فصل: كتاب البيوع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


كتاب البيوع

‏(‏قوله‏:‏ لما فرغ إلخ‏)‏ بيان للمناسبة بين جملة ما تقدم وجملة ما يأتي مع بيان المناسبة بين خصوص الوقف والبيع، والمراد بالعبادات ما كان المقصود منها في الأصل تقرب العبد إلى الملك المعبود، ونيل الثواب والجود، كالأركان الأربعة ونحوها وبالمعاملات ما كان المقصود منها في الأصل قضاء مصالح العباد كالبيع والكفالة والحوالة ونحوها وكون البيع أو الشراء قد يكون واجبا لعارض لا يخرجه عن كونه من المعاملات، كما لا تخرج الصلاة مع الرياء عن كون أصل الصلاة عبادة‏.‏ ثم إن ما تقدم غير مختص بالعبادات بل هو حقوقه - تعالى -، وهي ثلاثة‏:‏ عبادات وعقوبات، وكفارات، فالمعاملات في مقابلة حقوقه - تعالى -‏:‏ وأراد في الفتح أنه لا يخفى شروعه في المعاملات من زمان فإن ما تقدم من اللقطة واللقيط والمفقود من المعاملات‏.‏ قال‏:‏ في النهر‏:‏ وكان النكاح أولى بالذكر من اللقيط ونحوه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر ظاهر، فإن النكاح وإن كان من المعاملات لكنه من العبادات أيضا، بل المقصود الأصلي منه العبادات، وهي تحصين النفس عن المحرمات وتكثير المسلمين، بل قالوا‏:‏ إن التخلي له أفضل من التخلي للنوافل‏.‏ وقد يقال الأولى إيراد الشركة؛ لأن كلا من اللقطة واللقيط أي التقاطهما مندوب إليه من حيث هو، وقد يجب فلذا ذكر في حقوقه - تعالى -، وكذا رد الآبق‏.‏ وأما المفقود فإنه ذكر فيها لمناسبة اقتضته، وكذا اللقطة ونحوها والشركة، وكما ذكروا في المعاملات بعض العبادات كالأضحية لمناسبتها للذبائح، والقرض لمناسبته للبيع تأمل ‏(‏قوله‏:‏ لكن لا إلى مالك‏)‏ أي الإزالة في الوقف لا تنتهي إلى مالك فهو في حكم ملك الله - تعالى - وهذا قولهما‏.‏ وقال‏:‏ الإمام‏:‏ هو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة ط ‏(‏قوله فكانا كبسيط ومركب‏)‏ أي والبسيط مقدم على المركب في الموجود فقدم عليه في الذكر‏.‏ قال‏:‏ ط‏:‏ وإنما لم يكن البيع مركبا حقيقة؛ لأن الإزالة أمر اعتباري لا يتحقق منها تركيب، ‏(‏قوله‏:‏ وجمع إلخ‏)‏ لما كان البيع في الأصل مصدرا والمصدر لا يجمع؛ لأنه اسم للحدث كالقيام والقعود وقد جمعه تبعا للهداية أجابوا عنه بأنه قد يراد به المفعول فجمع باعتباره كما يجمع المبيع، أي فإن أنواع المبيعات كثيرة مختلفة أو أنه بقي على أصله مرادا به المعنى لكنه جمع باعتبار أنواعه‏.‏

فإن البيع الذي هو الحدث إن اعتبر من حيث هو فهو أربعة‏:‏ نافذ إن أفاده الحكم للحال، وموقوف إن أفاده عند الإجازة، وفاسد إن أفاده عند القبض، وباطل إن لم يفد أصلا وإن اعتبر من حيث تعلقه بالمبيع فهو أربعة أيضا؛ لأنه إما أن يقع على عين بعين، أو ثمن بثمن، أي يكون المبيع فيه من الأثمان‏:‏ أي النقود، أو ثمن بعين، أو عين بثمن، ويسمى الأول مقايضة، والثاني صرفا، والثالث سلما، وليس للرابع اسم خاص، فهو بيع مطلق‏.‏ وإن اعتبر من حيث تعلقه بالثمن أو بمقداره فهو أربعة أيضا؛ لأنه إن كان بمثل الثمن الأول مع زيادة فمرابحة، أو بدون زيادة فتولية، أو أنقص من الثمن فوضيعة، أو بدون زيادة ولا نقص فمساومة، وزاد في البحر خامسا وهو الإشراك‏:‏ أي أن يشرك غيره فيما اشتراه‏:‏ أي بأن يبيعه نصفه مثلا، وتركه الشارح؛ لأنه غير خارج عن الأربعة وقد يعتبر من حيث تعلقه بوصف الثمن ككونه حالا أو مؤجلا، وبما قررناه ظهر لك أن قوله باعتبار كل من البيع والمبيع ليس المراد اعتبار المبيع وحده أي بدون تعلق بيع به، حتى يرد أنه إذا أريد كل منهما بانفراده يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن جمع البيع باقيا على مصدريته نظرا إلى أنواعه حقيقة، بخلاف جمعه منقولا إلى اسم المفعول فإنه مجاز‏.‏ ووجه عدم الورود أن المراد جمعه باعتبار حقيقته، لكن نظرا إلى ذاته منفردا أو متعلقا بغيره لا منقولا إلى اسم المفعول فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أنواعا أربعة‏)‏ خبر الكون، وقوله‏:‏ نافذ إلخ، بيان للأنواع الأربعة في كل واحد من الثلاثة على طريق اللف والنشر المرتب، وقد علمت بيانها‏.‏ ثم إن تقسيم الأول إلى ما ذكر هو ما مشى عليه في الحاوي، وظاهره أن الموقوف من قسم الصحيح، وهو أحد طريقين للمشايخ، وهو الحق‏.‏ ومنهم من جعله قسيما للصحيح وعليه مشى الزيلعي فإنه قسمه إلى صحيح وباطل وفاسد وموقوف، وتمام تحقيقه في أول البيع الفاسد من البحر، ويأتي قريبا استثناء بيع المكره ‏(‏قوله‏:‏ هو لغة مقابلة شيء بشيء‏)‏ أي على وجه المبادلة ولو عبر بها بدل المقابلة لكان أولى كما فعل المصنف فيما بعد، وظاهره شمول الإجارة؛ لأن المنفعة شيء باعتبار الشرع أنها موجودة حتى صح الاعتياض عنها بالمال، وكذا باعتبار اللغة تأمل‏.‏

مطلب في تعريف المال والملك والمتقوم

‏(‏قوله‏:‏ مالا أو لا‏)‏ إلخ، المراد بالمال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة، والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم، والتقوم يثبت بها وبإباحة الانتفاع به شرعا؛ فما يباح بلا تمول لا يكون مالا كحبة حنطة وما يتمول بلا إباحة انتفاع لا يكون متقوما كالخمر، وإذا عدم الأمران لم يثبت واحد منهما كالدم بحر ملخصا عن الكشف الكبير‏.‏ وحاصله أن المال أعم من المتمول؛ لأن المال ما يمكن ادخاره ولو غير مباح كالخمر، والمتقوم ما يمكن ادخاره مع الإباحة، فالخمر مال لا متقوم، فلذا فسد البيع بجعلها ثمنا، وإنما لم ينعقد أصلا بجعلها مبيعا؛ لأن الثمن غير مقصود بل وسيلة إلى المقصود، إذ الانتفاع بالأعيان لا بالأثمان، ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثمن، فبهذا الاعتبار صار الثمن من جملة الشروط بمنزلة آلات الصناع وتمام تحقيقه في فصل النهي من التلويح‏.‏ ومن هذا قال‏:‏ في البحر‏:‏ ثم اعلم أن البيع وإن كان مبناه على البدلين لكن الأصل فيه المبيع دون الثمن؛ ولذا تشترط القدرة على المبيع دون الثمن وينفسخ بهلاك المبيع دون الثمن‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التلويح أيضا من بحث القضاء‏:‏ والتحقيق أن المنفعة ملك لا مال؛ لأن الملك ما من شأنه أن يتصرف فيه بوصف الاختصاص، والمال ما من شأنه أن يدخر للانتفاع وقت الحاجة، والتقويم يستلزم المالية عند الإمام والملك عند الشافعي‏.‏ وفي البحر عن الحاوي القدسي‏:‏ المال اسم لغير الآدمي، خلق لمصالح الآدمي وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار، والعبد وإن كان فيه معنى المالية لكنه ليس بمال حقيقة حتى لا يجوز قتله وإهلاكه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر؛ لأن المال المنتفع به في التصرف على وجه الاختيار، والقتل والإهلاك ليس بانتفاع؛ ولأن الانتفاع بالمال يعتبر في كل شيء بما يصلح له، ولا يجوز إهلاك شيء من المال بلا انتفاع أصلا كقتل الدابة بلا سبب موجب ‏(‏قوله‏:‏ بدليل ‏{‏وشروه بثمن بخس‏}‏‏)‏ أي باعوه‏:‏ أي إخوة يوسف بثمن ناقص، وقيل‏:‏ باعوه بعشرين درهما، فالآية على أن البيع لا يلزم كون المبيع فيه مالا؛ لأن الحر لا يملك‏.‏ قلت‏:‏ وفيه أن أهل اللغة في الجاهلية كانوا يسترقون الأحرار ويبيعونهم، فلا تدل الآية على أن البيع لغة لا يشترط فيه المالية، على أن الظاهر أن الحر يملك قبل شرعنا، بدليل ‏{‏قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه‏}‏ ثم رأيت ذلك في القهستاني من البيع الفاسد حيث قال‏:‏ إن الحر كان مالا في شريعة يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حتى استرق السارق كما في شرح التأويلات، فلا ينبغي أن يقال‏:‏ إنه لم يكن مالا عند أحد‏.‏ ا هـ‏.‏ فالأولى الاستدلال بمثل‏:‏ ‏{‏إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم‏}‏ ‏{‏فاستبشروا ببيعكم‏}‏ ‏{‏أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى‏}‏ ونحوه، ولا يخفى أن دعوى المجاز في ذلك خلاف الأصل فافهم، وبهذا ظهر أن تعريفه لغة بما ذكره الشارح تبعا للمحيط أولى مما في الفتح عن فخر الإسلام من أن البيع لغة مبادلة المال بالمال، لكن يرد على الأول أنه يدخل فيه النكاح، إلا أن يراد بالمقابلة ما يكون على وجه التمليك حقيقة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو من الأضداد‏)‏ أي من الألفاظ التي تطلق على الشيء وعلى ضده كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكان وراءهم ملك‏}‏ أي قدامهم‏.‏ قال‏:‏ في الفتح‏:‏ يقال باعه إذا أخرج العين من ملكه إليه، وباعه أي اشتراه‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا الشراء بدليل ‏{‏وشروه بثمن بخس‏}‏ فيطلق كل منهما على الآخر‏.‏ وفي المصباح‏:‏ والبيع من الأضداد مثل الشراء ويطلق على كل واحد من المتعاقدين أنه بائع، لكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة ‏(‏قوله‏:‏ ويستعمل متعديا‏)‏ أي بنفسه إلى مفعولين ‏(‏قوله‏:‏ وبمن للتأكيد‏)‏ كبعت من زيد الدار، وظاهر الفتح أنها للتعدية؛ لأنه قال‏:‏ ويتعدى بنفسه وبالحرف ‏(‏قوله‏:‏ وباللام‏)‏ أي قليلا‏.‏ وعبارة ابن القطاع على ما في المصباح‏:‏ وربما دخلت اللام مكان من، تقول‏:‏ بعتك الشيء وبعت لك فهي زائدة‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ يقال بعتك الشيء‏)‏ مثال للمتعدي بنفسه وترك مثال التعدي بمن ‏(‏قوله‏:‏ وباع عليه القاضي‏)‏ أفاد أنه يتعدى بعلى أيضا في مقام الإجبار والإلزام ‏(‏قوله‏:‏ مبادلة شيء‏)‏ مصدر مضاف إلى مفعوله الأول والفاعل محذوف، والأصل أن يتبادل المتبايعان شيئا مرغوبا فيه بمثله، فشيئا مفعول أول وبمثله مفعول ثان بواسطة الحرف فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مرغوب فيه‏)‏ أي ما من شأنه أن ترغب إليه النفس وهو المال؛ ولذا احترز به الشارح عن التراب والميتة والدم فإنها ليست بمال، فرجع إلى قول الكنز والملتقى‏:‏ مبادلة المال بالمال؛ ولذا فسر الشارح كلام الملتقى في شرحه بقوله‏:‏ أي تمليك شيء مرغوب فيه بشيء مرغوب فيه، فقد تساوى التعريفان فافهم، نعم زاد في الكنز بالتراضي‏.‏

مطلب في بيع المكره والموقوف

وأورد عليه أنه يخرج بيع المكره مع أنه منعقد، وأجاب في شرح النقاية بأن من ذكره أراد تعريف البيع النافذ، ومن تركه أراد الأعم، واعترضه في البحر بأن بيع المكره فاسد موقوف لا موقوف فقط كبيع الفضولي كما يفهم من كلام شارح النقاية‏.‏ قلت‏:‏ لكن قدمنا أن الموقوف من قسم الصحيح، ومقتضاه أن بيع المكره كذلك لكن صرحوا في كتاب الإكراه أنه يثبت به الملك عند القبض للفساد، فهو صريح في أنه فاسد وإن خالف بقية العقود الفاسدة في أربع صور سيذكرها المصنف هناك وأفاد في المنار وشرحه أنه ينعقد فاسدا لعدم الرضا الذي هو شرط النفاذ، وأنه بالإجازة يصح ويزول الفساد، وبه علم أن الموقوف على الإجازة صحته، فصح كونه فاسدا موقوفا، وظهر أن الموقوف منه فاسد كبيع المكره، ومنه صحيح كبيع عبد أو صبي محجورين، وأمثلته كثيرة ستأتي في باب بيع الفضولي‏.‏ والحاصل أن الموقوف مطلقا بيع حقيقة، والفاسد بيع أيضا وإن توقف حكمه، وهو الملك على القبض، فلا يناسب ذكر التراضي في التعريف؛ ولذا قال‏:‏ في الفتح‏:‏ إن التراضي ليس جزء مفهوم البيع الشرعي، بل شرط ثبوت حكمه شرعا‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لأنه لو كان جزء مفهومه شرعا لزم أن يكون بيع المكره باطلا، وليس كذلك، بل هو فاسد كما علمت‏.‏ وأنت خبير بأن التعريف شامل للفاسد بسائر أنواعه كما ذكره في النهر؛ لأنه بيع حقيقة، وإن توقف حكمه على القبض، فالتقييد بالتراضي لإخراج بعض الفاسد، وهو بيع المكره غير مرضي؛ لأنه إذا كان المراد تعريف مطلق البيع يكون غير جامع لخروج هذا منه، وإن أريد تعريف البيع الصحيح فليس بمانع لدخول أكثر البياعات الفاسدة فيه‏.‏ ثم اعلم أن الخمر مال كما قدمناه عن الكشف والتلويح وإن كان غير متقوم مع أن بيعه باطل في حق المسلم، بخلاف البيع به فإنه فاسد، ومر الفرق‏.‏ وأما ما في البحر عن المحيط من أنه غير مال فالظاهر أنه أراد بالمال المتقوم توفيقا بين كلامهم، وحينئذ فيرد على تعريف المصنف كالكنز فافهم‏.‏ ويرد على تعريف المصنف فقط الإجارة والنكاح‏.‏ قال‏:‏ ط‏:‏ فإن فيهما مبادلة مال مرغوب فيه بمرغوب فيه، ولا يخرجان بقوله على وجه مخصوص؛ لأن المراد به الإيجاب والقبول والتعاطي‏.‏ ا هـ‏.‏ إلا أن يجاب بأن المراد بالمرغوب فيه المال كما قررناه أولا، والمنفعة غير المال كما مر، أو يقال‏:‏ إن المبادلة هي التمليك كما في النهر عن الدراية‏:‏ أي التمليك المطلق والمنفعة في الإجارة والنكاح مملوكة ملكا مقيدا فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على وجه مفيد‏)‏ هذا التقييد غير مفيد، إذ غايته أنه أخرج ما لا يفيد كبيع درهم بدرهم اتحد وزنا وصفة وهو فاسد، وقد علمت شمول التعريف لجميع أنواع الفاسد، فلا فائدة في إخراج نوع منه كما قلناه في بيع المكره، نعم لو كان بيع الدرهم بالدرهم باطلا فهو تقييد مفيد، لكن بطلانه بعيد لوجود المبادلة بالمال فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي بإيجاب أو تعاط‏)‏ بيان للوجه المخصوص، وأراد الإيجاب ما يكون بالقول بدليل المقابلة فيشمل القبول، وإلا لم يخرج التبرع من الجانبين على ما قاله ط فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فخرج التبرع من الجانبين إلخ‏)‏ قال‏:‏ المصنف في المنح‏:‏ ولما كان هذا يشمل مبادلة رجلين بمالهما بطريق التبرع أو الهبة بشرط العوض فإنه ليس ببيع ابتداء وإن كان في حكمه بقاء، أراد إخراج ذلك فقال‏:‏ على وجه مخصوص‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا صريح في دخولهما تحت المبادلة على خلاف ما في النهر‏.‏ ووجهه أنه لو تبرع لرجل بشيء ثم الرجل عوض عليه بشيء آخر بلا شرط فهو تبرع من الجانبين مع المبادلة لكن من جانب الثاني، وهذا يوجد كثيرا بين الزوجين يبعث إليها متاعا وتبعث له أيضا وهو في الحقيقة هبة، حتى لو ادعى الزوج العارية رجع ولها أيضا الرجوع؛ لأنها قصدت التعويض عن هبة، فلما لم توجد الهبة بدعوى العارية لم يوجد التعويض عنها فلها الرجوع كما سيأتي في الهبة، وكذا لو وهبه شيئا على أن يعوضه عنه شيئا معيبا فهو هبة ابتداء مع وجود المبادلة المشروطة فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ استويا وزنا‏)‏ أما إذا لم يستويا فيه فالبيع فاسد لربا الفضل لا لعدم الفائدة، وقوله‏:‏ ‏"‏ وصفة ‏"‏ خرج ما اختلفا فيها مع اتحاد الوزن ككون أحدهما كبيرا والآخر صغيرا أو أحدهما أسود والآخر أبيض‏.‏ قلت‏:‏ والمسألة مذكورة في الفصل السادس من الذخيرة‏:‏ باع درهما كبيرا بدرهم صغير أو درهما جيدا بدرهم رديء جاز؛ لأن لهما فيه غرضا صحيحا، أما إذا كانا مستويين في القدر والصفة اختلفوا فيه، قال‏:‏ بعض المشايخ‏:‏ لا يجوز وإليه أشار محمد في الكتاب، وبه كان يفتي الحاكم الإمام أبو أحمد ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا مقايضة أحد الشريكين‏)‏ أي المستويين‏:‏ والمتبادر من التعبير بالشريكين أن الدار مشاعة بينهما، أما لو كانت حصة كل منهما مفروزة عن الأخرى فالظاهر جواز المقايضة؛ لأنه قد يكون رغبة كل منهما فيما في يد الآخر فهو بيع مفيد، بخلاف المشاعة فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا إجارة السكنى بالسكنى‏)‏؛ لأن المنفعة معدومة فيكون بيع الجنس بالجنس نسيئة، وهو لا يجوز عن حاشية الأشباه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويكون‏)‏ أي البيع منح، والأظهر إرجاع الضمير إلى قوله على وجه مخصوص، فهو بيان له وإلا كان تكرارا تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهما ركنه‏)‏ ظاهره أن الضمير للإيجاب والقبول، ويحتمل إرجاعه للقول والفعل كما يفيده قول البحر‏.‏ وفي البدائع‏:‏ ركنه المبادلة المذكورة، وهو معنى ما في الفتح من أن ركنه الإيجاب والقبول الدالان على التبادل أو ما يقوم مقامهما من التعاطي، فركنه الفعل الدال على الرضا بتبادل الملكين من قول أو فعل‏.‏ ا هـ‏.‏ وأراد بالفعل أولا ما يشمل فعل اللسان، وبالفعل ثانيا غيره، وقوله‏:‏ الدال على الرضا‏:‏ أي بالنظر إلى ذاته وإن كان ثم ما ينافي الرضا كإكراه، وظاهر كلام المصنف أن الإيجاب والقبول غير البيع مع أن ركن الشيء عينه، وإذا أرجعنا الضمير في قوله‏:‏ ويكون إلى قوله على وجه مخصوص لا يرد ذلك، وكذا إذا أريد بالبيع حكمه وهو الملك، وهاهنا أبحاث رائقة مذكورة في النهر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وشرطه أهلية المتعاقدين‏)‏ أي بكونهما عاقلين، ولا يشترط البلوغ والحرية‏.‏

مطلب‏:‏ شرائط البيع أنواع أربعة

وذكر في البحر أن شرائط البيع أربعة أنواع‏:‏ شرط انعقاد ونفاذ وصحة ولزوم‏.‏ فالأول أربعة أنواع‏:‏ في العاقد، وفي نفس العقد، وفي مكانه، وفي المعقود عليه، فشرائط العاقد اثنان‏:‏ العقل والعدد، فلا ينعقد بيع مجنون وصبي لا يعقل، ولا وكيل من الجانبين، إلا في الأب ووصيه والقاضي، وشراء العبد نفسه من مولاه بأمره، والرسول من الجانبين‏.‏ ولا يشترط فيه البلوغ ولا الحرية، فيصح بيع الصبي أو العبد لنفسه موقوفا ولغيره نافذا، ولا الإسلام والنطق والصحو‏.‏ وشرط العقد اثنان أيضا‏:‏ موافقة الإيجاب للقبول، فلو قبل غير ما أوجبه أو بعضه أو بغير ما أوجبه أو ببعضه لم ينعقد إلا في الشفعة بأن باع عبدا وعقارا فطلب الشفيع العقار وحده، وكونه بلفظ الماضي‏.‏ وشرط مكانه واحد، وهو اتحاد المجلس‏.‏ وشرط المعقود عليه ستة‏:‏ كونه موجودا مالا متقوما مملوكا في نفسه، وكون الملك للبائع فيما يبيعه لنفسه، وكونه مقدور التسليم فلم ينعقد بيع المعدوم وما له خطر العدم كالحمل واللبن في الضرع والثمر قبل ظهوره وهذا العبد فإذا هو جارية، ولا بيع الحر والمدبر وأم الولد والمكاتب ومعتق البعض والميتة والدم، ولا بيع الخمر والخنزير في حق مسلم وكسرة خبز؛ لأن أدنى القيمة التي تشترط لجواز البيع فلس، ولا بيع الكلأ ولو في أرض مملوكة له، والماء في النهر أو بئر، والصيد والحطب والحشيش قبل الإحراز، ولا بيع ما ليس مملوكا له وإن ملكه بعده، إلا السلم والمغصوب لو باعه الغاصب ثم ضمن قيمته وبيع الفضولي فإنه منعقد موقوف، وبيع الوكيل، فإنه نافذ، ولا بيع معجوز التسليم كالآبق والطير في الهواء والسمك في البحر إن كان في يده فصارت شرائط الانعقاد أحد عشر‏.‏ قلت‏:‏ صوابه تسعة‏.‏

وأما الثاني، وهو شرائط النفاذ فاثنان‏:‏ الملك أو الولاية، وأن لا يكون في البيع حق لغير البائع فلم ينعقد بيع الفضولي عندنا، أما شراؤه فنافذ‏.‏ قلت‏:‏ أي لم ينعقد إذا باعه لأجل نفسه لا لأجل مالكه لكنه على الرواية الضعيفة‏.‏ والصحيح انعقاده موقوفا كما سيأتي في بابه‏.‏ والولاية إما بإنابة المالك كالوكالة، والشارع كولاية الأب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي ثم وصيه، ولا ينفذ بيع مرهون ومستأجر، وللمشتري فسخه إن لم يعلم لا لمرتهن ومستأجر‏.‏

وأما الثالث‏:‏ وهو شرائط الصحة فخمسة وعشرون‏:‏ منها عامة ومنها خاصة، فالعامة لكل بيع شروط الانعقاد المارة؛ لأن ما لا ينعقد لا يصح، وعدم التوقيت، ومعلومية المبيع، ومعلومية الثمن بما يرفع المنازعة فلا يصح بيع شاة من هذا القطيع وبيع الشيء بقيمته، أو بحكم فلان وخلوه عن شرط مفسد كما سيأتي في البيع الفاسد والرضا والفائدة، ففسد بيع المكره وشراؤه وبيع ما لا فائدة فيه وشراؤه كما مر، والخاصة معلومة الأجل في البيع المؤجل ثمنه، والقبض في بيع المشترى المنقول، وفي الدين، ففسد بيع الدين قبل قبضه كالمسلم فيه، ورأس المال وبيع شيء بدين على غير البائع وكون البدل مسمى في المبادلة القولية، فإن سكت عنه فسد وملك بالقبض، والمماثلة بين البدلين في أموال الربا، والخلو عن شبهة، ووجود شرائط المسلم فيه، والقبض في الصرف قبل الافتراق، وعلم الثمن الأول في مرابحة، وتولية وإشراك ووضيعة‏.‏

وأما الرابع، وهو شرائط اللزوم بعد الانعقاد والنفاذ فخلوه من الخيارات الأربعة المشهورة وباقي الخيارات الآتية في أول باب خيار الشرط، فقد صارت جملة الشرائط ستة وسبعين‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا أي؛ لأن شرائط الانعقاد أحد عشر على ما قاله أولا وشرائط النفاذ اثنان، وشرائط الصحة خمسة وعشرون صارت ثمانية وثلاثين، وهي كلها شرائط اللزوم مع زيادة الخلو من الخيارات، لكن بذلك تصير الجملة سبعة وسبعين، نعم تنقص ثمانية على ما قلنا من أن الصواب أن شرائط الانعقاد تسعة فيسقط منها اثنان، ومن شرائط الصحة اثنان، ومن شرائط اللزوم أربعة فتصير الجملة تسعة وستين نعم يزاد في شروط المعقود عليه إذا لم يرياه الإشارة إليه أو إلى مكانه كما سيأتي في باب خيار الرؤية، وسيأتي تمام الكلام عليه عند قوله وشرط الصحة معرفة قدر مبيع وثمن‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومحله المال‏)‏ فيه نظر لما مر من أن الخمر مال مع أن بيعه باطل في حق المسلم، فكان عليه إبداله بالمتقوم وهو أخص من المال كما مر بيانه، فيخرج ما ليس بمال أصلا كالميتة والدم، وما كان مالا غير متقوم كالخمر فإن ذلك محل للبيع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وحكمه ثبوت الملك‏)‏ أي في البدلين لكل منهما في بدل، وهذا حكمه الأصلي، والتابع وجوب تسليم المبيع والثمن، ووجوب استبراء الجارية على المشتري، وملك الاستمتاع بها، وثبوت الشفعة لو عقارا، وعتق المبيع لو محرما من البائع بحر، وصوابه من المشتري‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وحكمته نظام بقاء المعاش والعالم‏)‏ حقه أن يقول‏:‏ بقاء نظام المعاش إلخ فإنه سبحانه وتعالى خلق العالم على أتم نظام وأحكم أمر معاشه أحسن إحكام، ولا يتم ذلك إلا بالبيع والشراء إذا لا يقدر أحد أن يعمل لنفسه كل ما يحتاجه؛ لأنه إذا اشتغل بحرث الأرض وبذر القمح وخدمته وحراسته وحصده ودراسته وتذريته وتنظيفه وطحنه وعجنه لم يقدر على أن يشتغل بيده ما يحتاج ذلك من آلات الحراثة والحصد ونحوه فضلا عن اشتغاله فيما يحتاجه من ملبس ومسكن فاضطر إلى شراء ذلك، ولولا الشراء لكان يأخذه بالقهر أو السؤال إن أمكن، وإلا قاتل صاحبه عليه، ولا يتم مع ذلك بقاء العالم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ مباح‏)‏ هو ما خلا عن أوصاف ما بعده‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مكروه‏)‏ كالبيع بعد النداء في الجمعة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حرام‏)‏ كبيع خمر لمن يشربها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ واجب‏)‏ كبيع شيء لمن يضطر إليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والسنة‏)‏ فإنه عليه الصلاة والسلام باع واشترى وأقر أصحابه على ذلك أيضا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والقياس‏)‏ عبارة البحر والمعقول ا هـ‏.‏ ح؛ لأنه أمر ضروري يجزم العقل بثبوته كباقي الأمور الضرورية المتوقف عليها انتظام معاشه وبقائه فافهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فالإيجاب إلخ‏)‏ هذه الفاء الفصيحة وهي المفصحة عن شرط مقدر‏:‏ أي إذا أردت معرفة الإيجاب والقبول المذكورين‏.‏ وفي الفتح‏:‏ الإيجاب الإثبات لغة لأي شيء كان، والمراد هنا إثبات الفعل الخاص والدال على الرضا الواقع أولا سواء وقع من البائع أو من المشتري، كأن يبتدئ المشتري فيقول اشتريت منك هذا بألف، والقبول الفعل الثاني، وإلا فكل منهما إيجاب‏:‏ أي إثبات فسمى الثاني بالقبول تمييزا له عن الإثبات الأول؛ ولأنه يقع قبولا ورضا بفعل الأول ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والقبول‏)‏ في بعض النسخ فالقبول بالفاء، فهو تفريع على تعريف الإيجاب؛ ولذا قال‏:‏ المصنف لما ذكر أن الإيجاب ما ذكر أولا علم أن القبول هو ما ذكر ثانيا من كلام أحدهما أفاده ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ما يذكر ثانيا من الآخر‏)‏ أي من العاقد الآخر والتعبير ب يذكر لا يشمل الفعل، وعرفه في الفتح بأنه الفعل الثاني كما مر، وقال‏:‏ لأنه أعم من اللفظ، فإن من الفروع ما لو قال‏:‏ كل هذا الطعام بدرهم فأكله تم البيع وأكله حلال، والركوب واللبس بعد قول البائع اركبها بمائة والبسه بكذا رضا بالبيع‏.‏مطلب القبول قد يكون بالفعل وليس من صور التعاطي

وكذا إذا قال‏:‏ بعتكه بألف فقبضه ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا، بخلاف بيع التعاطي، فإنه ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقط، ففي جعل الأخيرة من صور التعاطي كما فعل بعضهم نظر‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر في الخانية أن القبض يقوم مقام القبول، وعليه فتعريف القبول بالقول لكونه الأصل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ الدال على التراضي‏)‏ الأولى أن يقول الرضا كما عبر به في الفتح والبحر؛ لأن التراضي من الجانبين لا يدل عليه الإيجاب وحده بل هو مع القبول أفاده ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قيد به اقتداء بالآية‏)‏ وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم‏}‏‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبيانا للبيع الشرعي‏)‏ استظهر في الفتح أن التراضي لا بد منه في البيع اللغوي أيضا، فإنه لا يفهم من باع زيد عبده لغة إلا أنه استبدله بالتراضي‏.‏ ا هـ‏.‏ ونقل مثله القهستاني عن الكفاية والكرماني وقال‏:‏ وعليه يدل كلام الراغب خلافا لشيخ الإسلام‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولذا لم يلزم بيع المكره‏)‏ قدمنا أن بيع المكره فاسد موقوف على إجازة البائع، وأن البيع المعرف يشمل سائر أنواع البيع الفاسد، وأن قول الكنز‏:‏ البيع مبادلة المال بالمال بالتراضي غير مرضي؛ لأنه يخرج بيع المكره مع أنه داخل‏.‏ وأجيب عنه بما ذكره الشارح بأنه قيد به اقتداء بالآية‏:‏ أي لا للاحتراز، لكن قوله وبيانا للبيع الشرعي إن أراد به البيع المقابل للغوي يرد عليه ما علمته من اعتبار التراضي في البيع اللغوي، وأنه لا يعتبر في البيع الشرعي، إذ لو كان جزء مفهومه لزم أن يكون بيع المكره باطلا لا فاسدا، بل التراضي شرط لثبوت حكمه شرعا، وهو الملك كما قدمناه عن الفتح، وإن أراد بالشرعي الخالي عن الفساد فالتقييد بالتراضي لا يخرج بقية البيوع الفاسدة، بل التعريف شامل لها، ثم لا يخفى أن هذا كله إنما يتأتى في عبارة الكنز حيث جعل فيها التراضي قيدا في التعريف‏.‏ أما قول المصنف الدال على التراضي فلا لكونه ذكره صفة للإيجاب، فهو بيان للواقع، فإن الأصل فيه أن يكون دليلا على الرضا ولكن لا يلزم منه وجود الرضا حقيقة فلا يخرج به بيع المكره تأمل‏.‏

مطلب في حكم البيع مع الهزل

‏(‏قوله‏:‏ ولم ينعقد مع الهزل إلخ‏)‏ الهزل في اللغة‏:‏ اللعب‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ هو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له، ولا ما صح له اللفظ استعارة، والهازل يتكلم بصيغة العقد مثلا باختياره ورضاه، لكن لا يختار ثبوت الحكم ولا يرضاه‏.‏ والاختيار‏:‏ هو القصد إلى الشيء وإرادته‏.‏ الرضا‏:‏ هو إيثاره واستحسانه، فالمكره على الشيء يختاره ولا يرضاه، ومن هنا قالوا‏:‏ إن المعاصي والقبائح بإرادة الله - تعالى - لا برضاه فإن الله لا يرضى لعباده الكفر كذا في التلويح‏.‏ وشرطه‏:‏ أي شرط تحقق الهزل واعتباره في التصرفات أن يكون صريحا باللسان مثل أن يقول إني أبيع هازلا، ولا يكتفي بدلالة الحال إلا أنه لا يشترط ذكره في العقد، فيكفي أن تكون المواضعة سابقة على العقد، فإن تواضعا على الهزل بأصل البيع‏:‏ أي توافقا على أنهما يتكلمان بلفظ البيع عند الناس ولا يريدانه واتفقا على البناء‏:‏ أي على أنهما لم يرفعا الهزل ولم يرجعا عنه فالبيع منعقد لصدوره من أهله في محله، لكن يفسد البيع لعدم الرضا بحكمه فصار كالبيع بشرط الخيار أبدا، لكنه لا يملك بالقبض لعدم الرضا بالحكم؛ حتى لو أعتقه المشتري لا ينفذ عتقه هكذا ذكروا‏.‏ وينبغي أن يكون البيع باطلا لوجود حكمه، وهو أنه لا يملك بالقبض‏.‏ وأما الفاسد فحكمه أن يملك بالقبض حيث كان مختارا راضيا بحكمه، أما عند عدم الرضا به فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ منار وشرحه لصاحب البحر فقول الشارح ولم ينعقد مع الهزل الذي هو من مدخول العلة غير صحيح لمنافاته ما تقدم من أنه منعقد لصدوره من أهله في محله، لكنه يفسد البيع لعدم الرضا بالحكم إلا أن يحمل على نفي الانعقاد الصحيح أو يتمشى على البحث الذي ذكره بقوله وينبغي إلخ‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ قد صرح في الخانية والقنية بأنه بيع باطل وبه يتأيد ما بحثه في شرح المنار وكثيرا ما يطلقون الفاسد على الباطل كما ستعرفه في بابه، لكن يرد على بطلانه أنهما لو أجازه جاز والباطل لا تلحقه الإجازة، وأن الباطل ما ليس منعقدا أصلا، والفاسد ما كان منعقدا بأصله لا بوصفه، وهذا منعقد بأصله؛ لأنه مبادلة مال بمال دون وصفه؛ ولذلك أجاب بعض العلماء بحمل ما في الخانية على أن المراد بالبطلان الفساد كما في حاشية الحموي وتمامه فيها‏.‏ قلت‏:‏ وهذه أولى لموافقته لما في كتب الأصول من أنه فاسد‏.‏ وأما عدم إفادته الملك بالقبض فلكونه أشبه البيع بالخيار لهما، وليس كل فاسد يملك بالقبض؛ ولذا قال‏:‏ في الأشباه‏:‏ إذا قبض المشتري المبيع فاسدا ملكه إلا في مسائل‏:‏ الأولى لا يملكه في بيع الهازل كما في الأصول‏.‏ الثانية‏:‏ لو اشتراه الأب من ماله لابنه الصغير أو باعه له كذلك فاسدا لا يملكه بالقبض حتى يستعمله، كذا في المحيط‏.‏ الثالثة لو كان مقبوضا في يد المشتري أمانة لا يملكه به‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر الشارح مسألة بيع الهزل قبيل الكفالة وذكرها المصنف متنا في الإكراه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويرد على التعريفين‏)‏ أي تعريفي الإيجاب والقبول حيث قيد الإيجاب بكونه أولا والقبول بكونه ثانيا ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن في القهستاني إلخ‏)‏ ومثله في التجنيس لصاحب الهداية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما قالوا في السلام‏)‏ أي لو رد على المسلم مع السلام فلا بد من الإعادة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعلى الأول‏)‏ أي ويرد على التعريف الأول حيث قيد بكونه أولا، والمعتبر في التكرار هو الثاني‏.‏ والجواب أن الإيجاب الأول لما بطل صار الثاني أولا في التحقيق، على أن كلا من الإيجابين أول بالنسبة إلى القبول أفاده ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ تكرار الإيجاب‏)‏ أي قبل القبول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مبطل للأول‏)‏ وينصرف القبول إلى الإيجاب الثاني، ويكون بيعا بالثمن الأول بحر، وصوابه بالثمن الثاني كما هو ظاهر، ويعلم مما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا في عتق وطلاق على مال‏)‏ لم يذكر في الأشباه الطلاق بل ذكره في البحر‏.‏ وقد اعترض البيري على الأشباه حيث اقتصر على العتق مع أن الولوالجي ذكر الطلاق أيضا، وذكر أنه روي عن أبي يوسف أنهما كالبيع، وأن ما روي عن محمد أصح‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البيري أيضا عن الذخيرة قال‏:‏ لغيره بعتك هذا بألف درهم ثم قال‏:‏ بعتكه بمائة دينار فقال‏:‏ المشتري قبلت انصرف قبوله إلى الإيجاب الثاني ويكون بيعا بمائة دينار، بخلاف ما لو قال‏:‏ لعبده أنت حر على ألف درهم أنت حر على مائة دينار فقال‏:‏ العبد قبلت لزمه المالان‏.‏ والفرق أن الإيجاب الثاني رجوع عن الإيجاب الأول، ورجوع البائع قبل قبول المشتري عامل؛ ألا ترى أنه لو قال‏:‏ رجعت عن ذلك قبل قبول المشتري يعمل رجوعه، وإذا عمل رجوعه بطل الإيجاب الأول وانصرف القبول إلى الإيجاب الثاني‏.‏ أما رجوع المولى عن إيجاب العتق ليس بعامل ألا ترى أنه لو قال‏:‏ رجعت عن ذلك لا يعمل رجوعه؛ لأن إيجاب العتق بالمال تعليق بالقبول، والرجوع في التعليقات لا يعمل، فبقي كل من الإيجاب الأول والثاني فانصرف القبول إليهما‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسيجيء في الصلح‏)‏ قال‏:‏ الشارح هناك‏:‏ والأصل أن كل عقد أعيد فالثاني باطل إلا في الكفالة والشراء والإجارة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه أن هذا وما في النظم من تكرار العقد، والكلام في تكرار الإيجاب كما لا يخفى‏.‏ ا هـ‏.‏ ح أي؛ لأن العقد اسم لمجموع الإيجاب والقبول، وتكراره غير تكرار الإيجاب الذي كلامه فيه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكل عقد بعد عقد جدد إلخ‏)‏ في التتارخانية قال‏:‏ بعتك عبدي هذا بألف درهم بعتكه بمائة دينار فقال‏:‏ المشترى‏:‏ قبلت ينصرف إلى الإيجاب الثاني، ويكون بيعا بمائة دينار ولو قال‏:‏ بعتك هذا العبد بألف درهم وقبل المشتري ثم قال‏:‏ بعته منك بمائة دينار في المجلس أو في مجلس آخر وقال‏:‏ المشتري‏:‏ اشتريت ينعقد الثاني وينفسخ الأول، وكذا لو باعه بجنس الثمن الأول بأقل أو بأكثر نحو أن يبيعه منه بعشرة ثم باعه بتسعة أو بأحد عشر، فإن باع بعشرة لا ينعقد الثاني ويبقى الأول بحاله‏.‏ ا هـ‏.‏ فهذا مثال لتكرار الإيجاب فقط ومثال لتكرار العقد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فأبطل الثاني‏)‏ أي إذا كان بمثل الثمن الأول كما علمت؛ لأنه سدى أي لا فائدة فيه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فالصلح بعد الصلح أضحى باطلا‏)‏ هذا إذا كان الصلح على سبيل الإسقاط، أما إذا كان الصلح على عوض ثم اصطلحا على عوض آخر، فالثاني هو الجائز، ويفسخ الأول كالبيع بيري عن الخلاصة عن المنتقى‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر أن الصلح على سبيل الإسقاط بمعنى الإبراء، وبطلان الثاني ظاهر، ولكنه بعيد الإرادة هنا فالمناسب حمل الصلح على المتبادر منه ويكون المراد به ما إذا كان بمثل العوض الأول بقرينة قوله كالبيع، وعليه فالظاهر أن حكمه كالبيع في التفصيل المار فيه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كذا النكاح‏)‏ أي فالثاني باطل، فلا يلزمه المهر المسمى فيه إلا إذا جدده للزيادة في المهر كما في القنية بحر‏.‏ قلت‏:‏ لكن قدمنا في أوائل باب المهر عن البزازية أن عدم اللزوم إذا جدد العقد للاحتياط، وقدمنا أيضا عن الكافي لو تزوجها في السر بألف ثم في العلانية بألفين ظاهر المنصوص في الأصل أنه يلزمه عنده الألفان ويكون زيادة في المهر، وعند أبي يوسف المهر هو الأول إذ العقد الثاني لغو فيلغو ما فيه وعند الإمام أن الثاني وإن لغا لا يلغو ما فيه من الزيادة ا هـ‏.‏ وذكر في الفتح هناك أن هذا إذا لم يشهد على أن الثاني هزل، وإلا فلا خلاف في اعتبار الأول ثم ذكر أن بعضهم اعتبر ما في العقد الثاني فقط، وبعضهم أوجب كلا المهرين وأن قاضي خان أفتى بأنه لا يجب بالعقد الثاني شيء ما لم يقصد به الزيادة في المهر، ثم وفق بينه وبين إطلاق الجمهور اللزوم بحمل كلامه على أنه لا يلزمه ديانة في نفس الأمر إلا بقصد الزيادة بل يلزمه قضاء؛ لأنه يؤاخذ بظاهر لفظه إلا أن يشهد على الهزل ا هـ‏.‏ والحاصل‏:‏ اعتماد قول الإمام الذي هو ظاهر المنصوص من لزوم الزيادة وحينئذ فمعنى كون الثاني لغوا أنه لا ينفسخ الأول به‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ما عدا مسائل‏)‏ استثناء من قوله فأبطل الثاني‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ منها الشرا بعد الشراء‏)‏ بقصر الشرا الأول للنظم قال‏:‏ في الأشباه أطلقه في جامع الفصولين، وقيده في القنية بأن يكون الثاني أكثر ثمنا من الأول أو أقل أو بجنس آخر، وإلا فلا يصح‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ فعلى ما في القنية لا فرق بين الشراء والبيع؛ ولذا أطلق العقد في البحر حيث قال‏:‏ وإذا تعدد الإيجاب والقبول انعقد الثاني وانفسخ الأول إن كان بأزيد من الأول أو أنقص وإن كان مثله لم ينفسخ الأول واختلفوا فيما إذا كان الثاني فاسدا هل يتضمن فسخ الأول‏.‏ ا هـ‏.‏ قال‏:‏ في النهر‏:‏ ومقتضى النظر أن الأول لا ينفسخ‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن جزم في جامع الفصولين والبزازية بأنه ينفسخ وكذا قال‏:‏ في الذخيرة أن الثاني وإن كان فاسدا فإنه يتضمن فسخ الأول، كما لو اشترى قلب فضة وزنه عشرة وتقابضا ثم اشتراه منه بتسعة وعلله البزازي بأن الفاسد ملحق بالصحيح في كثير من الأحكام‏.‏ ا هـ‏.‏ رملي ملخصا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كذا كفالة‏)‏ قال‏:‏ في الخانية‏:‏ الكفيل بالنفس إذا أعطى الطالب كفيلا بنفسه فمات الأصيل بريء الكفيلان، وكذا لو مات الكفيل الأول بريء الكفيل الثاني كذا ذكره بعض الأفاضل قال‏:‏ وأشار بجواز تعددها إلى أن المكفول له لو أخذ من الأصيل كفيلا آخر بعد الأول لم يبرأ الأول‏.‏ كذا في حاشية السيد أبي السعود على الأشباه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

زاد في الأشباه أن الإجارة بعد الإجارة من المستأجر الأول فسخ للأولى كما في البزازية‏.‏ وقال‏:‏ البحر وينبغي أن المدة إذا اتحدت فيها واتحد الأجران لا تصح الثانية كالبيع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إذ المراد إلخ‏)‏ تعليل لعدم بطلان الكفالة الثانية بأن المراد منها في الحقيقة إذا أي حين كررت إنما هو زيادة التوثق بأخذ كفيل آخر، حتى يتمكن من مطالبة أيهما أراد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهما عبارة إلخ‏)‏ أي الإيجاب والقبول معبر بهما عن كل لفظين إلخ‏.‏ قال‏:‏ الزيلعي‏:‏ وينعقد بكل لفظ ينبئ عن التحقيق كبعت واشتريت ورضيت أو أعطيتك أو خذه بكذا‏.‏ ا هـ‏.‏ أو كل هذا الطعام بدرهم لي عليك فأكله ونحو ذلك من الأفعال كما قدمناه عن الفتح قبل ورقتين، وينعقد بيع معلق بفعل قلب كإن أردت فقال‏:‏ أردت أو إن أعجبت أو وافقك فقال‏:‏ أعجبني أو وافقني، وأما إن أديت إلي الثمن فقد بعتك فإن أدى في المجلس صح، ويصح الإيجاب بلفظ الهبة وأشركتك فيه وأدخلتك فيه، وينعقد بلفظ الرد بحر عن التتارخانية‏.‏ قلت‏:‏ وعبارتها ولو قال‏:‏ أرد عليك هذه الأمة بخمسين دينارا وقبل الآخر ثبت البيع‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البحر ويصح الإيجاب بلفظ الجعل كقوله‏:‏ جعلت لك هذا بألف وتمامه فيه‏.‏ قلت‏:‏ وفي عرفنا يسمى بيع الثمار على الأشجار ضمانا فإذا قال‏:‏ ضمنتك هذه الثمار بكذا، وقبل الآخر ينبغي أن يصح، وكذا تعارفوا في بيع أحد الشريكين في الدواب لشريكه الآخر لفظ المقاصرة، فيقول‏:‏ قاصرتك بكذا ومراده بعتك حصتي من هذه الدابة بكذا فإذا قبل الآخر صح؛ لأنها من ألفاظ التمليك عرفا‏.‏ تنبيه‏]‏ ظاهر قوله عن لفظين أنه لا ينعقد بالإشارة بالرأس، ويدل عليه ما في الحاوي الزاهدي في فصل البيع الموقوف‏:‏ فضولي باع مال غيره فبلغه فسكت متأملا فقال‏:‏ ثالث‏:‏ هل أذنت لي في الإجازة‏؟‏ فقال‏:‏ نعم فأجازه ينفذ، ولو حرك رأسه بنعم فلا؛ لأن تحريك الرأس في حق الناطق لا يعتبر ا هـ‏.‏ لكن قد يقال إذا قال‏:‏ له بعني كذا بكذا فأشار برأسه نعم، فقال‏:‏ الآخر اشتريت وحصل التسليم بالتراضي يكون بيعا بالتعاطي، بخلاف ما إذا لم يحصل التسليم من أحد الجانبين على ما يأتي في بيع التعاطي أنه لا بد من وجوده ولو من أحدهما هذا ما ظهر لي‏.‏ وفي الأشباه من أحكام الإشارة وإن لم يكن معتقل اللسان لم تعتبر إشارته إلا في أربع الكفر والإسلام والنسب والإفتاء إلخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو حالين‏)‏ بتخفيف اللام‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يحتاج الأول‏)‏ وهو الصادر بلفظين ماضيين ط عن المنح وكذا الماضي فيما لو كانا مختلفين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بخلاف الثاني‏)‏ فإنه يحتاج إليها وإن كان حقيقة للحال عندنا على الأصح لغلبة استعماله في الاستقبال حقيقة أو مجازا بحر عن البدائع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا لا‏)‏ صادق بما إذا نوى الاستقبال أو لم ينو شيئا ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للحال‏)‏ أي ولا يستعملونه للوعد والاستقبال ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فكالماضي‏)‏ فلا يحتاج إلى النية بحر ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكأبيعك الآن‏)‏ عطف على المستثنى ا هـ‏.‏ ح وهذا أولى بالحكم؛ لأنه إذا علمت نية الحال فالتصريح به أولى ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأما المتمحض للاستقبال‏)‏ كالمقرون بالسين وسوف ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كالأمر‏)‏ بأن قال‏:‏ المشتري‏:‏ بعني هذا الثوب بكذا فيقول‏:‏ بعت أو يقول‏:‏ البائع‏:‏ اشتره مني بكذا فيقول‏:‏ اشتريته‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يصح أصلا‏)‏ أي سواء نوى بذلك الحال أو لا لكون الأمر متمحضا للاستقبال وكذا المضارع المقرون بالسين أو سوف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كخذه بكذا إلخ‏)‏ قال‏:‏ في الفتح فإنه وإن كان مستقبلا لكن خصوص مادته أعني الأمر بالأخذ يستدعي سابقة البيع، فكان كالماضي إلا أن استدعاء الماضي سبق البيع بحسب الوضع واستدعاء خذ سبقه بطريق الاقتضاء فهو كما إذا قال‏:‏ بعتك عبدي هذا بألف فقال‏:‏ فهو حر عتق، ويثبت باشتريت اقتضاء بخلاف ما لو قال‏:‏ هو حر بلا فاء لا يعتق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كوجه وفرج‏)‏ بأن قال‏:‏ بعتك وجه هذا العبد أو فرج هذه الأمة؛ لأنه مما يعبر به عن الكل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكل ما دل إلخ‏)‏ تفصيل لقوله وهما عبارتان عن كل لفظين إلخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قبول‏)‏ خبر قوله وكل وظاهره أنه قبول سواء كان من البائع أو المشتري وأنه لا يكون إيجابا مع أنه يكون من البائع فقط كما نبه عليه بقوله لكن في الولوالجية، ويكون إيجابا أيضا قال‏:‏ في البحر لو قال‏:‏ أتبيعني عبدك هذا بألف فقال‏:‏ نعم فقال‏:‏ أخذته فهو بيع لازم فوقعت كلمة نعم إيجابا وكذا تقع قبولا فيما لو قال‏:‏ اشتريت منك هذا بألف فقال‏:‏ نعم‏.‏ ا هـ‏.‏ ونحوه في الفتح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لكن في الولوالجية إلخ‏)‏ ومثله ما في التتارخانية بعت منك هذا بألف فقال‏:‏ المشتري قد فعلت، فهذا بيع ولو قال‏:‏ نعم لا يكون بيعا وذكر في فتاوى سمرقندي أن من قال‏:‏ لغيره اشتريت عبدك هذا بألف درهم فقال‏:‏ البائع قد فعلت، أو قال‏:‏ نعم أو قال‏:‏ هات الثمن صح البيع وهو الأصح‏.‏ ا هـ‏.‏ فهذا أيضا صريح في أنه لا يكون قبولا من المشتري‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنه ليس بتحقيق‏)‏؛ لأن قول المشتري نعم تصديق لقول البائع بعتك، ولا يتحقق البيع بمجرد قوله بعتك، بخلاف قول البائع نعم بعد قول المشتري اشتريت؛ لأنه جواب له فكأنه قال‏:‏ نعم اشتريت مني والشراء يتوقف على سبق البيع هذا ما ظهر لي فتأمل‏.‏ه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي القنية إلخ‏)‏ استدراك أيضا على المتن بأنه يكون إيجابا أيضا كما نبهنا عليه وعبارتها كما في البحر‏:‏ كهل بعت مني بكذا أو هل اشتريت مني بكذا إلخ وظاهره أن نقد الثمن قائم مقام القبول؛ لأن نعم بعد الاستفهام إيجاب فقط، فكان النقد بمنزلة قوله أخذته أو رضيت ولا يشترط في القبول أن يكون قولا كما نقلناه سابقا عن الفتح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو قال‏:‏ بعته إلخ‏)‏ المناسب ذكر هذا الفرع عقب قوله الآتي إلا إذا كان بكتابة أو رسالة، ووجه الجواز ما نقل عن المحيط أنه حين قال‏:‏ بلغه فقد أظهر من نفسه الرضا بالتبليغ فكل من بلغه كان التبليغ برضاه فإن قبل صح البيع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يتوقف‏)‏ أي بل يبطل ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ شطر العقد‏)‏ المراد به الإيجاب الصادر أولا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيه‏)‏ أي البيع احتراز عن الخلع والعتق كما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فبلغه‏)‏ أي من غير أن يأمر أحدا بتبليغه كما في الخلاصة أما لو أمر أحدا به فبلغه وقبل يصح ولو كان المبلغ غير المأمور كما مر آنفا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا كان بكتابة أو رسالة‏)‏ صورة الكتابة أن يكتب أما بعد فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا فلما بلغه الكتاب قال‏:‏ في مجلسه ذلك اشتريت تم البيع بينهما‏:‏ وصورة الإرسال أن يرسل رسولا فيقول البائع بعت هذا من فلان الغائب بألف درهم فاذهب يا فلان وقل له فذهب الرسول فأخبره بما قال‏:‏ فقبل المشتري في مجلسه ذلك، وفي النهاية وكذا هذا في الإجارة والهبة والكتابة بحر‏.‏ قلت‏:‏ ويكون بالكتابة من الجانبين فإذا كتب اشتريت عبدك فلانا بكذا فكتب إليه البائع قد بعت فهذا بيع كما في التتارخانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيعتبر مجلس بلوغها‏)‏ إي بلوغ الرسالة أو الكتابة قال‏:‏ في الهداية‏:‏ والكتابة كالخطاب وكذا الإرسال حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتابة وأداء الرسالة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي غاية البيان وقال‏:‏ شمس الأئمة السرخسي في كتاب النكاح من مبسوطه‏:‏ كما ينعقد النكاح بالكتابة ينعقد البيع وسائر التصرف بالكتابة أيضا‏.‏ وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في مبسوطه الكتاب والخطاب سواء إلا في فصل واحد، وهو أنه لو كان حاضرا فخاطبها بالنكاح، فلم تجب في مجلس الخطاب، ثم أجابت في مجلس آخر، فإن النكاح لا يصح وفي الكتاب إذا بلغها وقرأت الكتاب ولم تزوج نفسها منه في المجلس الذي قرأت الكتاب فيه، ثم زوجت نفسها في مجلس آخر بين يدي الشهود، وقد سمعوا كلامها وما في الكتاب يصح النكاح؛ لأن الغائب إنما صار خاطبا لها بالكتاب والكتاب باق في المجلس الثاني فصار بقاء الكتاب في مجلسه وقد سمع الشهود ما فيه في المجلس الثاني بمنزلة ما لو تكرر الخطاب من الحاضر في مجلس آخر فأما إذا كان حاضرا فإنما صار خاطبا لها بالكلام، وما وجد من الكلام لا يبقى إلى المجلس الثاني وإنما سمع الشهود في المجلس الثاني أحد شطري العقد‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله‏:‏ أن قوله تزوجتك بكذا إذا لم يوجد قبول يكون مجرد خطبة منه لها، فإذا قبلت في مجلس آخر لا يصح بخلاف ما لو كتب ذلك إليها؛ لأنها لما قرأت الكتاب ثانيا وفيه قوله تزوجتك بكذا، وقبلت عند الشهود صح العقد كما لو خطبها به ثانيا‏:‏ وظاهره أن البيع كذلك وهو خلاف ظاهر الهداية فتأمل‏.‏ ثم لا يخفى أن قراءة الكتاب صارت بمنزلة الإيجاب من الكاتب، فإذا قبل المكتوب إليه في المجلس، فقد صدر الإيجاب، والقبول في مجلس واحد فلا حاجة إلى قوله إلا إذا كان بكتابة أو رسالة، نعم بالنظر إلى مجلس الكتابة يصح فإنه لما كتب بعتك لم يلغ بل توقف على القبول وإن كان ذلك القبول متوقفا على قراءة الكتاب فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فله الرجوع‏)‏ ليس المراد أن الموجب له الرجوع في هذه الصورة، فإن الإيجاب إذا كان باطلا فلا معنى للرجوع عنه بل المراد أن الموجب له الرجوع قبل قبول الحاضر، قال‏:‏ في المنح‏:‏ ثم في كل موضع لا يتوقف شطر العقد فإنه يجوز من العاقد الرجوع عنه، ولا يجوز تعليقه بالشرط؛ لأنه عقد معاوضة وفي كل موضع يتوقف كالخلع والعتق على مال لا يصح الرجوع، ويصح التعليق بالشرط لكونه يمينا من جانب الزوج والمولى، معارضة من جانب الزوجة والعبد‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنه يمين‏)‏ أي من جانب الزوج والمولى وذلك أن اليمين بغير الله - تعالى - ذكر الشرط والجزاء، والخلع والعتق تعليق الطلاق والعتق بقبول المرأة والعبد وهما من جانب المرأة والعبد معاوضة فحيث كان يمينا من جانب الزوج والمولى امتنع الرجوع وتمامه في العزمية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأما الفعل‏)‏ عطف على قوله أما القول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو التناول قاموس‏)‏ قال‏:‏ في البحر‏:‏ وهكذا في الصحاح والمصباح، وهو إنما يقتضي الإعطاء من جانب والأخذ من جانب لا الإعطاء من الجانبين كما فهم الطرسوسي أي حيث قال‏:‏ إن حقيقة التعاطي وضع الثمن وأخذ المثمن عن تراض منهما من غير لفظ، وهو يفيد أنه لا بد من الإعطاء من الجانبين؛ لأنه من المعاطاة وهي مفاعلة ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وقوله‏:‏ من غير لفظ يفيد ما قدمناه عن الفتح من أنه لو قال‏:‏ بعتكه بألف فقبضه المشتري ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا، وليس من بيع التعاطي، خلافا لمن جعله منه فإن التعاطي ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في خسيس ونفيس‏)‏ النفيس ما كثر ثمنه كالعبد والخسيس ما قل ثمنه كالخبز ومنهم من حد النفيس بنصاب السرقة فأكثر والخسيس بما دونه والإطلاق هو المعتمد ط عن البحر‏.‏ قلت‏:‏ ليس في البحر قوله‏:‏ ‏"‏ والإطلاق هو المعتمد ‏"‏، نعم ذكره في شمول التعاطي للخسيس والنفيس، فقال‏:‏ وهو الصحيح المعتمد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ خلافا للكرخي‏)‏ فإنه قال‏:‏ لا ينعقد إلا في الخسيس ط عن القهستاني وما في الحاوي القدسي من أن هذا هو المشهور فهو خلاف المشهور كما في البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو التعاطي من أحد الجانبين‏)‏ صورته أن يتفقا على الثمن ثم يأخذ المشتري المتاع، ويذهب برضا صاحبه من غير دفع الثمن، أو يدفع المشتري الثمن للبائع ثم يذهب من غير تسليم المبيع، فإن البيع لازم على الصحيح، حتى لو امتنع أحدهما بعده أجبره القاضي وهذا فيما ثمنه غير معلوم أما الخبز واللحم، فلا يحتاج فيه إلى بيان الثمن ذكره في البحر‏.‏ والمراد في صورة دفع الثمن فقط أن المبيع موجود معلوم لكن المشتري دفع ثمنه ولم يقبضه ط‏.‏ وفي القنية دفع إلى بائع الحنطة خمسة دنانير ليأخذ منه حنطة، وقال‏:‏ له بكم تبيعها‏؟‏ فقال‏:‏ مائة بدينار فسكت المشتري، ثم طلب منه الحنطة ليأخذها فقال‏:‏ البائع غدا أدفع لك ولم يجر بينهما بيع، وذهب المشتري فجاء غدا ليأخذ الحنطة، وقد تغير السعر فعلى البائع أن يدفعها بالسعر الأول قال‏:‏ رضي الله عنه‏:‏ وفي هذه الواقعة أربع مسائل‏:‏ إحداها الانعقاد بالتعاطي‏.‏ الثانية‏:‏ الانعقاد في الخسيس والنفيس، وهو الصحيح‏.‏ الثالثة‏:‏ الانعقاد به من جانب واحد‏.‏ الرابعة‏:‏ كما ينعقد بإعطاء المبيع ينعقد بإعطاء الثمن‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفيها مسألة خامسة أنه ينعقد به ولو تأخرت معرفة المثمن لكون دفع الثمن قبل معرفته بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لم ينعقد‏)‏ أي وإن كان يعلم عادة السوقة أن البائع إذا لم يرض برد الثمن أو يسترد المتاع وإلا يكون راضيا به، ويصح خلفه لا أعطيها تطييبا لقلب المشتري فإنه مع هذا لا يصح البيع قنية‏.‏

مطلب البيع بالتعاطي

‏(‏قوله‏:‏ كما لو كان‏)‏ أي البيع بالتعاطي بعد عقد فاسد، وعبارة الخلاصة اشترى رجل من وسائدي وسائد ووجوه الطنافس، وهي غير منسوجة بعد ولم يضربا له أجلا لم يجز، فلو نسج الوسائد ووجوه الطنافس وسلم إلى المشتري لا يصير هذا بيعا بالتعاطي؛ لأنهما يسلمان بحكم ذلك البيع السابق، وأنه وقع باطلا‏.‏ ا هـ‏.‏ وعبارة البزازية والتعاطي إنما يكون بيعا إذا لم يكن بناء على بيع فاسد أو باطل سابق أما إذا كان بناء عليه فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا ينعقد بهما البيع قبل متاركة الفاسد‏)‏ يتفرع عليه ما في الخانية‏:‏ لو اشترى ثوبا شراء فاسدا ثم لقيه غدا فقال‏:‏ قد بعتني ثوبك هذا بألف درهم فقال‏:‏ بلى فقال‏:‏ قد أخذته فهو باطل، وهذا على ما كان قبله من البيع الفاسد، فإن كانا تتاركا البيع الفاسد فهو جائز اليوم‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن في النهاية والفتح وغيرهما عند قول الهداية ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم إلخ البيع بالرقم فاسد؛ لأن فيه زيادة جهالة تمكنت في صلب العقد وهي جهالة الثمن برقم لا يعلمه المشتري، فصار بمنزلة القمار وعن هذا قال‏:‏ شمس الأئمة الحلواني، وإن علم بالرقم في المجلس لا ينقلب ذلك العقد جائزا، ولكن إن كان البائع دائما على الرضا فرضي به المشتري ينعقد بينهما عقد بالتراضي‏.‏ ا هـ‏.‏ وعبر في الفتح بالتعاطي، والمراد واحد وسيأتي أيضا في باب البيع الفاسد أن بيع الآبق لا يصح، وأنه لو باعه ثم عاد وسلمه يتم البيع في رواية وظاهر الرواية أنه لا يتم قال‏:‏ في البحر هناك وأولوا الرواية الأولى بأنه ينعقد بيعا بالتعاطي‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهر هذا عدم اشتراط متاركة الفاسد، وقد يجاب على بعد بحمل الاشتراط على ما إذا كان التعاطي بعد المجلس أما فيه فلا يشترط كما هنا، والفرق أنه بعد المجلس يتقرر الفساد من كل وجه فلا بد من المتاركة أما في المجلس، فلا يقرر من كل وجه فتحصل المتاركة ضمنا تأمل‏.‏ ويحتمل وهو الظاهر أن يكون في المسألة قولان وانظر ما يأتي عند قوله وفسد في الكل في بيع ثلثه إلخ‏.‏ هذا وما ذكره عن الحلواني في البيع بالرقم جزم بخلافه في الهندية آخر باب المرابحة، وذكر أن العلم في المجلس يجعل كابتداء العقد، ويصير كتأخير القبول إلى آخر المجلس وبه جزم في الفتح هناك أيضا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ففي بيع التعاطي بالأولى إلخ‏)‏ مأخوذ من البحر حيث قال‏:‏ ففي بيع التعاطي بالأولى، وهو صريح الخلاصة والبزازية إن التعاطي بعد عقد فاسد أو باطل لا ينعقد به البيع؛ لأنه بناء على السابق، وهو محمول على ما ذكرناه‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله‏:‏ على ما ذكرناه أي أن عدم الانعقاد قبل متاركة الأول، وهو معنى قول الشارح، فيحمل ما في الخلاصة وغيرها على ذلك ومراده بما في الخلاصة ما قدمه من قوله كما لو كان بعد عقد فاسد، ونقلنا عبارتها وعبارة البزازية، وليس فيها التقييد بما قبل متاركة الأول فقيده الشارح به تبعا للبحر لئلا يخالف كلام غيرها فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وتمامه في الأشباه من الفوائد‏)‏ أي في آخر الفن الثالث، وليس فيه زيادة على أصل المسألة فلعله أراد ما كتب على الأشباه في ذلك الموضع أو ما أشبه هذه المسألة مما تفرع على الأصل المذكور‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إذا بطل المتضمن‏)‏ بالكسر بطل المتضمن بالفتح، فإنه لما بطل البيع الأول بطل ما تضمنه من القبض إذا كان قبل المتاركة، قال‏:‏ ح‏:‏ وهو بدل من الفوائد بدل بعض من كل‏.‏ ا هـ‏.‏ ط وفي هذه القاعدة بحث سنذكره عند الكلام على بيع الثمرة البارزة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فتحرر ثلاثة أقوال‏)‏ هذا الاختلاف نشأ من كلام الإمام محمد، فإنه ذكر بيع التعاطي في مواضع، فصوره في موضع بالإعطاء من الجانبين، ففهم منه البعض أنه شرط، وصوره في موضع بالإعطاء من أحدهما ففهم البعض أنه يكتفي به، وصوره في موضع بتسليم المبيع ففهم البعض أن تسليم الثمن لا يكفي بحر عن الذخيرة ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وحررنا في شرح الملتقى إلخ‏)‏ عبارته عن البزازية الإقالة تنعقد بالتعاطي أيضا من أحد الجانبين على الصحيح‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا الإجارة كما في العمادية، وكذا الصرف كما في النهر مستدلا عليه بما فيه التتارخانية‏:‏ اشترى عبدا بألف درهم على أن المشتري بالخيار، فأعطاه مائة دينار ثم فسخ البيع، فعلى قول الإمام الصرف جائز ويرد الدراهم، وعلى قول أبي يوسف الصرف باطل وهي فائدة حسنة لم أر من نبه عليها‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

طالب مديونه فبعث إليه شعيرا قدرا معلوما وقال‏:‏ خذه بسعر البلد والسعر لهما معلوم كان بيعا وإن لم يعلماه فلا، ومن بيع التعاطي تسليم المشتري ما اشتراه إلى من يطالبه بالشفعة في موضع لا شفعة فيه، وكذا تسليم الوكيل بالشراء إلى الموكل بعد ما أنكر التوكيل ومنه حكم ما إذا جاء المودع بأمة غير المودعة، وحلف حل للمودع وطؤها وكان بيعا بالتعاطي‏.‏ وعن أبي يوسف لو قال‏:‏ للخياط ليست هذه بطانتي فحلف الخياط أنها هي وسعه أخذها، وينبغي تقييده بما إذا كانت العين للدافع ومنه لو ردها بخيار عيب والبائع متيقن أنها ليست له فأخذها ورضي بها كما في الفتح، وعلى هذه فلا بد من الرضا في جارية الوديعة والبطانة وتمامه في البحر

‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ما يستجره الإنسان إلخ‏)‏ ذكر في البحر أن من شرائط المعقود عليه أن يكون موجودا، فلم ينعقد بيع المعدوم ثم قال‏:‏ ومما تسامحوا فيه، وأخرجوه عن هذه القاعدة ما في القنية الأشياء التي تؤخذ من البياع على وجه الخرج كما هو العادة من غير بيع كالعدس والملح والزيت ونحوها ثم اشتراها بعدما انعدمت صح‏.‏ ا هـ‏.‏ فيجوز بيع المعدوم هنا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال‏:‏ بعض الفضلاء‏:‏ ليس هذا بيع معدوم إنما هو من باب ضمان المتلفات بإذن مالكها عرفا تسهيلا للأمر ودفعا للحرج كما هو العادة، وفيه أن الضمان بالإذن مما لا يعرف في كلام الفقهاء حموي، وفيه أيضا أن ضمان المثليات بالمثل لا بالقيمة والقيميات بالقيمة لا بالثمن ط‏.‏ قلت‏:‏ كل هذا قياس، وقد علمت أن المسألة استحسان ويمكن تخريجها على فرض الأعيان، ويكون ضمانها بالثمن استحسانا وكذا حل الانتفاع في الأشياء القيمية؛ لأن قرضها فاسد لا يحل الانتفاع به، وإن ملكت بالقبض وخرجها في النهر على كون المأخوذ من العدس ونحوه بيعا بالتعاطي، وأنه لا يحتاج في مثله إلى بيان الثمن؛ لأنه معلوم‏.‏ ا هـ‏.‏ واعترضه الحموي بأن أثمان هذه تختلف فيفضي إلى المنازعة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ما في النهر مبني على أن الثمن معلوم، لكنه على هذا لا يكون من بيع المعدوم بل كلما أخذ شيئا انعقد بيعا بثمنه المعلوم قال‏:‏ في الولوالجية‏:‏ دفع دراهم إلى خباز فقال‏:‏ اشتريت منك مائة من من خبز، وجعل يأخذ كل يوم خمسة أمناء فالبيع فاسد وما أكل فهو مكروه؛ لأنه اشترى خبزا غير مشار إليه، فكان المبيع مجهولا ولو أعطاه الدراهم، وجعل يأخذ منه كل يوم خمسة أمنان ولم يقل في الابتداء اشتريت منك يجوز وهذا حلال وإن كان نيته وقت الدفع الشراء؛ لأنه بمجرد النية لا ينعقد البيع، وإنما ينعقد البيع الآن بالتعاطي والآن المبيع معلوم فينعقد البيع صحيحا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ووجهه أن ثمن الخبز معلوم فإذا انعقد بيعا بالتعاطي وقت الأخذ مع دفع الثمن قبله، فكذا إذا تأخر دفع الثمن بالأولى، وهذا ظاهر فيما كان ثمنه معلوما وقت الأخذ مثل الخبز واللحم أما إذا كان ثمنه مجهولا فإنه وقت الأخذ لا ينعقد بيعا بالتعاطي لجهالة الثمن، فإذا تصرف فيه الآخذ وقد دفعه البياع برضاه بالدفع وبالتصرف فيه على وجه التعويض عنه لم ينعقد بيعا، وإن كان على نية البيع لما علمت من أن البيع لا ينعقد بالنية، فيكون شبيه القرض المضمون بمثله أو بقيمته فإذا توافقا على شيء بدل المثل أو القيمة برئت ذمة الآخذ، لكن يبقى الإشكال في جواز التصرف فيه إذا كان قيميا فإن قرض القيمي لا يصح فيكون تصحيحه هنا استحسانا كقرض الخبز والخميرة ويمكن تخريجه على الهبة بشرط العوض، أو على المقبوض على سوم الشراء‏.‏ ثم رأيته في الأشباه في القول في ثمن المثل حيث قال‏:‏ ومنها لو أخذ من الأرز والعدس وما أشبهه، وقد كان دفع إليه دينارا مثلا لينفق عليه ثم اختصما بعد ذلك في قيمته هل تعتبر قيمته يوم الأخذ أو يوم الخصومة‏.‏ قال‏:‏ في التتمة‏:‏ تعتبر يوم الأخذ قيل‏:‏ له لو لم يكن دفع إليه شيئا بل كان يأخذ منه على أن يدفع إليه ثمن ما يجتمع عنده قال‏:‏ يعتبر وقت الأخذ؛ لأنه سوم حين ذكر الثمن‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بيع البراءات‏)‏ جمع براءة وهي الأوراق التي يكتبها كتاب الديوان على العاملين على البلاد بحظ كعطاء أو على الأكارين بقدر ما عليهم وسميت براءة؛ لأنه يبرأ بدفع ما فيها ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بخلاف بيع حظوظ الأئمة‏)‏ بالحاء المهملة والظاء المشالة جمع حظ، بمعنى‏:‏ النصيب المرتب له من الوقف أي فإنه يجوز بيعه، وهذا مخالف لما في الصيرفية فإن مؤلفها سئل عن بيع الحظ فأجاب لا يجوز، ط عن حاشية الأشباه‏.‏ قلت‏:‏ وعبارة الصيرفية هكذا سئل عن بيع الخط قال‏:‏ لا يجوز؛ لأنه لا يخلو إما إن باع ما فيه أو عين الخط لا وجه للأول؛ لأنه بيع ما ليس عنده ولا وجه للثاني؛ لأن هذا القدر من الكاغد ليس متقوما بخلاف البراءة؛ لأن هذه الكاغدة متقومة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومقتضاه أن الخط بالخاء المعجمة والطاء المهملة، وهذه لا يخالف ما ذكره الشارح؛ لأن المراد بحظوظ الأئمة ما كان قائما في يد المتولي من نحو خبز أو حنطة قد استحقه الإمام، وكلام الصيرفية فيما ليس بموجود‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثمة‏)‏ أي هناك أي في مسألة بيع حظوظ الأئمة وأشار إليها بالبعيد؛ لأن الكلام كان في بيع البراءات؛ ولذا أشار إليها بلفظ هنا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من المشرف‏)‏ أي المباشر الذي يتولى قبض الخبز‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بخلاف الجندي‏)‏ أي إذا باع الشعير المعين لعلف دابته من حاشية السيد أبي السعود‏.‏

مطلب في بيع الاستجرار

‏(‏قوله‏:‏ وتعقبه في النهر‏)‏ أي تعقب ما ذكر من مسألة بيع الاستجرار وما بعده حيث قال‏:‏ أقول‏:‏ الظاهر أن ما في القنية ضعيف لاتفاق كلمتهم على أن بيع المعدوم لا يصح، وكذا غير المملوك، وما المانع من أن يكون المأخوذ من العدس ونحوه بيعا بالتعاطي ولا يحتاج في مثله إلى بيان الثمن؛ لأنه معلوم كما سيأتي، وحظ الإمام لا يملك قبل القبض فأنى يصح بيعه، وكن على ذكر مما قاله ابن وهبان في كتاب الشرب ما في القنية إذا كان مخالفا للقواعد لا التفات إليه ما لم يعضده نقل من غيره‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدمنا الكلام على بيع الاستجرار وأما بيع حظ الإمام فالوجه ما ذكره من عدم صحة بيعه، ولا ينافي ذلك أنه لو مات يورث عنه؛ لأنه أجرة استحقها ولا يلزم من الاستحقاق الملك كما قالوا في الغنيمة بعد إحرازها بدار الإسلام فإنها حق تأكد بالإحراز، ولا يحصل الملك فيها للغانمين إلا بعد القسمة، والحق المتأكد يورث كحق الرهن والرد بالعيب، بخلاف الضعيف كالشفعة وخيار الشرط كما في الفتح‏.‏ وعن هذا بحث في البحر هناك بأنه ينبغي التفصيل في معلوم المستحق بأنه إن مات بعد خروج الغلة وإحراز الناظر لها قبل القسمة يورث نصيبه لتأكد الحق فيه كالغنيمة بعد الإحراز، وإن مات قبل ذلك لا يورث، لكن قدمنا هناك أن معلوم الإمام له شبه الصلة وشبه الأجرة والأرجح الثاني، وعليه يتحقق الإرث ولو قبل إحراز الناظر‏.‏ ثم لا يخفى أنها لا تملك قبل قبضها فلا يصح بيعها‏.‏

مطلب في بيع الجامكية

‏(‏قوله‏:‏ وأفتى المصنف إلخ‏)‏ تأييد لكلام النهر، وعبارة المصنف في فتاواه سئل عن بيع الجامكية‏:‏ وهو أن يكون لرجل جامكية في بيت المال ويحتاج إلى دراهم معجلة قبل أن تخرج الجامكية فيقول له رجل‏:‏ بعتني جامكيتك التي قدرها كذا بكذا، أنقص من حقه في الجامكية فيقول له‏:‏ بعتك فهل البيع المذكور صحيح أم لا لكونه بيع الدين بنقد أجاب إذا باع الدين من غير من هو عليه كما ذكر لا يصح قال‏:‏ مولانا في فوائده‏:‏ وبيع الدين لا يجوز ولو باعه من المديون أو وهبه‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفيها‏)‏ الظاهر أن الضمير للقنية ويحتمل عوده لفتاوى المصنف المفهومة من أفتى، وأما ضمير وفيها الآتية فللأشباه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح

مطلب‏:‏ لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة

‏(‏قوله‏:‏ لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة عن الملك‏)‏ قال‏:‏ في البدائع‏:‏ الحقوق المفردة لا تحتمل التمليك ولا يجوز الصلح عنها‏.‏ أقول‏:‏ وكذا لا تضمن بالإتلاف قال‏:‏ في شرح الزيادات للسرخسي وإتلاف مجرد الحق لا يوجب الضمان؛ لأن الاعتياض عن مجرد الحق باطل إلا إذا فوت حقا مؤكدا، فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان كحق المرتهن؛ ولذا لا يضمن بإتلاف شيء من الغنيمة أو وطء جارية منها قبل الإحراز؛ لأن الفائت مجرد الحق وإنه غير مضمون، وبعد الإحراز بدار الإسلام، ولو قبل القسمة يضمن لتفويت حقيقة الملك ويجب عليه القيمة في قتله عبدا من الغنيمة يعد الإحراز في ثلاث سنين بيري، وأراد بقوله لتفويت حقيقة الملك الحق المؤكد إذ لا تحصل حقيقة الملك إلا بعد القسمة كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كحق الشفعة‏)‏ قال في الأشباه‏:‏ فلو صالح عنها بمال بطلت ورجع، ولو صالح المخيرة بمال لتختاره بطل ولا شيء لها ولو صالح إحدى زوجتيه بمال لتترك نوبتها لم يلزم ولا شيء لها وعلى هذا لا يجوز الاعتياض عن الوظائف في الأوقاف وخرج عنها حق القصاص وملك النكاح وحق الرق فإنه يجوز الاعتياض عنها كما ذكره الزيلعي في الشفعة، والكفيل بالنفس إذا صالح المكفول له بمال لا يصح ولا يجب، وفي بطلانها روايتان، وفي بيع حق المرور في الطريق روايتان وكذا بيع الشرب إلا تبعا‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب‏:‏ في الاعتياض عن الوظائف والنزول عنها

‏(‏قوله‏:‏ وعلى هذا لا يجوز الاعتياض عن الوظائف بالأوقاف‏)‏ من إمامة وخطابة وأذان وفراشة وبوابة، ولا على وجه البيع أيضا؛ لأن بيع الحق لا يجوز كما في شرح الأدب وغيره وفي الذخيرة‏:‏ أن أخذ الدار بالشفعة أمر عرف بخلاف القياس فلا يظهر ثبوته في حق جواز الاعتياض عنه‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ والحق في الوظيفة مثله والحكم واحد بيري‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ المذهب عدم اعتبار العرف الخاص‏)‏ قال‏:‏ في المستصفى التعامل العام أي الشائع المستفيض، والعرف المشترك لا يصح الرجوع إليه مع التردد‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي محل آخر منه ولا يصلح مقيدا؛ لأنه لما كان مشتركا كان متعارضا‏.‏ ا هـ‏.‏ بيري وفي الأشباه عن البزازية، وكذا أي تفسد الإجارة لو دفع إلى حائك غزلا على أن ينسجه بالثلث ومشايخ بلخ وخوارزم أفتوا بجواز إجارة الحائك للعرف وبه أفتى أبو علي النسفي أيضا والفتوى على جواب الكتاب؛ لأنه منصوص عليه فيلزم إبطال النص‏.‏ ا هـ‏.‏ فأفاد أن عدم اعتباره بمعنى أنه إذا وجد النص، بخلافه لا يصلح ناسخا للنص، ولا مقيدا له، وإلا فقد اعتبروه في مواضع كثيرة منها مسائل الإيمان، وكل عاقد وواقف، وحالف يحمل كلامه على عرفه كما ذكره ابن الهمام وأفاد ما مر أيضا أن العرف العام يصلح مقيدا؛ ولذا نقل البيري في مسألة الحائك المذكورة قال‏:‏ السيد الشهيد‏:‏ لا نأخذ باستحسان مشايخ بلخ بل نأخذ بقول أصحابنا المتقدمين؛ لأن التعامل في بلد لا يدل على الجواز ما لم يكن على الاستمرار من الصدر الأول فيكون ذلك دليلا على تقرير النبي عليه الصلاة والسلام إياهم على ذلك، فيكون شرعا منه فإذا لم يكن كذلك لا يكون فعلهم حجة إذا كان كذلك من الناس كافة في البلدان كلها فيكون إجماعا والإجماع حجة، ألا ترى أنهم لو تعاملوا على بيع الخمر والربا لا يفتى بالحل‏؟‏‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وبه ظهر الفرق بين العرف الخاص والعام، وتمام الكلام على هذه المسألة مبسوط في رسالتنا المسماة‏:‏ بنشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف‏.‏

مطلب في النزول عن الوظائف بمال

‏(‏قوله‏:‏ وعليه فيفتى بجواز النزول عن الوظائف بمال‏)‏ قال‏:‏ العلامة العيني في فتاواه‏:‏ ليس للنزول شيء يعتمد عليه ولكن العلماء والحكام مشوا ذلك للضرورة، واشترطوا إمضاء الناظر لئلا يقع فيه نزاع‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا من حاشية‏:‏ الأشباه للسيد أبي السعود، وذكر الحموي أن العيني ذكر في شرح نظم درر البحار في باب القسم بين الزوجات أنه سمع من بعض شيوخه الكبار أنه يمكن أن يحكم بصحة النزول عن الوظائف الدينية قياسا على ترك المرأة قسمها لصحبتها؛ لأن كلا منهما مجرد إسقاط ا هـ‏.‏

مطلب في العرف الخاص والعام

قلت‏:‏ وقدمنا في الوقف عن البحر أن للمتولي عزل نفسه، عند القاضي، وأن من العزل الفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيره، وأنه لا ينعزل بمجرد عزل نفسه خلافا للعلامة قاسم، بل لا بد من تقرير القاضي المفروغ له لو أهلا وأنه لا يلزم القاضي تقريره، ولو أهلا وأنه جرى العرف بالفراغ بالدراهم، ولا يخفى ما فيه فينبغي الإبراء العام بعده ا هـ‏.‏ أي لما فيه من شبهة الاعتياض عن مجرد الحق، وقد مر أنه لا يجوز وليس فيما ذكر عن العيني جوازه لكن قال‏:‏ الحموي وقد استخرج شيخ مشايخنا نور الدين علي المقدسي صحة الاعتياض عن ذلك في شرحه على نظم الكنز من فرعه في مبسوط السرخسي وهو أن العبد الموصى برقبته لشخص، وبخدمته لآخر لو قطع طرفه أو شج موضحة فأدى الأرش، فإن كانت الجناية تنقص الخدمة يشترى به عبد آخر يخدمه أو يضم إليه ثمن العبد بعد بيعه فيشترى به عبد يقوم مقام الأول فإن اختلفا في بيعه لم يبع، وإن اصطلحا على قسمة الأرش بينهما نصفين فلهما ذلك ولا يكون ما يستوفيه الموصى له بالخدمة من الأرش بدل الخدمة؛ لأنه لا يملك الاعتياض عنها، ولكنه إسقاط لحقه به كما لو صالح موصى له بالرقبة على مال دفعه للموصى له بالخدمة ليسلم العبد له‏.‏ ا هـ‏.‏ قال‏:‏ فربما يشهد هذا للنزول عن الوظائف بمال‏.‏ ا هـ‏.‏ قال‏:‏ الحموي‏:‏ فليحفظ هذا فإنه نفيس جدا‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر نحوه البيري عند قول الأشباه، وينبغي أنه لو نزل له وقبض المبلغ، ثم أراد الرجوع عليه لا يملك ذلك فقال‏:‏ أي على وجه إسقاط الحق إلحاقا له بالوصية بالخدمة والصلح عن الألف على خمسمائة، فإنهم قالوا يجوز أخذ العوض على وجه الإسقاط للحق، ولا ريب أن الفارغ يستحق المنزول عنه استحقاقا خاصا بالتقرير، ويؤيده ما في خزانة الأكمل وإن مات العبد الموصى بخدمته بعدما قبض الموصى له بدل الصلح فهو جائز‏.‏ ا هـ‏.‏ ففيه دلالة على أنه لا رجوع على النازل، وهذا الوجه هو الذي يطمئن به القلب لقربه ا هـ‏.‏ كلام البيري، ثم استشكل ذلك بما مر من عدم جواز الصلح عن حق الشفعة والقسم فإنه يمنع جواز أخذ العوض هنا ثم قال‏:‏ ولقائل أن يقول هذا حق جعله الشرع لدفع الضرر، وذلك حق فيه صلة ولا جامع بينهما فافترقا وهو الذي يظهر‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله‏:‏ أن ثبوت حق الشفعة للشفيع، وحق القسم للزوجة وكذا حق الخيار في النكاح للمخيرة إنما هو لدفع الضرر عن الشفيع والمرأة، وما ثبت لذلك لا يصح الصلح عنه؛ لأن صاحب الحق لما رضي علم أنه لا يتضرر بذلك فلا يستحق شيئا أما حق الموصى له بالخدمة، فليس كذلك بل ثبت له على وجه البر والصلة فيكون ثابتا له أصالة فيصح الصلح عنه إذا نزل عنه لغيره، ومثله ما مر عن الأشباه من حق القصاص والنكاح والرق وحيث صح الاعتياض عنه؛ لأنه ثابت لصاحبه أصالة لا على وجه رفع الضرر عن صاحبه ولا يخفى أن صاحب الوظيفة ثبت له الحق فيه بتقرير القاضي على وجه الأصالة لا على وجه رفع الضرر، فإلحاقها بحق الموصى له بالخدمة، وحق القصاص وما بعده أولى من إلحاقها بحق الشفعة والقسم، وهذا كلام وجيه لا يخفى على نبيه وبه اندفع ما ذكره بعض محشي الأشباه من أن المال الذي يأخذه النازل، عن الوظيفة رشوة، وهي حرام بالنص، والعرف لا يعارض النص وجه الدفع ما علمت من أنه صلح عن حق كما في نظائره والرشوة لا تكون بحق واستدل بعضهم للجواز بنزول سيدنا الحسين بن سيدنا علي رضي الله تعالى عنهما عن الخلافة لمعاوية على عوض، وهو ظاهر أيضا، وهذا أولى مما قدمناه في الوقف عن الخيرية من عدم الجواز ومن أن للمفروغ له الرجوع بالبدل، بناء على أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص، وأنه لا يجوز الاعتياض عن مجرد الحق لما علمت من أن الجواز ليس مبنيا على اعتبار العرف الخاص، بل على ما ذكرنا من نظائره الدالة عليه وإن عدم جواز الاعتياض عن الحق ليس على إطلاقه‏.‏ ورأيت بخط بعض العلماء عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بجواز أخذ العوض في حق القرار والتصرف، وعدم صحة الرجوع بالجملة فالمسألة ظنية والنظائر المتشابهة للبحث فيها مجال وإن كان الأظهر فيها ما قلنا فالأولى ما قال في البحر من أنه ينبغي الإبراء العام بعده والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ما قلناه في الفراغ عن الوظيفة يقال مثله في الفراغ عن حق التصرف في مشد مسكة الأراضي ويأتي بيانها قريبا وكذا في فراغ الزعيم عن تيماره، ثم إذا فرغ عنه لغيره ولم يوجهه السلطان للمفروغ له بل أبقاه على الفارغ أو وجهه لغيرهما ينبغي أن يثبت الرجوع للمفروغ له على الفارغ ببدل الفراغ؛ لأنه لم يرض بدفعه إلا بمقابلة ثبوت ذلك الحق له، لا بمجرد الفراغ وإن حصل لغيره‏.‏ وبهذا أفتى في الإسماعيلية والحامدية وغيرهما خلافا لما أفتى به بعضهم من عدم الرجوع؛ لأن الفارغ فعل ما في وسعه وقدرته إذ لا يخفى أنه غير مقصود من الطرفين ولا سيما إذا أبقى السلطان والقاضي التيمار أو الوظيفة على الفارغ فإنه يلزم اجتماع العوضين في تصرفه وهو خلاف قواعد الشرع فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

مطلب في خلو الحوانيت

‏(‏قوله‏:‏ وبلزوم خلو الحوانيت‏)‏ عبارة الأشباه‏:‏ أقول على اعتباره أي اعتبار العرف الخاص‏:‏ ينبغي أن يفتى بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم، ويصير الخلو في الحانوت حقا له فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره، ولو كانت وقفا وقد وقع في حوانيت الجملون في الغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها للتجار بالخلو وجعل لكل حانوت قدرا أخذه منهم وكتب ذلك بمكتوب الوقف ا هـ‏.‏ وقد أعاد الشارح ذكر هذه المسألة قبيل كتاب الكفالة، ثم قال‏:‏ قلت‏:‏ وأيده في زواهر الجواهر بما في واقعات الضريري رجل في يده دكان فغاب فرفع المتولي أمره للقاضي، فأمره القاضي بفتحه وإجارته ففعل المتولي ذلك وحضر الغائب فهو أولى بدكانه وإن كان له خلو فهو أولى بخلوه أيضا، وله الخيار في ذلك، فإن شاء فسخ الإجارة وسكن في دكانه وإن شاء أجازها ورجع بخلوه على المستأجر، ويؤمر المستأجر بأداء ذلك إن رضي به وإلا يؤمر بالخروج من الدكان ا هـ‏.‏ بلفظه‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن قال‏:‏ السيد الحموي أقول‏:‏ ما نقل عن واقعات الضريري من ذكر لفظة الخلو فضلا عن أن يكون المراد بها ما هو المتعارف كذب فإن الإثبات من النقلة كصاحب جامع الفصولين نقل عبارة الضريري ولم يذكر فيها لفظ الخلو‏:‏ هذه وقد اشتهر نسبة مسألة الخلو إلى مذهب الإمام مالك والحال أنه ليس فيه نص عنه ولا عن أحد من أصحابه حتى قال‏:‏ البدر القرافي من المالكية‏:‏ إنه لم يقع في كلام الفقهاء التعرض؛ لهذه المسألة، وإنما فيها فتيا للعلامة ناصر الدين اللقاني المالكي بناها على العرف وخرجها عليه، وهو من أهل الترجيح فيعتبر تخريجه، وإن نوزع فيه وقد انتشرت فتياه في المشارق والمغارب وتلقاها علماء عصره بالقبول ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ورأيت في فتاوى الكازروني عن العلامة اللقاني أنه لو مات صاحب الخلو يوفى منه ديونه ويورث عنه وينتقل لبيت المال عند فقد الوارث‏.‏ ا هـ‏.‏ هذا، وقد استدل بعضهم على لزومه وصحة بيعه عندنا بما في الخانية‏:‏ رجل باع سكنى له في حانوت لغيره فأخبر المشتري أن أجرة الحانوت كذا فظهر أنها أكثر من ذلك قالوا‏:‏ ليس له أن يرد السكنى بهذا العيب ا هـ‏.‏ وللعلامة الشرنبلالي رسالة رد فيها على هذا المستدل بأنه لم يفهم معنى السكنى؛ لأن المراد بها عين مركبة في الحانوت، وهي غير الخلو‏.‏ ففي الخلاصة اشترى سكنى حانوت في حانوت رجل مركبا وأخبره البائع أن أجرة الحانوت كذا فإذا هي أكثر ليس له أن يرد‏.‏ وفي جامع الفصولين عن الذخيرة شرى سكنى في دكان وقف فقال‏:‏ المتولي‏:‏ ما أذنت له أي للبائع بوضعها فأمره أي المشتري بالرفع، فلو شراه بشرط القرار يرجع على بائعه وإلا فلا يرجع عليه بثمنه ولا بنقصانه‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم نقل عن عدة كتب ما يدل على أن السكنى عين قائمة في الحانوت ورد فيها أيضا على الأشباه، بأن الخلو لم يقل به إلا متأخر من المالكية، حتى أفتى بصحة وقفه ولزم منه أن أوقاف المسلمين صارت للكافرين، بسبب وقف خلوها على كنائسهم، وبأن عدم إخراج صاحب الحانوت لصاحب الخلو يلزم منه حجر الحر المكلف عن ملكه وإتلاف ماله مع أن صاحب الخلو لا يعطى أجر المثل، ويأخذ هو في نظير خلوه قدرا كثيرا، بل لا يجوز هذا في الوقف‏.‏ وقد نصوا على أن من سكن الوقف يلزمه أجر المثل، وفي منع الناظر من إخراجه تفويت نفع الوقف وتعطيل ما شرطه الواقف من إقامة شعائر مسجد ونحوها‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏

مطلب في الكدك

قلت‏:‏ وما ذكره حق خصوصا في زماننا هذا، وأما ما يتمسك به صاحب الخلو من أنه اشترى خلوه بمال كثير، وأنه بهذا الاعتبار تصير أجرة الوقف شيئا قليلا فهو تمسك باطل؛ لأن ما أخذه منه صاحب الخلو الأول لم يحصل منه نفع للوقف فيكون الدافع هو المضيع ماله فكيف يحل له ظلم الوقف، بل يجب عليه دفع أجرة مثله وإن كان له فيه شيء زائد على الخلو من بناء ونحوه مما يسمى في عرفنا بالكدك وهو المراد من لفظ السكنى المار، فإذا لم يدفع أجرة مثله لم يؤمر برفعه، وإن كان موضوعا بإذن الواقف أو أحد النظار ويرجع هذا إلى مسألة الأرض المحتكرة المنقولة في أوقاف الخصاف حيث قال‏:‏ حانوت أصله وقف وعمارته لرجل وهو لا يرضى أن يستأجر أرضه بأجر المثل قالوا إن كانت العمارة ب حيث لو رفعت يستأجر الأصل بأكثر مما يستأجر صاحب البناء كلف رفعه، ويؤجر من غيره، وإلا يترك في يده بذلك الأجر‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله‏:‏ وإلا يترك في يده يفيد أنه أحق من غيره حيث كان ما يدفعه أجر المثل فهنا يقال ليس للمؤجر أن يخرجه ولا أن يأمر برفعه إذ ليس في استبقائه ضرر على الوقف مع الرفق به بدفع الضرر عنه، كما أوضحناه في الوقف، وعن هذا قال‏:‏ في جامع الفصولين وغيره‏:‏ بنى المستأجر أو غرس في أرض الوقف صار له فيها حق القرار، وهي المسمى بالكردار له الاستبقاء بأجر المثل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخيرية‏:‏ وقد صرح علماؤنا بأن لصاحب الكردار حق القرار، وهو أن يحدث المزارع والمستأجر في الأرض بناء أو غرسا أو كبسا بالتراب بإذن الواقف أو الناظر فتبقى في يده ا هـ‏.‏ وقد يقال إن الدراهم التي دفعها صاحب الخلو للواقف واستعان بها على بناء الوقف شبيهة بكبس الأرض بالتراب، فيصير له حق القرار فلا يخرج من يده إذا كان يدفع أجر المثل، ومثله ما لو كان يرم دكان الوقف ويقوم بلوازمها من ماله بإذن الناظر، أما مجرد وضع اليد على الدكان ونحوها وكونه يستأجرها عدة سنين بدون شيء مما ذكر فهو غير معتبر فللمؤجر إخراجها من يده إذا مضت مدة إجارته، وإيجارها لغيره كما أوضحناه في رسالتنا تحرير العبارة في بيان من هو أحق بالإجارة وذكرنا حاصلها في الوقف، وعلى ما ذكرناه من أن صاحب الخلو المعتبر أحق من غيره لو استأجر بأجر المثل يحمل ما ذكره في الخيرية من الوقف حيث سئل في الخلو الواقع في غالب الأوقاف المصرية والأوقاف الرومية في الحوانيت وغيرها، هل يصير حقا لازما لصاحب الخلو، ويجوز بيع سكناه وشراؤه وإذا حكم به حاكم شرعي يمتنع على غيره من حكام الشرع الشريف نقضه‏.‏ ثم ذكر في الجواب عبارة الأشباه وواقعات الضريري وما ذكرناه من مسألة الأرض المحتكرة ومسألة حق القرار ومسألة بيع السكنى‏.‏ ثم قال‏:‏ أقول‏:‏ ليس الغرض بإيراد هذه الجمل القطع بالحكم بل ليقع اليقين بارتفاع الخلاف بالحكم حيث استوفى شرائطه من مالكي يراه أو غيره صح ولزم وارتفع الخلاف خصوصا فيما للناس إليه ضرورة لا سيما في المدن المشهورة كمصر ومدينة الملك فإنهم يتعاطونه ولهم فيه نفع كلي ويضر بهم نقضه وإعدامه فلربما بفعله تكثر الأوقاف، ألا ترى ما فعله الغوري كما مر‏؟‏ ومما بلغني أن بعض الملوك عمر مثل ذلك بأموال التجار ولم يصرف عليه من ماله الدرهم والدينار وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته، والدين يسر ولا مفسدة في ذلك في الدين، ولا عار به على الموحدين، والله تعالى أعلم‏.‏ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وممن أفتى بلزوم الخلو الذي يكون بمقابلة دراهم يدفعها للمتولي أو المالك العلامة المحقق عبد الرحمن أفندي العمادي صاحب هدية ابن العماد وقال‏:‏ فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه ولا إجارتها لغيره ما لم يدفع له المبلغ المرقوم، فيفتي بجواز ذلك للضرورة قياسا على بيع الوفاء الذي تعارفه المتأخرون احتيالا على الربا إلخ‏.‏ قلت‏:‏ وهو مقيد أيضا بما قلنا إذا كان يدفع أجر المثل، وإلا كانت سكناه بمقابلة ما دفعه من الدراهم عين الربا كما قالوا‏:‏ فيمن دفع للمقرض دارا ليسكنها أو حمارا ليركبه إلى أن يستوفي قرضه أنه يلزمه أجرة الدار أو الحمار على أن ما يأخذه المتولي من الدراهم ينتفع به لنفسه، فلو لم يلزم صاحب الخلو أجرة المثل للمستحقين يلزم ضياع حقهم، اللهم إلا أن يكون ما قبضه المتولي صرفه في عمارة الوقف، حيث تعين ذلك طريقا إلى عمارته ولم يوجد من يستأجره بأجرة المثل مع دفع ذلك المبلغ اللازم للعمارة، فحينئذ قد يقال بجواز سكناه بدون أجرة المثل للضرورة ومثل ذلك يسمى في زماننا مرصدا كما قدمناه في الوقف، والله سبحانه أعلم‏.‏ بقي طريق معرفة أجر المثل وينبغي أن يقال‏:‏ فيه إنا ننظر إلى ما دفعه صاحب الخلو للواقف أو المتولي على الوجه الذي ذكرناه وإلى ما ينفقه في مرمة الدكان ونحوها فإذا كان الناس يرغبون في دفع جميع ذلك لصاحب الخلو ومع ذلك يستأجرون الدكان بمائة مثلا، فالمائة هي أجرة المثل ولا ينظر إلى ما دفعه هو إلى صاحب الخلو السابق من مال كثير طمعا في أن أجرة هذه الدكان عشرة مثلا كما هو الواقع في زماننا؛ لأن ما دفعه من المال الكثير لم يرجع منه نفع للوقف أصلا بل هو محض ضرر بالوقف، حيث لزم منه استئجار الدكان بدون أجرتها بغبن فاحش، وإنما ينظر إلى ما يعود نفعه إلى الوقف فقط كما ذكرنا‏.‏ نعم جرت العادة أن صاحب الخلو حين يستأجر الدكان بالأجرة اليسيرة يدفع للناظر دراهم تسمى خدمة هي في الحقيقة تكملة أجرة المثل أو دونها، وكذا إذا مات صاحب الخلو أو نزل عن خلوه لغيره يأخذ الناظر من الوارث أو المنزول له دراهم تسمى تصديقا فهذا تحسب من الأجرة أيضا، ويجب على الناظر صرفها إلى جهة الوقف كما قدمنا في كتاب الوقف في مسألة العوائد العرفية، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر السيد محمد أبو السعود في حاشيته على الأشباه‏:‏ أن الخلو يصدق بالعين المتصل اتصال قرار وبغيره وكذا الجدك المتعارف في الحوانيت المملوكة ونحوها كالقهاوي تارة يتعلق بما له حق القرار كالبناء بالحانوت وتارة يتعلق بما هو أعم من ذلك‏.‏ والذي يظهر أنه كالخلو في الحكم بجامع وجود العرف في كل منهما، والمراد بالمتصل اتصال قرار ما وضع لا ليفصل كالبناء ولا فرق في صدق كل من الخلو والجدك به، وبالمتصل لا على وجه القرار كالخشب الذي يركب بالحانوت لوضع عدة الحلاق مثلا، فإن الاتصال وجد لكن لا على وجه القرار، وكذا يصدقان بمجرد المنفعة المقابلة للدراهم، لكن ينفرد الجدك بالعين الغير المتصلة أصلا كالبكارج والفناجين بالنسبة للقهوة والمقشة والفوط بالنسبة للحمام والشونة بالنسبة للفرن وبهذا الاعتبار يكون الجدك أعم‏.‏ بقي لو كان الخلو بناء أو غراسا بالأرض المحتكرة أو المملوكة يجري فيه حق الشفعة؛ لأنه لما اتصل بالأرض اتصال قرار التحق بالعقار‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ما ذكره من جريان الشفعة فيه سهو ظاهر لمخالفته المنصوص عليه في كتب المذهب كما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى فافهم‏.‏ هذا غاية ما تحرر لي في مسألة الخلو فاغتنمه فإنه مفرد وقد أوضحنا الفرق في باب مشد المسكة من تنقيح الفتاوى الحامدية بين المشد والخلو والجدك والقيمة والمرصد المتعارفة في زماننا إيضاحا لا يوجد في غير ذلك الكتاب والحمد لله الملك الوهاب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفي معين المفتي إلخ‏)‏ أفاد به أن الخلو إذا لم يكن عينا قائمة لا يصح بيعه ‏(‏قوله جاز‏)‏ ترك قيدا ذكره في معين المفتي وهو قوله إذا لم يشترط تركها‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في الخانية أي لأنه شرط مفسد للبيع ‏(‏قوله وإن كرابا أو كري أنهار‏)‏ في المغرب‏:‏ كرب الأرض كربا قلبها للحرث من باب طلب وكريت النهر كريا حفرته ‏(‏قوله ولا بمعنى مال‏)‏ لعل المراد به التراب المسمى كبسا وهو ما تكبس به الأرض أي تطم وتسوى فتأمل‏.‏‏:‏ وفي ط وهو كالسكنى في الأرض الموقوفة بطريق الخلو وكالجدك على ما سلف‏.‏