فصل: باب الصرف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب الصرف

لما كان عقدا على الأثمان والثمن في الجملة تبع لما هو المقصود من البيع أخره عنه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عنونه بالباب‏)‏ قال في الدرر عنونه الأكثرون بالكتاب وهو لا يناسب لكون الصرف من أنواع البيع كالربا والسلم فالأحسن ما اختير ههنا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ هو لغة الزيادة‏)‏ هذا أحد معانيه ففي المصباح صرفته عن وجهه صرفا من باب ضرب، وصرفت الأجير والصبي خليت سبيله وصرفت المال أنفقته وصرفت الذهب بالدراهم بعته، واسم الفاعل من هذا صيرفي وصيرف وصراف للمبالغة، قال ابن فارس الصرف فضل الدراهم في الجودة على الدراهم وصرف الكلام زينته، وصرفته بالتثقيل واسم الفاعل، مصرف والصرف التوبة في قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا‏}‏ والعدل الفدية ا هـ‏.‏ زاد في القاموس في معنى الحديث المذكور قوله أو هو النافلة‏.‏ والعدل‏:‏ الفريضة أو بالعكس أو الوزن‏.‏ والعدل الكيل، أو هو الاكتساب‏.‏ والعدل‏:‏ الفدية أو الحيلة ا هـ‏.‏ وقد علمت أنه يطلق لغة على بيع الثمن بالثمن لكنه في الشرع أخص تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي ما خلق للثمنية‏)‏ ذكر نحوه في البحر‏.‏ ثم قال‏:‏ وإنما فسرناه به ليدخل فيه بيع المصوغ بالمصوغ أو بالنقد، فإن المصوغ بسبب ما اتصل به من الصنعة لم يبق ثمنا صريحا، ولهذا يتعين في العقد ومع ذلك بيعه صرف ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويشترط عدم التأجيل والخيار‏)‏ أي وعدم الخيار‏:‏ أي خيار الشرط بخلاف خيار رؤية أو عيب كما يأتي‏.‏ ولا يقال هذا مكرر مع قوله الآتي ويفسد بخيار الشرط والأجل؛ لأن ذاك تفريع على هذا كما هو العادة من ذكر الشروط ثم التفريع عليها فافهم، نعم ذكر في النهر أنه لا حاجة إلى جعلهما شرطين على حدة كما جرى عليه في البحر تبعا للنهاية وغيرها؛ لأن شرط التقابض يغني عن ذلك؛ لأن خيار الشرط يمنع ثبوت الملك أو تمامه على القولين وذلك يخل بتمام القبض وهو ما يحصل به التعيين ا هـ‏.‏ ولا يخفى ما فيه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي التساوي وزنا‏)‏ قيد به؛ لأنه لا اعتبار به عددا بحر عن الذخيرة، والشرط التساوي في العلم لا بحسب نفس الأمر فقط، فلو لم يعلما التساوي وكان في نفس الأمر لم يجز إلا إذا ظهر التساوي في المجلس كما أوضحه في الفتح، ونذكر قريبا حكم الزيادة والحط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بالبراجم‏)‏ جمع برجمة بالضم‏:‏ وهي مفاصل الأصابع ح عن جامع اللغة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا بالتخلية‏)‏ أشار إلى أن التقييد بالبراجم للاحتراز عن التخلية، واشتراط القبض بالفعل لا خصوص البراجم، حتى لو وضعه له في كفه أو في جيبه صار قابضا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قبل الافتراق‏)‏ أي افتراق المتعاقدين بأبدانهما، والتقييد بالعاقدين يعم المالكين والنائبين، وتقييد الفرقة بالأبدان يفيد عموم اعتبار المجلس، ومن ثم قالوا إنه لا يبطل بما يدل على الإعراض، ولو سارا فرسخا ولم يتفرقا، وقد اعتبروا المجلس في مسألة هي ما لو قال الأب اشهدوا أني اشتريت الدينار من ابني الصغير بعشرة دراهم ثم قام قبل أن يزن العشرة فهو باطل كذا عن محمد؛ لأنه لا يمكن اعتبار التفرق بالأبدان نهر‏.‏ وفي البحر‏:‏ لو نادى أحدهما صاحبه من وراء جدار أو من بعيد لم يجز؛ لأنهما مفترقان بأبدانهما، وتفرع على اشتراط القبض أنه لا يجوز الإبراء عن بدل الصرف ولا هبته والتصدق به، فلو فعل لم يصح بدون قبول الآخر، فإن قبل انتقض الصرف وإلا لم يصح ولم ينتقض، وتمامه في البحر،

‏[‏تنبيه‏]‏

قبض بدل الصرف في مجلس الإقالة شرط لصحتها كقبضه في مجلس العقد، بخلاف إقالة السلم، وقدمنا الفرق في بابه‏.‏ وفي البحر‏:‏ لو وجب دين بعقد متأخر عن عقد الصرف لا يصير قصاصا ببدل الصرف وإن تراضيا، ولو قبض بدل الصرف ثم انتقض القبض فيه لمعنى أوجب انتقاضه يبطل الصرف، ولو استحق أحد بدليه بعد الافتراق فإن أجاز المستحق والبدل قائم أو ضمن الناقد وهو هالك جاز الصرف، وإن استرده وهو قائم أو ضمن القابض قيمته وهو هالك بطل الصرف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على الصحيح‏)‏ وقيل شرط لانعقاده صحيحا، وعلى الأول قول الهداية‏:‏ فإن تفرقا قبل القبض بطل، فلولا أنه منعقد لما بطل بالافتراق كما في المعراج‏.‏ وثمرة الخلاف فيما إذا ظهر الفساد فيما هو صرف يفسد فيما ليس صرفا عند أبي حنيفة، ولا يفسد على القول الأصح فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن اختلفا جودة وصياغة‏)‏ قيد إسقاط الصفقة بالأثمان؛ لأنه لو باع إناء نحاس بمثله وأحدهما أثقل من الآخر جاز مع أن النحاس وغيره مما يوزن من الأموال الربوية أيضا؛ لأن صفة الوزن في النقدين منصوص عليها فلا تتغير بالصنعة ولا يخرج عن كونه موزونا بتعارف جعله عدديا لو تعورف ذلك بخلاف غيرهما، فإن الوزن فيه بالعرف فيخرج عن كونه موزونا بتعارف عدديته إذا صيغ وصنع كذا في الفتح، حتى لو تعارفوا بيع هذه الأواني بالوزن لا بالعدد لا يجوز بيعها بجنسها إلا متساويا، كذا في الذخيرة نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لما مر في الربا‏)‏ أي من أن جيد مال الربا ورديئه سواء، وتقدم استثناء حقوق العباد‏:‏ ومر الكلام فيه فراجعه، ومنه ما في البحر عن الذخيرة‏:‏ غصب قلب فضة ثم استهلكه فعليه قيمته مصوغا من خلاف جنسه، فإن تفرقا قبل قبض القيمة جاز خلافا لزفر؛ لأنه صرف حكما للضمان الواجب بالغصب لا مقصودا فلا يشترط له القبض ا هـ‏.‏ وإنما لزمه الضمان من خلاف جنسه لئلا يلزم الربا؛ لأن قيمته مصوغا أزيد من وزنه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ شرط التقابض‏)‏ أي قبل الافتراق كما قيد به في بعض النسخ‏.‏ وفي البحر عن الذخيرة لو اشترى المودع الوديعة الدراهم بدنانير وافترقا قبل أن يجدد المودع قبضا في الوديعة بطل الصرف، بخلاف المغصوبة؛ لأن قبض الغصب ينوب عن قبض الشراء بخلاف الوديعة ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لحرمة النساء‏)‏ بالفتح أي التأخير فإنه يحرم بإحدى علتي الربا‏:‏ أي القدر أو الجنس كما مر في بابه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فلو باع النقدين‏)‏ تفريع على قوله وإلا شرط التقابض فإنه يفهم منه أنه لا يشترط التماثل، وقيد بالنقدين؛ لأنه لو باع فضة بفلوس فإنه يشترط قبض أحد البدلين قبل الافتراق لا قبضهما كما في البحر عن الذخيرة‏.‏ ونقل في النهر عن فتاوى قارئ الهداية أنه لا يصح تأجيل أحدهما ثم أجاب عنه، وقدمنا ذلك في باب الربا، وقدمنا هناك أنه أحد قولين فراجعه عند قول المصنف باع فلوسا بمثلها أو بدراهم إلخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أحدهما بالآخر‏)‏ احتراز عما لو باع الجنس بالجنس جزافا حيث لم يصح ما لم يعلم التساوي قبل الافتراق كما قدمناه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ جزافا‏)‏ أي بدون معرفة قدر، وقوله أو بفضل‏:‏ أي بتحقق زيادة أحدهما على الآخر وسكت عن التساوي للعلم بصحته بالأولى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والعوضان لا يتعينان‏)‏ أي في الصرف ما دام صحيحا أما بعد فساده فالصحيح التعيين كما في الأشباه، وقدمناه عنها في أواخر البيع الفاسد ما تتعين فيه النقود وما لا تتعين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حتى لو استقرضا إلخ‏)‏ صورته قال أحدهما للآخر بعتك درهما بدرهم وقبل الآخر ولم يكن عندهما شيء ثم استقرض كل منهما درهما من ثالث وتقابضا قبل الافتراق صح، وكذا لو قال بعتك هذا الدرهم بهذا الدرهم وأمسك كل منهما درهمه قبل التسليم ودفع كل منهما درهما آخر قبل الافتراق، ومثله كما في الدرر ما لو استحق كل من العوضين فأعطى كل منهما صاحبه بدل ما استحق من جنسه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأديا مثلهما‏)‏ ضمير مثلهما عائد على ما، وثناه باعتبار المعنى

‏(‏قوله‏:‏ ويفسد الصرف‏)‏ أي فسادا من الأصل؛ لأنه فساد مقترن بالعقد كما في المحيط شرنبلالية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لإخلالهما بالقبض‏)‏ لأن خيار الشرط يمتنع به استحقاق القبض ما بقي الخيار؛ لأن استحقاقه مبني على الملك والخيار يمنعه والأجل يمنع القبض الواجب درر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويصح مع إسقاطهما في المجلس‏)‏ هكذا في الفتح وغيره، والظاهر أن المراد إسقاطهما بنقد البدلين في المجلس لا بقولهما أسقطنا الخيار والأجل، إذ بدون نقد لا يكفي وأنه لا يلزم الجمع بين الفعل والقول، ثم رأيت في القهستاني قال‏:‏ فلو تفرقا من غير تقابض أو من أجل أو شرط خيار فسد البيع، ولو تقابضا في الصور قبل التفرق انقلب صحيحا ا هـ‏.‏ ونحوه في التتارخانية فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لزوال المانع‏)‏ أي قبل تقرره درر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في مصوغ لا نقد‏)‏ فيه أن النقد يدخله خيار العيب كما ذكره المصنف في قوله عقبه ظهر بعض الثمن زيوفا إلخ‏.‏ وقال في البحر‏:‏ وأما خيار العيب فثابت فيه، وأما خيار الرؤية فثابت في العين دون الدين إلخ‏.‏ وفي الفتح‏:‏ وليس في الدراهم والدنانير خيار رؤية؛ لأن العقد لا ينفسخ بردها؛ لأنه إنما وقع على مثلها، بخلاف التبر والحلي والأواني من الذهب والفضة؛ لأنه ينتقض العقد برده لتعينه فيه إلخ فكان الصواب أن يقول في مصوغ لا خيار رؤية في نقد

‏(‏قوله‏:‏ الشرط الفاسد إلخ‏)‏ في البحر لو تصارفا جنسا بجنس متساويا وتقابضا وتفرقا ثم زاد أحدهما الآخر شيئا أو حط عنه وقبله الآخر فسد البيع عنده، وعند أبي يوسف بطلا وصح الصرف، وعند محمد بطلت الزيادة وجاز الحط بمنزلة الهبة المستقبلة وهذا فرع اختلافهم في أن الشرط الفاسد المتأخر عن العقد إذا ألحق به هل يلتحق، لكن محمد فرق بين الزيادة والحط، ولو زاد أو حط في صرف بخلاف الجنس جاز إجماعا بشرط قبض الزيادة قبل الافتراق ا هـ‏.‏ وانظر ما حررناه في أول باب الربا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ينتقض فيه فقط‏)‏ أي ينفسخ الصرف في المردود ويبقى في غيره لارتفاع القبض فيه فقط درر‏.‏ وفي كافي الحاكم‏:‏ اشترى عشرة دراهم بدينار وتقابضا ثم وجد فيها درهما ستوقا أو رصاصا، فإن كانا لم يتفرقا استبدله وإن كانا قد تفرقا رده عليه وكان شريكا في الدينار بحصته‏:‏ وهذا بمنزلة ما لو نقده تسعة دراهم ثم فارقه ا هـ‏.‏ ومقتضاه أنه بعد التفرق لا يتأتى الاستبدال فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يتصرف في بدل الصرف قبل قبضه‏)‏ أي بهبة أو صدقة أو بيع، حتى لو وهبه البدل أو تصدق أو أبرأه منه، فإن قبل بطل الصرف وإلا لا، فإن البراءة ونحوها سبب الفسخ فلا ينفرد به أحدهما بعد صحة العقد فتح، وقيد بالتصرف؛ لأن الاستبدال به صحيح كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فسد بيع الثوب‏)‏ لأنه لو جاز سقط حق القبض المستحق لله تعالى فلا يسقط بإسقاط المتعاقدين فتح‏.‏ وعند زفر يصح البيع؛ لأن الثمن في بيعه لم يتعين كونه بدل الصرف؛ لأن النقد لا يتعين، وقواه في الفتح‏.‏ ونازعه في البحر بما اعترضه في النهر‏.‏ وأجاب عما في الفتح بجواب آخر فراجعه، وأطلق فساد البيع فشمل ما لو كان الشراء من صاحبه أو من أجنبي كما في الكافي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والصرف بحاله‏)‏ أي فيقبض بدله ممن عاقده معه فتح، وهذا بخلاف ما لو أبرأه أو وهبه وقبل فإن الصرف يبطل كما علمت‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ باع أمة إلخ‏)‏ حاصل هذه المسائل أن الجمع بين النقود وغيرها في البيع لا يخرج النقود عن كونها صرفا بما يقابله من الثمن نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قيمته ألف‏)‏ كون قيمة الجارية مع الطوق متساويين ليس بشرط، بل إذا بيع نقد مع غيره من جنسه لا بد أن يزيد الثمن على النقد المضموم إليه، فلو قال مع طوق زنته ألف بألف ومائة لكان أولى نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إنما بين قيمتهما إلخ‏)‏ أشار إلى ما اعترض به الزيلعي من أن في عبارة المصنف تسامحا؛ لأنه ذكر القيمة في كل منهما، ولا تعتبر القيمة في الطوق وإنما يعتبر القدر عند المقابلة بالجنس، وكذا لا حاجة إلى بيان قيمة الجارية؛ لأن قدر الطوق مقابل به والباقي بالجارية قلت قيمتها أو كثرت، فلا فائدة في بيان قيمتها إلا إذا قدر أن الثمن بخلاف جنس الطوق فحينئذ يفيد بيان قيمتها؛ لأن المثمن ينقسم عليهما على قدر قيمتها ا هـ‏.‏ وبه ظهر أن تقييد الشارح أولا الطوق بكونه فضة لا يناسب ما ذكره من الانقسام إلا أن يحمل الألف في قوله‏:‏ قيمته ألف على أنه من الذهب‏:‏ أي ألف مثقال، لكن قوله أو أنه غير جنس الطوق ينافي ذلك وقد تبع فيه العيني، وصوابه إذا كان غير جنس الطوق فيوافق ما أجاب به الزيلعي؛ لأن الانقسام المذكور إنما يكون عند اختلاف الجنس، وبعد هذا يرد عليه كما قال ط إنه عند اختلاف الجنس لا تعتبر القيمة بل يشترط التقابض كما سيذكره في الأصل الآتي وفي المنح‏:‏ ولو بيع المصوغ من الذهب أو المزركش منه بالدراهم فلا يحتاج إلى معرفة قدره، وهل هو أقل أو أكثر‏؟‏ بل يشترط القبض في المجلس، فلو بيع بالذهب يحتاج إلخ‏.‏ قلت‏:‏ وقد يجاب بأن بيان القيمة له فائدة وإن اختلف الجنس وذلك عند استحقاق الطوق أو الجارية تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ألف نقد وألف نسيئة‏)‏ قيد بتأجيل البعض؛ لأنه لو أجل الكل فسد البيع في الكل عنده، وقالا في الطوق فقط، وتمامه في البحر، وذكر في الدرر أنه لو نقد ألفا في تأجيل الكل فهو حصة الطوق‏.‏ واعتراضه في الشرنبلالية بأنه فاسد من الأصل على قول الإمام فلا يحكم بصحته بنقد الألف بعده‏.‏ وأجيب بأنه إذا نقد حصة الصرف قبل الافتراق يعود إلى الجواز لزوال المفسد قبل تقرره كما مر في اشتراط الأجل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويخلص بلا ضرر‏)‏ الأولى إسقاطه كما فعل في الكنز، وقد تبع المصنف في ذكره الوقاية والدرر‏.‏ واعترضهم في العزمية وغيرها، وأيضا فلا معنى لكونه شرطا في هذه المسألة؛ لأن البيع صح في الكل، وأجيب بأنه يفهم ما إذا تخلص بضرر بالأولى، نعم ذكره عند قوله الآتي فإن افترقا في محله‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ونقد خمسين‏)‏ أي والخمسون الباقية دين أو نسيئة ط‏.‏

مطلب يستعمل المثنى في الواحد

‏(‏قوله‏:‏ تحريا للجواز‏)‏ إذ الظاهر قصدهما الوجه المصحح؛ لأن العقد لا يفيد تمام مقصودهما إلا بالصحة فكان هذا الاعتبار عملا بالظاهر‏.‏ والظاهر يجب العمل به إلا إذا صرح بخلافه كما يأتي، وقوله خذ هذا من ثمنهما لا يخالفه؛ لأن المثنى استعمل في الواحد أيضا كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم‏}‏ والرسل من الإنس وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏نسيا حوتهما‏}‏، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سافرتما فأذنا وأقيما» وتمامه في الفتح قال في البحر‏:‏ ونظيره في الفقه إذا حضتما حيضة أو ولدتما ولدا علق بإحداهما للاستحالة، بخلاف ما إذا لم يذكر المفعول به للإمكان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنه اسم للحلية أيضا إلخ‏)‏ عبارات الزيلعي؛ لأنهما شيء واحد ا هـ‏.‏ وبه يظهر أنه في مسألة الجارية المطوقة لو قال خذ هذا من ثمن الجارية يفسد البيع، وبه صرح في النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو زاد خاصة فسد البيع‏)‏ أي بأن قال هذا المعجل حصة السيف خاصة‏.‏ وعبارة المبسوط‏:‏ انتقض البيع في الحلية، وظاهره أنه يصح في السيف دون الحلية، وعليه فكان المناسب أن يقول فسد الصرف، لكن هذا محمول على ما إذا كانت الحلية تتميز بلا ضرر لإمكان التسليم، وبهذا الحمل وفق الزيلعي بين ما في المبسوط وبين ما في المحيط من أنه لو قال هذا من ثمن النصل خاصة، فإن لم يمكن التمييز إلا بضرر يكون المنقود ثمن الصرف ويصحان جميعا؛ لأنه قصد صحة البيع ولا صحة له إلا بصرف المنقود إلى الصرف فحكمنا بجوازه تصحيحا للبيع، وإن أمكن تمييزها بلا ضرر بطل الصرف ا هـ‏.‏ ولا يخفى حسن هذا التوفيق؛ لأنه إذا صح البيع والصرف مع ذكر النصل يجعل المنقود ثمنا للحلية التي لا يمكن تمييزها إلا بضرر يلزم أن يصح مع ذكر السيف بالأولى، إذ لا شك أن لفظ النصل أخص من لفظ السيف؛ لأن السيف يطلق على النصل والحلية، وبه اندفع ما في البحر، نعم في كلام الزيلعي نظر من وجه آخر بيناه فيما علقناه على البحر‏.‏ تنبيه‏]‏ بقي ما لو قال نصفه من ثمن الحلية ونصفه من ثمن السيف فالمقبوض من ثمن الحلية كما في الزيلعي‏.‏ والظاهر حمله على ما إذا لم يمكن تمييزه بلا ضرر، فلو أمكن فسد الصرف في نصف الحلية، يدل عليه ما في كافي الحاكم، ولو باع قلب فضة فيه عشرة وثوبا بعشرين درهما فنقده عشرة وقال نصفها من ثمن القلب ونصفها من ثمن الثوب ثم تفرقا وقد قبض القلب والثوب انتقض البيع في نصف القلب‏.‏ وأما في السيف إذا سمى فقال نصفها من ثمن الحلية ونصفها من ثمن نصل السيف ثم تفرقا لم يفسد البيع ا هـ‏.‏ تأمل وانظر ما علقناه على البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وصح في السيف‏)‏ لعدم اشتراط قبض ثمنه في المجلس نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كطوق الجارية‏)‏ الأولى كالجارية المطوقة؛ لأنه إذا تخلص السيف عن حليته بلا ضرر يقدر على تسليمه فيصير كبيع الجارية مع طوقها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بطل أصلا‏)‏ أي بطل بيع الحلية والسيف لتعذر تسليم السيف بلا ضرر كبيع جذع من سقف نهر‏.‏

مطلب في بيع المموه

‏[‏تتمة‏]‏

قال في كافي الحاكم‏:‏ وإذا اشترى لجاما مموها بفضة بدراهم أقل مما فيه أو أكثر فهو جائز؛ لأن التمويه لا يخلص؛ ألا ترى أنه إذا اشترى الدار المموهة بالذهب بثمن مؤجل يجوز ذلك وإن كان ما في سقوفها من التمويه بالذهب أكثر من الذهب في الثمن ا هـ‏.‏ والتمويه‏:‏ الطلي‏.‏ ونقل الخير الرملي نحوه عن المحيط، ثم قال‏:‏ وأقول يجب تقييد المسألة بما إذا لم تكثر الفضة أو الذهب المموه‏.‏ أما إذا كثر بحيث يحصل منه شيء يدخل في الميزان بالعرض على النار يجب حينئذ اعتباره ولم أره لأصحابنا‏:‏ لكن رأيته للشافعية وقواعدنا شاهدة به فتأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والأصل إلخ‏)‏ أشار به إلى فائدة قوله فباعه بمائة أي بثمن زائد على قدر الحلية التي من جنس الثمن ليكون قدر الحلية ثمنا لها والزائد ثمنا للسيف، إذ لو لم تتحقق الزيادة بطل البيع‏.‏ أما لو كان الثمن من خلاف جنسها جاز البيع كيفما كان لجواز التفاضل كما في البحر، ومقتضاه أن المؤدى من خلاف الجنس وإن قل يقع عن ثمن الحلية وغير المؤدى يكون ثمن النصل تحريا للجواز‏.‏

مطلب في بيع المفضض والمزركش وحكم علم الثوب

‏(‏قوله‏:‏ كمفضض ومزركش‏)‏ الأول ما رصع بفضة أو ألبس فضة كسرج من خشب ألبس فضة، والثاني في العرف هو المطرز بخيوط فضة أو ذهب، وبه عبر في البحر‏.‏ وأما حلية السيف فتشمل ما إذا كانت الفضة غير ذلك كقبيعة السيف تأمل، وخروج المموه كما علمت آنفا‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

لم يذكر حكم العلم في الثوب وفي الذخيرة‏:‏ وإذا باع ثوبا منسوجا بذهب بالذهب الخالص لا بد لجوازه من الاعتبار، وهو أن يكون الذهب المنفصل أكثر، وكان ينبغي أن يجوز بدونه؛ لأن الذهب الذي نسج خرج عن كونه وزنيا؛ ولذا لا يباع وزنا، لكنه وزني بالنص فلا يخرجه عن كونه مال ربا‏.‏ ثم قال‏:‏ وفي المنتقى إن في اعتبار الذهب في السقف روايتين فلا يعتبر العلم في الثوب، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يعتبر ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية عن الغياثية‏:‏ ولو باع دارا في سقوفها ذهب بذهب، وفي رواية لا يجوز بدون الاعتبار؛ لأن الذهب لا يكون تبعا، بخلاف علم الثوب والإبريسم في الذهب فإنه لا يعتبر؛ لأنه تبع محض ا هـ‏.‏ وظاهر التعليل أن ذهب السقوف عين قائمة لا مجرد تمويه، ويدل عليه ما قدمناه آنفا عن الكافي من أن المموه لا يعتبر لكونه لا يخلص‏.‏ وفي الهندية عن المحيط والدار فيها صفائح ذهب أو فضة بيعها بجنسها كالسيف المحلى ا هـ‏.‏ وحاصل هذا كله اعتبار المنسوج قولا واحدا واختلاف الرواية في ذهب السقف والعلم وأن المعتمد عدم اعتباره في المنسوج، وقد علم بهذا أن الذهب إن كان عينا قائمة في البيع كمسامير الذهب ونحوها في السقف مثلا يعتبر كطوق الأمة وحلية السيف، ومثله المنسوج بالذهب فإنه قائم بعينه غير تابع، بل هو مقصود بالبيع كالحلية والطوق، وبه صار الثوب ثوبا ولذا يسمى ثوب ذهب، بخلاف المموه؛ لأنه مجرد لون لا عين قائمة، وبخلاف العلم في الثوب فإنه تبع محض فإن الثوب لا يسمى به ثوب ذهب‏.‏ ولا يرد ما قدمه الشارح من أن الحلية تبع للسيف أيضا، فإن تبعيتها له حيث دخولها في مسماه عرفا، سواء كانت فيه أو في قرابه لكنها أصل من حيث قيامها بذاتها وقصدها بالشراء كطوق الجارية، ولا كذلك علم الثوب؛ لأن الشرع أهدر اعتباره حتى حل استعماله، لكن ينبغي أنه لو زاد لو على أربعة أصابع أن يعتبر هنا أيضا، هذا ما ظهر لي في تحرير هذا المحل فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ شرط التقابض فقط‏)‏ أي ولا يشترط تحقق زيادة الثمن كما قدمناه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ صح فيما قبض‏)‏ لوجود شرط الصرف فيه نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنه صرف‏)‏ هذا علة العلة؛ لأن علة الاشتراك بطلان البيع فيما لم يقبض؛ لأنه صرف أو هو علة لقوله صح فيما قبض وما بعده، والمراد أنه صرف كله في الهداية‏.‏ قال في الكفاية‏:‏ فصح فيما وجد شرطه وبطل فيما لم يوجد، بخلاف مسألتي الجارية مع الطوق والسيف مع الحلية فإن كل واحدة منهما صرف وبيع فإذا نقد بدل الصرف صح في الكل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لتعيبه من قبله‏)‏ أي لتعيب الإناء بعيب الشركة من جهة المشتري بصنعه بسبب عدم نقده كل الثمن قبل الافتراق‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيخير‏)‏ أي في أخذ الباقي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإذا استحق بعضه‏)‏ أي وقد كان نقد كل الثمن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لتعيبه بغير صنعه‏)‏ لأن عيب الاشتراك كان موجودا عند البائع مقارنا للعقد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومفاده‏)‏ أي مفاد التعليل المذكور ‏(‏قوله لا بإقراره‏)‏ أي لو ادعى المستحق بعض الإناء فأقر له به المشتري لا يخير؛ لأن الشركة ثبتت بصنعه‏.‏ ولا يخفى أن النكول عن اليمين إن كان من البائع فهو كالبينة، وإن كان من المشتري فهو في حكم الإقرار منه؛ ولذا لا يرجع بالثمن على بائعه إذا نكل، كما لو أقر كما مر في بابه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ اختلفوا إلخ‏)‏ فإنه قيل إن العقد ينفسخ بقضاء القاضي للمستحق بالاستحقاق وهو رواية الخصاف، وقيل لا ما لم يرجع المشتري على بائعه، وقيل ما لم يأخذ المستحق العين، وقيل ما لم يقض على البائع بالثمن‏.‏ وفي الهداية أنه ظاهر الرواية، وقدمنا تحرير الكلام على ذلك والتوفيق بينه وبين ما نقله عن الفتح فراجعه في أول باب الاستحقاق، وأشار الشارح إلى أن ما مشى عليه المصنف أحسن مما في البحر عن السراج حيث قال فإن أجاز المستحق قبل أن يحكم له بالاستحقاق، فإن مفهومه أنه ليس له الإجازة بعد الحكم بالاستحقاق لانفساخ العقد بالحكم، وهذه رواية الخصاف كما علمت، وهي خلاف ظاهر الرواية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكان الثمن له‏)‏ أي للمستحق؛ لأن البائع كان فضوليا في بيع ما استحقه المستحق وتوقف على إجازته قبل الفسخ، فإذا أجاز نفذ العقد وكان الثمن له‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إذا لم يفترقا‏)‏ أي البائع والمشتري، وهذا متعلق بقوله جاز العقد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بعد الإجازة‏)‏ كذا في البحر عن السراج مع أن الذي في الجوهرة وهي للحدادي صاحب السراج قبل الإجازة، ويؤيده قوله في السراج والجوهرة حتى لو افترق العاقدان قبل إجازة المستحق بطل العقد، وإن فارقه المستحق قبل الإجازة والمتعاقدان باقيان في المجلس صح العقد ا هـ‏.‏ والحاصل أن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة فيصير هذا الفضولي بعد الإجازة كأنه كان وكيلا بالبيع قبلها فإن حصل التقابض بينه وبين المشتري قبل الافتراق نفذ العقد بالإجازة اللاحقة، وإن افترقا قبل التقابض لا ينفذ العقد بها؛ لأنه لو كان وكيلا حقيقة قبل العقد يفسد بالافتراق بلا قبض فكيف إذا صار وكيلا بالإجازة اللاحقة‏؟‏ ثم إذا حصل التقابض قبل الافتراق والإجازة ثم أجاز نفذ العقد وإن افترقا بعد، أما إذا أجاز قبل الافتراق والتقابض، فلا بد من التقابض بعدها قبل الافتراق لفساد العقد بالافتراق بدون تقابض وإن أجاز قبله، وعلى هذا يحمل كلام المصنف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو باع قطعة نقرة‏)‏ بضم النون، وهي كما في المغرب والقاموس‏:‏ القطعة المذابة من الذهب أو الفضة، وقبل الإذابة تسمى تبرا كما في المصباح، ويقال نقرة فضة على الإضافة للبيان كما في المغرب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأن التبعيض لا يضرها‏)‏ فلم يلزم عيب الشركة لإمكان أن يقطع حصته مثلا نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لتفرق الصفقة‏)‏ أي قبل تمامها، بخلاف ما بعد القبض لتمامها بحر، ويقال فيما إذا أجاز المستحق قبل فسخ الحاكم العقد ما قيل في مسألة الإناء السابقة أفاده الشرنبلالي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا الدينار والدرهم‏)‏ أي نظير النقرة؛ لأن الشركة في ذلك لا تعد عيبا كذا في الكرخي منح عن الجوهرة‏:‏ أي لو استحق بعضه لا يخير؛ لأنه ليس عيبا، قال ط لإمكان صرفه واستيفاء كل حقه من بدله‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بصرف الجنس بخلاف جنسه‏)‏ أي تصحيحا للعقد‏:‏ كما لو باع نصف عبد مشترك بينه وبين غيره فإنه ينصرف إلى نصيبه تصحيحا للعقد‏.‏ وفي الظهيرية عن المبسوط‏:‏ باع عشرة وثوبا بعشرة وثوب وافترقا قبل القبض بطل العقد في الدراهم، ولو صرف الجنس إلى خلاف جنسه لم يبطل، ولكن قبل في العقود للتصحيح في الابتداء، ولا يحتاج للبقاء على الصحة ا هـ‏.‏ بحر‏:‏ أي لأن الفساد هنا عرض بالافتراق قبل قبض‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا بيع أحد عشر درهما إلخ‏)‏ فتكون العشرة بالعشرة والدرهم بالدينار، وأردف هذه المسألة وإن علمت مما قبلها لبيان أن صرف الجنس إلى خلاف جنسه، لا فرق فيه بين أن يوجد الجنسان في كل من البدلين أو أحدهما أفاده في النهر عن العناية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بفتح وتشديد‏)‏ أي بفتح العين المعجمة وتشديد اللام‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وما يرده بيت المال‏)‏ أي لا لزيافتها بل لكونها قطعا عزمي عن النهاية، وفيه توفيق بين تفسيرها بما ذكر الشارح وتفسيرها بالدراهم المقطعة‏.‏

مطلب في حكم بيع فضة بفضة قليلة مع شيء آخر لإسقاط الربا

‏[‏تنبيه‏]‏

في الهداية‏:‏ ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهبا بذهب ومع أقلهما شيء آخر تبلغ قيمته باقي الفضة جاز البيع من غير كراهة، وإن لم تبلغ فمع الكراهة، وإن لم يكن له قيمة لا يجوز البيع لتحقق الربا إذ الزيادة لا يقابلها عوض فتكون ربا ا هـ‏.‏ وصرح في الإيضاح بأن الكراهة قول محمد‏.‏ وأما أبو حنيفة فقال لا بأس، وفي المحيط‏:‏ إنما كرهه محمد خوفا من أن يألفه الناس ويستعملوه فيما لا يجوز، وقيل لأنهما باشرا الحيلة لإسقاط الربا كبيع العينة فإنه مكروه ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ وأورد أنه لو كان مكروها لزم أن يكره في مسألة الدرهمين والدينار بدرهم ودينارين ولم يذكره‏.‏ وأجيب عنه بجواب اعترضه في الفتح ثم قال‏:‏ وغاية الأمر أنه لم ينص هناك على الكراهة فيه ثم ذكر أصلا كليا يفيده، وينبغي أن يكون قول أبي حنيفة أيضا على الكراهة كما هو ظاهر إطلاق المصنف بلا ذكر خلاف ا هـ‏.‏ ويأتي الكلام على بيع العينة آخر الباب وفي الكفالة إن شاء الله تعالى، وانظر ما قدمناه قبيل الربا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ممن هي له‏)‏ متعلق ببيع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فصح بيعه منه‏)‏ هذا وإن علم لكن كرره ليبين أن قوله دينارا مفعول بيع، وكان الأوضح والأخصر للمصنف أن يقول وصح بيع دينار بعشرة عليه أو مطلقة ممن هي له‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وتقع المقاصة بنفس العقد‏)‏ أي بلا توقف على إرادتهما لها، بخلاف المسألة الآتية، ووجه الجواز أنه جعل ثمنه دراهم لا يجب قبضها ولا تعيينها بالقبض وذلك جائز إجماعا؛ لأن التعيين للاحتراز عن الربا أي ربا النسيئة ولا ربا في دين سقط إنما الربا في دين يقع الخطر في عاقبته؛ ولذا لو تصارفان دراهم دينا بدنانير دينا صح لفوات الخطر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إن دفع البائع الدينار‏)‏ قيد في الصورتين ط عن مكي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وتقاصا العشرة‏)‏ قيد في الثانية فقط نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بالعشرة الدين استحسانا‏)‏ والقياس أن لا يجوز، وهو قول زفر لكونه استبدالا ببدل الصرف قبل قبضه، وجه الاستحسان أنه بالتقابض انفسخ العقد الأول وانعقد صرف آخر مضاف إلى الدين؛ لأنهما لما غيرا موجب العقد فقد فسخاه إلى آخر ما اقتضاه، كما لو جدد البيع بأكثر من الثمن الأول، كذا قالوا وتمامه في النهر، وأطلق في العشرة الدين فشمل ما إذا كانت عليه قبل عقد الصرف أو حدثت بعده في الأصح، فإذا استقرض بائع الدينار عشرة من المشتري أو غصب منه فقد صار قصاصا ولا يحتاج إلى التراضي؛ لأنه قد وجد منه القبص بحر ملخصا، ولا يخفى أن هذا خاص بالصورة الثانية، إذ في المقيدة لا يتصور أن يكون الدين حادثا؛ لأن فرضها أن يبيع الدينار بعشرة عليه، فما في النهر من ذكر ذلك في الأولى سبق قلم فتنبه‏.‏ ثم قال البحر‏:‏ والحاصل أن الدين إذا حدث بعد الصرف، فإن كان بقرض أو غصب وقعت المقاصة وإن لم يتقاصا وإن حدث بالشراء بأن باع مشتري الدينار من بائع الدينار ثوبا بعشرة إن لم يجعلاه قصاصا لا يصير قصاصا باتفاق الروايات، وإن جعلاه ففيه روايتان ذخيرة‏.‏

مطلب مسائل في المقاصة

ومن مسائل المقاصة ما لو كان للمودع على صاحب الوديعة دين من جنسها لم تصر قصاصا به إلا إذا اتفقا عليه وكانت في يده أو رجع إلى أهله فأخذها والمغصوب كالوديعة، وكذلك لا تقع المقاصة ما لم يتقاصا لو كان الدينان من جنسين أو متفاوتين في الوصف، أو مؤجلين أو أحدهما حالا والآخر مؤجلا أو أحدها غلة والآخر صحيحا كما في الذخيرة‏.‏ وإذا اختلف الجنس وتقاصا كما لو كان له عليه مائة درهم وللمديون مائة دينار عليه فإذا تقاصا تصير الدراهم قصاصا بمائة من قيمة الدنانير ويبقى لصاحب الدنانير على صاحب الدراهم ما بقي منها ظهيرية ودين النفقة للزوجة لا يقع قصاصا بدين للزوج عليها إلا بالتراضي، بخلاف سائر الديون؛ لأن دين النفقة أدنى، فروق الكرابيسي ا هـ‏.‏ ملخصا، قال‏:‏ وتقدم شيء من مسائل المقاصة في باب أم الولد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حكما‏)‏ تمييز محول عن المبتدإ‏:‏ أي حكم ما غلب فضته وذهبه حكم الفضة والذهب الخالصين، وذلك لأن النقود لا تخلو عن قليل غش للانطباع وقد يكون خلقيا كما في الرديء فيعتبر القليل بالرديء فيكون كالمستهلك ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ الاستقراض بها‏)‏ الأوضح استقراضه ط وبه عبر في الملتقى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما مر في بابه‏)‏ لم أره صرح بذلك في باب القرض‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في حكم عروض‏)‏ الأولى تعبير الكنز بقوله ليس في حكم الدراهم والدنانير وذلك؛ لأنه يجب فيها الاعتبار والتقابض، ولا تتعين بالتعيين إن راجت‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ اعتبارا للغالب‏)‏ أي في الصورتين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إن كان الخالص أكثر من المغشوش‏)‏ أي أكثر من الخالص الذي خالطه الغش‏.‏ والأوضح أن يقول أكثر مما في المغشوش‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ولا يخفى أن هذا لا يتأتى في كل دراهم غالبة الغش، بل إذا كانت الفضة المغلوبة بحيث لا تتخلص من النحاس إذا أريد ذلك‏.‏ أما إذا كانت بحيث لا تتخلص لقلتها بل تحترق لا عبرة بها أصلا بل تكون كالمموهة لا تعتبر ولا تراعى فيها شرائط الصرف، وإنما هو كاللون، وقد كان في أوائل سبعمائة في فضة دمشق قريب من ذلك قال المصنف‏:‏ أي صاحب الهداية ومشايخنا يعني مشايخ ما وراء النهر من بخارى وسمرقند لم يفتوا بجواز ذلك أي بيعها بجنسها متفاضلا في العدالى والغطارفة مع أن الغش فيها أكثر من الفضة؛ لأنها أعز الأموال في ديارنا، فلو أبيح التفاضل فيها ينفتح باب الربا الصريح فإن الناس حينئذ يعتادون في الأموال النفيسة فيتدرجون ذلك في النقود الخالصة فمنع حسما لمادة الفساد ا هـ‏.‏ وفي البزازية والصواب أنه لا يفتى بالجواز في الغطارفة؛ لأنها أعز الأموال وعليه صاحب الهداية والفضلي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما مر‏)‏ أي في مسألة بيع الزيتون بالزيت، بحر، وهذه مرت في باب الربا، ويحتمل كون التشبيه راجعا إلى ما في المتن من اشتراط كون الخالص أكثر، ومراده بما مر مسألة حلية السيف كما أفاده في الهداية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وزنا وعددا‏)‏ أي على حسب حالها في الزواج‏.‏ قال في الهداية‏:‏ ثم إن كانت تروج بالوزن فالتتابع والاستقراض فيها بالوزن، وإن كانت تروج بالعد فبالعد، وإن كانت تروج بهما فبكل واحد منهما؛ لأن المعتبر هو المعتاد فيها إذا لم يكن نص ا هـ‏.‏ ويأتي قريبا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بصرف الجنس لخلافه‏)‏ أي بأن يصرف فضة كل واحد منهما إلى غش الآخر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في الصورتين‏)‏ أي صورة بيعه بالخالص وصورة بيعه بجنسه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لضرر التمييز‏)‏ قال في البحر‏:‏ يشترط التقابض قبل الافتراق؛ لأنه صرف في البعض لوجود الفضة أو الذهب من الجانبين، ويشترط في الغش أيضا؛ لأنه لا يتميز إلا بضرر ا هـ‏.‏ فالعلة المذكورة لاشتراط قبض الغش، فاشتراط قبضه لا لذاته بل لأنه لا يمكن فصله عن الخالص الذي فيه المشروط قبضه لذاته، لا يقال‏:‏ إن النحاس الذي هو الغش موزون أيضا فقد وجد فيه القدر فيشترط قبضه لذاته أيضا؛ لأنا نقول وزن الدراهم غير وزن النحاس ونحوه فلم يجمعهما قدر وإلا لزم أن لا يجوز بيع القطن ونحوه مما يوزن إلا إذا كان ثمنه من الدراهم مقبوضا في المجلس؛ لأن القدر يحرم النساء مع أنه يجوز السلم فيه كما مر في بابه‏.‏ ولا يخفى أن الغش لو كان فضة في ذهب فالشرط قبض الكل لذاته؛ لأنه صرف في الكل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن كان الخالص مثله إلخ‏)‏ محترز قوله إن كان الخالص أكثر‏.‏ وحاصله أن الصور أربعة‏:‏ إما أن يكون الخالص أكثر أو مثله أو أقل أو لا يدرى، فيصح في الأولى فقط دون الثلاثة الباقية كما مر في بيع السيف مع حليته‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي مثل المغشوش‏)‏ أي الذي اختلط بالغش‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فلا يصح البيع‏)‏ أي لا في الفضة ولا في النحاس أيضا إذا كان لا تتخلص الفضة إلا بضرر فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للربا في الأولين‏)‏ بزيادة الغش في الأول وزيادته مع بعض الذهب أو الفضة في الثاني ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولاحتماله في الثالث‏)‏ وللشبهة في الربا حكم الحقيقة ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يتعين بالتعيين‏)‏ فلو قال اشتريت بهذه الدراهم فله أن يمسكها ويدفع غيرها مثله‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لثمنيته حينئذ‏)‏ أي حين إذا كان رائجا؛ لأنه بالاصطلاح صار أثمانا، فما دام ذلك الاصطلاح موجودا لا تبطل الثمنية لقيام المقتضي بحر، فلو هلك قبل القبض لا يبطل العقد فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ تعين به‏)‏ أي بالتعيين؛ لأن هذه الدراهم في الأصل سلعة وإنما صارت أثمانا بالاصطلاح، فإذا تركوا المعاملة بها رجعت إلى أصلها بحر فيبطل العقد بهلاكها قبل التسليم، هذا إذا كانا يعلمان بحالها ويعلم كل منهما أن الآخر يعلم، فإن كانا لا يعلمان أو لا يعلم أحدهما أو يعلمان ولا يعلم كل أن الآخر يعلم فإن البيع يتعلق بالدراهم الرائجة في ذلك البلد لا بالمشار إليه من هذه الدراهم التي لا تروج فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن علم البائع بحاله‏)‏ لأنه رضي بذلك وأدرج نفسه في البعض الذين يقلبونها فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا‏)‏ أي وإن كان لا يعلم بحال هذه الدراهم أو باعه بها على ظن أنها جياد تعلق حقه بالجياد لعدم الرضا بها بحر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بما يروج منه‏)‏ أي من الذي غلب غشه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عملا بالعرف إلخ‏)‏ الأولى ذكره بعد قوله فبكل منهما؛ لأن المراد أن اعتبار الوزن أو العدد أو كل منهما مبني على ما هو المتعارف فيها من ذلك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيه‏)‏ أي فالبيع والاستقراض بالوزن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وذهبه‏)‏ الأولى عطفه بأو‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فلم يجز إلا بالوزن‏)‏ بمنزلة الدراهم الرديئة؛ لأن الفضة فيها موجودة حقيقة ولم تصر مغلوبة فيجب الاعتبار بالوزن شرعا بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا أشار إليهما‏)‏ أي إلى المتساوي وغالب الفضة أي في المبايعة فيكون بيانا لقدرهما ووصفها ولا يبطل البيع بهلاكها قبل القبض ويعطه مثلها لكونها ثمنا لم تتعين بحر، وأفاد أنه في الاستقراض لا يجوز إلا وزنا وإن أشار إليها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما في الخلاصة‏)‏ أي كما لو أشار إلى الدراهم الخالصة من الغش، وعبارة النهر كما لو أشار إلى الجياد ا هـ‏.‏ أي فإنه يجوز البيع بما أشار إليه منها بلا وزن أيضا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيصح بالاعتبار المار‏)‏ أي إذا بيعت بجنسها بصرف الجنس إلى خلاف جنسه‏:‏ أي بأن يصرف ما في كل منهما من الغش إلى ما في الآخر من الفضة كما مر في الغالب غشه، وظاهره جواز التفاضل هنا أيضا، لكن قال الزيلعي‏:‏ وفي الخانية إن كان نصفها صفرا ونصفها فضة لا يجوز التفاضل، فظاهره أنه أراد به فيما إذا بيعت بجنسها، وهو مخالف لما ذكر هنا، ووجهه أن فضتها لما لم تصر مغلوبة جعلت كأن كلها فضة في حق الصرف احتياطا ا هـ‏.‏ وأقره في البحر والنهر والمنح‏.‏ وظاهره اعتماد ما في الخانية تأمل‏.‏ وقال الزيلعي‏:‏ ولو باعها بالفضة الخالصة لا يجوز حتى تكون الخالصة أكثر مما فيه من الفضة؛ لأنه لا غلبة لأحدهما على الآخر فيجب اعتبارهما، فصار كما لو جمع بين فضة وقطعة نحاس فباعهما بمثلهما أو بفضة فقط ا هـ‏.‏ وقوله لا غلبة لأحدهما أي لواحد من الغش والفضة والتي فيه المساوية له‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو نافق‏)‏ أي رائج من باب تعب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فكسد‏)‏ من باب قتل أي لم ينفق لقلة الرغبات فيه مصباح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ذلك‏)‏ أفاد به أن إفراد الضمير في كسد باعتبار المذكور، وفيه أن العطف بأو والأولى فيه الإفراد ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قبل التسليم للبائع‏)‏ قيد به؛ لأنه لو قبضها ولو فضوليا فيه فكسدت لا يفسد البيع ولا شيء له نهر، وسينبه عليه الشارح‏.‏ وفي النهر أيضا وإن كان نقد بعض الثمن دون بعض فسد في الباقي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بطل البيع‏)‏ أي ثبت للمشتري فسخه كما يأتي مع ما فيه، ووجه بطلانه عند الإمام كما في الهداية أن الثمن يهلك بالكساد؛ لأن الثمنية بالاصطلاح ولم يبق فبقي بيعا بلا ثمن فيبطل، فإذا بطل يجب رد المبيع إن كان قائما، وقيمته إن كان هالكا كما في البيع الفاسد ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإنه كالكساد‏)‏ كذا في البحر تبعا للزيلعي وفي المضمرات‏:‏ لو انقطع ذلك فعليه من الذهب والفضة قيمته في آخر يوم انقطع هو المختار‏.‏ وفي الذخيرة‏:‏ الانقطاع كالكساد والأول أصح ا هـ‏.‏ رملي عن المصنف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا حكم الدراهم‏)‏ كذا في البحر ولم أره لغيره وقال محشيه الرملي‏:‏ أي الدراهم التي لم يغلب عليها الغش، فاقتصار المصنف على غالب الغش والفلوس لغلبة الفساد فيهما دون الجيدة تأمل ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ لكن علمت أن بطلان البيع في كساد غالب الغش والفلوس معلل عند الإمام ببطلان الثمنية فبقي بيعا بلا ثمن، ولا شك أن الجياد لا تبطل ثمنيتها بالكساد؛ لأن ثمنيتها بأصل الخلقة كما صرحوا به لا بالإصلاح، فلا وجه لبطلانه عنده بكساد الجياد، فالظاهر أن مراد البحر بالدراهم غالبة الغش، لكنه مكرر بما في المتن تأمل، ثم رأيت في الفتح قال‏:‏ ولأبي حنيفة أن الثمن يهلك بالكساد؛ لأن مالية الفلوس والدراهم الغالبة الغش بالاصطلاح لا بالخلقة، بخلاف النقدين فإن ماليتها بالخلقة لا بالاصطلاح ا هـ‏.‏ نعم يمكن أن يجاب بأن هذا في النقد الخالص والمغشوشة التي غلبت فضتها تخالفه، لكن قد مر أنها كالخالصة؛ لأن الفضة قلما تنطبع إلا بقليل غش‏.‏ والحاصل أن ما ذكره في البحر وتبعه الشارح يحتاج إلى نقل صريح أو يحمل على ما قلنا أولا فتأمل‏.‏ وانظر ما قدمناه أول البيوع عند قوله وبثمن حال مؤجل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وصححاه بقيمة المبيع‏)‏ صوابه بقيمة الثمن سائحاني أو بقيمة الهالك ط‏:‏ قال في الفتح‏:‏ وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد لا يبطل‏.‏ ثم اختلفوا فقال أبو يوسف عليه قيمتها يوم البيع‏.‏ قال في الذخيرة‏:‏ وعليه الفتوى؛ لأنه مضمون بالبيع كقوله في المغصوب إذا هلك عليه قيمته يوم الغصب؛ لأنه يوم تحقق السبب‏.‏ وقال محمد‏:‏ عليه قيمتها آخر ما تعامل الناس بها وهو يوم الانقطاع؛ لأنه أوان الانتقال إلى القيمة‏.‏ وفي المحيط والتتمة والحقائق به يفتى رفقا بالناس ا هـ‏.‏ ونحوه في البحر‏.‏ وبه تعلم ما في عبارة الشارح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بل يتخير البائع لتعيبها‏)‏ قال في البحر وإن كانت تروج في بعض البلاد لا يبطل لكنه تعيب إذا لم ترج في بلدهم فيتخير البائع، وإن شاء أخذه وإن شاء أخذ قيمته ا هـ‏.‏ ومفاده أن التخيير خاص بما إذا كان الكساد في بلد العقد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ خلافا لما في نسخ المصنف‏)‏ حيث قال في البيوت بدون عطف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لو راجت‏)‏ أي بعد الكساد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عاد جائزا‏)‏ الأولى أن يقول بقي على الصحة بدليل التعليل أفاده ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي ثبت للبائع ولاية فسخه‏)‏ هذا تفسير المحذوف وهو مؤول وذلك المحذوف خبر المبتدإ وهو قول ثم إن ما ذكره مأخوذ من البحر استدلالا بعبارة البزازية، والظاهر أن ما فيها مبني على قول البعض، ففي الفتح‏:‏ لو اشترى مائة فلس بدرهم فكسدت قبل القبض بطل البيع استحسانا؛ لأن كسادها كهلاكها، وهلاك المعقود عليه قبل القبض يبطل العقد‏.‏ وقال بعض مشايخنا إنما يبطل العقد إذا اختار المشتري إبطاله فسخا؛ لأن فسادها كعيب فيها والمعقود عليه إذا حدث به عيب قبل القبض ثبت للمشتري فيه الخيار، والأول أظهر ا هـ‏.‏ ومثله في غاية البيان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لو نقصت قيمتها‏)‏ أي قيمة غالبة الغش ويعلم منه أنه لا يبطل في غالبة الفضة بالأولى أفاده ط عن أبي السعود‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعكسه‏)‏ لا حاجة إليه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويطالب بنقد ذلك العيار‏)‏ أي بدفع ذلك المقدار الذي جرى عليه العقد ولا ينظر إلى ما عرض بعده من الغلاء أو الرخص، وهذا عزاه الشارح إلى الفتح ومثله في الكفاية، والظاهر أنه المراد مما نقله في البحر عن الخانية والإسبيجابي من أنه يلزم المثل ولا ينظر إلى القيمة، فمراده بالمثل المقدار تأمل وفيه عن البزازية والذخيرة والخلاصة عن المنتقى‏:‏ غلب الفلوس القرض أو رخصت فعند الإمام الأول والثاني أولا ليس عليه غيرها وقال الثاني ثانيا عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض وعليه الفتوى‏:‏ أي يوم البيع في البيع ويوم القبض في القرض، ومثله في النهر، فهذا ترجيح لخلاف ما مشى عليه الشارح، ورجحه المصنف أيضا كما قدمناه في فصل القرض وعليه فلا فرق بين الكساد والرخص والغلاء في لزوم القيمة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا فضولي‏)‏ يعني غير دلال ولا حاجة إليه؛ لأن الدلال إذا باع بغير إذن كان فضوليا ولعله زاده؛ لأن الدلال في العادة يبيع بالإذن كما هو مقتضى اشتقاقه من الدلالة فإنه يدل البائع على المشتري أو بالعكس ليتوسط بينهما في البيع فزاد قوله أو فضولي ليناسب قول المصنف بغير إذنه، ويشير إلى أنه لا فرق بين كونه بالإذن أو لا؛ ولذا قال في النهر قيدنا بعدم قبض البائع؛ لأنه لو قبضها ولو فضوليا فكسدت لا يفسد البيع ولا شيء‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عيني وغيره‏)‏ اعتراض بأن عبارة الفتح والعيني والخلاصة دلال باع متاع الغير بإذنه‏.‏ قلت‏:‏ لكن الذي رأيته في الفتح عن الخلاصة كعبارة المصنف‏.‏ ولفظه‏:‏ وفي الخلاصة عن المحيط‏:‏ دلال باع متاع الغير بغير إذنه إلخ نعم الذي في العيني والبحر عن الخلاصة عن المحيط، وكذا في متن المصنف مصلحا بإذنه وهو المناسب لقوله لا يفسد البيع، ولقوله‏:‏ لأن حق القبض له وعلى ما في الفتح يكون المراد أن المالك أجاز البيع ليناسب ما ذكر تأمل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن لم تعين‏)‏ لأنها صارت أثمانا بالاصطلاح فجاز بها البيع ووجبت في الذمة كالنقدين، ولا تتعين وإن عينها كالنقد إلا إذا قالا أردنا تعليق الحكم بعينها فحينئذ يتعلق بها، بخلاف ما إذا باع فلسا بفلسين بأعيانهما حيث يتعين بلا تصريح لئلا يفسد البيع بحر، وهو ملخص من كلام الزيلعي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حتى يعينها‏)‏ لأنها مبيعة في هذه الحالة والمبيع لا بد أن يعين نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كسلع‏)‏ عبارة البحر؛ لأنها سلع، وفي المصباح‏:‏ السلعة البضاعة جمعها سلع كسدرة وسدر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ رد مثل أفلس القرض إذا كسدت‏)‏ أي رد مثلها عددا عند أبي حنيفة بحر، وأما إذا استقرض دراهم غالبة الغش، فكذلك في قياس قوله قال أبو يوسف ولست أروي ذلك عنه، ولكن لروايته في الفلوس فتح، قال محشي مسكين‏:‏ وانظر حكم ما إذا اقترض من فضة خالصة أو غالبة أو مساوية للغش ثم كسدت هل هو على هذا الاختلاف‏:‏ أي بين الإمام وصاحبيه أو يجب رد المثل بالاتفاق ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويظهر لي الثاني لما قدمناه قريبا، ولما يأتي قريبا عن الهداية ولم يذكر الانقطاع، والظاهر أن الكلام فيه كما مر في غالب الغش تأمل، وفي حاشية مسكين أن تقييد الاختلاف في رد المثل أو القيمة بالكساد يشير إلى أنها إذا غلت أو رخصت وجب رد المثل بالاتفاق، وقد مر نظيره فيما إذا اشترى بغالب الغش أو بفلوس نافقة ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن قدمنا قريبا أن الفتوى على قول أبي يوسف ثانيا أن عليه قيمتها من الدراهم، فلا فرق بين الكساد والرخص والغلاء عنده‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأوجب محمد قيمتها يوم الكساد‏)‏ وعند أبي يوسف يوم القبض ووجه قول الإمام كما في الهداية أن القرض إعارة، وموجبه رد العين معنى والثمنية فضل فيه‏.‏ ولهما في وجوب القيمة أنه لما بطل وصف الثمنية تعذر ردها كما قبض فيجب رد قيمتها، كما إذا استقرض مثليا فانقطع ا هـ‏.‏ وفي الشرنبلالية عن شرح المجمع‏:‏ محل الخلاف فيما إذا هلكت ثم كسدت أما لو كانت باقية عنده فإنه يرد عينها اتفاقا ا هـ‏.‏ ومثله في الكفاية‏.‏ قلت‏:‏ ومفاد التعليل المذكور يخالفه فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعليه الفتوى بزازية‏)‏ كذا في الخانية والفتاوى الصغرى رفقا بالناس بحر‏.‏ وفي الفتح‏:‏ وقولهما انظر للمقرض من قوله؛ لأن في رد المثل إضرارا به، وقول أبي يوسف انظر له أيضا من قول محمد؛ لأن قيمته يوم القرض أكثر منها يوم الانقطاع، وقول محمد انظر للمستقرض، وقول أبي يوسف أيسر؛ لأن القيمة يوم القبض معلومة لا يختلف فيها ويوم الانقطاع يعسر ضبطه فكان قول أبي يوسف أيسر في ذلك ا هـ‏.‏ ومثله في الكفالة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي النهر إلخ‏)‏ أصله لصاحب الفتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في اختيار قولهما‏)‏ أي بوجوب القيمة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ اشترى بنصف درهم فلوس‏)‏ الظاهر أنه يجوز في درهم عدم التنوين مضافا إلى فلوس على معنى من كإضافة خاتم حديد، والتنوين مع رفع فلوس على أنه خبر مبتدإ محذوف‏:‏ أي هو فلوس ويدل عليه قوله بعده أو بدرهمين فلوس فإنه لو كان مضافا وجب حذف نون التثنية أو جر فلوس على أنه بدل أو عطف بيان ويجوز نصبه على التمييز‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مثلا‏)‏ الأولى حذفه للاستغناء عنه بقول المصنف بعد وكذا بثلث درهم أو ربعه وإن كان راجعا إلى قوله درهم فهو مستغنى عنه بقوله وكذا لو اشترى بدرهم فلوس إلخ ط‏.‏ قلت‏:‏ ولعله أشار إلى أن لفظ دينار كذلك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للعلم به إلخ‏)‏ جواب عن قول زفر إنه لا يصح؛ لأنه اشترى بالفلوس وهي تقدر بالعدد لا بالدراهم والدانق؛ لأنه موزون فذكره لا يغني عن العد فبقي الثمن مجهولا‏.‏ والجواب أنه لما ذكر الدراهم ثم وصفه بأنه فلوس وهو لا يمكن علم أن المراد ما يباع به من الفلوس وهو معلوم فأغنى عن ذكر العدد فلم تلزم جهالة الثمن كما أوضحه في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ جاز عند الثاني إلخ‏)‏ قال في البحر‏:‏ قيد بما دون الدرهم؛ لأنه لو اشترى بدرهم فلوس أو بدرهمين فلوس لا يجوز عند محمد لعدم العرف‏.‏ وجوزه أبو يوسف في الكل للعرف، وهو الأصح كذا في الكافي والمجتبى ا هـ‏.‏ فافهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بالنصب صفة نصف‏)‏ تبع في ذلك النهر، وفيه أن فلوسا اسم جامد غير مؤول فالمناسب أنه تمييز للعدد أو عطف بيان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من الفضة صغيرا‏)‏ الأولى أن يقول كما في النهاية وغيرهما درهما صغيرا يساوي نصفا إلا حبة وبه تظهر المقابلة لقوله كبيرا وعبارة الدرر أي ما ضرب من الفضة على وزن نصف درهم ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ والأولى أن يقول على وزن نصف درهم إلا حبة؛ لأن العادة ما يضرب من أنصاف الدرهم أو أرباعه نقص مجموعها عن الدرهم الكامل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بمثله‏)‏ أي مبيعا بمثله من الدرهم الكبير‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو كرر لفظ نصف‏)‏ بأن قال اعطني بنصف فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة، فعندهما جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي من النصف الآخر؛ لأنه ربا‏:‏ وعلى قياس قول الإمام بطل في الكل؛ لأن الصفقة متحدة والفساد قوي مقارن للعقد، ولو كرر لفظ الإعطاء بأن قال واعطني بنصفه نصفا إلا حبة اختص الفساد بالنصف الآخر اتفاقا؛ لأنهما بيعان لتعدد الصفقة‏.‏ وهذا هو المختار وتمامه في الفتح‏.‏ والحاصل أنه في صورة المتن صح البيع اتفاقا، وفي صورة الشرح فسد في الكل عنده، وفي الفضة فقط عندهما، وفي الأخيرة جاز في الفلوس فقط كما في البحر‏:‏ قال ولم يذكر المصنف القبض قبل الافتراق للعلم مما قدمه‏.‏ وحاصله إن تفرقا قبل القبض فسد في النصف إلا حبة لكونه صرفا لا في الفلوس؛ لأنها بيع، فيكفي قبض أحد البدلين، ولو لم يعطه الدراهم ولم يأخذ الفلوس حتى افترقا بطل في الكل للافتراق عن دين بدين ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبما تقرر‏)‏ أي من أول البيوع إلى هنا ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مبيع بكل حال‏)‏ أي قوبل بجنسه أو لا دخلت عليه الهاء أو لا‏.‏

مطلب في بيان ما يكون مبيعا وما يكون ثمنا

وقد يقال في بيع المقايضة كل من السلعتين مبيع من وجه وثمن من وجه ط‏.‏ قلت‏:‏ المراد بالثمن هنا ما يثبت دينا في الذمة وهذا ليس كذلك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كالمثليات‏)‏ أي غير النقدين وهي المكيل والموزون والعددي المتقارب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإن اتصل بها الباء فثمن‏)‏ هذا إذا كانت غير متعينة ولم تقابل بأحد النقدين كبعتك هذا العبد بكر حنطة، أما لو كانت متعينة وقوبلت بنقد فهي مبيعة كما في درر البحار أول البيوع‏.‏ وفي الشرنبلالية في فصل التصرف في المبيع معزيا للفتح‏:‏ لو قوبلت بالأعيان وهي معينة فثمن ا هـ‏.‏ أي كبعتك هذا العبد بهذا الكر أو هذا الكر بهذا العبد؛ لأنه لم يقيده بدخول الباء عليها‏.‏ وفي الفتح هذا وإن لم تعين‏:‏ أي المثليات، فإن صحبها حرف الباء وقابلها مبيع فهي ثمن، أي وإن لم يصحبها حرف الباء ولم يقابلها ثمن فهي مبيعة، وهذا لأن الثمن ما يثبت في الذمة دينا عند المقابلة ا هـ‏.‏ فالأول كما مثلنا والثاني كقولك اشتريت منك كر حنطة بهذا العبد فيكون الكر مبيعا ويشترط له شرائط السلم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا فمبيع‏)‏ أي وإن لم يصحبها الباء فهي مبيع، وهذا إذا لم يقابلها ثمن وهي غير متعينة كما علمته من كلام الفتح وتكون سلما كما قلنا، وكذا لو قابلها ثمن بالأولى كاشتريت منك كر حنطة بمائة درهم، وكذا لو كانت متعينة وقوبلت بثمن كما علمت من عبارة درر البحار‏.‏ والحاصل أن المثليات تكون ثمنا إذا دخلتها الباء ولم تقابل بثمن‏:‏ أي بأحد النقدين سواء تعينت أو لا، وكذا إذا لم تدخلها الباء ولم تقابل بثمن وتعينت، وتكون مبيعا إذا قوبلت بثمن مطلقا‏:‏ أي سواء دخلتها الباء أو لا تعينت أو لا، وكذا إذا لم تقابل بثمن ولم يصحبها الباء ولم تعين كبعتك كر حنطة بهذا العبد كما علم من عبارة الفتح الثانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأما الفلوس الرائجة‏)‏ يستفاد من البحر أنها قسم رابع حيث قال‏:‏ وثمن بالاصطلاح، وهو سلعة في الأصل كالفلوس، فإن كانت رائجة فهي ثمن وإلا فسلعة ا هـ‏.‏ ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويصح الاستبدال به في غير الصرف والسلم‏)‏ الأولى أن يقول ويصح التصرف به قبل قبضه في غير الصرف والسلم؛ لأن الاستبدال يصح في بدل الصرف؛ لأنه لا يتعين بالتعيين فلو تبايعا دراهم بدينار جاز أن يمسكا ما أشار إليه في العقد يؤديا بدله قبل الافتراق بخلاف التصرف به ببيع ونحوه قبل قبضه كما مر في بابه وأوضحنا ذلك في باب السلم فراجعه‏.‏ قال في الشرنبلالية في باب التصرف في المبيع، قوله جاز التصرف في الثمن قبل قبضه، يستثنى منه بدل الصرف والسلم؛ لأن للمقبوض من رأس مال السلم حكم عين المبيع والاستبدال بالمبيع قبل قبضه لا يجوز، وكذا في الصرف، ويصح التصرف في القرض قبل قبضه على الصحيح‏:‏ والمراد بالتصرف نحو البيع والهبة والإجارة والوصية وسائر الديون كالثمن ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهكذا‏)‏ أي وتقول هكذا في عكس باقي الأحكام المذكورة في الثمن بأن تقول ويبطل البيع بهلاكه ولا يصح الاستبدال به‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومن حكمهما‏)‏ أي حكم الثمن والمبيع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما تقرر‏)‏ أي في باب الربا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ تذنيب‏)‏ شبه هذه المسائل التي ذكرها في آخر كتاب البيوع بذنب الحيوان المتصل بعجزه وجعل ذكرها في آخره بمنزلة تعليق الذنب في عجز الحيوان وفيه استعارة لا تخفى‏.‏

مطلب في بيع العينة

‏(‏قوله‏:‏ في بيع العينة‏)‏ اختلف المشايخ في تفسير العينة التي ورد النهي عنها‏.‏ قال بعضهم‏:‏ تفسيرها أن يأتي الرجل المحتاج إلى آخر ويستقرضه عشرة دراهم ولا يرغب المقرض في الإقراض طمعا في فضل لا يناله بالقرض فيقول لا أقرضك، ولكن أبيعك هذا الثوب إن شئت باثني عشر درهما وقيمته في السوق عشرة ليبيعه في السوق بعشرة فيرضى به المستقرض فيبيعه كذلك، فيحصل لرب الثوب درهما وللمشتري قرض عشرة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ هي أن يدخلا بينهما ثالثا فيبيع المقرض ثوبه من المستقرض باثني عشر درهما ويسلمه إليه ثم يبيعه المستقرض من الثالث بعشرة ويسلمه إليه ثم يبيعه الثالث من صاحبه وهو المقرض بعشرة ويسلمه إليه، ويأخذ منه العشرة ويدفعها للمستقرض فيحصل للمستقرض عشرة ولصاحب الثوب عليه اثنا عشر درهما، كذا في المحيط، وعن أبي يوسف‏:‏ العينة جائزة مأجور من عمل بها، كذا في مختار الفتاوى هندية‏.‏ وقال محمد‏:‏ هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا‏.‏ وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ذللتم وظهر عليكم عدوكم» قال في الفتح‏:‏ ولا كراهة فيه إلا خلاف الأولى لما فيه من الإعراض عن مبرة القرض ا هـ‏.‏ ط ملخصا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويأتي متنا في الكفالة‏)‏ وإنما نبه على ذكره هنا؛ لأنه من أقسام البيوعات، ونبه على أن بيانه سيأتي في الكفالة‏.‏

مطلب في بيع التلجئة

‏(‏قوله‏:‏ وبيع التلجئة‏)‏ هي ما ألجئ إليه الإنسان بغير اختياره، وذلك أن يخاف الرجل السلطان فيقول لآخر إني أظهر أني بعت داري منك، وليس ببيع في الحقيقة وإنما هو تلجئة ويشهد على ذلك مغرب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بل كالهزل‏)‏ أي في حق الأحكام والهزل كما في المنار هو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له ولا ما يصلح اللفظ له استعارة، وهو ضد الجد‏:‏ وهو أن يراد ما وضع له أو ما صلح أنه ينافي اختيار الحكم والرضا به، ولا ينافي الرضا بالمباشرة واختيار المباشرة فصار بمعنى خيار الشرط في البيع، وشرطه أن يكون صريحا مشروطا باللسان‏:‏ أي بأن يقول إني أبيع هازلا إلا أنه يشترط ذكره في العقد، بخلاف خيار الشرط ا هـ‏.‏ فالهزل أعم من التلجئة؛ لأنه يجوز أن لا يكون مضطرا إليه وأن يكون سابقا ومقارنا، والتلجئة إنما تكون عن اضطرار ولا تكون مقارنة كذا قيل، والأظهر أنهما سواء في الاصطلاح كما قال فخر الإسلام‏:‏ التلجئة هي الهزل، وكذا في جامع الأسرار على المنار للكاكي، ثم اعلم أن التلجئة تكون في الإنشاء وفي الإخبار كالإقرار، وفي الاعتقاد كالردة والأول قسمان‏:‏ ما يحتمل الفسخ وما لا كالطلاق والعتاق، وقد بسط ذلك كله في المنار، والغرض الآن بيان الإنشاء المحتمل للفسخ كالبيع وهو ثلاثة أقسام؛ لأنه إما أن يكون الهزل في أصل العقد، أو في قدر الثمن، أو جنسه‏.‏ قال في المنار فإن تواضعا على الهزل بأصل البيع واتفقا على البناء‏:‏ أي بناء العقد على المواضعة يفسد البيع لعدم الرضا بالحكم فصار كالبيع بشرط الخيار المؤبد أي فلا يملك بالقبض وإن اتفقا على الإعراض‏:‏ أي بأن قالا بعد البيع قد أعرضنا وقت البيع عن الهزل إلى الجد فالبيع صحيح والهزل باطل، وإن اتفقا على أنه لم يحضرهما شيء عند البيع من البناء والإعراض أو اختلفا في البناء على المواضعة والإعراض عنها فالعقد صحيح عنده في الحالين خلافا لهما، فجعل صحة الإيجاب أولى؛ لأنها الأصل، وهما اعتبرا المواضعة إلا أن يوجد ما يناقضها‏:‏ أي كما إذا اتفقا على البناء وإن كان ذلك أي المواضعة في القدر‏:‏ أي بأن اتفقا على الجد في العقد بألف لكنهما تواضعا على البيع بألفين على أن أحدهما هزل، فإن اتفقا على الإعراض عن المواضعة كان الثمن ألفين لبطلان الهزل بإعراضهما، وإن اتفقا على أنه لم يحضرهما شيء من البناء والمواضعة أو اختلفا فالهزل باطل والتسمية للألفين صحيحة عنده، وعندهما العمل بالمواضعة واجب والألف الذي هزلا به باطل، لما مر أن الأصل عنده الجد، وعندهما المواضعة؛ وإن اتفقا على البناء على المواضعة فالثمن ألفان عنده، وإن كان ذلك الهزل في الجنس‏:‏ أي جنس الثمن بأن تواضعا على مائة دينار وإنما الثمن مائة درهم أو بالعكس فالبيع جائز بالمسمى في العقد على كل حال بالاتفاق‏:‏ أي سواء اتفقا على البناء أو على الإعراض، أو على عدم حضور شيء منهما، أو اختلفا فيهما ا هـ‏.‏ موضحا من شرح الشارح عليه‏.‏ ومن حواشينا على شرحه المسماة بنسمات الأسحار على إفاضة الأنوار، وتمام بيان ذلك مبسوط فيها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أن الأقسام ثمانية وسبعون‏)‏ قال في التلويح‏:‏ لأن المتعاقدين إما أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا فالاتفاق إما على إعراضها، وإما على بنائهما، وإما على ذهولهما، وإما على بناء أحدهما وإعراض الآخر أو ذهوله، وإما على إعراض أحدهما وذهول الآخر، فصور الاتفاق ستة؛ وإن اختلفا فدعوى أحد المتعاقدين تكون، إما إعراضهما، وإما بناؤهما، وإما ذهولهما، وإما بناؤه مع إعراض الآخر أو ذهوله، وإما إعراضه مع بناء الآخر أو ذهوله، وإما ذهوله مع بناء الآخر أو إعراضه تصير تسعة، وعلى كل تقدير من التقادير التسعة يكون اختلاف الخصم بأن يدعي إحدى الصور الثمانية الباقية فتصير أقسام الاختلاف اثنين وسبعين من ضرب التسعة في الثمانية ا هـ‏.‏ وهي مع الست صور الاتفاق ثمانية وسبعون‏.‏ قلت‏:‏ وقد أوصلتها في حاشيتي على شرح المنار للشارح إلى سبعمائة وثمانين، ولم أر من أوصلها إلى ذلك فراجعها هناك وامنحني بدعاك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ملخصه أنه بيع منعقد غير لازم‏)‏ لم يصرح في الخانية بذلك، وإنما ذكر أن التلجئة على ثلاثة أوجه كما قدمناه‏.‏ ثم قال في الأول‏:‏ وهو ما إذا كانت في نفس العقد لو تصادقا على المواضعة فالبيع باطل‏.‏ وعنه في رواية أنه جائز‏.‏ ولو تصادقا أن البيع كان تلجئة ثم أجازاه صحت الإجازة، كما لو تبايعا هزلا ثم جعلاه جدا يصير جدا، وإن أجاز أحدهما لا يصح؛ وفي بيع التلجئة إذا قبض المشتري العبد المشترى وأعتقه لا يجوز إعتاقه، وليس هذا كبيع المكره؛ لأن بيع التلجئة هزل، وذكر في الأصل أن بيع الهازل باطل، أما بيع المكره ففاسد ا هـ‏.‏ ملخصا، ولعل الشارح فهم أنه منعقد غير لازم من قوله ثم أجازاه صحت الإجازة، لكن ينافيه التصريح بأنه باطل، فإن أريد بالباطل الفاسد نافاه التصريح بأنه إذا قبض العبد لا يصح إعتاقه‏:‏ أي لأنه لا يملك بالقبض كما مر مع أن الفاسد يملك به‏.‏ وقد يقال إن صحة الإجازة مبنية على أنها تكون بيعا جديدا فلا تنافي كونه باطلا، وحينئذ فلا يصح قوله إنه بيع منعقد غير لازم، إلا أن يجاب بأن قوله باطل‏:‏ بمعنى أنه قابل للبطلان عند عدم الإجازة، والأحسن ما أجبنا به في أول البيوع من أنه فاسد كما صرح به الأصوليون؛ لأن الباطل ما ليس منعقدا أصلا وهذا منعقد بأصله؛ لأنه مبادلة مال بمال دون وصفه لعدم الرضا بحكمه كالبيع بشرط الخيار أبدا ولذا لم يملك بالقبض، وليس كل فاسد يملك بالقبض، كما لو اشترى الأب شيئا من ماله لطفله أو باعه له كذلك فاسدا لا يملكه بالقبض حتى يستعمله كما في المحيط وقدمنا هناك تمام الكلام على ذلك، والله تعالى هو الموفق للصواب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو ادعى أحدهما إلخ‏)‏ هذا أيضا مذكور في الخانية سوى قوله ولو لم تحضرهما نية إلخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فالقول لمدعي الجد‏)‏ لأنه الأصل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو برهن أحدهما قبل‏)‏ الأظهر قول الخانية‏:‏ ولو برهن مدعي التلجئة قبل؛ لأن مدعي الجد لا يحتاج إلى برهان كما علمت؛ لأن البرهان يثبت خلاف الظاهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فالتلجئة‏)‏ أي لأنها خلاف الظاهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فالبيع باطل‏)‏ أي فاسد كما علمت، فإن نقضه أحدهما انتقض لا إن أجازه‏:‏ أي بل يتوقف على إجازتهما جميعا؛ لأنه كخيار الشرط لهما وإن أجازه جاز بقيد كونها في ثلاثة أيام عنده ومطلقا عندهما، كذا في التحرير‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا‏)‏ بأن اتفقا بعد البيع على أنهما أعرضا وقته عن المواضعة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو لم تحضرهما نية فباطل إلخ‏)‏ مثله في المؤيدية عن الغنية حيث قال‏:‏ وإن تصادقا على أنهما لم تحضرهما نية عند العقد ففي ظاهر الجواب البيع باطل‏.‏ وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أن البيع صحيح ا هـ‏.‏ والأول قولهما كما مر عن المنار، ورجحه أيضا المحقق ابن الهمام في التحرير، وأقره تلميذه ابن أمير حاج في شرحه وجعل المحقق مثله ما إذا اختلفا في الإعراض والبناء‏:‏ أي بأن قال أحدهما بنينا العقد على المواضعة، وقال الآخر على الجد فلا يصح أيضا عندهما‏.‏ ثم قال‏:‏ ولو قال أحدهما أعرضت والآخر لم يحضرني شيء أو بنى أحدهما وقال الآخر لم يحضرني شيء فعلى أصله عدم الحضور كالإعراض‏:‏ أي فيصح، وعلى أصلهما كالبناء أي فلا يصح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومفاده إلخ‏)‏ أي مفاده قوله وإلا فلازم، لكن إنما يتم هذا المفاد إذا قصدا إخلاء العقد عن شرط الوفاء‏.‏ أما لو لم تحضرهما نية فقد علمت أنه باطل، وهذا المفاد صرح به في جامع الفصولين حيث قال‏:‏ لو شرطا التلجئة في البيع فسد البيع، ولو تواضعا قبل البيع ثم تبايعا بلا ذكر شرط فيه جاز البيع عند أبي حنيفة إلا إذا تصادقا أنهما تبايعا على تلك المواضعة، وكذا لو تواضعا الوفاء قبل البيع ثم عقدا بلا شرط الوفاء فالعقد جائز، ولا عبرة للمواضعة السابقة ا هـ‏.‏ وفي البزازية‏:‏ وإن شرطا الوفاء ثم عقدا مطلقا إن لم يقرا بالبناء على الأول فالعقد جائز، ولا عبرة بالسابق كما في التلجئة عند الإمام، وقوله فالعقد جائز أي بناء على قول أبي حنيفة المذكور، ولا يخفى أن الشارح مشى على خلافه، وعليه فالمناسب أن يقول فالعقد غير جائز‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ذكرته هنا تبعا للدرر‏)‏ وذكره في البحر في باب خيار الشرط، وذكر فيه ثمانية أقوال، وعقد له في جامع الفصولين فصلا مستقلا هو الفصل الثامن عشر، وذكره في البزازية في الباب الرابع في البيع الفاسد، وذكر فيه تسعة أقوال، وكتب عليه أكثر من نصف كراسة‏.‏

مطلب في بيع الوفاء

ووجه تسميته بيع الوفاء أن فيه عهدا بالوفاء من المشتري بأن يرد المبيع على البائع حين رد الثمن، وبعض الفقهاء يسميه البيع الجائز، ولعله مبني على أنه بيع صحيح لحاجة التخلص من الربا حتى يسوغ المشتري أكل ريعه، وبعضهم يسميه بيع المعاملة‏.‏ ووجهه أن المعاملة ربح الدين وهذا يشتريه الدائن لينتفع به بمقابلة دينه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وصورته إلخ‏)‏ كذا في العناية، وفي الكفاية عن المحيط‏:‏ هو أن يقول البائع للمشتري بعت منك هذا العين بما لك علي من الدين على أني متى قضيته فهو لي ا هـ‏.‏ وفي حاشية الفصولين عن جواهر الفتاوى‏:‏ هو أن يقول بعت منك على أن تبيعه مني متى جئت بالثمن فهذا البيع باطل وهو رهن، وحكمه حكم الرهن وهو الصحيح ا هـ‏.‏ فعلم أنه لا فرق بين قوله على أن ترده علي أو على أن تبيعه مني‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بيع الأمانة‏)‏ وجهه أنه أمانة عند المشتري بناء على أنه رهن أي كالأمانة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بيع الإطاعة‏)‏ كذا في عامة النسخ، وفي بعضها بيع الطاعة، وهو المشهور الآن في بلادنا، وفي المصباح‏:‏ أطاعه إطاعة‏:‏ أي انقاد له، وأطاعه طوعا من باب قال لغة، وانطاع له انقاد‏.‏ قالوا‏:‏ ولا تكون الطاعة إلا عن أمر كما أن الجواب لا يكون إلا عن قول، يقال أمره فأطاع ا هـ‏.‏ ووجهه حينئذ أن الدائن يأمر المدين بيع داره مثلا بالدين فيطيعه فصار معناه بيع الانقياد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قيل هو رهن‏)‏ قدمنا آنفا عن جواهر الفتاوى أنه الصحيح‏.‏ قال في الخيرية‏:‏ والذي عليه الأكثر أنه رهن لا يفترق عن الرهن في حكم من الأحكام‏.‏ وقال السيد الإمام‏:‏ قلت‏:‏ للإمام الحسن الماتريدي‏:‏ قد فشا هذا البيع بين الناس، وفيه مفسدة عظيمة، وفتواك أنه رهن وأنا أيضا على ذلك فالصواب أن نجمع الأئمة ونتفق على هذا ونظهره بين الناس، فقال المعتبر اليوم فتوانا، وقد ظهر ذلك بين الناس فمن خالفنا فليبرز نفسه وليقم دليله ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وبه صدر في جامع الفصولين فقال رامزا لفتاوى النسفي‏:‏ البيع الذي تعارفه أهل زماننا احتيالا للربا وسموه بيع الوفاء هو رهن في الحقيقة لا يملكه ولا ينتفع به إلا بإذن مالكه، وهو ضامن لما أكل من ثمره وأتلف من شجره ويسقط الدين بهلاكه لو بقي ولا يضمن الزيادة وللبائع استرداده إذا قضى دينه لا فرق عندنا بينه وبين الرهن في حكم من الأحكام ا هـ‏.‏ ثم نقل ما مر عن السيد الإمام‏.‏ وفي جامع الفصولين‏:‏ ولو بيع كرم بجنب هذا الكرم فالشفعة للبائع لا للمشتري؛ لأن بيع المعاملة وبيع التلجئة حكمهما حكم الرهن وللرهن حق الشفعة وإن كان في يد المرتهن ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقيل بيع يفيد الانتفاع به‏)‏ هذا محتمل لأحد قولين، الأول أنه بيع صحيح مفيد لبعض أحكامه من حل الانتفاع به إلا أنه لا يملك بيعه‏:‏ قال الزيلعي في الإكراه وعليه الفتوى‏.‏ الثاني القول الجامع لبعض المحققين أنه فاسد في حق بعض الأحكام، حتى ملك كل منها الفسخ صحيح في حق بعض الأحكام‏:‏ كحل الإنزال ومنافع المبيع، ورهن في حق البعض حتى لم يملك المشتري بيعه من آخر ولا رهنه وسقط الدين بهلاكه فهو مركب من العقود الثلاثة كالزرافة فيها صفة البعير والبقر والنمر جوز لحاجة الناس إليه بشرط سلامة البدلين لصاحبهما‏:‏ قال في البحر‏:‏ وينبغي أن لا يعدل في الإفتاء عن القول الجامع وفي النهر والعمل في ديارنا على ما رجحه الزيلعي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لم يكن رهنا‏)‏ لأن كلا منها عقد مستقل شرعا لكل منهما أحكام مستقلة ا هـ‏.‏ درر ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم إن ذكرا الفسخ فيه‏)‏ أي شرطاه فيه وبه عبر في الدرر ط وكذا في البزازية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو قبله‏)‏ الذي في الدرر بدل هذا أو تلفظا بلفظ البيع بشرط الوفاء ا هـ‏.‏ ط ومثله في البزازية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ جاز‏)‏ مقتضاه أنه بيع صحيح بقرينة مقابلته لقوله كان بيعا فاسدا، والظاهر أنه مبني على قولهما بأن ذكر الشرط الفاسد بعد العقد لا يفسد العقد فلا ينافي ما بعده عن الظهيرية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولزم الوفاء به‏)‏ ظاهره أنه لا يلزم الورثة بعد موته كما أفتى به ابن الشلبي معللا بانقطاع حكم الشرط بموته؛ لأنه بيع فيه إقالة وشرطها بقاء المتعاقدين؛ ولأنه بمنزلة خيار الشرط وهو لا يورث ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا ظاهر على هذا القول بأنه بيع صحيح لا يفسده الشرط اللاحق فلا ينافي ما يأتي عن الشرنبلالية‏.‏ هذا وفي الخيرية فيما لو أطلق البيع ولم يذكر الوفاء إلا أنه عهد إلى البائع أنه إن أوفى مثل الثمن يفسخ البيع معه أجاب‏:‏ هذه المسألة اختلف فيها مشايخنا على أقوال‏.‏ ونص في الحاوي الزاهدي أن الفتوى في ذلك أن البيع إذا أطلق ولم يذكر فيه الوفاء إلا أن المشتري عهد إلى البائع أنه إن أوفى مثل ثمنه فإنه يفسخ معه البيع يكون باتا حيث كان الثمن ثمن المثل أو بغبن يسير ا هـ‏.‏ وبه أفتى في الحامدية أيضا، فلو كان بغبن فاحش مع علم البائع به فهو رهن، وكذا لو وضع المشتري على أصل المال ربحا، أما لو كان بمثل الثمن أو بغبن يسير بلا وضع ربح فبات؛ لأنا إنما نجعله رهنا بظاهر حاله أنه لا يقصد البات عالما بالغبن أو مع وضع الربح أفاده في البزازية وذكر أنه مختار أئمة خوارزم، وذكر في موضع آخر أنه لو آجره من البائع قال صاحب الهداية‏:‏ الإقدام على الإجارة بعد البيع دل على أنهما قصدا بالبيع الرهن لا البيع فلا يحل للمشتري الانتفاع به ا هـ‏.‏ واعترضه في نور العين بأن دلالة ذلك على قصد حقيقة البيع أظهر‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر، فإن العادة الفاشية قاضية بقصد الوفاء كما في وضع الربح على الثمن ولا سيما إذا كانت الإجارة من البائع مع الربح أو نقص الثمن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأن المواعيد قد تكون لازمة‏)‏ قال في البزازية في أول كتاب الكفالة إذ كفل معلقا بأن قال‏:‏ إن لم يؤد فلان فأنا أدفعه إليك ونحوه يكون كفالة لما علم أن المواعيد باكتساء صور التعليق تكون لازمة فإن قوله أنا أحج لا يلزم به شيء ولو علق وقال إن دخلت الدار فأنا أحج يلزم الحج‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بزيادة وفي الظهيرة إلخ‏)‏ يعني أن ابن ملك أقره أيضا وزاد عليه قوله وفي الظهيرية إلخ أي مقترنا بهذه الزيادة فلفظ زيادة مصدر وما بعده جملة أريد بها لفظها في محل نصب مفعول المصدر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ يلتحق بالعقد عند أبي حنيفة‏)‏ فيصير بيع الوفاء كأنه شرط في العقد فيأتي فيه خلاف أنه رهن أو بيع فاسد أو بيع صحيح في بعض الأحكام، وقدمنا في البيع الفاسد ترجيح قولهما بعدم التحاق الشرط المتأخر عن العقد به‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولم يذكر أنه في مجلس العقد أو بعده‏)‏ أي فيفهم أنه لا يشترط له المجلس، وفي جامع الفصولين اختلف فيه المشايخ، والصحيح أنه لا يشترط ا هـ‏.‏ ومثله في البزازية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو باعه‏)‏ أي البائع، وقوله توقف إلخ أي على القول بأنه رهن، وهل يتوقف على بقية الأقوال المارة، محل تردد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فللبائع أو ورثته حق الاسترداد‏)‏ أي على القول بأنه رهن، وكذا على القولين القائلين بأنه بيع يفيد الانتفاع به فإنه لا يملك بيعه كما قدمناه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأفاد في الشرنبلالية إلخ‏)‏ ذكره بحثا وقوله نظرا لجانب الرهن يفيد أنه لا يخالف ما قدمناه عن ابن الشلبي فافهم، وهذا البحث مصرح به في البزازية حيث قال في القول الأول إنه رهن حقيقة، باع كرمه وفاء من آخر وباعه المشتري بعد قبضه من آخر باتا وسلمه وغاب فللبائع الأول استرداده من الثاني؛ لأن حق الحبس وإن كان للمرتهن، لكن يد الثاني مبطلة فللمالك أخذ ملكه من المبطل فإذا حضر المرتهن أعاد يده فيه حتى يأخذ دينه، وكذا إذا مات البائع والمشتري الأول والثاني فلورثة البائع الأول الأخذ من ورثة المشتري الثاني ولورثة المرتهن إعادة يدهم إلى قبض دينه ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يلزم الأجر إلخ‏)‏ أفتى به في الحامدية تبعا للخيرية فإنه قال في الخيرية‏:‏ ولا تصح الإجارة المذكورة ولا تجب فيها الأجرة على المفتى به سواء كانت بعد قبض المشتري الدار أم قبله‏.‏

مطلب باع داره وفاء ثم استأجر

قال في النهاية‏:‏ سئل القاضي الإمام الحسن الماتريدي عمن باع داره من آخر بثمن معلوم بيع الوفاء وتقابضا ثم استأجرها من المشتري مع شرائط صحة الإجارة وقبضها ومضت المدة هل يلزمه الأجر فقال لا؛ لأنه عندنا رهن والراهن إذا استأجر الرهن من المرتهن لا يجب الأجر ا هـ‏.‏ وفي البزازية‏:‏ فإن أجر المبيع وفاء من البائع، فمن جعله فاسدا قال لا تصح الإجارة ولا يجب شيء، ومن جعله رهنا كذلك، ومن أجازه جوز الإجارة من البائع وغيره وأوجب الأجرة، وإن آجره من البائع قبل القبض‏.‏ أجاب صاحب الهداية أنه لا يصح، واستدل بما لو آجر عبدا اشتراه قبل قبضه أنه لا تجب الأجرة، وهذا في البات فما ظنك بالجائز ا هـ‏.‏ فعلم به أن الإجارة قبل التقابض لا تصح على قول من الأقوال الثلاثة ا هـ‏.‏ ما في الخيرية‏.‏ وفيها أيضا‏:‏ وأما إذا آجره المشتري وفاء بإذن البائع فهو كإذن الراهن للمرتهن بذلك، وحكمه أن الأجرة للراهن وإن كان بغير إذنه يتصدق بها أو يردها على الراهن المذكور وهو أولى صرح به علماؤنا ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وإذا آجره بإذنه يبطل الرهن كما ذكره في حاشيته على الفصولين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو للبناء وحده‏)‏ أي ولو كان البيع وفاء للبناء وحده كالقائم في الأرض المحتكرة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فهي صحيحة‏)‏ أي بناء على القول بجواز البيع كما علمت فإنه يملك الانتفاع به، وقد علمت ترجيح القول بأنه رهن وأنه لا تصح إجارته من البائع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لازمة للبائع‏)‏ اللام بمعنى على‏:‏ أي على البائع، أو للتقوية لكن العامل اسم فاعل فهي زائدة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعليه‏)‏ أي على القول بصحة الإجارة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بلزوم أجر المثل‏)‏ هذا مشكل، فإن من آجر ملكه مدة ثم انقضت وبقي المستأجر ساكنا لا يلزمه أجرة إلا إذا طالبه المالك بالأجرة فإذا سكن بعد المطالبة يكون قبولا للاستئجار كما ذكروه في محله، وهذا في الملك الحقيقي فما ظنك في المبيع وفاء مع كون المستأجر هو البائع، نعم قالوا بلزوم الأجرة في الوقف ومال اليتيم والمعد للاستغلال ولعل ما ذكره مبني على أنه صار معدا للاستغلال بذلك الإيجار كما يشير إليه قوله ويسمونه بيع الاستغلال، وفيه نظر فليتأمل‏.‏ وعلى كل فهذا مبني على خلاف الراجح كما علمت‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ واختلف في المنقول‏)‏ قال في البزازية بعد كلام‏:‏ ولهذا لم يصح بيع الوفاء في المنقول وصح في العقار باستحسان بعض المتأخرين‏.‏ ثم قال في موضع آخر‏:‏ وفي النوازل جوز الوفاء في المنقول أيضا ا هـ‏.‏ والظاهر أن الخلاف فيه على القول بجواز البيع كما يفيده قوله وصح في العقار إلخ، أما على القول بأنه رهن فينبغي عدم الخلاف في صحته‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ القول لمدعي الجد والبتات‏)‏ لأنه الأصل في العقود‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا بقرينة‏)‏ هي ما يأتي من نقصان الثمن كثيرا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أن القول لمدعي الوفاء‏)‏ في جامع الفصولين برمز شيخ الإسلام برهان الدين‏:‏ ادعى البائع وفاء والمشتري باتا أو عكسا، فالقول لمدعي البات، وكنت أفتي في الابتداء أن القول لمدعي الوفاء، وله وجه حسن إلا أن أئمة بخارى هكذا أجابوا فوافقتهم ا هـ‏.‏ وفي حاشيته للرملي بعد كلام نقله عن الخانية وغيرها، قال فظهر به وبقوله كنت أفتي إلخ أن المتعمد في المذهب أن القول لمدعي البات منهما وأن البينة بينة مدعي الوفاء منهما‏.‏مطلب قاضي خان من أهل التصحيح والترجيح

وقد ذكر المسألة في جواهر الفتاوى وذكر فيها اختلافا كثيرا واختلاف تصحيح، ولكن عليك بما في الخانية فإن قاضي خان من أهل التصحيح والترجيح ا هـ‏.‏ وبهذا أفتى في الخيرية أيضا‏.‏ قلت‏:‏ لكن قوله هنا استحسانا يقتضي ترجيح مدعي الوفاء فينبغي تقييده بقيام القرينة ثم راجعت عبارة الملتقط فرأيته ذكر الاستحسان في مسألة الاختلاف في البينة، فإنه قال في الشهادات‏:‏ وإن ادعى أحدهما بيعا باتا والآخر بيع الوفاء وأقاما البينة كانوا يفتون أن البات أولى ثم أفتوا أن بيع الوفاء أولى وهذا استحسان ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن كلام الشارح في الاختلاف في القول مع أنه في الملتقط قال في البيوع‏:‏ لو قال المشتري اشتريته باتا وقال البائع بعته بيع الوفاء فالقول قول من يدعي البتات، وكان يفتي فيما مضى أن القول قول الآخر وهو القياس ا هـ‏.‏ فتحصل من عبارتي الملتقط أن الاستحسان في الاختلاف في البينة ترجيح بينة الوفاء وفي الاختلاف في القول ترجيح قول مدعي البتات، وهذا الذي حرره الرملي فيما مر فتدبر‏.‏ وبه ظهر أن ما ذكره الشارح سبق قلم فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو قال البائع إلخ‏)‏ هذه العبارة بعينها ذكرها في الملتقط عقب عبارته التي ذكرناها عنه في البيوع وهي تفيد تقييد الاستحسان، وهو كون القول لمدعي البتات بما إذا لم تقم القرينة على خلافه، وهذا مؤيد لما بحثناه آنفا ولكن في التعبير مساهلة، فإنه كان ينبغي أن يقول ولو قال المشتري اشتريت باتا إلخ؛ لأنه هو الذي يدعي البتات عند نقصان الثمن كثيرا بخلاف البائع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا أن يدل على الوفاء بنقصان الثمن كثيرا‏)‏ وهو ما لا يتغابن فيه الناس جامع الفصولين‏.‏ قلت‏:‏ وينبغي أن يزاد هنا ما مر في الوعد بالوفاء بعد البيع من أنه لو وضع على المال ربحا يكون ظاهرا في أنه رهن، وما قاله صاحب الهداية من أن الإقدام على الإجارة بعد البيع دل على أنهما قصدا بالبيع الرهن لا البيع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا أن يدعي‏)‏ أي مع البرهان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي الأشباه إلخ‏)‏ المقصود من هذه العبارة بيان حكم العرف العام والخاص، وأن العام معتبر ما لم يخالف نصا، وبه يعلم حكم بيع الوفاء وبيع الخلو لابتنائهما على العرف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بالنصف‏)‏ أي نصف ما ينسجه أجرة على النسج‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم نقل‏)‏ أي صاحب الأشباه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والفتوى على جواب الكتاب‏)‏ أي المبسوط للإمام محمد وهو المسمى بالأصل؛ لأنه مذكور في صدر عبارة الأشباه أفاده ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للطحان‏)‏ أي لمسألة قفيز الطحان، وهي كما في البزازية أن يستأجر رجلا ليحمل له طعاما أو يطحنه بقفيز منه فالإجارة فاسدة، ويجب أجر المثل لا يتجاوز به المسمى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنه منصوص‏)‏ أي عدم الجواز منصوص عليه بالنهي عن قفيز الطحان ودفع الغزل إلى حائك في معناه‏.‏ قال البيري‏:‏ والحاصل أن المشايخ أرباب الاختيار اختلفوا في الإفتاء في ذلك‏.‏ قال في العتابية‏:‏ قال أبو الليث النسيج بالثلث والربع لا يجوز عند علمائنا، لكن مشايخ بلخ استحسنوه وأجازوه لتعامل الناس، قال وبه نأخذ‏.‏ قال السيد الإمام الشهيد‏:‏ لا نأخذ‏:‏ باستحسان مشايخ بلخ وإنما نأخذ بقول أصحابنا المتقدمين؛ لأن التعامل في بلد لا يدل على الجواز ما لم يكن على الاستمرار من الصدر الأول فيكون ذلك دليلا على تقرير النبي صلى الله عليه وسلم إياهم على ذلك فيكون شرعا منه، فإذا لم يكن كذلك لا يكون فعلهم حجة إلا إذا كان كذلك من الناس كافة في البلدان كلها فيكون إجماعا والإجماع حجة، ألا ترى أنهم لو تعاملوا على بيع الخمر والربا لا يفتى بالحل ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفيها‏)‏ أي في البزازية وهو من كلام الأشباه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فرارا من الربا‏)‏ لأن صاحب المال لا يقرض إلا بنفع والمستقرض محتاج فأجازوا ذلك لينتفع المقرض بالمبيع وتعارفه الناس، لكنه مخالف للنهي عن بيع وشرط، فلذا رجحوا كونه رهنا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فأقول على اعتباره إلخ‏)‏ قدمنا الكلام على مسألة الخلو أول البيوع فراجعه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا أقول إلخ‏)‏ قدمنا أيضا هناك الكلام على هذه المسألة، وذكرنا أيضا عن الحموي أن ما نقله عن واقعات الضريري ليس فيه لفظ الخلو، وبسطنا الكلام هناك فراجعه فإنه تكفل بالمقصود، والحمد لله ذي الفضل والجود‏.‏