فصل: كتاب الحوالة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


كتاب الحوالة

كل من الحوالة والكفالة عقد التزام ما على الأصيل للتوثق، إلا أن الحوالة تتضمن إبراء الأصيل إبراء مقيدا كما سيجيء، فكانت كالمركب مع المفرد، والثاني مقدم فلزم تأخير الحوالة‏.‏ نهر ‏(‏قوله هي لغة النقل‏)‏ أي مطلقا لدين أو عين، وهي اسم من الإحالة، ومنه يقال‏:‏ أحلت زيدا على عمرو، فاحتال‏:‏ أي قبل‏.‏ وفي المغرب تركيب الحوالة يدل على الزوال والنقل ومنه التحويل، وهو نقل الشيء من محل إلى محل، وتمامه في الفتح ‏(‏قوله وشرعا‏:‏ نقل الدين إلخ‏)‏ أي مع المطالبة، وقيل‏:‏ نقل المطالبة فقط، ونسب الزيلعي الأول إلى أبي يوسف والثاني إلى محمد‏.‏ وجه الأول دلالة الإجماع، على أن المحتال لو أبرأ المحال عليه من الدين أو وهبه منه صح، ولو أبرأ المحيل أو وهبه لم يصح، وحكى في المجمع خلاف محمد في الثانية، ووجه الثاني دلالة الإجماع أيضا، على أن المحيل إذا قضى دين الطالب قبل أن يؤدي المحتال عليه لا يكون متطوعا، ويجبر على القبول، وكذا المحتال لو أبرأ المحال عليه عن دين الحوالة لا يرتد بالرد، ولو وهبه منه ارتد، كما لو أبرأ الطالب الكفيل أو وهبه ولو انتقل الدين إلى ذمته لما اختلف حكم الإبراء والهبة، وكذا المحال لو أبرأ المحال عليه لم يرجع على المحيل، وإن كانت بأمره كالكفالة، ولو وهبه رجع إن لم يكن للمحيل عليه دين، وتمامه في البحر‏.‏ وظاهره اتفاق القولين على هذه المسائل، ثم ذكر ما يفيد اتفاق القولين أيضا على عود الدين بالتوى، وعلى جبر المحال على قبول الدين من المحيل وعلى قسمة الدين بين غرماء المحيل بعد موته قبل قبض المحتال، وعلى أن إبراء المحال المحال عليه لا يرتد بالرد، وعلى أن توكيل المحال المحيل بالقبض من المحال عليه غير صحيح، وعلى أن المحتال لو وهب الدين للمحال عليه كان للمحال عليه أن يرجع على المحيل، وعلى أنها تفسخ بالفسخ وعلى عدم سقوط حق حبس المبيع فيما إذا أحاله المشتري، وكذلك لو كان عند المحتال رهن للمحيل لا يسقط حق حبسه، بخلاف ما إذا كان المحيل هو البائع على المشتري أو المرتهن على الراهن، فإنه يبطل حبس المبيع والرهن لسقوط المطالبة مع أن هذه المسائل تباين كونها نقلا للدين، ولكن اعتبرت الحوالة تأجيلا إلى التوى في بعض الأحكام وجعل النقل للمطالبة، وفي بعضها اعتبرت إبراء وجعل النقل للدين أيضا، وتمام التوجيه في البحر‏.‏ وفي الحامدية عن فتاوى قارئ الهداية إذا أحال الطالب إنسانا على مديونه وبالدين كفيل برئ المديون من دين المحيل وبرئ كفيله، ويطالب المحتال الأصيل لا الكفيل لأنه لم يضمن له شيئا لكنها براءة موقوفة وكذا إذا أحال المرتهن بدينه على الراهن بطل حقه في حبس الرهن ولا يكون رهنا عند المحتال ا هـ‏.‏ وفي هذه المسألة المرتهن هو المحيل وفيما مر هو المحتال، وعلمت وجه الفرق بينهما، ويأتي أيضا ومسألة الكفالة في البزازية وفيها‏:‏ لو أحال الكفيل الطالب بالمال على رجل برئ الأصيل والكفيل، إلا أن يشترط الطالب براءة الكفيل فقط فلا يبرأ الأصيل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والدائن محتال ومحتال له إلخ‏)‏ يعني يطلق عليه هذه الألفاظ الأربعة في الاصطلاح درر وظاهره أن اللغة بخلافه؛ ولذا قال في المعراج قولهم للمحتال المحتال له لغو؛ لأنه لا حاجة إلى هذه الصلة زاد في الفتح بل الصلة مع المحال عليه لفظة عليه فهما محتال ومحتال عليه، فالفرق بينهما بعدم الصلة وبصلة عليه ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويمكن تصحيح كلامهم؛ وذلك أن الحوالة لغة بمعنى النقل مطلقا كما مر فالمديون يدفع الطالب عن نفسه ويسلطه على غريمه، وفي الاصطلاح نقل الدين وهو من أفراد المعنى اللغوي أيضا، فعلى الأول يقال‏:‏ محتال لا غير وعلى الثاني محتال له لا غير المحيل بمعنى الناقل، والمحال عليه بمعنى المنقول عليه الدين، والدين منقول والطالب محال له‏:‏ أي منقول لأجله، ولو قيل محال بمعنى منقول لم يصح لأن المنقول هو الدين على هذا الوجه، بخلافه على الأول فإن المنقول هو ذات الطالب، وبهذا ظهر أن قولهم محتال ومحتال له مبني على اختلاف المراد في المنقول هل هو ذات الطالب أو دينه فافهم، نعم يصح على الثاني أن يقال فيه محتال بطريق المجاز‏:‏ أي محتال دينه، وبه ظهر أنه لا لغو في كلامهم، فاغتنم هذا التقرير‏.‏ ‏(‏قوله ويزاد خامس وهو حويل‏)‏ عبارة الفتح ويقال للمحتال حويل أيضا، فما ذكره الشارح نقل لعبارة الفتح بالمعنى، فافهم‏.‏ ونقل في البحر عبارة عن تلخيص الجامع فيها إطلاق الحويل على المحال عليه‏.‏ قال الرملي‏:‏ فلعله يطلق عليهما‏.‏

‏(‏قوله فالفرق بالصلة‏)‏ أي باختلافها وهي اللام في الأول، وعلى الثاني وهذا على وجودها في الأول وقد علمت وجه صحته، وأما على حذفها المفاد بقوله‏:‏ وقد تحذف فالمراد أن الفرق بالصلة وجودا وعدما كما مر عن الفتح فافهم ‏(‏قوله والحوالة شرط لصحتها إلخ‏)‏ قال في النهر‏:‏ وشرط صحتها في المحيل العقل، فلا تصح حوالة مجنون وصبي لا يعقل والرضا، فلا تصح حوالة المكره وأما البلوغ فشرط للنفاذ فصحة حوالة الصبي العاقل موقوفة على إجازة وليه وليس منها الحرية فتصح حوالة العبد مطلقا، غير أن المأذون يطالب للحال والمحجور بعد العتق، ولا الصحة فتصح من المريض‏.‏ وفي المحتال العقل والرضا وأما البلوغ فشرط النفاذ أيضا فانعقد احتيال الصبي موقوفا على إجازة وليه إن كان الثاني أملأ من الأول كاحتيال الوصي بمال اليتيم ومن شرط صحتها المجلس‏.‏ قال في الخانية‏:‏ والشرط حضرة المحتال فقط حتى لا تصح في غيبته إلا أن يقبل عنه آخر، وأما غيبة المحتال عليه فلا تمنع، حتى لو أحال عليه فبلغه فأجاز صح، وهكذا في البزازية ولا بد في قبولها من الرضا، فلو أكره على قبولها لم تصح وفي المحال به أن يكون دينا لازما فلا تصح ببدل الكتابة كالكفالة ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله رضا الكل‏)‏ أما رضا الأول فلأن ذوي المروءات قد يأنفون تحمل غيرهم ما عليهم من الدين، فلا بد من رضاه، وأما رضا المحتال فلأن فيها انتقال حقه إلى ذمة أخرى والذمم متفاوتة وأما رضا الثالث وهو المحتال عليه فلأنها إلزام الدين ولا لزوم بلا التزام درر قلت‏:‏ نقل السائحاني عن لقطة البحر إذا استدانت الزوجة النفقة بأمر القاضي لها أن تحيل على الزوج بلا رضاه ‏(‏قوله فلا يشترط على المختار‏)‏ هو رواية الزيادات قال فيها‏:‏ لأن التزام الدين من المحتال عليه تصرف في حق نفسه والمحيل لا يتضرر، بل فيه منفعة لأن المحال عليه لا يرجع إذا لم يكن بأمره درر ‏(‏قوله للرجوع عليه‏)‏ أي رجوع المحال عليه على المحيل، أو ليسقط الدين الذي للمحيل على المحال عليه كما في الزيلعي، أما بدون الرضا فلا رجوع ولا سقوط وهو محمل رواية الزيادات ‏(‏قوله لكن استظهر الأكمل إلخ‏)‏ أي في العناية وهو توفيق آخر بين روايتي الزيادات والقدوري، لكن لا بد فيه من ضميمة التوفيق الأول كما تعرفه‏.‏ ‏(‏قوله شرط ضرورة‏)‏؛ لأنها إحالة وهي فعل اختياري ولا يتصور بدون الإرادة والرضا وهو محمل رواية القدوري وقوله‏:‏ ‏"‏ إلا لا ‏"‏ أي وإن لم يكن ابتداؤها من المحيل بل من المحال عليه تكون احتيالا يتم بدون إرادة المحيل بإرادة المحال عليه ورضاه، وهو وجه رواية الزيادات عناية لكن لا يخفى أنه على الثاني لا يثبت للمحال عليه الرجوع بما أدى، ولو كان عليه للمحيل دين لا يسقط إلا برضا المحيل فرجع إلى التوفيق الأول ‏(‏قوله وأراد بالرضا القبول‏)‏ أي الذي هو أحد ركني العقد فيشترط له المجلس شطر العقد لا يتوقف على قبول غائب بل يلغو، بخلاف الرضا الذي ليس ركن عقد ‏(‏قوله فإن قبولها إلخ‏)‏ ذكر في البحر أولا أن من الشروط مجلس الحوالة وقال‏:‏ وهو شرط الانعقاد في قولهما، خلافا لأبي يوسف فإنه شرط النفاذ عنده، فلو كان المحتال غائبا عن المجلس فبلغه الخبر فأجاز لم ينعقد عندهما خلافا له والصحيح قولهما ا هـ‏.‏ ثم قال هنا‏:‏ وأراد من الرضا القبول في مجلس الإيجاب لما قدمناه أن قبولهما في مجلس الإيجاب شرط الانعقاد، وهو مصرح به في البدائع ا هـ‏.‏ وما ذكره في البحر أولا هو عبارة البدائع فقوله‏:‏ ‏"‏ لما قدمناه أن قبولهما ‏"‏ الظاهر أن الميم فيه زائدة، وأن الضمير فيه مفرد عائد للحوالة المتبادر من كلام البدائع أن اشتراط المجلس عندهما إنما هو في المحتال فقط بقرينة التفريع ويأتي قريبا ما يؤيده ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لكن في الدرر وغيرها‏)‏ أي كالخانية والبزازية والخلاصة وعبارة الخانية الحوالة تعتمد قبول المحتال له والمحال عليه، ولا تصح في غيبة المحتال له في قول أبي حنيفة ومحمد، كما قلنا في الكفالة إلا أن يقبل رجل الحوالة للغائب، ولا تشترط حضرة المحتال عليه لصحة الحوالة حتى لو أحاله على رجل غائب ثم علم الغائب فقبل صحت الحوالة ا هـ‏.‏ ومراده بالقبول في قوله تعتمد قبول‏.‏ إلخ الرضا الأعم من القبول المشروط له المجلس بقرينة آخر العبارة، ولم يذكر رضا المحيل بناء على رواية الزيادات أنه غير شرط‏.‏ فتلخص من كلامه‏:‏ أن الشرط قبول المحتال في المجلس ورضا المحال عليه ولو غائبا، وهو ما لخصه في النهر كما مر، وظاهره أن خلاف أبي يوسف في المحتال فقط فعنده لا تشترط حضرته بل يكفي رضاه كالمحال عليه، وأنه لا خلاف في المحال عليه في أن حضرته غير شرط، وبه ظهر أنه لا يصح التوفيق بحمل ما في الدرر وغيرها على قول أبي يوسف الذي هو خلاف الصحيح، بل هو محمول على قولهما المصحح فافهم‏.‏ وبما قررناه ظهر أنه لا خلاف في اشتراط الرضا الأعم، وأن الخلاف في قبول المحتال في المجلس لا في رضاه، فلا ينافي ذلك قول المصنف شرط رضا الكل بلا خلاف إلخ خلافا لما ظنه في العزمية ‏(‏قوله أو نائبه‏)‏ أي ولو فضوليا، وبه عبر في الدرر قال في الفتح‏:‏ فيتوقف أي قبول الفضولي على إجازة المحتال إذا بلغه ‏(‏قوله ورضا الباقين‏)‏ كذا في بعض النسخ بياءين ثانيتهما ياء التثنية وفي عامة النسخ بياء واحدة على أنه جمع أريد به ما فوق الواحد، ثم لا يخفى أن اشتراط رضا المحيل مبني على رواية القدوري‏:‏ وهي خلاف المختار كما قدمه فالأحسن عبارة الغرر متن الدرر وهي‏:‏ وشرط حضور الثاني إلا أن يقبل فضولي له لا حضور الباقين ا هـ‏.‏ فلم يذكر اشتراط رضاهما فيصدق بكل من الروايتين‏.‏ وقال في الدرر‏:‏ أما عدم اشتراط حضور الأول، وهو المحيل فبأن يقول رجل للدائن لك على فلان بن فلان ألف درهم فاحتل بها علي فرضي الدائن فإن الحوالة تصح حتى لا يكون له أن يرجع، وأما عدم اشتراط حضور الثالث وهو المحتال عليه فبأن يحيل الدائن على رجل غائب ثم علم الغائب فقبل صحت الحوالة، كذا في الخانية ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ فلم يذكر في هذا التصوير رضا المحيل الغائب، وذكر في الثاني رضا المحتال عليه الغائب، وذلك مبني على رواية الزيادات المختارة كما مر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتصح في الدين‏)‏ الشرط كون الدين للمحتال على المحيل، وإلا فهي وكالة لا حوالة، وأما الدين على المحال عليه فليس بشرط أفاده في البحر‏.‏ وفيه عن المحيط ولو أحال المحال عليه المحتال على آخر جاز وبرئ الأول والمال على الآخر كالكفالة من الكفيل ا هـ‏.‏ فدخل في الدين دين الحوالة كما دخل دين الكفالة، فإن الكفيل لو أحال الطالب جاز كما يأتي وفي البزازية كل دين جازت به الكفالة جازت به الحوالة وفي الهندية ما لا تجوز به الكفالة لا تجوز به الحوالة ‏(‏قوله‏:‏ المعلوم‏)‏ فلو احتال بمال مجهول على نفسه بأن قال‏:‏ احتلت بما يذوب لك على فلان لا تصح الحوالة مع جهالة المال ولا تصح الحوالة أيضا بهذا اللفظ بحر عن البزازية ‏(‏قوله‏:‏ لا في العين‏)‏ لأن النقل الذي تضمنته نقل شرعي، وهو لا يتصور في الأعيان بل المتصور فيها النقل الحسي فكانت نقلا للوصف الشرعي وهو الدين فتح قال في الشرنبلالية‏:‏ يرد عليه ما سيذكره من أنها تصح بالدراهم الوديعة إذ ليس فيها نقل الدين، وكذا الغصب على القول بأن الواجب فيه رد العين والقيمة ملخص، ودفع الإيراد بأن الحوالة الوديعة وكالة حقيقة ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ فيه نظر لما سيأتي في الحوالة المقيدة بوديعة ونحوها أنه لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه، ولا المحتال عليه دفعها للمحيل، ولا يخفى أن الوكالة حقيقة تنافي ذلك، فالصواب في دفع الإيراد أن النقل موجود؛ لأن المديون إذا أحال الدائن على المودع فقد انتقل الدين عن المديون إلى المودع وصار المودع مطالبا بالدين كأنه في ذمته فكانت حوالة بالدين لا بالعين‏.‏ نعم لو أحال المودع رب الوديعة بها على آخر كانت حوالة بالعين فلا تصح‏.‏

مطلب في حوالة الغازي وحوالة المستحق من الوقف

‏(‏قوله‏:‏ وبه عرف أن حوالة الغازي‏)‏ مصدر مضاف لفاعله أي إحالته غيره على الإمام‏.‏ وعبارة النهر وبه عرف أن الحوالة على الإمام من الغازي إلخ، ولا يخفى أن ما ذكره غير ما نحن فيه إذ كلام المصنف في بيان المكفول به فذكر أنه المال لا العين ولا الحقوق، فإذا استدان الغازي دينا من زيد ثم أحاله به على الإمام صحت الحوالة سواء قيدها بأن يعطيه الإمام من حقه من الغنيمة المحرزة أو لا؛ لأن المحال عليه لا يشترط أن يكون عليه للمحيل دين أو عين من وديعة أو غيرها، ولأن المحال به دين صحيح معلوم، فالقول بعدم صحتها ليس له وجه صحة أصلا، وهكذا يقال في المستحق إذا استدان ثم أحال الدائن على الناظر، سواء قيد الحوالة بمعلومه الذي في يد الناظر أو لا، فهي أيضا من الحوالة بالدين لا بالحقوق‏.‏ نعم لو أحال الإمام الغازي أو أحال الناظر المستحق على آخر كان مظنة أن يقال إنها من الحوالة بالحقوق؛ لأن الغنيمة إذا أحرزت بدارنا يتأكد فيها حق الغانمين ولا تملك إلا بالقسمة، ولا يقال‏:‏ إن الوارث إذا مات بعد الإحراز قبل القسمة يورث نصيبه فيقتضي الملك قبل القسمة؛ لأنا نقول‏:‏ إن الحق المتأكد يورث كحق حبس الرهن والرد بالعيب، بخلاف الضعيف كالشفعة، وخيار الشرط كما قدمناه عن الفتح في باب المغنم وقسمته وكذا يقال في غلة الوقف فإن نصيب المستحق يورث عنه إذا مات قبل القسمة بعد ظهور غلة الوقف في وقف الذرية أو بعد عمل صاحب الوظيفة كما قدمناه هناك، ومقتضى هذا أن لا تصح هذه الحوالة لأن كلا من الغازي والمستحق لم يثبت له دين في ذمة الإمام والناظر‏.‏ نعم تكون وكالة بالقبض من المحال عليه كما يأتي في قول المصنف وإن قال المحيل للمحتال وهذا يقع كثيرا، فإن الناظر يحيل المستحق على مستأجر عقار الوقف‏.‏ وقد أفتى في الحامدية بأنه لو مات الناظر قبل أخذ المحتال، فللناظر الثاني أخذه، لكن ذكرنا في باب المغنم، أن غلة الوقف بعد ظهورها يتأكد فيها حق المستحقين، فتورث عنهم، وأما بعد قبض الناظر لها فينبغي أن تصير ملكا لهم للشركة الخاصة، بخلاف المغنم فإنه لا يملك إلا بعد القسمة، حتى لو أعتق أحد الغانمين حصته من أمة لا تعتق للشركة العامة إلا إذا قسمت الغنيمة على الرايات فيصح للشركة الخاصة، وعلى هذا فإذا صارت الغلة في يد الناظر صارت أمانة عنده ملكا للمستحقين لهم مطالبته بها، ويحبس إذا امتنع من أدائها، ويضمنها إذا استهلكها أو هلكت بعد الطلب، فإذا أحال الناظر بعض المستحقين على آخر لا يصح؛ لأنها حوالة بالعين لا بالدين إلا إذا كان الناظر استهلكها أو خلطها بماله فتصير دينا بذمته فتصح الحوالة؛ لأنها حوالة بالدين لا بالعين ولا بالحقوق، فقد ظهر أن هذه الحوالة لا تكون من الحوالة بالحقوق أصلا، سواء كان الغازي أو الناظر محيلا أو محتالا، وسواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة، وأن ما ذكره الشارح عن النهر غير محرر، فافهم وتدبر واغنم تحرير هذا المقام فإنه من فيض ذي الجلال والإكرام ‏(‏قوله‏:‏ لا تصح‏)‏ قد علمت أنه لا وجه له ‏(‏قوله‏:‏ وهذا في الحوالة المطلقة ظاهر‏)‏ لتصريحهم باختصاصها بالديون لابتنائها على النقل نهر‏.‏ قلت‏:‏ وهذه حوالة بالدين وإن كانت مطلقة، بل الصحة فيها أظهر من عدمها لأن الحوالة المطلقة على ما يأتي أن لا يقيد المحيل بدين له على المحال عليه ولا بعين له في يده فإذا أحال المستحق غريمه بدينه على الناظر حوالة مطلقة فلا شك في صحتها ‏(‏قوله‏:‏ ينبغي أن تصح‏)‏ لما علمت من أن مال الوقف في يده أمانة، ولكن إذا صحت لا تكون من الحوالة بالحقوق؛ لأن المستحق إنما أحال دائنه بدين صحيح، بل هي حوالة بالدين مقيدة بما عند المحال عليه وهو الناظر ‏(‏قوله‏:‏ كالإحالة على المودع‏)‏ بجامع أن كلا منهما أمين ولا دين عليه ط ‏(‏قوله‏:‏ لأنها مطالبة‏)‏ أي لأن الحوالة تثبت المطالبة ولا مطالبة على الناظر فيما لم يصل إليه من مال الوقف الذي قيدت الحوالة به ‏(‏قوله‏:‏ انتهى‏)‏ أي كلام البحر، وقوله‏:‏ ومقتضاه إلخ من كلام النهر أيضا فافهم ‏(‏قوله‏:‏ وعندي فيه تردد‏)‏ نقله الحموي وأقره، ويؤيد الصحة ما ذكروه في المغنم أنه يورث عنه لتأكد ملكه فيه، وقد وجد الجامع للقياس فيها وفي الوديعة ط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبرئ المحيل من الدين إلخ‏)‏ أي براءة مؤقتة بعدم التوى، وفائدة براءته أنه لو مات لا يأخذ المحتال الدين من تركته، ولكنه يأخذ كفيلا من ورثته أو من الغرماء مخافة أن يتوى حقه، كذا في شرح المجمع ط ومقتضى البراءة أن المشتري لو أحال البائع على آخر بالثمن لا يحبس المبيع، وكذا لو أحال الراهن المرتهن بالدين لا يحبس الرهن ولو أحالها بصداقها لم تحبس نفسها، بخلاف العكس‏:‏ أي أحالة البائع غريمه على المشتري بالثمن أو المرتهن غريمه على الراهن أو المرأة على الزوج، والمذكور في الزيادات عكس هذا، وهو أن البائع والمرتهن إذا أحالا سقط حقهما في الحبس، ولو أحيلا لم يسقط، وتمامه في البحر قلت‏:‏ ووجهه ظاهر، وهو أن البائع والمرتهن إذا أحالا غريما لهما على المشتري أو الراهن سقطت مطالبتهما فيسقط حقهما في الحبس، بخلاف ما لو أحيلا فإن مطالبتهما باقية كما أوضحه الزيلعي‏.‏ قال في البحر‏:‏ وفي قوله برئ المحيل إشارة إلى براءة كفيله، فإذا أحال الأصيل الطالب برئا، كذا في المحيط ا هـ‏.‏ وقوله‏:‏ والمطالبة جميعا دخل فيه ما لو أحال المكفول له ونص على براءته فإنه يبرأ عن المطالبة، وإن أطلق الحوالة برئ الأصيل أيضا نهر وفي حاشية البحر للرملي يؤخذ من براءة المحيل أن الكفيل لو أحال المكفول له على المديون بالدين المكفول به وقبله برئ، وهي واقعة الفتوى ا هـ‏.‏ وأطال في الاستشهاد له ‏(‏قوله بالقبول من المحتال‏)‏ اقتصر عليه تبعا للبحر وزاد في النهر والمحتال عليه، وهو مخالف لما قدمه من أن الشرط قبول المحتال أو نائبه ورضا الباقين‏.‏ وأفاد أنه لا يلزم قبض المحتال في المجلس إلا إذا كان صرفا بأن كان دينه ذهبا فأحال عنه بفضة جاز إن قبل الغريم ناقدا في مجلس المحيل والمحتال، وتمامه في البحر عن تلخيص الجامع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يرجع المحتال على المحيل‏.‏ إلخ‏)‏ هذا إذا لم يشترط الخيار للمحال أو لم يفسخها المحيل والمحتال، أما إذا جعل للمحال الخيار أو أحاله على أن له أن يرجع على أيهما شاء صح بزازية، وكذا إذا فسخت رجع المحتال على المحيل بدينه، ولذا قال في البدائع إن حكمها ينتهي بفسخها وبالتوى‏.‏ وفي البزازية والمحيل والمحتال يملكان النقض فيبرأ المحتال عليه‏.‏ وفي الذخيرة إذا أحال المديون الطالب على رجل بألف أو بجميع حقه وقبل منه ثم أحاله أيضا بجميع حقه على آخر وقبل منه صار الثاني نقضا للأول وبرئ الأول ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ قلت‏:‏ وكذا تبطل لو أحال البائع على المشتري بالثمن ثم استحق المبيع أو ظهر أنه حر لا لو رد بعيب ولو بقضاء، وكذلك لو مات العبد قبل القبض وإذا مات المحال عليه مديونا قسم ماله بين الغرماء وبين المحال بالحصص وما بقي له يرجع به على المحيل وإن مات المحيل مديونا فما قبض المحتال في حياته فهو له، وما لم يقبضه فهو بينه وبين الغرماء ا هـ‏.‏ ملخصا من كافي الحاكم ‏(‏قوله‏:‏ إلا بالتوى‏)‏ وزان حصى وقد يمد مصباح يقال توي المال بالكسر يتوى توى وأتواه‏:‏ غيره بحر عن الصحاح ‏(‏قوله‏:‏ هلاك المال‏)‏ هذا معناه اللغوي ومعناه الاصطلاحي ما ذكره المصنف بحر ‏(‏قوله‏:‏ لأن براءته‏)‏ أي براءة المحيل من الدين مقيدة بسلامة حقه‏:‏ أي حق المحتال، واختلفت المشايخ في كيفية عود الدين فقيل بفسخ الحوالة‏:‏ أي يفسخها المحتال كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيبا، وقيل تنفسخ كالمبيع إذا هلك قبل القبض وقيل في الموت تنفسخ وفي الجحود لا تنفسخ، ولم أر أن فسخ المحتال هل يحتاج إلى الترافع عند القاضي‏؟‏ وظاهر التشبيه بالمشتري إذا وجد عيبا أنه يحتاج، نعم على أنها تنفسخ لا يحتاج فتدبر‏.‏ه نهر‏.‏ قلت‏:‏ المشتري يستقل بالفسخ بخيار العيب بدون الترافع عند القاضي، وإنما الترافع شرط لرد البائع على بائعه بذلك العيب ‏(‏قوله وقيده في البحر إلخ‏)‏ وقال لما في الذخيرة‏:‏ رجل أحال رجلا له عليه دين على رجل ثم إن المحتال عليه أحاله على الذي عليه الأصل برئ المحتال عليه الأول، فإن توي المال على الذي عليه الأصل لا يعود إلى المحتال عليه الأول ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبأحد أمرين‏.‏ إلخ‏)‏ الضمير راجع للتوى، وهذا في الحوالة المطلقة، أما المقيدة بوديعة فيثبت له الرجوع بهلاكها كما يأتي ‏(‏قوله‏:‏ أي لمحتال ومحيل‏)‏ فقوله‏:‏ له أي لكل منهما كما في الفتح ‏(‏قوله‏:‏ مفلسا‏)‏ بالتخفيف يقال أفلس الرجل‏:‏ إذا صار ذا فلس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير، فاستعمل مكان افتقر‏.‏ ا هـ‏.‏ كفاية ونهر عن طلبة الطلبة للعلامة عمر النسفي ‏(‏قوله‏:‏ بغير عين‏)‏ الأوضح أن يقول‏:‏ بأن لم يترك عينا‏.‏ إلخ أي عينا تفي بالمحال به وكذا يقال في الدين، ولا بد في الكفيل أن يكون كفيلا بجميعه فلو كفل البعض فقد توي الباقي كما لا يخفى ط‏.‏ وكذا لو ترك ما يفي بالبعض فقد توي الباقي، وكذا لو مات مديونا وقسم ماله بالحصص كما قدمناه آنفا ‏(‏قوله ودين‏)‏ المراد به ما يمكن أن يثبت في الذمة بقرينة مقابلته بالعين، فيشمل النقود والمكيل والموزون‏.‏ وفي الهندية عن المحيط‏:‏ لو كان القاضي يعلم أن للميت دينا على مفلس، فعلى قول الإمام لا يقضي ببطلان الحوالة‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لأن الإفلاس ليس بتوى عنده لاحتمال أن يحدث له مال، فيكون المحال عليه قد ترك مالا حكما وهو ما على مديونه المفلس ‏(‏قوله‏:‏ وكفيل‏)‏ فوجود الكيل يمنع موته مفلسا على ما في الزيادات وفي الخلاصة لا يمنع بحر وتبعه في المنح لكني لم أر في الخلاصة ما عزاه إليها، بل اقتصر فيها على نقل عبارة الزيادات نعم قال فيها‏:‏ ولو مات المحتال عليه ولم يترك شيئا وقد أعطى كفيلا بالمال ثم أبرأ صاحب المال الكفيل منه له أن يرجع على الأصيل‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذه مسألة أخرى وقد جزم في الفتح وغيره بما في الزيادات بلا حكاية خلاف‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في البحر عن البزازية وإن لم يكن به كفيل، ولكن تبرع رجل ورهن به رهنا ثم مات المحال عليه مفلسا عاد الدين إلى ذمة المحيل، ولو كان مسلطا على البيع فباعه ولم يقبض الثمن حتى مات المحال عليه مفلسا بطلت الحوالة والثمن لصاحب الرهن ا هـ‏.‏ وفي حكم التبرع بالرهن ما لو استعار المطلوب شيئا ورهنه عند الطالب ثم مات مفلسا شرنبلالية عن الخانية ‏(‏قوله‏:‏ وقالا بهما‏)‏ أي بالجحد والموت مفلسا ‏(‏قوله‏:‏ وبأن فلسه الحاكم‏)‏ أي في حياته، يقال فلسه القاضي‏:‏ إذا قضى بإفلاسه حين ظهر له حاله كفاية عن الطلبة، وهذا بناء على أن تفليس القاضي يصح عندهما، وعنده لا يصح لأنه يتوهم ارتفاعه بحدوث مال له فلا يعود بتفليس القاضي على المحيل فتح وتعذر الاستيفاء لا يوجب الرجوع ألا ترى أنه لو تعذر بغيبة المحتال عليه لا يرجع على المحيل، بخلاف موته مفلسا لخراب الذمة، فيثبت الفتوى وتمامه في الكفاية وظاهر كلامهم متونا وشروحا تصحيح قول الإمام، ونقل تصحيح العلامة قاسم ولم أر من صحح قولهما نعم صححوه في صحة الحجر على السفيه صيانة لماله كما سيأتي في بابه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو اختلفا فيه‏)‏ بأن قال المحتال مات المحتال عليه بلا تركة وقال المحيل عن تركة بزازية ‏(‏قوله‏:‏ وكذا في موته قبل الأداء أو بعده‏)‏ الأولى وبعده بالواو كما في بعض النسخ، لأن الاختلاف فيهما لا في أحدهما ‏(‏قوله‏:‏ على العلم‏)‏ أي نفي العلم بأن يحلف أنه لا يعلم يساره ط، وهذا في مسألة المتن أما في الاختلاف في الموت قبل الأداء أو بعده فإنه يحلف على البتات لكونه على فعل نفسه وهو القبض أفاده ح ‏(‏قوله‏:‏ وهو العسرة‏)‏ أي في المسألة الأولى وعدم الأداء في الثانية ‏(‏قوله‏:‏ وقيل القول للمحيل بيمينه‏)‏ لإنكاره عود الدين فتح

‏(‏قوله طالب المحتال عليه المحيل‏.‏ إلخ‏)‏ أي بعدما دفع المحال به إلى المحتال ولو حكما بأن وهبه المحتال من المحال عليه قبل الدفع إليه لا يطالبه إلا إذا طولب، ولا يلازمه إلا إذا لوزم، وتمامه في البحر ‏(‏قوله بأمره‏)‏ قيد به لأنه لو قضاه بغير أمره يكون متبرعا ولو لم يدع المحيل ما ذكر ط ‏(‏قوله مثل الدين‏)‏ إنما لم يقل بما أداه لو كان المحال به دراهم فأدى دنانير أو عكسه صرفا رجع بالمحال به، وكذا إذا أعطاه عرضا، وإن أعطاه زيوفا بدل الجياد رجع بالجياد، وكذا لو صالحه بشيء رجع بالمحال به إلا إذا صالحه عن جنس الدين بأقل فإنه يرجع بقدر المؤدى، بخلاف المأمور بقضاء الدين فإنه يرجع بما أدى، إلا إذا أدى أجود أو جنسا آخر بحر ‏(‏قوله لإنكاره‏)‏ قال في البحر لأن سبب الرجوع قد تحقق وهو قضاء دينه بأمره، إلا أن المحيل يدعي عليه دينا وهو ينكر والقول للمنكر ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فقال المحتال‏)‏ فيه إيماء إلى أنه حاضر، فلو كان غائبا وأراد المحيل قبض ما على المحال عليه قائلا إنما وكلته بقبضه قال أبو يوسف لا أصدقه، ولا أقبل بينته‏.‏ وقال محمد يقبل قوله كما في الخانية ولو ادعى المحال أن المحال به ثمن متاع كان المحيل وكيلا في بيعه وأنكر المحيل ذلك فالقول له أيضا نهر ‏(‏قوله فالقول للمحيل‏)‏ فيؤمر المحتال برد ما أخذه إلى المحيل لأن المحيل ينكر أن عليه شيئا والقول للمنكر، ولا تكون الحوالة إقرارا من المحيل بالدين للمحتال على المحيل لأنها مستعملة للوكالة أيضا ابن كمال ‏(‏قوله يستعمل في الوكالة‏)‏ أي مجازا، ومنه قول محمد‏:‏ إذا امتنع المضارب عن تقاضي الدين لعدم الربح يقال له أحل رب الدين أي وكله نهر ولكن لما كان فيه نوع مخالفة للظاهر صدق مع يمينه كما في المنح‏.‏ وأفاد في البحر عن السراج أن المحيل لا يملك إبطال هذه الحوالة لأنها صحت محتملة أن تكون بمال هو دين عليه وأن تكون توكيلا فلا يجوز إبطالها بالاحتمال‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بما له‏)‏ الأظهر أن ما موصولة أو موصوفة واللام جارة، ويحتمل أنها كلمة واحدة مجرورة بكسرة اللام ‏(‏قوله‏:‏ وديعة‏)‏ المراد بها الأمانة كما عبر به في الفتح وغيره قال ط‏:‏ فيعم العارية والموهوب إذا تراضيا على رده أو قضى القاضي به والعين المستأجرة إذا انقضت مدة الإجارة ‏(‏قوله صحت‏)‏ لأنه أقدر على القضاء لتيسر ما يقضي به وحضوره بخلاف الدين فتح ‏(‏قوله فإن هلكت الوديعة‏)‏ قيد بهلاك الوديعة لأن الحوالة لو كانت مقيدة بدين ثم ارتفع ذلك الدين لم تبطل على تفصيل فيه بحر ويأتي بعضه ‏(‏قوله‏:‏ برئ المودع‏)‏ ويثبت الهلاك بقوله نهر واستحقاق الوديعة مبطل للحوالة كهلاكها كما في الخانية ولو لم يعط المحال عليه الوديعة وإنما قضى من ماله كان متطوعا قياسا لا استحسانا كذا في المحيط وفي التتارخانية لو وهب المحتال الوديعة من المحال عليه صح التمليك لأنه لما كان له حق أن يتملكها كان له حق أن يملكها بحر ‏(‏قوله وعاد الدين على المحيل‏)‏ لأنه توي حقه، وأما ما سبق من أن التوى بوجهين عنده وثلاثة أوجه عندهما ففي الحوالة المطلقة فلا يرد شيء بهذا الوجه الرابع يعقوبية ‏(‏قوله‏:‏ لأن مثله يخلفه‏)‏ أراد بالمثل البدل ليشمل القيمي‏.‏ قال في الفتح‏:‏ فإذا هلك المغصوب المحال به لا تبطل الحوالة ولا يبرأ المحال عليه، لأن الواجب على الغاصب رد العين فإن عجز رد المثل أو القيمة، فإذا هلك في يد الغاصب المحال عليه لا يبرأ له خلفا والفوات إلى خلف كلا فوات، فبقيت متعلقة بخلفه فيرد خلفه على المحتال‏.‏ ا هـ‏.‏ فلو استحق المغصوب بطلت لعدم ما يخلفه كما في الدرر‏.‏

‏(‏قوله وتصح أيضا بدين خاص‏)‏ بأن يحيله بدينه الذي له على فلان المحال عليه فتح وفي الخلاصة عن التجريد لو كان للمحيل على المحتال عليه دين فأحال به مطلقا ولم يشترط في الحوالة أن يعطيه مما عليه فالحوالة جائزة ودين المحيل بحاله وله أن يطالبه به‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في البزازية ومقتضاه أنها لا تكون مقيدة ما لم ينص على الدين ‏(‏قوله ثلاثة أقسام‏)‏ أي مقيدة بعين أمانة أو مغصوبة أو بدين خاص ‏(‏قوله وحكمها‏.‏ إلخ‏)‏ أي حكم المقيدة في هذه الأقسام الثلاثة أن لا يملك المحيل مطالبة المحال عليه بذلك العين ولا بذلك الدين؛ لأن الحوالة لما قيدت بها تعلق حق الطالب به، وهو استيفاء دينه منه على مثال الرهن، وأخذ المحيل يبطل هذا الحق فلا يجوز، فلو دفع المحال عليه العين أو الدين إلى المحيل ضمنه للطالب لأنه استهلك ما تعلق به حق المحتال، كما إذا استهلك الرهن أحد يضمنه للمرتهن لأنه يستحقه فتح ‏(‏قوله مع أن المحتال‏.‏ إلخ‏)‏ يعني أن هذه الأموال إذا تعلق بها حق المحتال كان ينبغي أن لا يكون المحتال أسوة لغرماء المحيل بعد موته كما في الرهن مع أنه أسوة لهم العين التي بيد المحتال عليه للمحيل والدين الذي له عليه لم يصر مملوكا للمحال بعقد الحوالة لا يدا وهو ظاهر ولا رقبة لأن الحوالة ما وضعت للتمليك بل للنقل فيكون بين الغرماء، وأما المرتهن فملك المرهون يدا وحبسا، فيثبت له نوع اختصاص بالمرهون شرعا لم يثبت لغيره فلا يكون لغيره أن يشاركه فيه ا هـ‏.‏ درر‏.‏ قال في البحر‏:‏ وإذا قسم الدين بين غرماء المحيل لا يرجع المحتال على المحال عليه بحصة الغرماء لاستحقاق الدين الذي كان عليه، ولو مات المحيل وله ورثة لا غرماء استظهر في البحر، وأقره من بعده أن الدين المحال به قبل قبض المحتال يقسم بين الورثة بمعنى أن لهم المطالبة به دون المحتال فيضم إلى تركته ا هـ‏.‏ وحينئذ فيتبع المحتال التركة ط‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ما ذكر من القسمة وكون المحتال أسوة الغرماء في الحوالة المقيدة يعلم منه بالأولى أن الحوالة المطلقة كذلك، لما صرح به في الخلاصة والبزازية، وصرح في الحاوي ببطلان الحوالة بموت المحال عليه، وقدمنا عن الكافي أن ما بقي للمحتال بعد القسمة يرجع به على المحيل، وأنه لو مات المحيل مديونا فما قبضه المحتال فهو له وما بقي يقسم بينه وبين الغرماء ‏(‏قوله‏:‏ بخلاف الحوالة المطلقة‏)‏ أي فيملك المحيل المطالبة قال في الفتح‏:‏ هذا متصل بقوله لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه بالعين المحال به والدين، والمطلقة هي أن يقول المحيل للطالب أحلتك بالألف التي لك على هذا الرجل ولم يقل ليؤديها من المال الذي عليه، فلو له عنده وديعة أو مغصوبة أو دين كان له أن يطالبه به لأنه لا تعلق للمحتال بذلك الدين أو العين لوقعها مطلقة عنه، بل بذمة المحتال عليه وفي الذمة سعة فيأخذ دينه أو عينه من المحتال عليه لا تبطل الحوالة، ومن المطلقة أن يحيل على رجل ليس له عنده ولا عليه شيء وقال في الجوهرة‏:‏ والفرق بين المطلقة والمقيدة أنه في المقيدة انقطعت مطالبة المحيل من المحال عليه، فإن بطل الدين في المقيدة وتبين براءة المحال عليه من الدين الذي قيدت به الحوالة بطلت، مثل أن يحيل البائع رجلا على المشتري بالثمن، ثم استحق المبيع أو ظهر حرا، فتبطل وللمحال الرجوع على المحيل بدينه، وكذا لو قيد بوديعة، فهلكت عند المودع، وأما إذا سقط الدين الذي قيدت به الحوالة بأمر عارض ولم تتبين براءة الأصيل منه فلا تبطل، مثل أن يحتال بألف من ثمن مبيع فهلك المبيع عنده قبل تسليمه للمشتري سقط الثمن عن المشتري، ولا تبطل الحوالة ولكنه إذا أدى رجع على المحيل بما أدى لأنه قضى دينه بأمره، وأما إذا كانت مطلقة فإنها لا تبطل بحال من الأحوال، ولا تنقطع فيها مطالبة المحيل عن المحال عليه إلى أن يؤدي، فإذا أدى سقط ما عليه قصاصا، ولو تبين براءة المحال عليه من دين المحيل ولا تبطل أيضا، ولو أن المحال أبرأ المحال عليه من الدين صح، وإن لم يقبل المحال عليه، ولا يرجع المحال عليه على المحيل بشيء لأن البراءة إسقاط لا تمليك، وإن وهبه له احتاج إلى القبول، وله أن يرجع على المحيل لأنه ملك ما في ذمته بالهبة فصار كما لو ملكه بالأداء وكذا لو مات المحيل فورثه المحال عليه له أن يرجع على المحيل لأنه ملكه بالإرث، وتمام الكلام فيها قال في البحر وقد وقعت حادثة الفتوى في المديون إذا باع شيئا من دائنه بمثل الدين، ثم أحال عليه بنظير الثمن أو بالثمن فهل يصح أم لا‏:‏ فأجبت‏:‏ إذا وقع بنظيره صحت؛ لأنها لم تقيد بالثمن، ولا يشترط لصحتها دين على المحال عليه، وإن وقعت بالثمن فهي مقيدة بالدين، وهو مستحق للمحال عليه لوقوع المقاصة بنفس الشراء وقدمنا أن الدين إذا استحق للغير فإنها تبطل، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏ ا هـ‏.‏‏:‏ أي لأن الدين لم يسقط بأمر عارض بعد الحوالة بل تبين براءة المحال عليه منه بأمر سابق‏.‏

‏(‏قوله بطل‏)‏ أي البيع‏:‏ أي فسد لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه نفع للبائع درر، أي وبطلت الحوالة التي في ضمنه ط‏.‏ قلت ووجه النفع أن فيه دفع مطالبة غريمه له وتسليطه على المشتري ‏(‏قوله‏:‏ لأنه شرط ملائم‏)‏ لأنه يؤكد موجب العقد، إذ الحوالة في العادة تكون على المليء والأحسن قضاء فصار كشرط الجودة درر‏.‏ قلت‏:‏ وحاصله أن في هذا الشرط تعجيل اقتضائه الثمن في زعم البائع ‏(‏قوله بخلاف الأول‏)‏ لأن المطلوب بالثمن قبل الحوالة وبعدها واحد وهو المشتري‏.‏

‏(‏قوله في الحوالة الفاسدة‏)‏ كالصور الآتية ‏(‏قوله‏:‏ فهو‏)‏ أي المؤدي وهو المحال عليه ‏(‏قوله وكذا في كل موضع ورد الاستحقاق‏)‏ أي استحقاق المبيع الذي أحيل بثمنه قال في الخلاصة والبزازية‏:‏ وعلى هذا إذا باع الآجر المستأجر وأحال المستأجر على المشتري ثم استحق المبيع من يد المشتري وهو قد أدى الثمن إلى المستأجر‏:‏ إن شاء رجع بالثمن على المؤجر المحيل، وإن شاء رجع على المستأجر القابض‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ما لو شرط فيها الإعطاء‏.‏ إلخ‏)‏ صادق بما إذا وقع الشرط بين المحيل والمحال أو بين الثلاثة عليه، فافهم وهي من قسم الحوالة المقيدة ‏(‏قوله‏:‏ مثلا‏)‏ أدخل به الأجنبي للعلة المذكورة ط ‏(‏قوله‏:‏ لعجزه عن الوفاء‏)‏ علة للفساد لأنه شرط غير ملائم ‏(‏قوله‏:‏ نعم لو أجاز‏)‏ أي المحيل بيع داره بأن أمره بالبيع فحينئذ يصح لوجود القدرة على البيع والأداء كما في الدرر وقد ذكر في البزازية المسألة بدون هذا الاستدراك ثم قال بعد نحو صفحة ما نصه، وفي الظهيرية احتال على أن يؤديه من ثمن دار المحيل، وقد كان أمره بذلك حتى جازت الحوالة لا يجبر المحتال عليه على الأداء قبل البيع، ويجبر على البيع إن كان البيع مشروطا في الحوالة كما في الرهن، وإنما أعدنا المسألة لأنه توفيق بين الروايات المختلفة‏.‏ ا هـ‏.‏ ومفاده أنه يجبر في بعض الروايات وفي بعضها لا يجبر، والتوفيق أنه إن قبل المحال عليه الحوالة من المحيل بشرط بيع دار المحيل ليؤدي المال من ثمنها صحت الحوالة والشرط، كما لو شرط المرتهن بيع الرهن إذا لم يؤد الراهن المال فإنه يصح ولا يملك الرجوع عن ذلك ‏(‏قوله كما لو قبلها‏.‏ إلخ‏)‏ وجه الجواز أن المحال عليه قادر على الوفاء بما التزم ‏(‏قوله ولكن لا يجبر على البيع‏)‏ لعدم وجوب الأداء قبل البيع درر‏.‏ وعبارة البزازية أولا يجبر على بيع داره، كما إذا كان قبولها بشرط الإعطاء عند الحصاد لا يجبر على الإعطاء قبل الأجل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو باع يجبر على الأداء‏)‏ لتحقق الوجوب درر‏.‏

‏(‏قوله على أن أحيلك به على فلان‏)‏ فإن أحاله وقبل جاز، وإن لم يقبل برئ الكفيل عن الضمان، وإن لم يقبل فلان فالكفيل على ضمانه، وإن مات فلان لم يطالب بالمال حتى يمضي شهر هذا حاصل ما في البحر عن المحيط ووجه قوله‏:‏ لم يطالب‏.‏ إلخ أنه بموت فلان لم تبق الحوالة ممكنة، وقد رضي الطالب بتأخير المطالبة إلى شهر فبقي الأجل للكفيل فلا يطالب قبله، وكذا يقال فيما إذا لم يقبل فلان، هذا ما ظهر لي‏.‏

مطلب في تأجيل الحوالة

‏(‏قوله‏:‏ انصرف التأجيل إلى الدين‏.‏ إلخ‏)‏ أي فلا يطالب فلان إلا بعد الشهر، ولو انصرف التأجيل إلى العقد يصير المعنى على أن أحيلك حوالة مقيدة بشهر، وذلك لا يصح لأنه ينافي انتقال الدين إلى ذمة المحال عليه تأمل‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في الفتح تنقسم الحوالة المطلقة إلى حالة ومؤجلة فالحالة أن يحيل الطالب بألف هي على المحيل حالة فتكون على المحتال عليه حالة لأن الحوالة لتحويل الدين، فيتحول بصفته التي على الأصيل والمؤجلة أن تكون الألف إلى سنة فأحال بها إلى سنة، ولو أبهمها لم يذكره محمد وقالوا ينبغي أن تثبت مؤجلة كما في الكفالة، فلو مات المحيل بقي الأجل لا لو مات المحال عليه؛ لاستغنائه عن الأجل بموته، فإن لم يترك وفاء رجع الطالب على المحيل إلى أجله لأن الأجل سقط حكما للحوالة، وقد انتقضت بالتوى فينتقض ما في ضمنها، كما لو باع المديون بدين مؤجل عبدا من الطالب ثم استحق العبد عاد الأجل‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا وقدمناه قريبا عن البزازية لو قبلها إلى الحصاد لا يجبر على الإعطاء قبله، فأفاد صحة التأجيل مع الجهالة القريبة، وقدمنا التصريح به في كتاب الكفالة وشمل التأجيل القرض فيصح هنا ففي كافي الحاكم ما حاصله‏:‏ لو كان لزيد على عمرو ألف قرض لعمرو وعلى بكر ألف قرض فأحال عمرو زيدا بالألف على بكر إلى سنة جاز، وليس لعمرو أن يأخذ بكرا بها وإن أبرأه منها أو وهبها له لم يجز ا هـ‏.‏

مطلب في السفتجة وهي البوليصة

‏(‏قوله وكرهت السفتجة‏)‏ واحدة السفاتج، فارسي معرب، أصله سفتة‏:‏ وهو الشيء المحكم، سمي هذا القرض به لإحكام أمره كما في الفتح وغيره ‏(‏قوله‏:‏ بضم السين‏)‏ أي وسكون الفاء كما في ط عن الوالي ‏(‏قوله وهي إقراض إلخ‏)‏ وصورتها أن يدفع إلى تاجر مالا قرضا ليدفعه إلى صديقه، وإنما يدفعه قرضا لا أمانة ليستفيد به سقوط خطر الطريق وقيل هي أن يقرض إنسانا ليقضيه المستقرض في بلد يريده المقرض ليستفيد به سقوط خطر الطريق كفاية ‏(‏قوله فكأنه أحال‏.‏ إلخ‏)‏ بيان لمناسبة المسألة بكتاب الحوالة ا هـ‏.‏ ح‏.‏ وفي نظم الكنز لابن الفصيح‏:‏ وكرهت سفاتج الطريق وهي إحالة على التحقيق قال شارحه المقدسي لأنه يحيل صديقه عليه أو من يكتب إليه ‏(‏قوله وقالوا‏.‏ إلخ‏)‏ قال في النهر‏:‏ وإطلاق المصنف يفيد إناطة الكراهة بجر النفع سواء كان ذلك مشروطا أو لا قال الزيلعي وقيل إذا لم تكن المنفعة مشروطة فلا بأس به ا هـ‏.‏ وجزم بهذا القيل في الصغرى والواقعات الحسامية والكفاية للبيهقي وعلى ذلك جرى في صرف البزازية ا هـ‏.‏ وظاهر الفتح اعتماده أيضا، حيث قال‏:‏ وفي الفتاوى الصغرى وغيرها‏:‏ إن كان السفتج مشروطا في القرض فهو حرام، والقرض بهذا الشرط فاسد وإلا جاز‏.‏ وصورة الشرط كما في الواقعات‏:‏ رجل أقرض رجلا مالا على أن يكتب له بها إلى بلد كذا فإنه لا يجوز، وإن أقرضه بلا شرط وكتب جاز‏.‏ وكذا لو قال اكتب لي سفتجة إلى موضع كذا على أن أعطيك هنا فلا خير فيه‏.‏ وروي عن ابن عباس ذلك ألا ترى أنه لو قضاه أحسن مما عليه لا يكره إذا لم يكن مشروطا، قالوا‏:‏ إنما يحل ذلك عند عدم الشرط إذا لم يكن فيه عرف ظاهر فإن كان يعرف أن ذلك يفعل كذلك فلا‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله فرع‏.‏ إلخ‏)‏ ذكره استطرادا نعم ذكر في البحر والنهر عن البزازية ما له مناسبة هنا‏.‏ وحاصله‏:‏ أن المستقرض لو قضى أجود مما استقرض يحل بلا شرط، ولو قضى أزيد فيه تفصيل‏.‏ إلخ، وقدمنا في فصل القرض عن الخانية أن الزيادة إذا كانت تجري بين الوزنين، أي بأن كانت تظهر في ميزان دون ميزان جاز كالدانق في المائة، بخلاف قدر درهم، وإن لم تجر فإن لم يعلم صاحبها بها ترد عليه، وإن علم وأعطاها اختيارا، فلو كانت الدراهم لا يضرها التبعيض لا تجوز لأنها هبة المشاع فيما يحتمل القسمة، ولو يضرها جاز وتكون هبة المشاع فيما يقسم‏.‏ ا هـ‏.‏ وعليه فلو قضاه مثل قرضه ثم زاده درهما مفروزا أو أكثر جاز إن لم يكن مشروطا وقدمنا هناك عن خواهر زاده أن المنفعة في القرض إذا كانت غير مشروطة تجوز بلا خلاف‏.‏

‏(‏قوله لم يصح‏)‏ لكون المحيل يعمل لنفسه ليستفيد الإبراء المؤبد بحر عند قوله هي نقل الدين ط وإذا لم تصح لا يجبر المحال عليه على الدفع إليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لأن الحوالة‏.‏ إلخ‏)‏ كما أن الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة كما في الهداية والملتقى ‏(‏قوله ولا بينة‏)‏ أي وحلف الجاحد ط ‏(‏قوله وجعل جحوده فسخا‏)‏ هي مسألة توى الدين السابقة في المتن، ومر أن الرجوع إنما هو لأن براءة المحيل مشروطة بسلامة حق المحال ط ‏(‏قوله‏:‏ وإلا لم يجز‏)‏ لأن تصرفهما مقيد بشرط النظر‏.‏ قال في كافي الحاكم ومنه ما لو احتال إلى أجل، وكذا الوكيل إذا لم يفوض إليه الموكل ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في البحر عن المحيط لكونه إبراء مؤقتا فيعتبر بالإبراء المؤبد، وهذا إذا كان دينا ورثه الصغير وإن وجب بعقدهما جاز التأجيل عندهما خلافا لأبي يوسف ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله قلت ومفادهما‏)‏ أي مفاد ما في السراجية وما في الجوهرة، وهذا أحد قولين حكاهما المصنف عن الذخيرة ثم رجح ما في الخانية بما ذكره الشارح، والله تعالى أعلم‏.‏

كتاب القضاء

ترجم له في الهداية بأدب القاضي، والأدب الخصال الحميدة فذكر ما ينبغي للقاضي أن يفعله ويكون عليه، وهو في الأصل من الأدب بسكون الدال وهو الجمع والدعاء، وهو أن تجمع الناس، وتدعوهم إلى طعامك، يقال أدب يأدب كضرب يضرب إذا دعا إلى طعامه، سميت به الخصال الحميدة؛ لأنها تدعو إلى الخير وتمامه في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لما كان إلخ‏)‏ كذا في العناية والفتح، وهو صريح في أن المراد بالقضاء الحكم، وحينئذ فكان ينبغي إيراده عقب الدعوى وأيضا كان ينبغي بيان وجه التأخير عما قبله، كذا قيل ويمكن أن يقال‏:‏ أرادوا بيان من يصلح للقضاء أي الحكم لتصح الدعوى عنده، فلا جرم أن ذكر قبلها ولا خفاء أن وجه التأخير عما قبله مستفاد من أن أكثر المنازعات في الديون والحوالة المطلقة مختصة بها فذكر بعدها نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لغة الحكم‏)‏ وأصله قضاي؛ لأنه من قضيت إلا أن الياء لما جاءت بعد الألف همزت، والجمع الأقضية ‏{‏وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه‏}‏ أي حكم وقد يكون بمعنى الفراغ تقول‏:‏ قضيت حاجتي وضربه فقضى عليه أي قتله وقضى نحبه مات وبمعنى الأداء والإنهاء ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقضينا إليه ذلك الأمر‏}‏ وبمعنى الصنع والتقدير ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فقضاهن سبع سماوات‏}‏ ومنه القضاء والقدر بحر ملخصا عن الصحاح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وشرعا فصل الخصومات إلخ‏)‏ عزاه في البحر إلى المحيط ولا بد أن يزاد فيه على وجه خاص، وإلا دخل فيه نحو الصلح بين الخصمين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقيل غير ذلك‏)‏ منه قول العلامة قاسم إنه إنشاء إلزام في مسائل الاجتهاد المتقاربة فيما يقع فيه النزاع لمصالح الدنيا، فخرج القضاء على خلاف الإجماع وما ليس بحادثة، وما كان من العبادات ومنه قول العلامة ابن الغرس إنه الإلزام في الظاهر على صيغة مختصة بأمر ظن لزومه في الواقع شرعا قال‏:‏ فالمراد بإلزام التقرير التام، وفي الظاهر، فصل احترز به عن الإلزام في نفس الأمر؛ لأنه راجع إلى خطاب الله تعالى وعلى صيغة مختصة أي الشرعية كألزمت وقضيت وحكمت وأنفذت عليك القضاء وبأمر ظن لزومه إلخ فصل عن الجور، والتشهي، ومعنى في الظاهر أي الصورة الظاهرة إشارة إلى أن القضاء مظهر في التحقيق للأمر الشرعي، لا مثبت خلافا لما يتوهم من أنه مثبت أخذا من قول الإمام بنفوذه ظاهرا وباطنا في العقود والفسوخ بشهادة الزور؛ لأن الأمر الشرعي في مثله ثابت تقديرا والقضاء يقرره في الظاهر ولم يثبت أمرا لم يكن؛ لأن الشرع قد يعتبر المعدوم موجودا أو الموجود معدوما كوجود الدخول حكما في إلحاق نسب ولد المشرقية بالمغربي فأجرى الممكن مجرى الواقع لئلا يهلك الولد بانتفاء نسبه مع وجود العقد المفضي إلى ثبوته ا هـ‏.‏ ملخصا وتمامه في رسالته

‏(‏قوله‏:‏ وأركانه ستة إلخ‏)‏ فيه نظر؛ لأن المراد بالقضاء الحكم كما مر، والحكم أحد الستة المذكورة فيلزم أن يكون ركنا لنفسه فالمناسب ما في البحر من أن ركنه ما يدل عليه من قول أو فعل ويأتي بيانه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على ما نظمه‏)‏ أي من بحر الكامل ونصف البيت الثاني الحاء من محكوم ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ابن الغرس‏)‏ بالغين المعجمة هو العلامة أبو اليسر بدر الدين محمد الشهير بابن الغرس له شرح على البيتين المذكورين وهو الرسالة المشهورة المسماة الفواكه البدرية في البحث عن أطراف القضايا الحكمية وله الشرح المشهور على شرح العقائد النسفية للتفتازاني‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أطراف كل قضية حكمية‏)‏ الأطراف جمع طرف بالتحريك وطرف الشيء منتهاه، وقضية أصله قضوية بياء النسبة إلى القضاء حذفت منه الواو بعد قلبها ألفا وحكمية صفة مخصصة؛ لأن القضاء يطلق على معان منها الحكم كما مر والمراد بالقضية الحادثة التي يقع فيها التخاصم كدعوى بيع مثلا فركنها اللفظ الدال عليها، ولا تكون قضوية أي منسوبة إلى القضاء والحكم أي لا تكون محلا لثبوت حق المدعي فيها وعدمه إلا باستجماع هذه الشروط الستة التي هي بمنزلة أطراف الشيء المحيطة به أو أطراف الإنسان هذا ما ظهر لي فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بعدها‏)‏ بتشديد الدال مصدر عد الشيء يعده أحصى عدة أفراده، ويلوح بمعنى يظهر والتحقيق فاعله‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حكم‏)‏ تقدم تعريفه، وعلمت أنه قولي وفعلي فالقولي مثل ألزمت وقضيت مثلا، وكذا قوله بعد إقامة البينة لمعتمده أقمه واطلب الذهب منه وقوله ثبت عندي يكفي، وكذا ظهر عندي أو علمت فهذا كله حكم في المختار زاد في الخزانة أو أشهد عليه، وحكى في التتمة الخلاف في الثبوت، والفتوى على أنه حكم كما في الخانية وغيرها وتمامه في البحر وذكر في الفواكه البدرية أنه المذهب ولكن عرف المشرعين والموثقين الآن على أنه ليس بحكم، ولذا يقال‏:‏ ولما ثبت عنده حكم والوجه أن يقال إن وقع الثبوت على مقدمات الحكم كقول المسجل ثبت عنده جريان العين في ملك البائع إلى حين البيع، فليس بحكم إذا كان المقصود من الدعوى الحكم على البائع بملك المشتري للعين المبيعة وإلا فهو حكم وتمامه فيها وفيها أيضا‏.‏

مطلب في التنفيذ

وأما التنفيذ فالأصل فيه أن يكون حكما إذ من صيغ القضاء قوله‏:‏ أنفذت عليك القضاء قالوا وإذا رفع إليه قضاء قاض أمضاه بشروطه، وهذا هو التنفيذ الشرعي ومعنى رفع اليد حصلت عنده فيه خصومة شرعية، وأما التنفيذ المتعارف في زماننا غالبا فمعناه إحاطة القاضي الثاني علما بحكم الأول على وجه التسليم له ويسمى اتصالا ا هـ‏.‏ ملخصا وسيأتي تمام الكلام عليه في آخر فصل الحبس‏.‏

مطلب أمر القاضي هل هو حكم أو لا‏؟‏

وأما أمر القاضي فاتفقوا على أن أمره بحبس المدعى عليه قضاء بالحق كأمره بالأخذ منه، وعلى أن أمره بصرف كذا من وقف الفقراء إلى فقير من قرابة الواقف ليس بحكم، حتى لو صرفه إلى فقير آخر صح واختلفوا في قوله سلم الدار وتمام الكلام عليه في البحر والنهر، وأطلق الشارح في الفروع آخر الفصل الآتي تبعا للبزازي أنه حكم إلا في مسألة الوقف وسيأتي تمامه‏.‏

مطلب الحكم الفعلي

وأما الحكم الفعلي فسيأتي في الفروع هناك أن فعل القاضي حكم إلا في مسألتين، وحقق ابن الغرس أنه ليس بحكم وأطال الكلام عليه في البحر والنهر، وسيأتي توضيحه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومحكوم به‏)‏ وهو أربعة أقسام حق الله تعالى المحض كحد الزنا أو الخمر، وحق العبد المحض، وهو ظاهر وما فيه الحقان وغلب فيه حق الله تعالى كحد القذف أو السرقة أو غلب فيه حق العبد كالقصاص والتعزير ابن الغرس وشرطه كونه معلوما، بحر عن البدائع، وعن هذا فالحكم بالموجب بفتح الجيم لا يكفي ما لم يكن الموجب أمرا واحدا كالحكم بموجب البيع أو الطلاق أو العتاق وهو ثبوت الملك والحرية، وزوال العصمة فلو أكثر فإن استلزم أحدهما الآخر صح، كالحكم على الكفيل بالدين فإن موجبه الحكم عليه به، وعلى الأصيل الغائب وإلا فلا كما لو وقع التنازع في بيع العقار فحكم شافعي بموجبه فإنه لا يثبت به منع الجار عن الشفعة فللحنفي الحكم بها وأطال في بيانه العلامة ابن الغرس وسيذكره الشارح آخر الفصل الآتي لكن هذا في الحقيقة راجع إلى اشتراط الدعوى في الحكم كما أشار إليه في البحر ويأتي ذكره في الطريق‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وله‏)‏ أي ومحكوم له وهو الشرع كما في حقوقه المحضة أو التي غلب فيها حقه ولا حاجة في ذلك إلى الدعوى بخلاف ما تمحض فيها حق العبد أو غلب والعبد هو المدعي، وعرفوه بمن لا يجبر على الخصومة إذا تركها، وقيل غير ذلك والشرط فيه بالإجماع حضرته أو حضرة نائب عنه كوكيل أو ولي أو وصي فالمحكوم له المحجور كالغائب ا هـ‏.‏ ملخصا من الفواكه البدرية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومحكوم عليه‏)‏ وهو العبد دائما لكنه إما متعين واحدا أو أكثر كجماعة اشتركوا في قتل فقضي عليهم بالقصاص أو لا، كما في القضاء بالحرية الأصلية، فإنه حكم على كافة الناس، بخلاف العارضة بالإعتاق فإنه جزئي واختلفوا في الوقف والصحيح المفتى به أنه لا يكون على الكافة فتسمع فيه دعوى الملك، أو وقف آخر والمحكوم عليه في حقوق الشرع من يستوفي منه حقه، سواء كان مدعى عليه أو لا، كما مرت الإشارة إليه ا هـ‏.‏ ملخصا من الفواكه وسيذكر المصنف آخر الفصل الآتي حكاية الخلاف في نفاذ الحكم على الغائب، ويأتي تحقيقه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وحاكم‏)‏ هو إما الإمام أو القاضي أو المحكم أما الإمام فقال علماؤنا حكم السلطان العادل ينفذ واختلفوا في المرأة فيما سوى الحدود والقصاص وإطلاقهم يتناول أهلية الفاسق الجاهل، وفيه بحث وأما المحكم فشرطه أهلية القضاء ويقضي فيما سوى الحدود والقصاص ثم القاضي تتقيد ولايته بالزمان والمكان والحوادث ا هـ‏.‏ ملخصا من الفواكه، وجميع ذلك سيأتي مفرقا في مواضعه مع بيان بقية صفة الحاكم وشروطه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وطريق‏)‏ طريق القاضي إلى الحكم يختلف بحسب اختلاف المحكوم به والطريق فيما يرجع إلى حقوق العباد المحضة عبارة عن الدعوى والحجة‏:‏ وهي إما البينة أو الإقرار أو اليمين أو النكول عنه أو القسامة أو علم القاضي بما يريد أن يحكم به أو القرائن الواضحة التي تصير الأمر في حيز المقطوع به فقد قالوا لو ظهر إنسان من دار بيده سكين وهو متلوث بالدم سريع الحركة عليه أثر الخوف فدخلوا الدار على الفور فوجدوا فيها إنسانا مذبوحا بذلك الوقت ولم يوجد أحد غير ذلك الخارج، فإنه يؤخذ به وهو ظاهر إذ لا يمتري أحد في أنه قاتله، والقول بأنه ذبحه آخر ثم تسور الحائط أو أنه ذبح نفسه احتمال بعيد لا يلتفت إليه إذ لم ينشأ عن دليل، ا هـ‏.‏ من الفواكه لابن الغرس ثم أطال هنا في بيان الدعوى، وتعريفها وشروطها إلى أن قال‏:‏ ثم لا يشترط في الطريق إلى الحكم أن تكون بتمامها عند القاضي الواحد، حتى لو ادعى عند نائب القاضي، وبرهن ثم وقعت الحادثة إلى القاضي أو بالعكس صح وله أن يبني على ما وقع أولا ويقضي ا هـ‏.‏ وستأتي هذه متنا ثم قال في الفصل السابع وقد اتفق أئمة الحنفية والشافعية على أنه يشترط لصحة الحكم واعتباره في حقوق العباد الدعوى الصحيحة وأنه لا بد في ذلك من الخصومة للشرعية وإذا كان القاضي يعلم أن باطن الأمر ليس كظاهره وأنه لا تخاصم ولا تنازع في نفس الأمر بين المتداعيين ليس له سماع هذه الدعوى ولا يعتبر القضاء المترتب عليها ولا يصح الاحتيال لحصول القضاء بمثل ذلك وأما إذا لم يعلم عذر ونفذ قضاؤه ولعمري هذا شيء عمت به البلوى وبلغت شهرة اعتباره الغاية القصوى ا هـ‏.‏ ملخصا، ونقله المصنف في المنح بتمامه وأقره فراجعه، وكذا جزم به في فتاواه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

بقي طريق ثبوت الحكم أي بعد وقوعه، وعليه اقتصر في البحر فقال له وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ اعترافه حيث كان مولى فلو معزولا فكواحد من الرعايا لا يقبل قوله إلا فيما في يده‏.‏ الثاني‏:‏ الشهادة على حكمه بعد دعوى صحيحة إن لم يكن منكرا أما لو شهدا أنه قضى بكذا، وقال لم أقض لا تقبل شهادتهما خلافا لمحمد ورجح في جامع الفصولين قول محمد لفساد قضاة الزمان، ا هـ‏.‏ وسيأتي تمام الكلام عند قول المصنف، ولم يعمل بقول معزول وقد ذكر في البحر فروعا كثيرة في أحكام القضاء يلزم الوقوف عليها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأهله أهل الشهادة‏)‏ أهل الأول خبر مقدم والثاني مبتدأ مؤخر؛ لأن الجملة الخبرية يحكم فيها بمجهول على معلوم فإذا علم زيد وجهل قيامه تقول زيد القائم، وإذا علم وجهل أنه زيد تقول القائم زيد؛ ولذا قالوا لما كان أوصاف الشهادة أشهر عند الناس عرف أوصافه بأوصافها ثم الضمير في أهله راجع إلى القضاء بمعنى من يصح منه أو بمعنى من يصح توليته كما في البحر‏.‏ وحاصله‏:‏ أن شروط الشهادة من الإسلام والعقل والبلوغ والحرية وعدم العمى والحد في قذف شروط لصحة توليته، ولصحة حكمه بعدها ومقتضاه أن تقليد الكافر لا يصح، وإن أسلم قال في البحر‏:‏ وفي الواقعات الحسامية الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة فإن الكفر لا ينافي ابتداء القضاء في إحدى الروايتين، حتى لو قلد الكافر، ثم أسلم هل يحتاج إلى تقليد آخر فيه روايتان ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ وبه علم أن تقليد الكافر صحيح، وإن لم يصح قضاؤه على المسلم حال كفره ا هـ‏.‏ وهذا ترجيح لرواية صحة التولية أخذا من كون الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة خلافا لما مشى عليه المصنف في باب التحكيم من رواية عدم الصحة وفي الفتح قلد عبد فعتق جاز قضاؤه بتلك الولاية بلا حاجة إلى تجديد بخلاف تولية صبي فأدرك، ولو قلد كافر فأسلم قال محمد‏:‏ هو على قضائه فصار الكافر كالعبد، والفرق أن كلا منهما له ولاية وبه مانع وبالعتق والإسلام يرتفع، أما الصبي فلا ولاية له أصلا وما في الفصول لو قال لصبي أو كافر‏:‏ إذا أدركت فصل بالناس أو اقض بينهم جاز لا يخالف ما ذكر في الصبي؛ لأن هذا تعليق الولاية والمعلق معدوم قبل الشرط وما تقدم تنجيز ا هـ‏.‏ وبه ظهر أن الأولى كون المراد في مرجع الضمير من يصح منه القضاء لا من تصح توليته إلا أن يراد بها الكاملة وهي النافذة الحكم وأما تولية الأطرش فسيذكرها الشارح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويرد عليه إلخ‏)‏ أي على ما في الحواشي من تقييده بالمسلمين، فكان عليه إسقاطه ليكون المراد أداءها على من يقضي عليه فيدخل الكافر، لكن التفسير بالأداء احتراز عن التحمل؛ لأنه يصح تحملها حالة الكفر والرق لا أداؤها فينافي ذلك، والتحقيق أن يقال كما يعلم مما قدمناه إن كان المراد بمرجع الضمير من تصح توليته يكون المراد بالشهادة تحملها فيدخل فيه العبد والكافر‏.‏ نعم يخرج عنه الصبي لعدم ولايته أصلا، وإن كان المراد من يصح منه القضاء يكون المراد بالشهادة أداءها فقط، فيدخل فيه الكافر المولى على أهل الذمة فإنه يصح قضاؤه عليهم حالا وكونه قاضيا خاصا لا يضر كما لا يضر تخصيص قاضي المسلمين بجماعة معينين؛ لأن المراد من يصح قضاؤه في الجملة وعلى كل فالواجب إسقاط ذلك القيد إلا أن يكون مراده تعريف القاضي الكامل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ليحكم بين أهل الذمة‏)‏ أي حال كفره وإلا فقد علمت أن الكافر يصح توليته مطلقا لكن لا يحكم إلا إذا أسلم‏.‏

مطلب في حكم القاضي الدرزي والنصراني

‏[‏تنبيه‏]‏

ظهر من كلامهم حكم القاضي المنصوب في بلاد الدروز في القطر الشامي، ويكون درزيا ويكون نصرانيا فكل منهما لا يصح حكمه على المسلمين، فإن الدرزي لا ملة له كالمنافق والزنديق وإن سمى نفسه مسلما وقد أفتى في الخيرية بأنه لا تقبل شهادته على المسلم‏.‏ والظاهر أنه يصح حكم الدرزي على النصراني وبالعكس تأمل، وهذا كله يعد كونه منصوبا من طرف السلطان أو مأموره بذلك وإلا فالواقع أنه ينصبه أمير تلك الناحية، ولا أدري أنه مأذون له بذلك أم لا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لكن جرت العادة أن أمير صيدا يولى القضاء في تلك الثغور والبلاد بخلاف دمشق ونحوها، فإن أميرها ليس له ذلك فيها بدليل أن لها قاضيا في كل سنة يأتي من طرف السلطان ثم رأيت في الفتح قال‏:‏ والذي له ولاية التقليد الخليفة والسلطان الذي نصبه الخليفة، وأطلق له التصرف وكذا الذي ولاه السلطان ناحية، وجعل له خراجها وأطلق له التصرف فإن له أن يولي ويعزل كذا قالوا‏:‏ ولا بد من أن لا يصرح له بالمنع أو يعلم ذلك بعرفهم فإن نائب الشام وحلب في ديارنا يطلق لهم التصرف في الرعية والخراج ولا يولون القضاء ولا يعزلون ا هـ‏.‏ والله سبحانه أعلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وشرط أهليتها إلخ‏)‏ تكرار مع قوله وأهله أهل الشهادة ا هـ‏.‏ ح، والظاهر أن المصنف ذكر الجملة الأولى تبعا للكنز وغيره ثم ذكر الثانية تبعا للغرر توضيحا وشرحا للأولى وأما الجواب بأنه ذكرها ليرتب عليها قوله‏:‏ والفاسق أهلها فغير مفيد فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فلذا قيل إلخ‏)‏ علة للعلة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والفاسق أهلها‏)‏ سيأتي بيان الفسق والعدالة في الشهادات، وأفصح بهذه الجملة دفعا لتوهم من قال إن الفاسق ليس بأهل للقضاء فلا يصح قضاؤه؛ لأنه لا يؤمن عليه لفسقه، وهو قول الثلاثة واختاره الطحاوي قال العيني‏:‏ وينبغي أن يفتى به خصوصا في هذا الزمان ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لو اعتبر هذا لانسد باب القضاء خصوصا في زماننا فلذا كان ما جرى عليه المصنف هو الأصح كما في الخلاصة، وهو أصح الأقاويل كما في العمادية نهر وفي الفتح والوجه تنفيذ قضاء كل من ولاه سلطان ذو شوكة وإن كان جاهلا فاسقا وهو ظاهر المذهب عندنا وحينئذ فيحكم بفتوى غيره ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكنه لا يقلد وجوبا إلخ‏)‏ قال في البحر وفي غير موضع ذكر الأولوية يعني الأولى أن لا تقبل شهادته وإن قبل جاز وفي الفتح ومقتضى الدليل أن لا يحل أن يقضى بها فإن قضى جاز ونفذ ا هـ‏.‏ ومقتضاه الإثم وظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا‏}‏ أنه لا يحل قبولها قبل تعرف حاله، وقولهم بوجوب السؤال عن الشاهد سرا وعلانية طعن الخصم أو لا في سائر الحقوق على قولهما المفتى به يقتضي الإثم بتركه؛ لأنه للتعرف عن حاله حتى لا يقبل الفاسق، وصرح ابن الكمال بأن من قلد فاسقا يأثم وإذا قبل القاضي شهادته يأثم ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ به يفتى‏)‏ راجع لما في المتن فقد علمت التصريح بتصحيحه وبأنه ظاهر المذهب وأما كون عدم تقليده واجبا ففيه كلام كما علمت فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقيده‏)‏ أي قيد قبول شهادة الفاسق المفهوم من قابل ا هـ‏.‏ ح وعبارة الدرر حتى لو قبلها القاضي، وحكم بها كان آثما لكنه ينفذ وفي الفتاوى القاعدية هذا إذا غلب على ظنه صدقه وهو مما يحفظ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أنه لا يأثم أيضا لحصول التبين المأمور به في النص تأمل قال ط‏:‏ فإن لم يغلب على ظن القاضي صدقه بأن غلب كذبه عنده أو تساويا فلا يقبلها أي لا يصح قبولها أصلا، هذا ما يعطيه المقام ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ واستثنى الثاني‏)‏ أي أبو يوسف من الفاسق الذي يأثم القاضي بقبول شهادته، والظاهر أن هذا مما يغلب على ظن القاضي صدقه، فيكون داخلا تحت كلام القاعدية فلا حاجة إلى استثنائه على ما استظهرناه آنفا تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ سيجيء تضعيفه‏)‏ أي في الشهادات حيث قال وما في القنية، والمجتبى من قبول ذي المروءة الصادق فقول الثاني، وضعفه الكمال بأنه تعليل في مقابلة النص فلا يقبل وأقره المصنف ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ قدمنا آنفا عن البحر أن ظاهر النص أنه لا يحل قبول شهادة الفاسق قبل تعرف حاله فإذا ظهر للقاضي من حاله الصدق، وقبله يكون موافقا للنص إلا أن يريد بالنص قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأشهدوا ذوي عدل منكم‏}‏ لكن فيه أن دلالته على عدم قبول العدل‏.‏ إنما هي بالمفهوم وهو غير معتبر عندنا ولا سيما هو مفهوم لقب مع أن الآية الأولى تدل على قبول قوله عند التبين عن حاله كما قلنا تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي معروضات المفتي أبي السعود‏)‏ أي المسائل التي عرضها على سلطان زمانه، فأمر بالعمل بها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في وجود العدالة‏)‏ هذا كان في زمنه وقد وجد التساوي في عدمها الآن فلينظر من يقدم ط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إذا كانت دنيوية‏)‏ سيذكر تفسيرها عن شرح الشرنبلالي واحترز بالدنيوية عن الدينية فإن من عادى غيره لارتكابه به ما لا يحل لا يتهم، بأنه يشهد عليه بزور بخلاف المعاداة الدنيوية، وعن هذا قبلت شهادة المسلم على الكافر، وإن كان عدوه من حيث الديانة وكذا شهادة اليهودي على النصراني‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو قضى القاضي بها لا ينفذ‏)‏ دفع به ما يتوهم أنها مثل شهادة الفاسق فإنه تقدم أنه يصح قبولها، وإن أثم القاضي فشهادة العدو ليست كذلك بل هي كما لو قبل شهادة العبد والصبي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ذكره يعقوب باشا‏)‏ أي في حاشيته على صدر الشريعة وقال في الخيرية والمسألة دوارة في الكتب‏.‏مطلب في قضاء العدو على عدوه

‏(‏قوله‏:‏ فلا يصح قضاؤه عليه‏)‏ أي إذا كانت شهادة العدو على عدوه لا تقبل ولو قضى بها القاضي لا ينفذ يتفرع عليه أن القاضي لو قضى على عدوه لا يصح لما تقرر إلخ وبه سقط ما قيل إن ما ذكره عن اليعقوبية مكرر مع هذا فافهم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

إذا لم يصح قضاؤه عليه فالمخلص إنابة غيره وإذا كان مأذونا بالاستنابة، وسيأتي أنه يستنيب إذا وقعت له أو لولده حادثة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قال‏)‏ أي المصنف في المنح ونصه ورأيت بموضع ثقة معزوا إلى بعض الفتاوى، وأظن أنها الفتاوى الكبرى للخاصي أن سجل العدو لا يقبل على عدوه كما لا تقبل شهادته عليه ا هـ‏.‏ فافهم، والظاهر أن المراد بالسجل كما قال ط كتاب القاضي إلى قاض في حادثة على عدو للقاضي، وهو ما يأتي عن الناصحي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم نقل‏)‏ أي المصنف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أنه لم ير نقلها‏)‏ أي نقل مسألة قضاء القاضي على عدوه وهذا الكلام ذكره عبد البر بن الشحنة في شرح الوهبانية عن ابن وهبان فينبغي أن يكون قوله لم ير نقلها مبنيا للمجهول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وينبغي النفاذ‏)‏ أي مطلقا سواء كان بعلمه أو بشهادة عدلين وهذا البحث لشارح الوهبانية خالف فيه بحث ابن وهبان الآتي وذكره عقبه بقوله‏:‏ قلت‏:‏ بل ينبغي النفاذ مطلقا لو القاضي عدلا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إن بعلمه لم يجز‏)‏ أي بناء على القول بجواز قضاء القاضي بعلمه والمعتمد خلافه وعليه فلا خلاف بين كلامي ابن الشحنة وابن وهبان فإن مؤدى كلاميها نفوذ حكمه لو عدلا بشهادة العدول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ واعتمده إلخ‏)‏ المتبادر من النظم اعتماد الأول وهو بحث ابن الشحنة فيتعين عود الضمير إليه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ واختار بعض العلماء‏)‏ هو ابن وهبان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قلت لكن إلخ‏)‏ أصله للمصنف حيث قال‏:‏ وقد غفل الشيخان أي ابن وهبان وشارحه عبد البر عما اتفقت كلمتهم عليه في كتبهم المعتمدة من أن أهله أهل الشهادة فمن صلح لها صلح له ومن لا فلا والعدو لا يصلح للشهادة على ما عليه عامة المتأخرين فلا يصلح للقضاء ا هـ‏.‏ ط‏.‏ قلت‏:‏ ولم أر هذا الكلام في نسختي في شرح المصنف‏.‏ ثم اعلم أن مراد الشارح الاستدراك على كلام الشيخين وتأييد كلام المتن، فإن المصنف فرع عدم صحة القضاء على عدم قبول الشهادة، وهو مفهوم الكلية الواقعة في عبارات المتون وهي قولهم‏:‏ وأهله أهلها فإن مفهومها عكسها اللغوي وهو أن من ليس أهلا لها، لا يكون أهلا له، فلذا قال المصنف في متنه والعدو لا تقبل شهادته على عدوه، فلا يصح قضاؤه عليه ولما كان هذا إثباتا للحكم بالمفهوم، وفيه احتمال نقل الشارح أن مفهوم الكلية المذكورة مصرح به في عبارة الناصحي، فسقط الاحتمال واندفع بحث الشيخين وتأيد كلام المصنف؛ ولذا قال وهو صريح أو كالصريح فيما اعتمده المصنف، ولكن بقي ها هنا تحقيق توفيق وهو أنه ذكر في القنية أن العداوة الدنيوية لا تمنع قبول الشهادة ما لم يفسق بها، وأنه الصحيح وعليه الاعتماد وأن ما في المحيط والواقعات، من أن شهادة العدو على عدوه لا تقبل اختيار المتأخرين، والرواية المنصوصة تخالفها وأنه مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة تقبل إذا كان عدلا وفي المبسوط إن كانت دنيوية فهذا يوجب فسقه فلا تقبل شهادته ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ والحاصل أن في المسألة قولين معتمدين‏:‏ أحدهما عدم قبولها على العدو، وهذا اختيار المتأخرين، وعليه صاحب الكنز والملتقى ومقتضاه أن العلة العداوة لا الفسق، وإلا لم تقبل على غير العدو أيضا وعلى هذا لا يصح قضاء العدو على عدوه أيضا‏.‏ ثانيهما أنها تقبل إلا إذا فسق بها واختاره ابن وهبان وابن الشحنة، وإذا قبلت فبالضرورة يصح قضاء العدو على عدوه إذا كان عدلا فلذا اختار الشيخان صحته، وبه علم أن من يقول بقبول شهادة العدو العدل يقول بصحة قضائه ومن لا فلا وأن ما ذكره الناصحي لا يعارض كلام الشيخين لاختلاف المناط فاغتنم هذا التحقيق ودع التلفيق‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يعتمد على كتابه‏)‏ هو المعبر عنه فيما سبق بالسجل ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيما اعتمده المصنف‏)‏ أي في متنه ومن إطلاق عدم القبول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبه أفتى محقق الشافعية الرملي‏)‏ هذا غير ما نقله في شرح الوهبانية عن الرافعي عن الماوردي من جواز القضاء على العدو، لا الشهادة عليه لظهور أسباب الحكم وخفاء أسباب الشهادة ا هـ‏.‏ وهو وجيه ولذا قيد ابن وهبان صحة القضاء بما إذا كان بشهادة العدول بمحضر من الناس كما مر لتنتفي التهمة بمعاينة أسباب الحكم، ويظهر لي أنه ينبغي أن يصح الحكم عندنا في هذه الصورة حتى على القول بعدم قبول شهادة العدو فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومن خطه نقلت‏)‏ الجار والمجرور متعلق بقوله نقلت، وقوله إنه لو قضى إلخ مفعول نقلت أو بدل من الضمير المجرور في قوله وبه أفتى، وجملة ومن خطه نقلت معترضة أو هي خبر مقدم، وجملة أنه لو قضى إلخ مبتدأ مؤخر واقتصر ط على الأخير‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي إلخ‏)‏ أصله لناظمها ونقله العلامة عبد البر عنه ونصه قال، أي ابن وهبان وقد يتوهم بعض المتفقهة من الشهود أن من خاصم شخصا في حق أو ادعى عليه يصير عدوه، فيشهدون بينهما بالعداوة وليس كذلك وإنما تثبت بنحو إلخ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن قد علمت أن مختار ابن وهبان أن العداوة لا تمنع قبول الشهادة إلا إذا فسق بها فعلم أنها قد تكون مفسقة وقد لا تكون فقوله‏:‏ وإنما تثبت إلخ يريد به العداوة المانعة وهي المفسقة، ولا يخفى أن هذه تمنع القبول على العدو وعلى غيره وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في الشهادات إن شاء الله تعالى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ووصي‏)‏ أي فيما أوصى عليه وقوله وشريك أي فيما هو من مال الشركة ط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والفاسق لا يصلح مفتيا‏)‏ أي لا يعتمد على فتواه وظاهر قول المجمع لا يستفتى أنه لا يحل استفتاؤه، ويؤيده قول ابن الهمام في التحرير الاتفاق على حل استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد والعدالة أو رآه منتصبا والناس يستفتونه معظمين له، وعلى امتناعه إن ظن عدم أحدهما أي عدم الاجتهاد أو العدالة كما في شرحه، ولكن اشتراط الاجتهاد مبني على اصطلاح الأصوليين أن المفتي المجتهد أي الذي يفتي بمذهبه، وأن غيره ليس بمفت بل هو ناقل كما سيأتي، والثاني هو المراد هنا بدليل ما سيأتي من أن اجتهاده شرط الأولوية؛ ولأن المجتهد مفقود اليوم‏.‏ والحاصل‏:‏ أنه لا يعتمد على فتوى المفتي الفاسق مطلقا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وله في شرحه عبارات بليغة‏)‏ حيث قال إن أولى ما يستنزل به فيض الرحمة الإلهية في تحقيق الواقعات الشرعية طاعة الله عز وجل والتمسك بحبل التقوى قال تعالى‏:‏ ‏{‏واتقوا الله ويعلمكم الله‏}‏ ومن اعتمد على رأيه وذهنه في استخراج دقائق الفقه وكنوزه وهو في المعاصي حقيق بإنزال الخذلان فقد اعتمد على ما لا يعتمد عليه ‏{‏ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏}‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وظاهر ما في التحرير‏)‏ بل هو صريحه كما سمعت‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبه جزم في الكنز‏)‏ حيث قال والفاسق يصلح مفتيا وقيل لا فجزم بالأول ونسب الثاني إلى قائله بصيغة التمريض فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يجتهد إلخ‏)‏ هذا التعليل لا يظهر في زماننا؛ لأنه قد يعرض عن النص الضروري قصدا لغرض فاسد وربما عورض بالنص فيدعي فساد النص ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حذار نسبة الخطأ‏)‏ الأولى أن يقول حذر لما في القاموس وحذار حذار وقد ينون الثاني أي احذر ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وشرط بعضهم تيقظه‏)‏ احترازا عمن غلب عليه الغفلة والسهو، قلت‏:‏ وهذا شرط لازم في زماننا، فإن العادة اليوم أن من صار بيده فتوى المفتي استطال على خصمه وقهره بمجرد قوله أفتاني المفتي، بأن الحق معي والخصم جاهل لا يدري ما في الفتوى، فلا بد أن يكون المفتي متيقظا يعلم حيل الناس ودسائسهم، فإذا جاءه السائل يقرره من لسانه ولا يقول له إن كان كذا فالحق معك، وإن كان كذا فالحق مع خصمك؛ لأنه يختار لنفسه ما ينفعه، ولا يعجز على إثباته بشاهدي زور، بل الأحسن أن يجمع بينه وبين خصمه فإذا ظهر له الحق مع أحدهما كتب الفتوى لصاحب الحق وليحترز من الوكلاء في الخصومات فإن أحدهم لا يرضى إلا بإثبات دعواه لموكله بأي وجه أمكن ولهم مهارة في الحيل والتزوير، وقلب الكلام وتصوير الباطل بصورة الحق فإذا أخذ الفتوى قهر خصمه ووصل إلى غرضه الفاسد، فلا يحل للمفتي أن يعينه على ضلاله وقد قالوا من جهل بأهل زمانه فهو جاهل، وقد يسأل عن أمر شرعي، وتدل القرائن للمفتي المتيقظ أن مراده التوصل به إلى غرض فاسد كما شهدناه كثيرا‏.‏ والحاصل أن غفلة المفتي يلزم منها ضرر عظيم في هذا الزمان والله تعالى المستعان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا حريته إلخ‏)‏ أي فهو كالراوي لا كالشاهد والقاضي ولذا تصح فتواه لمن لا تقبل شهادته له‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيصح إفتاء الأخرس‏)‏ أي حيث فهمت إشارته بل يجوز أن يعمل بإشارة الناطق كما في الهندية وأفاده عموم قول المصنف ويكتفى بالإشارة منه ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فالأصح الصحة‏)‏ لأنه يفرق بين المدعي والمدعى عليه وقيل لا يجوز؛ لأنه لا يسمع الإقرار فيضيع حقوق الناس، بخلاف الأصم وهكذا فصل شارح الوهبانية، وينبغي أن الحكم كذلك في المفتي‏.‏ فإن قلت‏:‏ قد يفرق بينهما، بأن المفتي يقرأ صورة الاستفتاء، ويكتب جوابه فلا يحتاج إلى السماع‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر من كلامهم عدم الاكتفاء بهذا في القاضي مع أنه يمكن أن يكتب له جواب الخصمين، فكذا في المفتي ويمكن الفرق بأن القضاء لا بد له من صيغة مخصوصة بعد دعوى صحيحة‏.‏ فيحتاط فيه بخلاف الإفتاء فإنه إفادة الحكم الشرعي ولو بالإشارة فلا يشترط فيه السماع ا هـ‏.‏ منح ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ لا شك أنه إذا كتب له وأجاب عنه جاز العمل بفتواه وأما إذا كان منصوبا للفتوى يأتيه عامة الناس ويسألونه من نساء وأعراب وغيرهم، فلا بد أن يكون صحيح السمع؛ لأنه لا يمكن كل سائل أن يكتب له سؤاله، وقد يحضر إليه الخصمان ويتكلم أحدهما بما يكون فيه الحق عليه لا له والمفتي لم يسمع ذلك منه فيفتيه على ما سمع من بعض كلامه فيضيع حق خصمه، وهذا قد شاهدته كثيرا فلا ينبغي التردد في أنه لا يصح أن يكون مفتيا عاما ينتظر القاضي جوابه ليحكم به فإن ضرر مثل هذا أعظم من نفعه والله سبحانه أعلم‏.‏

مطلب يفتى بقول الإمام على الإطلاق

‏(‏قوله‏:‏ ويفتي القاضي إلخ‏)‏ في الظهيرية ولا بأس للقاضي أن يفتي من لم يخاصم إليه ولا يفتي أحد الخصمين فيما خوصم إليه ا هـ‏.‏ بحر وفي الخلاصة‏:‏ القاضي هل يفتي فيه أقاويل، والصحيح أنه لا بأس به في مجلس القضاء وغيره في الديانات والمعاملات ا هـ‏.‏ ويمكن حمله على من لم يخاصم إليه فيوافق ما في الظهيرية ومن ثم عولنا عليه في هذا المختصر منح، وقد جمع الشارح بين العبارتين بهذا الحمل وفي كافي الحاكم وأكره للقاضي أن يفتي في القضاء للخصوم كراهة أن يعلم خصمه قوله فيتحرز منه بالباطل ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسيتضح‏)‏ لعله أراد به مسألة التسوية تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على الإطلاق‏)‏ أي سواء كان معه أحد أصحابه أو انفرد لكن سيأتي قبيل الفصل أن الفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء لزيادة تجربته‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو الأصح‏)‏ مقابله ما يأتي عن الحاوي وما في جامع الفصولين من أنه لو معه أحد صاحبيه أخذ بقوله‏:‏ وإن خالفاه قيل كذلك وقيل يخير إلا فيما كان الاختلاف بحسب تغير الزمان كالحكم بظاهر العدالة وفيما أجمع المتأخرون عليه كالمزارعة والمعاملة فيختار قولهما‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعبارة النهر إلخ‏)‏ أي لإفادة أن رتبة الحسن بعد زفر، بخلاف عبارة المصنف فإن عطفه بالواو يفيد أنهما في رتبة واحدة، وعبارة المصنف هي المشهورة في الكتب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وصحح في الحاوي‏)‏ أي الحاوي القدسي وهذا فيما إذا خالف الصاحبان الإمام والمراد بقوة المدرك قوة الدليل أطلق عليه المدرك؛ لأنه محل إدراك الحكم؛ لأن الحكم يؤخذ منه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والأول أضبط‏)‏ لأن ما في الحاوي خاص فيمن له اطلاع على الكتاب والسنة وصار له ملكة النظر في الأدلة واستنباط الأحكام منها، وذلك هو المجتهد المطلق، أو المقيد بخلاف الأول فإنه يمكن لمن هو دون ذلك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يخير إلا إذا كان مجتهدا‏)‏ أي لا يجوز له مخالفة الترتيب المذكور إلا إذا كان له ملكة يقتدر بها على الاطلاع على قوة المدرك، وبهذا رجع القول الأول إلى ما في الحاوي من أن العبرة في المفتي المجتهد لقوة المدرك نعم فيه زيادة تفصيل سكت عنه الحاوي، فقد اتفق القولان على أن الأصح هو أن المجتهد في المذهب من المشايخ الذين هم أصحاب الترجيح، ولا يلزمه الأخذ بقول الإمام على الإطلاق بل عليه النظر في الدليل وترجيح ما رجح عنده دليله، ونحن نتبع ما رجحوه واعتمدوه كما لو أفتوا في حياتهم كما حققه الشارح في أول الكتاب نقلا عن العلامة قاسم، ويأتي قريبا عن الملتقط أنه إن لم يكن مجتهدا فعليه تقليدهم واتباع رأيهم، فإذا قضى بخلافه لا ينفذ حكمه وفي فتاوى ابن الشلبي لا يعدل عن قول الإمام إلا إذا صرح أحد من المشايخ بأن الفتوى على قول غيره وبهذا سقط ما بحثه في البحر من أن علينا الإفتاء بقول الإمام وإن أفتى المشايخ بخلافه، وقد اعترضه محشيه الخير الرملي بما معناه أن المفتي حقيقة هو المجتهد وأما غيره فناقل لقول المجتهد، فكيف يجب علينا الإفتاء بقول الإمام وإن أفتى المشايخ بخلافه ونحن إنما نحكي فتواهم لا غير ا هـ‏.‏ وتمام أبحاث هذه المسألة حررناه في منظومتنا في رسم المفتي وفي شرحها وقدمنا بعضه في أول الكتاب والله الهادي إلى الصواب فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ معتمد مذهبه‏)‏ أي الذي اعتمده مشايخ المذهب سواء وافق قول الإمام أو خالفه كما قررناه آنفا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسيجيء‏)‏ أي بعد أسطر عن الملتقط وكذا في الفصل الآتي عند قوله قضي في مجتهد فيه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ اعلم أن في كل موضع قالوا الرأي فيه للقاضي إلخ‏)‏ أقول‏:‏ قد عد في الأشباه من المسائل التي فوضت لرأي القاضي إحدى عشرة مسألة زاد محشيه الخير الرملي أربع عشرة مسألة أخرى ذكرها الحموي في حاشيته، ولحفيد المصنف الشيخ محمد بن الشيخ صالح بن المصنف رسالة في ذلك سماها فيض المستفيض في مسائل التفويض، فارجع إليها ولكن بعض هذه المسائل لا يظهر توقف الرأي فيها على الاجتهاد المصطلح فليتأمل وانظر ما نذكره في الفصل الآتي عند قوله فيحبسه بما رأى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإنما ينفذ القضاء إلخ‏)‏ هذا في القاضي المجتهد أما المقلد فعليه العمل بمعتمد مذهبه علم فيه خلافا أو لا ا هـ‏.‏ ط وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة عند قول المصنف وإذا رفع إليه حكم قاض آخر نفذه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإذا أشكل إلخ‏)‏ قال في الهندية وإن لم يقع اجتهاد على شيء، وبقيت الحادثة مختلفة ومشكلة كتب إلى فقهاء غير مصره فالمشاورة بالكتاب سنة قديمة في الحوادث الشرعية، فإن اتفق رأيهم على شيء ورأيه يوافقهم وهو من أهل الرأي والاجتهاد أمضى ذلك برأيه، وإن اختلفوا نظر إلى أقرب الأقوال عنده من الحق إن كان من أهل الاجتهاد وإلا أخذ بقول من هو أفقه وأورع عنده ا هـ‏.‏ ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقضى بما رآه صوابا‏)‏ أي بما حدث له من الرأي والاجتهاد بعد مشاورتهم، فلا ينافي قوله ولا رأي له فيه تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا أن يكون غيره‏)‏ أي إلا أن يكون الشخص الذي أفتاه أقوى منه، فيجوز له أن يعدل عن رأي نفسه إلى رأي ذلك المفتي لكن هذا إذا اتهم رأي نفسه ففي الهندية عن المحيط وإن شاور القاضي رجلا واحدا كفى، فإن رأى بخلاف رأيه وذلك الرجل أفضل وأفقه عنده لم يذكر هذه المسألة هنا وقال في كتاب الحدود لو قضى برأي ذلك الرجل أن يكون في سعة وإن لم يتهم القاضي رأيه لا ينبغي أن يترك رأي نفسه ويقضي برأي غيره ا هـ‏.‏ أي لأن المجتهد لا يقلد غيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ واتباع رأيهم‏)‏ أي إن اتفقوا على شيء وإلا أخذ بقول الأفقه والأورع عنده كما مر‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وعندي أنه لو أخذ بقول الذي لا يميل إليه قلبه جاز؛ لأن ذلك الميل وعدمه سواء، والواجب عليه تقليد مجتهد وقد فعل أصاب ذلك المجتهد أو أخطأ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا كله فيما إذا كان المفتيان مجتهدين واختلفا في الحكم، ومثله يقال في المقلدين فيما لم يصرحوا في الكتب بترجيحه واعتماده أو اختلفوا في ترجيحه، وإلا فالواجب الآن اتباع ما اتفقوا على ترجيحه أو كان ظاهر الرواية أو قول الإمام أو نحو ذلك من مقتضيات الترجيح التي ذكرناها في أول الكتاب وفي منظومتنا وشرحها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في ظاهر الرواية‏)‏ في البحر‏:‏ ولا يشترط المصر على ظاهر الرواية فالقضاء بالسواد صحيح، وبه يفتى كذا في البزازية ا هـ‏.‏ وبه علم أن كلا من القولين معزو إلى ظاهر الرواية وفيه تأمل رملي على المنح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي عقار إلخ‏)‏ في البحر ولا يشترط أن يكون المتداعيان من بلد القاضي إذا كانت الدعوى في المنقول والدين وأما في عقار لا في ولايته، فالصحيح الجواز كما في الخلاصة والبزازية وإياك أن تفهم خلاف ذلك فإنه غلط ا هـ‏.‏

مطلب في الكلام على الرشوة والهدية

‏(‏قوله‏:‏ أخذ القضاء برشوة‏)‏ بتثليث الراء قاموس وفي المصباح الرشوة بالكسر ما يعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد، جمعها رشا مثل سدرة وسدر، والضم لغة وجمعها رشا بالضم ا هـ‏.‏ وفيه البرطيل بكسر الباء الرشوة وفتح الباء عامي‏.‏ وفي الفتح‏:‏ ثم الرشوة أربعة أقسام‏:‏ منها ما هو حرام على الآخذ والمعطي وهو الرشوة على تقليد القضاء والإمارة‏.‏ الثاني‏:‏ ارتشاء القاضي ليحكم وهو كذلك ولو القضاء بحق؛ لأنه واجب عليه‏.‏ الثالث‏:‏ أخذ المال ليسوي أمره عند السلطان دفعا للضرر أو جلبا للنفع وهو حرام على الآخذ فقط وحيلة حلها أن يستأجره يوما إلى الليل أو يومين فتصير منافعه مملوكة ثم يستعمله في الذهاب إلى السلطان للأمر الفلاني، وفي الأقضية قسم الهدية وجعل هذا من أقسامها فقال‏:‏ حلال من الجانبين كالإهداء للتودد وحرام منهما كالإهداء ليعينه على الظلم وحرام على الآخذ فقط، وهو أن يهدى ليكف عنه الظلم والحيلة أن يستأجره إلخ قال‏:‏ أي في الأقضية هذا إذا كان فيه شرط أما إذا كان بلا شرط لكن يعلم يقينا أنه إنما يهدي ليعينه عند السلطان فمشايخنا على أنه لا بأس به، ولو قضى حاجته بلا شرط ولا طمع فأهدى إليه بعد ذلك فهو حلال لا بأس به وما نقل عن ابن مسعود من كراهته فورع الرابع‏:‏ ما يدفع لدفع الخوف من المدفوع إليه على نفسه أو ماله حلال للدافع حرام على الآخذ؛ لأن دفع الضرر عن المسلم واجب ولا يجوز أخذ المال ليفعل الواجب، ا هـ‏.‏ ما في الفتح ملخصا‏.‏ وفي القنية الرشوة يجب ردها ولا تملك وفيها دفع للقاضي أو لغيره سحتا لإصلاح المهم فأصلح ثم ندم يرد ما دفع إليه ا هـ‏.‏ وتمام الكلام عليها في البحر ويأتي الكلام على الهدية للقاضي والمفتي والعمال‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للسلطان‏)‏ صفة لرشوة أي دفعها القاضي له وكذا لو دفعها غيره كما في البحر عن البزازية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو ارتشى‏)‏ المناسب إسقاطه؛ لأنه يغني عنه قوله ولو كان عدلا مع ما فيه من الإبهام كما تعرفه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا ينفذ حكمه‏)‏ فيه إيهام التسوية بين المسألتين، ومع أنه إذا أخذ القضاء بالرشوة لا يصير قاضيا، كما في الكنز‏.‏ قال في البحر، وهو الصحيح ولو قضى لم ينفذ وبه يفتى ا هـ‏.‏ ومثله في الدرر عن العمادية وأما إذا ارتشى أي بعد صحة توليته سواء ارتشى ثم قضى أو قضى ثم ارتشى كما في الفتح‏.‏ فحكى في العمادية فيه ثلاثة أقوال قيل‏:‏ إن قضاءه نافذ فيما ارتشى فيه وفي غيره وقيل‏:‏ لا ينفذ فيه وينفذ فيما سواه، واختاره السرخسي وقيل لا ينفذ فيهما والأول اختاره البزدوي واستحسنه في الفتح؛ لأن حاصل أمر الرشوة فيما إذا قضى بحق إيجاب فسقه، وقد فرض أنه لا يوجب العزل فولايته قائمة وقضاؤه بحق فلم لا ينفذ وخصوص هذا الفسق غير مؤثر، وغاية ما وجه أنه إذا ارتشى عامل لنفسه معنى والقضاء عمل لله تعالى ا هـ‏.‏ قال في النهر تبعا للبحر‏:‏ وأنت خبير بأن كون خصوص هذا الفسق غير مؤثر ممنوع، وبل يؤثر بملاحظة كونه عملا لنفسه، وبهذا يترجح وما اختاره السرخسي وفي الخانية أجمعوا أنه إذا ارتشى لا ينفذ قضاؤه فيما ارتشى فيه ا هـ‏.‏ قلت حكاية الإجماع منقوضة بما اختاره البزدوي، واستحسنه في الفتح وينبغي اعتماده للضرورة في هذا الزمان وإلا بطلت جميع القضايا الواقعة الآن؛ لأنه لا تخلو قضية عن أخذ القاضي الرشوة المسماة بالمحصول قبل الحكم أو بعده فيلزم تعطيل الأحكام، وقد مر عن صاحب النهر في ترجيح أن الفاسق أهل للقضاء أنه لو اعتبر العدالة لانسد باب القضاء فكذا يقال هنا وانظر ما سنذكره في أول باب التحكيم وفي الحامدية عن جواهر الفتاوى قال شيخنا وإمامنا جمال الدين البزدوي أنا متحير في هذه المسألة لا أقدر أن أقول تنفيذ أحكامهم لما أرى من التخليط والجهل والجراءة فيهم، ولا أقدر أن أقول لا تنفيذ؛ لأن أهل زماننا كذلك فلو كذلك فلو أفتيت بالبطلان أدى إلى إبطال الأحكام جميعا يحكم الله بيننا وبين قضاة زماننا أفسدوا علينا ديننا، وشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لم يبق منهم إلا الاسم والرسم ا هـ‏.‏ هذا في قضاة ذلك الزمان، فما بالك في قضاة زماننا فإنهم زادوا على من قبلهم باعتقادهم حل ما يأخذونه من المحصول بزعمهم الفاسد أن السلطان يأذن لهم بذلك، وسمعت من بعضهم أن المولى أبا السعود أفتى بذلك، وأظن أن ذلك افتراء عليه وانظر ما سنذكره قبيل كتاب الشهادات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومنه إلخ‏)‏ أي من قسم أخذ القضاء بالرشوة وهذا يسمى الآن مقاطعة والتزاما بأن يكون على رجل قضاء ناحية فيدفع له آخر شيئا معلوما ما ليقضي فيها ويستقل بجميع ما يحصله ومن المحصول لنفسه وذكر في الخيرية في شأنهم نظما يصرح بكفرهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن في الفتح إلخ‏)‏ استدراك على قوله أو شفاعة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو بغيره‏)‏ كزنا أو شرب خمر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنها المعظم‏)‏ أي معظم ما يفسق به القاضي نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ استحق العزل‏)‏ هذا ظاهر المذهب وعليه مشايخنا البخاريون والسمرقنديون ومعناه أنه يجب على السلطان عزله ذكره في الفصول، وقيل‏:‏ إذا ولى عدلا ثم فسق انعزل؛ لأن عدالته مشروطة معنى؛ لأن موليه اعتمدها فيزول بزوالها وفيه أنه لا يلزم من اعتبار ولايته لصلاحيته تقييدها به على وجه تزول بزواله فتح ملخصا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقيل ينعزل وعليه الفتوى‏)‏ قال في البحر بعد نقله وهو غريب والمذهب خلافه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم صلح‏)‏ أي بالطاعة أو الإسلام ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فهو على قضائه‏)‏ مخالف لما في البحر عن البزازية أربع خصال‏:‏ إذا حلت بالقاضي يعزل فوات السمع أو البصر أو العقل أو الدين ا هـ‏.‏ لكن قال بعده، وفي الواقعات الحسامية الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة فإن المكفر لا ينافي ابتداء القضاء في إحدى الروايتين، ثم قال وبه علمت أن ما مر على خلاف المفتى به وفي الولوالجية إذا ارتد أو فسق ثم صلح فهو على حاله؛ لأن الارتداد فسق، وبنفس الفسق لا ينعزل إلا أن ما قضى في حال الردة باطل ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وظاهر ما في الولوالجية أن ما قضاه في حال الفسق نافذ وهو الموافق لما مر إلا أن يراد بالفسق في عبارة الخلاصة الفسق بالرشوة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ واعتمده في البحر‏)‏ فيه أن الذي اعتمده في البحر هو قوله فصار الحاصل‏:‏ أنه إذا فسق لا ينعزل وتنفذ قضاياه إلا في مسألة هي ما إذا فسق بالرشوة فإنه لا ينفذ في الحادثة التي أخذ بسببها قال وذكر الطرسوسي أن من قال باستحقاقه العزل قال بصحة أحكامه ومن قال بعزله قال ببطلانها ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن في أول دعوى الخانية إلخ‏)‏ حيث قال كما في البحر‏:‏ والوالي إذا فسق فهو بمنزلة القاضي يستحق العزل ولا ينعزل ا هـ‏.‏ وأنت خبير بأن هذا لا يخالف ما في الفتح فافهم‏.‏

مطلب السلطان يصير سلطانا بأمرين

نعم نقل في البحر عن الخانية أيضا من الردة أن السلطان يصير سلطانا بأمرين‏:‏ بالمبايعة معه من الأشراف والأعيان وبأن ينفذ حكمه على رعيته خوفا من قهره، فإن بويع ولم ينفذ فيهم حكمه لعجزه عن قهرهم لا يصير سلطانا فإذا صار سلطانا بالمبايعة فجاز إن كان له قهر وغلبة لا ينعزل؛ لأنه لو انعزل يصير سلطانا بالقهر والغلبة فلا يفيد وإن لم يكن له قهر وغلبة ينعزل ا هـ‏.‏ فكان المناسب الاستدراك بهذه العبارة الثانية ليفيد حمل ما في الفتح على ما إذا كان له قهر وغلبة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وينبغي أن يكون إلخ‏)‏ ويكون شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف؛ لأن القضاء من أهم أمور المسلمين فكل من كان أعرف وأقدر وأوجه وأهيب، وأصبر على ما يصيبه من الناس كان أولى وينبغي للسلطان أن يتفحص في ذلك ويولي من هو أولى لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين» بحر ومثله في الزيلعي فقوله‏:‏ وينبغي بمعنى يطلب أي المطلوب منه أن تكون صفته هكذا وقوله‏:‏ كان أولى أي أحق وهذا لا يدل على أن ذلك مستحب، فإن الحديث يدل على إثم السلطان بتوليته غير الأولى فافهم‏.‏

مطلب في تفسير الصلاح والصالح

‏(‏قوله‏:‏ موثوقا به‏)‏ أي مؤتمنا من وثقت به أثق بكسرهما ثقة ووثوقا ائتمنته والعفاف والكف عن المحارم وخوارم المروءة، والمراد بالوثوق بعقله كونه كاملة، فلا يولي الأخف وهو ناقص العقل والصلاح خلاف الفساد وفسر الخصاف الصالح بمن كان مستورا غير مهتوك، ولا صاحب ريبة مستقيم الطريقة سليم الناحية كامن الأذى قليل السوء، ليس بمعاقر للنبيذ ولا ينادم عليه الرجال وليس بقذاف للمحصنات، ولا معروفا بالكذب فهذا عندنا من أهل الصلاح ا هـ‏.‏ والمراد بعلم السنة ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وتقريرا عند أمر يعانيه وبوجوه الفقه طرقه بحر ملخصا والأثر كما قال السخاوي لغة‏:‏ البقية، واصطلاحا‏:‏ الأحاديث مرفوعة أو موقوفة على المعتمد وإن قصره بعض الفقهاء على الثاني‏.‏

مطلب في الاجتهاد وشروطه

‏(‏قوله‏:‏ والاجتهاد شرط الأولوية‏)‏ هو لغة بذل المجهول في تحصيل ذي كلفة وعرفا ذلك من الفقيه في تحصيل حكم شرعي قال في التلويح ومعنى بذل الطاقة أن يحس من نفسه العجز عن المزيد عليه وشروطه الإسلام والعقل والبلوغ وكونه فقيه النفس أي شديد الفهم بالطبع وعلمه باللغة العربية وكونه حاويا لكتاب الله تعالى فيما يتعلق بالأحكام وعالما بالحديث متنا وسندا وناسخا ومنسوخا وبالقياس وهذه الشرائط في المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع الأحكام وأما المجتهد في حكم دون حكم فعليه معرفة ما يتعلق بذلك الحكم مثلا كالاجتهاد في حكم متعلق بالصلاة لا يتوقف على معرفة جميع ما يتعلق بالنكاح ا هـ‏.‏ ومراد المصنف هنا الاجتهاد بالمعنى الأول نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لتعذره‏)‏ أي لأنه متعذر الوجود في كل زمن، وفي كل بلد فكان شرط الأولوية بمعنى أنه إن وجد فهو الأولى بالتولية فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على أنه‏)‏ متعلق بمحذوف أي قلنا بالتعذر في كل زمن بناء على أنه إلخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عند الأكثر‏)‏ خلافا لما قيل إنه لا يخلو عنه زمن وتمام ذلك في كتب الأصول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فصح توليته العامي‏)‏ الأولى في التفريع أن يقال‏:‏ فصح تولية المقلد؛ لأنه مقابل المجتهد ثم إن المقلد يشمل العامي، ومن له تأهل في العلم والفهم، وعين ابن الغرس الثاني قال وأقله أن يحسن بعض الحوادث، والمسائل الدقيقة وأن يعرف طريق تحصيل الأحكام الشرعية من كتب المذهب، وصدور المشايخ وكيفية الإيراد، والإصدار في الوقائع والدعاوى والحجج، ونازعه في النهر ورجح أن المراد الجاعل لتعليلهم بقولهم لأن إيصال الحق إلى مستحقه يحصل بالعمل بفتوى غيره قال في الحواشي واليعقوبية‏:‏ إذ المحتاج إلى فتوى غيره هو من لا يقدر على أخذ المسائل من كتب الفقه وضبط أقوال الفقهاء ا هـ‏.‏ ونحوه في البحر عن العناية وكذا رجحه ابن الكمال‏.‏ قلت‏:‏ وفيه للبحث مجال فإن المفتي عند الأصوليين هو المجتهد كما يأتي فيصير المعنى أنه لا يشترط في القاضي أن يكون مجتهدا؛ لأنه يكفيه العمل باجتهاد غيره‏:‏ ولا يلزم ومن هذا أن يكون عاميا لكن قد يقال إن الاجتهاد كما تعذر في القاضي تعذر في المفتي الآن فإذا احتاج إلى السؤال عمن ينقل الحكم، ومن الكتب يلزم أن يكون غير قادر على ذلك تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ المفتي يفتي بالديانة‏)‏ مثلا إذا قال رجل‏:‏ قلت لزوجتي أنت طالق قاصدا بذلك الإخبار كاذبا فإن المفتي يفتيه بعدم الوقوع والقاضي يحكم عليه بالوقوع؛ لأنه يحكم بالظاهر، فإذا كان القاضي يحكم بالفتوى يلزم بطلان حكمه في مثل ذلك، فدل على أنه لا يمكنه القضاء بالفتوى في كل حادثة، وفيه نظر فإن القاضي إذا سأل المفتي عن هذه الحادثة لا يفتيه بعدم الوقوع؛ لأنه إنما سأله عما يحكم به، فلا بد أن يبين له حكم القضاء فعلم أن ما في البزازية لا ينافي قولهم يحكم بفتوى غيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في الدماء والفروج‏)‏ أي وفي الأموال لكن خصهما بالذكر؛ لأنه لا يمكن فيهما الاستباحة بوجه بخلاف المال ولقصد التمويل فإن الحاكم الذي مجرى أحكامه في ذلك لا بد أن يكون عالما دينا‏.‏ قوله‏:‏ كالكبريت الأحمر‏)‏ معدن عزيز الوجود والجار والمجرور متعلق بمحذوف على أنه حال أو خبر لمبتدأ محذوف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأين العلم‏)‏ عبارة البزازية وأين الدين والعلم‏.‏

مطلب طريق التنقل عن المجتهد

‏(‏قوله‏:‏ بل هو نقل كلام‏)‏ وطريق نقله لذلك عن المجتهد أحد أمرين‏:‏ إما أن يكون له سند فيه، أو يأخذ من كتاب معروف تداولته الأيدي نحو كتب محمد بن الحسن، ونحوها من التصانيف المشهورة للمجتهدين؛ لأنه بمنزلة الخبر المتواتر المشهور هكذا ذكر الرازي، فعلى هذا لو وجد بعض نسخ النوادر في زماننا لا يحل عزو ما فيها إلى محمد ولا إلى أبي يوسف؛ لأنها لم تشتهر في عصرنا في ديارنا ولم تتداول‏.‏ نعم إذا وجد النقل عن النوادر مثلا في كتاب مشهور معروف كالهداية والمبسوط كان ذلك تعويلا على ذلك الكتاب فتح‏.‏ وأقره في البحر والنهر والمنح‏.‏ قلت‏:‏ يلزم على هذا أن لا يجوز الآن النقل من أكثر الكتب المطولة ومن الشروح، أو الفتاوى المشهورة أسماؤها لكنها لم تتداولها الأيدي حتى صارت بمنزلة الخبر المتواتر المشهورة لكونها لا توجد إلا في بعض المدارس أو عند بعض الناس كالمبسوط والمحيط والبدائع، وفيه نظر بل الظاهر أنه لا يلزم التواتر بل يكفي غلبة الظن بكون ذلك الكتاب وهو المسمى بذلك الاسم بأن وجد العلماء ينقلون عنه، ورأى ما نقلوه عنه موجودا فيه أو وجد منه أكثر من نسخة، فإنه يغلب على الظن أنه هو يدل على ذلك قوله إما أن يكون له سند فيه أي فيما ينقله والسند لا يلزم تواتره ولا شهرته، وأيضا قدمنا أن القاضي إذا أشكل عليه أمر يكتب فيه إلى فقهاء مصر آخر وأن المشاورة بالكتاب سنة قديمة في الحوادث الشرعية ولا شك أن احتمال التزوير في هذا الكتاب اليسير أكثر من احتماله في شرح كبير بخط قديم، ولا سيما إذا رأى عليه خط بعض العلماء، فيتعين الاكتفاء بغلبه الظن، لئلا يلزم هجر معظم كتب الشريعة من فقه وغيره ولا سيما في مثل زماننا والله سبحانه أعلم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يطلب القضاء‏)‏ لما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من سأل القضاء وكل إلى نفسه ومن أجبر عليه ينزل إليه ملك يسدده» وأخرج البخاري‏:‏ «قال صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها» وإذا كان كذلك وجب أن لا يحل له؛ لأنه معلوم وقوع الفساد منه؛ لأنه مخذول فتح ملخصا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بقلبه‏)‏ أراد بهذا أن يفرق بين الطلب والسؤال فالأول للقلب والثاني للسان كما في المستصفى وتمامه في النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في الخلاصة إلخ‏)‏ أفاد أنه كما لا يحل الطلب لا تحل التولية كما في النهر وأن ذلك لا يختص بالقضاء بل كل ولاية ولو خاصة كولاية على وقف أو يتيم فهي كذلك كما في البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا تعين عليه القضاء إلخ‏)‏ استثناء مما في المتن ومما في الخلاصة، أما إذا تعين بأن لم يكن أحد غيره يصلح للقضاء وجب عليه الطلب صيانة لحقوق المسلمين، ودفعا لظلم الظالمين ولم أر حكم ما إذا تعين، ولم يول إلا بمال هل يحل بذله وكذا لم أر جواز عزله، وينبغي أن يحل بذله للمال كما حل طلبه وأن يحرم عزله حيث تعين، وأن لا يصح بحر قال في النهر‏:‏ هذا ظاهر في صحة توليته وإطلاق المصنف يعني قوله‏:‏ ولو أخذ القضاء بالرشوة لا يصير قاضيا برده وأما عدم صحة عزله فممنوع قال في الفتح للسلطان أن يعزل القاضي بريبة، وبلا ريبة ولا ينعزل حتى يبلغه العزل ا هـ‏.‏ نعم لو قيل لا يحل عزله في هذه الحالة لم يبعد كالوصي العدل ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وأيضا حيث تعين عليه يخرج عن عهدة الوجوب بالسؤال فإذا منعه السلطان أثم بالمنع؛ ولأنه إذا منع الأولى وولى غيره يكون قد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين كما مر في الحديث، وإذا منعه لم يبق واجبا عليه، فبأي وجه يحل له دفع الرشوة وقد قال بعض علمائنا‏:‏ إن فرضية الحج تسقط بدفع الرشوة إلى الأعراب كما قدمناه في بابه فهذا أولى كما لا يخفى‏.‏ وأما صحة عزله فظاهرة؛ لأنه وكيل عن السلطان وإثمه بعزله لا يلزم منه عدم صحة العزل كالوصي العدل المنصوب ومن جهة القاضي، وأما المنصوص من جهة الميت، فالمعتمد عدم صحة عزله لكن الفرق بينه وبين ما نحن فيه أن الوصي خليفة الميت فليس للقاضي عزله وأما القاضي فهو خليفة عن السلطان وولايته مستمدة منه فله عزله كوصي القاضي هذا ما ظهر لي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو كانت التولية مشروطة له‏)‏ ذكره في النهر بحثا معللا بأنه حينئذ يطلب تنفيذ شرط الواقف ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا في الحقيقة ليس طالبا من القاضي أن يوليه؛ لأنه متول بالشرط، بل يريد إثبات ذلك في وجه من يعارضه ومثله وصي الميت إذا أراد إثبات وصايته وبهذا سقط قوله في البحر إن ظاهر كلامهم أنه لا تطلب التولية على الوقف ولو كانت بشرط الواقف له لإطلاقهم ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو ادعى إلخ‏)‏ أي فإن له طلب العود من القاضي الجديد وحين ذلك يقول له القاضي‏:‏ أثبت أنك أهل للولاية ثم يوليه نص عليه الخصاف نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لخامل الذكر‏)‏ وهو بالخاء المعجمة غير المشهور‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويختار المقلد‏)‏ بصيغة اسم الفاعل وقدمنا قبيل قوله وشرط أهليتها عن الفتح من له ولاية التقليد، والظاهر أن هذا الاختيار واجب لئلا يكون خائنا لله ورسوله وعامة المؤمنين كما مر في الحديث‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يكون فظا إلخ‏)‏ الفظ هو الجافي سيئ الخلق والغليظ قاسي القلب والجبار من جبره على الأمر بمعنى أجبره أي لا يجبر غيره على ما لا يريد والعنيد المعاند المجانب للحق المعادي لأهله بحر عن مسكين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي في إمضاء الأحكام الشرعية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أي أخذ القضاء‏)‏ هذا يناسب كون العبارة التقلد قال في البحر وهما نسختان أي في الكنز التقليد أي النصب من السلطان والتقلد أي قبول تقليد القضاء وهي الأولى ا هـ‏.‏ وهي التي شرح عليها المصنف وقال أيضا إنها أولى قلت‏:‏ ويمكن إرجاع الأولى إلى الثانية بتقدير مضاف أي قبول التقليد، وهو معنى قول الشارح أي أخذ القضاء‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لمن خاف الحيف‏)‏ فلو كان غالب ظنه أنه يجوز في الحكم ينبغي أن يكون حراما بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو العجز‏)‏ يحتمل أن يراد به العجز عن سماع دعاوى كل الخصوم بأن قدر على البعض فقط وأن يراد العجز عن القيام بواجباته ومن إظهار الحق وعدم أخذه الرشوة فعلى الأول هو مباين وعلى الثاني أعم تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ابن كمال‏)‏ أي نقلا عن القدوري‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن تعين له‏)‏ أي مع خوف الحيف قال في الفتح ومحل الكراهة ما إذا لم يتعين عليه فإن انحصر صار فرض عين عليه، وعليه ضبط نفسه إلا إذا كان السلطان يمكن أن يفصل الخصومات ويتفرغ لذلك ا هـ‏.‏

مطلب للسلطان أن يقضي بين الخصمين

وهذا صريح في أن للسلطان أن يقضي بين الخصمين، وقدمنا التصريح به عن ابن الغرس عند قوله وحاكم قال الرملي وفي الخلاصة وفي النوازل‏:‏ أنه لا ينفذ وفي أدب القاضي للخصاف ينفذ وهو الأصح، وقال القاضي الإمام ينفذ وهذا أصح وبه يفتى ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

لو تعين عليه هل يجبر على القبول لو امتنع قال في البحر‏:‏ لم أره والظاهر نعم وكذا جواز جبر واحد من المتأهلين ا هـ‏.‏ لكن صرح في الاختيار بأن من تعين له يفترض عليه ولو امتنع لا يجبر عليه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والتقلد‏)‏ أي الدخول فيه عند الأمن وعدم التعين‏.‏

مطلب ما كان فرض كفاية يكون أدنى فعله الندب

‏(‏قوله‏:‏ والترك عزيمة إلخ‏)‏ هو الصحيح كما في النهر عن النهاية، وبه جزم في الفتح معللا بأن الغالب خطأ ظن من ظن من نفسه الاعتدال، فيظهر منه خلافه، وقيل‏:‏ وإن الدخول فيه عزيمة والامتناع رخصة، فالأولى الدخول فيه قال في الكفاية فإن قيل‏:‏ إذا كان فرض كفاية كان الدخول فيه مندوبا لما أن أدني درجات فرض الكفاية الندب كما في صلاة الجنازة ونحوها قلنا نعم كذلك إلا أن فيه خطرا عظيما، وأمرا مخوفا لا يسلم في بحره كل سابح، ولا ينجو منه كل طامح إلا من عصمه الله تعالى وهو عزيز وجوده‏.‏

مطلب أبو حنيفة دعي إلى القضاء ثلاث مرات فأبى

ألا ترى أن أبا حنيفة دعي إلى القضاء ثلاث مرات فأبى حتى ضرب في كل مرة ثلاثين سوطا، فلما كان في المرة الثالثة قال حتى أستشير أصحابي، فاستشار أبا يوسف فقال لو تقلدت لنفعت الناس فنظر إليه أبو حنيفة رحمه الله تعالى نظر المغضب، وقال‏:‏ أرأيت لو أمرت أن أعبر البحر سباحة أكنت أقدر عليه وكأني بك قاضيا، وكذا دعي محمد رحمه الله إلى القضاء فأبى حتى قيد وحبس واضطر فتقلد ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويحرم على غير الأهل‏)‏ الظاهر أنه ليس المراد بالأهل هنا ما مر في قوله‏:‏ وأهله أهل الشهادة؛ لأن المراد به من تصح توليته ولو فاسقا أو جائرا أو جاهلا مع قطع النظر عن حله أو حرمته، بل المراد به هنا ما مر في قوله‏:‏ وينبغي أن يكون موثوقا به في عفافه وعقله إلخ، ويحتمل أن يراد به الجاهل تأمل‏.‏ وفي الفتح وأخرج أبو داود عن بريدة عن أبيه قال‏:‏ «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة‏:‏ اثنان في النار وواحد في الجنة رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق فلم يقض وجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار»‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويجوز تقلد القضاء من السلطان العادل والجائر‏)‏ أي الظالم وهذا ظاهر في اختصاص تولية القضاء بالسلطان ونحوه كالخليفة، حتى لو اجتمع أهل بلدة على تولية واحد القضاء لم يصح بخلاف ما لو ولوا سلطانا بعد موت سلطانهم كما في البزازية نهر وتمامه فيه‏.‏ قلت‏:‏ وهذا حيث لا ضرورة وإلا فلهم تولية القاضي أيضا كما يأتي بعده‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو كافرا‏)‏ في التتارخانية الإسلام ليس بشرط فيه أي في السلطان الذي يقلد، وبلاد الإسلام التي في أيدي الكفرة لا شك أنها بلاد الإسلام لا بلاد الحرب؛ لأنهم لم يظهروا فيها حكم الكفر، والقضاة مسلمون والملوك الذين يطيعونهم عن ضرورة مسلمون ولو كانت عن غير ضرورة منهم ففساق وكل مصر فيه وال من جهتهم تجوز فيه إقامة الجمع والأعياد وأخذ الخراج وتقليد القضاة، وتزويج الأيامى لاستيلاء المسلم عليه وأما إطاعة الكفر فذاك مخادعة، وأما بلاد عليها ولاة كفار فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين، فيجب عليهم أن يلتمسوا واليا مسلما منهم ا هـ‏.‏ وعزاه مسكين في شرحه إلى الأصل ونحوه في جامع الفصولين‏.‏مطلب في حكم تولية القضاء في بلاد تغلب عليها الكفار

وفي الفتح‏:‏ وإذا لم يكن سلطان، ولا من يجوز التقلد منه كما هو في بعض بلاد المسلمين غلب عليهم الكفار كقرطبة الآن يجب على المسلمين أن يتفقوا على واحد منهم، ويجعلونه واليا فيولى قاضيا ويكون هو الذي يقضي بينهم وكذا ينصبوا إماما يصلي بهم الجمعة ا هـ‏.‏ وهذا هو الذي تطمئن النفس إليه فليعتمد نهر، والإشارة بقوله‏:‏ وهذا إلى ما أفاده كلام الفتح من عدم صحة تقلد القضاء من كافر على خلاف ما مر عن التتارخانية، ولكن إذا ولى الكافر عليهم قاضيا ورضيه المسلمون صحت توليته بلا شبهة تأمل، ثم إن الظاهر أن البلاد التي ليست تحت حكم سلطان بل لهم أمير منهم مستقل بالحكم عليهم بالتغلب أو باتفاقهم عليه يكون ذلك الأمير في حكم السلطان فيصح منه تولية القاضي عليهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومن سلطان الخوارج وأهل البغي‏)‏ تقدم الفرق بينهما في باب البغاة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ صح العزل‏)‏ فإذا ولى سلطان البغاة باغيا وعزل العدل، ثم ظهرنا عليهم احتاج قاضي أهل العدل إلى تجديد التولية نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نفذه‏)‏ أي حيث كان موافقا أو مختلفا فيه كما في سائر القضاة وهو مصرح به في فصول العمادي، ويدل بمفهومه على أن القاضي لو كان من البغاة فإن قضاياه تنفذ كسائر فساق أهل العدل؛ ولأن الفاسق يصلح قاضيا في الأصح، وذكر في الفصول ثلاثة أقوال فيه‏:‏ الأول ما ذكرنا وهو المعتمد‏.‏ الثاني عدم النفاذ، فإذا رفع إلى العادل لا يمضيه‏.‏ الثالث حكمه حكم المحكم بمضيه لو وافق رأيه وإلا أبطله ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبه جزم الناصحي‏)‏ لكن قد علمت ما هو المعتمد‏.‏

مطلب في العمل بالسجلات وكتب الأوقاف القديمة

‏(‏قوله‏:‏ فإذا تقلد طلب ديوان قاض قبله‏)‏ في القاموس الديوان ويفتح مجتمع الصحف والكتاب يكتب فيه أهل الجيش، وأهل العطية وأول من وضعه عمر رضي الله تعالى عنه جمعه دواوين ودياوين ا هـ‏.‏ فقوله‏:‏ مجتمع الصحف بمعنى قول الكنز، وهو الحوائط التي فيها السجلات والمحاضرات وغيرها، والخرائط جمع خريطة شبه الكيس، وقول الشارح‏:‏ يعني السجلات تفسير بالمعنى الثاني، وقول البحر تبعا لمسكين أن ما في الكنز مجاز؛ لأن الديوان نفس السجلات والمحاضر لا الكيس فيه نظر فافهم والسجل لغة‏:‏ كتاب القاضي والمحاضر جمع محضر وفي الدرر أن المحضر ما كتب فيه ما جرى بين الخصمين من إقرار أو إنكار، والحكم ببينة أو نكول على وجه يرفع الاشتباه، وكذا السجل والصك ما كتب فيه البيع والرهن والإقرار وغيرها والحجة والوثيقة؛ يتناولان الثلاثة ا هـ‏.‏ والعرف الآن ما كتب في الواقعة وبقي عند القاضي وليس عليه خطه والحجة ما عليه علامة القاضي أعلاه وخط الشاهدين أسفله وأعطي للخصم‏.‏ بحر ملخصا وإنما يطلبه؛ لأن الديوان وضع ليكون حجة عند الحاجة فيجعل في يده ومن له ولاية القضاء، وما في يد الخصم لا يؤمن عليه التغيير بزيادة أو نقصان ثم إن كانت الأوراق من بيت المال فلا إشكال في وجوب تسليمها إلى الجديد، وكذا لو من مال الخصوم أو من مال القاضي في الصحيح؛ لأنهم وضعوها في يد القاضي لعمله وكذا القاضي يحمل على أنه عمل ذلك تدينا لا تمولا وتمامه في الزيلعي،

‏[‏تنبيه‏]‏

مفاد قول الزيلعي ليكون حجة عند الحاجة، ومثله في الفتح أنه يجوز للجديد الاعتماد على سجل المعزول مع أنه يأتي أنه لا يعمل بقول المعزول وفي الأشباه لا يعتمد على الخط ولا يعمل بمكتوب الوقف الذي عليه خطوط القضاة الماضين، لكن قال البيري المراد من قوله لا يعتمد أي لا يقضي بذلك عند المنازعة؛ لأن الخط مما يزور ويفتعل كما في مختصر الظهيرية‏.‏ وليس منه ما في الأجناس بنص وما وجده القاضي بأيدي القضاة الذين كانوا قبله لها رسوم في دواوين القضاة أجريت على الرسوم الموجودة في دواوينهم، وإن كان الشهود الذين شهدوا عليها قد ماتوا قال الشيخ أبو العباس يجوز الرجوع في الحكم إلى دواوين من كان قبله ومن الأمناء ا هـ‏.‏ أي لأن سجل القاضي لا يزور عادة، وحيث كان محفوظا عند الأمناء، بخلاف ما كان بيد الخصم وقدمنا في الوقف عن الخيرية أنه إن كان للوقف كتاب في سجل القضاة وهو في أيديهم اتبع ما فيه استحسانا إذا تنازع أهله فيه، وصرح أيضا في الإسعاف وغيره بأن العمل بما في دواوين القضاة استحسان، والظاهر أن وجه الاستحسان ضرورة إحياء الأوقاف ونحوها عند تقادم الزمان بخلاف السجل الجديد، لإمكان الوقف على حقيقة ما فيه بإقرار الخصم أو البينة، فلذا لا يعتمد عليه وعلى هذا فقول الزيلعي، وليكون حجة عند الحاجة معناه عند تقادم الزمان، وبهذا يتأيد ما قاله المحقق هبة الله البعلي في شرحه على الأشباه بعد ما مر عن البيري من أن هذا صريح في جواز العمل بالحجة، وإن مات شهودها حيث كان مضمونها ثابتا في السجل المحفوظ ا هـ‏.‏ لكن لا بد من تقييده بتقادم العهد كما قلنا توفيقا بين كلامهم، ويأتي تمام الكلام على الخط في باب كتاب القاضي وانظر ما كتبناه في دعوى تنقيح الفتاوى الحامدية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ونظر في حال المحبوسين إلخ‏)‏ بأن يبعث إلى السجل من يعدهم بأسمائهم ثم يسأل عن سبب حبسهم، ولا بد أن يثبت عنده سبب وجوب حبسهم وثبوته عند الأول ليس بحجة يعتمدها الثاني في حبسهم؛ لأن قوله لم يبق حجة كذا في الفتح نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا أطلقه‏)‏ أي إن لم يكن له قضية، وعبارة النهر عن كتاب الخراج لأبي يوسف، فمن كان منهم من أهل الدعارة والتلصص والجنايات، ولزمه أدب أدبه ومن لم يكن له قضية خلى سبيله‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو قامت عليه بينة‏)‏ أعم من أن تشهد بأصل الحق أو بحكم القاضي عليه بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ألزمه الحبس‏)‏ أي أدام حبسه، بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقيل الحق‏)‏ قائله في الفتح حيث قال‏:‏ من اعترف بحق ألزمه إياه ورده إلى السجن، واعترضه في البحر بأنه لو اعترف بأنه أقر عند المعزول بالزنا لا يعتبر؛ لأنه بطل، بل يستقبل الأمر فإن أقر أربعا في أربعة مجالس حده ا هـ‏.‏ وفيه أن المتبادر من الحق حق العبد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا‏)‏ أي وإن لم يقر بشيء ولم تقم عليه بينة بل ادعى أنه حبس ظلما نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نادى عليه‏)‏ ويقول المنادي‏:‏ من كان يطالب فلان بن فلان الفلاني بحق فليحضر زيلعي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإن أبى‏)‏ عن إعطاء الكفيل وقال‏:‏ لا كفيل لي بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نادى عليه شهرا‏)‏ أي يستأنفه بعد مدة المناداة الأولى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في الودائع‏)‏ أي ودائع اليتامى نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ببينة‏)‏ أي يقيمها الوصي مثلا على من هي تحت يده أنها ليتيم فلان أو ناظر الوقف أن هذه الغلة لوقف فلان، وكأنه مبني على عرفهم ومن أن الكل تحت يد أمين القاضي، وفي زماننا أموال الأوقاف تحت يد نظارها وودائع اليتامى تحت يد الأوصياء، ولو فرض أن المعزول وضع ذلك تحت يد أمين عمل القاضي بما ذكر نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ المولى‏)‏ بتشديد اللام المفتوحة أي القاضي الجديد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ درر‏)‏ ومثله في الهداية وغيرها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومفاده‏)‏ أي مفاد قوله خصوصا بفعل نفسه، وأصل البحث لصاحب البحر، وقد رأيته صريحا في كافي الحاكم ونصه وإذا عزل عن القضاء، ثم قال‏:‏ كنت قضيت لهذا على هذا بكذا وكذا لم يقبل قوله فيه وإن شهد مع آخر لم تقبل شهادته حتى يشهد شاهدان سواه ا هـ‏.‏ ومثله في القهستاني عن المبسوط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وتبعه ابن نجيم‏)‏ أي في فتاواه وأما ما ذكره في بحره، فقد علمت موافقته لما في النهر وعبارة فتاواه التي رتبها له تلميذه المصنف هكذا سئل عن الحاكم إذا أخبر حاكما آخر بقضية هل يكتفي بإخباره ويسوغ له الحكم بذلك أم لا بد من شاهد آخر معه‏؟‏ أجاب‏:‏ لا يكتفي بإخباره ولا بد من شاهد آخر معه قال المرتب لهذه الفتاوى، وقد تبع شيخنا في ذلك ما أفتى به الشيخ سراج الدين قارئ الهداية ولا شك أن هذا قول محمد، وأن الشيخين قالا بقبول إخباره عن إقراره بشيء مطلقا إذا كان لا يصح رجوعه عنه، ووافقهما محمد ثم رجع عنه وقال‏:‏ لا يقبل إلا بضم رجل آخر عدل إليه وهو المراد بقول من روى عنه أنه لا يقبل مطلقا، ثم صح رجوعه قولهما كما في البحر ثم قال‏:‏ وأما إذا أخبر القاضي بإقراره عن شيء يصح رجوعه كالحد لم يقبل قوله بالإجماع وإن أخبر عن ثبوت الحق بالبينة فقال قامت بذلك بينة، وعدلوا أو قبلت شهادتهم على ذلك يقبل في الوجهين جميعا انتهى كلامه، انتهى ما في الفتاوى‏.‏ أقول‏:‏ وحاصله أن القاضي لو أخبر عن إقرار رجل بما لا يصح رجوعه عنه كبيع أو قرض مثلا يقبل عندهما مطلقا ووافقهما محمد أولا ثم رجع وقال لا يقبل ما لم يشهد معه آخر ثم رجوعه إلى قولهما بالقبول مطلقا كما لو أخبر عن حكمه بثبوت حق بالبينة، فعلى هذا لم يبق خلاف في قبول قول القاضي، ولا يخفى أن كلامنا في المعزول وهذا في المولى كما يعلم من شرح أدب القضاء وكذا مما سيأتي قبيل كتاب الشهادات عند قوله ولو قال قاض عدل قضيت على هذا بالرجم إلخ وبه يشعر أصل السؤال حيث عبر بالحاكم وعبارة قارئ الهداية كذلك وبه علم أن الاستدراك على ما في النهر في غير محله‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيقبل قوله‏)‏ أي قول المعزول وشمل ثلاث صور ما إذا قال ذو اليد بعد إقرار بتسليم القاضي المعزول إليه أنها لزيد الذي أقر له المعزول أو قال‏:‏ إنها لغيره أو قال لا أدري؛ لأنه في هذه الثلاث ثبت بإقراره أنه مودع المعزول، ويد المودع كيده فصار كأنه في يد المعزول فيقبل إقراره به كما في الزيلعي بخلاف ما إذا أنكر ذو اليد التسليم فإنه لا يقبل قول المعزول كما في البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيسلم لمقر له الأول‏)‏ لأنه لما بدأ بالإقرار صح إقراره ولزم؛ لأنه أقر بما هو في يده فلما قال دفعه إلى القاضي فقد أقر أن اليد كانت للقاضي، والقاضي يقر به لآخر فيصير هو بإقراره متلفا لذلك على من أقر له القاضي فتح ثم قال فرع يناسب هذا لو شهد شاهدان أن القاضي قضى لفلان على فلان بكذا، وقال القاضي‏:‏ لم أقض بشيء لا تجوز شهادتهما عندهما ويعتبر قول القاضي، وعند محمد تقبل وينفذ ذلك ا هـ‏.‏ وقدمنا عن البحر أنه في جامع الفصولين رجح قول محمد لفساد الزمان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويقضي في المسجد‏)‏ وبه قال أحمد ومالك وفي الصحيح عنه خلافا للشافعي له أن القضاء بحضرة المشرك وهو نجس بالنص وقد طال في الفتح في الاستدلال للمذهب ثم قال‏:‏ وأما نجاسة المشرك ففي الاعتقاد على معنى التشبيه، والحائض يخرج إليها أو يرسل نائبه كما لو كانت الدعوى في دابة، وتمام الفروع فيه وفي البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويستدبر‏)‏ أي ندبا كما في الذي قبله ط‏.‏

مطلب في أجرة المحضر

‏(‏قوله‏:‏ وأجرة المحضر إلخ‏)‏ بضم أوله وكسر ثالثه هو من يحضر الخصم، وعبارة البحر هكذا وفي البزازية‏:‏ ويستعين بأعوان الوالي على الإحضار، وأجرة الأشخاص في بيت المال وقيل على المتردد في المصر ومن نصف درهم إلى درهم وفي خارجه لكل فرسخ ثلاثة دراهم أو أربعة، وأجرة الموكل على المدعي وهو الأصح وفي الذخيرة أنه المشخص وهو المأمور بملازمة المدعى عليه ا هـ‏.‏ والإشخاص بالكسر بمعنى الإحضار فقد فرق بين المحضر وبين الملازم، وهذا غير ما نقله الشارح فتأمل‏.‏ وفي منية المفتي مؤنة المشخص قيل في بيت المال وفي الأصح على المتمرد ا هـ‏.‏ وهذا ما في الخانية‏.‏ والحاصل‏:‏ أن الصحيح أن أجرة المشخص بمعنى الملازم على المدعي وبمعنى الرسول المحضر على المدعى عليه لو تمرد بمعنى امتنع عن الحضور وإلا فعلى المدعي، هذا خلاصة ما في شرح الوهبانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو في داره‏)‏ لأن العبادة لا تتقيد بمكان، والأولى أن تكون الدار وفي وسط البلد كالمسجد نهر‏.‏

مطلب في هدية القاضي

‏(‏قوله‏:‏ ويرد هدية‏)‏ الأصل في ذلك وما في البخاري، عن أبي حميد الساعدي «قال استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال‏:‏ هذا لكم، وهذا لي قال عليه الصلاة والسلام هلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له أم لا» قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ كانت الهدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية واليوم رشوة‏.‏ ذكره البخاري، واستعمل عمر أبا هريرة فقدم بمال فقال له من أين لك هذا‏؟‏ قال‏:‏ تلاحقت الهدايا فقال له عمر أي عدو الله هلا قعدت في بيتك، فتنظر أيهدى لك أم لا فأخذ ذلك منه، وجعله في بيت المال، وتعليل النبي صلى الله عليه وسلم دليل على تحريم الهدية التي سببها الولاية فتح قال في البحر‏:‏ وذكر الهدية ليس احترازيا إذ يحرم عليه الاستقراض والاستعارة ممن يحرم عليه قبول هديته كما في الخانية ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومقتضاه أنه يحرم عليه سائر التبرعات، فتحرم المحاباة أيضا، ولذا قالوا له أخذ أجرة كتابة الصك بقدر أجر المثل‏.‏ فإن مفاده أنه لا يحل له أخذ الزيادة؛ لأنها محاباة وعلى هذا فما يفعله بعضهم من شراء الهداية بشيء يسير أو بيع الصك بشيء كثير لا يحل وكذا ما يفعله بعضهم حين أخذ المحصول من أنه يبيع به الدافع دواة أو سكينا أو نحو ذلك لا يحل؛ لأنه إذا حرم الاستقراض والاستعارة فهذا أولى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهي إلخ‏)‏ عزاه في الفتح إلى شرح الأقطع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وضعها في بيت المال‏)‏ أي إلى أن يحضر صلبها فتدفع له بمنزلة اللقطة كما في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفيها إلخ‏)‏ أي في التتارخانية وهذا مخالف لما ذكره أولا فيها في حق الإمام ويؤيد الأول ما مر عن الفتح من أن تعليل النبي صلى الله عليه وسلم دليل على تحريم الهدية التي سببها الولاية وكذا قوله وكل من عمل للمسلمين عملا حكمه في الهدية حكم القاضي ا هـ‏.‏

مطلب في حكم الهدية للمفتي

واعترضه في البحر بما ذكره الشارح عن التتارخانية وبما في الخانية من أنه يجوز للإمام والمفتي قبول الهدية وإجابة الدعوة الخاصة ثم قال إلا أن يراد بالإمام إمام الجامع‏:‏ أي وأما الإمام بمعنى الولي فلا تحل الهدية فلا منافاة وهذا هو المناسب للأدلة؛ ولأنه رأس العمال قال في النهر‏:‏ والظاهر أن المراد بالعمل ولاية ناشئة عن الإمام أو نائبه كالساعي والعاشر ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومثلهم مشايخ القرى والحرف وغيرهم ممن لهم قهر وتسلط على من دونهم فإنه يهدي إليهم خوفا من شرهم أو ليروج عندهم وظاهر قوله ناشئة عن الإمام إلخ دخول المفتي إذا كان منصوبا من طرف الإمام أو نائبه، لكنه مخالف لاطلاقهم جواز قبول الهدية له وإلا لزم كون إمام الجامع والمدرس المنصوبين من طرف الإمام كذلك إلا أن يفرق بأن المفتي يطلب منه المهدي المساعدة على دعواه ونصره على خصمه فيكون بمنزلة القاضي لكن يلزم من هذا الفرق أن المفتي لو لم يكن منصوبا من الإمام يكون كذلك فيخالف ما صرحوا به من جوازها للمفتي فإن الفرق بينه وبين القاضي واضح فإن القاضي ملزم وخليفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تنفيذ الأحكام فأخذه الهدية يكون رشوة على الحكم الذي يؤمله المهدي ويلزم منه بطلان حكمه والمفتي ليس كذلك وقد يقال‏:‏ إن مرادهم بجوازها للمفتي إذا كانت لعلمه لا لإعانته للمهدي بدليل التعليل الذي نقله الشارح فإذا كانت لإعانته صدق عليها حد الرشوة لكن المذكور في حدها شرط الإعانة وقدمنا عن الفتح عن الأقضية أنه لو أهداه ليعينه عند السلطان بلا شرط لكن يعلم يقينا أنه إنما يهدي ليعينه فمشايخنا على أنه لا بأس به إلخ وهذا يشمل ما إذا كان من العمال أو غيرهم‏.‏ وعن هذا قال في جامع الفصولين القاضي لا يقبل الهدية من رجل لو لم يكن قاضيا لا يهدي إليه ويكون ذلك بمنزلة الشرط ثم قال أقول‏:‏ يخالفه ما ذكر في الأقضية إلخ، قلت‏:‏ والظاهر عدم المخالفة؛ لأن القاضي منصوص على أنه لا يقبل الهدية على التفصيل الآتي فما في الأقضية مفروض في غيره فيحتمل أن يكون المفتي مثله في ذلك، ويحتمل أن لا يكون والله سبحانه أعلم‏.‏ بحقيقة الحال، ولا شك أن عدم القبول هو المقبول ورأيت في حاشية شرح المنهج للعلامة محمد الداودي الشافعي ما نصه قال ع ش‏:‏ ومن العمال مشايخ الأسواق والبلدان، ومباشرو الأوقاف وكل من يتعاطى أمرا يتعلق بالمسلمين انتهى قال م ر في شرحه‏:‏ ولا يلحق بالقاضي فيما ذكر المفتي والواعظ، ومعلم القرآن والعلم؛ لأنهم ليس لهم أهلية الإلزام، والأولى في حقهم إن كانت الهدية، لأجل ما يحصل منهم من الإفتاء والوعظ والتعليم عدم القبول ليكون علمهم خالصا لله تعالى، وإن أهدي إليهم تحببا وتوددا لعلمهم وصلاحهم فالأولى القبول وأما إذا أخذ المفتي الهدية ليرخص في الفتوى فإن كان بوجه باطل فهو رجل فاجر يبدل أحكام الله تعالى، ويشتري بها ثمنا قليلا، وإن كان بوجه صحيح فهو مكروه كراهة شديدة انتهى، هذا كلامه وقواعدنا لا تأباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله وأما إذا أخذ لا ليرخص له بل لبيان الحكم الشرعي، فهذا ما ذكره أولا وهذا إذا لم يكن بطريق الأجرة بل مجرد هدية؛ لأن أخذ الأجرة على بيان الحكم الشرعي لا يحل عندنا، وإنما يحل على الكتابة؛ لأنها غير واجبة عليه والله سبحانه أعلم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ السلطان والباشا‏)‏ عزاه في الأشباه إلى تهذيب القلانسي قال الحموي‏:‏ وفيه فصول إذ لا يشمل القاضي الذي يتولى منه، وهو قاضي العسكر لقضاة الأقطار وعبارة القلانسي، ولا يقبل الهدية إلا من ذي رحم محرم أو وال يتولى الأمر منه أو وال مقدم الولاية على القضاة ومعناه أنه يقبل الهدية من الوالي الذي تولى القضاء منه وكذا من وال مقدم عليه في الرتبة فإنه يشمل القاضي الذي تولى منه والباشا ووجهه أن منع قبولها إنما هو للخوف من مراعاته لأجلها وهو إن راعى الملك ونائبه لم يراعه لأجلها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ المحرم‏)‏ هذا القيد لا بد منه ليخرج ابن العم نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو ممن جرت عادته بذلك‏)‏ قال في الأشباه‏:‏ ولم أر بماذا تثبت العادة ونقل الحموي عن بعضهم أنها تثبت بمرة، ثم إن ظاهر العطف أن قبولها من القريب غير مقيد بجري العادة منه، وهو ظاهر إطلاق القدوري والهداية وفي النهاية عن شيخ الإسلام أنه قيد فيه أيضا وتمامه في النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بقدر عادته‏)‏ فلو زاد لا يقبل الزيادة وذكر فخر الإسلام إلا أن يكون مال المهدي قد زاد، فبقدر ما زاد ماله إذا زاد في الهدية لا بأس بقبولها فتح قال في الأشباه‏:‏ وظاهر كلامه أنه زاد في القدر، فلو في المعنى كأن كانت عادته إهداء ثوب كتان فأهدى ثوبا حريرا لم أره لأصحابنا، وينبغي وجوب رد الكل لا بقدر ما زاد في قيمته لعدم تمييزها، ونظر فيه في حواشي الأشباه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في الفتح‏:‏ ويجب أن تكون هدية المستقرض للمقرض كالهدية للقاضي إن كان المستقرض له عادة قبل استقراضه فللمقرض أن يقبل منه قدر ما كان يهديه بلا زيادة ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ وهو سهو والمنقول كما قدمناه آخر الحوالة أنه يحل حيث لم يكن مشروطا مطلقا ا هـ‏.‏ وأجاب المقدسي بأن كلام المحقق في الفتح مبني على مقتضى الدليل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا خصومة لهما‏)‏ فإن قبلها بعد انقطاع الخصومة جاز ابن ملك وذكره في النهر بحثا وفي ط عن الحموي إلا أن يكون ممن لا تتناهى خصوماته كنظار الأوقاف ومباشريها ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ والحاصل أن من له خصومة لا يقبلها مطلقا ومن لا خصومة له فإن كان له عادة قبل القضاء قبل المعتاد وإلا فلا ا هـ‏.‏ أي سواء كان محرما أو غيره على ما مر عن شيخ الإسلام‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ دعوة خاصة‏)‏ الدعوة إلى الطعام بفتح الدال عند أكثر العرب وبعضهم يكسرها كما في المصباح، فلو عامة له حضورها لولا خصومة لصاحبها كما في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهي إلخ‏)‏ هذا هو المصحح في تفسيرها وقيل العامة دعوة العرس والختان وما سواهما خاصة، وقيل إن كانت لخمسة إلى عشرة فخاصة وإن لأكثر فعامة وتمامه في البحر والنهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقيل هي كالهدية‏)‏ ظاهر الفتح اعتماده فإنه قال بعد كلام فقد آل الحال إلى أنه لا فرق بين القريب والغريب وفي الهدية والضيافة وكذا قال في البحر‏:‏ الأحسن أن يقال ولا يقبل هدية ودعوة خاصة إلا من محرم أو ممن له عادة فإن للقاضي أن يجيب الدعوة الخاصة من أجنبي له عادة باتخاذها كالهدية، فلو كان من عادته الدعوة له في كل شهر مرة فدعاه كل أسبوع بعد القضاء لا يجيبه ولو اتخذ له طعاما أكثر من الأول لا يجيبه إلا أن يكون ماله قد زاد كذا في التتارخانية ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يجيب دعوة خصم‏)‏ هو ما ذكره في شرح المجمع لابن ملك، وقدمناه عن الفتح، وقوله‏:‏ وغير معتاد هو ما ذكره في السراج كما عزاه إليه المصنف في المنح وهذا لا يناسب القيل المذكور قبله؛ لأنه يلزم أن تكون العامة كالخاصة وهو خلاف تقييدهم المنع بالخاصة فقط تأمل

‏(‏قوله‏:‏ ويعود المريض‏)‏ إلا أنه لا يطيل المكث عنده بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إن لم يكن لهما ولا عليهما دعوى‏)‏ الذي في الفتح وغيره الاقتصار على ذكر المريض تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويسوي وجوبا بين الخصمين إلخ‏)‏ إطلاقه يعم الصغير والكبير والخليفة والرعية والدنيء والشريف والأب والابن والمسلم والكافر إلا إذا كان المدعى عليه هو الخليفة ينبغي للقاضي أن يقوم من مقامه، وأن يجلسه مع خصمه، ويقعد هو على الأرض ثم يقضي بينهما ولا ينبغي أن يجلس أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره؛ لأن لليمين فضلا ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص به الشيخين بل المستحب باتفاق أهل العلم أن يجلسهما بين يديه كالمتعلم بين يدي معلمه، ويكون بعدهما عنه قدر ذراعين أو نحوهما ولا يمكنهما من التربع ونحوه، ويكون أعوانه قائمة بين يديه وأما قيام الأخصام بين يديه فليس معروفا، وإنما حدث لما فيه من الحاجة إليه والناس مختلفو الأحوال والأدب وقد حدث في هذا الزمان أمور وسفهاء، فيعمل القاضي بمقتضى الحال كذا في الفتح يعني فمنهم من لا يستحق الجلوس بين يديه، ومنهم من يستحق فيعطي كل إنسان ما يستحقه بقي ما لو كان أحدهما يستحقه دون الآخر وأبى الآخر إلا القيام لم أر المسألة وقياس ما في الفتح أن القاضي لا يلتفت إليه نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإقبالا‏)‏ أي نظرا قهستاني والأولى تفسيره بالتوجيه إليه صورة أو معنى لئلا يتكرر بما بعده‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويمتنع من مساواة أحدهما‏)‏ أي يجتنب التكلم معه خفية، وكذا القائم بين يديه كما في الولوالجية وهو الجلواز الذي يمنع الناس من التقدم إليه بل يقيمهم بين يديه على البعد ومعه سوط والشهود يقربون نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والإشارة إليه‏)‏ مستدرك بما قبله ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ورفع صوته عليه‏)‏ ينبغي أن يستثني ما لو كان بسبب كإساءة أدب ونحوه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لو فعل ذلك‏)‏ أي الضيافة‏.‏ وقال في النهر أيضا وقياسه أنه لو سارهما أو أشار إليهما معا جاز‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يمزح‏)‏ أي يداعب في الكلام من باب نفع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في مجلس الحكم‏)‏ أما في غيره فلا يكثر منه؛ لأنه يذهب بالمهابة بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عيني‏)‏ عبارته وعن الثاني في رواية والشافعي في وجه لا بأس بتلقين الحجة ا هـ‏.‏ وظاهره ضعفها، بل ظاهر الفتح أن هذا في تلقين الشاهد لا الخصم كما يأتي نعم في البحر عن الخانية، ولو أمر القاضي رجلين ليعلماه الدعوى والخصومة فلا بأس به خصوصا على قول أبي يوسف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ واستحسنه أبو يوسف‏)‏ قال في الفتح وعن أبي يوسف وهو وجه للشافعي لا بأس به لمن استولته الحيرة أو الهيبة فترك شيئا من شرائط الشهادة فيعينه بقوله أتشهد بكذا وكذا بشرط كونه في غير موضع التهمة، وأما فيها بأن ادعى المدعي ألفا وخمسمائة والمدعى عليه ينكر الخمسمائة وشهد الشاهد بألف فيقول القاضي‏:‏ يحتمل أنه أبرأ من الخمسمائة واستفاد الشاهد بذلك علما فوفق به في شهادته كما وفق القاضي، فهذا لا يجوز بالاتفاق كما في تلقين أحد الخصمين ا هـ‏.‏ ثم ذكر أن ظاهر الهداية ترجيح قول أبي يوسف ا هـ‏.‏ وحكاية الرواية في تلقين الشاهد والاتفاق في تلقين أحد الخصمين ينفي ما مر عن العيني تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لزيادة تجربته‏)‏ قدمنا عن الكفاية أن محمدا تولى القضاء أيضا وذكر عبد القادر في طبقاته أن الرشيد ولاه قضاء الرقة ثم عزله وولاه قضاء الري ا هـ‏.‏ والظاهر أن مدته لم تطل؛ ولذا لم يشتهر بالقضاء كما اشتهر أبو يوسف، فلم يحصل له من التجربة ما حصل لأبي يوسف؛ لأنه كان قاضي المشرق والمغرب وزيادة التجربة تفيد زيادة علم قال الحموي قال مجد الأئمة الترجماني والذي يؤيده وما ذكره في الفتاوى أن أبا حنيفة كان يقول الصدقة أفضل من حج التطوع، فلما حج وعرف مشاقه رجع وقال الحج أفضل ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حتى بالقلب‏)‏ أي لم يحصل منه ميل قلبه إلى عدم التسوية بين الخصمين بقرينة الاستثناء‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قلت ومفاده إلخ‏)‏ قال في الفتح والدليل عليه قضية شريح مع علي فإنه قام وأجلس عليا مجلسه ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسيجيء‏)‏ أي في آخر باب كتاب القاضي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بلسان لا يعرفه الآخر‏)‏ لأنه كالمسارة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أحكم بينكما‏)‏ أي ويقولان نعم احكم بيننا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لم يلزمه‏)‏ أفاد أنه لو استأنف براءة لعرضة لا بأس به‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نسخة السجل‏)‏ أي كتاب القاضي الذي فيه حكمه المسمى الآن بالحجة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ألزمه القاضي بذلك‏)‏ الظاهر أن الإشارة للعرض على العلماء؛ لأن السجل أي الحجة لو كان ملكه لا يلزمه دفعه للمقضي عليه تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي الفتح إلخ‏)‏ حيث قال وفي المبسوط ما حاصله أنه ينبغي للقاضي أن يعتذر للمقضي عليه ويبين له وجه قضائه ويبين له أنه فهم حجته، ولكن الحكم في الشرع كذا يقتضي القضاء عليه فلم يمكن غيره، ليكون ذلك أدفع لشكايته للناس، ونسبته إلى أنه جار عليه ومن يسمع يخل فربما تفسد العامة عرضه وهو بريء، وإذا أمكن إقامة الحق مع عدم إيغار الصدور كان أولى ا هـ‏.‏ وفي الصحاح‏:‏ الوغر شدة توقد الحر ومنه‏:‏ قيل في صدره على وغر بالتسكين أي ضغن وعداوة وتوقد ومن الغيظ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قصص الخصوم‏)‏ جمع قصة وهي بالفتح الحصة والمراد بها هنا ورقة يكتب فيها قضيته مع خصمه ويسمى الآن عرض حال‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا‏)‏ أي لأن كلامه بلسانه أحسن من كتابته‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يأخذ بما فيها‏)‏ عبارة غيره ولا يؤاخذ أي لا يؤاخذ صاحبها بما كتبه فيها من إقرار ونحوه ما لم يقر بذلك صريحا؛ لأنه لا عبرة بمجرد الخط فافهم والله سبحانه أعلم‏.‏