب بالجلد‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومزملاتي‏)‏ هو الشاوي بعرف أهل الشام در منتقى وقيل‏:‏ هو في عرف أهل مصر من ينقل الماء من الصهريج إلى الجرار‏.‏ وفي القاموس مزملة كمعظمة التي يبرد فيها الماء ‏(‏قوله قاله في البحر‏)‏ أي قال ما مر من قوله‏:‏ الشعائر إلى هنا ‏(‏قوله‏:‏ قلت ولا تردد‏)‏ رد على قول البحر ويقع الاشتباه إلخ ‏(‏قوله‏:‏ انتهى‏)‏ أي كلام الشرنبلالي في شرح الوهبانية ‏(‏قوله‏:‏ لو مدرس المدرسة‏)‏ ولا يكون مدرسها من الشعائر إلا إذا لازم التدريس على حكم الشرط، أما مدرسو زماننا فلا أشباه ولو أنكر الناظر ملازمة المدرس فالقول للمدرس بيمينه وكذا لورثته لقيامهم مقامه، وكذا كل ذي وظيفة وتمامه في حاشية الرملي عند قول البحر السادسة‏.‏

مطلب فيمن لم يدرس لعدم وجود الطلبة

وفي الحموي سئل المصنف عمن لم يدرس لعدم وجود الطلبة، فهل يستحق المعلوم‏؟‏ أجاب‏:‏ إن فرغ نفسه للتدريس بأن حضر المدرسة المعينة لتدريسه استحق المعلوم، لا مكان التدريس لغير الطلبة المشروطين قال في شرح المنظومة‏:‏ المقصود من المدرس يقوم بغير الطلبة بخلاف الطالب، فإن المقصود لا يقوم بغيره ا هـ‏.‏ و سيأتي قبيل الفروع أنه لو درس في غيرها لتعذره فيها ينبغي أن يستحق العلوفة، وفي فتاوى الحانوتي يستحق المعلوم عند قيام المانع من العمل ولم يكن بتقصيره سواء كان ناظرا أو غيره كالجابي‏.‏

مطلب في استحقاق القاضي والمدرس الوظيفة في يوم البطالة

‏(‏قوله‏:‏ وينبغي إلحاقه ببطالة القاضي إلخ‏)‏ قال في الأشباه وقد اختلفوا في أخذ القاضي ما رتب له في بيت المال في يوم بطالته، فقال في المحيط‏:‏ إنه يأخذ لأنه يستريح لليوم الثاني وقيل لا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المنية القاضي يستحق الكفاية من بيت المال في يوم البطالة في الأصح، وفي الوهبانية أنه أظهر فينبغي أن يكون كذلك في المدرس؛ لأن يوم البطالة للاستراحة، وفي الحقيقة تكون للمطالعة والتحرير عند ذوي الهمة، ولكن تعارف الفقهاء في زماننا بطالة طويلة أدت إلى أن صار الغالب البطالة، وأيام التدريس قليلة ا هـ‏.‏ ورده البيري بما في القنية إن كان الواقف قدر للدرس لكل يوم مبلغا فلم يدرس يوم الجمعة أو الثلاثاء لا يحل له أن يأخذ ويصرف أجر هذين اليومين إلى مصارف المدرسة من المرمة وغيرها بخلاف ما إذا لم يقدر لكل يوم مبلغا، فإنه يحل له الأخذ وإن لم يدرس فيهما للعرف، بخلاف غيرهما من أيام الأسبوع حيث لا يحل له أخذ الأجر عن يوم لم يدرس فيه مطلقا سواء قدر له أجر كل يوم أو لا‏.‏ ا هـ‏.‏ ط قلت‏:‏ هذا ظاهر فيما إذا قدر لكل يوم درس فيه مبلغا أما لو قال يعطى المدرس كل يوم كذا فينبغي أن يعطى ليوم البطالة المتعارفة بقرينة ما ذكره في مقابله من البناء على العرف، فحيث كانت البطالة معروفة في يوم الثلاثاء والجمعة وفي رمضان والعيدين يحل الأخذ، وكذا لو بطل في يوم غير معتاد لتحرير درس إلا إذا نص الواقف على تقييد الدفع باليوم الذي يدرس فيه كما قلنا‏.‏ وفي الفصل الثامن عشر من التتارخانية قال الفقيه أبو الليث ومن يأخذ الأجر من طلبة العلم في يوم لا درس فيه أرجو أن يكون جائزا وفي الحاوي إذا كان مشتغلا بالكتابة والتدريس‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسيجيء‏)‏ أي عن نظم الوهبانية بعد قوله مات المؤذن والإمام‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ على من له السكنى‏)‏ أي على من يستحقها، ومفاده أنه لو كان بعض المستحقين غير ساكن فيها يلزمه التعمير مع الساكنين؛ لأن تركه لحقه لا يسقط حق الوقف فيعمر معهم وإلا تؤجر حصته كما يأتي ‏(‏قوله‏:‏ من ماله‏)‏ فإذا رم حيطانها بالآجر، أو أدخل فيها جذعا ثم مات ولا يمكن نزع ذلك فليس للورثة نزعه، بل يقال لمن له السكنى بعده اضمن لورثته قيمة البناء، فإن أبى أوجرت الدار وصرفت الغلة إليهم بقدر قيمة البناء، ثم أعيدت السكنى إلى من له السكنى وليس له أن يرضى بالهدم والقلع، وإن كان ما رم الأول مثل تجصيص الحيطان، وتطيين السطوح وشبه ذلك لم يرجع الورثة بشيء بحر عن الظهيرية أي لأن ما لا يمكن أخذ عينه، فهو في حكم الهالك بخلاف الآجر، والجذع ولو بنى الأول ما يمكن رفعه بلا ضرر أمر الورثة برفعه وليس للثاني تملكه بلا رضاهم كما في الإسعاف‏.‏ وفي البحر عن القنية لو بنى واحد من الموقوف عليهم بعض الدار وطين البعض وجصص البعض وبسط فيه الآجر فطلب الآخر حصته ليسكن فيها فمنعه حتى يدفع حصة ما أنفق ليس له ذلك والطين والجص صارا تبعا للوقف وله نقض الآجر إن لم يضر‏.‏

مطلب في عمارة من له السكنى

‏(‏قوله‏:‏ لا من الغلة‏)‏ لأن من له السكنى لا يملك الاستغلال بلا خلاف‏.‏ واختلف في عكسه والراجح الجواز كما حرره الشرنبلالي في رسالة ويأتي تمامه قريبا ‏(‏قوله‏:‏ إذ الغرم بالغنم‏)‏ أي المضرة بمقابلة المنفعة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بقدر الصفة التي وقفها الواقف‏)‏ هذا موافق لما قدمناه عن الهداية عند قوله‏:‏ يبدأ من غلته بعمارته والظاهر أن المراد منه منع الزيادة بلا رضاه كما يفيده تمام عبارة الهداية وكذا ما يأتي عن الزيلعي، فلا ينافي ما في الإسعاف من أنه يقال له رمها مرمة لا غنى عنها، وهي ما يمنع من خرابها ولا يلزمه أزيد من ذلك ا هـ‏.‏ فلا يلزمه إعادة البياض والحمرة ولا إعادة مثل ما خرب في الحسن والنفاسة هذا ما ظهر لي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أبى من له السكنى‏)‏ أي كلهم أو بعضهم فيؤجر حصته الآبي ثم يردها إليه كما في القهستاني والدر المنتقى والإسعاف ‏(‏قوله‏:‏ عمر الحاكم‏)‏ أي أو المتولي قهستاني قال في البحر‏:‏ ولو قالوا عمرها المتولي أو القاضي لكان أولى ‏(‏قوله‏:‏ كعمارة الواقف‏)‏ أتى به مع علمه مما تقدم للاستثناء ط ‏(‏قوله‏:‏ ولم يزد في الأصح‏)‏ يشير إلى أن فيه خلافا لكن هذا ذكره الزيلعي في الموقوف على الفقراء وقدمناه أيضا عن الهداية وكلامنا الآن في الموقوف على معين أي كذرية الواقف ونحوهم ممن عين لهم السكنى وظاهر كلامهم أنه لا خلاف في عدم الزيادة فيه‏.‏

مطلب فيما لو آجر من له السكنى

‏(‏قوله‏:‏ ولا تصح إجارة من له السكنى‏)‏ أي إذا لم يكن متوليا ولو زادت على قدر حاجته ولا مستحق غيره كما قدمناه عند قوله‏:‏ ولا يقسم وقدمنا هناك ما لو ضاقت على المستحقين، وكذا لا تصح إجارة من له الغلة كما في البحر وسيأتي في قول المصنف‏:‏ والوقوف عليه الغلة لا يملك الإجارة بقي لو آجر ولم تصح ينبغي أن تكون للوقف بحر، لكن قال الحانوتي إنه غاصب وصرحوا بأن الأجرة للغاصب‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ هذا مبني على مذهب المتقدمين والمفتى به ضمان منافع الوقف كما سيأتي قبيل قوله يفتي بالضمان في غصب عقار الوقف فإذا كانت الغلة أو السكنى له وحده ينبغي أن تكون الأجرة له وإلا فللكل تأمل‏.‏

مطلب لا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر من قبله

‏(‏قوله بل المتولي أو القاضي‏)‏ ظاهره أن للقاضي الإجارة ولو أبى المتولي، إلا أن يكون المراد التوزيع فالقاضي يؤجرها إن لم يكن لها متول أو كان وأبى الأصلح وأما مع حضور المتولي فليس للقاضي ذلك فليس للقاضي ذلك بحر‏.‏ وفي الأشباه في قاعدة الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة بعد أن ذكر فروعا وعلى هذا لا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر ولو من قبله‏.‏ ا هـ‏.‏ قال الرملي‏:‏ و سيأتي أن ولاية القاضي متأخرة عن المشروط له ووصية تنبه ا هـ‏.‏ ومفاده أنه ليس له الإيجار مع حضور المتولي، وأيده الرملي في محل آخر واستند له بالقاعدة المارة لكنه نقل بعده عن أوقاف هلال أن القاضي إذا آجر دار الوقف أو وكيله بأمره جاز قال‏:‏ وظاهره إطلاق الجواز مع وجود المتولي ووجهه ظاهر ا هـ‏.‏ لكن في فتاوى الحانوتي أن تنصيصهم على أن القاضي محجور عن التصرف في مال اليتيم عند وصي الميت، أو القاضي يقتضي بالقياس عليه أنه هنا كذلك فلا يؤجر إلا إذا لم يكن متول أو كان وامتنع ا هـ‏.‏ وعليه يحمل كلام هلال‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

لم يذكر الشارحون حكم العمارة من المتولي أو القاضي، وفي المحيط أنها لصاحب السكنى لأن الأجرة بدل المنفعة وهي كانت له فكذا بدلها والقيم إنما أجر لأجله ا هـ‏.‏ ومقتضاه أنه لو مات تكون ميراثا كما لو عمرها بنفسه بحر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ رعاية للحقين‏)‏ حق الوقف وحق صاحب السكنى؛ لأنه لو لم يعمرها تفوت السكنى أصلا بحر ‏(‏قوله‏:‏ فلا عمارة على من له الاستغلال إلخ‏)‏ مفهوم قول المتن فعمارته على من له السكنى وهذا معلوم أيضا من قوله يبدأ من غلة الوقف بعمارته وعطف عليه قوله ولو دارا إلخ‏.‏

مطلب من له السكنى لا يملك الاستغلال واختلف في عكسه

‏(‏قوله‏:‏ لأنه لا سكنى له‏)‏ قال في البحر وظاهر كلام المصنف وغيره أن من له الاستغلال لا يملك السكنى ومن له السكنى لا يملك الاستغلال كما صرح به في البزازية والفتح أيضا بقوله‏:‏ وليس للموقوف عليهم الدار سكناها بل الاستغلال كما ليس للموقوف عليهم السكنى بل الاستغلال ا هـ‏.‏ وما في الظاهرية‏:‏ من أن العمارة على من يستحق الغلة محمول على أن العمارة في غلتها ولما كانت غالبها له صار كأن العمارة عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده أن الخصاف سوى بين المسألتين، لكنه فرق بينهما في محل آخر بأن من له الاستغلال له السكنى لأن سكناه كسكنى غيره بخلاف العكس لأنه يوجب فيها حقا لغيره، ومن له الاستغلال إذا سكن لا يوجب حقا لغيره وادعى الشرنبلالي في رسالة أن الراجح هذا كما قدمته قريبا وتمامه فيما علقته على البحر‏.‏

مطلب وقف الدار عند الإطلاق يحمل على الاستغلال لا على السكنى

‏[‏تنبيه‏]‏

يفهم من كلام الفتح المذكور أن الواقف إذا أطلق ولم يقيد بكونها للسكنى، أو للاستغلال أنها تكون للاستغلال، وفي الفتاوى الخيرية المصرح بها في كتبنا أن الواقف إذا أطلق الوقف فهو على الاستغلال لا السكنى قال في النظم الوهباني‏:‏ ومن وقفت دار عليه فما له سوى الأجر والسكنى بها لا تتقرر ثم ذكر عبارة شرحه لابن الشحنة، وأن المسألة من التجنيس وفتاوى الخاصي، وذكر في الخيرية في محل آخر‏.‏

مطلب‏:‏ من له الاستغلال لا يملك السكنى وبالعكس

والحاصل‏:‏ أن الواقف إذا أطلق أو عين الاستغلال كان للاستغلال، وإن قيد بالسكنى تقيد بها، وإن صرح بهما كان لهما جريان على كون شرط الواقف كنص الشارع، وهذا كما ترى خلاف ما رجحه الشرنبلالي وسيذكر الشارح القولين عند قول المصنف والموقوف عليه الغلة لا يملك الإجارة ‏(‏قوله‏:‏ فلو سكن‏)‏ أي من له الغلة على القول بأنه لا سكنى له ‏(‏قوله‏:‏ لعدم الفائدة‏)‏ لأنها إذا أخذت منه دفعت إليه، حيث لم يكن له شريك في الغلة كما في البحر ‏(‏قوله‏:‏ ولو هو المتولي‏)‏ أي لو كان الساكن في دار الغلة هو المتولي ‏(‏قوله‏:‏ ينبغي إلخ‏)‏ البحث لصاحب النهر ‏(‏قوله‏:‏ نصب متوليا ليعمرها‏)‏ الظاهر أنه لا حاجة لنصب متول من أنه لو أبى من له السكنى، أو عجز عمر الحاكم إلا أن يراد أنه ينصب متوليا مطلقا لا لخصوص التعمير لظهور خيانة الأول بما فعل فيتأمل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو شرط الواقف غلتها له‏)‏ أي للموقوف عليه الدار ‏(‏قوله‏:‏ صحا‏)‏ أي الوقف والشرط المذكور، لكن أصل العبارة في التتارخانية فالوقف جائز مع هذا الشرط ا هـ‏.‏ وهذا يحتمل أن يكون المراد جواز الوقف مقترنا بهذا الشرط ولا يلزم منه صحة هذا الشرط تأمل‏.‏

‏(‏قوله الظاهر لا‏)‏ هذا خلاف ما استظهره في البحر حيث قال‏:‏ وظاهره أنه يجبر على عمارتها وقياسه أن الموقوف عليه السكنى كذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ واستوضح في النهر لما استظهره بقول الهداية فيما مر ولا يجبر الممتنع على العمارة لما فيه من إتلاف ماله فأشبه امتناع صاحب البذر في المزارعة ولا يكون امتناعه منه رضا ببطلان حقه لأنه في حيز التردد ا هـ‏.‏ قال في النهر‏:‏ وأنت خبير بأن هذا بإطلاقه يشمل ما لو شرط عليه الواقف المرمة؛ لأنها حيث كانت عليه كان في إجباره إتلاف ماله ا هـ‏.‏ واعترض بأن الجبر فائدة صحة الشرط وإلا فلا ثمرة له‏.‏ قلت‏:‏ علمت أن صحة الشرط غير صريحة في عبارة التتارخانية وتعليل الهداية شامل للشرط وغيره، فهو دليل على عدم صحته فافهم، على أن هذا الشرط لا ثمرة له لأن الغلة حيث كانت للموقوف عليه، فلا فرق بين تعميره منها أو من غيرها، فإذا امتنع عن العمارة من ماله يؤجرها المتولي ويعمرها من غلتها لأنها موقوفة للغلة ولو كان هو المتولي وامتنع من عمارتها ينصب غيره ليعمرها أو يعمرها الحاكم كما مر‏.‏ نعم قد تظهر الثمرة فيما إذا كانت غلتها لا تفي بعمارتها، فإن قلنا بصحة الشرط لزمه أن يعمرها من ماله وهو بعيد لما علمته من كلام الهداية ولأن كلام الواقف لا يصلح ملزما له بتعميرها إذ لا ولاية له على المستحق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لم أره‏)‏ قال في الفتح بعد هذا والحال بها يؤدي إلى أن تصير نقصا على الأرض كرماد تسفوه الرياح ا هـ‏.‏ أي لو تركت بلا عمارة تصير هكذا ‏(‏قوله‏:‏ أو يرده لورثة الواقف‏)‏ قال في البحر‏:‏ وهو عجيب لأنهم صرحوا باستبدال الوقف إذا خرب وصار لا ينتفع به وهو شامل للأرض والدار، قال في الذخيرة وفي المنتقى قال هشام‏:‏ سمعت محمدا يقول الوقف إذا صار بحيث لا ينتفع به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره وليس ذلك إلا للقاضي‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما عود الوقف بعد خرابه إلى ملك الواقف أو ورثته فقد قدمنا ضعفه‏.‏ فالحاصل‏:‏ أن الموقوف عليه السكنى إذا امتنع من العمارة ولم يوجد مستأجر باعها القاضي واشترى بثمنها ما يكون وقفا، لكن ظاهر كلام المشايخ أن محل الاستبدال عند التعذر إنما هو الأرض لا البيت وقد حققناه في رسالة الاستبدال ا هـ‏.‏ كلام البحر واعترضه الرملي بأن كلام المنتقى المذكور شامل للأرض والبيت فالفرق بينهما غير صحيح ‏(‏قوله‏:‏ فلو هو الوارث لم أره‏)‏ قبل هذا عجيب من الشارح بعد ما رأى كلام البحر خصوصا، وقد أقره في النهر من أن الحكم هو الاستبدال فقط، وهو لا يختلف بالوارث وغيره وبه ظهر ضعف ما في فتاوى قارئ الهداية‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ بل هو عجيب من المعترض بعد قول المعترض البحر، لكن ظاهر كلام المشايخ إلخ‏.‏ نعم يرد عليه ما قاله الرملي وكذا ما قدمنا عن الفتح عند قوله وعاد إلى الملك عند محمد من أن دار الغلة إذا خربت إنما يعود إلى الملك عنده نقضها دون ساحتها لأن ساحتها يمكن استغلالها ولو بشيء قليل بخلاف غير المعد للغلة كرباط أو حوض خرب فهذا يعود إلى الملك كله عند محمد‏.‏

مطلب في الوقف إذا خرب ولم يمكن عمارته

‏(‏قوله‏:‏ وفي فتاوى قارئ الهداية إلخ‏)‏ حيث قال سئل عن وقف انهدم ولم يكن له شيء يعمر منه، ولا أمكن إجارته ولا تعميره، هل تباع أنقاضه من حجر وطوب وخشب‏؟‏ أجاب‏:‏ إذا كان الأموال كذلك صح بيعه بأمر الحاكم، ويشترى بثمنه وقف مكانه فإذا لم يمكن رده إلى ورثة الواقف إن وجدوا ولا يصرف للفقراء‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر أن البيع مبني على قول أبي يوسف والرد إلى الورثة أو إلى الفقراء على قول محمد، وهو جمع حسن حاصله أنه يعمل بقول أبي يوسف، حيث أمكن وإلا فبقول محمد تأمل‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

قال في الدرر المنتقى في كلام المصنف إشارة إلى أن الخان لو احتاج إلى المرمة آجر بيتا أو بيتين وأنفق عليه، وفي رواية يؤذن للناس بالنزول سنة، ويؤجر سنة أخرى ويرم من أجرته وقال الناطفي القياس في المسجد أن يجوز إجارة سطحه لمرمته محيط، وفي البرجندي والظاهر أن حكم عمارة أوقاف المسجد والحوض والبئر وأمثالها حكم الوقف على الفقراء‏.‏ ا هـ‏.‏

قوله‏:‏ نقضه‏)‏ بتثليث النون على ما ذكره البرجندي أي المنقوض من خشب وحجر وآجر وغيرها شرح الملتقى ‏(‏قوله‏:‏ إن احتاج‏)‏ بأن أحضرت المؤن أو كان المنهدم لقلته لا يخل بالانتفاع، فيؤخره للاحتياج وإلا فبالانهدام تتحقق الحاجة، فلا معنى للشرط حينئذ نبه عليه في الفتح وأغفله في البحر نهر ‏(‏قوله‏:‏ ليحتاج‏)‏ الأولى للاحتياج كما عبر في الكنز ‏(‏قوله‏:‏ فيبيعه‏)‏ فعلى هذا يباع النقض في موضوعين‏:‏ عند تعذر عوده وعند خوف هلاكه بحر، ويزاد ما في الفتح حيث قال‏:‏ واعلم أن عدم جواز بيعه إلا إذا تعذر الانتفاع به إنما هو فيما إذا ورد عليه وقف الواقف أما إذا اشتراه المتولي من مستغلات الوقف فإنه يجوز بيعه بلا هذا الشرط لأن في صيرورته وقفا خلافا والمختار أنه لا يكون وقفا فللقيم أن يبيعه متى شاء لمصلحة عرضت‏.‏ ا هـ‏.‏ وستأتي المسألة في الفصل الآتي متنا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا العين‏)‏ لأنها حق المالك أو حق الله تعالى على الخلاف ومنه يؤخذ عدم جواز قسمة حصر المسجد العتيقة بين المستحقين، وكذا ما بقي من شمع رمضان وزيته للإمام، والوقادين حموي إلا إذا كان العرف في ذلك الموضع أن الإمام أو المؤذن يأخذه بلا صريح إذن الدافع، فله ذلك كما في البحر عن القنية ط‏.‏ قلت‏:‏ وشجر الوقف ليس له حكم العين لما في البحر عن الفتح سأل أبو القاسم الصفار عن شجرة وقف يبس بعضها وبقي بعضها قال ما يبس منها فسبيله سبيل غلتها وما بقي متروك على حالها وفي البزازية عن الفضلي إن لم تكن مثمرة يجوز بيعها قبل القلع لأنه غلتها والمثمرة لا تباع إلا بعد القلع كبناء الوقف‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي جامع الفصولين غصب وقفا فنقض فما يؤخذ بنقصه يصرف إلى مرمته لا إلى أهل الوقف لأنه بدل الرقبة وحقهم في الغلة لا في الرقبة‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ جعل شيء‏)‏ بالبناء للمفعول وشيء نائب فاعل والأصل ما فسر به الشارح وكان المناسب ذكر هذه المسائل فيما مر من الكلام على المسجد ‏(‏قوله‏:‏ أي جعل الباني‏)‏ ظاهره أن أهل المحلة ليس له ذكر ذلك وسنذكر ما يخالفه‏.‏

مطلب في جعل شيء من المسجد طريقا

‏(‏قوله‏:‏ من الطريق‏)‏ أطلق في الطريق فعم النافذ وغيره وفي عبارتهم ما يؤيده ط وتمامه فيه ‏(‏قوله‏:‏ لضيقه ولم يضر بالمارين‏)‏ أفاد أن الجواز مقيد بهذين الشرطين ط ‏(‏قوله‏:‏ جاز‏)‏ ظاهره أنه يصير له حكم المسجد وقد قال في جامع الفصولين‏:‏ المسجد الذي يتخذ من جانب الطريق لا يكون له حكم المسجد بل هو طريق بدليل أنه لو رفع حوائطه عاد طريقا كما كان قبله‏.‏ ا هـ‏.‏ شرنبلالية‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر أن هذا في مسجد جعل كله من الطريق، والكلام فيما أدخل من الطريق في المسجد، وهذا لا مانع من أخذه حكم المسجد حيث جعل منه كمسجد مكة والمدينة وقد مر قبيل الوتر والنوافل في بحث أحكام المسجد أن ما ألحق بمسجد المدينة ملحق به في الفضيلة نعم تحري الأول أولى ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله‏:‏ كعكسه‏)‏ فيه خلاف كما يأتي تحريره وهذا عند الاحتياج كما قيده في الفتح فافهم ‏(‏قوله‏:‏ لتعارف أهل الأمصار في الجوامع‏)‏ لا نعلم ذلك في جوامعنا‏.‏ نعم تعارف الناس المرور في مسجد له بابان، وقد قال في البحر وكذا يكره أن يتخذ المسجد طريقا، وأن يدخله بلا طهارة ا هـ‏.‏ نعم يوجد في أطراف صحن الجوامع رواقات مسقوفة للمشي فيها وقت المطر ونحوه لأجل الصلاة أو للخروج من الجامع لا لمرور المارين مطلقا كالطريق العام، ولعل هذا هو المراد فمن كان له حاجة إلى المرور في المسجد يمر في ذلك الموضع فقط ليكون بعيدا عن المصلين؛ وليكون أعظم حرمة لمحل الصلاة فتأمل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ حتى الكافر‏)‏ اعترض بأن الكافر لا يمنع من دخول المسجد حتى المسجد الحرام، فلا وجه لجعله غاية هنا‏.‏ قلت‏:‏ في البحر عن الحاوي‏:‏ ولا بأس أن يدخل الكافر وأهل الذمة المسجد الحرام وبيت المقدس وسائر المساجد لمصالح المسجد وغيرها من المهمات ا هـ‏.‏ ومفهومه أن في دخوله لغير مهمة بأسا وبه يتجه ما هنا فافهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كما جاز إلخ‏)‏ قال في الشرنبلالية فيه نوع استدراك بما تقدم، إلا أن يقال ذاك في اتخاذ بعض الطريق مسجدا، وهذا في اتخاذ جميعها ولا بد من تقييده بما إذا لم يضر كما تقدم ولا شك أن الضرر ظاهر في اتخاذ جميع الطرق مسجدا الإبطال حق العامة من المرور المعتاد لدوابهم وغيرها فلا يقال به إلا بالتأويل بأن يراد بعض الطريق لا كله فليتأمل ا هـ‏.‏ وأجيب بأن صورته ما إذا كان لمقصد طريقان، واحتاج العامة إلى مسجد، فإنه يجوز جعل أحدهم مسجدا وليس فيه إبطال حقهم بالكلية ‏(‏قوله‏:‏ لا عكسه‏)‏ يعني لا يجوز أن يتخذ المسجد طريقا وفيه نوع مدافعة لما تقدم إلا بالنظر للبعض والكل شرنبلالية‏.‏ قلت‏:‏ إن المصنف قد تابع صاحب الدرر مع أنه في جامع الفصولين نقل أولا جعل من المسجد طريقا ومن الطريق مسجدا جاز ثم رمز لكتاب آخر، لو جعل الطريق مسجدا يجوز لا جعل المسجد طريقا لأنه لا تجوز الصلاة في الطريق فجاز جعله مسجدا، ولا يجوز المرور في المسجد فلم يجز جعله طريقا ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن المتبادر أنهما قولان في جعل المسجد طريقا بقرينة التعليل المذكور، ويؤيده ما في التتارخانية عن فتاوى أبي الليث، وإن أراد أهل المحلة أن يجعلوا شيئا من المسجد طريقا للمسلمين فقد قيل ليس لهم ذلك وأنه صحيح، ثم نقل عن العتابية عن خواهر زاده إذا كان الطريق ضيقا والمسجد واسعا لا يحتاجون إلى بعضه تجوز الزيادة في الطريق من المسجد لأن كلها للعامة ا هـ‏.‏ والمتون على الثاني، فكان هو المعتمد لكن كلام المتون في جعل شيء منه طريقا، وأما جعل كل المسجد طريقا فالظاهر أنه لا يجوز قولا واحدا نعم في التتارخانية سئل أبو القاسم عن أهل مسجد أراد بعضهم أن يجعلوا المسجد رحبة والرحبة مسجدا أو يتخذوا له بابا أو يحولوا بابه عن موضعه، وأبى البعض ذلك قال إذا اجتمع أكثرهم وأفضلهم ليس للأقل منعه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت ورحبة المسجد ساحته، فهذا إن كان المراد به جعل بعضه رحبة فلا إشكال فيه وإن كان المراد جعل كله فليس فيه إبطاله من كل جهة لأن المراد تحويله بجعل الرحبة مسجدا بدله بخلاف جعله طريقا تأمل، ثم ظاهر ما نقلناه أن تقييد الشارح أولا بالباني، وثانيا بالإمام غير قيد نعم في التتارخانية، وعن محمد في مسجد ضاق بأهله لا بأس بأن يلحق به من طريق العامة إذا كان واسعا وقيل يجب أن يكون بأمر القاضي وقيل إنما يجوز إذا فتحت البلدة عنوة لا لو صلحا ‏(‏قوله‏:‏ لجواز الصلاة في الطريق‏)‏ فيه أن الصلاة في الطريق مكروهة كالمرور في المسجد فالصواب لعدم جواز الصلاة في الطريق كما قدمناه عن جامع الفصولين يعني أن فيه ضرورة وهي أنهم لو أرادوا الصلاة في الطريق لم يجز فكان في جعله مسجدا ضرورة، بخلاف جعل المسجد طريقا لأن المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا فلم يجز لأنه يلزم المرور في المسجد، ولا يخفى في أن المتبادر من هذا كون المراد مرور أي مار ولو غير جنب، وهذا يؤيد أن هذا قول آخر، وقد علمت ترجيح خلافه وهو جواز جعل شيء منه مسجدا وتسقط حرمة المرور فيه للضرورة لكن لا تسقط عنه جميع أحكام المسجد، فلذا لم يجز المرور فيه لجنب ونحوه كما مر فافهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتؤخذ أرض‏)‏ في الفتح‏:‏ ولو ضاق المسجد وبجنبه أرض وقف عليه أو حانوت جاز أن يؤخذ ويدخل فيه ا هـ‏.‏ زاد في البحر عن الخانية بأمر القاضي وتقييده بقوله‏:‏ وقف عليه أي على المسجد يفيد أنها لو كانت وقفا على غيره لم يجز لكن جواز أخذ المملوكة كرها يفيد الجواز الأولى؛ لأن المسجد لله تعالى، والوقف كذلك ولذا ترك المصنف في شرحه هذا القيد وكذا في جامع الفصولين تأمل ‏(‏قوله‏:‏ بالقيمة كرها‏)‏ لما روي عن الصحابة رضي الله عنهم لما ضاق المسجد الحرام أخذوا أرضين بكره من أصحابها بالقيمة وزادوا في المسجد الحرام بحر عن الزيلعي قال في نور العين‏:‏ ولعل الأخذ كرها ليس في كل مسجد ضاق، بل الظاهر أن يختص بما لم يكن في البلد مسجد آخر إذ لو كان فيه مسجد آخر يمكن دفع الضرورة بالذهاب إليه نعم فيه حرج لكن الأخذ كرها أشد حرجا منه ويؤيد ما ذكرنا فعل الصحابة إذ لا مسجد في مكة سوى الحرام ا هـ‏.‏

مطلب في اشتراط الواقف الولاية لنفسه

‏(‏قوله‏:‏ جاز بالإجماع‏)‏ كذا ذكره الزيلعي وقال‏:‏ لأن شرط الواقف معتبر فيراعى لكن الذي في القدوري أنه يجوز على قول أبي يوسف وهو قول هلال أيضا وفي الهداية أنه ظاهر الرواية وقد رد العلامة قاسم على الزيلعي دعواه الإجماع بأن المنقول أن اشتراطها يفسد الوقف عند محمد كما في الذخيرة ونازعه في النهر وأطال وأطاب‏.‏ وحاصل‏:‏ ما ذكره أن فيه اختلاف الرواية عن محمد، واختلاف المشايخ في تأويل ما نقل عنه وإن هلالا أدرك بعض أصحاب أبي حنيفة لأنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين ولفظ المشايخ يقال على من دونه‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في ترجمة هلال الرائي البصري

وفي الفتح هلال الرائي هو هلال بن يحيى بن مسلم البصري نسب إلى الرأي لأنه كان على مذهب الكوفيين ورأيهم وهو من أصحاب يوسف بن خالد البصري ويوسف هذا من أصحاب أبي حنيفة، وقيل‏:‏ إن هلالا أخذ العلم عن أبي يوسف وزفر ووقع في المبسوط والذخيرة وغيرهما الرازي وفي المغرب هو تحريف لأنه من البصرة لا من الري والرازي نسبة إلى الري وهكذا في صحيح مسند أبي حنيفة وغيره‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ خلافا لما نقله المصنف‏)‏ أي عن السراجية من أنه لا يصح هذا الوقف عند محمد وبه يفتي ‏(‏قوله‏:‏ وسيجيء‏)‏ أي في الفصل الآتي وهو قول المتن ولاية نصب القيم إلى الواقف ثم لوصيه ثم للقاضي‏.‏

مطلب يأثم بتولية الخائن

‏(‏قوله‏:‏ وينزع وجوبا‏)‏ مقتضاه إثم القاضي بتركه والإثم بتولية الخائن ولا شك فيه بحر‏.‏ لكن ذكر في البحر أيضا عن الخصاف أن له عزله أو إدخال غيره معه، وقد يجاب بأن المقصود رفع ضرره عن الوقف، فإذا ارتفع بضم آخر إليه حصل المقصود قال في البحر‏:‏ قدمنا أنه لا يعزله القاضي بمجرد الطعن في أمانته بل بخيانة ظاهرة ببينة، وأنه إذا أخرجه وتاب وأناب أعاده، وأن امتناعه من التعمير خيانة، وكذا لو باع الوقف أو بعضه أو تصرف تصرفا جائزا عالما به ا هـ‏.‏ وقوله‏:‏ لا يعزله القاضي بمجرد الطعن إلخ سيذكره الشارح في الفروع ويأتي الكلام قريبا على حكم عزل القاضي بلا حجة وسيأتي في الفصل قبيل قوله باع دارا حكم عزل الواقف للناظر‏.‏

مطلب فيما يعزل به الناظر

‏[‏تنبيه‏]‏

إذا كان ناظرا على أوقاف متعددة وظهرت خيانته في بعضها أفتى المفتي أبو السعود بأنه يعزل من الكل‏.‏ قلت‏:‏ ويشهد قولهم في الشهادة أن الفسق لا يتجزأ، وفي الجواهر القيم إذا لم يراع الوقف يعزله القاضي وفي خزانة المفتين إذا زرع القيم لنفسه يخرجه القاضي من يده قال البيري‏:‏ يؤخذ من الأول أن الناظر إذا امتنع من إعارة الكتب الموقوفة كان للقاضي عزله، ومن الثاني لو سكن الناظر دار الوقف ولو بأجر المثل له عزله لأنه نص في خزانة الأكمل أنه لا يجوز له السكنى ولو بأجر المثل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الفتح أنه ينعزل بالجنون المطبق سنة لا أقل ولو برئ عاد إليه النظر قال في النهر‏:‏ والظاهر أن هذا في المشروط له النظر أما المنصوب القاضي فلا وفي البيري أيضا عن أوقاف الناصحي الواقف على قوم ولا يوصل إليهم ما شرط لهم ينزعه القاضي من يده ويوليه غيره ا هـ‏.‏ وينعزل المتولي من قبل الواقف بموت الواقف على قول أبي يوسف المفتى به لأنه وكيل عنه إلا إذا جعله قيما في حياته وبعد موته كما في البحر ‏(‏قوله‏:‏ لو الواقف‏)‏ أي لو كان المتولي هو الواقف ‏(‏قوله‏:‏ فغيره بالأولى‏)‏ قال في البحر‏:‏ واستفيد منه أن للقاضي عزل المتولي الخائن غير الواقف بالأولى‏.‏

مطلب في شروط المتولي

‏(‏قوله‏:‏ غير مأمون إلخ‏)‏ قال في الإسعاف‏:‏ ولا يولى إلا أمين قادر بنفسه أو بنائبه لأن الولاية مقيدة بشرط النظر وليس من النظر تولية الخائن لأنه يخل بالمقصود، وكذا تولية العاجز لأن المقصود لا يحصل به، ويستوي فيه الذكر والأنثى وكذا الأعمى والبصير وكذا المحدود في قذف إذا تاب لأنه أمين وقالوا‏:‏ من طلب التولية على الوقف لا يعطى له وهو كمن طلب القضاء لا يقلد ا هـ‏.‏ والظاهر‏:‏ أنها شرائط الأولوية لا شرائط الصحة وأن الناظر إذا فسق استحق العزل ولا ينعزل كالقاضي إذا فسق لا ينعزل على الصحيح المفتى به‏.‏

مطلب في تولية الصبي

ويشترط للصحة بلوغه وعقله لا حريته وإسلامه لما في الإسعاف لو أوصى إلى الصبي تبطل في القياس مطلقا وفي الاستحسان هي باطلة ما دام صغيرا، فإذا كبر تكون الولاية له ولو كان عبدا يجوز قياسا واستحسانه لأهلية في ذاته بدليل أن تصرفه الموقوف لحق المولى ينفذ عليه بعد العتق لزوال المانع، بخلاف الصبي ثم الذمي في الحكم كالعبد فلو أخرجهما القاضي ثم عتق العبد وأسلم الذمي لا تعود إليهما‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر ملخصا ونحوه في النهر‏.‏ وفي فتاوى العلامة الشلبي‏:‏ وأما الإسناد للصغير فلا يصح بحال لا على سبيل الاستقلال بالنظر ولا على سبيل المشاركة لغيره لأن النظر على الوقف من باب الولاية والصغير يولى عليه لقصوره فلا يصح أن يولى على غيره ا هـ‏.‏ وفي أنفع الوسائل عن وقف هلال له قال‏:‏ ولايتها إلى ولدي وفيهم الصغير والكبير يدخل القاضي مكان الصغير رجلا وإن شاء أقام الكبار مقامه، ثم نقل عنه ما مر عن الإسعاف بهذه النقول صريحة بأن الصبي لا يصلح ناظرا وأما ما في الأشباه في أحكام الصبيان، من أن الصبي يصلح وصيا وناظرا ويقيم القاضي مكانه بالغا إلى بلوغه كما في منظومة ابن وهبان من الوصايا ا هـ‏.‏ ففيه أنه لم يذكر في المنظومة قوله وناظرا ثم رأيت شارح الأشباه نبه على ذلك أيضا، وأما ما ذكره الشارح في باب الوصي عن المجتبى‏.‏ من أنه لو فوض ولاية الوقف للصبي صح استحسانا ففيه أن ما ذكره صاحب المجتبى صرح به نفسه في الحاوي بقوله‏:‏ ولو أوصى إلى صبي في وقفه فهو باطل في القياس، ولكن استحسان أن تكون الولاية إليه إذا كبر‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا هو ما مر عن الإسعاف نعم رأيت في أحكام الصغار للأسروشني عن فتاوى رشيد الدين قال القاضي‏:‏ إذا فوض التولية إلى صبي يجوز إذا كان أهلا للحفظ وتكون له ولاية التصرف كما أن القاضي يملك الصبي وإن كان الولي لا يأذن ا هـ‏.‏ وعليه فيمكن التوفيق بحمل ما في الإسعاف وغيره على غير الأهل للحفظ بأن كان لا يقدر على التصرف، أما القادر عليه فتكون توليته من القاضي إذنا له في التصرف، وللقاضي أن يأذن للصغير، وإن لم يأذن له وليه‏.‏

مطلب فيما شاع في زماننا من تفويض نظر الأوقاف للصغير

وبهذا تعلم أن ما شاع في زماننا من تفويض نظر الأوقاف لصغير لا يعقل وحكم القاضي الحنفي بصحة ذلك خطأ محض ولا سيما إذا شرط الواقف تولية النظر للأرشد فالأرشد من أهل الوقف، فإنه حينئذ إذا ولي بالغ عاقل رشيد وكان في أهل الوقف أرشد منه لا تصح توليته لمخالفتها شرط الواقف، فكيف إذا كان طفلا لا يعقل، وثم بالغ رشيد إن هذا لهو الضلال البعيد واعتقادهم أن خبر الأب لابنه لا يفيد لما فيه من تغيير حكم الشرع، ومخالفة شرط الواقف وإعطاء الوظائف من تدريس وإمامة وغيرها إلى غير مستحقها كما أوضحت ذلك في الجهاد في آخر فصل الجزية كيف ولو أوصى الواقف بالتولية لابنه لا تصح ما دام صغيرا حتى يكبر فتكون الولاية له كما مر، وكذلك اعتقادهم أن الأرشد إذا فوض، وأسند في مرض موته لمن أراد صح؛ لأن مختار الأرشد أرشد فهو باطل لأن الرشد في أمور الوقف صفة قائمة بالرشيد لا تحصل له بمجرد اختيار غيره له كما لا يصير الجاهل عالما بمجرد اختيار الغير له في وظيفة التدريس، وكل هذه أمور ناشئة عن جهل واتباع العادة المخالفة لصريح الحق بمجرد تحكيم العقل المختار ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ‏(‏قوله‏:‏ أو كان يصرف ماله في الكيمياء‏)‏ لأنه استقرئ من أحوال متعاطيها أنها تستجره إلى أن يخرج من جميع ما في يده وقد ترتب عليه ديون بهذا السبب فلا يبعد أن يجره الحال إلى إضاعة مال الوقف ط‏.‏

‏(‏قوله وإن شرط عدم نزعه‏)‏ هي من المسائل السبع التي يخالف فيها شرط الواقف على ما في الأشباه وستأتي ط ‏(‏قوله‏:‏ كالوصي‏)‏ فإنه ينزعه وإن شرط الموصي عدم نزعه وإن خان ط‏.‏

مطلب في عزل الناظر

‏(‏قوله‏:‏ فلو مأمونا تصح تولية غيره‏)‏ قال في شرح الملتقى إلى الأشباه لا يجوز للقاضي عزل الناظر المشروط له النظر بلا خيانة، ولو عزله لا يصير الثاني متوليا ويصح عزل الناظر بلا خيانة لو منصوب القاضي أي لا الواقف وليس للقاضي الثاني أن يعيده وإن عزله الأول بلا سبب لحمل أمره على السداد إلا أن تثبت أهليته ا هـ‏.‏ وأما الواقف فله عزل الناظر مطلقا به يفتي ولو لم يجعل ناظرا فنصبه القاضي لم يملك الواقف إخراجه كذا في فتاوى صاحب التنوير ا هـ‏.‏ بتصرف والتفصيل المذكور في عزل الناظر نقله في البحر عن القنية، وذكر المرحوم الشيخ شاهين عن الفصل الأخير من جامع الفصولين إذا كان للوقف متول من جهة الواقف أو من جهة غيره من القضاة لا يملك القاضي نصب متول آخر بلا سبب موجب لذلك وهو ظهور خيانة الأول أو شيء آخر ا هـ‏.‏ قال‏:‏ وهذا مقدم على ما في القنية ا هـ‏.‏ أبو السعود قال وكذا الشيخ خير الدين أطلق في عدم صحة عزله بلا خيانة وإن عزله مولانا السلطان فعم إطلاقه ما لو كان منصوب القاضي‏.‏ ا هـ‏.‏ ط‏.‏ قلت‏:‏ وذكر في البحر كلاما عن الخانية ثم قال عقبه وفيه دليل على أن للقاضي عزل منصوب قاض آخر بغير خيانة إذا رأى المصلحة ا هـ‏.‏ وهذا داخل تحت قول جامع الفصولين، أو شيء آخر كما دخل فيه ما لو عجز أو فسق وفي البيري عن حاوي الحصيري عن وقف الأنصاري فإن لم يكن من يتولى من جيران الواقف وقرابته إلا برزق ويفعل واحد من غيرهم بلا رزق فذلك إلى القاضي ينظر فيما هو الأصلح لأهل الوقف ا هـ‏.‏