فصل: باب الأنجاس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب الأنجاس

أي‏:‏ باب بيانها وبيان أحكامها وتطهير محالها‏.‏ وقدم الحكمية؛ لأنها أقوى، لكون قليلها يمنع جواز الصلاة اتفاقا ولا يسقط وجوب إزالتها بعذر بحر عن النهاية‏.‏ أقول فيه‏:‏ إن الحكمية لا تتجزأ على الأصح، فمن بقيت عليه لمعة فهو محدث فلا توصف بالقلة، وقد تسقط بعذر كما مر أول الطهارة فيمن قطعت يداه ورجلاه وبوجهه جراحة فإنه يصلي بلا وضوء ولا تيمم ولا إعادة عليه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بفتحتين‏)‏ كذا في العناية، ثم قال‏:‏ وهو كل مستقذر، وهو في الأصل مصدر ثم استعمل اسما ا هـ‏.‏ لكن الصحيح ما قاله تاج الشريعة أنه جمع نجس بكسر الجيم، لما في العباب‏:‏ النجس ضد الطاهر، والنجاسة ضد الطهارة وقد نجس ينجس كسمع يسمع وكرم يكرم، وإذا قلت‏:‏ رجل نجس بكسر الجيم ثنيت وجمعت وبفتحها لم تثن ولم تجمع وتقول‏:‏ رجل ورجلان ورجال وامرأة ونساء نجس ا هـ‏.‏ وتمامه في شرح الهداية للعيني‏.‏ وحاصله أن الأنجاس ليس جمعا لمفتوح الجيم بل لمكسورها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ يعم الحقيقي والحكمي‏)‏ والخبث يخص الأول والحدث الثاني بحر، فلو قال المصنف‏:‏ رفع خبث بدل قوله ‏"‏ رفع نجاسة حقيقية ‏"‏ كان أخصر‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ يجوز إلخ‏)‏ عبر بالجواز؛ لأنه أطلق في قوله عن محلها ولم يقيده ببدن المصلي وثوبه ومكانه كما قيده في الهداية فعبر بالوجوب؛ ولأن المقصود كما قال ابن الكمال بيان جواز الطهارة بما ذكر أي‏:‏ من الماء وكل مائع إلخ لا بيان وجوبها حالة الصلاة فإنه من مسائل باب شروط الصلاة ا هـ‏.‏ على أن الوجوب كما قال في الفتح مقيد بالإمكان وبما إذا لم يرتكب ما هو أشد، حتى لو لم يتمكن من إزالتها إلا بإبداء عورته للناس يصلي معها؛ لأن كشف العورة أشد، فلو أبداها للإزالة فسق؛ إذ من ابتلي بين محظورين عليه أن يرتكب أهونهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدم الشارح في الغسل من الجنابة أنه لا يدعه وإن رآه الناس، وقدمنا ما فيه من البحث هناك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو إناء أو مأكولا‏)‏ أي‏:‏ كقصعة وأدهان؛ وهذا حيث أمكن لقوله آخر الباب ‏"‏ حنطة طبخت في خمر ‏"‏ لا تطهر أبدا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو لا‏)‏ كما لو تنجس طرف من ثوبه ونسيه فيغسل طرفا منه ولو بلا تحر كما سيأتي متنا مع ما فيه من الكلام‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بماء‏)‏ يستثنى منه الماء المشكوك على أحد القولين كما مر في الأسآر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ به يفتى‏)‏ أي‏:‏ خلافا لمحمد؛ لأنه لا يجيز إزالة النجاسة الحقيقية إلا بالماء المطلق بحر، لكن فيه أنهم ذكروا أن الطهارة بانقلاب العين قول محمد تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبكل مائع‏)‏ أي‏:‏ سائل، فخرج الجامد كالثلج قبل ذوبه أفاده ط‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

صرح في الحلية في بحث الاستنجاء بأنه تكره إزالة النجاسة بالمائع المذكور لما فيه من إضاعة المال عند عدم الضرورة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ طاهر‏)‏ فبول ما يؤكل لا يطهر محل النجاسة اتفاقا، بل ولا يزيل حكم الغليظة في المختار، فلو غسل به الدم بقيت نجاسة الدم؛ لأنه ما ازداد الثوب به إلا شرا؛ ولو حلف ما فيه دم أي‏:‏ نجاسة دم يحنث، وعلى الضعيف لا وكذا الحكم في الماء المستعمل على القول بنجاسته، وتمامه في النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قالع‏)‏ أي‏:‏ مزيل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ينعصر بالعصر‏)‏ تفسير لقالع لا قيد آخر‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله‏:‏ فتطهر أصبع إلخ‏)‏ عبارة البحر‏:‏ وعلى هذا فرعوا طهارة الثدي إذا قاء عليه الولد ثم رضعه حتى زال أثر القيء، وكذا إذا لحس أصبعه من نجاسة حتى ذهب الأثر أو شرب خمرا ثم تردد ريقه في فيه مرارا طهر، حتى لو صلى صحت‏.‏ وعلى قول محمد لا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدمنا في الأسآر عن الحلية أنه لا بد أن يزول أثر الخمر من الريق في كل مرة‏.‏ وفي الفتح‏:‏ صبي ارتضع ثم قاء فأصاب ثياب الأم إن كان ملء الفم فنجس، فإذا زاد على قدر الدرهم منع‏.‏ وروى الحسن عن الإمام أنه لا يمنع ما لم يفحش؛ لأنه لم يتغير من كل وجه وهو الصحيح؛ وقدمنا ما يقتضي طهارته‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مزيل‏)‏ لم يقل مطهر لما علمت من أن بول المأكول لا يطهر اتفاقا؛ وإنما الخلاف في إزالته للنجاسة الكائنة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فخلاف المختار‏)‏ وعلى ضعفه فالمراد باللبن ما لا دسومة فيه بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويطهر خف ونحوه‏)‏ احتراز عن الثوب والبدن؛ فلا يطهران بالدلك إلا في المني؛ وتمامه في البحر؛ وأطلقه فشمل ما إذا أصاب النجس موضع الوطء وما فوقه؛ وهو الصحيح كما في حاشية الحموي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كنعل‏)‏ ومثله الفرو‏.‏ ا هـ‏.‏ ح عن القهستاني والحموي‏:‏ أي‏:‏ من غير جانب الشعر؛ وقيد النعل في النهر بغير الرقيق، ولم أره لغيره‏.‏ وأما قول البحر‏:‏ قيده أبو يوسف بغير الرقيق؛ فالمراد به النجس ذو الجرم؛ ومثل له في المعراج بالخمر والبول، فالضمير في عبارة البحر للنجس لا للنعل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بذي جرم‏)‏ أي‏:‏ وإن كان رطبا على قول الثاني؛ وعليه أكثر المشايخ؛ وهو الأصح المختار؛ وعليه الفتوى لعموم البلوى؛ ولإطلاق حديث أبي داود‏:‏ «إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعله أذى أو قذرا فليمسحه وليصل فيهما» كما في البحر وغيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ هو كل ما يرى بعد الجفاف‏)‏ أي‏:‏ على ظاهر الخف كالعذرة والدم، وما لا يرى بعد الجفاف فليس بذي جرم بحر‏.‏ ويأتي تمامه قريبا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو من غيرها‏)‏ أي‏:‏ ولو كان الجرم المرئي من غير النجاسة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كخمر وبول إلخ‏)‏ أي‏:‏ بأن ابتل الخف بخمر فمشى به على رمل أو رماد فاستجسد فمسحه بالأرض حتى تناثر طهر، وهو الصحيح بحر عن الزيلعي‏.‏ أقول‏:‏ ومفاده أن الخمر والبول ليس بذي جرم مع أنه قد يرى أثره بعد الجفاف، فالمراد بذي الجرم ما تكون ذاته مشاهدة بحس البصر، وبغيره ما لا تكون كذلك كما سنذكره مع ما فيه من البحث عند قوله ‏"‏ وكذا يطهر محل نجاسة مرئية ‏"‏‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بدلك‏)‏ أي‏:‏ بأن يمسحه مسحا قويا ط ومثل الدلك الحك والحت على ما في الجامع الصغير‏.‏ وفي المغرب‏:‏ الحت القشر باليد أو العود‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ يزول به أثرها‏)‏ أي‏:‏ إلا أن يشق زواله نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا جرم لها‏)‏ أي‏:‏ وإن كانت النجاسة المفهومة من المقام لا جرم لها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيغسل‏)‏ أي‏:‏ الخف‏.‏ قال في الذخيرة‏:‏ والمختار أن يغسل ثلاث مرات ويترك في كل مرة حتى ينقطع التقاطر وتذهب النداوة، ولا يشترط اللبس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ صقيل‏)‏ احترز به عن نحو الحديد إذا كان عليه صدأ أو منقوشا، وبقوله ‏"‏ لا مسام له ‏"‏ عن الثوب الثقيل فإن له مساما ح عن البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وآنية مدهونة‏)‏ أي‏:‏ كالزبدية الصينية حلية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو خراطي‏)‏ بفتح الخاء المعجمة والراء المشددة بعدها ألف وكسر الطاء المهملة آخره ياء مشددة نسبة إلى الخراط، وهو خشب يخرطه الخراط فيصير صقيلا كالمرآة ح ‏(‏قوله‏:‏ بمسح‏)‏ متعلق بيطهر، وإنما اكتفى بالمسح؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقتلون الكفار بسيوفهم ثم يمسحونها ويصلون معها؛ ولأنه لا تتداخله النجاسة، وما على ظهره يزول بالمسح بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مطلقا‏)‏ أي‏:‏ سواء أصابه نجس له جرم أو لا، رطبا كان أو يابسا على المختار للفتوى شرنبلالية عن البرهان‏.‏ قال في الحلية‏:‏ والذي يظهر أنها لو يابسة ذات جرم تطهر بالحت والمسح بما فيه بلل ظاهر من خرقة أو غيرها حتى يذهب أثرها مع عينها، ولو يابسة ليست بذات جرم كالبول والخمر فبالمسح بما ذكرناه لا غير، ولو رطبة ذات جرم أو لا فبالمسح بخرقة مبتلة أو لا‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

بقي مما يطهر بالمسح موضع الحجامة، ففي الظهيرية إذا مسحها بثلاث خرق رطبات نظاف أجزأه عن الغسل، وأقره في الفتح وقاس عليه ما حول محل الفصد إذا تلطخ ويخاف من الإسالة السريان إلى الثقب‏.‏ قال في البحر‏:‏ وهو يقتضي تقييد مسألة المحاجم بما إذا خاف من الإسالة ضررا والمنقول مطلق‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وقد نقل في القنية عن نجم الأئمة الاكتفاء فيها بالمسح مرة واحدة إذا زال بها الدم، لكن في الخانية لو مسح موضع الحجامة بثلاث خرق مبلولة يجوز إن كان الماء متقاطرا‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أن هذا مبني على قول أبي يوسف في المسألة بلزوم الغسل كما نقله عنه في الحلية عن المحيط، يدل عليه ما في الخانية قبل هذه المسألة عن أبي جعفر على بدنه نجاسة فمسحها بخرقة مبلولة ثلاثا يطهر لو الماء متقاطرا على بدنه‏.‏ ا هـ‏.‏ فإنه مع التقاطر يكون غسلا لا مسحا، لما في الولوالجية أصابه نجاسة فبل يده ثلاثا ومسحها، إن كانت البلة من يده متقاطرة جاز؛ لأنه يكون غسلا وإلا فلا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بخلاف نحو بساط‏)‏ أي‏:‏ وحصير وثوب وبدن مما ليس أرضا ولا متصلا بها اتصال قرار‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بيبسها‏)‏ لما في سنن أبي داود باب طهور الأرض إذا يبست وساق بسنده عن «ابن عمر قال‏:‏ كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت شابا عزبا، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك» ا هـ‏.‏ ولو أريد تطهيرها عاجلا يصب عليها الماء ثلاث مرات وتجفف في كل مرة بخرقة طاهرة، وكذا لو صب عليها الماء بكثرة حتى لا يظهر أثر النجاسة شرح المنية وفتح‏.‏ وهل الماء في الصورة الثانية نجس أم طاهر‏؟‏ يفهم من قول البحر ‏"‏ صب عليها الماء كثيرا ثم تركها حتى نشفت طهرت أنه نجس؛ لأنه علق طهارتها بنشافها أي‏:‏ يبسها وبه صرح في التتارخانية عن الحجة حيث قال‏:‏ ويتنجس الموضع الذي انتقل الماء إليه‏.‏ وفي البدائع ما يدل عليه‏.‏ والظاهر أن هذا حيث لم يصر الماء جاريا عرفا، أما لو جرى بعد انفصاله عن محلها ولم يظهر فيه أثرها فينبغي أن يكون طاهرا؛ لأن الجاري لا يتنجس وإن لم يكن له مدد ما لم يظهر فيه الأثر، يدل عليه ما في الذخيرة‏.‏ وعن الحسن بن أبي مطيع‏:‏ إذا صب عليها الماء فجرى قدر ذراع طهرت الأرض والماء طاهر بمنزلة الماء الجاري‏.‏ وفي المنتقى أصابها المطر غالبا وجرى عليها فذلك مطهر لها، ولو قليلا لم يجر عليها لم تطهر، فيغسل قدميه وخفيه يريد به إذا كان المطر قليلا ومشى عليها‏.‏ ا هـ‏.‏ فهذا نص في المقصود ولله الحمد وسنذكر آخر الفصل تمام ذلك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي‏:‏ جفافها‏)‏ المراد به ذهاب الندوة، وفسر الشارح به؛ لأنه المشروط دون اليبس كما دلت عليه عبارات الفقهاء قهستاني‏.‏ وصرح به ابن الكمال عن الذخيرة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو بريح‏)‏ أشار إلى أن تقييد الهداية وغيرها بالشمس اتفاقي فإنه لا فرق بين الجفاف بالشمس أو النار أو الريح كما في الفتح وغيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كلون وريح‏)‏ أدخلت الكاف الطعم، وبه صرح في البحر والذخيرة وغيرهما‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وله الطهورية‏)‏؛ لأن الصعيد علم قبل التنجس طاهرا وطهورا وبالتنجس علم زوال الوصفين ثم ثبت بالجفاف شرعا أحدهما أعني التطهير فيبقى الآخر على ما علم من زواله، وإذا لم يكن طهورا لا يتيمم به‏.‏ ا هـ‏.‏ فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مفروش‏)‏ أما لو موضوعا غير مثبت فيها ينقل ويحول فلا بد من الغسل؛ لأن الطهارة بالجفاف إنما وردت في الأرض ومثل هذا لا يسمى أرضا عرفا، ولذا لا يدخل في بيع الأرض حكما لعدم اتصاله بها على جهة القرار فلا يلحق بها‏.‏ شارح المنية‏.‏ زاد في الحلية‏:‏ وإذا قلع المفروش بعد ذلك هل يعود نجسا فيه روايتان‏.‏ قلت‏:‏ والأشبه عدم العود‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البحر عن الخلاصة أنه المختار ‏(‏قوله‏:‏ بالخاء‏)‏ أي‏:‏ المعجمة المضمومة والصاد المهملة المشددة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ تحجيرة سطح‏)‏ من الحجر بالفتح‏:‏ وهو المنع، وفسره في الدرر تبعا لصدر الشريعة بالسترة التي تكون على السطوح أي‏:‏ لأنها تمنع من النظر إلى من هو خلفها، وفسره في المغرب والصحاح بالبيت من القصب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكلأ‏)‏ بوزن جبل‏.‏ قال في المغرب‏:‏ هو اسم لما يرعاه الدواب رطبا كان أو يابسا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا إلخ‏)‏ ومثله الحصى إذا كان متداخلا في الأرض كما في المنية‏.‏ وفي التتارخانية‏:‏ أما إذا كان على وجه الأرض لا يطهر‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أن التراب لا يتقيد بذلك، وإلا لزم تقييد الأرض التي تطهر باليبس بما لا تراب عليها تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا حجرا خشنا إلخ‏)‏ في الخانية ما نصه‏:‏ الحجر إذا أصابته النجاسة، إن كان حجرا يتشرب النجاسة كحجر الرحى يكون يبسه طهارة، وإن كان لا يتشرب لا يطهر إلا بالغسل‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في البحر‏.‏ وبحث فيه في شرح المنية فقال هذا بناء على أن النص الوارد في الأرض معقول المعنى؛ لأن الأرض تجذب النجاسة والهواء يجففها فيقاس عليه ما يوجد فيه ذلك المعنى الذي هو الاجتذاب، ولكن يلزم منه أن يطهر اللبن والآجر بالجفاف وذهاب الأثر وإن كان منفصلا عن الأرض لوجود التشرب والاجتذاب‏.‏ ا هـ‏.‏ وعلى هذا استظهر في الحلية حمل ما في الخانية على الحجر المفروش دون الموضوع، وهذا هو المتبادر من عبارة الشرنبلالية، لكن يرد عليه أنه لا يظهر فرق حينئذ بين الخشن وغيره، فالأولى حمله على المنفصل كما هو المفهوم المتبادر من عبارة الخانية والبحر‏.‏ ويجاب عما بحثه في شرح المنية بأن اللبن والآجر قد خرجا بالطبخ والصنعة عن ماهيتهما الأصلية بخلاف الحجر فإنه على أصل خلقته فأشبه الأرض بأصله، وأشبه غيرها بانفصاله عنها، فقلنا إذا كان خشنا فهو في حكم الأرض؛ لأنه لا يتشرب النجاسة، وإن كان أملس فهو في حكم غيرها؛ لأنه لا يتشرب النجاسة - والله أعلم -

‏(‏قوله‏:‏ بفرك‏)‏ هو الحك باليد حتى يتفتت بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يضر بقاء أثره‏)‏ أي‏:‏ كبقائه بعد الغسل بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إن طهر رأس حشفة‏)‏ قيل هو مقيد أيضا بما إذا لم يسبقه مذي، فإن سبقه فلا يطهر إلا بالغسل‏.‏ وعن هذا قال شمس الأئمة الحلواني‏:‏ مسألة المني مشكلة؛ لأن كل فحل يمذي ثم يمني إلا أن يقال‏:‏ إنه مغلوب بالمني مستهلك فيه فيجعل تبعا‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا ظاهر، فإنه إذا كان كل فحل كذلك وقد طهره الشرع بالفرك يابسا يلزم أنه اعتبر مستهلكا للضرورة، بخلاف ما إذا بال فلم يستنج بالماء حتى أمنى لعدم الملجئ ا هـ‏.‏ فتح‏.‏ وما في البحر من أن ظاهر المتون الإطلاق فإن المذي لم يعف عنه إلا لكونه مستهلكا لا للضرورة فكذا البول‏.‏ رده في النهر بأن الأصل أن لا يجعل النجس تبعا لغيره إلا بدليل وقد قام في المذي دون البول‏.‏ ا هـ‏.‏ قال الشيخ إسماعيل‏:‏ وهو وجيه كما لا يخفى‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال العلامة نوح‏:‏ والحق أن المذي إنما عفي عنه للضرورة لا للاستهلاك، ثم أطال في رد ما في حاشية أخي جلبي من أن اللائق بحال المسلم أن لا يكتفي بالفرك في المني أبدا؛ لأن القيود المعتبرة فيه مما يستحيل رعايتها عادة فراجعه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كأن كان مستنجيا بماء‏)‏ أي‏:‏ بعد البول، واحترز عن الاستنجاء بالحجر؛ لأنه مقلل للنجاسة لا قالع لها كما مر في مسألة البئر‏.‏ قال في شرح المنية‏:‏ ولو بال ولم يستنج بالماء، قيل لا يطهر المني الخارج بعده بالفرك قاله أبو إسحاق الحافظ، وهكذا روى الحسن عن أصحابنا‏.‏ وقيل‏:‏ إن لم ينتشر البول على رأس الذكر ولم يجاوز الثقب يطهر به وكذا إن انتشر ولكن خرج المني دفقا؛ لأنه لم يوجد مروره على البول الخارج، ولا أثر لمروره عليه في الداخل لعدم الحكم بنجاسته‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله كما قال نوح أفندي‏:‏ إما أن ينتشر كل من البول والمني أو لا، أو البول فقط، أو المني فقط، ففي الأول لا يطهر بالفرك وفي الثلاثة الأخيرة يطهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لتلوثه بالنجس‏)‏ قد يقال بناء على القول المار آنفا‏:‏ إنه إذا خرج المني ولم ينتشر على رأس الذكر لا تلوث فيه أفاده ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ برطوبة الفرج‏)‏ أي‏:‏ الداخل بدليل قوله أولج‏.‏ وأما رطوبة الفرج الخارج فطاهرة اتفاقا ا هـ‏.‏ ح‏.‏ وفي منهاج الإمام النووي رطوبة الفرج ليست بنجسة في الأصح‏.‏ قال ابن حجر في شرحه‏:‏ وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق يخرج من باطن الفرج الذي لا يجب غسله، بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا، ومن وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا ككل خارج من الباطن كالماء الخارج مع الولد أو قبيله‏.‏ ا هـ‏.‏ وسنذكر في آخر باب الاستنجاء أن رطوبة الولد طاهرة وكذا السخلة والبيضة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أما عنده‏)‏ أي‏:‏ عند الإمام، وظاهر كلامه في آخر الفصل الآتي أنه المعتمد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو لا رأسها طاهرا‏)‏ أو مانعة الخلو مجوزة الجمع، فيصدق بما إذا كان يابسا ورأسها غير طاهر، أو رطبا ورأسها طاهر، أو لم يكن يابسا ولا رأسها طاهرا‏.‏ وفي بعض النسخ بالواو بدل أو، وهو سهو من الناسخ‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ أقول‏:‏ لا سهو بل غاية ما يلزمه أنه تصريح ببعض الصور وهو صورة الجمع دون صورتي الانفراد فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو دما عبيطا‏)‏ بالعين المهملة‏:‏ أي‏:‏ طريا مغرب وقاموس أي‏:‏ ولو كانت النجاسة دما عبيطا فإنها لا تطهر إلا بالغسل على المشهور لتصريحهم بأن طهارة الثوب بالفرك إنما هو في المني لا في غيره بحر، فما في المجتبى لو أصاب الثوب دم عبيط فيبس فحته طهر كالمني فشاذ نهر، وكذا ما في القهستاني عن النوازل أن الثوب يطهر عن العذرة الغليظة بالفرك قياسا على المني‏.‏ ا هـ‏.‏ نعم لو خرج المني دما عبيطا فالظاهر طهارته بالفرك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بلا فرق‏)‏ أي‏:‏ في فركه يابسا وغسله طريا ‏(‏قوله‏:‏ ومنيها‏)‏ أي‏:‏ المرأة كما صححه في الخانية، وهو ظاهر الرواية عندنا كما في مختارات النوازل وجزم في السراج وغيره بخلافه ورجحه في الحلية بما حاصله‏:‏ إن كلامهم متظافر على أن الاكتفاء بالفرك في المني استحسان بالأثر على خلاف القياس، فلا يلحق به إلا ما في معناه من كل وجه، والنص ورد في مني الرجل ومني المرأة ليس مثله لرقته وغلظ مني الرجل، والفرك إنما يؤثر زوال المفروك أو تقليله وذلك فيما له جرم، والرقيق المائع لا يحصل من فركه هذا الغرض فيدخل مني المرأة إذا كان غليظا ويخرج مني الرجل إذا كان رقيقا لعارض ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وقد يؤيد ما صححه في الخانية بما صح ‏{‏عن عائشة رضي الله عنها كنت أحك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي» ولا خفاء أنه كان من جماع؛ لأن الأنبياء لا تحتلم، فيلزم اختلاط مني المرأة به، فيدل على طهارة منيها بالفرك بالأثر لا بالإلحاق فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما بحثه الباقاني‏)‏ لعله في شرحه على النقاية‏.‏ وأما في شرحه على الملتقى فلم أجده فيه، وسبقه إلى ذلك القهستاني فقال‏:‏ والمني شامل لكل حيوان فينبغي أن يطهر به ا هـ‏.‏ أي‏:‏ بالفرك‏.‏ وفي حاشية أبي السعود‏:‏ لا فرق بين مني الآدمي وغيره كما في الفيض والقهستاني أيضا، خلافا لما نقله الحموي عن السمرقندي من تقييده بمني الآدمي‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ المنقول في البحر والتتارخانية أن مني كل حيوان نجس، وأما عدم الفرق في التطهير فمحتاج إلى نقل، وما مر عن السمرقندي متجه ولذا قال‏:‏ ح إن الرخصة وردت في مني الآدمي على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره، فإن الحق دلالة يحتاج إلى بيان أن مني غير الآدمي خصوصا مني الخنزير والكلب والفيل الداخل في عموم كلامه في معنى مني الآدمي ودونه خرط القتاد‏.‏ ا هـ‏.‏ ورأيت في بعض الهوامش عن شرح النقاية للبرجندي أنه قال‏:‏ قد ذكروا أن الحكمة في تطهير الثوب من المني بالفرك عموم البلوى وعدم تداخله الثوب، فبالنظر إلى الأول لا يكون حكم غيره من سائر الحيوانات كذلك‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

نجاسة المني عندنا مغلظة سراج والعلقة والمضغة نجسان كالمني نهاية وزيلعي‏.‏ وكذا الولد إذا لم يستهل‏.‏ لما في الخانية لو سقط في الماء أفسده وإن غسل، وكذا لو حمله المصلي لا تصح صلاته بحر‏.‏ وأما ما نقله في البحر بعد ذلك عن الفتح من أن العلقة إذا صارت مضغة تطهر فمشكل، إلا أن يجاب بحمله على ما إذا نفخت فيها الروح واستمرت الحياة إلى الولادة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بغير مائع‏)‏ أي‏:‏ كالدلك في الخف، والجفاف في الأرض، والدباغة الحكمية في الجلد، وغوران الماء في البئر، والمسح في الصقيل‏.‏ قال في البحر بعد سوق عباراتهم فيها‏:‏ فالحاصل أن التصحيح والاختيار قد اختلف في كل مسألة منها كما ترى فالأولى اعتبار الطهارة في الكل كما يفيده أصحاب المتون حيث صرحوا بالطهارة في كل واختاره في الفتح‏.‏ ولا يرد المستنجي بالحجر إذا دخل الماء فإنه ينجسه؛ لأن غير المائع لم يعتبر مطهرا في البدن إلا في المني ا هـ‏.‏ أي‏:‏ فالحجر لا يطهر محل الاستنجاء من البدن، وإنما هو مقلل فلذا نجس الماء بخلاف الدلك ونحوه فإنه مطهر، ومقتضاه أن الخف لو وقع في ماء قليل لا ينجسه‏.‏ ثم رأيت في التجنيس قال‏:‏ ولو ألقي تراب هذه الأرض بعد ما جف في الماء هل ينجس‏؟‏ هو على هاتين الروايتين ا هـ‏.‏ أي‏:‏ فعلى رواية الطهارة لا ينجس وقدمنا أن الآجرة إذا تنجست فجفت ثم قلعت فالمختار عدم العود‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقد أنهيت في الخزائن إلخ‏)‏ ونصها ذكروا أن التطهير يكون بغسل وجري الماء على نحو بساط، ودخوله من جانب وخروجه من آخر بحيث يعد جاريا، وغسل طرف ثوب نسي محل نجاسته، ومسح صقيل، ومسح نطع، وموضع محجمة وفصد بثلاث خرق، وجفاف أرض، ودلك خف، وفرك مني، واستنجاء بنحو حجر، ونحت ملح وخشبة، وتقور نحو سمن جامد بأن لا يستوي من ساعته، وذكاة ودبغ ونار وندف قطن تنجس أقله، وقسمة مثلي، وغسل وبيع وهبة، وأكل لبعضه وانقلاب عين، وقلبها بجعل أعلى الأرض أسفل، ونزح بئر وغورانها، وغوران قدر الواجب وجريانها، وتخلل خمر، وكذا تخليلها عندنا، وغلي اللحم عند الثاني ونضح بول صغير عند الشافعي، فهذه نيف وثلاثون وفي بعضها مسامحة ا هـ‏.‏ ووجه المسامحة ما أوضحه في النهر، من أنه لا ينبغي عد التقور؛ لأن السمن الجامد لم يتنجس كله، بل ما ألقي منه فقط ولا قلب الأرض لبقاء النجاسة في الأسفل، وكذا القسمة والأربعة بعدها؛ وإنما يجوز الانتفاع لوقوع الشك في بقاء النجاسة في الموجود وكذا الندف، ومن عده شرط كون النجس مقدارا قليلا يذهب بالندف وإلا فلا يطهر كما في البزازية‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ومثل التقور النحت، على أن في كثير من هذه المسائل تداخلا، ولا ينبغي ذكر نضح بول الصبي الصغير بالماء؛ لأنه ليس مذهبنا‏.‏ هذا وقد زاد بعضهم نفخ الروح بناء على ما قدمناه آنفا عن الفتح، وزاد بعضهم التمويه كالسكين إذا موه‏:‏ أي‏:‏ سقي بماء نجس يموه بماء طاهر ثلاثا فيطهر، وكذا لحس اليد ونحوها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وغيرت نظم ابن وهبان‏)‏ حيث قال‏:‏ فصل المعاياة ملغزا‏:‏ وآخر دون الفرك والندف والجفا ف والنحت قلب العين والغسل يطور ولا دبغ تخليل ذكاة تخلل ولا المسح والنزح الدخول التغور وزاد شارحها بيتا فقال‏:‏ وأكل وقسم غسل بعض ونحله وندف وغلي بيع بعض تقور ا هـ‏.‏ وأراد بقوله وآخر الحفر أي‏:‏ ما شيء آخر من المطهرات غير هذه المذكورات‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقلب العين‏)‏ كانقلاب الخنزير ملحا كما سيأتي متنا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ الحفر‏)‏ أي‏:‏ قلب الأرض يجعل الأعلى أسفل ‏(‏قوله‏:‏ وتخليل‏)‏ أي‏:‏ تخليل الخمر بالتاء شيء فيها وهو كالتخلل بنفسها، وهما داخلان في انقلاب العين كما يعلم من البحر‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ولو صب ماء في خمر أو بالعكس ثم صار خلا طهر في الصحيح، بخلاف ما لو وقعت فيها فأرة ثم أخرجت بعدما تخللت في الصحيح؛ لأنها تنجست بعد التخلل، بخلاف ما لو أخرجت قبله‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا لو وقعت في العصير أو ولغ فيه كلب ثم تخمر ثم تخلل لا يطهر هو المختار بحر عن الخلاصة‏.‏ وفي الخانية‏:‏ خمر صب في قدر الطعام ثم صب فيه الخل وصار حامضا بحيث لا يمكن أكله لحموضته حموضة الخل لا بأس بأكله وعلى هذا كل ما صب فيه الخل وصار خلا، وكذا لو وقعت فأرة في خمر واستخرجت قبل التفسخ ثم صارت خلا؛ فلو بعده لا يحل‏.‏ والخل النجس إذا صب في خمر فصار خلا يكون نجسا؛ لأن النجس لم يتغير وإذا ألقي في الخمر رغيف أو بصل ثم صار الخمر خلا فالصحيح أنه طاهر‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي شيء من ذلك في الفروع آخر الفصل الآتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ذكاة‏)‏ أي‏:‏ ذبح حيوان فإنه يطهر الجلد، كذا اللحم ولو من غير مأكول على أحد التصحيحين كما مر في محله‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والدخول‏)‏ أي‏:‏ دخول الماء الطاهر في الحوض الصغير النجس مع خروجه من جانب آخر وإن قل في الصحيح كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ التغور‏)‏ أي‏:‏ غوران ماء البئر قدر ما يجب نزحه منها مطهر لها كالنزح كما تقدم ‏(‏قوله‏:‏ تصرفه في البعض‏)‏ أي‏:‏ من نحو حنطة تنجس بعضها، والتصرف يعم الأكل والبيع والهبة والصدقة أفاده ح وهذه المسألة ستأتي متنا، وينبغي تقييد التصرف بأن يكون بمقدار ما تنجس منها أو أكثر لا أقل، كما يقيده ما قدمناه في الندف عن النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ونزحها‏)‏ أي‏:‏ نزح البئر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ونار‏)‏ كما لو أحرق موضع الدم من رأس الشاة بحر وله نظائر تأتي قريبا ولا تظن أن كل ما دخلته النار يطهر كما بلغني عن بعض الناس أنه توهم ذلك، بل المراد أن ما استحالت به النجاسة بالنار أو زال أثرها بها يطهر، ولذا قيد ذلك في المنية بقوله في مواضع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وغلي‏)‏ أي‏:‏ بالنار كغلي الدهن أو اللحم ثلاثا على ما سيأتي بيانه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ غسل بعض‏)‏ أي‏:‏ بعض نحو ثوب تنجس شيء منه كما سيأتي الكلام عليه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ تقور‏)‏ أي‏:‏ تقوير نحو سمن جامد من جوانب النجاسة‏.‏ فهو من استعمال مصدر اللازم في المتعدي كالطهارة بمعنى التطهير كما أفاده الحموي‏.‏ وخرج بالجامد المائع، وهو ما ينضم بعضه إلى بعض فإنه ينجس كله ما لم يبلغ القدر الكثير على ما مر‏.‏ ا هـ‏.‏ فتح‏.‏ أي‏:‏ بأن كان عشرا في عشر وسيأتي كيفية تطهيره إذا تنجس

‏(‏قوله‏:‏ ويطهر زيت إلخ‏)‏ قد ذكر هذه المسألة العلامة قاسم في فتاواه، وكذا ما سيأتي متنا وشرحها من مسائل التطهير بانقلاب العين، وذكر الأدلة على ذلك بما لا مزيد عليه، وحقق ودقق كما هو دأبه رحمه الله تعالى، فليراجع‏.‏ ثم هذه المسألة قد فرعوها على قول محمد بالطهارة بانقلاب العين الذي عليه الفتوى واختاره أكثر المشايخ خلافا لأبي يوسف كما في شرح المنية والفتح وغيرهما‏.‏ وعبارة المجتبى‏:‏ جعل الدهن النجس في صابون يفتى بطهارته؛ لأنه تغير والتغير يطهر عند محمد ويفتى به للبلوى‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهره أن دهن الميتة كذلك لتعبيره بالنجس دون المتنجس إلا أن يقال هو خاص بالنجس؛ لأن العادة في الصابون وضع الزيت دون بقية الأدهان تأمل، ثم رأيت في شرح المنية ما يؤيد الأول حيث قال‏:‏ وعليه يتفرع ما لو وقع إنسان أو كلب في قدر الصابون فصار صابونا يكون طاهرا لتبدل الحقيقة‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن العلة عند محمد هي التغير وانقلاب الحقيقة وأنه يفتى به للبلوى كما علم مما مر، ومقتضاه عدم اختصاص ذلك الحكم بالصابون، فيدخل فيه كل ما كان فيه تغير وانقلاب حقيقة وكان فيه بلوى عامة، فيقال‏:‏ كذلك في الدبس المطبوخ إذا كان زبيبه متنجسا ولا سيما أن الفأر يدخله فيبول ويبعر فيه وقد يموت فيه، وقد بحث كذلك بعض شيوخ مشايخنا فقال‏:‏ وعلى هذا إذا تنجس السمسم ثم صار طحينة يطهر، خصوصا وقد عمت به البلوى وقاسه على ما إذا وقع عصفور في بئر حتى صار طينا لا يلزم إخراجه لاستحالته‏.‏ قلت‏:‏ لكن قد يقال‏:‏ إن الدبس ليس فيه انقلاب حقيقة؛ لأنه عصير جمد بالطبخ؛ وكذا السمسم إذا درس واختلط دهنه بأجزائه ففيه تغير وصف فقط؛ كلبن صار جبنا، وبر صار طحينا، وطحين صار خبزا؛ بخلاف نحو خمر صار خلا وحمار وقع في مملحة فصار ملحا، وكذا دردي خمر صار طرطيرا وعذرة صارت رمادا أو حمأة، فإن ذلك كله انقلاب حقيقة إلى حقيقة أخرى لا مجرد انقلاب وصف كما سيأتي - والله أعلم -‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ رش بماء نجس‏)‏ أي‏:‏ أو بال فيه صبي أو مسح بخرقة مبتلة نجسة حلية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا بأس بالخبز فيه‏)‏ أي‏:‏ بعد ذهاب البلة النجسة بالنار وإلا تنجس كما في الخانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ذكره الحلبي‏)‏ وعلله بقوله لاضمحلال النجاسة بالنار وزوال أثرها

‏(‏قوله‏:‏ وعفا الشارع‏)‏ فيه تغيير للفظ المتن؛ لأنه كان مبنيا للمجهول، لكنه قصد التنبيه على أن ذلك مروي لا محض قياس فقط‏.‏ قال في شرح المنية‏:‏ ولنا أن القليل عفو إجماعا، إذ الاستنجاء بالحجر كاف بالإجماع وهو لا يستأصل النجاسة، والتقدير بالدرهم مروي عن عمر وعلي وابن مسعود، وهو مما لا يعرف بالرأي فيحمل على السماع‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الحلية‏:‏ التقدير بالدرهم وقع على سبيل الكناية عن موضع خروج الحدث من الدبر كما أفاده إبراهيم النخعي بقوله‏:‏ إنهم استكرهوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه بالدرهم، ويعضده ما ذكره المشايخ عن عمر أنه سئل عن القليل من النجاسة في الثوب فقال‏:‏ إذا كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة، قالوا وظفره كان قريبا من كفنا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن كره تحريما‏)‏ أشار إلى أن العفو عنه بالنسبة إلى صحة الصلاة به، فلا ينافي الإثم كما استنبطه في البحر من عبارة السراج، ونحوه في شرح المنية فإنه ذكر ما ذكره الشارح من التفصيل، وقد نقله أيضا في الحلية عن الينابيع، لكنه قال بعده‏:‏ والأقرب أن غسل الدرهم وما دونه مستحب مع العلم به والقدرة على غسله، فتركه حينئذ خلاف الأولى، نعم الدرهم غسله آكد مما دونه، فتركه أشد كراهة كما يستفاد من غير ما كتاب من مشاهير كتب المذهب‏.‏ ففي المحيط‏:‏ يكره أن يصلي ومعه قدر درهم أو دونه من النجاسة عالما به لاختلاف الناس فيه‏.‏ زاد في مختارات النوازل قادرا على إزالته وحديث‏:‏ «تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم» لم يثبت، ولو ثبت حمل على استحباب الإعادة توفيقا بينه وبين ما دل عليه الإجماع على سقوط غسل المخرج بعد الاستجمار من سقوط قدر الدرهم من النجاسة مطلقا ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ أقول‏:‏ ويؤيده قوله في الفتح‏:‏ والصلاة مكروهة مع ما لا يمنع، حتى قيل لو علم قليل النجاسة عليه في الصلاة يرفضها ما لم يخف فوت الوقت أو الجماعة‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في النهاية والمحيط كما في البحر، فقد سوى بين الدرهم وما دونه في الكراهة ورفض الصلاة، ومعلوم أن ما دونه لا يكره تحريما إذ لا قائل به، فالتسوية في أصل الكراهة التنزيهية وإن تفاوتت فيهما، ويؤيده تعليل المحيط للكراهة باختلاف الناس فيه إذ لا يستلزم التحريم‏.‏ وفي النتف ما نصه‏:‏ فالواجبة إذا كانت النجاسة أكثر من قدر الدرهم، والنافلة إذا كانت مقدار الدرهم وما دونه‏.‏ وما في الخلاصة من قوله ‏"‏ وقدر الدرهم لا يمنع، ويكون مسيئا وإن قل، فالأفضل أن يغسلها ولا يكون مسيئا‏.‏ ا هـ‏.‏ لا يدل على كراهة التحريم في الدرهم لقول الأصوليين‏:‏ إن الإساءة دون الكراهة، نعم يدل على تأكد إزالته على ما دونه فيوافق ما مر عن الحلية ولا يخالف ما في الفتح كما لا يخفى، ويؤيد إطلاق أصحاب المتون قولهم ‏"‏ وعفي قدر الدرهم ‏"‏ فإنه شامل لعدم الإثم فتقدم هذه النقول على ما مر عن الينابيع - والله تعالى أعلم‏.‏ -‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والعبرة لوقت الصلاة‏)‏ أي‏:‏ لو أصاب ثوبه دهن نجس أقل من قدر الدرهم ثم انبسط وقت الصلاة فزاد على الدرهم، قيل‏:‏ يمنع‏.‏ وبه أخذ الأكثرون كما في البحر عن السراج‏.‏ وفي المنية وبه يؤخذ، وقال شارحها‏:‏ وتحقيقه أن المعتبر في المقدار من النجاسة الرقيقة ليس جوهر النجاسة بل جوهر المتنجس عكس الكثيفة فليتأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيل‏:‏ لا يمنع اعتبار الوقت الإصابة‏.‏ قال القهستاني‏:‏ وهو المختار، وبه يفتى‏.‏ وظاهر الفتح اختياره أيضا‏.‏ وفي الحلية وهو الأشبه عندي، وإليه مال سيدي عبد الغني وقال‏:‏ فلو كانت أزيد من الدرهم وقت الإصابة ثم جفت فخفت فصارت أقل منعت‏.‏ هذا وفي البحر وغيره‏:‏ ولا يعتبر نفوذ المقدار إلى الوجه الآخر لو الثوب واحدا، بخلاف ما إذا كان ذا طاقين كدرهم متنجس الوجهين ا هـ‏.‏ وما في الخانية من أن الصحيح عدم المنع في الدرهم؛ لأنه واحد‏.‏ وفي الخلاصة أنه المختار‏.‏ قال في الحلية‏:‏ الحق أن الذي يظهر خلافه؛ لأن نفس ما في أحد الوجهين لا ينفذ إلى الآخر، فلم تكن النجاسة متحدة بل متعددة وهو المناط‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

قال في الفتح وغيره‏:‏ ثم إنما يعتبر المانع مضافا إلى المصلي، فلو جلس الصبي أو الحمام المتنجس في حجره جازت صلاته لو الصبي مستمسكا بنفسه؛ لأنه هو الحامل لها، بخلاف غير المستمسك كالرضيع الصغير حيث يصير مضافا إليه، وبحث فيه في الحلية بأنه لا أثر فيما يظهر للاستمساك؛ لأن المصلي في المعنى حامل للنجاسة، ومن ادعاه فعليه البيان‏.‏ أقول‏:‏ وهو قوي، لكن المنقول خلافه‏.‏ وروي بإسناد حسن عن «أنس رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي والحسن على ظهره، فإذا سجد نحاه» ولا يخفى أن الصغير لا يخلو عن النجاسة عادة، فهو مؤيد للمنقول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو مثقال‏)‏ هذا هو الصحيح، وقيل يعتبر في كل زمان درهمه بحر‏.‏ وأفاد أن الدرهم هنا غيره في باب الزكاة فإنه هناك ما كان كل عشرة منه وزن سبعة مثاقيل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في نجس كثيف‏)‏ لما اختلف تفسير محمد للدرهم، فتارة فسره بعرض الكف وتارة بالمثقال اختلف المشايخ فيه، ووفق الهندواني بينهما بما ذكره المصنف واختاره كثير منهم وصححه الزيلعي والزاهدي، وأقره في الفتح؛ لأن إعمال الروايتين إذا أمكن أولى، وتمامه في البحر والحلية، ومقتضاه أن قدر الدرهم من الكثيفة لو كان منبسطا في الثوب أكثر من عرض الكف لا يمنع كما ذكره سيدي عبد الغني‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ له جرم‏)‏ تفسير للكثيف، وعد منه في الهداية الدم، وعده قاضي خان مما ليس له جرم، ووفق في الحلية بحمل الأول على ما إذا كان غليظا، والثاني على ما إذا كان رقيقا‏.‏ قال‏:‏ وينبغي أن يكون المني كذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ فالمراد بذي الجرم ما تشاهد بالبصر ذاته لا أثره كما مر ويأتي

‏(‏قوله‏:‏ وهو داخل مفاصل أصابع اليد‏)‏ قال منلا مسكين‏:‏ وطريق معرفته أن تغرف الماء باليد ثم تبسط، فما بقي من الماء فهو مقدار الكف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من مغلظة‏)‏ متعلق بقوله عفي ط أو بمحذوف صفة لكثيف ورقيق أي‏:‏ كائنين من نجاسة مغلظة‏.‏ وقال في الدرر متعلق بقدر الدرهم‏.‏ ثم اعلم أن المغلظ من النجاسة عند الإمام ما ورد فيه نص لم يعارض بنص آخر، فإن عورض بنص آخر فمخفف كبول ما يؤكل لحمه، فإن حديث‏:‏ «استنزهوا البول» يدل على نجاسته وحديث العرنيين يدل على طهارته‏.‏ وعندهما ما اختلف الأئمة في نجاسته فهو مخفف، فالروث مغلظ عنده؛ لأنه عليه الصلاة والسلام سماه ركسا ولم يعارضه نص آخر‏.‏ وعندهما مخفف، لقول مالك بطهارته لعموم البلوى، وتمام تحقيقه في المطولات‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كعذرة‏)‏ تمثيل للمغلظة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا إلخ‏)‏ يرد عليه الريح فإنه طاهر ط أي‏:‏ على الصحيح‏.‏ وقد يقال‏:‏ إن الكلام في الكثيف والرقيق والريح ليس منهما فليتأمل، أو يقال‏:‏ ‏"‏ ما ‏"‏ في ‏"‏ كل ما ‏"‏ واقعة على النجس؛ لأن المراد بيان التغليظ‏.‏

مطلب في طهارة بوله صلى الله عليه وسلم

‏[‏تنبيه‏]‏

صحح بعض أئمة الشافعية طهارة بوله صلى الله عليه وسلم وسائر فضلاته، وبه قال أبو حنيفة كما نقله في المواهب اللدنية عن شرح البخاري للعيني وصرح به البيري في شرح الأشباه‏.‏ قال الحافظ ابن حجر‏:‏ تظافرت الأدلة على ذلك‏.‏ وعد الأئمة ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم‏.‏ ونقل بعضهم عن شرح المشكاة لمنلا علي القاري أنه قال‏:‏ اختاره كثير من أصحابنا، وأطال في تحقيقه في شرحه على الشمائل في باب ما جاء في تعطره عليه الصلاة والسلام‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مغلط‏)‏ لا حاجة إليه مع قوله كذا ط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لم يطعم‏)‏ بفتح الياء أي‏:‏ لم يأكل فلا بد من غسله، واكتفى الإمام الشافعي بالنضح في بول الصبي ط، والجواب عما استدل به في المطولات‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا بول الخفاش‏)‏ بوزن رمان‏:‏ وهو الوطواط؛ سمي به لصغر عينه وضعف بصره قاموس‏.‏ وفي البدائع وغيره‏:‏ بول الخفافيش وخرؤها ليس بنجس لتعذر صيانة الثوب والأواني عنها؛ لأنها تبول من الهواء وهي فأرة طيارة فلهذا تبول‏.‏ ا هـ‏.‏ ومقتضاه أن سقوط النجاسة للضرورة، وهو متجه على القول بأنه لا يؤكل، كما عزاه في الذخيرة إلى بعض المواضع معللا بأن له نابا ومشى عليه في الخانية، لكن نظر فيه في غاية البيان بأن ذا الناب إنما ينهى عنه إذا كان يصطاد بنابه أي‏:‏ وهذا ليس كذلك‏.‏ وفي المبتغى‏:‏ قيل‏:‏ يؤكل‏.‏ وقيل‏:‏ لا‏.‏ ونقل العبادي من الشافعية عن محمد أنه حلال، وعليه فلا إشكال في طهارة بوله وخرئه، وتمامه في الحلية‏.‏ أقول‏:‏ وعليه يتمشى قول الشارح فطاهر وإلا كان الأولى أن يقول فمعفو عنه فافهم‏.‏ مبحث في بول الفأرة وبعرها وبول الهرة ‏(‏قوله‏:‏ وكذا بول الفأرة إلخ‏)‏ اعلم أنه ذكر في الخانية أن بول الهرة والفأرة وخرأها نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب‏.‏ ولو طحن بعر الفأرة مع الحنطة ولم يظهر أثره يعفى عنه للضرورة‏.‏ وفي الخلاصة‏:‏ إذا بالت الهرة في الإناء أو على الثوب تنجس، وكذا بول الفأرة، وقال الفقيه أبو جعفر‏:‏ ينجس الإناء دون الثوب‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وهو حسن لعادة تخمير الأواني، وبول الفأرة في رواية لا بأس به، والمشايخ على أنه نجس لخفة الضرورة بخلاف خرئها، فإن فيه ضرورة في الحنطة‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أن ظاهر الرواية نجاسة الكل‏.‏ لكن الضرورة متحققة في بول الهرة في غير المائعات كالثياب، وكذا في خرء الفأرة في نحو الحنطة دون الثياب والمائعات‏.‏ وأما بول الفأرة فالضرورة فيه غير متحققة إلا على تلك الرواية المارة التي ذكر الشارح أن عليها الفتوى، لكن عبارة التتارخانية‏:‏ بول الفأرة وخرؤها نجس، وقيل بولها معفو عنه وعليه الفتوى‏.‏ وفي الحجة الصحيح أنه نجس‏.‏ ا هـ‏.‏ ولفظ الفتوى وإن كان آكد من لفظ الصحيح إلا أن القول الثاني هنا تأيد بكونه ظاهر الرواية فافهم، لكن تقدم في فصل البئر أن الأصح أنه لا ينجسه وقد يقال‏:‏ إن الضرورة في البئر متحققة، بخلاف الأواني؛ لأنها تخمر كما مر فتدبر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إلا دم شهيد‏)‏ أي‏:‏ ولو مسفوحا كما اقتضاه كلامه وكلام البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ما دام عليه‏)‏ فلو حمله المصلي جازت صلاته إلا إذا أصابه منه؛ لأنه زال عن المكان الذي حكم بطهارته حموي، ونحوه في الحلية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وما بقي في لحم إلخ‏)‏ يوهم أن هذه الدماء طاهرة ولو كانت مسفوحة وليس بمراد‏.‏ فهي خارجة بقيد المسفوح كما هو صريح كلام البحر‏.‏ وأفاده ح‏.‏ وفي البزازية‏:‏ وكذا الدم الباقي في عروق المذكاة بعد الذبح‏.‏ وعن الإمام الثاني أنه يفسد الثوب إذا فحش ولا يفسد القدر للضرورة أو الأثر، فإنه كان يرى في برمة عائشة رضي الله عنها صفرة دم العنق والدم الخارج من الكبد، لو من غيره فنجس، وإن منه فطاهر، وكذا الدم الخارج من اللحم المهزول عند القطع‏.‏ إن منه فطاهر وإلا فلا، وكذا دم مطلق اللحم ودم القلب‏.‏ قال القاضي‏:‏ الكبد والطحال طاهران قبل الغسل، حتى لو طلي به وجه الخف وصلي به جاز‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وما لم يسل‏)‏ أي‏:‏ من بدن الإنسان بحر، لكن في حواشي الحموي‏:‏ إن التقييد بالإنسان اتفاقي؛ لأن الظاهر أن غيره كذلك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ودم سمك‏)‏؛ لأنه ليس بدم حقيقة؛ لأنه إذا يبس يبيض والدم يسود، وشمل السمك الكبير إذا سال منه شيء في ظاهر الرواية بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقمل وبرغوث وبق‏)‏ أي‏:‏ وإن كثر بحر ومنية‏.‏ وفيه تعريض بما عن بعض الشافعية أنه لا يعفى عن الكثير منه، وشمل ما كان في البدن والثوب تعمد إصابته أو لا‏.‏ ا هـ‏.‏ حلية، وعليه فلو قتل القمل في ثوبه يعفى عنه، وتمامه في الحلية‏.‏ ولو ألقاه في زيت ونحوه لا ينجسه لما مر في كتاب الطهارة من أن موت ما لا نفس له سائلة في الإناء لا ينجسه‏.‏ وفي الحلية البرغوث بالضم والفتح قليل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كرمان‏)‏ هو الثمر المعروف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ دويبة‏)‏ بضم ففتح فسكون للياء المثناة وتشديد للباء الموحدة تصغير دابة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لساعة‏)‏ أي‏:‏ شديدة اللسع‏:‏ وهو العض وتمامه في ح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وخمر‏)‏ هذا ما في عامة المتون‏.‏ وفي القهستاني عن فتاوى الديناري قال الإمام خواهر زاده‏:‏ الخمر تمنع الصلاة وإن قلت، بخلاف سائر النجاسات‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي باقي الأشربة‏)‏ أي‏:‏ المسكرة ولو نبيذا على قول محمد المفتى به ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي النهر الأوسط‏)‏ واستدل بما في المنية‏:‏ صلى وفي ثوبه دون الكثير الفاحش من السكر أو المنصف تجزيه في الأصح‏.‏ قال ح‏:‏ وهو نص في التخفيف، فكان هو الحق؛ لأن فيه الرجوع إلى الفرع المنصوص في المذهب‏.‏ وأما ترجيع صاحب البحر فبحث منه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن في القهستاني‏:‏ وأما سوى الخمر من الأشربة المحرمة فغليظة في ظاهر الرواية خفيفة على قياس قولهما‏.‏ ا هـ‏.‏ فأفاد أن التخفيف مبني على قولهما أي‏:‏ لثبوت اختلاف الأئمة، فإن السكر والمنصف وهو الباذق قال بحلهما الإمام الأوزاعي‏.‏ ويظهر لي التوفيق بين الروايات الثلاث بأن رواية التغليظ على قول الإمام، ورواية التخفيف على قولهما، ورواية الطهارة خاصة بالأشربة المباحة‏.‏ وينبغي ترجيح التغليظ في الجميع‏.‏ يدل عليه ما في غرر الأفكار من كتاب الأشربة حيث قال‏:‏ وهذه الأشربة عند محمد وموافقيه كخمر بلا تفاوت في الأحكام وبهذا يفتى في زماننا‏.‏ ا هـ‏.‏ فقوله‏:‏ بلا تفاوت في الأحكام يقتضي أنها مغلظة فتدبر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا يذرق‏)‏ بالذال المعجمة أو بالزاي ح عن القاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كبط أهلي‏)‏ أما إن كان يطير ولا يعيش بين الناس فكالحمامة بحر عن البزازية، وجعله كالحمامة موافق لرواية الكرخي كما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ودجاج‏)‏ بتثليث الدال يقع على الذكر والأنثى حلية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإن مأكولا‏)‏ كحمام وعصفور‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فطاهر‏)‏ وقيل‏:‏ معفو عنه لو قليلا لعموم البلوى، والأول أشبه، وهو ظاهر البدائع والخانية حلية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا فمخفف‏)‏ أي‏:‏ وإلا يكن مأكولا كالصقر والبازي والحدأة، فهو نجس مخفف عنده مغلظ عندهما، وهذه رواية الهندواني‏.‏ وروى الكرخي أنه طاهر عندهما مغلظ عند محمد، وتمامه في البحر ويأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وروث وخثي‏)‏ قدمنا في فصل البئر أن الروث للفرس والبغل والحمار، والخثي بكسر فسكون للبقر والفيل، والبعر للإبل والغنم، والخرء للطيور، والنجو للكلب، والعذرة للإنسان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أفاد بهما نجاسة خرء كل حيوان‏)‏ أراد بالنجاسة المغلظة؛ لأن الكلام فيها ولانصراف الإطلاق إليها كما يأتي، ولقوله وقالا مخففة، وأراد بالحيوان ما له روث أو خثي‏:‏ أي‏:‏ سواء كان مأكولا كالفرس والبقر، أو لا كالحمام وإلا فخرء الآدمي وسباع البهائم متفق على تغليظه كما في الفتح والبحر وغيرهما فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي الشرنبلالية إلخ‏)‏ عزاه فيها إلى ‏[‏مواهب الرحمن‏]‏ لكن في النكت للعلامة قاسم أن قول الإمام بالتغليظ رجحه في المبسوط وغيره ا هـ‏.‏ ولذا جرى عليه أصحاب المتون قوله‏:‏ وطهرهما محمد آخرا‏)‏ أي‏:‏ في آخر أمره حين دخل الري مع الخليفة ورأى بلوى الناس من امتلاء الطرق والخانات بها، وقاس المشايخ على قوله هذا طين بخارى فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبه قال مالك‏)‏ فيه أنه يقول‏:‏ ما أكل لحمه فبوله ورجيعه طاهر فقط؛ فلا يقول بطهارة روث الحمار ط

‏(‏قوله‏:‏ كما في الظهيرية‏)‏ ونصها على ما في البحر‏:‏ وإن أصابه بول الشاة وبول الآدمي تجعل الخفيفة تبعا للغليظة‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهره ولو الخفيفة أكثر من الغليظة كما قاله ط‏.‏ قلت‏:‏ لكن في القهستاني‏:‏ تجمع النجاسة المتفرقة فتجعل الخفيفة غليظة إذا كانت نصفا أو أقل من الغليظة كما في المنية‏.‏ ا هـ‏.‏ ونحوه ما في القنية‏:‏ نصف النجاسة الخفيفة ونصف الغليظة يجمعان‏.‏ ا هـ‏.‏ ويمكن أن يقال‏:‏ معنى الأول أنه إذا اختلطت الخفيفة بالغليظة جعلت تبعا للغليظة، فإذا زادت على الدرهم منعت الصلاة كما لو اختلطت الغليظة بماء طاهر؛ ومعنى الثاني أنه إذا كان كل منهما في موضع ولم يبلغ كل منهما بانفراده القدر المانع، فترجح الغليظة لو كانت أكثر أو مساوية للخفيفة، فإذا زاد مجموعهما على الدرهم منع، ولو كانت الخفيفة أكثر ترجحت فإذا بلغ مجموعهما ربع الثوب منع‏.‏ والحاصل أنه إن اختلطا ترجح الغليظة مطلقا وإلا فإن تساويا أو زادت الغليظة فكذلك وإلا ترجح الخفيفة، فاغتنم هذا التحرير‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم متى أطلقوا النجاسة إلخ‏)‏ أي‏:‏ كإطلاقهم النجاسة في الأسآر النجسة وفي جلد الحية وإن كانت مذبوحة؛ لأن جلدها لا يحتمل الدباغة‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فظاهره التغليظ‏)‏ هو لصاحب البحر حيث قال‏:‏ والظاهر أنها مغلظة وأنها المرادة عند إطلاقهم

‏(‏قوله‏:‏ دون‏)‏ بالرفع نائب فاعل عفي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وثوب‏)‏ أي‏:‏ ونحوه كالخف فإنه يعتبر فيه قدر الربع، والمراد ربع ما دون الكعبين لا ما فوقهما؛ لأنه زائد على الخف ا هـ‏.‏ خانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو كبيرا إلخ‏)‏ اعلم أنهم اختلفوا في كيفية اعتبار الربع على ثلاثة أقوال‏:‏ فقيل ربع طرف أصابته النجاسة، كالذيل والكم والدخريص إن كان المصاب ثوبا، وربع العضو المصاب كاليد والرجل إن كان بدنا وصححه في التحفة والمحيط والمجتبى والسراج‏.‏ وفي الحقائق وعليه الفتوى، وقيل ربع جميع الثوب والبدن وصححه في المبسوط وهو ما ذكره الشارح، وقيل‏:‏ ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر‏.‏ قال الأقطع‏:‏ وهذا أصح ما روي فيه ا هـ‏.‏ لكنه قاصر على الثوب، فقد اختلف التصحيح كما نرى، لكن ترجح الأول بأن الفتوى عليه، ووفق في الفتح بين الأخيرين بأن المراد اعتبار ربع الثوب الذي هو عليه سواء كان ساترا لجميع البدن أو أدنى ما تجوز فيه الصلاة‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو حسن جدا، ولم ينقل القول الأول أصلا بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ورجحه في النهر‏)‏ أي‏:‏ بأنه ظاهر كلام الكنز وبتصحيح المبسوط له، وبأن المانع هو الكثير الفاحش، ولا شك أن ربع المصاب ليس كثيرا فضلا عن أن يكون فاحشا‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ تصحيح المبسوط معارض بتصحيح غيره، والمراد بالكثير الفاحش ما كثر بالنسبة إلى المصاب؛ فربع الثوب كثير بالنسبة إلى الثوب، وربع الذيل أو الكم مثلا كثير بالنسبة إلى الذيل أو الكم، وكذا ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كثير بالنسبة إليه كما صرح بذلك في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن قال إلخ‏)‏ فيه نظر؛ لأن لفظ الفتوى آكد من لفظ الأصح ونحوه منح، ومفاده ترجيح القول بربع المصاب وهو مفاد ما مر عن البحر، لكن اعترضه الخير الرملي بأن هذا القول يؤدي إلى التشديد لا إلى التخفيف فإنه قد لا يبلغ ربع المصاب الدرهم فيلزم جعله مانعا في المخففة مع أنه معفو عنه في المغلظة إذ لو كان المصاب الأنملة من البدن يلزم القول بمنع ربعها على القول بمنع ربع المصاب‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ لأن مقتضى قولهم كاليد والرجل اعتبار كل من اليد والرجل بتمامه عضوا واحدا فلا يلزم ما قال تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومنه الفرس‏)‏ أي‏:‏ من المأكول، وإنما نبه عليه لئلا يتوهم أنه داخل في غير المأكول عند الإمام فيكون مغلظا؛ لأن الإمام إنما كره لحمه تنزيها أو تحريما على اختلاف التصحيح؛ لأنه آلة الجهاد، لا لأن لحمه نجس بدليل أن سؤره طاهر اتفاقا كما في البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وطهره محمد‏)‏ الضمير لبول المأكول الشامل للفرس ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وصحح‏)‏ صححه في المبسوط وغيره وهو رواية الكرخي كما مر، وروى الهندواني النجاسة وصححه الزيلعي وغيره قال في البحر‏:‏ والأولى اعتماده لموافقته للمتون، ولذا قال في الحلية‏:‏ إنه أوجه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم الخفة إنما تظهر في غير الماء‏)‏ اقتصر في الكافي على ظهورها في الثياب‏.‏ قال في البحر‏:‏ والبدن كالثياب فلذا عمم الشارح، لكن الظاهر من كلام الكافي الاحتراز عن المائعات لا عن خصوص الماء‏.‏ والحاصل أن المائع متى أصابته نجاسة خفيفة أو غليظة وإن قلت تنجس ولا يعتبر فيه ربع ولا درهم، نعم تظهر الخفة فيما إذا أصاب هذا المائع ثوبا أو بدنا فيعتبر فيه الربع كما أفاده الرحمتي، واستثنى ح خرء طير لا يؤكل بالنسبة إلى البئر فإنه لا ينجسها لتعذر صونها عنه كما تقدم في البئر

‏(‏قوله‏:‏ وعفي دم سمك‏)‏ صرح بالفعل إشارة إلى أن قول المصنف ودم سمك إلخ معطوف على قوله دون ربع ثوب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والمذهب طهارتها‏)‏ إنما قال ذلك؛ لأن المتن يقتضي نجاستها بناء على ما روي عن أبي يوسف من ‏"‏ نجاسة دم السمك الكبير نجاسة غليظة وسؤر الحمار والبغل نجاسة خفيفة ‏"‏ كما ذكره في هامش الخزائن‏.‏ والمذهب أن دم السمك طاهر؛ لأنه دم صورة لا حقيقة وأن سؤر هذين طاهر قطعا، والشك في طهوريته فيكون لعابهما طاهرا

‏(‏قوله‏:‏ وبول انتضح‏)‏ أي‏:‏ ترشش، وشمل بوله وبول غيره بحر‏.‏ وكالبول الدم على ثوب القصاب حلية عن الحاوي القدسي‏.‏ وظاهر التقييد بالقصاب أي‏:‏ اللحام أنه لا يعفى عنه في ثوب غير القصاب؛ لأن العلة الضرورة ولا ضرورة لغيره، وتأمله مع قول البحر المار وشمل بوله وبول غيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كرءوس إبر‏)‏ بكسر الهمزة جمع إبرة احتراز عن المسلة كما في شرح المنية والفتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا جانبها الآخر‏)‏ أي‏:‏ خلافا لأبي جعفر الهندواني حيث منع بالجانب الآخر، وغيره من المشايخ قالوا‏:‏ لا يعتبر الجانبان واختاره في الكافي حلية؛ فرءوس الإبر تمثيل للتقليل كما في القهستاني عن الطلبة، لكن فيه أيضا عن الكرماني أن هذا ما لم ير على الثوب وإلا وجب غسله إذا صار بالجمع أكثر من قدر الدرهم‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا نبه عليه في شرح المنية فقال‏:‏ والتقييد بعدم إدراك الطرف ذكره المعلى في نوادره عن أبي يوسف‏.‏

مطلب إذا صرح بعض الأئمة بقيد لم يصرح غيره بخلافه

وجب اتباعه وإذا صرح بعض الأئمة بقيد لم يرد عن غيره منهم تصريح بخلافه يجب أن يعتبر سيما والموضع موضع احتياط ولا حرج في التحرز عن مثله، بخلاف ما لا يرى كما في أثر أرجل الذباب، فإن في التحرز عنه حرجا ظاهرا‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ الذي يظهر لي أن هذا التقييد موافق لقول الهندواني، وقد علمت تصريح غيره من المشايخ بخلافه ؛ لأن مقدار الجانب الآخر من الإبرة يدركه الطرف، ثم رأيت في الحلية ذكر أن ما في غاية البيان من أن التقييد برءوس الإبر احتراز عن رءوس المسال هو بما عن الهندواني أشبه، ولعله المراد بما في نوادر المعلى‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا عين ما فهمته - ولله الحمد -‏.‏ والحاصل أن في المسألة قولين مبنيين على الاختلاف في المراد من قول محمد كرءوس الإبر‏:‏ أحدهما أنه قيد احترز به عن رأسها من الجانب الآخر وعن رءوس المسال، ويؤيده رواية المعلى عن أبي يوسف من التقييد بما لا يدركه الطرف‏.‏ ثانيهما أنه غير قيد وإنما هو تمثيل للتقليل، فيعفى عنه سواء كان مقدار رأسها من جانب الخرز أو من جانب الثقب، ومثله ما كان كرأس المسلة، وقد علمت أنه في الكافي اختار القول الثاني، ولكن ظاهر المتون والشروح اختيار الأول؛ لأن العلة الضرورة قياسا على ما عمت به البلوى مما على أرجل الذباب فإنه يقع على النجاسة ثم يقع على الثياب‏.‏ قال في النهاية‏:‏ ولا يستطاع الاحتراز عنه، ولا يستحسن لأحد استعداد ثوب لدخول الخلاء‏.‏ وروي أن محمد بن علي زين العابدين تكلف لبيت الخلاء ثوبا ثم تركه، وقال‏:‏ لم يتكلف لهذا من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله عنهم ا هـ‏.‏ وقد يقال‏:‏ إن قول المتون كرءوس الإبر اتباع لعبارة محمد لا للاحتراز عن الجانب الآخر، ولذا لم يجعله للاحتراز إلا الهندواني، وخالفه غيره من المشايخ معللين بدفع الحرج، ولا شك في وجود الحرج في ذلك فلذا اختاره في الكافي اتباعا لما عليه أكثر المشايخ‏.‏ وقال في متن مواهب الرحمن‏:‏ وعفي عن رشاش بول كرءوس الإبر، وقيل‏:‏ يعتبره أي‏:‏ أبو يوسف إن رئي أثره، فأفاد بقيل ضعف اعتبار ما يدركه الطرف وهو رواية المعلى السابقة؛ وقد ظهر مما قررناه أن الخلاف فيما يرى أثره وهو ما يدركه الطرف، وأن الأرجح العفو عنه وعدم اعتباره كما مشى عليه الشارح، وظهر أن المراد به ما كان مثل رأس الإبرة من الجانب الآخر لا أكبر من ذلك‏.‏ وظهر أيضا أن ما لا يدركه الطرف ما كان مثل رءوس الإبر وأرجل الذباب فإنه لا يدركه الطرف المعتدل ما لم يقرب إليه جدا أي‏:‏ مع مغايرة لون الرشاش للون الثوب، وإلا فقد لا يرى أصلا‏.‏ وينبغي أنه لو شك أنه يدركه بالطرف أم لا أنه يعفى عنه اتفاقا؛ لأن الأصل طهارة الثوب وشك فيما ينجسه، هذا ما ظهر لي في هذا المحل - والله أعلم -‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نجسه في الأصح‏)‏ قال في الحلية‏:‏ ثم لو وقع هذا الثوب المنتضح عليه البول مثل رءوس الإبر في الماء القليل هل ينجس‏؟‏ ففي الخلاصة عن أبي جعفر‏:‏ لقائل أن يقول ينجس، ولقائل أن يقول لا ينجس، وهذا فرع مسألة الاستنجاء؛ يعني لو استنجى بغير الماء ثم ابتل ذلك الموضع ثم أصاب من ذلك ثوبه أو بدنه فالمختار أنه يتنجس إن كان أكثر من قدر الدرهم‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم ذكر في الحلية عن الكفاية ما يفيد أن الكلام فيما يرى أثره، ثم قال‏:‏ وهو المتجه‏.‏ ا هـ‏.‏ ويدل عليه ما قدمناه من اختيار أكثر المشايخ عدم اعتبار رءوس الإبر من الجانبين خلافا للهندواني‏.‏ وقول الخلاصة المار‏:‏ المختار أنه ينجس إن كان أكثر من قدر الدرهم غير ظاهر؛ لأن الماء ينجسه ما قل وكثر، فإذا لم ينجس بأقل من الدرهم لا ينجس بالأكثر منه‏.‏ ثم اعلم أن وقوع الرشاش في الماء ابتداء مثل وقوع هذا الثوب فيه كما في السراج وغيره‏.‏ هذا، وفي القهستاني عن التمرتاشي‏:‏ إن استبان أثره على الثوب بأن تدركه العين أو على الماء بأن ينفرج أو يتحرك فلا عبرة به‏.‏ وعن الشيخين أنه معتبر‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهره أن المعتمد عدم اعتبار ما ظهر أثره في الثوب والماء، وفي ذلك تأييد لما قدمناه فافهم قوله‏:‏ جوهرة‏)‏ ومثله في القهستاني وقدمناه عن الفيض أيضا خلافا لما مشى عليه المصنف تبعا للدرر في فصل البئر فافهم‏.‏ نعم يؤيده ما نقله القهستاني آنفا عن التمرتاشي - والله أعلم -‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لو اتصل وانبسط‏)‏ أي‏:‏ ما يصيب الثوب مثل رءوس الإبر كما هو عبارة القنية ونقلها في البحر فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ينبغي أن يكون كالدهن إلخ‏)‏ أي‏:‏ فيكون مانعا للصلاة‏.‏ ووجه إلحاقه بالدهن أن كلا منهما كان أولا غير مانع ثم منع بعد زيادته على الدرهم، لكن قد يفرق بينهما بأن البول الذي كرءوس الإبر اعتبر كالعدم للضرورة ولم يعتبروا فيه قدر الدرهم بدليل ما في البحر أنه معفو عنه للضرورة وإن امتلأ الثوب‏.‏ ا هـ‏.‏ ومعلوم أن ما يملأ الثوب يزيد على الدرهم، وكذا قول الشارح وإن كثر بإصابة الماء، فإنه لا فرق بين كثرته بالماء وبين اتصال بعضه ببعض‏.‏ ونظيره ما ليس فيه قوة السيلان من الخارج من الجسد فإنه ساقط الاعتبار وإن كثر وعم الثوب‏.‏ وقد صرح في الحلية بعين ما قلنا فقال‏:‏ ما ليس بكثير من النجاسة منه ما هو مهدر الاعتبار فلا يجمع بحال‏.‏ وعليه ما في الحاوي القدسي أن ما أصاب من رش البول مثل رءوس الإبر، ونحوه الدم على ثوب القصاب وما لا ينقض الوضوء من بلة الجرح أو القيء معفو عنه وإن كثر‏.‏ وما في المحيط من أنه لو أصاب موضع ذلك الرش ماء فإنه لا ينجسه‏.‏ ا هـ‏.‏ نعم لو كان الرش مما يدرك بالطرف بأن كان أكبر من رءوس الإبر من الجانب الآخر على ما مر فإنه يجمع ويمنع وإن كان في مواضع متفرقة كما يعلم مما قدمناه عن القهستاني عن الكرماني‏.‏ وفي القهستاني أيضا‏.‏ لو أصاب قدر ما يرى من النجاسة أثوابا عمامة وقميصا وسراويل مثلا منع الصلاة إذا كان بحيث إذا جمع صار أكثر من قدر الدرهم ا هـ‏.‏ لكن كلام القنية صريح في أن الذي يجمع ويمنع ما كان مثل رءوس الإبر كما قدمناه، فيرد عليه ما علمته من أن ما كان كذلك فهو مهدر الاعتبار ولا ينفعه هذا التأويل، فافهم واغتنم هذا التحرير‏.‏

مطلب في العفو عن طين الشارع

‏(‏قوله‏:‏ وطين شارع‏)‏ مبتدأ خبره قوله‏:‏ عفو والشارع الطريق ط‏.‏ وفي الفيض‏:‏ طين الشوارع عفو وإن ملأ الثوب للضرورة ولو مختلطا بالعذرات وتجوز الصلاة معه‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدمنا أن هذا قاسه المشايخ على قول محمد آخرا بطهارة الروث والخثي، ومقتضاه أنه طاهر لكن لم يقبله الإمام الحلواني كما في الخلاصة‏.‏ قال في الحلية‏:‏ أي‏:‏ لا يقبل كونه طاهرا وهو متجه، بل الأشبه المنع بالقدر الفاحش منه إلا لمن ابتلي به بحيث يجيء ويذهب في أيام الأوحال في بلادنا الشامية لعدم انفكاك طرقها من النجاسة غالبا مع عسر الاحتراز، بخلاف من لا يمر بها أصلا في هذه الحالة فلا يعفى في حقه حتى إن هذا لا يصلي في ثوب ذاك‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ والعفو مقيد بما إذا لم يظهر فيه أثر النجاسة كما نقله في الفتح عن التجنيس‏.‏ وقال القهستاني‏:‏ إنه الصحيح، لكن حكى في القنية قولين وارتضاهما؛ فحكى عن أبي نصر الدبوسي أنه طاهر إلا إذا رأى عين النجاسة، وقال‏:‏ وهو صحيح من حيث الرواية وقريب من حيث المنصوص؛ ثم نقل عن غيره فقال‏:‏ إن غلبت النجاسة لم يجز، وإن غلب الطين فطاهر‏.‏ ثم قال‏:‏ وإنه حسن عند المنصف دون المعاند ا هـ‏.‏ والقول الثاني مبني على القول بأنه إذا اختلط ماء وتراب وأحدهما نجس فالعبرة للغالب، وفيه أقوال ستأتي في الفروع‏.‏ والحاصل أن الذي ينبغي أنه حيث كان العفو للضرورة، وعدم إمكان الاحتراز أن يقال بالعفو وإن غلبت النجاسة ما لم ير عينها لو أصابه بلا قصد وكان ممن يذهب ويجيء، وإلا فلا ضرورة‏.‏ وقد حكى في القنية أيضا قولين فيما لو ابتلت قدماه مما رش في الأسواق الغالبة النجاسة، ثم نقل أنه لو أصاب ثوبه طين السوق أو السكة ثم وقع الثوب في الماء تنجس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبخار نجس‏)‏ في الفتح مرت الريح بالعذرات وأصاب الثوب، إن وجدت رائحتها تنجس، لكن نقل في الحلية أن الصحيح أنه لا ينجس؛ وما يصيب الثوب من بخارات النجاسة، قيل ينجسه، وقيل لا وهو الصحيح‏.‏ وفي الحلية‏:‏ استنجى بالماء وخرج منه ريح لا ينجس عند عامة المشايخ وهو الأصح، وكذا إذا كان سراويله مبتلا‏.‏ وفي الخانية ماء الطابق نجس قياسا لا استحسانا‏.‏ وصورته‏:‏ إذا أحرقت العذرة في بيت فأصاب ماء الطابق ثوب إنسان لا يفسده استحسانا ما لم يظهر أثر النجاسة فيه، وكذا الإصطبل إذا كان حارا، وعلى كوته طابق أو كان فيه كوز معلق فيه ماء فترشح،، وكذا الحمام لو فيها نجاسات فعرق حيطانها وكواتها وتقاطر‏.‏ قال في الحلية‏:‏ والظاهر العمل بالاستحسان، ولذا اقتصر عليه في الخلاصة، والطابق‏:‏ الغطاء العظيم من الزجاج أو اللبن‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب‏:‏ العرقي الذي يستقطر من دردي الخمر نجس حرام

بخلاف النوشادر وقال في شرح المنية‏:‏ والظاهر أن وجه الاستحسان فيه الضرورة لتعذر التحرز، وعليه فلو استقطرت النجاسة فمائيتها نجسة لانتفاء الضرورة فبقي القياس بلا معارض، وبه يعلم أن ما يستقطر من دردي الخمر وهو المسمى بالعرقي في ولاية الروم نجس حرام كسائر أصناف الخمر ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وأما النوشادر المستجمع من دخان النجاسة فهو طاهر كما يعلم مما مر، وأوضحه سيدي عبد الغني في رسالة سماها ‏(‏إتحاف من بادر إلى حكم النوشادر‏)‏‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وغبار سرقين‏)‏ بكسر السين‏:‏ أي‏:‏ زبل ويقال سرجين كما في القاموس‏.‏ قال في القنية راقما‏:‏ لا عبرة للغبار النجس إذا وقع في الماء إنما العبرة للتراب ا هـ‏.‏ ونظمه المصنف في أرجوزته وعلله في شرحها بالضرورة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومحل كلاب‏)‏ في المنية مشى كلب على الطين فوضع رجل قدمه على ذلك الطين تنجس، وكذا إذا مشى على ثلج رطب ولو جامدا فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في شرحها‏:‏ وهذا كله بناء على أن الكلب نجس العين وقد تقدم أن الأصح خلافه ذكره ابن الهمام ا هـ‏.‏ ومثله في الحلية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وانتضاح غسالة إلخ‏)‏ ذكر المسألة في شرح المنية الصغير عن الخانية، وقد رأيتها في الخانية ذكرها في بحث الماء المستعمل، لكن غسالة النجاسة كغسالة الحدث بناء على القول بنجاسة الماء المستعمل، ويدل لها ما قدمناه عن القهستاني عن التمرتاشي‏.‏ وفي الفتح‏:‏ وما ترشش على الغاسل من غسالة الميت مما لا يمكنه الامتناع عنه ما دام في علاجه لا ينجسه لعموم البلوى، بخلاف الغسلات الثلاث إذا استنقعت في موضع فأصابت شيئا نجسته ا هـ‏.‏ أي‏:‏ بناء على ما عليه العامة من أن نجاسة الميت نجاسة خبث لا حدث كما حررناه في أول فصل البئر، واحترز بالثلاث عن الغسالة في المرة الرابعة فإنها طاهرة

‏(‏قوله‏:‏ وماء‏)‏ مبتدأ خبره قوله‏:‏ نجس بالكسر ونجس الأول بالفتح‏.‏ قال القهستاني‏:‏ ويجوز فيه الكسر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي‏:‏ جرى‏)‏ فسر الورود به ليتأتى له التفصيل والخلاف اللذان ذكرهما، وإلا فالورود أعم؛ لأنه يشمل ما إذا جرى عليها وهي على أرض أو سطح وما إذا صب فوقها في آنية بدون جريان‏.‏ وأيضا فإن الجريان أبلغ من الصب المذكور فصرح به مع علم حكم الصب منه بالأولى دفعا لتوهم عدم إرادته فافهم‏.‏ نعم كان الأولى إبقاء المتن على ظاهره؛ لأنه إشارة إلى خلاف الشافعي حيث حكم بطهارة الوارد دون المورود‏.‏ وأيضا فإن الجاري فيه تفصيل وهو أنه إذا جرى على نجاسة فأذهبها واستهلكها ولم يظهر أثرها فيه فإنه لا ينجس كما قدمناه في طهارة الأرض المتنجسة‏.‏ وتقدم ما يدل عليه في باب المياه عند الكلام على تعريف الماء الجاري، وتقدم هناك أن الجاري لا ينجس ما لم يظهر فيه أثر النجاسة، وأنه يسمى جاريا وإن لم يكن له مدد، وأنه لو صب ماء في ميزاب فتوضأ به حال جريانه لا ينجس على رواية نجاسة المستعمل، وأنه لو سال دم رجله مع العصير لا ينجس خلافا لمحمد‏.‏ وقدمنا عن الخزانة والخلاصة‏:‏ إناءان ماء أحدهما طاهر والآخر نجس فصبا من مكان عال فاختلطا في الهواء ثم نزلا طهر كله، ولو أجري ماء الإناءين في الأرض صار بمنزلة ماء جار‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال في الضياء من فصل الاستنجاء‏:‏ ذكر في الواقعات الحسامية لو أخذ الإناء فصب الماء على يده للاستنجاء فوصلت قطرة بول إلى الماء النازل قبل أن يصل إلى يده، قال بعض المشايخ‏:‏ لا ينجس؛ لأنه جار فلا يتأثر بذلك‏.‏ قال حسام الدين‏:‏ هذا القول ليس بشيء وإلا لزم أن تكون غسالة الاستنجاء غير نجسة‏.‏ قال في المضمرات‏:‏ وفيه نظر‏.‏ والفرق أن الماء على كف المستنجي ليس بجار، ولئن سلم فأثر النجاسة يظهر فيه والجاري إذا ظهر فيه أثر النجاسة صار نجسا والماء النازل من الإناء قبل وصوله إلى الكف جار ولا يظهر فيه أثر القطرة فالقياس أن لا يصير نجسا، وما قاله حسام الدين احتياط ا هـ‏.‏ ويؤيد عدم التنجس ما ذكرناه من الفروع - والله أعلم -‏.‏ وهذا بخلاف مسألة الجيفة فإن الماء الجاري عليها لم يذهب بالنجاسة ولم يستهلكها، بل هي باقية في محلها وعينها قائمة على أن فيها اختلافا، ولهذا استدرك الشارح بقوله ‏"‏ ولكن قدمنا أن العبرة للأثر، فاغتنم تحرير هذه المسألة فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب - والحمد لله الملك الوهاب -‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كجيفة في نهر إلخ‏)‏ أي‏:‏ فإنها إذا ورد عليها كل الماء أو أكثره فهو نجس، ولو أقله فطاهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن قدمنا إلخ‏)‏ أي‏:‏ في بحث المياه وقدمنا الكلام في ذلك مستوفى فتذكره بالمراجعة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي‏:‏ إذا وردت النجاسة‏)‏ سواء كانت مجردة أو مصحوبة بثوب ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على الماء‏)‏ أي‏:‏ القليل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إجماعا‏)‏ أي‏:‏ منا ومن الشافعي، بخلاف المسألة الأولى كما يظهر قريبا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن إلخ‏)‏ استدراك على قوله تنجس فإنه يقتضي تنجس الماء بمجرد وضع الثوب مثلا فيه كما يتنجس بمجرد وقوع العذرة مثلا، فاحترز بالمتنجس عن عين النجاسة كالعذرة أفاده ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ما لم ينفصل‏)‏ أي‏:‏ الماء أو الشيء المتنجس‏.‏ قال في البحر‏:‏ اعلم أن القياس يقتضي تنجس الماء بأول الملاقاة للنجاسة، لكن سقط للضرورة سواء كان الثوب في إجانة وأورد الماء عليه أو بالعكس عندنا، فهو طاهر في المحل نجس إذا انفصل، سواء تغير أو لا، وهذا في الماءين اتفاقا، أما الثالث فهو نجس عنده؛ لأن طهارته في المحل ضرورة تطهيره وقد زالت طاهر عندهما إذا انفصل‏.‏ والأولى في غسل الثوب النجس وضعه في الإجانة من غير ماء ثم صب الماء عليه لا وضع الماء أولا خروجا من خلاف الإمام الشافعي فإنه يقول بنجاسة الماء‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا فرق على المعتمد بين الثوب المتنجس والعضو‏.‏ ا هـ‏.‏ ط

‏(‏قوله‏:‏ قذر‏)‏ بفتح القاف والذال المعجمة، والمراد به العذرة والروث كما عبر في المنية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا‏)‏ أي‏:‏ وإن لا نقل أنه لا يكون نجسا، وظاهره أن العلة الضرورة، وصريح الدرر وغيرها أن العلة هي انقلاب العين كما يأتي، لكن قدمنا عن المجتبى أن العلة هذه وأن الفتوى على هذا القول للبلوى، فمفاده أن عموم البلوى علة اختيار القول بالطهارة المعللة بانقلاب العين فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كان حمارا أو خنزيرا‏)‏ أفاد أن الحمار مثال لا قيد احترازي‏.‏ وأشار بإطلاقه إلى أنه لا يلزم وقوعه وهو حي، فإنه لو وقع في المملحة بعد موته فهو كذلك كما في شرح المنية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حمأة‏)‏ بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الهمزة وبهاء التأنيث‏.‏ قال في القاموس‏:‏ الطين الأسود المنتن ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لانقلاب العين‏)‏ علة للكل، وهذا قول محمد، وذكر معه في الذخيرة والمحيط أبا حنيفة حلية‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وكثير من المشايخ اختاروه، وهو المختار؛ لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فكيف بالكل‏؟‏ فإن الملح غير العظم واللحم، فإذا صار ملحا ترتب حكم الملح‏.‏ ونظيره في الشرع النطفة نجسة وتصير علقة وهي نجسة وتصير مضغة فتطهر، والعصير طاهر فيصير خمرا فينجس ويصير خلا فيطهر، فعرفنا أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

يجوز أكل ذلك الملح والصلاة على ذلك الرماد كما في المنية وغيرها، وما فيها من أنه لو وقع ذلك الرماد في الماء فالصحيح أنه ينجس فليس بصحيح إلا على قول أبي يوسف كما ذكره الشارحان‏.‏ ‏[‏تنبيه آخر‏]‏ مقتضى ما مر ثبوت انقلاب الشيء عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب، وقيل‏:‏ إنه غير ثابت؛ لأن قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق بالمحال، والحق الأول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس ذهبا على ما هو رأي المحققين، أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصف الذي به صار نحاسا، ويخلق فيه الوصف الذي يصير به ذهبا على ما هو رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات، والمحال إنما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا لامتناع كون الشيء في الزمن الواحد نحاسا وذهبا، ويدل على ثبوته بأحد هذين الاعتبارين كما اتفق عليه أئمة التفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا هي حية تسعى‏}‏ وإلا لبطل الإعجاز‏.‏ ويبتني على هذا القول أن علم الكيمياء الموصل إلى ذلك القلب يجوز لمن علمه علما يقينيا أن يعلمه ويعمل به‏.‏ أما على القول الثاني فلا؛ لأنه غش، وتمامه في تحفة ابن حجر وقدمنا في صدر الكتاب زيادة على ذلك

‏(‏قوله‏:‏ ونسي المحل‏)‏ بالبناء للمجهول، ثم إن النسيان يقتضي سبق العلم والظاهر أنه غير قيد وأنه لو علم أنه أصاب الثوب نجاسة وجهل محلها فالحكم كذلك ولذا عبر بعضهم بقوله ‏"‏ واشتبه محلها ‏"‏ تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ هو المختار‏)‏ كذا في الخلاصة والفيض وجزم به في النقاية والوقاية والدرر والملتقى، ومقابله القول بالتحري والقول بغسل الكل، وعليه مشى في الظهيرية ومنية المفتي واختاره في البدائع احتياطا قال‏:‏ لأن موضع النجاسة غير معلوم، وليس البعض أولى من البعض ا هـ‏.‏ ويؤيده ما نقله نوح أفندي عن المحيط من أن ما قالوه مخالف لما ذكره هشام عن محمد من أنه لا يجوز التحري في ثوب واحد‏.‏ ا هـ‏.‏ وعللوا القول المختار بوقوع الشك بعد الغسل في بقاء النجاسة وقاسوه على ما في السير الكبير ‏"‏ إذا فتحنا حصنا وفيهم ذمي لا يعرف لا يجوز قتلهم لقيام المانع بيقين، فلو قتل البعض أو أخرج حل قتل الباقي للشك في قيام المحرم‏.‏ فكذا هنا‏.‏ واستشكله في الفتح بأن الشك الطارئ لا يرفع حكم اليقين السابق وأطال في تحقيقه‏.‏ وأجاب عنه في شرح المنية وأطال في تحقيقه أيضا ويأتي ملخصه قريبا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي الظهيرية إلخ‏)‏ هذا سهو من الشارح تبع فيه النهر، وعبارة البحر هكذا‏:‏ وفي الظهيرية إذا رأى على ثوبه نجاسة ولا يدري متى أصابته، ففيه تقاسيم واختلافات، والمختار عند أبي حنيفة أنه لا يعيد إلا الصلاة التي هو فيها‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حمر‏)‏ بضمتين جمع حمار‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ خصها إلخ‏)‏ أي‏:‏ فيعلم الحكم في غيرها بالدلالة ابن كمال‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فقسم إلخ‏)‏ الظاهر تقييده بما إذا كان الذاهب منه قدر ما تنجس منه إن علم قدره كما قدمناه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما مر‏)‏ أي‏:‏ في الأبيات المتقدمة حيث عبر بقوله تصرفه في البعض وهو مطلق ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لاحتمال إلخ‏)‏ أي‏:‏ إنه يحتمل كل واحد من القسمين أعني الباقي والذاهب أو المغسول أن تكون النجاسة فيه فلم يحكم على أحدهما بعينه ببقاء النجاسة فيه، وتحقيقه أن الطهارة كانت ثابتة يقينا لمحل معلوم وهو جميع الثوب مثلا ثم ثبت ضدها وهو النجاسة يقينا لمحل مجهول، فإذا غسل بعضه وقع الشك في بقاء ذلك المجهول وعدمه لتساوي احتمالي البقاء وعدمه، فوجب العمل بما كان ثابتا يقينا للمحل المعلوم؛ لأن اليقين في محل معلوم لا يزول بالشك، بخلاف اليقين لمحل مجهول‏.‏ وتمام تحقيقه في شرح المنية الكبير‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أما عينها‏)‏ أشار به إلى فائدة قوله ‏"‏ محل ‏"‏ حيث زاده على عبارة الكنز‏.‏ ولا يرد طهارة الخمر بانقلابها خلا والدم بصيرورته مسكا؛ لأن عين الشيء حقيقته وحقيقة الخمر والدم ذهبت وخلفتها أخرى، وإنما يرد ذلك لو قلنا ببقاء حقيقة الخمر والدم مع الحكم بطهارتها تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بعد جفاف‏)‏ ظرف لمرئية ليطهر ح، وقيد به؛ لأن جميع النجاسات ترى قبله، وتقدم أن ما له جرم هو ما يرى بعد الجفاف فهو مساو للمرئية، وقد عد منه في الهداية الدم، وعده قاضي خان مما لا جرم له، وقدمنا عن الحلية التوفيق بحمل الأول على ما إذا كان غليظا والثاني على ما إذا كان رقيقا‏.‏ وقال في غاية البيان‏:‏ المرئية ما يكون مرئيا بعد الجفاف كالعذرة والدم، وغير المرئية ما لا يكون مرئيا بعد الجفاف كالبول ونحوه ا هـ‏.‏ وفي تتمة الفتاوى وغيرها‏:‏ المرئية ما لها جرم، وغيرها ما لا جرم لها كان لها لون أم لا‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه يظهر أن مراد غاية البيان بالمرئي ما يكون ذاته مشاهدة بحس البصر، وبغيره ما لا يكون كذلك، فلا يخالف كلام غيره، ويرشد إليه أن بعض الأبوال قد يرى له لون بعد الجفاف أفاده في الحلية، ويوافقه التوفيق المار، لكن فيه نظر؛ لأنه يلزم عليه أن الدم الرقيق والبول الذي يرى لونه من النجاسة الغير المرئية وأنه يكتفى فيها بالغسل ثلاثا بلا اشتراط زوال الأثر مع أن المفهوم من كلامهم أن غير المرئية ما لا يرى له أثر أصلا لاكتفائهم فيها بمجرد الغسل، بخلاف المرئية المشروط فيها زوال الأثر، فالمناسب ما في غاية البيان وأن مراده بالبول ما لا لون له وإلا كان من المرئية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بقلعها‏)‏ فيه إيماء إلى عدم اشتراط العصر، وهو الصحيح على ما يعلم من كلام الزيلعي حيث ذكر بعد الإطلاق أن اشتراط العصر رواية عن محمد، وعليه فما يبقى في اليد من البلة بعد زوال عين النجاسة طاهر تبعا لطهارة اليد في الاستنجاء بطهارة المحل، وله نظائر كعروة الإبريق تطهر بطهارة اليدين، وعلى هذا إذا أصاب خفيه في الاستنجاء من الماء المتنجس فإنهما يطهران بطهارة المحل تبعا حيث لم يكن بهما خرق‏.‏ ا هـ‏.‏ أبو السعود عن شيخه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأثرها‏)‏ يأتي بيانه قريبا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو بمرة‏)‏ يعني إن زال عين النجاسة بمرة واحدة تطهر، سواء كانت تلك الغسلة الواحدة في ماء جار أو راكد كثير أو بالصب أو في إجانة، أما الثلاثة الأول فظاهر، وأما الإجانة فقد نص عليها في الدرر حيث قال‏:‏ غسل المرئية عن الثوب في إجانة حتى زالت طهر‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو بما فوق ثلاث‏)‏ أي‏:‏ إن لم تزل العين والأثر بالثلاث يزيد عليها إلى أن تزول ما لم يشق زوال الأثر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في الأصح‏)‏ قيد لقوله ولو بمرة‏.‏ قال القهستاني‏:‏ وهذا ظاهر الرواية، وقيل‏:‏ يغسل بعد زوالها مرة، وقيل‏:‏ مرتين، وقيل‏:‏ ثلاثا كما في الكافي‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ليعم نحو دلك وفرك‏)‏ أي‏:‏ دلك خف وفرك مني، وأراد بنحوه نظائر ذلك مما يزيل العين من المطهرات بدون غسل كدبغ جلد، ويبس أرض، ومسح سيف؛ لكن يرد عليه ما لو جفت على البدن أو الثوب وذهب أثرها فقد زالت عينها ومع ذلك لا تطهر‏.‏ وأجيب بأنه قد أشار إلى اشتراط المطهر بقوله يطهر، ففهم منه أنه لا بد من مطهر كذا في الجوهرة، وفيه نظر

‏(‏قوله‏:‏ كلون وريح‏)‏ الكاف استقصائية؛ لأن المراد بالأثر هو ما ذكر فقط كما فسره في البحر والفتح وغيرهما، وأما الطعم فلا بد من زواله؛ لأن بقاءه يدل على بقاء العين كما نقل عن البرجندي، واقتصر القهستاني على تفسير الأثر بالريح فقط، وظاهره أنه يعفى عن الرائحة بعد زوال العين وإن لم يشق زوالها‏.‏ وفي البحر أنه ظاهر ما في غاية البيان‏.‏ أقول‏:‏ وهو صريح ما نقله نوح أفندي عن المحيط حيث قال لو غسل الثوب عن الخمر ثلاثا ورائحتها باقية طهر وقيل لا ما لم تزل الرائحة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لازم‏)‏ أي‏:‏ ثابت وهو نعت لأثر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حار‏)‏ بالحاء المهملة أي‏:‏ مسخن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ونحوه‏)‏ أي‏:‏ كحرض وأشنان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بل يطهر إلخ‏)‏ إضراب انتقالي ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بنجس‏)‏ بكسر الجيم أي‏:‏ متنجس إذ لو كان بعين النجاسة كالدم وجب زوال عينه وطعمه وريحه ولا يضر بقاء لونه كما هو ظاهر من مسألة الميتة أفاده ح‏.‏

مطلب في حكم الصبغ والاختضاب بالصبغ أو الحناء النجسين

‏(‏قوله‏:‏ والأولى غسله إلخ‏)‏ اعلم أنه ذكر في المنية أنه لو أدخل يده في الدهن النجس أو اختضبت المرأة بالحناء النجس أو صبغ الثوب بالصبغ النجس ثم غسل كل ثلاثا طهر، ثم ذكر عن المحيط أنه يطهر إن غسل الثوب حتى يصفو الماء ويسيل أبيض ا هـ‏.‏ وفي الخانية إذا وقعت النجاسة في صبغ فإنه يصبغ به الثوب ثم يغسل ثلاثا فيطهر كالمرأة إذا اختضبت بحناء نجس‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر مسألة الحناء في موضع آخر مطلقة أيضا، ثم قال‏:‏ وينبغي أن لا يطهر ما دام يخرج الماء ملونا بلون الحناء، فعلم أن اشتراط صفو الماء إما قول ثان كما يشعر به كلام المحيط، أو هو تقييد لإطلاق القول الأول وبيان له كما يشعر به قول الخانية وينبغي، وعلى كل فكلام المحيط والخانية يشعر باختيار ذلك الشرط، ولذا اقتصر على ذكره في الفتح‏.‏ هذا وقد ذكر سيدي عبد الغني كلاما حسنا سبقه إليه صاحب الحلية، وهو أن مسألة الاختضاب أو الصبغ بالحناء أو الصبغ النجسين وغمس اليد في الدهن النجس مبنية في الأصل على أحد قولين إما على أن الأثر الذي يشق زواله لا يضر بقاؤه، وإما على ما روي عن أبي يوسف من أن الدهن يطهر بالغسل ثلاثا بأن يجعل في إناء فيصب عليه الماء ثم يرفع ويراق الماء، وهكذا ثلاث مرات فإنه يطهر وعليه الفتوى خلافا لمحمد كما في شرح المنية؛ فمن بنى ذلك على الأول اشترط في هذه المسألة صفو الماء ليكون اللون الباقي أثرا شق زواله فيعفى عنه وإن كان ربما نفض على ثوب آخر أو ظهر في الماء عند غسله في وقت آخر‏.‏ والقول باشتراط غسله ثلاثا بعد صفو الماء ضعيف، ومن بنى على الثاني اكتفى بالغسل ثلاثا؛ لأن الحناء والصبغ والدهن المتنجسات تصير طاهرة بالغسل ثلاثا فلا يشترط بعد ذلك خروج الماء صافيا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد أطال في الحلية في تحقيق ذلك كما هو دأبه ثم جنح إلى البناء على الأول وقال‏:‏ إنه الأشبه فليكن التعويل عليه في الفتوى ا هـ‏.‏ ولا يخفى أنه ترجيح لما في المحيط والخانية والفتح، فكان على الشارح الجزم به إذ لم نر من رجح خلافه فافهم، ثم قال سيدي عبد الغني‏:‏ وهذا بخلاف المصبوغ بالدم كالثياب الحمر التي تجلب في زماننا من ديار بكر، فلا تطهر أبدا ما لم يخرج الماء صافيا ويعفى عن اللون، ومن هذا القبيل المصبوغ بالدودة فإنها ميتة يتجمد فيها الدم النجس ما لم تكن من دود يتولد في الماء فتكون طاهرة، لكن بيعها باطل، ولا يضمن متلفها، ولا يملك ثمنها بالقبض؛ لأن الميتة ليست بمال ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ أقول‏:‏ الذي يظهر أن هذه الدودة إن كانت غير مائية المولد وكان لها دم سائل فهي نجسة وإلا فطاهرة فلا يحكم بنجاستها قبل العلم بحقيقتها‏.‏ وأما حكم بيعها فينبغي جوازه كما أجازوا بيع السرقين للانتفاع به وكذا بيع دود القز وبيضه؛ لأنه مال يضن به وهو المفتى به‏.‏ وكذا بيع النحل والعلق مع تصريحهم بأنه لا يجوز بيع الهوام، وهذه الدودة عند أهل زماننا من أعز الأموال وأنفسها والضنة بها أكثر من دود القز‏.‏ وقد سمعت أن الدودة نوعان نوع منها حيواني يخنق بالخل أو الخمر، ونوع منها نباتي والأجود في الصبغ الأول - والله أعلم -‏.‏

مطلب في حكم الوشم

‏[‏تنبيه مهم‏]‏

يستفاد مما مر حكم الوشم في نحو اليد، وهو أنه كالاختضاب أو الصبغ بالمتنجس؛ لأنه إذا غرزت اليد أو الشفة مثلا بإبرة ثم حشي محلها بكحل أو نيلة ليخضر تنجس الكحل بالدم، فإذا جمد الدم والتأم الجرح بقي محله أخضر، فإذا غسل طهر؛ لأنه أثر يشق زواله؛ لأنه لا يزول إلا بسلخ الجلد أو جرحه، فإذا كان لا يكلف بإزالة الأثر الذي يزول بماء حار أو صابون فعدم التكليف هنا أولى، وقد صرح به في القنية فقال‏:‏ ولو اتخذ في يده وشما لا يلزمه السلخ ا هـ‏.‏ لكن في الذخيرة‏:‏ لو أعاد سنه ثانيا ونبت وقوي، فإن أمكن قلعه بلا ضرر قلعه وإلا فلا وتنجس فمه، ولا يؤم أحدا من الناس ا هـ‏.‏ أي‏:‏ بناء على نجاسة السن وهو خلاف ظاهر المذهب‏.‏ وقال العلامة البيري‏:‏ ومنه يعلم حكم الوشمة، ولا ريب في عدم جواز كونه إماما بجامع النجاسة‏.‏ ثم نقل عن شرح المشارق للعلامة الأكمل أنه قيل‏:‏ يصير ذلك الموضع نجسا، فإن لم يمكن إزالته إلا بالجرح فإن خيف منه الهلاك أو فوات عضو لم تجب وإلا وجبت، وبتأخيره يأثم، والرجل والمرأة فيه سواء ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وعليه لو أصاب ماء قليلا أو مائعا نجسه، لكن تعبير الأكمل بقيل يفيد عدم اعتماده، وهو مذهب الشافعية فالظاهر أنه نقله عنهم‏.‏ والفرق بين الوشمة وبين السن على القول بنجاستها ظاهر فإن السن عين النجاسة والوشمة أثر، فإن ادعي أن بقاء اللون دليل على بقاء العين رد بأن الصبغ والاختضاب كذلك فيلزم عدم طهارته، وإن فرق بأن الوشمة امتزجت باللحم والتأمت معه بخلاف الصبغ نقول‏:‏ إن ما تداخل في اللحم لا يؤمر بغسله كما لو تشربت النجاسة في يده مثلا، وما على سطح الجلد مثل الحناء والصبغ، وقد صرحوا بأنه لو اكتحل بكحل نجس لا يجب غسله «ولما جرح صلى الله عليه وسلم في أحد جاءت فاطمة رضي الله عنها فأحرقت حصيرا وكمدت به حتى التصق بالجرح فاستمسك الدم»‏.‏ وفي مفسدات الصلاة من خزانة الفتاوى‏:‏ كسر عظمه فوصل بعظم الكلب ولا ينزع إلا بضرر جازت الصلاة، ثم قال‏:‏ لو في يده تصاوير ويؤم الناس لا تكره إمامته ا هـ‏.‏ وفي الفتاوى الخيرية من كتاب الصلاة سئل في رجل على يده وشم هل تصح صلاته وإمامته معه أم لا‏؟‏ أجاب نعم تصح صلاته وإمامته بلا شبهة - والله أعلم -‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا دهن ودك ميتة‏)‏ الأولى أن يقول إلا ودك دهن ميتة؛ لأن الودك الدسم كما في القاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حتى لا يدبغ به جلد‏)‏ أي‏:‏ لا يحل ذلك وإن كان لو دبغ ثم غسل طهر‏.‏ قال في القنية‏:‏ الكيمخت المدبوغ بدهن الخنزير إذا غسل يطهر، ولا يضر بقاء الأثر‏.‏ وفي الخلاصة‏:‏ وإذا دبغ الجلد بالدهن النجس يغسل بالماء ويطهر والتشرب عفو ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بل يستصبح به إلخ‏)‏ ظاهر ما سيأتي في باب البيع الفاسد أنه لا يحل الانتفاع به أصلا، وإنما هذا في الدهن المتنجس فقط يؤيده ما في صحيح البخاري‏:‏ «عن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح يقول وهو بمكة‏:‏ إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل‏:‏ يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؛ قال‏:‏ لا، هو حرام» الحديث‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإلا فمستعمل‏)‏ أي‏:‏ وإن لم يكن الغاسل مكلفا، بأن كان صغيرا أو مجنونا يعتبر ظن المستعمل للثوب؛ لأنه هو المحتاج إليه زيلعي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ طهارة‏)‏ بالنصب مفعول ظن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بلا عدد به يفتى‏)‏ كذا في المنية‏.‏ وظاهره أنه لو غلب على ظنه زوالهما بمرة أجزأه وبه صرح الإمام الكرخي في مختصره واختاره الإمام الإسبيجابي‏.‏ وفي غاية البيان أن التقدير بالثلاث ظاهر الرواية‏.‏ وفي السراج اعتبار غلبة الظن مختار العراقيين، والتقدير بالثلاث مختار البخاريين والظاهر الأول إن لم يكن موسوسا وإن كان موسوسا فالثاني ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ قال في النهر وهو توفيق حسن ا هـ‏.‏ وعليه جرى صاحب المختار، فإنه اعتبر غلبة الظن إلا في الموسوس، وهو ما مشى عليه المصنف واستحسنه في الحلية وقال‏:‏ وقد مشى الجم الغفير عليه في الاستنجاء‏.‏ أقول‏:‏ وهذا مبني على تحقق الخلاف، وهو أن القول بغلبة الظن غير القول بالثلاث‏.‏ قال في الحلية‏:‏ وهو الحق، واستشهد له بكلام الحاوي القدسي والمحيط‏.‏ أقول‏:‏ وهو خلاف ما في الكافي مما يقتضي أنهما قول واحد، وعليه مشى في شرح المنية فقال‏:‏ فعلم بهذا أن المذهب اعتبار غلبة الظن وأنها مقدرة بالثلاث لحصولها به في الغالب وقطعا للوسوسة وأنه من إقامة السبب الظاهر مقام المسبب الذي في الاطلاع على حقيقته عسر كالسفر مقام المشقة ا هـ‏.‏ وهو مقتضى كلام الهداية وغيرها، واقتصر عليه في الإمداد، وهو ظاهر المتون حيث صرحوا بالثلاث - والله أعلم -‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لموسوس‏)‏ قدره اختيارا لما مشى عليه في السراج وغيره بناء على تحقق الخلاف، وإلا فكلام المصنف تبعا للدرر كعبارة الكافي والهداية وغيرهما ظاهر في خلافه والموسوس بكسر الواو؛ لأنه محدث بما في ضميره، ولا يقال بالفتح ولكن موسوس له أو إليه أي‏:‏ يلقى إليه الوسوسة، وهي حديث النفس كما في المغرب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثلاثا‏)‏ قيد للغسل والعصر معا على سبيل التنازع أو للعصر فقط‏.‏ ويفهم منه تثليث الغسل، فإنه إذا عصر مرة بحيث لا يبقى التقاطر لا يعصر مرة أخرى إلا بعد أن يغسل‏.‏ ا هـ‏.‏ نوح‏.‏ ثم اشتراط العصر ثلاثا هو ظاهر الرواية عن أصحابنا‏.‏ وعن محمد في غير رواية الأصول يكتفى به في المرة الأخيرة‏.‏ وعن أبي يوسف أنه ليس بشرط شرح المنية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو سبعا‏)‏ ذكره في الملتقى والاختيار، وهذا على جهة الندب خروجا من خلاف الإمام أحمد رحمه الله تعالى‏.‏ ويندب أن تكون إحداهن بتراب خروجا من خلافه وخلاف الشافعي أيضا لو النجاسة كلبية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيما ينعصر‏)‏ أي‏:‏ تقييد الطهارة بالعصر إنما هو فيما ينعصر ويأتي محترزه متنا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بحيث لا يقطر‏)‏ تصوير للمبالغة في العصر ط‏.‏ وظاهر إطلاقه أن المبالغة فيه شرط في جميع المرات، وجعلها في الدرر شرطا للمرة الثالثة فقط، وكذا في الإيضاح لابن الكمال وصدر الشريعة وكافي النسفي وعزاه في الحلية إلى فتاوى أبي الليث وغيرها، ثم قال‏:‏ وينبغي اشتراطها في كل مرة كما هو ظاهر الخانية حيث قال‏:‏ غسل الثوب ثلاثا وعصره في كل مرة وقوته أكثر من ذلك ولم يبالغ فيه صيانة للثوب لا يجوز ا هـ‏.‏ تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ طهر بالنسبة إليه‏)‏؛ لأن كل أحد مكلف بقدرته ووسعه ولا يكلف أن يطلب من هو أقوى ليعصر ثوبه شرح المنية‏.‏ قال في البحر خصوصا على قول أبي حنيفة إن قدرة الغير غير معتبرة وعليه الفتوى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ الأظهر نعم للضرورة‏)‏ كذا في النهر عن السراج‏.‏ أي‏:‏ لئلا يلزم إضاعة المال قال في البحر‏:‏ لكن اختار في الخانية عدم الطهارة ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وبه جزم في الدرر، وعليه فالظاهر أنه يعطى حكم ما لا ينعصر من تثليث الجفاف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بتثليث جفاف‏)‏ أي‏:‏ جفاف كل غسلة من الغسلات الثلاث وهذا شرط في غير البدن ونحوه، أما فيه فيقوم مقامه توالي الغسل ثلاثا قال في الحلية‏:‏ والأظهر أن كلا من التوالي والجفاف ليس بشرط فيه، وقد صرح به في النوازل وفي الذخيرة ما يوافقه‏.‏ ا هـ‏.‏ وأقره في البحر‏.‏ وفي الخانية إذا جرى ماء الاستنجاء تحت الخف ولم يدخل فيه لا بأس به، ويطهر الخف تبعا كما قلنا في عروة الإبريق إذا أخذها بيد نجسة وغسل يده ثلاثا تطهر العروة تبعا لليد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي‏:‏ انقطاع تقاطر‏)‏ زاد القهستاني وذهاب النداوة‏.‏ وفي التتارخانية‏:‏ حد التجفيف أن يصير بحال لا تبتل منه اليد، ولا يشترط صيرورته يابسا جدا‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم هل يلزم ذهاب أثر شق زواله‏؟‏ ذكر في الحلية أن مفاد ما في المنية عن المحيط نعم بخلاف الثوب‏.‏ وقال‏:‏ والتفرقة بينهما لا تعرى عن شيء ا هـ‏.‏ وأقره في البحر والنهر، لكن في شرح المنية تعقب ما في المحيط ثم قال‏:‏ فالحاصل أن زوال الأثر شرط في كل موضع ما لم يشق كيفما كان التطهير وبأي شيء كان فليحفظ ذلك ا هـ‏.‏ ونحوه في حاشية الواني على الدرر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي‏:‏ غير منعصر‏)‏ أي‏:‏ بأن تعذر عصره كالخزف أو تعسر كالبساط أفاده في شرح المنية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مما يتشرب النجاسة إلخ‏)‏ حاصله كما في البدائع أن المتنجس إما أن لا يتشرب فيه أجزاء النجاسة أصلا كالأواني المتخذة من الحجر والنحاس والخزف العتيق، أو يتشرب فيه قليلا كالبدن والخف والنعل أو يتشرب كثيرا؛ ففي الأول طهارته بزوال عين النجاسة المرئية أو بالعدد على ما مر؛ وفي الثاني كذلك؛ لأن الماء يستخرج ذلك القليل فيحكم بطهارته، وأما في الثالث فإن كان مما يمكن عصره كالثياب فطهارته بالغسل والعصر إلى زوال المرئية وفي غيرها بتثليثهما، وإن كان مما لا ينعصر كالحصير المتخذ من البردي ونحوه إن علم أنه لم يتشرب فيه بل أصاب ظاهره يطهر بإزالة العين أو بالغسل ثلاثا بلا عصر، وإن علم تشربه كالخزف الجديد والجلد المدبوغ بدهن نجس والحنطة المنتفخة بالنجس؛ فعند محمد لا يطهر أبدا، وعند أبي يوسف ينقع في الماء ثلاثا ويجفف كل مرة، والأول أقيس، والثاني أوسع ا هـ‏.‏ وبه يفتى درر‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وينبغي تقييد الخزف العتيق بما إذا تنجس رطبا وإلا فهو كالجديد؛ لأنه يشاهد اجتذابه ا هـ‏.‏ وقالوا في البساط النجس إذا جعل في نهر ليلة طهر قال في البحر‏:‏ والتقييد بالليلة لقطع الوسوسة وإلا فالمذكور في المحيط أنه إذا أجرى عليه الماء إلى أن يتوهم زوالها طهر؛ لأن إجراء الماء يقوم مقام العصر ا هـ‏.‏ ولم يقيده بالليلة‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في الدر المنتقى عن الشمني وابن الكمال، ولو موه الحديد بالماء النجس يموه بالطاهر ثلاثا فيطهر خلافا لمحمد، فعنده لا يطهر أبدا وهذا في الحمل في الصلاة أما لو غسل ثلاثا ثم قطع به نحو بطيخ أو وقع في ماء قليل لا ينجسه فالغسل يطهر ظاهره إجماعا، وتمامه في شرح المنية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا فبقلعها‏)‏ المناسب فبغسلها؛ لأن الكلام في غير المرئية أي‏:‏ ما لا يتشرب النجاسة مما لا ينعصر يطهر بالغسل ثلاثا ولو بدفعة بلا تجفيف كالخزف والآجر المستعملين كما مر وكالسيف والمرآة ومثله ما يتشرب فيه شيء قليل كالبدن والنعل كما قدمناه آنفا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهذا كله‏)‏ أي‏:‏ الغسل والعصر ثلاثة فيما ينعصر وتثليث الجفاف في غيره ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في إجانة‏)‏ بالكسر والتشديد‏:‏ إناء تغسل فيه الثياب والجمع أجاجين مصباح أي‏:‏ إن هذا المذكور إنما هو إذا غسل ثلاثا في إجانة واحدة أو في ثلاث إجانات‏.‏ قال في الإمداد‏:‏ والمياه الثلاثة متفاوتة في النجاسة، فالأولى يطهر ما أصابته بالغسل ثلاثا، والثانية بثنتين والثالثة بواحدة، وكذا الأواني الثلاثة التي غسل فيها واحدة بعد واحدة، وقيل يطهر الإناء الثالث بمجرد الإراقة والثاني بواحدة، والأول بثنتين ا هـ‏.‏ بقي لو غسل في إجانة واحدة قال في الفيض‏:‏ تغسل الإجانة بعد الثلاث مرة ا هـ‏.‏ وشمل كلامه ما لو غسل العضو في الإجانة فإنه يطهر عندهما‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ لا يطهر ما لم يصب عليه الماء، وعلى هذا الخلاف لو أدخله في حباب الماء ولو في خوابي خل يخرج من الثالثة طاهرا عند أبي حنيفة؛ خلافا لهما، لاشتراط محمد في غسل النجاسة الماء، واشتراط أبي يوسف الصب بدائع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أما لو غسل إلخ‏)‏ نقل هذه الجملة في البحر عن السراج وتابعه من بعده حتى الشرنبلالي، وقد صرح في شرح المنية عند قوله‏:‏ روي عن أبي يوسف أن الجنب إذا اتزر في الحمام وصب الماء على جسده ثم على الإزار يحكم بطهارة الإزار، وإن لم يعصر‏.‏ وفي المنتقى‏:‏ شرط العصر على قول أبي يوسف بما نصه‏:‏ تقدم أن هذا ظاهر الرواية على قول الكل، ولو غمس الثوب في نهر جار مرة وعصره يطهر وهذا قول أبي يوسف في غير ظاهر الرواية، وذكر في الأصل وهو ظاهر الرواية أنه يغسل ثلاثا ويعصر في كل مرة‏.‏ وعن محمد في غير ظاهر الرواية أنه يغسلها أي‏:‏ النجاسة الغير المرئية ثلاثا ويعصر في المرة الثالثة وقد تقدم أنه غير رواية الأصول‏.‏ وقال في الفتح‏:‏ لا يخفى أن المروي عن أبي يوسف في الإزار لضرورة ستر العورة، فلا يلحق به غيره، ولا تترك الروايات الظاهرة فيه‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لكن قد علمت أن المعتبر في تطهير النجاسة المرئية زوال عينها ولو بغسلة واحدة ولو في إجانة كما مر، فلا يشترط فيها تثليث غسل ولا عصر، وأن المعتبر غلبة الظن في تطهير غير المرئية بلا عدد على المفتى به أو مع شرط التثليث على ما مر، ولا شك أن الغسل بالماء الجاري وما في حكمه من الغدير أو الصب الكثير الذي يذهب بالنجاسة أصلا ويخلفه غيره مرارا بالجريان أقوى من الغسل في الإجانة التي على خلاف القياس؛ لأن النجاسة فيها تلاقي الماء وتسري معه في جميع أجزاء الثوب فيبعد كل البعد التسوية بينهما في اشتراط التثليث، وليس اشتراطه حكما تعبديا حتى يلتزم وإن لم يعقل معناه، ولهذا قال الإمام الحلواني على قياس قول أبي يوسف في إزار الحمام‏:‏ إنه لو كانت النجاسة دما أو بولا وصب عليه الماء كفاه، وقول الفتح إن ذلك لضرورة ستر العورة كما مر رده في البحر بما في السراج، وأقره في النهر وغيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في غدير‏)‏ أي‏:‏ ماء كثير له حكم الجاري‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو صب عليه ماء كثير‏)‏ أي‏:‏ بحيث يخرج الماء ويخلفه غيره ثلاثا؛ لأن الجريان بمنزلة التكرار والعصر هو الصحيح سراج‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بلا شرط عصر‏)‏ أي‏:‏ فيما ينعصر، وقوله ‏"‏ وتجفيف ‏"‏ أي‏:‏ في غيره، وهذا بيان للإطلاق‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ هو المختار‏)‏ عبارة السراج‏:‏ وأما حكم الغدير‏:‏ فإن غمس الثوب فيه ثلاثا وقلنا بقول البلخيين وهو المختار فقد روي عن أبي حفص الكبير أنه يطهر وإن لم يعصر‏.‏ وقيل‏:‏ يشترط العصر كل مرة، وقيل‏:‏ مرة واحدة‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله‏:‏ اشتراط الغمس في الغدير ثلاثا عندهم مع اختلافهم في العصر فتنبه‏.‏

مطلب في تطهير الدهن والعسل

‏(‏قوله‏:‏ ويطهر لبن وعسل إلخ‏)‏ قال في الدرر‏:‏ لو تنجس العسل فتطهيره أن يصب فيه ماء بقدره فيغلى حتى يعود إلى مكانه، والدهن يصب عليه الماء فيغلى فيعلو الدهن الماء فيرفع بشيء هكذا ثلاث مرات ا هـ‏.‏ وهذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد، وهو أوسع وعليه الفتوى كما في شرح الشيخ إسماعيل عن جامع الفتاوى‏.‏ وقال في الفتاوى الخيرية‏:‏ ظاهر كلام الخلاصة عدم اشتراط التثليث، وهو مبني على أن غلبة الظن مجزئة عن التثليث وفيه اختلاف تصحيح، ثم قال‏:‏ إن لفظة‏:‏ فيغلى ذكرت في بعض الكتب‏.‏ والظاهر أنها من زيادة الناسخ، فإنا لم نر من شرط لتطهير الدهن الغليان مع كثرة النقل في المسألة والتتبع لها إلا أن يراد به التحريك مجازا، فقد صرح في مجمع الرواية وشرح القدوري أنه يصب عليه مثله ماء ويحرك فتأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ أو يحمل على ما إذا جمد الدهن بعد تنجسه‏.‏ ثم رأيت الشارح صرح بذلك في الخزائن فقال‏:‏ والدهن السائل يلقى فيه الماء، والجامد يغلى به حتى يعلو إلخ‏.‏ ثم اشتراط كون الماء مثل العسل أو الدهن موافق لما في شرح المجمع عن الكافي، ولم يذكره في الفتح والبحر‏.‏ وذكر القهستاني عن بعض المفتين الاكتفاء في العسل والدبس بالخمس قال‏:‏ لأن في بعض الروايات قدرا من الماء‏.‏ قلت‏:‏ يحتمل أن قدرا مصحف عن قدره بالضمير فيوافق ما ذكرناه عن شرح المجمع، وبه يسقط ما نقله عن بعض المفتين‏.‏ هذا وفي القنية عن ركن الأئمة الصباغي أنه جرب تطهير العسل بذلك فوجده مرا‏.‏ وذكر في الخلاصة أنه لو ماتت الفأرة في دن النشاء يطهر بالغسل إن تناهى أمره وإلا فلا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولحم طبخ إلخ‏)‏ في الظهيرية‏:‏ ولو صبت الخمرة في قدر فيها لحم إن كان قبل الغليان يطهر اللحم بالغسل ثلاثا، وإن بعده فلا‏.‏ وقيل يغلى ثلاثا كل مرة بماء طاهر ويجفف في كل مرة، وتجفيفه بالتبريد‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ قلت‏:‏ لكن يأتي قريبا أن المفتى به الأول‏.‏ وفي الخانية‏:‏ إذا صب الطباخ في القدر مكان الخل خمرا غلطا فالكل نجس لا يطهر أبدا، وما روي عن أبي يوسف أنه يغلى ثلاثا لا يؤخذ به، وكذا الحنطة إذا طبخت في الخمر لا تطهر أبدا‏.‏ وعندي إذا صب فيه الخل وترك حتى صار الكل خلا لا بأس به‏.‏ ا هـ‏.‏ فما مشى عليه الشارح هنا ضعيف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا دجاجة إلخ‏)‏ قال في الفتح‏:‏ إنها لا تطهر أبدا لكن على قول أبي يوسف تطهر، والعلة - والله أعلم - تشربها النجاسة بواسطة الغليان، وعليه اشتهر أن اللحم السميط بمصر نجس، لكن العلة المذكورة لا تثبت ما لم يمكث اللحم بعد الغليان زمانا يقع في مثله التشرب والدخول في باطن اللحم، وكل منهما غير محقق في السميط حيث لا يصل إلى حد الغليان، ولا يترك فيه إلا مقدار ما تصل الحرارة إلى ظاهر الجلد لتنحل مسام الصوف، بل لو ترك يمنع انقلاع الشعر؛ فالأولى في السميط أن يطهر بالغسل ثلاثا فإنهم لا يتحرسون فيه عن النجس، وقد قال شرف الأئمة بهذا في الدجاجة والكرش والسميط ا هـ‏.‏ وأقره في البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي التجنيس‏)‏ هو اسم كتاب لصاحب الهداية قال فيه‏:‏ إن هذا الكتاب لبيان ما استنبطه المتأخرون، ولم ينص عليه المتقدمون وعبارته هنا‏:‏ ولو طبخت الحنطة في الخمر، قال أبو يوسف‏:‏ تطبخ ثلاثا بالماء وتجفف في كل مرة، وكذلك اللحم‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا طبخت في الخمر لا تطهر أبدا وبه يفتى‏.‏ ا هـ‏.‏ أي‏:‏ إلا إذا جعلها في خل كما نقله بعضهم عن مختصر المحيط وقدمناه عن الخانية فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو انتفخت من بول إلخ‏)‏ إن كان هذا قول أبي يوسف، فظاهر وإن كان قول الإمام، فقد يفرق بينه وبين طبخها بالخمر بزيادة التشرب بالطبخ، ثم لا يمكن هنا تطهيرها بجعلها في الخل؛ لأن البول لا ينقلب خلا بخلاف الخمر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وجففت‏)‏ ظاهره أن المراد التجفيف إلى أن يزول الانتفاخ في كل مرة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيطهر‏)‏ لانقلاب ما فيه من أجزاء الخمر خلا - والله أعلم -‏.‏