فصل: تابع كتاب البيوع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


تابع كتاب البيوع

مطلب في الكدك

قلت‏:‏ وما ذكره حق خصوصا في زماننا هذا، وأما ما يتمسك به صاحب الخلو من أنه اشترى خلوه بمال كثير، وأنه بهذا الاعتبار تصير أجرة الوقف شيئا قليلا فهو تمسك باطل؛ لأن ما أخذه منه صاحب الخلو الأول لم يحصل منه نفع للوقف فيكون الدافع هو المضيع ماله فكيف يحل له ظلم الوقف، بل يجب عليه دفع أجرة مثله وإن كان له فيه شيء زائد على الخلو من بناء ونحوه مما يسمى في عرفنا بالكدك وهو المراد من لفظ السكنى المار، فإذا لم يدفع أجرة مثله لم يؤمر برفعه، وإن كان موضوعا بإذن الواقف أو أحد النظار ويرجع هذا إلى مسألة الأرض المحتكرة المنقولة في أوقاف الخصاف حيث قال‏:‏ حانوت أصله وقف وعمارته لرجل وهو لا يرضى أن يستأجر أرضه بأجر المثل قالوا إن كانت العمارة ب حيث لو رفعت يستأجر الأصل بأكثر مما يستأجر صاحب البناء كلف رفعه، ويؤجر من غيره، وإلا يترك في يده بذلك الأجر‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله‏:‏ وإلا يترك في يده يفيد أنه أحق من غيره حيث كان ما يدفعه أجر المثل فهنا يقال ليس للمؤجر أن يخرجه ولا أن يأمر برفعه إذ ليس في استبقائه ضرر على الوقف مع الرفق به بدفع الضرر عنه، كما أوضحناه في الوقف، وعن هذا قال‏:‏ في جامع الفصولين وغيره‏:‏ بنى المستأجر أو غرس في أرض الوقف صار له فيها حق القرار، وهي المسمى بالكردار له الاستبقاء بأجر المثل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخيرية‏:‏ وقد صرح علماؤنا بأن لصاحب الكردار حق القرار، وهو أن يحدث المزارع والمستأجر في الأرض بناء أو غرسا أو كبسا بالتراب بإذن الواقف أو الناظر فتبقى في يده ا هـ‏.‏ وقد يقال إن الدراهم التي دفعها صاحب الخلو للواقف واستعان بها على بناء الوقف شبيهة بكبس الأرض بالتراب، فيصير له حق القرار فلا يخرج من يده إذا كان يدفع أجر المثل، ومثله ما لو كان يرم دكان الوقف ويقوم بلوازمها من ماله بإذن الناظر، أما مجرد وضع اليد على الدكان ونحوها وكونه يستأجرها عدة سنين بدون شيء مما ذكر فهو غير معتبر فللمؤجر إخراجها من يده إذا مضت مدة إجارته، وإيجارها لغيره كما أوضحناه في رسالتنا تحرير العبارة في بيان من هو أحق بالإجارة وذكرنا حاصلها في الوقف، وعلى ما ذكرناه من أن صاحب الخلو المعتبر أحق من غيره لو استأجر بأجر المثل يحمل ما ذكره في الخيرية من الوقف حيث سئل في الخلو الواقع في غالب الأوقاف المصرية والأوقاف الرومية في الحوانيت وغيرها، هل يصير حقا لازما لصاحب الخلو، ويجوز بيع سكناه وشراؤه وإذا حكم به حاكم شرعي يمتنع على غيره من حكام الشرع الشريف نقضه‏.‏ ثم ذكر في الجواب عبارة الأشباه وواقعات الضريري وما ذكرناه من مسألة الأرض المحتكرة ومسألة حق القرار ومسألة بيع السكنى‏.‏ ثم قال‏:‏ أقول‏:‏ ليس الغرض بإيراد هذه الجمل القطع بالحكم بل ليقع اليقين بارتفاع الخلاف بالحكم حيث استوفى شرائطه من مالكي يراه أو غيره صح ولزم وارتفع الخلاف خصوصا فيما للناس إليه ضرورة لا سيما في المدن المشهورة كمصر ومدينة الملك فإنهم يتعاطونه ولهم فيه نفع كلي ويضر بهم نقضه وإعدامه فلربما بفعله تكثر الأوقاف، ألا ترى ما فعله الغوري كما مر‏؟‏ ومما بلغني أن بعض الملوك عمر مثل ذلك بأموال التجار ولم يصرف عليه من ماله الدرهم والدينار وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته، والدين يسر ولا مفسدة في ذلك في الدين، ولا عار به على الموحدين، والله تعالى أعلم‏.‏ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وممن أفتى بلزوم الخلو الذي يكون بمقابلة دراهم يدفعها للمتولي أو المالك العلامة المحقق عبد الرحمن أفندي العمادي صاحب هدية ابن العماد وقال‏:‏ فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه ولا إجارتها لغيره ما لم يدفع له المبلغ المرقوم، فيفتي بجواز ذلك للضرورة قياسا على بيع الوفاء الذي تعارفه المتأخرون احتيالا على الربا إلخ‏.‏ قلت‏:‏ وهو مقيد أيضا بما قلنا إذا كان يدفع أجر المثل، وإلا كانت سكناه بمقابلة ما دفعه من الدراهم عين الربا كما قالوا‏:‏ فيمن دفع للمقرض دارا ليسكنها أو حمارا ليركبه إلى أن يستوفي قرضه أنه يلزمه أجرة الدار أو الحمار على أن ما يأخذه المتولي من الدراهم ينتفع به لنفسه، فلو لم يلزم صاحب الخلو أجرة المثل للمستحقين يلزم ضياع حقهم، اللهم إلا أن يكون ما قبضه المتولي صرفه في عمارة الوقف، حيث تعين ذلك طريقا إلى عمارته ولم يوجد من يستأجره بأجرة المثل مع دفع ذلك المبلغ اللازم للعمارة، فحينئذ قد يقال بجواز سكناه بدون أجرة المثل للضرورة ومثل ذلك يسمى في زماننا مرصدا كما قدمناه في الوقف، والله سبحانه أعلم‏.‏ بقي طريق معرفة أجر المثل وينبغي أن يقال‏:‏ فيه إنا ننظر إلى ما دفعه صاحب الخلو للواقف أو المتولي على الوجه الذي ذكرناه وإلى ما ينفقه في مرمة الدكان ونحوها فإذا كان الناس يرغبون في دفع جميع ذلك لصاحب الخلو ومع ذلك يستأجرون الدكان بمائة مثلا، فالمائة هي أجرة المثل ولا ينظر إلى ما دفعه هو إلى صاحب الخلو السابق من مال كثير طمعا في أن أجرة هذه الدكان عشرة مثلا كما هو الواقع في زماننا؛ لأن ما دفعه من المال الكثير لم يرجع منه نفع للوقف أصلا بل هو محض ضرر بالوقف، حيث لزم منه استئجار الدكان بدون أجرتها بغبن فاحش، وإنما ينظر إلى ما يعود نفعه إلى الوقف فقط كما ذكرنا‏.‏ نعم جرت العادة أن صاحب الخلو حين يستأجر الدكان بالأجرة اليسيرة يدفع للناظر دراهم تسمى خدمة هي في الحقيقة تكملة أجرة المثل أو دونها، وكذا إذا مات صاحب الخلو أو نزل عن خلوه لغيره يأخذ الناظر من الوارث أو المنزول له دراهم تسمى تصديقا فهذا تحسب من الأجرة أيضا، ويجب على الناظر صرفها إلى جهة الوقف كما قدمنا في كتاب الوقف في مسألة العوائد العرفية، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر السيد محمد أبو السعود في حاشيته على الأشباه‏:‏ أن الخلو يصدق بالعين المتصل اتصال قرار وبغيره وكذا الجدك المتعارف في الحوانيت المملوكة ونحوها كالقهاوي تارة يتعلق بما له حق القرار كالبناء بالحانوت وتارة يتعلق بما هو أعم من ذلك‏.‏ والذي يظهر أنه كالخلو في الحكم بجامع وجود العرف في كل منهما، والمراد بالمتصل اتصال قرار ما وضع لا ليفصل كالبناء ولا فرق في صدق كل من الخلو والجدك به، وبالمتصل لا على وجه القرار كالخشب الذي يركب بالحانوت لوضع عدة الحلاق مثلا، فإن الاتصال وجد لكن لا على وجه القرار، وكذا يصدقان بمجرد المنفعة المقابلة للدراهم، لكن ينفرد الجدك بالعين الغير المتصلة أصلا كالبكارج والفناجين بالنسبة للقهوة والمقشة والفوط بالنسبة للحمام والشونة بالنسبة للفرن وبهذا الاعتبار يكون الجدك أعم‏.‏ بقي لو كان الخلو بناء أو غراسا بالأرض المحتكرة أو المملوكة يجري فيه حق الشفعة؛ لأنه لما اتصل بالأرض اتصال قرار التحق بالعقار‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ما ذكره من جريان الشفعة فيه سهو ظاهر لمخالفته المنصوص عليه في كتب المذهب كما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى فافهم‏.‏ هذا غاية ما تحرر لي في مسألة الخلو فاغتنمه فإنه مفرد وقد أوضحنا الفرق في باب مشد المسكة من تنقيح الفتاوى الحامدية بين المشد والخلو والجدك والقيمة والمرصد المتعارفة في زماننا إيضاحا لا يوجد في غير ذلك الكتاب والحمد لله الملك الوهاب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفي معين المفتي إلخ‏)‏ أفاد به أن الخلو إذا لم يكن عينا قائمة لا يصح بيعه ‏(‏قوله جاز‏)‏ ترك قيدا ذكره في معين المفتي وهو قوله إذا لم يشترط تركها‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في الخانية أي لأنه شرط مفسد للبيع ‏(‏قوله وإن كرابا أو كري أنهار‏)‏ في المغرب‏:‏ كرب الأرض كربا قلبها للحرث من باب طلب وكريت النهر كريا حفرته ‏(‏قوله ولا بمعنى مال‏)‏ لعل المراد به التراب المسمى كبسا وهو ما تكبس به الأرض أي تطم وتسوى فتأمل‏.‏‏:‏ وفي ط وهو كالسكنى في الأرض الموقوفة بطريق الخلو وكالجدك على ما سلف‏.‏

مطلب في بيان مشد المسكة

‏(‏قوله ومفاده أن بيع المسكة لا يجوز‏)‏ لأنها عبارة عن كراب الأرض وكري أنهارها سميت مسكة لأن صاحبها صار له مسكة بها بحيث لا تنزع من يده بسببها، وتسمى أيضا مشد مسكة لأن المشد من الشدة بمعنى القوة أي قوة التمسك ولها أحكام مبنية على أوامر سلطانية أفتى بها علماء الدولة العثمانية ذكرت كثيرا منها في بابها من تنقيح الفتاوى الحامدية‏.‏ ومنها‏:‏ أنها لا تورث، وإنما توجه للابن القادر عليها دون البنت وعند عدم الابن تعطى للبنت، فإن لم توجد فللأخ لأب، فإن لم يوجد فللأخت الساكنة في القرية، فإن لم توجد فللأم‏.‏ وذكر الشارح في خراج الدر المنتقى‏:‏ أنها تنتقل للابن ولا تعطى البنت حصة، وإن لم يترك ابنا بل بنتا لا يعطيها ويعطيها صاحب التيمار لمن أراد وفي سنة ثمانية وخمسين وتسعمائة في مثل هذه الأراضي التي تحيا وتفلح بعمل وكلفة دراهم فعلى تقدير أن تعطى للغير بالطابو، فالبنات لما كان يلزم حرمانهن من المال الذي صرفه أبوهن ورد الأمر السلطاني بالإعطاء لهن، لكن تنافس الأخت البنت في ذلك، فيؤتى بجماعة ليس لهن غرض، فأي مقدار قدروا به الطابو تعطيه البنات ويأخذن الأرض ا هـ‏.‏ ونقل في الحامدية أنه إذا وقع التفويض بلا إذن صاحب الأرض يعني التيماري الذي وجه السلطان له أخذ خراجها لا تزول الأرض عن يد المفوض حقيقة، فكانت في يد المفوض إليه عارية، وإذا كانت الأرض وقفا فتفويضها متوقف على إذن الناظر لا على إجازة التيمار، ولا تؤجر ممن لا مسكة له مع وجوده بدون وجه شرعي وإذا زرع أجنبي فيها بلا إذن صاحب المسكة يؤمر بقلع الزرع ويسقط حق صاحبها منها بتركه ثلاث سنوات اختيارا ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله ولذا جعلوه‏)‏ أي جعلوا بيعها والمراد به الخروج عنها يعني أن المسكة لما لم تكن مالا متقوما لا يمكن بيعها، فإذا أراد صاحبها النزول عنها لغيره بعوض جعلوا ذلك بطريق الفراغ كالنزول عن الوظائف، وقدمنا عن المفتى أبي السعود أنه أفتى بجوازه وكأن الشارح لم يطلع على ذلك فأمر بتحريره والله سبحانه أعلم‏.‏ ‏(‏قوله وسنذكره في بيع الوفاء‏)‏ أي قبيل كتاب الكفالة، والذي ذكره هناك هو النزول عن الوظائف ومسألة الخلو ولم يتعرض هناك للمسكة‏.‏

مطلب في انعقاد البيع بلفظ واحد من الجانبين

‏(‏قوله وينعقد أيضا‏)‏ أي كما ينعقد بإيجاب وقبول منهما أو بتعاط من الجانبين ط ‏(‏قوله بلفظ واحد‏)‏ ظاهره أنه لا يكون بالتعاطي هنا ‏(‏قوله كما في بيع القاضي‏)‏ أي بيعه مال اليتيم من يتيم آخر أو شرائه له كذلك، أما عقده لنفسه فلا يجوز؛ لأن فعله وقضاءه لنفسه باطل أفاده في البحر جامعا بذلك بين ما في البدائع من الجواز وما في الخزانة من عدمه ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والوصي‏)‏ أي إذا اشترى لليتيم من مال نفسه أو لنفسه منه بشرطه المعروف وقيده في نظم الزندويستي بما إذا لم يكن نصبه القاضي‏.‏ ا هـ‏.‏ فتح أي لأن وصي القاضي وكيل محض والوصي لا يملك البيع أو الشراء لنفسه خلاصة وأراد بالشرط المعروف الخيرية‏:‏ وهي في الشراء من مال اليتيم لنفسه، أن يكون ما يساوي عشرة بخمسة عشر، وفي البيع منه بالعكس وقيل‏:‏ يكتفي بدرهمين في العشرة والأول المعتمد كما قدمناه قبيل البيوع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والأب من طفله‏)‏ ولا تشترط فيه الخيرية كما في البحر، وزاد فيمن يتولى العقد من الطرفين العبد إذا اشترى نفسه من مولاه بأمره والرسول من الجانبين، بخلاف الوكيل منهما‏.‏ ا هـ‏.‏ زاد في الدرر قوله‏:‏ وكذا لو قال‏:‏ بعت منك هذا بدرهم فقبضه المشتري ولم يقل شيئا ينعقد البيع‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال‏:‏ في العزمية‏:‏ والظاهر أن هذا من باب التعاطي‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ لأن بيع التعاطي ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقط كما قدمناه عن الفتح، وقدمنا عنه أن القبول يكون بالقول والفعل وأن القبض قبول فحينئذ لم يوجد انفراد أحدهما بالعقد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإنه لوفور شفقته إلخ‏)‏ أي ووصي الأب نائب عنه فله حكمه؛ ولذا سكت عنه وأما القاضي فكذلك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وتمامه في الدرر‏)‏ ذكر فيها بعد عبارة الشارح ما نصه‏:‏ فلم يحتج إلى القبول، وكان أصيلا في حق نفسه ونائبا عن طفله حتى إذا بلغ كانت العهدة عليه دون أبيه، بخلاف ما إذا باع مال طفله من أجنبي، فبلغ كانت العهدة على أبيه فإذا لزم عليه الثمن في صورة شرائه لا يبرأ عن الدين حتى ينصب القاضي وكيلا يقبضه للصغير فيرده على أبيه فيكون أمانة عنده‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ قبل الآخر‏)‏ بكسر الباء من القبول المقابل للإيجاب، وقوله‏:‏ أو ترك عطف عليه أي يخير الآخر بين القبول والترك في المجلس، ما دام الموجب على إيجابه، فلو رجع عنه قبل القبول بطل كما يأتي ولا بد أيضا من كون القبول في المجلس، وكونه موافقا للإيجاب كما نبه عليه وكونه في حياة الموجب‏.‏ فلو مات قبله بطل إلا في مسألة على ما فهمه في البحر ورده في النهر بأنه لا استثناء فراجعه، وكونه قبل رد المخاطب الإيجاب وكونه قبل تغير المبيع فلو قطعت يد الجارية بعد الإيجاب، وأخذ البائع أرشها لم يصح قبول المشتري، كما في الخانية بحر والظاهر أن التقييد بأخذ الأرش اتفاقي نهر‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده قول التتارخانية ودفع أرش اليد إلى البائع أو لم يدفع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في المجلس‏)‏ حتى لو تكلم البائع مع إنسان في حاجة فإنه يبطل بحر فالمراد بالمجلس ما لا يوجد فيه ما يدل على الإعراض، وأن لا يشتغل بمفوت له فيه وإن لم يكن للإعراض أفاده في النهر، فإن وجد بطل ولو اتحد المكان ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كل المبيع بكل الثمن‏)‏ بيان لاشتراط موافقة القبول للإيجاب بأن يقبل المشتري ما أوجبه البائع بما أوجبه فإن خالفه بأن قبل غير ما أوجبه أو بعضه أو بغير ما أوجبه أو ببعضه لم ينعقد إلا في الشفعة، كما قدمناه في شروط العقد، وإلا فيما إذا كان الإيجاب من المشتري فقبل البائع بأنقص من الثمن صح وكان خطأ، أو كان من البائع فقبل المشترى بأزيد صح، وكان زيادة إن قبلها في المجلس لزمت أفاده في البحر، وذكر أن هبة الثمن بعد الإيجاب قبل القبول تبطل الإيجاب، وقيل‏:‏ لا ويكون إبراء وسكوت المشتري عن الثمن مفسدا للبيع‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب ما يوجب اتحاد الصفقة وتفريقها

‏(‏قوله‏:‏ لئلا يلزم تفريق الصفقة‏)‏ هي ضرب اليد على اليد في البيع، ثم جعلت عبارة عن العقد نفسه مغرب‏.‏ قال‏:‏ في البحر‏:‏ ولا بد من معرفة ما يوجب اتحادها وتفريقها‏.‏ وحاصل ما ذكروه‏:‏ أن الموجب إذا اتحد وتعدد المخاطب لم يجز التفريق بقبول أحدهما بائعا كان الموجب أو مشتريا وعلى عكسه لم يجز القبول في حصة أحدهما، وإن اتحدا لم يصح قبول المخاطب في البعض فلم يصح تفريقها مطلقا في الأحوال الثلاثة لاتحاد الصفقة في الكل، وكذا إذا اتحد العاقدان، وتعدد المبيع كأن يوجب في مثلين أو قيمي ومثلي لم يجز تفريقها بالقبول في أحدهما إلا أن يرضى الآخر بذلك بعد قبوله في البعض، ويكون المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء كعبد واحد أو مكيل أو موزون، فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا وبطل الإيجاب الأول، فإن كان مما لا ينقسم إلا بالقيمة كثوبين وعبدين لا يجوز فلو بين ثمن كل واحد فلا يخلو إما أن يكرر لفظ البيع، فالاتفاق على أنه صفقتان، فإذا قبل في أحدهما يصح كقوله بعتك هذين العبدين بعتك هذا بألف وبعتك هذا بألف، وأما أن لا يكرره وفصل الثمن فظاهر الهداية التعدد، وبه قال‏:‏ بعضهم ومنعه الآخرون، وحملوا كلامه على ما إذا كرر لفظ البيع، وقيل‏:‏ إن اشتراط تكراره للتعدد استحسان، وهو قول الإمام، وعدمه قياس وهو قولهما ورجحه في الفتح بقوله‏:‏ والوجه الاكتفاء بمجرد تفريق الثمن؛ لأن الظاهر أن فائدته ليس إلا قصده بأن يبيع منه أيهما شاء، وإلا فلو كان غرضه أن لا يبيعها منه إلا جملة لم تكن فائدة لتعيين ثمن كل‏.‏ ا هـ‏.‏ واعلم أن تفصيل الثمن إنما يجعلهما عقدين على القول به إذا كان الثمن منقسما عليهما باعتبار القيمة، أما إذا كان منقسما عليهما باعتبار الأجزاء كالقفيزين من جنس واحد فإن التفصيل لا يجعله في حكم عقدين للانقسام من غير تفصيل، فلم يعتبر التفصيل كما في شرح المجمع للمصنف وهو تقييد حسن‏.‏ ا هـ‏.‏ ما في البحر وتمام الكلام فيه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا أعاد الإيجاب والقبول‏)‏ كأن قال‏:‏ اشتريت نصف هذا المكيل بكذا وقبل الآخر فيكون بيعا مستأنفا لوجود ركنيه وبطل الأول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو رضي الآخر‏)‏ أي بدون إعادة الإيجاب فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كمكيل وموزون‏)‏ أدخلت الكاف العبد الواحد كما سلف ذكره في عبارة البحر ط‏.‏ ووجه الصحة أنه إذا كان الثمن منقسما عليهما باعتبار الأجزاء تكون حصة كل بعض معلومة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا لا‏)‏ أي وإن يكن الثمن منقسما عليهما كذلك بل كان منقسما باعتبار القيمة كما إذا كان المبيع عبدين أو ثوبين لا يصح القبول لأحدهما، وإن رضي الآخر لجهالة ما يخص أحدهما من الثمن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لعدم جواز البيع بالحصة ابتداء‏)‏ صورته ما إذا قال‏:‏ بعت منك هذا العبد بحصته من الألف الموزع على قيمته وقيمة ذلك العبد الآخر، فإنه باطل لجهالة الثمن وقت البيع كذا في فصل قصر العام من التلويح عزمية، وقوله‏:‏ ابتداء خرج به ما إذا عرض البيع بالحصة، بأن باعه الدار بتمامها فاستحق بعضها ورضي المشتري بالباقي فإنه يصح لعروض البيع بالحصة انتهاء، وقد علمت أن محل عدم الجواز فيما إذا لم يكرر الثمن ولفظ البيع أو يفصل الثمن فقط على ما ذهب إليه صاحب الهداية ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما حرره الواني‏)‏ لم يذكر الواني في هذا المحل تحريرا ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو بين ثمن كل‏)‏ أي فيما إذا كان المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالقيمة كعبدين وثوبين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن لم يكرر لفظ بعت‏)‏؛ لأنه بمجرد تفصيل الثمن تتعدد الصفقة على ما هو ظاهر الهداية كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو المختار‏)‏ تقدم وجه ترجيحه عن الفتح‏.‏

مطلب ما يبطل الإيجاب سبعة

‏(‏قوله‏:‏ بطل الإيجاب إن رجع الموجب إلخ‏)‏ قال‏:‏ في البحر‏:‏ والحاصل أن الإيجاب يبطل بما يدل على الإعراض وبرجوع أحدهما عنه وبموت أحدهما؛ ولذا قلنا‏:‏ إن خيار القبول لا يورث وبتغير المبيع بقطع يد وتخلل عصير وزيادة بولادة وهلاكه، بخلاف ما إذا كان بعد قلع عينه بآفة سماوية أو بعدما وهب للمبيع هبة، كما في المحيط، وقدمنا أنه يبطل بهبة الثمن قبل قبوله فأصل ما يبطله سبعة فليحفظ‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قبل القبول‏)‏ وكذا معه، فلو خرج القبول ورجع الموجب معا كان الرجوع أولى كما في الخانية بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن لم يذهب عن مجلسه على الراجح‏)‏ وقيل‏:‏ لا يبطل ما دام في مكانه بحر‏.‏ ويبطل بالقيام وإن كان لمصلحة لا معرضا كما في القنية قال‏:‏ في النهر‏.‏ واختلاف المجلس باعتراض ما يدل على الإعراض من الاشتغال بعمل آخر كأكل إلا إذا كان لقمة، وشرب إلا إذا كان الإناء في يده، ونوم إلا أن يكونا جالسين، وصلاة إلا إتمام الفريضة، أو شفع نفلا، وكلام ولو لحاجة ومشي مطلقا في ظاهر الرواية حتى لو تبايعا وهما يمشيان أو يسيران ولو على دابة واحدة لم يصح‏.‏ واختار غير واحد كالطحاوي أنه إن أجاب على فور كلامه متصلا جاز، وصححه في المحيط وقال‏:‏ في الخلاصة‏:‏ لو قبل بعدما مشى خطوة أو خطوتين جاز، وفي مجمع التفاريق وبه نأخذ، وفي المجتبى المجلس المتحد أن لا يشتغل أحد المتعاقدين بغير ما عقد له المجلس، أو ما هو دليل الإعراض والسفينة كالبيت فلا ينقطع المجلس بجريانها؛ لأنهما لا يملكان إيقافها‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا ط وفي الجوهرة لو كان قائما فعقد لم يبطل بحر وكذا لو ناما جالسين لا لو مضطجعين أو أحدهما فتح تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإنه كمجلس خيار المخيرة‏)‏ أي التي ملكها زوجها طلاقها بقوله لها اختاري نفسك‏.‏ وفي البحر عن الحاوي القدسي‏:‏ ويبطل مجلس البيع بما يبطل به خيار المخيرة ا هـ‏.‏ وهذا أولى؛ لأن خيارها يقتصر على مجلسها خاصة لا على مجلس الزوج بخلاف البيع، فإنه يقتصر على مجلسهما كما في البحر عن غاية البيان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا سائر التمليكات فتح‏)‏ لم يذكر في الفتح إلا خيار المخيرة ط‏.‏ وفي البحر، قيد بالبيع؛ لأن الخلع والعتق على مال لا يبطل الإيجاب فيه بقيام الزوج والمولى لكونه يمينا ويبطل بقيام المرأة والعبد لكونه معاوضة في حقهما كما في النهاية‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ خلافا للشافعي‏)‏ وبقوله قال‏:‏ أحمد وبقولنا قال‏:‏ مالك كما في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وحديثه‏)‏ أي الخيار أو الشافعي، وقد روي بروايات متعددة كما في الفتح منها ما في البخاري من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارا» ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ محمول على تفريق الأقوال‏)‏ هو أن يقول الآخر بعد الإيجاب‏:‏ لا أشتري، أو يرجع الموجب قبل القبول وإسناد التفرق إلى الناس مرادا به تفرق أقوالهم كثير في الشرع والعرف قال‏:‏ الله - تعالى‏:‏ ‏{‏وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة‏}‏ وقال‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «افترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إذ الأحوال ثلاثة إلخ‏)‏؛ لأن حقيقة المتبايعين المشتغلان بأمر البيع لا من تم البيع بينهما وانقضى؛ لأنه مجاز والمتشاغلان يعني المتساومين يصدق عند إيجاب أحدهما قبل قبول الآخر أنهما متبايعان، فيكون ذلك هو المراد، وهذا هو خيار القبول، وهذا حمل إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى‏.‏ لا يقال هذا أيضا مجاز؛ لأن الثابت قبل الآخر بائع واحد لا متبايعان؛ لأنا نقول هذه من المواضع التي تصدق الحقيقة فيها بجزء من معنى اللفظ؛ ولأنا نفهم من قول القائل زيد وعمرو هناك يتبايعان على وجه التبادر إلا أنهما يشتغلان بأمر البيع متراضيان فيه فليكن هو المعنى الحقيقي، والحمل على الحقيقي متعين فيكون الحديث لنفي توهم أنهما إذا اتفقا على الثمن وتراضيا عليه ثم أوجب أحدهما البيع يلزم الآخر من غير أن يقبل ذلك أصلا للاتفاق والتراضي السابق على أن السمع والقياس ضدان للمذهب، أما السمع فقوله‏:‏ - تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود‏}‏ وهذا عقد قبل التخيير وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم‏}‏ وبعد الإيجاب والقبول تصدق تجارة عن تراض من غير توقف على التخيير فقد أباح الله - تعالى - أكل المشترى قبل التخيير وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأشهدوا إذا تبايعتم‏}‏ أمر بالترفق بالشهادة حتى لا يقع التجاحد والبيع يصدق قبل الخيار بعد الإيجاب والقبول، فلو ثبت الخيار وعدم اللزوم قبله كان إبطالا لهذه النصوص وأما القياس فعلى النكاح والخلع والعتق والكتابة كل منها عقد معاوضة يتم بلا خيار المجلس بمجرد اللفظ الدال على الرضا فكذا البيع وتمامه في المنح والفتح ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مجاز الأول‏)‏ أي باعتبار ما تئول إليه عاقبته ط عن المنح مثل‏:‏ ‏{‏إني أراني أعصر خمرا‏}‏‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مجاز الكون‏)‏ أي باعتبار ما كان من قبل مثل‏:‏ ‏{‏وآتوا اليتامى أموالهم‏}‏‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وشرط لصحته معرفة قدر مبيع وثمن‏)‏ ككر حنطة وخمسة دراهم أو أكرار حنطة فخرج ما لو كان قدر المبيع مجهولا أي جهالة فاحشة، فإنه لا يصح وقيدنا بالفاحشة لما قالوه لو باعه جميع ما في هذه القرية أو هذه الدار والمشتري لا يعلم ما فيها لا يصح لفحش الجهالة أما لو باعه جميع ما في هذا البيت، أو الصندوق، أو الجوالق، فإنه يصح؛ لأن الجهالة يسيرة قال‏:‏ في القنية‏:‏ إلا إذا كان لا يحتاج معه إلى التسليم والتسلم، فإنه يصح بدون معرفة قدر المبيع، كمن أقر أن في يده متاع فلان غصبا أو وديعة ثم اشتراه جاز، وإن لم يعرف مقداره‏.‏ ا هـ‏.‏ ومعرفة الحدود تغني عن معرفة المقدار، ففي البزازية -‏:‏ باعه أرضا وذكر حدودها لا ذرعها طولا وعرضا، جاز، وكذا إن لم الحدود، ولم يعرفه المشتري إذا لم يقع بينهما تجاحد، وفيها جهل البائع معرفة المبيع لا يمنع وجهل المشتري يمنع‏.‏ ا هـ‏.‏ وعلى هذا تفرع ما في القنية‏:‏ لك في يدي أرض خربة لا تساوي شيئا في موضع كذا فبعها مني بستة دراهم، فقال‏:‏ بعتها، ولم يعرفها البائع وهي تساوي أكثر من ذلك جاز ولم يكن ذلك بيع المجهول؛ لأنه لما قال‏:‏ لك في يدي أرض صار كأنه قال‏:‏ أرض كذا وفي المجمع لو باعه نصيبه من دار فعلم العاقدين شرط أي عند الإمام، ويجيزه أي أبو يوسف مطلقا وشرط أي محمد علم المشتري وحده وفي الخانية‏:‏ اشترى كذا كذا قربة من ماء الفرات‏.‏ قال‏:‏ أبو يوسف‏:‏ إن كانت القربة بعينها جاز لمكان التعامل، وكذا الراوية والجرة وهذا استحسان وفي القياس لا يجوز إذا كان لا يعرف قدرها، وهو قول الإمام وخرج أيضا ما لو كان الثمن مجهولا كالبيع بقيمته أو برأس ماله أو بما اشتراه أو بمثل ما اشتراه فلان، فإن علم المشتري بالقدر في المجلس جاز ومنه أيضا ما لو باعه بمثل ما يبيع الناس إلا أن يكون شيئا لا يتفاوت نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ووصف ثمن‏)‏؛ لأنه إذا كان مجهول الوصف تتحقق المنازعة فالمشتري يريد دفع الأدون والبائع يطلب الأرفع فلا يحصل مقصود شرعية العقد نهر‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ظاهر كلامه كالكنز يعطى أن معرفة وصف المبيع غير شرط، وقد نفى اشتراطه في البدائع في المبيع والثمن، وظاهر الفتح إثباته فيهما، ووفق في البحر بحمل ما في البدائع على المشار إليه أو إلى مكانه، وما في الفتح على غيره لمن حقق في النهر أن ما فهمه من الفتح وهم فاحش؛ لأن كلام الفتح في الثمن فقط‏.‏ قلت‏:‏ وظاهره الاتفاق على اشتراط معرفة القدر في المبيع والثمن، وإنما الخلاف في اشتراط الوصف فيهما وللعلامة الشرنبلالي رسالة سماها‏:‏ نفيس المتجر بشراء الدرر، حقق فيها أن المبيع المسمى جنسه لا حاجة فيه إلى بيان قدره ولا وصفه ولو غير مشار إليه أو إلى مكانه؛ لأن الجهالة المانعة من الصحة تنتفي بثبوت خيار الرؤية؛ لأنه إذا لم يوافقه يرده فلم تكن الجهالة مفضية إلى المنازعة واستدل على ذلك بفروع صححوا فيها البيع بدون بيان قدر ولا وصف، منها ما قدمناه من صحة بيع جميع ما في هذا البيت أو الصندوق، وشراء ما في يده من غصب أو وديعة، وبيع الأرض مقتصرا على ذكر حدودها وشراء الأرض الخربة المارة عن القنية‏.‏ ومنها‏:‏ ما قالوا لو قال‏:‏ بعتك عبيدي، وليس له إلا عبد واحد صح، بخلاف بعتك عبدا بدون إضافة، فإنه لا يصح في الأصح‏.‏ ومنها‏:‏ لو قال‏:‏ بعتك كرا من الحنطة فإن لم يكن كل الكر في ملكه بطل ولو بعضه في ملكه بطل في المعدوم وفسد في الموجود، ولو كله في ملكه لكن في موضعين أو من نوعين مختلفين، لا يجوز ولو من نوع واحد في موضع واحد جاز وإن لم يضف البيع إلى تلك الحنطة، وكذا لو قال‏:‏ بعتك ما في كمي فعامتهم على الجواز وبعضهم على عدمه وأول قول الكنز ولا بد من معرفة قدر ووصف ثمن، بأن لفظ ‏"‏ قدر ‏"‏ غير منون مضافا لما بعده من الثمن مثل قول العرب‏:‏ بعتك بنصف وربع درهم‏.‏ قلت‏:‏ ما ذكره من الاكتفاء بذكر الجنس عن ذكر القدر والوصف يلزم عليه صحة البيع في نحو‏:‏ بعتك حنطة بدرهم ولا قائل به، ومثله بعتك عبدا أو دارا وما قاله من انتفاء الجهالة بثبوت خيار الرؤية مدفوع بأن خيار الرؤية قد يسقط برؤية بعض المبيع، فتبقى الجهالة المفضية إلى المنازعة، وكذا قد يبطل خيار الرؤية قبلها، بنحو بيع أو رهن لما اشتراه كما سيأتي بيانه في بابها؛ ولذا قال‏:‏ المصنف هناك‏:‏ صح البيع والشراء لما لم يرياه، والإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز ا هـ‏.‏ فأفاد أن انتفاء الجهالة بهذه الإشارة شرط جواز أصل البيع ليثبت بعده خيار الرؤية‏.‏ نعم‏:‏ صحح بعضهم الجواز بدون الإشارة المذكورة، لكنه محمول على ما إذا حصل انتفاء الجهالة بدونها ولذا قال‏:‏ في النهاية هناك‏:‏ صح شراء ما لم يره يعني شيئا مسمى موصوفا أو مشارا إليه أو إلى مكانه وليس فيه غيره بذلك الاسم‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال‏:‏ في العناية قال‏:‏ صاحب الأسرار؛ لأن كلامنا في عين هي بحالة لو كانت الرؤية حاصلة لكان البيع جائزا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي حاوي الزهدي‏:‏ باع حنطة قدرا معلوما، ولم يعينها لا بالإشارة، ولا بالوصف لا يصح‏.‏ ا هـ‏.‏ هذا والذي يظهر من كلامهم تفريعا وتعليلا أن المراد بمعرفة القدر، والوصف ما ينفي الجهالة الفاحشة وذلك بما يخصص المبيع عن أنظاره، وذلك بالإشارة إليه لو حاضرا في مجلس العقد، وإلا فبيان مقداره مع بيان وصفه لو من المقدرات، كبعتك كر حنطة بلدية مثلا بشرط كونه في ملكه، أو ببيان مكانه الخاص كبعتك ما في هذا البيت، أو ما في كمي أو بإضافته إلى البائع كبعتك عبدي، ولا عبد له غيره، أو بيان حدود أرض ففي كل ذلك تنتفي الجهالة الفاحشة عن المبيع، وتبقى الجهالة اليسيرة التي لا تنافي صحة البيع لارتفاعها بثبوت خيار الرؤية، فإن خيار الرؤية إنما يثبت بعد صحة البيع لرفع تلك الجهالة اليسيرة لا لرفع الفاحشة المنافية لصحته فاغتنم تحقيق هذا المقام بما يرفع الظنون والأوهام، ويندفع به التناقض واللوم عن عبارات القوم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كمصري أو دمشقي‏)‏ ونظيره إذا كان الثمن من غير النقود كالحنطة لا بد من بيان قدرها ووصفها ككر حنطة بحيرية أو صعيدية كما أفاده الكمال وحققه في النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ غير مشار إليه‏)‏ أي إلى ما ذكر من المبيع والثمن قال‏:‏ في البحر‏:‏ لأن التسليم والتسلم واجب بالعقد، وهذه الجهالة مفضية إلى المنازعة فيمتنع التسليم والتسلم وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يشترط ذلك في مشار إليه‏)‏ قال‏:‏ في البحر‏:‏ وقوله‏:‏ غير مشار إليه قيد فيهما؛ لأن المشار إليه مبيعا كان أو ثمنا لا يحتاج إلى معرفة قدره، ووصفه فلو قال‏:‏ بعتك هذه الصبرة من الحنطة أو هذه الكورجة من الأرز والشاشات‏:‏ وهي مجهولة العدد بهذه الدراهم التي في يدك‏:‏ وهي مرئية له فقبل جاز، ولزم؛ لأن الباقي جهالة الوصف يعني القدر، وهو لا يضر إذ لا يمنع من التسليم والتسلم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ما لم يكن‏)‏ أي المشار إليه ربويا قوبل بجنسه أي وبيع مجازفة مثل بعتك هذه الصبرة من الحنطة بهذه الصبرة‏.‏ قال‏:‏ في البحر‏:‏ فإنه لا يصح لاحتمال الربا واحتماله مانع كحقيقته‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو سلما‏)‏ أراد به المسلم فيه بقرينة ما بعده لكنه لا حاجة لذكره؛ لأن المسلم فيه مؤجل غير حاضر فلا يصح أن يكون مشارا إليه والكلام فيه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لو مكيلا أو موزونا‏)‏ فلا تكفي الإشارة إليه كما في مذروع وحيوان خلافا لهما؛ لأنه ربما لا يقدر على تحصيل المسلم فيه، فيحتاج إلى رد رأس المال وقد ينفق بعضه ثم يجد باقيه معيبا فيرده ولا يستبدله رب السلم في مجلس الرد فيفسخ العقد في المردود، ويبقى في غيره فتلزم جهالة المسلم فيه فيما بقي فوجب بيانه كما سيجيء في باب السلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ خير‏)‏ أي البائع والذي في الفتح والبحر عدم التخيير وعبارة الفتح ولو قال‏:‏ اشتريتها بهذه الصرة من الدراهم، فوجد البائع ما فيها بخلاف نقد البلد، فله أن يرجع بنقد البلد؛ لأن مطلق الدراهم في البيع ينصرف إلى نقد البلد وإن وجدها نقد البلد جاز، ولا خيار للبائع بخلاف ما لو قال‏:‏ اشتريت بما في هذه الخابية ثم رأى الدراهم التي كانت فيها كان له الخيار وإن كانت نقد البلد؛ لأن الصرة يعرف مقدار ما فيها من خارجها‏.‏ وفي الخابية لا يعرف ذلك من الخارج فكان له الخيار ويسمى هذا الخيار خيار الكمية لا خيار الرؤية؛ لأن خيار الرؤية لا يثبت في النقود‏.‏ ا هـ‏.‏ ط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وصح بثمن حال‏)‏ بتشديد اللام قال‏:‏ في المصباح‏:‏ حل الدين يحل بالكسر حلولا‏.‏ ا هـ‏.‏ قيد بالثمن؛ لأن تأجيل المبيع المعين لا يجوز ويفسده بحر‏.‏

مطلب في الفرق بين الأثمان والمبيعات

واعلم أن كلا من النقدين ثمن أبدا والعين الغير المثلي مبيع أبدا، وكل من المكيل والموزون الغير النقد والعددي المتقارب إن قوبل بكل من النقدين كان مبيعا، أو قوبل بعين فإن كان ذلك المكيل والموزون المتقارب متعينا كان مبيعا أيضا وإن كان غير متعين فإن دخل عليه حرف الباء مثل اشتريت هذا العبد بكر حنطة كان ثمنا وإن استعمل استعمال المبيع وكان سلما مثل اشتريت منك كر حنطة بهذا العبد، فلا بد من رعاية شرائط السلم غرر الأذكار شرح درر البحار‏.‏ وسيأتي له زيادة بيان في آخر الصرف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو الأصل‏)‏؛ لأن الحلول مقتضى العقد وموجبه والأجل لا يثبت إلا بالشرط بحر عن السراج‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لئلا يفضي إلى النزاع‏)‏ تعليل لاشتراط كون الأجل معلوما؛ لأن علمه لا يفضي إلى النزاع، وأما مفهوم الشرط المذكور وهو أنه لا يصح إذا كان الأجل مجهولا فعلته كونه يفضي إلى النزاع فافهم‏.‏ وسيذكر المصنف في البيع الفاسد بيان الأجل المفسد وغيره‏.‏مطلب في التأجيل إلى أجل مجهول

‏[‏تنبيه‏]‏

من جهالة الأجل ما إذا باعه بألف على أن يؤدي إليه الثمن في بلد آخر، ولو قال‏:‏ إلى شهر على أن يؤدي الثمن في بلد آخر جاز بألف إلى شهر، ويبطل الشرط؛ لأن تعيين مكان الإيفاء فيما لا حمل له ولا مؤنة غير صحيح، فلو له حمل ومؤنة يصح ومنها اشتراط أن يعطيه الثمن على التفاريق أو كل أسبوع البعض فإن لم يشرط في البيع بل ذكر بعده لم يفسد، وكان له أخذ الكل جملة وتمامه في البحر وقوله‏:‏ لم يفسد أي البيع فيه كلام يأتي قريبا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو باع مؤجلا‏)‏ أي بلا بيان مدة بأن قال‏:‏ بعتك بدرهم مؤجل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ صرف لشهر‏)‏ كأنه؛ لأنه المعهود في الشرع في السلم واليمين في ليقضين دينه آجلا بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ به يفتى‏)‏ وعند البعض لثلاثة أيام بحر عن شرح المجمع‏.‏ قلت‏:‏ ويشكل على القولين أن شرط صحة التأجيل أن يعرفه العاقدان ولذا لم يصح البيع بثمن مؤجل إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى إذا لم يدره العاقدان كما سيأتي في البيع الفاسد وكذا لو عرفه أحدهما دون الآخر فتأمل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فالقول لنافيه‏)‏ وهو البائع؛ لأن الأصل الحلول كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا في السلم‏)‏ فإن القول لمثبته؛ لأن نافيه يدعي فساده بفقد شرط صحته، وهو التأجيل ومدعيه يدعي صحته بوجوده والقول لمدعي الصحة ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فلمدعي الأقل‏)‏ لإنكاره الزيادة ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والبينة فيهما‏)‏ أي في المسألتين للمشتري؛ لأنه يثبت خلاف الظاهر والبينات للإثبات ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فالقول والبينة للمشتري‏)‏؛ لأنهما لما اتفقا على الأجل فالأصل بقاؤه فكان القول للمشتري في عدم مضيه ولأنه منكر توجه المطالبة وهذا ظاهر وأما تقديم بينته على بينة البائع فعلله في البحر عن الجوهرة بأن البينة مقدمة على الدعوى ا هـ‏.‏ وهو مشكل، فإن شأن البينة إثبات خلاف الظاهر، وهو هنا دعوى البائع على أن بينة المشتري على عدم المضي شهادة على النفي، وقد يجاب عن الثاني بأنه إثبات في المعنى؛ لأن المعنى أن الأجل باق تأمل وحينئذ فوجه تقديم بينته كونها أكثر إثباتا ويدل له ما سيأتي في السلم من أنهما لو اختلفا في مضي الأجل فالقول للمسلم إليه بيمينه، وإن برهنا فبينته أولى وعلله في البحر بإثباتها زيادة الأجل قال‏:‏ فالقول قوله والبينة بينته هذا ولم يذكر الاختلاف في الثمن أو في المبيع؛ لأنه سيأتي في كتاب الدعوى في فصل دعوى الرجلين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويبطل الأجل بموت المديون‏)‏؛ لأن فائدة التأجيل أن يتجر فيؤدي الثمن من نماء المال فإذا مات من له الأجل تعين المتروك لقضاء الدين، فلا يفيد التأجيل بحر عن شرح المجمع، وصرح قبله بأنه لو مات البائع لا يبطل الأجل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو مجهولا‏)‏ أي جهالة يسيرة بدليل التمثيل فيخرج ما لو أجله إلى أجل مجهول جهالة فاحشة كهبوب الريح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ صار مؤجلا‏)‏ كذا جزم به المصنف في باب البيع الفاسد كما سيأتي متنا، وذكره في الهداية أيضا وكذا في الزيلعي ومتن الملتقى والدرر وغيرها، وعزاه في التتارخانية إلى الكافي، وفي الخانية‏:‏ رجل باع شيئا بيعا جائزا وأخرج الثمن إلى الحصاد أو الدياس، قال‏:‏ يفسد البيع في قول أبي حنيفة، وعن محمد أنه لا يفسد البيع ويصح التأخير؛ لأن التأخير بعد البيع تبرع، فيقبل التأجيل إلى الوقت المجهول؛ كما لو كفل بمال إلى الحصاد أو الدياس وقال‏:‏ القاضي الإمام أبو علي النسفي‏:‏ هذا يشكل بما إذا أقرض رجلا، وشرط في القرض أن يكون مؤجلا لا يصح التأجيل، ولو أقرض ثم أخر لا يصح أيضا فكان الصحيح من الجواب ما قال‏:‏ الشيخ الإمام إنه يفسد البيع، سواء أجله إلى هذه الأوقات في البيع أو بعده ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا تصحيح لخلاف ما قدمناه عن الهداية وغيرها وفيه بحث فإن إلحاق البيع بالقرض غير ظاهر، بدليل أن القرض لا يصح تأجيله أصلا، وإن كان الأجل معلوما وتأجيل البيع إلى أجل معلوم صحيح اتفاقا على أنه ذكر في التاسع والثلاثين من جامع الفصولين الشرط الفاسد لو ألحق بعد العقد هل يلتحق بأصل العقد عند أبي حنيفة قيل‏:‏ نعم وقيل‏:‏ لا هو الصحيح ا هـ‏.‏ ثم قال‏:‏ بعده‏:‏ استأجر أرضا وشرط تعجيل الأجرة إلى الحصاد أو الدياس يفسد العقد ولو لم يشترطه في العقد بل بعده لا يفسد كما في البيع، فإن الرواية محفوظة أنه لو باع مطلقا ثم أجل الثمن إلى حصاد ودياس لا يفسد ويصح الأجل ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

علم مما مر أن الآجال على ضربين‏:‏ معلومة، ومجهولة، والمجهولة على ضربين‏:‏ متقاربة كالحصاد ومتفاوتة‏:‏ كهبوب الريح، فالثمن العين يفسد بالتأجيل، ولو معلوما، والدين لا يجوز لمجهول، لكن لو جهالته متقاربة وأبطله المشتري قبل محله وقبل فسخه للفساد انقلب جائزا لا لو بعد مضيه أما لو متفاوتة وأبطله المشتري قبل التفرق انقلب جائزا كما في البحر عن السراج، هذا وذكر الشارح في البيع الفاسد عن العيني ما يوهم أن الأخير لا ينقلب جائزا وليس كذلك فافهم‏.‏ ونقل الشارح هناك تبعا للمصنف عن ابن كمال وابن ملك أن إبطاله قبل التفرق شرط في المجهول جهالة متقاربة كالحصاد وهو خطأ كما سنبينه هناك إن شاء الله - تعالى -

‏(‏قوله‏:‏ فليس بتأجيل‏)‏؛ لأن مجرد الأمر بذلك لا يستلزم التأجيل تأمل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إن أخل بنجم‏)‏ حال من فاعل جعله بتقدير القول أي جعله ربه نجوما قائلا إن أخل إلخ ا هـ‏.‏ ح‏.‏

مطلب مهم في أحكام النقود إذا كسدت أو انقطعت أو غلت أو رخصت

‏(‏قوله‏:‏ قلت ومما يكثر وقوعه إلخ‏)‏ أعلم أنه إذا اشترى بالدراهم التي غلب غشها أو بالفلوس ولم يسلمها للبائع ثم كسدت بطل البيع والانقطاع عن أيدي الناس كالكساد ويجب على المشتري رد المبيع لو قائما ومثله أو قيمته لو هالكا، إن لم يكن مقبوضا فلا حكم لهذا البيع أصلا وهذا عنده وعندهما لا يبطل البيع؛ لأن المتعذر التسليم بعد الكساد، وذلك لا يوجب الفساد لاحتمال الزوال بالرواج لكن عند أبي يوسف تجب قيمته يوم البيع، وعند محمد يوم الكساد وهو آخر ما تعامل الناس بها وفي الذخيرة الفتوى على قول أبي يوسف، وفي المحيط والتتمة والحقائق وبقول محمد يفتى رفقا بالناس ا هـ‏.‏ والكساد‏:‏ أن تترك المعاملة بها في جميع البلاد، فلو في بعضها لا يبطل لكنه تتعيب إذا لم ترج في بلدهم، فيتخير البائع إن شاء أخذه وإن شاء أخذ قيمته‏.‏ وحد الانقطاع أن لا يوجد في السوق وإن وجد في يد الصيارفة والبيوت هكذا في الهداية والانقطاع كالكساد كما في كثير من الكتب لكن قال‏:‏ في المضمرات فإن انقطع ذلك فعليه من الذهب والفضة قيمته في آخر يوم انقطع هو المختار ا هـ‏.‏ هذا إذا كسدت وانقطعت أما إذا غلت قيمتها أو انتقضت فالبيع على حاله ولا يتخير المشتري، ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع كذا في فتح القدير‏.‏ وفي البزازية عن المنتقى غلت الفلوس أو رخصت فعند الإمام الأول والثاني، أولا ليس عليه غيرها، وقال‏:‏ الثاني ثانيا عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض وعليه الفتوى، وهكذا في الذخيرة والخلاصة عن المنتقى، ونقله في البحر وأقره، فحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من المعتبرات، فيجب أن يعول عليه إفتاء وقضاء، ولم أر من جعل الفتوى على قول الإمام هذا خلاصة ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في رسالته‏:‏ بذل المجهود في مسألة تغير النقود وفي الذخيرة عن المنتقى إذا غلت الفلوس قبل القبض أو رخصت‏.‏ قال‏:‏ أبو يوسف، قولي وقول أبي حنيفة في ذلك سواء وليس له غيرها، ثم رجع أبو يوسف وقال‏:‏ عليه قيمتها من الدراهم، يوم وقع البيع ويوم وقع القبض‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله‏:‏ يوم وقع البيع أي في صورة البيع، وقوله‏:‏ ويوم وقع القبض أي في صورة القرض كما نبه عليه في النهر في باب الصرف‏.‏ وحاصل ما مر‏:‏ أنه على قول أبي يوسف المفتى به لا فرق بين الكساد والانقطاع والرخص والغلاء في أنه تجب قيمتها يوم وقع البيع أو القرض لا مثلها، وفي دعوى البزازية، من النوع الخامس عشر، عن فوائد الإمام أبي حفص الكبير استقرض منه دانق فلوس حال كونها عشرة بدانق، فصارت ستة بدانق أو رخص وصار عشرون بدانق يأخذ منه عدد ما أعطى ولا يزيد ولا ينقص‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ هذا مبني على قول الإمام، وهو قول أبي يوسف أولا، وقد علمت أن المفتى به قوله‏:‏ ثانيا بوجوب قيمتها يوم القرض، وهو دانق أي سدس درهم سواء صار الآن ستة فلوس بدانق أو عشرين بدانق تأمل ومثله ما سيذكره المصنف في فصل القرض من قوله استقرض من الفلوس الرائجة والعدالي فكسدت فعليه مثلها كاسدة لا قيمتها‏.‏ ا هـ‏.‏ فهو على قول الإمام‏.‏ وسيأتي في باب الصرف متنا وشرحا اشترى شيئا به أي بغالب الغش، وهو نافق أو بفلوس نافقة فكسد ذلك قبل التسليم للبائع بطل البيع كما لو انقطعت عن أيدي الناس، فإنه كالكساد وكذا حكم الدراهم، لو كسدت أو انقطعت بطل وصححاه بقيمة المبيع وبه يفتى رفقا بالناس بحر وحقائق‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله‏:‏ بقيمة المبيع صوابه بقيمة الثمن الكاسد‏.‏ وفي غاية البيان قال أبو الحسن‏:‏ لم تختلف الرواية عن أبي حنيفة في قرض الفلوس إذا كسدت أن عليه مثلها قال بشر‏:‏ قال أبو يوسف‏:‏ عليه قيمتها من الذهب يوم وقع القرض في الدراهم التي ذكرت لك أصنافها، يعني البخارية والطبرية واليزيدية وقال محمد‏:‏ قيمتها في آخر نفاقها قال القدوري‏:‏ وإذا ثبت من قول أبي حنيفة في قرض الفلوس ما ذكرنا فالدراهم البخارية فلوس على صفة مخصوصة والطبرية واليزيدية، هي التي غلب الغش عليها فتجرى مجرى الفلوس فلذلك قاسها أبو يوسف على الفلوس‏.‏ ا هـ‏.‏ ما في غاية البيان وما ذكره في القرض جاز في البيع أيضا، كما قدمناه عن الذخيرية من قوله يوم وقع البيع إلخ‏.‏ ثم اعلم أن الذي فهم من كلامهم أن الخلاف المذكور، إنما هو في الفلوس والدراهم الغالبة الغش، ويدل عليه أنه في بعض العبارات اقتصر على ذكر الفلوس‏.‏ وفي بعضها ذكر العدالي معها وهي كما في البحر عن البناية بفتح العين المهملة والدال وكسر اللام دراهم فيها غش‏.‏ وفي بعضها تقييد الدراهم بغالبة الغش، وكذا تعليلهم قول الإمام ببطلان البيع، بأن الثمنية بطلت بالكساد؛ لأن الدراهم التي غلب غشها إنما جعلت ثمنا بالاصطلاح، فإذا ترك الناس المعاملة بها بطل الاصطلاح فلم تبق ثمنا فبقي البيع بلا ثمن فبطل، ولم أر من صرح بحكم الدراهم الخالصة أو المغلوبة الغش سوى ما أفاده الشارح هنا‏.‏ وينبغي أنه لا خلاف في أنه لا يبطل البيع بكسادها، ويجب على المشتري مثلها في الكساد، والانقطاع والرخص والغلاء، أما عدم بطلان البيع، فلأنها ثمن خلقة فترك المعاملة بها لا يبطل ثمنيتها فلا يتأتى تعليل البطلان المذكور، وهو بقاء البيع بلا ثمن‏.‏ وأما وجوب مثلها وهو ما وقع عليه العقد كمائة ذهب مشخص، أو مائة ريال فرنجي فلبقاء ثمنيتها أيضا وعدم بطلان تقومها، وتمام بيان ذلك في رسالتنا تنبيه الرقود في أحكام النقود‏.‏ وأما ما ذكره الشارح من أنه تجب قيمتها من الذهب فغير ظاهر؛ لأن مثليتها، لم تبطل فكيف يعدل إلى القيمة، وقوله‏:‏ إذا لم يمكن إلخ فيه نظر؛ لأن منع السلطان التعامل بها في المستقبل لا يستلزم منع الحاكم من الحكم على شخص بما وجب عليه منها في الماضي‏.‏ وأما قوله‏:‏ ولا يدفع قيمتها من الجديدة، فظاهر وبيانه أن كسادها عيب فيها عادة؛ لأن الفضة الخالصة إذا كانت مضروبة رائجة تقوم بأكثر من غيرها، فإذا كانت العشرة من الكاسدة تساوي تسعة من الرائجة مثلا فإن ألزمنا المشتري بقيمتها وهو تسعة من الجديدة يلزم الربا، وإن ألزمناه بعشرة نظرا إلى أن الجودة والرداءة في باب الربا غير معتبرة يلزم ضرر المشتري، حيث ألزمناه بأحسن مما التزم فلم يمكن إلزامه بقيمتها من الجديدة، ولا بمثلها منها فتعين إلزامه بقيمتها من الذهب لعدم إمكان إلزامه بمثلها من الكاسدة أيضا لما علمت من منع الحكام منه، لكن علمت ما فيه هذا ما ظهر لي في هذا المقام والله - سبحانه وتعالى - أعلم‏.‏ وبقي ما لو وقع الشراء بالقروش كما هو عرف زماننا ويأتي الكلام عليه قريبا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أما ما غلب غشه إلخ‏)‏ أفاد أن الكلام السابق فيما كان خاليا عن الغش أو كان غشه مغلوبا، وأنه لا خلاف فيه على ما يفهم من كلامهم كما قررناه آنفا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما سيجيء في فصل القرض‏)‏ صوابه في باب الصرف كما علم مما قدمناه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهذا‏)‏ أي ما ذكره في المتن من صحة البيع بثمن مؤجل إلى معلوم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بثمن دين إلخ‏)‏ أراد بالدين ما يصح أن يثبت في الذمة سواء كان نقدا أو غيره، وبالعين ما قابله فيدخل في الدين الثوب الموصوف بما يعرفه لقوله في الفتح وغيره‏:‏ إن الثياب كما تثبت مبيعا في الذمة بطريق السلم تثبت دينا مؤجلا في الذمة على أنها ثمن، وحينئذ يشترط الأجل لا لأنها ثمن بل لتصير ملحقة بالسلم في كونها دينا في الذمة فلذا قلنا‏:‏ إذا باع عبدا بثوب موصوف في الذمة إلى أجل جاز، ويكون بيعا في حق العبد حتى لا يشترط قبضه في المجلس بخلاف ما لو أسلم الدراهم في الثوب، وإنما ظهرت أحكام المسلم فيه في الثوب حتى شرط فيه الأجل وامتنع بيعه قبل قبضه لإلحاقه بالمسلم فيه‏.‏ ا هـ‏.‏ فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبخلاف جنسه‏)‏ عطف على قوله بثمن دين، وفي بعض النسخ ‏"‏ أو ‏"‏ بدل الواو، والأولى أولى؛ لأن الشرط كل منهما لا أحدهما كما أفاده ط وقوله ‏"‏ ولم يجمعهما قدر ‏"‏ جملة حالية والقدر كيل أو وزن، وذلك كبيع ثوب بدراهم واحترز عما لو كان بجنسه وجمعهما قدر ككر بر بمثله أو كان بجنسه، ولم يجمعهما قدر كثوب هروي بمثله، أو كان بخلاف جنسه وجمعهما قدر ككر بر بكر شعير فإنه لا يصح التأجيل لما فيها من ربا النساء، فقول الشارح‏:‏ لما فيه من ربا النساء بالفتح أي التأخير تعليل لمفهوم المتن، وهو عدم صحة التأجيل في الصور الثلاثة أفاده ح‏.‏ قلت‏:‏ بقي شرط آخر وهو أن لا يكون المبيع الكيلي أو الوزني هالكا، فقد ذكر الخير الرملي أول البيوع عن جواهر الفتاوى‏:‏ له على آخر حنطة غير السلم فباعها منه بثمن معلوم إلى شهر لا يجوز؛ لأنه بيع الكالئ بالكالئ وقد نهينا عنه، وإن باعها ممن عليه ونقد المشتري الثمن في المجلس جاز فيكون دينا بعين‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر المسألة في المنح قبيل باب الربا، ومثله كل مكيل وموزون‏.‏ وكالبيع الصلح ففي الثلاثين من جامع الفصولين، ولو غصب كر بر فصالحه وهو قائم على دراهم مؤجلة جاز، وكذا الذهب والفضة وسائر الموزونات، ولو صالحه على كيل مؤجل لم يجز إذ الجنس بانفراده يحرم النساء، ولو كان البر هالكا لم يجز الصلح على شيء من هذا نسيئة؛ لأنه دين بدين إلا إذا صالح على بر مثله، أو أقل منه مؤجلا جاز؛ لأنه عين حقه والحط جائز لا لو على أكثر للربا، والصلح على بعض حقه في الكيلي والوزني حال قيامه لم يجز‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البزازية الحيلة في جواز بيع الحنطة المستهلكة بالنسيئة، أن يبيعها بثوب ويقبض الثوب ثم يبيعه بدراهم إلى أجل‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وتجري هذه الحيلة في الصلح أيضا وهي واقعة الفتوى ويكثر وقوعها‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فمذ سقوط الخيار عنده‏)‏ أي عند أبي حنيفة؛ لأن ذلك وقت استقرار البيع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مذ تسلم‏)‏ متعلق بأجل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لمنع‏)‏ اللام للتعليل، أو للتوقيت متعلقة بما تعلق به قوله وللمشتري‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ تحصيلا لفائدة التأجيل‏)‏ وهي التصرف في المبيع وإيفاء الثمن من ربحه مثلا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فلو معينة‏)‏ كسنة كذا ومثله إلى رمضان مثلا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأن التقصير منه‏)‏ تعليل للثانية، أما الأولى فلكونه لما عين تعين حقه فيما عينه فلا يثبت في غيره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والثمن المسمى قدره لا وصفه‏)‏ لما كان قول المصنف ينصرف مطلقا موهما أن المراد بالمطلق ما لم يذكر قدره ولا وصفه بقرينة قوله أولا وشرط لصحته معرفة قدر ووصف ثمن، دفع ذلك بأن المراد المطلق عن تسمية الوصف فقط‏.‏

مطلب يعتبر الثمن في مكان العقد وزمنه

‏(‏قوله‏:‏ مجمع الفتاوى‏)‏ فإنه قال معزيا إلى بيوع الخزانة‏:‏ باع عينا من رجل بأصفهان بكذا من الدنانير فلم ينقد الثمن حتى وجد المشتري ببخارى يجب عليه الثمن بعيار أصفهان، فيعتبر مكان العقد‏.‏ ا هـ‏.‏ منح‏.‏ قلت‏:‏ وتظهر ثمرة ذلك إذا كانت مالية الدينار مختلفة في البلدين، وتوافق العاقدان على أخذ قيمة الدينار لفقده أو كساده في البلدة الأخرى، فليس للبائع أن يلزمه بأخذ قيمته التي في بخارى إذا كانت أكثر من قيمته التي في أصبهان وكما يعتبر مكان العقد يعتبر زمنه أيضا كما يفهم مما قدمناه في مسألة الكساد والرخص فلا يعتبر زمن الإيفاء‏:‏ لأن القيمة فيه مجهولة وقت العقد وفي البحر عن شرح المجمع لو باعه إلى أجل معين وشرط أن يعطيه المشتري أي نقد يروج يومئذ كان البيع فاسدا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كذهب شريفي وبندقي‏)‏ فإنهما اتفقا في الرواج لكن مالية أحدهما أكثر فإذا باع بمائة ذهب مثلا، ولم يبين صفته فسد للتنازع؛ لأن البائع يطلب الأكثر مالية، والمشتري يدفع الأقل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مع الاستواء في رواجها‏)‏ أما إذا اختلفت رواجا مع اختلاف ماليتها أو بدونه فيصح، وينصرف إلى الأروج وكذا يصح لو استوت مالية ورواجا، لكن يخير المشتري بين أن يؤدي أيهما شاء‏.‏ والحاصل‏:‏ أن المسألة رباعية وأن الفساد في صورة واحدة‏:‏ وهي الاختلاف في المالية فقط، والصحة في الثلاث الباقية كما بسطه في البحر، ومثل في الهداية مسألة الاستواء في المالية والرواج بالثنائي والثلاثي، واعترضه الشراح بأن مالية الثلاثة أكثر من الاثنين وأجاب في البحر بأن المراد بالثنائي ما قطعتان منه بدرهم وبالثلاثي ما ثلاثة منه بدرهم‏.‏

مطلب مهم في حكم الشراء بالقروش في زماننا

قلت‏:‏ وحاصله‏:‏ أنه إذا اشترى بدرهم فله دفع درهم كامل أو دفع درهم مكسر قطعتين، أو ثلاثة حيث تساوى الكل في المالية والرواج، ومثله في زماننا الذهب يكون كاملا ونصفين وأربعة أرباع، وكلها سواء في المالية والرواج، بل ذكر في القنية في باب المتعارف بين التجار كالمشروط برمز عت‏:‏ باع شيئا بعشرة دنانير واستقرت العادة في ذلك البلد أنهم يعطون كل خمسة أسداس مكان الدينار، واشتهرت بينهم فالعقد ينصرف إلى ما تعارفه الناس فيما بينهم في تلك التجارة، ثم رمز فك‏:‏ جرت العادة فيما بين أهل خوارزم أنهم يشترون سلعة بدينار ثم ينقدون ثلثي دينار محمودية أو ثلثي دينار و طسوج نيسابورية قال‏:‏ يجري على المواضعة ولا تبقى الزيادة دينا عليهم‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في البحر عن التتارخانية، ومنه يعلم حكم ما تعورف في زماننا من الشراء بالقروش، فإن القرش في الأصل قطعة مضروبة من الفضة تقوم بأربعين قطعة من القطع المصرية المسماة في مصر نصفا ثم إن أنواع العملة المضروبة تقوم بالقرش، فمنها ما يساوي عشرة قروش، ومنها أقل ومنها أكثر، فإذا اشترى بمائة قرش فالعادة أنه يدفع ما أراد إما من القروش أو مما يساويها من بقية أنواع العملة من ريال أو ذهب، ولا يفهم أحد أن الشراء وقع بنفس القطعة المسماة قرشا، بل هي أو ما يساويها من أنواع العملة المتساوية في الرواج المختلفة في المالية، ولا يرد أن صورة الاختلاف في المالية مع التساوي في الرواج‏:‏ هي صورة الفساد من الصور الأربع؛ لأنه هنا لم يحصل اختلاف مالية الثمن حيث قدر بالقروش، وإنما يحصل الاختلاف إذا لم يقدر بها كما لو اشترى بمائة ذهب وكان الذهب أنواعا كلها رائجة، مع اختلاف ماليتها، فقد صار التقدير بالقروش في حكم ما إذا استوت في المالية والرواج وقد مر أن المشتري يخير في دفع أيهما شاء قال في البحر‏:‏ فلو طلب البائع أحدهما للمشتري دفع غيره؛ لأن امتناع البائع من قبول ما دفعه المشتري ولا فضل تعنت‏.‏ ا هـ‏.‏ بقي هنا شيء وهو أنا قدمنا أنه على قول أبي يوسف المفتى به‏:‏ لا فرق بين الكساد والانقطاع والرخص والغلاء في أنه تجب قيمتها يوم وقع البيع أو القرض إذا كانت فلوسا أو غالبة الغش، وإن كان فضة خالصة أو مغلوبة الغش تجب قيمتها من الذهب، يوم البيع على ما قاله الشارح، أو مثلها على ما بحثناه وهذا إذا اشترى بالريال أو الذهب، مما يراد نفسه، أما إذا اشترى بالقروش المراد بها ما يعم الكل كما قررناه، ثم رخص بعض أنواع العملة أو كلها واختلفت في الرخص، كما وقع مرارا في زماننا ففيه اشتباه فإنها إذا كانت غالبة الغش، وقلنا‏:‏ تجب قيمتها يوم البيع، فهنا لا يمكن ذلك؛ لأنه ليس المراد بالقروش نوعا معينا من العملة حتى نوجب قيمته‏.‏ وإذا قلنا‏:‏ إن الخيار للمشتري في تعيين نوع منها كما كان الخيار له قبل أن ترخص، فإنه كان مخيرا في دفع أي نوع أراد، فإبقاء الخيار له بعد الرخص يؤدي إلى النزاع والضرر فإن خياره قبل الرخص لا ضرر فيه على البائع أما بعده ففيه ضرر؛ لأن المشتري ينظر إلى الأنفع له والأضر على البائع فيختاره، فإن ما كان يساوي عشرة إذا صار نوع منه بثمانية ونوع منه بثمانية ونصف، يختار ما صار بثمانية فيدفعه للبائع، ويحسبه عليه بعشرة كما كان يوم البيع، وهذا في الحقيقة دفع مثل ما كان يوم البيع لا قيمته؛ لأن قيمة كل نوع تعتبر بغيره، فحيث لم يمكن دفع القيمة لما قلنا ولزم من إبقاء الخيار للمشتري، لزوم الضرر للبائع حصل الاشتباه في حكم المسألة كما قلنا، والذي حررته في رسالتي‏:‏ تنبيه الرقود أنه ينبغي أن يؤمر المشتري بدفع المتوسط رخصا لا بالأكثر رخصا ولا بالأقل، حتى لا يلزم اختصاص الضرر به، ولا بالبائع لكن هذا إذا حصل الرخص لجميع أنواع العملة، أما لو بقي منها نوع على حاله، فينبغي أن يقال‏:‏ بإلزام المشتري الدفع منه؛ لأن اختياره دفع غيره يكون تعنتا بقصده إضرار البائع مع إمكان غيره، بخلاف ما إذا لم يمكن بأن حصل الرخص للجميع، فهذا غاية ما ظهر لي في هذه المسألة والله - سبحانه - أعلم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا بين في المجلس‏)‏ قال‏:‏ في البحر‏:‏ فإذا ارتفعت الجهالة ببيان أحدهما في المجلس، ورضي الآخر صح لارتفاع المفسد قبل تقرره فصار كالبيان المقارن‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ هو في عرف المتقدمين إلخ‏)‏ كذا قاله في الفتح‏:‏ واستدل له بحديث الفطرة «كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من شعير»، لكن قال في البحر‏:‏ وفي المصباح الطعام عند أهل الحجاز البر خاصة، وفي العرف اسم لما يؤكل، مثل الشراب اسم لما يشرب، وجمعه أطعمة‏.‏ ا هـ‏.‏ والمراد به في كلام المصنف الحبوب كلها لا البر وحده ولا كل ما يؤكل بقرينة قوله كيلا وجزافا‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كيلا وجزافا‏)‏ منصوبان على الحال؛ لأنهما بمعنى اسم الفاعل، أو المفعول فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مثلث الجيم إلخ‏)‏ أي يجوز في جيمه الحركات الثلاث في القاموس الجزاف، والجزافة مثلثتين، والمجازفة الحدس في البيع والشراء معرب ‏"‏ كزاف ‏"‏‏.‏ ا هـ‏.‏ والحدس الظن والتخمين وحاصله ما في المغرب‏:‏ من أنه البيع والشراء بلا كيل ولا وزن ونقل ط أن شرط جوازه أن يكون مميزا مشارا إليه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إذا كان بخلاف جنسه‏)‏ أما بجنسه فلا يجوز مجازفة لاحتمال التفاضل إلا إذا ظهر تساويهما في المجلس بحر حتى لو لم يحتمل التفاضل، كأن باع كفة ميزان من فضة بكفة منها جاز، وإن كان مجازفة كما في الفتح، والمجازفة فيه بسبب أنه لا يعرف قدرها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لشرطية معرفته‏)‏ لاحتمال أن يتفاسخا السلم فيريد المسلم إليه دفع ما أخذ، ولا يعرف ذلك إلا بمعرفة القدر ط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن المجازفة البيع إلخ‏)‏ صرح بأنه من المجازفة، مع أن ظاهر المتن أنه ليس منها بقرينة العطف‏.‏ والأصل فيه المغايرة؛ لأنه على صورة الكيل والوزن وليس به حقيقة أفاده في النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وللمشتري الخيار فيها‏)‏ أفاد أن البيع جائز غير لازم وهذا الخيار خيار كشف الحال بحر‏.‏ وفي رواية‏:‏ لا يجوز البيع والأول أصح، وأظهر كما في الهداية وأول في الفتح قوله‏:‏ لا يجوز بأنه لا يلزم توفيقا بين الروايتين أي فلا حاجة إلى التصحيح، لارتفاع الخلاف، فاعتراض البحر عليه بأنه خلاف ظاهر الهداية غير ظاهر، وفي البحر عن السراج ويشترط لبقاء عقد البيع على الصحة بقاء الإناء والحجر على حالهما فلو تلفا قبل التسليم فسد البيع؛ لأنه لا يعلم مبلغ ما باعه منه‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهذا إذا لم يحتمل الإناء النقصان‏)‏ بأن لا ينكبس ولا ينقبض كأن يكون من خشب أو حديد أما إذا كان كالزنبيل والجوالق فلا يجوز إلا في قرب الماء استحسانا للتعامل نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والحجر التفتت‏)‏ هذا مروي عن أبي يوسف حتى لا يجوز بوزن هذه البطيخة ونحوها؛ لأنها تنقص بالجفاف وعول بعضهم على ذلك، وليس بشيء فإن البيع بوزن حجر بعينه لا يصح إلا بشرط تعجيل التسليم، ولا جفاف يوجب نقصانا في ذلك الزمان، وما قد يعرض من تأخره يوما أو يومين ممنوع بل لا يجوز ذلك كما لا يجوز في السلم، وكل العبارات تفيد تقييد صحة البيع في ذلك بالتعجيل، وتمامه في الفتح قال‏:‏ في البحر وهو حسن جدا وقواه في النهر أيضا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كبيعه إلخ‏)‏ عبر في الفتح وغيره بقوله وعن أبي جعفر باعه من هذه الحنطة قدر ما يملأ الطشت جاز ولو باعه قدر ما يملأ هذا البيت لا يجوز‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وصح فيما سمى‏)‏ أشار به إلى أن الصاع ليس بقيد حتى لو قال‏:‏ كل صاعين أو كل عشرة بدرهم صح في اثنين أو عشرة، وعلى هذا فقول المتن ‏"‏ صاع ‏"‏ بدل من ‏"‏ ما ‏"‏ بدل بعض من كل وفيه من الحزازة ما لا يخفى ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في بيع صبرة‏)‏ هي الطعام المجموع سميت بذلك لإفراغ بعضها على بعض ومنه قيل‏:‏ للسحاب فوق السحاب صبير قاله الأزهري، وأراد صبرة مشارا إليها كما سيأتي، وليست قيدا بل كل مكيل أو موزون أو معدود من جنس واحد، إذا لم تختلف قيمته كذلك نهر وقيد بصبرة احترازا عن صبرتين من جنسين، كما في الغرر وقال في شرحه الدرر‏:‏ أي لا يصح البيع عنده في القدر المسمى إذا بيع صبرتان من جنسين كصبرتي بر وشعير كل قفيز أو قفيزين بكذا حيث لم يصح البيع عنده في قفيز واحد لتفاوت الصبرتين وعندهما يصح فيهما أيضا وذكر في المحيط والإيضاح أن العقد يصح على قفيز واحد منهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله‏:‏ يصح أي عنده كما في الكافي وقوله‏:‏ منهما أي من الصبرتين من جنسين أي من كل واحدة نصف قفيز كما نبه عليه شراح الهداية عزمية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كل صاع بكذا‏)‏ قيل‏:‏ بجر ‏"‏ كل ‏"‏ بدل من صبرة، وقيل‏:‏ مبتدأ وخبر والجملة صفة صبرة‏.‏ ا هـ‏.‏ أي على تقدير القول أي مقول فيها كل صاع بكذا ويحتمل كون الجملة صفة لبيع وكونها في محل نصب على الحال بإضمار القول أيضا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مع الخيار للمشتري‏)‏ أي دون البائع نهر‏.‏ وفي البحر‏:‏ ولم يذكر المصنف الخيار على قول الإمام، قالوا‏:‏ وله الخيار في الواحد كما إذا رآه ولم يكن رآه وقت البيع، ثم نقل عن غاية البيان أن لكل منهما الخيار قبل الكيل، وذلك لأن الجهالة قائمة، أو لتفرق الصفقة ثم قال‏:‏ وصرح في البدائع بلزوم البيع في الواحد، وهذا هو الظاهر وعندهما البيع في الكل لازم ولا خيار‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لتفرق الصفقة عليه‏)‏ استشكل على قول الإمام؛ لأنه قائل بانصرافه إلى الواحد، فلا تفريق وأجاب في المعراج بأن انصرافه إلى الواحد مجتهد فيه، والعوام لا علم لهم بالمسألة الاجتهادية، فلا ينزل عالما فلا يكون راضيا كذا في الفوائد الظهيرية وفيه نوع تأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ ولعل وجه التأمل أنه يلزم عليه أن من علم أن العقد منصرف إلى الواحد لم يثبت له الخيار لعدم تفرق الصفقة عليه، مع أن كلامهم شامل للعالم وغيره، وعن هذا كان الظاهر ما مر عن البدائع من لزوم البيع في الواحد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويسمى خيار التكشف‏)‏ أي تكشف الحال بالصحة في واحد، وهو من الإضافة إلى السبب ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إن كيلت في المجلس‏)‏ وله الخيار أيضا كما في الفتح والتبيين والنهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لزوال المفسد‏)‏ وهو جهالة المبيع والثمن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قبل تقرره‏)‏ أي قبل ثبوته بانقضاء المجلس ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو سمى جملة قفزانها‏)‏ وكذا لو سمى ثمن الجميع ولم يبين جملة الصبرة، كما لو قال‏:‏ بعتك هذه الصبرة بمائة درهم، كل قفيز بدرهم فإنه يجوز في الجميع اتفاقا بحر‏.‏ والحاصل‏:‏ أنه إن لم يسم جملة المبيع وجملة الثمن صح في واحد، وإن سمى أحدهما صح في الكل كما لو سمى الكل، ويأتي بيان ما لو ظهر المبيع أزيد أو أنقص، وبقي ما إذا باع قفيزا مثلا من الصبرة والظاهر أنه يصح بلا خلاف للعلم بالمبيع فهو كبيع الصبرة كل قفيز بكذا إذا سمى جملة قفزانها ولذا أفتى في الخيرية بصحة المبيع بلا ذكر خلاف حيث سئل فيمن اشترى غرائر معلومة من صبرة كثيرة، فأجاب‏:‏ بأنه يصح، ويلزم ولا جهالة مع تسمية الغرائر‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بلا خيار لو عند العقد‏)‏ صرح به ابن كمال والظاهر أن التسمية قبل العقد في مجلسه كذلك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبه لو بعده إلخ‏)‏ الضمير الأول للخيار والثاني للعقد، قال‏:‏ ح‏:‏ أي وصح في الكل بالخيار للمشتري لو سمى جملة قفزانها بعد العقد في المجلس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو بعده‏)‏ أي بعد المجلس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عندهما‏)‏ راجع لقوله أو بعده لكن لا خيار للمشتري في هذه الصورة عندهما خلافا لما تقتضيه عبارته أفاده ح‏.‏ قلت‏:‏ فكان الأصوب أن يقول لا بعده وصح عندهما وعبارة الملتقى مع شرحه لا يصح لو زالت الجهالة بأحدهما بعد ذلك أي المجلس لتقرر المفسد، وقالا‏:‏ يصح مطلقا ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن عدم الصحة عنده إنما هو فيما زاد على صاع، أما فيه فالصحة ثابتة وإن لم توجد تسمية أصلا كما تفيده عبارة المتن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبه يفتى‏)‏ عزاه في الشرنبلالية إلى البرهان وفي النهر عن عيون المذاهب وبه يفتى، لا لضعف دليل الإمام بل تيسيرا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البحر‏:‏ وظاهر الهداية ترجيح قولهما لتأخيره دليلهما كما هو عادته‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن رجح في الفتح قوله وقوى دليله على دليلهما، ونقل ترجيحه أيضا العلامة قاسم عن الكافي والمحبوبي والنسفي وصدر الشريعة ولعله من حيث قوة الدليل فلا ينافي ترجيح قولهما من حيث التيسير ثم رأيته في شرح الملتقى أفاد ذلك وظاهره ترجيح التيسير على قوة الدليل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإن رضي‏)‏ تفريع على قوله وبه لو بعده في المجلس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ الظاهر نعم‏)‏ هو رواية عن الإمام استظهرها في النهر على رواية أبي يوسف عنه أنه لا يجوز إلا بتراضيهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفسد في الكل‏)‏ أي عنده خلافا لهما؛ لأن الأفراد إذا كانت متفاوتة لم يصح في شيء بحر أي لا في واحد ولا في أكثر، بخلاف مسألة الصبرة وسيأتي ترجيح قولهما وهذا شروع في حكم القيميات بعد بيان حكم المثليات كالصبرة ونحوها من كل مكيل وموزون‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بفتح‏)‏ أي بفتح الثاء المثلثة أما بضمها، فالكثير من الناس أو من الدراهم وبكسرها الهلكة كما في القاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وثوب‏)‏ أي يضره التبعيض أما في الكرباس، فينبغي جوازه في ذراع واحد كما في الطعام الواحد بحر عن غاية البيان‏.‏ قلت‏:‏ ووجهه ظاهر فإن الكرباس في العادة لا يختلف ذراع منه عن ذراع، ولذا فرض القهستاني المسألة فيما يختلف في القيمة وقال‏:‏ فإن الذراع من مقدم البيت أو الثوب أكثر قيمة من مؤخره‏.‏ ا هـ‏.‏ فأفاد أن ما لا يختلف مقدمه ومؤخره فهو كالصبرة‏.‏ ‏(‏قوله كل شاة‏)‏ أما لو قال‏:‏ شاتين بعشرين، وسمى الجملة مائة مثلا كان باطلا إجماعا وإن وجده كما سمى؛ لأن كل شاة لا يعرف ثمنها إلا بانضمام غيرها إليها قاله الحدادي، وفي الخانية ولو كان ذلك في مكيل أو موزون أو عددي متقارب جاز نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن علم‏)‏ أي بعد العقد كما يفيده ما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو رضيا إلخ‏)‏ في السراج قال‏:‏ الحلواني‏:‏ الأصح أن عند أبي حنيفة إذا أحاط علمه بعدد الأغنام في المجلس لا ينقلب صحيحا لكن لو كان البائع على رضاه ورضي المشتري ينعقد البيع بينهما بالتراضي، كذا في الفوائد الظهيرية ونظيره البيع بالرقم‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ وفي المجتبى ولو اشترى عشر شياه من مائة شاة أو عشر بطيخات من وقر، فالبيع باطل، وكذا الرمان، ولو عزلها البائع وقبلها المشتري جاز استحسانا والعزل والقبول بمنزلة إيجاب وقبول‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في التتارخانية وغيرها قال‏:‏ الخير الرملي‏:‏ وفيه نوع إشكال وهو أنه تقدم أن التعاطي بعد عقد فاسد لا ينعقد به البيع‏.‏ ا هـ‏.‏ وانظر ما قدمناه من الجواب عند الكلام على بيع التعاطي‏.‏

مطلب‏:‏ البيع بالرقم

‏(‏قوله‏:‏ ونظيره البيع بالرقم‏)‏ بسكون القاف علامة يعرف بها مقدار ما وقع به البيع من الثمن، فإذا لم يعلم المشتري ينظر إن علم في مجلس البيع نفذ، وإن تفرقا قبل العلم بطل درر من باب البيع الفاسد، وتعقبه في الشرنبلالية بأن النافذ لازم وهذا فيه الخيار بعد العلم بقدر الثمن في المجلس، وبأن قوله‏:‏ بطل غير مسلم؛ لأنه فاسد، يفيد الملك بالقبض وعليه قيمته بخلاف الباطل‏.‏ وأجيب عن الأول بأنه ليس كل نافذ لازما فقد شاع أخذها النافذ مقابلا للموقوف ا هـ‏.‏ وفي الفتح‏:‏ أن البيع بالرقم فاسد؛ لأن الجهالة تمكنت في صلب العقد وهو جهالة الثمن‏.‏ بسبب الرقم وصارت بمنزلة القمار للخطر الذي فيه أنه سيظهر كذا وكذا وجوازه فيما إذا علم في المجلس بعقد آخر هو التعاطي كما قاله الحلواني‏.‏ ا هـ‏.‏ وانظر ما قدمناه في بحث البيع بالتعاطي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو سمى إلخ‏)‏ أي في صلب العقد، فلا ينافي قوله‏:‏ وإن علم عدد الغنم في المجلس إلخ قال‏:‏ في البحر‏:‏ قيد بعدم تسمية ثمن الكل؛ لأنه لو سمى كما إذا قال‏:‏ بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم، وكل ذراع بدرهم فإنه جائز في الكل اتفاقا كما لو سمى جملة الذرعان أو القطيع‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب‏:‏ الضابط في كل

‏(‏قوله‏:‏ والضابط لكلمة كل إلخ‏)‏ اعلم أنهم ذكروا فروعا في كل ظاهرها التنافي، فإنهم تارة جعلوها مفيدة للاستغراق، وتارة للواحد وتارة لا تفيد شيئا منهما فاقتحم صاحب البحر في ذكر ضابط يحصر الفروع المذكورة بعد تصريحهم، بأن لفظ كل لاستغراق أفراد ما دخلته من المنكر وأجزائه في المعرف‏.‏ قلت‏:‏ ولذا صح قولك‏:‏ كل رمان مأكول بخلاف قولك‏:‏ كل الرمان مأكول؛ لأن بعض أجزائه كقشره غير مأكول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إن لم تعلم نهايتها‏)‏ أما إن علمت فالأمر فيها واضح كما إذا قال‏:‏ كل زوجة لي طالق، وله أربع زوجات مثلا فإن كلا تستغرقها ا هـ‏.‏ ح أي بلا تفصيل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإن لم تؤد للجهالة‏)‏ أي المفضية إلى المنازعة والأولى قول البحر‏:‏ فإن لم تفض الجهالة إلى منازعة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كيمين وتعليق‏)‏ عطف تفسير وعبارة البحر كمسألة التعليق والأمر بالدفع عنه وذكر قبله مسألة التعليق وقال‏:‏ إنها للكل اتفاقا كما إذا قال‏:‏ كل امرأة أتزوجها، أو كلما اشتريت هذا الثوب أو ثوبا فهو صدقة أو كلما ركبت هذه الدابة أو دابة، وفرق أبو يوسف بين المنكر والمعين في الكل وتمامه في الزيلعي من التعليق وفي الخانية كلما أكلت اللحم، فعلي درهم، فعليه بكل لقمة درهم، وذكر مسألة الأمر بالدفع فيما إذا أمر رجلا بأن يدفع لزوجته نفقة فقال‏:‏ ادفع عني كل شهر كذا فدفع المأمور أكثر من شهر لزم الآمر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا‏)‏ أي بأن أدت للجهالة المفضية إلى المنازعة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإن لم تعلم‏)‏ أي لم يمكن علمها كما في البحر، ففي عبارته تسامح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كإجارة‏)‏ صورته‏:‏ آجرتك داري كل شهر بكذا صح في شهر واحد، وكل شهر سكن أوله لزمه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكفالة‏)‏ صورته‏:‏ إذا ضمن لها نفقتها كل شهر أو كل يوم، لزمه نفقة واحدة عند الإمام، خلافا لأبي يوسف بحر‏.‏ ‏(‏قوله وإقرار‏)‏ صورته‏:‏ إذا قال‏:‏ لك علي كل درهم، ولو زاد من الدراهم فقياس قول الإمام عشرة وقالا ثلاثة بحر‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

زاد في البحر هنا قسما آخر، وعبارته ثم رأيت بعد ذلك في آخر غصب الخانية من مسائل الإبراء لو قال‏:‏ كل غريم لي فهو في حل قال‏:‏ ابن مقاتل لا يبرأ غرماؤه؛ لأن الإبراء إيجاب الحق للغرماء وإيجاب الحقوق لا يجوز إلا لقوم بأعيانهم، وأما كلمة كل في باب الإباحة فقال‏:‏ في الخانية من ذلك الباب لو قال‏:‏ كل إنسان تناول من مالي فهو له حلال قال‏:‏ محمد بن سلمة‏:‏ لا يجوز ومن تناوله ضمن، وقال‏:‏ أبو نصر محمد بن سلام‏:‏ هو جائز نظرا إلى الإباحة، والإباحة للمجهول جائزة ومحمد جعله إبراء عما تناوله والإبراء للمجهول باطل والفتوى على قول أبي نصر‏.‏ ا هـ‏.‏ ويمكن أن يقال‏:‏ في الضابط بعد قوله فهو على الواحد اتفاقا إن لم يكن فيه إيجاب حق لأحد فإن كان لم يصح ولا في واحد كمسألة الإبراء ا هـ‏.‏ كلام البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا‏)‏ أي بأن علمت في المجلس والمراد أمكن علمها فيه كما قدمناه عن البحر في قوله‏:‏ فإن لم تعلم وحينئذ فلا يرد أن الغنم إن علمت في صلب العقد صح في الكل وأن الصبرة إن علمت في المجلس صح في الكل أيضا فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كالغنم‏)‏ أدخلت الكاف كل معدوم متفاوت ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا‏)‏ بأن لم تتفاوت‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وصححاه فيهما في الكل‏)‏ أي وصحح الصاحبان العقد في الثلة والصبرة في كل الغنم وكل الأقفزة‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏:‏ أي سواء علم في المجلس أو لا، والأولى إرجاع ضمير فيهما إلى المثلي والقيمي، ليشمل المذروع وكل معدود متفاوت، وعبارة مواهب الرحمن هكذا وبيع صبرة مجهولة القدر كل صاع بدرهم وثلة أو ثوب كل شاة أو ذراع بدرهم صحيح في واحدة في الأولى، فاسد في كل الثانية والثالثة، وأجازه في الكل كما لو عم في المجلس بكيل‏.‏ أقول‏:‏ وبه يفتى‏.‏ ا هـ‏.‏ وعبارة القهستاني، وهذا كله عنده، وأما عندهما فنفذ في الكل في الصورتين‏:‏ أي صورتي المثلي والقيمي بلا خيار للمشتري إن رآه وعليه الفتوى كما في المحيط وغيره‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن باع صبرة إلخ‏)‏ قيل‏:‏ هذا مقابل قوله وفي صاع في بيع صبرة‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر بل مقابله قوله وصح في الكل إن سمى جملة قفزانها وما هنا بيان لذلك المقابل وتفصيل له فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على أنها مائة قفيز‏)‏ قيد بكونه بيع مكايلة؛ لأنه لو اشترى حنطة مجازفة في البيت، فوجد تحتها دكانا خير بين أخذها بكل الثمن وتركها، وكذا لو اشترى بئرا من حنطة، على أنها كذا وكذا ذراعا، فإذا هي أقل، وإذا كان طعاما في حب فإذا نصفه تبن يأخذه بنصف الثمن؛ لأن الحب وعاء يكال فيه فصار المبيع حنطة مقدرة والبيت والبئر لا يكال بهما وشمل ما إذا كان المسمى مشروطا بلفظ أو بالعادة، لما في البزازية اتفق أهل بلدة على سعر الخبز واللحم، وشاع على وجه لا يتفاوت فأعطى رجل ثمنا واشترى وأعطاه أقل من المتعارف إن من أهل البلدة يرجع بالنقصان فيهما من الثمن، وإلا رجع في الخبز؛ لأنه فيه متعارف، فيلزم الكل لا في اللحم فلا يعم‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أخذ الأقل بحصته أو فسخ‏)‏ أطلق في تخييره عند النقصان في المثلي، وذكر له البحر قيدين‏:‏ الأول عدم قبضه كل المبيع أو بعضه فإن قبض الكل لا يخير كما في الخانية، يعني بل يرجع في النقصان، والثاني عدم كونه مشاهدا له لما في الخانية اشترى سويقا على أن البائع لته بمن من السمن وتقابضا والمشتري ينظر إليه فظهر أنه لته بنصف من جاز البيع ولا خيار للمشتري؛ لأن هذا مما يعرف بالعيان، فإذا عاينه انتفى الغرر كما لو اشترى صابونا على أنه متخذ من كذا جرة من الدهن فظهر أنه متخذ من أقل، والمشتري ينظر إلى الصابون وقت الشراء، وكذا لو اشترى قميصا على أنه متخذ من عشرة أذرع، وهو ينظر إليه فإذا هو من تسعة جاز البيع ولا خيار للمشتري‏.‏ ا هـ‏.‏ واعترض في النهر الأول بأن الموجب للتخيير إنما هو تفريق الصفقة، وهذا القدر ثابت فيما لو وجده بعد القبض ناقصا إلا أن يقال‏:‏ إنه بالقبض صار راضيا بذلك فتدبر‏.‏ه ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ هذا ظاهر إذا علم بنقضه قبل القبض، وإلا فلا يكون راضيا فينبغي التفصيل تأمل‏.‏ واعترض في النهر أيضا الثاني، بأن الكلام في مبيع ينقسم أجزاء الثمن فيه على أجزاء المبيع وما في الخانية ليس منه لتصريحهم بأن السويق قيمي لما بين السويقين من التفاوت الفاحش بسبب القلي، وكذا الصابون كما في جامع الفصولين، وأما الثوب فظاهر وعلى هذا، فما سيأتي من أنه يخير في نقص القيمي بين أخذه بكل الثمن، أو تركه مقيدا بما إذا لم يكن مشاهدا فتدبر‏.‏ه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وينبغي أن يكون هذا فيما يمكن معرفة النقصان فيه بمجرد المشاهدة، وذلك إنما يظهر فيما يفحش نقصانه فإذا شاهده يكون راضيا به، ثم إن الظاهر من كلام الخانية أنه عند المعاينة يلزم البيع بكل الثمن، بلا خيار، وكلامنا في التخيير بين الفسخ وأخذ الأقل بحصته لا بكل الثمن، فلذا جعل في النهر عدم المشاهدة قيدا في القيمي، لا في المثلي أي أنه في القيمي يأخذ الأقل بكل الثمن بلا خيار إذا كان مشاهدا وعن هذا لم يذكره الشارح هنا بل في القيمي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ليس في تبعيضه ضرر‏)‏ خرج ما في تبعيضه ضرر لما في الخانية لو باع لؤلؤة على أنها تزن مثقالا فوجدها أكثر سلمت للمشتري؛ لأن الوزن فيما يضره التبعيض وصف بمنزلة الذرعان في الثوب‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيها القول للمشتري في النقصان، وإن وزنه له البائع ما لم يقر بأنه قبض منه المقدار ا هـ‏.‏ نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وما زاد للبائع‏)‏ راجع إلى قوله أو أكثر، قال‏:‏ في النهر وقيده الزاهدي بما لا يدخل تحت الكيلين، أو الوزنين أما ما يدخل، فلا يجب رده واختلف في قدره فقيل‏:‏ نصف درهم في مائة وقيل‏:‏ دانق في مائة لا حكم له وعن أبي يوسف دانق في عشرة كثير وقيل‏:‏ ما دون حبة عفو في الدينار، وفي القفيز المعتاد في زماننا نصف من‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب‏:‏ المعتبر ما وقع عليه العقد وإن ظن البائع أو المشتري أنه أقل أو أكثر

‏(‏قوله‏:‏ على قدر معين‏)‏ فما زاد عليه لا يدخل في العقد فيكون للبائع بحر ومفاده‏:‏ أن المعتبر ما وقع عليه العقد من العدد، وإن كان ظن البائع أو المشتري أنه أقل أو أكثر ولذا قال‏:‏ في القنية‏:‏ عد الكواغد فظنها أربعة وعشرين وأخبر البائع به ثم أضاف العقد إلى عينها ولم يذكر العدد ثم زادت على ما ظنه فهي حلال للمشتري‏.‏ ساومه الحنطة كل قفيز بثمن معين وحاسبوا فبلغ ستمائة درهم فغلطوا، وحاسبوا المشتري بخمسمائة، وباعوها منه بالخمسمائة ثم ظهر أن فيها غلطا لا يلزمه إلا خمسمائة‏.‏ أفرز القصاب أربع شياه فقال‏:‏ بائعها هي بخمسة كل واحدة بدينار وربع، فجاء القصاب بأربعة دنانير فقال‏:‏ هل بعت هذه بهذا القدر والبائع يعتقد أنها خمسة صح البيع قال‏:‏ وهذا إشارة إلى أنه لا يعتبر ما سبق أن كل واحدة بدينار وربع‏.‏ ا هـ‏.‏ وأقره في البحر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن باع المذروع‏)‏ كثوب وأرض در منتقى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على أنه مائة ذراع‏)‏ بيان للمثلية والأولى أن يزيد بمائة درهم لتتم المماثلة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا قبض المبيع أو شاهده إلخ‏)‏ قدمنا قريبا أن صاحب البحر ذكر ذلك في بيع المثلي كالصبرة إذا ظهر المبيع ناقصا وأنه في النهر بحث في الأول بأنه لا فرق بين ما قبل قبض أو بعده، وفي الثاني بأنه مسلم في نقص القيمي دون المثلي فلذا ذكر الشارح ذلك في المذروع؛ لأنه قيمي، وترك ذكره في المثلي وكأنه لم يعتبر ما بحثه في النهر في الأول، وهو اعتبار القبض، وقدمنا أنه ينبغي التفصيل، وأن سقوط الخيار بالمشاهدة ينبغي أن يكون فيما يدرك نقصانه بالمشاهدة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأخذ الأكثر‏)‏ أي قضاء وهل تحل له الزيادة ديانة فيه خلاف نقله في البحر عن المعراج‏.‏ قلت‏:‏ وظاهر إطلاق المتون اختيار الحل وفي البحر، عن العمدة لو اشترى حطبا على أنه عشرون وقرا فوجده ثلاثين طابت له الزيادة كما في الذرعان قال‏:‏ في البحر‏:‏ وهو مشكل وينبغي أن يكون من قبيل القدر؛ لأن الحطب لا يتعيب بالتبعيض، فينبغي أن تكون الزيادة للبائع خصوصا إن كان من الطرفاء التي تعورف وزنها بالقاهرة‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأن الذرع وصف إلخ‏)‏ بيان لوجه الفرق بين القدر في المثليات من مكيل وموزون، وبين الذرع في القيميات حيث جعل القدر أصلا والذرع وصفا وبنوا على ذلك أحكاما منها ما ذكروه هنا من مسألة بيع الصبرة على أنها مائة قفيز بمائة، وبيع المذروع كذلك، وقد اختلفوا في وجه الفرق، على أقوال‏:‏ منها ما ذكره الشارح هنا وكذا في شرحه على الملتقى حيث قال‏:‏ قلت‏:‏ وإنما كان الذرع وصفا دون المقدار؛ لأن التشقيص يضر الأول دون الثاني، وقالوا ما تعيب بالتشقيص والزيادة والنقصان وصف وما ليس كذلك أصل، وكل ما هو وصف في المبيع لا يقابله شيء من الثمن إلخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا كان مقصودا بالتناول‏)‏ أي تناول المبيع له كأنه جعل كل ذراع مبيعا ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لصيرورته‏)‏ أي الذرع أصلا أي مقصودا كالقدر في المثليات‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بإفراده‏)‏ الباء للسببية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كل ذراع بدرهم‏)‏ بنصب ‏"‏ كل ‏"‏ حال من الأكثر لتأوله بالمشتق أي مذروعا كل ذراع بدرهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو فسخ‏)‏ حاصله‏:‏ أن له الخيار في الوجهين أما في النقصان فلتفرق الصفقة، وأما في الزيادة فلدفع ضرر التزام الزائد من الثمن، وهو قول الإمام وهو الأصح وقيل‏:‏ الخيار فيما تتفاوت جوانبه كالقميص والسراويل، وأما فيما لا تتفاوت كالكرباس فلا يأخذ الزائد؛ لأنه في معنى المكيل كذا في شرح الملتقى ط‏.‏ وقدمنا وجه كونه في معنى المكيل، وأنه جزم به في البحر عن غاية البيان ويأتي أيضا وكذا يأتي في كلام المصنف ما إذا كانت الزيادة أو النقصان بنصف ذراع، ففيه تفصيل، وفيه خلاف‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال‏:‏ في الدرر إنما قال‏:‏ في الأولى‏:‏ أو ترك وقال‏:‏ ههنا‏:‏ أو فسخ؛ لأن البيع لما كان ناقصا في الأولى، لم يوجد المبيع فلم ينعقد البيع حقيقة وكان أخذ الأقل كالبيع بالتعاطي، وفي الثانية وجد المبيع مع زيادة هي تابعة في الحقيقة فتدبر‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ من مائة ذراع‏)‏ قيد به - وإن كان فاسدا عنده - بين جملة ذرعانها، أو لا لدفع قول الخصاف‏:‏ إن محل الفساد عنده فيما إذا لم يسم جملتها، فإنه ليس بصحيح، وليصح قوله‏:‏ لا أسهم فإنه لو لم يبين جملة السهام كان فاسدا وحينئذ يكون الفساد، فيما إذا لم يبين جملة الذرعان مفهوما أولويا أفاده في البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من دار أو حمام‏)‏ أشار إلى أنه لا فرق بين ما يحتمل القسمة وما لا يحتملها ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وصححاه إلخ‏)‏ ذكر في غاية البيان نقلا عن الصدر الشهيد، والإمام العتابي أن قولهما، بجواز البيع إذا كانت الدار مائة ذراع، ويفهم هذا من تعليلها أيضا حيث قالا‏:‏ لأن عشرة أذرع من مائة ذراع عشر الدار فأشبه عشرة أسهم من مائة سهم، وله أن البيع وقع على قدر معين من الدار لا على شائع؛ لأن الذراع في الأصل اسم لخشبة يذرع بها، واستعير ههنا لما يحله وهو معين لا مشاع؛ لأن المشاع لا يتصور أن يذرع، فإذا أريد به ما يحله، وهو معين لكنه مجهول الموضع بطل العقد درر‏.‏ قلت‏:‏ ووجه كون الموضع مجهولا أنه لم يبين أنه من مقدم الدار، أو من مؤخرها، وجوانبها تتفاوت قيمة فكان المعقود عليه مجهولا جهالة مفضية إلى النزاع، فيفسد كبيع بيت من بيوت الدار كذا في الكافي عزمية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على الصحيح إلخ‏)‏ حاصله‏:‏ أنه إذا سمى جملة الذرعان صح، وإلا فقيل‏:‏ لا يجوز عندهما للجهالة والصحيح الجواز عندهما؛ لأنها جهالة بيدهما أي المتبايعين إزالتها بأن تقاس كلها فيعلم نسبة العشرة منها فيعلم المبيع فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لشيوع السهم‏)‏؛ لأن السهم اسم للجزء الشائع، فكان المبيع عشرة أجزاء شائعة من مائة سهم كما في الفتح أي فهو كبيع عشرة قراريط مثلا من أربعة وعشرين، فإنه شائع في كل جزء من أجزاء الدار بخلاف الذراع كما مر‏.‏ ‏(‏قوله فبيع بالتعاطي‏)‏ بناء على أنه لا يلزم في صحته متاركة العقد الأول، وقدمنا الكلام عليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ اشترى عددا‏)‏ أي معدودا وقوله‏:‏ من قيمي بيان له واحترز به عن المثلي كالصبرة وقد مر حكمها وبالعددي عن المذروع ومر حكمه أيضا فما قيل‏:‏ إن الأولى أن يقول اشترى قيميا على أنه كذا؛ لأن كذا عبارة عن العدد مدفوع فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على أنه كذا‏)‏ بأن قال‏:‏ بعتك ما في هذا العدل، على أنه عشرة أثواب بمائة درهم نهر، وفسر الشراء في كلام الكنز بالبيع فلذا صوره به وهو غير لازم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للجهالة‏)‏ أي جهالة الثمن في النقصان؛ لأنه لا تقسم أجزاؤه، على أجزاء المبيع القيمي، فلم يعلم للثوب الناقص حصة معلومة من الثمن المسمى، لينقص ذلك القدر منه فكان الناقص من الثمن قدرا مجهولا، فيصير الثمن مجهولا وجهالة المبيع في فصل الزيادة؛ لأنه يحتاج إلى رد الزائد فيتنازعان في المردود نهر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ مثمرا‏)‏ قيد به؛ لأنه لو باع أرضا على أن فيها كذا نخلة، فوجدها المشتري ناقصة جاز البيع، ويخير المشتري إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء ترك؛ لأن الشجر يدخل في بيع الأرض تبعا، ولا يكون له قسط من الثمن، وكذا لو باع دارا على أن فيها كذا كذا بيتا فوجدها ناقصة جاز البيع، ويخير على هذا الوجه بحر عن الخانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فسد‏)‏؛ لأن الثمر له قسط من الثمن، فإذا كانت الواحدة غير مثمرة لم يدخل المعدوم في البيع فصارت حصة الباقي مجهولة فيكون هذا ابتداء عقد في الباقي بثمن مجهول، فيفسد البيع بحر عن الخانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما لو باع‏)‏ تنظير لا تمثيل، وقوله‏:‏ عدلا بكسر العين في المغرب‏:‏ عدل الشيء مثله من جنسه وفي المقدار أيضا ومنه عدلا الحمل‏.‏ ا هـ‏.‏ فعدل الحمل ما يساوي العدل الآخر في مقداره وهذا شامل للوعاء وما فيه من الثياب ونحوها والمراد به هنا الثياب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فسد‏)‏؛ لأنه يؤدي إلى التنازع في المستثنى بخلاف ما إذا كان معينا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو بين إلخ‏)‏ راجع إلى قوله اشترى عددا من قيمي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ونقص ثوب‏)‏ الأولى أن يقول‏:‏ ثوبا كما قال‏:‏ في طرف الزيادة، فيكون في ‏"‏ نقص ‏"‏ ضمير يعود على القيمي، وثوبا تمييز وعلى جعله فاعل نقص يحتاج إلى تقدير ضمير مجرور بمن يعود على القيمي فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بقدره‏)‏ أي بما سوى قدر الناقص فتح و نهر‏.‏ والأولى بقدر ما سوى الناقص أو بقدر الموجود المعلوم من المقام أو بقدر القيمي المذكور الذي نقص ثوبا، وهذا أقرب بناء على ما قلنا من أن الأولى نصب ‏"‏ ثوبا ‏"‏ فيتحد مرجع الضمير في نقص وفي بقدره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لجهالة المزيد‏)‏ فتقع المنازعة في تعيين العشرة المبيعة من الأحد عشر كما في النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو رد الزائد‏)‏ أي إلى البائع إن كان حاضرا، وقوله‏:‏ أو عزله أي أفرزه وأبقاه عنده إن كان البائع غائبا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ خلاف‏)‏ مذكور في الشرح والنهر، لم يذكر في النهر خلافا، وإنما ذكره في شرح المصنف وعبارته‏:‏ قلت‏:‏ وفي البزازية اشترى عدلا على أنه كذا فوجده أزيد والبائع غائب يعزل الزائد، ويستعمل الباقي؛ لأنه ملكه‏.‏ ا هـ‏.‏ وكأنه استحسان، وإلا فالبيع فاسد لجهالة يعزل ثوبا من ذلك، ويستعمل البقية، وفيها قبله اشترى شيئا فوجده أزيد يدفع الزيادة إلى البائع، والباقي حلال له في المثليات، وفي ذوات القيم لا يحل له حتى يشتري منه الباقي إلا إذا كانت تلك الزيادة مما لا تجرى فيها الضنة فحينئذ يعذر‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو يقتضي عدم الحل عند غيبة البائع بالأولى فهو معارض لما تقدم‏.‏ ا هـ‏.‏ ما في شرح المصنف، وهو مأخوذ من البحر، ويمكن دفع المعارضة بحمل الثاني على القياس، فلا ينافي ما مر أنه استحسان ويظهر منه ترجيح ما مر، لكن ذكروا الاستحسان في صورة غيبة البائع قال‏:‏ في الخانية‏:‏ فإن غاب البائع قالوا يعزل المشتري من ذلك ثوبا، ويستعمل الباقي وهذا استحسان أخذ به محمد نظرا للمشتري‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لأنه عند غيبة البائع يلزم الضرر على المشتري، بعدم الانتفاع بالمبيع إلى حضور البائع، وربما لا يحضر أو تطول غيبته فلذا استحسن محمد عزل ثوب، واستعمال الباقي نظرا للمشتري، وهذا لا يجري في صورة حضرة البائع لإمكان تجديد العقد، معه فالظاهر بقاؤه على القياس، وبه ظهر أنه لا معارضة بين الكلامين، وأن ما ذكره الشارح من إجراء الخلاف في الصورتين غير محرر فافهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وجاز بيع ذراع منه نهر‏)‏ عبارة النهر قيدنا بتفاوت جوانبه؛ لأنها لو لم تتفاوت كالكرباس لا تسلم له الزيادة؛ لأنه بمنزلة الموزون، حيث لا يضره النقصان، وعلى هذا قالوا يجوز بيع ذراع منه ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في عشرة وزيادة نصف‏)‏ أي فيما إذا ظهر أنه عشرة ونصف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنه أنفع‏)‏ كما لو اشتراه معيبا فوجده سالما نهر أي حيث لا خيار له‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في تسعة ونصف‏)‏ أي في نقصانه نصفا عن العشرة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقال‏:‏ محمد إلخ‏)‏ يوجد قبل هذا في بعض النسخ وقال‏:‏ أبو يوسف‏:‏ يأخذه في الأولى بأحد عشر بالخيار، وفي الثانية بعشرة به‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي الثاني بتسعة ونصف به‏)‏ لأن من ضرورة مقابلة الذراع بالدرهم مقابلة نصفه بنصفه فيجرى عليه حكمهما درر وقوله به أي بالخيار؛ لأن في الزيادة نفعا يشوبه ضرر بزيادة الثمن عليه وفي النقصان فوات وصف مرغوب فيه نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو‏)‏ أي قول محمد أعدل الأقوال قال‏:‏ الأتقاني وفي غاية البيان وبه نأخذ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن صحح القهستاني وغيره إلخ‏)‏ وفي الفتح عن الذخيرة قول أبي حنيفة أصح‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي تصحيح العلامة قاسم عن الكبرى أنه المختار‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فعليه الفتوى‏)‏ تفريع على ما ذكر من تصحيحه، ومشى المتون عليه؛ لأنه إذا اختلف التصحيح لقولين، وكان أحدهما قول الإمام أو في المتون أخذ بما هو قول الإمام؛ لأنه صاحب المذهب، وبما في المتون لأنها موضوعة لنقل المذهب وهنا اجتمع الأمران فافهم، والله - سبحانه وتعالى - أعلم‏.‏