فصل: باب الأذان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب الأذان

لما كان الوقت سببا كما مر قدمه‏.‏ وذكر الأذان بعده؛ لأنه إعلام بدخوله‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ هو لغة الإعلام‏)‏ قال في القاموس‏:‏ آذنه الأمر وبه‏:‏ أعلمه، وأذن تأذينا‏:‏ أكثر الإعلام ا هـ‏.‏ فالأذان اسم مصدر؛ لأن الماضي هنا أذن المضاعف ومصدره التأذين ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وشرعا إعلام مخصوص‏)‏ أي إعلام بالصلاة‏.‏ قال في الدرر‏:‏ ويطلق على الألفاظ المخصوصة ا هـ‏.‏ أي التي يحصل بها الإعلام، من إطلاق اسم المسبب على السبب إسماعيل‏.‏ وإنما لم يعرفه بالألفاظ المخصوصة؛ لأن المراد الأذان للصلاة، ولو عرف بها لدخل الأذان للمولود ونحوه على ما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ليعم الفائتة إلخ‏)‏ أي ليعم الأذان أذان الفائتة والأذان بين يدي الخطيب، وليعلم أيضا الأذان في آخر ظهر الصيف أفاده ح أي لأن العلم بالوقت فيها سابق عليه‏.‏ ولقائل أن يقول‏:‏ لو صرح كغيره بالوقت لم يرد ما ذكر؛ لأن الأصل في مشروعية الأذان الإعلام بدخول الوقت كما يعلم مما يأتي، فيكون التعريف بناء على ما هو الأصل فيه وإلا لزم أنه لو أذن لنفسه أو بين جماعة مخصوصين أرادوا الصلاة عالمين بدخول الوقت لا يسمى أذانا شرعا لعدم الإعلام أصلا مع أنه مشروع فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على وجه مخصوص‏)‏ أي من الترسل والاستدارة والالتفاف وعدم الترجيح واللحن ونحو ذلك من أحكامه الآتية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بألفاظ كذلك‏)‏ أشار إلى أنه لا يصح بالفارسية وإن علم أنه أذان وهو الأظهر‏.‏ والأصح كما في السراج‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أذان جبريل إلخ‏)‏ في حاشية الشبراملسي على شرح المنهاج للرملي عن شرح البخاري لابن حجر أنه وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة‏:‏ منها للطبراني‏:‏ «أنه لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه بلالا» وللدارقطني في الإفراد من حديث أنس‏:‏ «أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة» وللبراء وغيره من حديث علي قال‏:‏ «لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها فقال‏:‏ الله أكبر الله أكبر، وفي آخره‏:‏ ثم أخذ الملك بيده فأم أهل السماء» والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر في فتح القدير حديث البزار ثم قال‏:‏ وهو غريب ومعارض للخبر الصحيح أن بدء الأذان كان بالمدينة على ما في مسلم‏:‏ «كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون ويتحينون الصلاة وليس ينادي لها أحد فتكلموا في ذلك فقال بعضهم ننصب راية» الحديث‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم رؤيا عبد الله بن زيد إلخ‏)‏ ذكر القصة بتمامها ح عن السراج وساقها في الفتح بأسانيدها‏.‏ وفي هذه القصة أن عمر رضي الله عنه رأى تلك الليلة مثل ما رأى عبد الله بن زيد‏.‏ واستشكل إثباته بالرؤيا بأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي‏.‏ وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك‏:‏ قال في حاشية المنهاج عن الحافظ ابن حجر‏:‏ ويؤيده ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل ‏(‏«أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك، فما راعه إلا أذان بلال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم سبقك بذلك الوحي»‏)‏ ثم قال‏:‏ وعلى تقدير صحة حديث إن جبريل أراد أن يعلمه الأذان أتاه بالبراق إلخ فيمكن أنه علمه ليأتي له في ذلك الموطن، ولا يلزم مشروعيته لأهل الأرض‏.‏ ا هـ‏.‏ وأجاب ح بأنه ظن أنه من خصوصيات تلك الصلاة، وهو قريب من الأول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسببه بقاء‏)‏ تمييز محول عن المضاف إليه‏:‏ أي سبب بقائه واستمراره ط أي الذي يتجدد طلب الأذان عند تجدده‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للرجال‏)‏ أما النساء فيكره لهن الأذان وكذا الإقامة، لما روي عن أنس وابن عمر من كراهتهما لهن؛ ولأن مبنى حالهن على الستر، ورفع صوتهن حرام إمداد، ثم الظاهر أنه يسن للصبي إذا أراد الصلاة كما يسن للبالغ وإن كان في كراهة أذانه لغيره كلام كما سيأتي فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في مكان عال‏)‏ في القنية‏:‏ ويسن الأذان في موضع عال والإقامة على الأرض، وفي أذان المغرب اختلاف المشايخ، والظاهر أنه يسن المكان العالي في المغرب أيضا كما سيأتي‏.‏ وفي السراج‏:‏ وينبغي للمؤذن أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران، ويرفع صوته، ولا يجهد نفسه؛ لأنه يتضرر‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أن هذا في مؤذن الحي، أما من أذن لنفسه أو لجماعة حاضرين فالظاهر أنه لا يسن له المكان العالي لعدم الحاجة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ هي كالواجب‏)‏ بل أطلق بعضهم اسم الواجب عليه، لقول محمد‏:‏ لو اجتمع أهل بلدة على تركه قاتلتهم عليه، ولو تركه واحد ضربته وحبسته‏.‏ وعامة المشايخ على الأول والقتال عليه، لما أنه من أعلام الدين وفي تركه استخفاف ظاهر به‏.‏ قال في المعراج وغيره‏:‏ والقولان متقاربان؛ لأن المؤكدة في حكم الواجب في لحوق الإثم بالترك، يعني وإن كان مقولا بالتشكيك نهر‏.‏ واستدل في الفتح على الوجوب بأن عدم الترك مرة دليل الوجوب‏.‏ قال‏:‏ ولا يظهر كونه على الكفاية وإلا لم يأثم أهل بلده بالاجتماع على تركه إذا قام به غيرهم‏:‏ أي من أهل بلدة أخرى‏.‏ واستظهر في البحر كونه سنة على الكفاية بالنسبة إلى كل أهل بلدة، بمعنى أنه إذا فعل في بلدة سقطت المقاتلة عن أهلها‏.‏ قال‏:‏ ولو لم يكن على الكفاية بهذا المعنى لكان سنة في حق كل أحد وليس كذلك، إذ أذان الحي يكفينا كما سيأتي‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في النهر‏:‏ ولم أر حكم البلدة الواحدة إذا اتسعت أطرافها كمصر‏.‏ والظاهر أن أهل كل محلة سمعوا الأذان ولو من محلة أخرى يسقط عنهم لا إن لم يسمعوا ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للفرائض الخمس إلخ‏)‏ دخلت الجمعة بحر، وشمل حالة السفر والحضر والانفراد والجماعة‏.‏ قال في مواهب الرحمن ونور الإيضاح ولو منفردا أداء أو قضاء سفرا أو حضرا‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن لا يكره تركه لمصل في بيته في المصر؛ لأن أذان الحي يكفيه كما سيأتي‏.‏ وفي الإمداد أنه يأتي به ندبا وسيأتي تمامه فافهم، ويستثنى ظهر يوم الجمعة في المصر لمعذور وما يقضي من الفوائت في مسجد كما سيذكره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو قضاء‏)‏ قال في الدرر لأنه وقت القضاء وإن فات وقت الأداء لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» أي وقت قضائها‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا إذا لم يقضها في المسجد على ما سيأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنه إلخ‏)‏ تعليل لشمول القضاء، ويظهر منه أن المراد من وقتها وقت فعلها وبه صرح القهستاني، لكن في التتارخانية ينبغي أن يؤذن في أول الوقت ويقيم في وسطه حتى يفرغ المتوضئ من وضوئه والمصلي من صلاته والمعتصر من قضاء حاجته ا هـ‏.‏ والظاهر أنه أراد أول الوقت المستحب لما يأتي قريبا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حتى يبرد به‏)‏ بالبناء للمجهول، وأشمل منه قوله المار في الأوقات، وحكم الأذان كالصلاة تعجيلا وتأخيرا‏.‏ قال نوح أفندي‏:‏ وفي المجتبى عن المجرد قال أبو حنيفة يؤذن للفجر بعد طلوعه، وفي الظهر في الشتاء حين تزول الشمس، وفي الصيف يبرد، وفي العصر يؤخر ما لم يخف تغير الشمس، وفي العشاء يؤخر قليلا بعد ذهاب البياض‏.‏ ا هـ‏.‏ قال القهستاني بعده‏:‏ ولعل المراد بيان الاستحباب وإلا فوقت الجواز جميع الوقت ا هـ‏.‏ وحاصله أنه لا يلزم الموالاة بين الأذان والصلاة بل هي الأفضل، فلو أذن أوله وصلى آخره أتى بالسنة تأمل‏.‏

مطلب في المواضع التي يندب لها الأذان في غير الصلاة

‏(‏قوله‏:‏ لا يسن لغيرها‏)‏ أي من الصلوات وإلا فيندب للمولود‏.‏ وفي حاشية البحر الرملي‏:‏ رأيت في كتب الشافعية أنه قد يسن الأذان لغير الصلاة، كما في أذان المولود، والمهموم، والمصروع، والغضبان، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة، وعند مزدحم الجيش، وعند الحريق، قيل وعند إنزال الميت القبر قياسا على أول خروجه للدنيا، لكن رده ابن حجر في شرح العباب، وعند تغول الغيلان‏:‏ أي عند تمرد الجن لخبر صحيح فيه‏.‏ أقول‏:‏ ولا بعد فيه عندنا‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لأن ما صح فيه الخبر بلا معارض فهو مذهب للمجتهد وإن لم ينص عليه، لما قدمناه في الخطبة عن الحافظ ابن عبد البر والعارف الشعراني عن كل من الأئمة الأربعة أنه قال‏:‏ إذا صح الحديث فهو مذهبي، على أنه في فضائل الأعمال يجوز العمل بالحديث الضعيف كما مر أول كتاب الطهارة، هذا، وزاد ابن حجر في التحفة الأذان والإقامة خلف المسافر‏.‏ قال المدني‏:‏ أقول وزاد في شرعة الإسلام لمن ضل الطريق في أرض قفر‏:‏ أي خالية من الناس‏.‏ وقال المنلا علي في شرح المشكاة قالوا‏:‏ يسن للمهموم أن يأمر غيره أن يؤذن في أذانه فإنه يزيل الهم، كذا عن علي رضي الله عنه ونقل الأحاديث الواردة في ذلك فراجعه‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كعيد‏)‏ أي ووتر وجنازة وكسوف واستسقاء وتراويح وسنن رواتب؛ لأنها اتباع للفرائض والوتر وإن كان واجبا عنده لكنه يؤدى في وقت العشاء فاكتفي بأذانه لا لكون الأذان لهما على الصحيح كما ذكره الزيلعي‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر فافهم، لكن في التعليل قصور لاقتضائه سنية الأذان لما ليس تبعا للفرائض كالعيد ونحوه، فالمناسب التعليل بعدم وروده في السنة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقع بعضه‏)‏ وكذا كله بالأولى، ولو لم يذكر البعض لتوهم خروجه فقصد بذكره التعميم لا التخصيص‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كالإقامة‏)‏ أي في أنها تعاد إذا وقعت قبل الوقت، أما بعده فلا تعاد ما لم يبطل الفصل أو يوجد قاطع كأكل على ما سيذكره في الفروع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ خلافا للثاني‏)‏ هذا راجع إلى الأذان فقط، فإن أبا يوسف يجوز الأذان قبل الفجر بعد نصف الليل ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعن الثاني اثنتين‏)‏ أي روي عن أبي يوسف أنه يكبر في ابتدائه تكبيرتين كبقية كلماته، فيكون الأذان عنده ثلاث عشرة كلمة، وهي رواية عن محمد والحسن قهستاني عن الزاهدي، ونقل عن مالك أيضا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبفتح راء أكبر إلى قوله ولا ترجيع‏)‏ نقل أنه ملحق بخط الشارح على هامش نسخته الأولى، وفي مجموعة الحفيد الهروي ما نصه‏:‏ فائدة‏:‏ في روضة العلماء قال ابن الأنباري‏:‏ عوام الناس يضمون الراء في أكبر، وكان المبرد يقول الأذان سمع موقوفا في مقاطيعه، والأصل في أكبر تسكين الراء فحولت حركة ألف اسم الله إلى الراء كما في ‏{‏الم الله‏}‏ وفي المغني‏:‏ حركة الراء فتحة وإن وصل بنية الوقف، ثم قيل هي حركة الساكنين ولم يكسر حفظا لتفخيم الله، وقيل نقلت حركة الهمزة وكل هذا خروج عن الظاهر؛ والصواب أن حركة الراء ضمة إعراب، وليس لهمزة الوصل ثبوت في الدرج فتنقل حركتها، وبالجملة الفرق بين الأذان‏.‏ وبين الم الله ظاهر فإنه ليس ل - الم الله - حركة إعراب أصلا، وقد كانت لكلمات الأذان إعرابا إلا أنه سمعت موقوفة‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في الكلام على حديث‏:‏ «الأذان جزم»

وفي الإمداد‏:‏ ويجزم الراء أي يسكنها في التكبير قال الزيلعي‏:‏ يعني على الوقف، لكن في الأذان حقيقة، وفي الإقامة ينوي الوقف ا هـ‏.‏ أي للحدر، وروي ذلك عن النخعي موقوفا عليه، ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏«الأذان جزم، والإقامة جزم، والتكبير جزم»‏)‏‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ والحاصل أن التكبيرة الثانية في الأذان ساكنة الراء للوقف ورفعها خطأ، وأما التكبيرة الأولى من كل تكبيرتين منه وجميع تكبيرات الإقامة، فقيل محركة الراء بالفتحة على نية الوقف، وقيل بالضمة إعرابا، وقيل ساكنة بلا حركة على ما هو ظاهر كلام الإمداد والزيلعي والبدائع وجماعة من الشافعية‏.‏ والذي يظهر الإعراب لما ذكره الشارح عن الطلبة، ولما قدمناه، ولما في الأحاديث المشتهرة للجراحي أنه سئل السيوطي عن هذا الحديث، فقال‏:‏ هو غير ثابت كما قال الحافظ ابن حجر، وإنما هو من قول إبراهيم النخعي، ومعناه كما قال جماعة منهم الرافعي وابن الأثير أنه لا يمد‏.‏ وأغرب المحب الطبري فقال‏:‏ معناه لا يمد ولا يعرب آخره، وهذا الثاني مردود بوجوه‏:‏ أحدها‏:‏ مخالفته لتفسير الراوي عن النخعي، والرجوع إلى تفسيره أولى كما تقرر في الأصول‏.‏ ثانيها‏:‏ مخالفته لما فسره أهل الحديث والفقه‏.‏ ثالثها‏:‏ إطلاق الجزم على حذف الحركة الإعرابية، ولم يكن معهودا في الصدر الأول، وإنما هو اصطلاح حادث فلا يصح الحمل عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ وتمام الكلام عليه هناك فراجعه، على أن الجزم في الاصطلاح الحادث عند النحويين حذف حركة الإعراب للجازم فقط لا مطلقا‏.‏ ثم رأيت لسيدي عبد الغني رسالة في هذه المسألة سماها تصديق من أخبر بفتح راء الله أكبر أكثر فيها النقل‏.‏ وحاصلها أن السنة أن يسكن الراء من ‏"‏ الله أكبر ‏"‏ الأول أو يصلها ب ‏"‏ الله أكبر ‏"‏ الثانية، فإن سكنها كفى وإن وصلها نوى السكون فحرك الراء بالفتحة، فإن ضمها خالف السنة؛ لأن طلب الوقف على ‏"‏ أكبر ‏"‏ الأول صيره كالساكن أصالة فحرك بالفتح

‏(‏قوله‏:‏ ولا ترجيع‏)‏ الترجيع أن يخفض صوته بالشهادتين ثم يرجع فيرفعه بهما لاتفاق الروايات على أن بلالا لم يكن يرجع، وما قيل إنه رجع لم يصح؛ ولأنه ليس في أذان الملك النازل بجميع طرقه، ولما في أبي داود عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏«إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة»‏)‏ الحديث، ورواه ابن خزيمة وابن حبان‏.‏ قال ابن الجوزي وإسناده صحيح، وما روي من الترجيع في أذان أبي محذورة يعارضه ما رواه الطبراني عنه أنه قال‏:‏ «ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفا حرفا‏:‏ الله أكبر الله أكبر» إلخ ‏"‏ ولم يذكر ترجيعا، وبقي ما قدمناه بلا معارض، وتمامه في الفتح وغيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإنه مكروه ملتقى‏)‏ ومثله في القهستاني، خلافا لما في البحر من أن ظاهر كلامهم أنه مباح لا سنة ولا مكروه‏.‏ قال في النهر‏:‏ ويظهر أنه خلاف الأولى‏.‏ وأما الترجيع بمعنى التغني فلا يحل فيه ا هـ‏.‏ وحينئذ فالكراهة المذكورة تنزيهية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي تغني‏)‏ لا يجوز أن يكون مبنيا على الفتح؛ لأن ما بعد أي التفسيرية عطف بيان، وعطف البيان لا يجوز بناؤه على الفتح تركيبا مع اسم لا، بل يجوز فيه الرفع اتباعا لمحل لا مع اسمها والنصب اتباعا لمحل اسمها، لكن يمنع هنا من النصب مانع وهو عدم رسمه بالألف، فتعين الرفع مع ما فيه من إثبات الياء الذي هو مرجوح، فإن المنقوص المجرد عن أل يترجح حذف يائه في الرسم كالوقف إذا كان مرفوعا أو مجرورا، وفي المحلى بها بالعكس‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ ويمنع أيضا من بنائه على الفتح وجود الفاصل، وهو أي، وقد عللوا امتناع الفتح في عطف النسق في نحو‏:‏ لا رجل وامرأة بوجود الفاصل وهو الواو فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بغير كلماته‏)‏ أي بزيادة حركة أو حرف أو مد أو غيرها في الأوائل والأواخر قهستاني‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبلا تغيير حسن‏)‏ أي والتغني بلا تغيير حسن، فإن تحسين الصوت مطلوب، ولا تلازم بينهما بحر وفتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقيل‏)‏ أي قال الحلواني‏:‏ لا بأس بإدخال المد في الحيعلتين؛ لأنهما غير ذكر، وتعبيره بلا بأس يدل على أن الأولى عدمه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويترسل‏)‏ أي يتمهل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بسكتة‏)‏ أي تسع الإجابة مدني عن منلا علي القاري، وهذه السكتة بعد كل تكبيرتين لا بينهما كما أفاده في الإمداد أخذا من الحديث، وبه صرح في التتارخانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وتندب إعادته‏)‏ أي لو ترك الترسل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويلتفت‏)‏ أي يحول وجهه لا صدره قهستاني، ولا قدميه نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا فيها مطلقا‏)‏ أي في الإقامة سواء كان المحل متسعا أو لا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لئلا يستدبر‏)‏ تعليل لقوله فقط‏:‏ أي انته عن القول بالالتفات خلفا لئلا يستدبر المؤذن أو المقيم القبلة ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بصلاة وفلاح‏)‏ لف ونشر مرتب، يعني يلتفت فيهما يمينا بالصلاة ويسارا بالفلاح، وهو الأصح كما في القهستاني عن المنية، وهو الصحيح كما في البحر والتبيين‏.‏ وقال مشايخ مرو‏:‏ يمنة ويسرة في كل، كذا في القهستاني ح‏.‏ قال في الفتح‏:‏ والثاني أوجه‏.‏ ورده الرملي بأنه خلاف الصحيح المنقول عن السلف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو وحده إلخ‏)‏ أشار به إلى رد قول الحلواني‏:‏ إنه لا يلتفت لعدم الحاجة إليه ح‏.‏ وفي البحر عن السراج أنه من سنن الأذان، فلا يخل المنفرد بشيء منها، حتى قالوا في الذي يؤذن للمولود ينبغي أن يحول‏.‏ ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ للمنفرد وغيره والمولود وغيره ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويستدير في المنارة‏)‏ يعني إن لم يتم الإعلام بتحويل وجهه مع ثبات قدميه، ولم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم مئذنة بحر‏.‏

مطلب في أول من بنى المنائر للأذان

قلت‏:‏ وفي شرح الشيخ إسماعيل عن الأوائل للسيوطي‏:‏ إن أول من رقى منارة مصر للأذان شرحبيل بن عامر المرادي وبنى سلمة المنائر للأذان بأمر معاوية ولم تكن قبل ذلك‏.‏ وقال ابن سعد بالسند إلى أم زيد بن ثابت كان بيتي أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويخرج رأسه منها‏)‏ أي من كوتها اليمنى آتيا بالصلاة، ثم يذهب ويخرج رأسه من الكوة اليسرى آتيا بالفلاح درر وغيرها، وهذا إذا كانت بكوات، أما منارات الروم ونحوها فالجانب كالكوة إسماعيل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بعد فلاح إلخ‏)‏ فيه رد على من يقول إن محله بعد الأذان بتمامه، وهو اختيار الفضلي بحر عن المستصفى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ الصلاة خير من النوم‏)‏ إنما كان النوم مشاركا للصلاة في أصل الخيرية؛ لأنه قد يكون عبادة، كما إذا كان وسيلة إلى تحصيل طاعة أو ترك معصية، أو لأن النوم راحة في الدنيا والصلاة راحة في الآخرة، فتكون أفضل بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنه وقت نوم‏)‏ أي فخص بزيادة إعلام دون العشاء، فإن النوم قبلها مكروه ونادر ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويجعل أصبعيه إلخ‏)‏ لقوله صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه‏:‏ «اجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك» وإن جعل يديه على أذنيه فحسن؛ لأن أبا محذورة رضي الله عنه ضم أصابعه الأربعة ووضعها على أذنيه وكذا إحدى يديه على ما روي عن الإمام إمداد وقهستاني عن التحفة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فأذانه إلخ‏)‏ تفريع على قوله ندبا‏.‏ قال في البحر‏:‏ والأمر أي في الحديث المذكور للندب بقرينة التعليل، فلذا لو لم يفعل كان حسنا‏.‏ فإن قيل‏:‏ ترك السنة فكيف يكون حسنا‏؟‏‏.‏ قلنا‏:‏ إن الأذان معه أحسن، فإذا تركه بقي الأذان حسنا كذا في الكافي ا هـ‏.‏ فافهم

‏(‏قوله‏:‏ فيما مر‏)‏ قيد به لئلا يرد عليه أن ترك الإقامة يكره للمسافر دون الأذان، وأن المرأة تقيم ولا تؤذن، وأن الأذان آكد في السنية منها كما يأتي، وأراد بما مر أحكام الأذان العشرة المذكورة في المتن، وهي أنه سنة للفرائض، وأنه يعاد إن قدم على الوقت، وأنه يبدأ بأربع تكبيرات، وعدم الترجيع، وعدم اللحن والترسل والالتفات والاستدارة وزيادة ‏"‏ الصلاة خير من النوم ‏"‏ في أذان الفجر، وجعل أصبعيه في أذنيه، ثم استثنى من العشرة ثلاثة أحكام لا تكون في الإقامة فأبدل الترسل بالحدر والصلاة خير من النوم بقد قامت الصلاة، وذكر أنه لا يضع أصبعيه في أذنيه، فبقيت الأحكام السبعة مشتركة، ويرد عليه الاستدارة في المنارة فإنها لا تكون في المنارة، فكان عليه أن يتعرض لذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ والحاصل أن الإقامة تخالف الأذان في الأربعة ما مر، وتخالفه أيضا في مواضع ستأتي مفرقة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن هي أفضل منه‏)‏ نقله في البحر عن الخلاصة بلا ذكر خلاف‏.‏ وذكر في الفتح أيضا أنه صرح ظهير الدين في الحواشي نقلا عن المبسوط بأنها آكد من الأذان‏:‏ أي لأنه يسقط في مواضع دون الإقامة كما في حق المسافر وما بعد أولى الفوائت وثانية الصلاتين بعرفة، وقوله وكذا الإمامة علله في الفتح بقوله لمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها وكذا الخلفاء الراشدون، وقول عمر‏:‏ لولا الخلافة لأذنت، لا يستلزم تفضيله عليها بل مراده لأذنت مع الإمامة لا مع تركها، فيفيد أن الأفضل كون الإمام هو المؤذن، وهذا مذهبنا وعليه كان أبو حنيفة‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وهو قول أحد قولين مصححين عند الشافعية والثاني أن الأذان أفضل، وبقي قول بتساويهما، وقد حكى الثلاثة في السراج‏.‏ ثم إن ما استدل به على أفضلية الإمامة على الأذان يدل على أفضليتها أيضا على الإقامة؛ لأن السنة أن يقيم المؤذن فافهم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

مقتضى أفضلية الإقامة على الأذان كونها واجبة عند من يقول بوجوبه، ولم أر من صرح به، إلا أن يقال إن القول بوجوبه لما أنه من الشعائر بخلافها، على أن السنة قد تفضل الواجب كما مر أول كتاب الطهارة فتأمل، ثم رأيت صاحب البدائع عد من واجبات الصلاة الأذان والإقامة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ المقيم‏)‏ أي الذي يقيم الصلاة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لم يعدها في الأصح‏)‏ بخلاف ما لو حدر في الأذان حيث تندب إعادته كما مر؛ لأن تكرار الأذان مشروع أي كما في يوم الجمعة، بخلاف الإقامة‏.‏ وعليه فما في الخانية من أنه يعيد الإقامة مبني على خلاف الأصح وتمامه في النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مرتين‏)‏ راجع إلى‏:‏ قد قامت، وإلى الفلاح ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعند الثلاثة هي فرادى‏)‏ أي الإقامة، والأولى ذكره عند قوله وهي كالأذان ح‏.‏ ودليل الأئمة الثلاثة ما رواه البخاري‏:‏ «أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» وهو محمول عندنا على إيتار صوتها بأن يحدر فيها توفيقا بينه وبين النصوص الغير محتملة‏.‏ وقد قال الطحاوي‏:‏ تواترت الآثار عن بلال أنه كان يثني الإقامة حتى مات، وتمامه في البحر وغيره

‏(‏قوله‏:‏ غير الراكب‏)‏ عبارة الإمداد‏:‏ إلا أن يكون راكبا مسافرا لضرورة السير؛ لأن بلالا أذن وهو راكب ثم نزل وأقام على الأرض‏.‏ ويكره الأذان راكبا في الحضر في ظاهر الرواية‏.‏ وعن أبي يوسف‏:‏ لا بأس به كما في البدائع‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بهما‏)‏ أي بالأذان والإقامة، لكن مع الالتفات بصلاة وفلاح كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ تنزيها‏)‏ لقول المحيط‏:‏ الأحسن أن يستقبل بحر ونهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أعاد ما قدم فقط‏)‏ كما لو قدم الفلاح على الصلاة يعيده فقط أي ولا يستأنف الأذان من أوله‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو رد سلام‏)‏ أو تشميت عاطس أو نحوهما لا في نفسه، ولا بعد الفراغ على الصحيح سراج وغيره‏.‏ قال في النهر‏:‏ ومنه التنحنح إلا لتحسين صوته‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ استأنفه‏)‏ إلا إذا كان الكلام يسيرا خانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويثوب‏)‏ التثويب‏:‏ العود إلى الإعلام بعد الإعلام درر، وقيد بتثويب المؤذن لما في القنية عن الملتقط‏:‏ لا ينبغي لأحد أن يقول لمن فوقه في العلم والجاه حان وقت الصلاة سوى المؤذن؛ لأنه استفضال لنفسه‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ قلت، وهذا خاص بالتثويب للأمير ونحوه على قول أبي يوسف فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بين الأذان والإقامة‏)‏ فسره في رواية الحسن بأن يمكث بعد الأذان قدر عشرين آية ثم يثوب ثم يمكث كذلك ثم يقيم بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في الكل‏)‏ أي كل الصلوات لظهور التواني في الأمور الدينية‏.‏ قال في العناية‏:‏ أحدث المتأخرون التثويب بين الأذان والإقامة على حسب ما تعارفوه في جميع الصلوات سوى المغرب مع إبقاء الأول يعني الأصل وهو تثويب الفجر وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للكل‏)‏ أي كل أحد، وخصه أبو يوسف بمن يشتغل بمصالح العامة كالقاضي والمفتي والمدرس واختاره قاضي خان وغيره نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بما تعارفوه‏)‏ كتنحنح، أو قامت قامت، أو الصلاة الصلاة، ولو أحدثوا إعلاما مخالفا لذلك جاز نهر عن المجتبى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويجلس بينهما‏)‏ لو قدمه على التثويب لكان أولى؛ لئلا يوهم أن الجلوس بعده نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا في المغرب‏)‏ قال في الدرر‏:‏ هذا استثناء من يثوب ويجلس؛ لأن التثويب لإعلام الجماعة وهم في المغرب حاضرون لضيق الوقت‏.‏ ا هـ‏.‏ واعترضه في النهر بأنه مناف لقول الكل في الكل‏.‏ قال الشيخ إسماعيل‏:‏ وليس كذلك، لما مر عن العناية من استثناء المغرب في التثويب، وبه جزم في غرر الأذكار والنهاية والبرجندي وابن ملك وغيرهما‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ قد يقال‏:‏ ما في الدرر مبني على رواية الحسن من أنه يمكث قدر عشرين آية ثم يثوب كما قدمناه، أما لو ثوب في المغرب بلا فاصل فالظاهر أنه لا مانع منه، وعليه يحمل ما في النهر فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيسكت قائما‏)‏ هذا عنده، وعندهما يفصل بجلسة كجلسة الخطيب، والخلاف في الأفضلية، فلو جلس لا يكره عنده، ويستحب التحول للإقامة إلى غير موضع الأذان، وهو متفق عليه، وتمامه في البحر

‏(‏قوله‏:‏ سنة 781‏)‏ كذا في النهر عن حسن المحاضرة للسيوطي، ثم نقل عن القول البديع للسخاوي أنه في سنة 791 وأن ابتداءه كان في أيام السلطان الناصر صلاح الدين بأمره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم فيها مرتين‏)‏ أي في المغرب كما صرح به في الخزائن، لكن لم ينقله في النهر، ولم أره في غيره، وكأن ذلك كان موجودا في زمن الشارح، أو المراد به ما يفعل عقب أذان المغرب ثم بعده بين العشاءين ليلة الجمعة والاثنين، وهو المسمى في دمشق تذكيرا كالذي يفعل قبل أذان الظهر يوم الجمعة، ولم أر من ذكره أيضا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو بدعة حسنة‏)‏ قال في النهر عن القول البديع‏:‏ والصواب من الأقوال أنها بدعة حسنة‏.‏ وحكى بعض المالكية الخلاف أيضا في تسبيح المؤذنين في الثلث الأخير من الليل وأن بعضهم منع من ذلك، وفيه نظر ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏

مطلب في أذان الجوق

‏[‏فائدة أخرى‏]‏

ذكر السيوطي أن أول من أحدث أذان اثنين معا بنو أمية‏.‏ ا هـ‏.‏ قال الرملي في حاشية البحر‏:‏ ولم أر نصا صريحا في جماعة الأذان المسمى في ديارنا بأذان الجوق هل هو بدعة حسنة أو سيئة‏؟‏ وذكره الشافعية بين يدي الخطيب‏:‏ واختلفوا في استحبابه وكراهته‏.‏ وأما الأذان الأول فقد صرح في النهاية بأنه المتوارث حيث قال في شرح قوله وإذا أذن المؤذنون الأذان الأول ترك الناس البيع، ذكر المؤذنين بلفظ الجمع إخراجا للكلام مخرج العادة، فإن المتوارث فيه اجتماعهم لتبلغ أصواتهم إلى أطراف المصر الجامع ا هـ‏.‏ ففيه دليل على أنه غير مكروه؛ لأن المتوارث لا يكون مكروها، وكذلك نقول في الأذان بين يدي الخطيب فيكون بدعة حسنة إذ ما رآه المؤمنون حسنا فهو حسن ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ أقول‏:‏ وقد ذكر سيدي عبد الغني المسألة أخذا من كلام النهاية المذكور، ثم قال‏:‏ ولا خصوصية للجمعة إذ الفروض الخمسة تحتاج للإعلام

‏(‏قوله‏:‏ لو بجماعة إلخ‏)‏ أي في غير المسجد بقرينة ما يذكره قريبا من أنه لا يؤذن فيه للفائتة، ثم هذا قيد لقوله رافعا صوته، وقد ذكره في البحر بحثا وقال ولم أره في كلام أئمتنا‏.‏ واستدل لرفع المنفرد في الصحراء بحديث الصحيح‏:‏ «إذا كنت في غنمك أو في باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة» ا هـ‏.‏ وأقره في النهر‏.‏ أقول‏:‏ يخالفه ما في القهستاني من أنه يجب يعني يلزم الجهر بالأذان لإعلام الناس، فلو أذن لنفسه خافت؛ لأنه الأصل في الشرع كما في كشف المنار‏.‏ ا هـ‏.‏ على أن ما استدل به يفيد رفع الصوت للمنفرد في بيته أيضا لتكثير الشهود يوم القيامة، إلا أن يقال المراد المبالغة في رفع الصوت، والمؤذن في بيته يرفع دون ذلك فوق ما يسمع نفسه، وعليه يحمل ما في القهستاني فليتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا لفاسدة‏)‏ أي إذا أعيدت في الوقت، وإلا كانت فائتة ط‏.‏ وفي المجتبى‏:‏ قوم ذكروا فساد صلاة صلوها في المسجد في الوقت قضوها بجماعة فيه ولا يعيدون الأذان والإقامة، وإن قضوها بعد الوقت قضوها في غير ذلك المسجد بأذان وإقامة‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن سيأتي أن الإقامة تعاد لو طال الفصل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيه‏)‏ أي في الأذان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لو في مجلس‏)‏ أما لو في مجالس، فإن صلى في مجلس أكثر من واحدة فكذلك وإلا أذن وأقام لها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفعله أولى‏)‏ لأنه اختلفت الروايات في قضائه صلى الله عليه وسلم ما فاته يوم الخندق، ففي بعضها أنه أمر بلالا فأذن وأقام للكل، وفي بعضها أنه اقتصر على الإقامة فيما بعد الأولى، فالأخذ بالزيادة أولى خصوصا في باب العبادات، وتمامه في الإمداد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويقيم للكل‏)‏ أي لا يخير في الإقامة للباقي، بل يكره تركها كما في نور الإيضاح‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

يأتي في صلاتي الجمع بعرفة بأذان واحد وإقامتين وبمزدلفة بأذان وإقامة واختار الطحاوي أنه كعرفة ورجحه ابن الهمام كما سيأتي في بابه إن شاء الله‏.‏ وبقي لو جمع بين فائتة ومؤداة لم أره، ويظهر لي أنه يأتي بأذانين وإقامتين، والفرق بينه وبين الجمع بمزدلفة لا يخفى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يسن ذلك‏)‏ أي الأذان والإقامة، وأفرد الضمير على تأويل المذكور ح، وأراد بنفي السنية الكراهة في المواضع الثلاث المذكورة كما يعلم من الإمداد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو جماعة‏)‏ أخذه من قول الفتح؛ لأن عائشة أمتهن بغير أذان ولا إقامة حين كانت جماعتهن مشروعة وهذا يقتضي أن المنفردة أيضا كذلك؛ لأن تركهما لما كان هو السنة حال شرعية الجماعة كان حال الانفراد أولى ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهو ظاهر في السراج أيضا، وكان الأولى للشارح أن يقول ولو منفردة؛ لأن جماعتهن الآن غير مشروعة فتفطن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كجماعة صبيان وعبيد‏)‏ لأنها غير مشروعة، فلا يشرعان فيها كتكبير التشريق عقبها بحر عن الزيلعي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في مصر‏)‏ شمل المعذور وغيره زيلعي، وفي القرى لا يكره بكل حال ظهيرية‏:‏ أي لا قبل أداء الجمعة في غيرها ولا بعده، لقوله وقيل بعد أداء الجمعة لا يكره في المصر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأن فيه تشويشا إلخ‏)‏ إنما يظهر أن لو كان الأذان لجماعة، أما إذا كان منفردا ويؤذن بقدر ما يسمع نفسه فلا ط‏.‏ وفي الإمداد أنه إذا كان التفويت لأمر عام فالأذان في المسجد لا يكره لانتفاء العلة كفعله صلى الله عليه وسلم ليلة التعريس ا هـ‏.‏ لكن ليلة التعريس كانت في الصحراء لا في المسجد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأن التأخير معصية‏)‏ إنما يظهر أيضا في الجماعة لا المنفرد ط أي لأن المنفرد يخافت في أذانه كما قدمناه عن القهستاني‏.‏ على أنه إذا كان التفويت لأمر عام لا يكره ذلك للجماعة أيضا؛ لأن هذا التأخير غير معصية‏.‏ هذا ويظهر من التعليل أن المكروه قضاؤها مع الاطلاع عليها ولو في غير المسجد كما أفاده في المنح في باب قضاء الفوائت‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بلا كراهة‏)‏ أي تحريمية لأن التنزيهية ثابتة لما في البحر عن الخلاصة أن غيرهم أولى منهم‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ أقول‏:‏ وقدمنا أول كتاب الطهارة الكلام في أن خلاف الأولى مكروه أولا فراجعه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ صبي مراهق‏)‏ المراد به العاقل وإن لم يراهق كما هو ظاهر البحر وغيره، وقيل يكره لكنه خلاف ظاهر الرواية كما في الإمداد وغيره، وعلى هذا يصح تقريره في وظيفة الأذان بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعبد وأعمى إلخ‏)‏ إنما لم يكره أذانهم؛ لأن قولهم مقبول في الأمور الدينية فيكون ملزما فيحصل به الإعلام، بخلاف الفاسق‏.‏ ا هـ‏.‏ زيلعي‏.‏ قلت‏:‏ يرد عليه الصبي، فإن قوله غير مقبول في الأمور الدينية في الأصح كما قدمناه قبل الباب، ومقتضاه أن لا يحصل به الإعلام كالفاسق تأمل ويأتي تمام الكلام في ذلك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يحل إلا بإذن‏)‏ ذكره في البحر بحثا فقال‏:‏ وينبغي أن العبد إن أذن لنفسه لا يحتاج إلى إذن سيده، وإن أراد أن يكون مؤذنا للجماعة لم يجز إلا بإذن سيده؛ لأن فيه إضرارا بخدمته؛ لأنه يحتاج إلى مراعاة الأوقات، ولم أره في كلامهم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كأجير خاص‏)‏ هو بحث لصاحب النهر، حيث قال‏:‏ وينبغي أن يكون الأجير الخاص كذلك لا يحل أذانه إلا بإذن مستأجره ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ بل صرحوا بأنه ليس له أن يؤدي النوافل اتفاقا‏.‏ واختلفوا في السنن كما سنذكره في الإجارات إن شاء الله تعالى، وهذا مؤيد لبحث البحر أيضا، فإن العبد مملوك المنافع والرقبة أيضا بخلاف الأجير‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأعمى‏)‏ لا يرد عليه أذان ابن أم مكتوم الأعمى، فإنه من كان معه من يحفظ عليه أوقات الصلاة، ومتى كان ذلك يكون تأذينه وتأذين البصير سواء، ذكره شيخ الإسلام معراج، وهذا بناء على ثبوت الكراهة فيه، وقد مر الكلام فيه وإلا فلا ورود‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عالما بالسنة والأوقات‏)‏ أي سنة الأذان وأوقاته المطلوبة على ما مر بيانه‏.‏

مطلب في المؤذن إذا كان غير محتسب في أذانه

‏(‏قوله‏:‏ ولو غير محتسب‏)‏ رد على ما في الفتح حيث قال‏:‏ لو لم يكن عالما بأوقات الصلاة لم يستحق ثواب المؤذنين كما في الخانية، ففي أخذ الأجرة أولى، ورده في النهر تبعا للبحر بأن في أذان الجاهل جهالة موقعة في الغرر، بخلاف غير المحتسب على أن عدم حل أخذ الأجرة على الأذان والإمامة رأي المتقدمين، والمتأخرون يجوزون ذلك على ما سيأتي في الإجارات‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لا يلزم من حل الأجرة المعلل بالضرورة حصول الثواب ولا سيما إذا كان لولا الأجرة لا يؤذن فإنه لا يكون عمله للدنيا وهو رياء؛ لأنه لم يحتسب عمله لوجه الله تعالى، فهو كمهاجر أم قيس، وإذا كان الجاهل المحتسب لا ينال ذلك الأجر فهذا بالأولى‏.‏ كيف وقد ورد في عدة أحاديث التقييد بالمحتسب‏:‏ منها ما رواه الطبراني في الكبير كما في الفتح‏:‏ «ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة، لا يهولهم الفزع الأكبر، ولا يفزعون حين يفزع الناس‏:‏ رجل علم القرآن فقام به يطلب وجه الله وما عنده‏.‏ ورجل ينادي في كل يوم وليلة خمس صلوات يطلب وجه الله وما عنده‏.‏ ومملوك لم يمنعه رق الدنيا عن طاعة ربه» نعم قد يقال‏:‏ إن كان قصده وجه الله تعالى لكنه بمراعاته للأوقات والاشتغال به يقل اكتسابه عما يكفيه لنفسه وعياله، فيأخذ الأجرة لئلا يمنعه الاكتساب عن إقامة هذه الوظيفة الشريفة، ولولا ذلك لم يأخذ أجرا فله الثواب المذكور، بل يكون جمع بين عبادتين‏:‏ وهما الأذان، والسعي على العيال، وإنما الأعمال بالنيات

‏(‏قوله‏:‏ ويكره أذان جنب‏)‏ لأنه يصير داعيا إلى ما لا يجيب إليه، وإقامته أولى بالكراهة‏.‏ وصرح في الخانية بأنه تجب الطهارة فيه عن أغلظ الحدثين‏.‏ وظاهر أن الكراهة تحريمية بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على المذهب‏)‏ راجع لقوله وإقامة محدث لا أذانه‏.‏ وأما الجنب فيكرهان منه رواية واحدة كما في البحر

‏(‏قوله‏:‏ بإمامة وأذان‏)‏ الأول منصوص عليه والثاني ألحقه به في النهر بحثا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من جاهل تقي‏)‏ أي حيث لم يوجد عالم تقي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو بمباح‏)‏ كشربه الخمر لإساغة لقمة، وأشار إلى أنه لا يلزم من السكر الفسق فلا تكرار‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كمعتوه‏)‏ ومثله المجنون ح

‏(‏قوله‏:‏ ويعاد أذان جنب إلخ‏)‏ زاد القهستاني‏:‏ والفاجر والراكب والقاعد والماشي، والمنحرف عن القبلة‏.‏ وعلل الوجوب في الكل بأنه غير معتد به والندب بأنه معتد به إلا أنه ناقص، قال وهو الأصح كما في التمرتاشي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لما مر‏)‏ أي من قوله لمشروعية تكراره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لموت مؤذن‏)‏ لم يقل ومقيم؛ لأن المؤذن هو المقيم شرعا كما يأتي فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وغشيه‏)‏ بضم الغين وسكون الشين المعجمتين‏:‏ تعطل القوى المحركة والحاسة لضعف القلب من الجوع وغيره كما قدمناه في الوضوء عن القهستاني ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وحصره‏)‏ مصدر من باب فرح‏:‏ العي في المنطق ح عن القاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا ملقن‏)‏ الواو للحال ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وذهابه للوضوء‏)‏ لكن الأولى أن يتممهما ثم يتوضأ؛ لأن ابتداءهما مع الحدث جائز، فالبناء أولى، بدائع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ خلاصة‏)‏ ونحوه في الخانية‏.‏ قال في الفتح‏:‏ فإن حمل الوجوب على ظاهره احتيج إلى الفرق بين نفس الأذان فإنه سنة وبين استقباله بعد الشروع فيه‏.‏ وقد يقال فيه‏:‏ إذا شرع فيه ثم قطع تبادر إلى ظن السامعين أن قطعه للخطأ فينتظرون الأذان الحق، وقد تفوت بذلك الصلاة إلا أن هذا يقتضي وجوب الإعادة فيمن مر أنه يعاد أذانهم إلا الجنب أي لعدم الاعتماد على قولهم، ولو قال قائل فيهم إن علم الناس حالهم وجبت ولا استحبت ليقع فعل الأذان معتبرا وعلى وجه السنة لم يبعد، وعكسه في الخمسة المذكورة في الخلاصة‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ يظهر لي أن المراد بالوجوب اللزوم في تحصيل سنة الأذان، وأن المراد أنه إذا عرض للمؤذن ما يمنعه عن الإتمام وأراد آخر أن يؤذن يلزمه استقبال الأذان من أوله إن أراد إقامة سنة الأذان، فلو بنى على ما مضى من أذان الأول لم يصح فلذا قال في الخانية‏:‏ لو عجز عن الإتمام استقبل غيره‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لئلا يكون آتيا ببعض الأذان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وجزم المصنف إلخ‏)‏ أي حيث قال مر قيدنا بالمراهق؛ لأن أذان الصبي الذي لا يعقل غير صحيح كالمجنون والمعتوه ا هـ‏.‏ فافهم، وهذا ذكره في البحر بحثا فترجح عند المصنف فجزم به، ويؤيده ما في شرح المنية من أنه يجب إعادة أذان السكران والمجنون والصبي غير العاقل لعدم حصول المقصود لعدم الاعتماد على قولهم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قلت وكافر وفاسق‏)‏ ذكر الفاسق هنا غير مناسب؛ لأن صاحب البحر جعل العقل والإسلام شرط صحة، والعدالة والذكورة والطهارة شرط كمال‏.‏ وقال‏:‏ فأذان الفاسق والمرأة والجنب صحيح، ثم قال‏:‏ وينبغي أن لا يصح أذان الفاسق بالنسبة إلى قبول خبره والاعتماد عليه أي لأنه لا يقبل قوله في الأمور الدينية فلم يوجد الإعلام كما ذكره الزيلعي‏.‏ وحاصله أنه يصح أذان الفاسق وإن لم يحصل به الإعلام‏:‏ أي الاعتماد على قبول قوله في دخول الوقت، بخلاف الكافر وغير العاقل فلا يصح أصلا، فتسوية الشارح بين الكافر والفاسق غير مناسبة‏.‏ ثم اعلم أنه ذكر في الحاوي القدسي من سنن المؤذن‏:‏ كونه رجلا عاقلا، صالحا، عالما بالسنن والأوقات، مواظبا عليه، محتسبا، ثقة متطهرا مستقبلا، وذكر نحوه في الإمداد؛ ومقتضاه أن العقل غير شرط لصحة الأذان فيصح أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران، كما يصح أذان الفاسق والمرأة والجنب، ويدل عليه ما في البدائع من أنه يكره أذان المجنون والسكران وأن الأحب إعادته في ظاهر الرواية، وأنه يكره أذان المرأة والصبي العاقل، ويجزي حتى لا يعاد لحصول المقصود وهو الإعلام‏.‏ وروي عن الإمام أنه تستحب إعادة أذان المرأة ا هـ‏.‏ وعلى هذه الرواية مشى الزيلعي‏.‏ وذكر في البدائع أيضا أن أذان الصبي الذي لا يعقل لا يجزي ويعاد؛ لأن ما يصدر لا عن عقل لا يعتد به كصوت الطيور ا هـ‏.‏ فحصلت المنافاة بين ما جزم به المصنف تبعا للبحر، وكذا ما قدمناه عن شرح المنية من عدم صحة أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران، وبين ما في الحاوي والبدائع من صحة أذان الكل سوى صبي لا يعقل‏.‏ والذي يظهر لي في التوفيق‏:‏ هو أن المقصود الأصلي من الأذان في الشرع الإعلام بدخول أوقات الصلاة ثم صار من شعار الإسلام في كل بلدة أو ناحية من البلاد الواسعة على ما مر، فمن حيث الإعلام بدخول الوقت وقبول قوله لا بد من الإسلام والعقل والبلوغ والعدالة، وقدمنا قبل هذا الباب عن معين الحكام ما نصه‏:‏ المؤذن يكفي إخباره بدخول الوقت إذا كان بالغا عاقلا عالما بالأوقات مسلما ذكرا ويعتمد على قوله‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أن قوله ذكرا غير قيد لقبول خبر المرأة، فحينئذ يقال إذا اتصف المؤذن بهذه الصفات يصح أذانه وإلا فلا يصح من حيث الاعتماد عليه في دخول الوقت وقدمنا أيضا قبل هذا الباب أنه في الفاسق والمستور يحكم رأيه في صدقه وكذبه ويعمل به، بخلاف الكافر والصبي والمعتوه فإنه لا يقبل أصلا‏.‏ وأما من حيث إقامة الشعار النافية للإثم عن أهل البلدة فيصح أذان الكل سوى الصبي الذي لا يعقل؛ لأن من سمعه لا يعلم أنه مؤذن بل يظنه يلعب، بخلاف الصبي العاقل؛ لأنه قريب من الرجال، ولذا عبر عنه الشارح بالمراهق وكذا المرأة فإن بعض الرجال قد يشبه صوته صوت المراهق والمرأة، فإذا أذن المراهق أو المرأة وسمعه السامع يعتد به، وكذا المجنون أو المعتوه أو السكران فإنه رجل من الرجال، فإذا أذن على الكيفية المشروعة قامت به الشعيرة؛ لأنه إذا سمعه غير العالم بحاله يعده مؤذنا، وكذا الكافر، فباعتبار هذه الحيثية صارت الشروط المذكورة كلها شروط كمال؛ لأن المؤذن الكامل هو الذي تقام بأذانه الشعيرة ويحصل به الإعلام، فيعاد أذان الكل ندبا على الأصح كما قدمناه عن القهستاني‏.‏ ثم الظاهر أن الإعادة إنما هي في المؤذن الراتب، أما لو حضر جماعة عالمون بدخول الوقت وأذن لهم فاسق أو صبي يعقل لا يكره ولا يعاد أصلا لحصول المقصود تأمل‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

يؤخذ مما قدمناه من أنه لا يحصل الإعلام من غير العدل ولا يقبل قوله أنه لا يجوز الاعتماد على المبلغ الفاسق خلف الإمام كما نبه عليه بعض الشافعية، فتنبه لهذه الدقيقة، والله أعلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لمسافر‏)‏ أي سفرا لغويا أو شرعيا كما في أبي السعود ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو منفردا‏)‏ لأنه إن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه، رواه عبد الرزاق‏.‏ وبهذا ونحوه عرف أن المقصود من الأذان لم ينحصر في الإعلام، بل كل منه ومن الإعلان بهذا الذكر نشرا لذكر الله ودينه في أرضه، وتذكير العباد من الجن والإنس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات فتح وفي تعبير الشارح بالمنفرد إشارة إلى أنه لا يعطى له حكم الإمام من كل وجه؛ ولذا قال في التتارخانية عن الفتاوى والعتابية‏:‏ ولو أذن وأقام في الصحراء وهو منفرد فحكمه حكم المنفرد في أنه يجمع بين التسميع والتحميد، وكذا في الجهر والمخافتة‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا تركه‏)‏ الظاهر أن المراد نفي الكراهة الموجبة للإساءة، وإلا فقد صرح في الكنز بعد ذلك بندبه للمسافر وللمصلي في بيته في المصر‏.‏ قال في البحر‏:‏ ليكون الأداء على هيئة الجماعة ا هـ‏.‏ ولما علمت من أنه ليس المقصود منه الإعلام فقط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لحضور الرفقة‏)‏ أي إن كان ثم جماعة وإلا فالأمر أظهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو بجماعة‏)‏ وعن أبي حنيفة‏:‏ لو اكتفوا بأذان الناس أجزأهم وقد أساءوا ففرق بين الواحد والجماعة في هذه الرواية بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في بيته‏)‏ أي فيما يتعلق بالبلد من الدار والكرم وغيرهما قهستاني‏.‏ وفي التفاريق‏:‏ وإن كان في كرم أو ضيعة يكتفي بأذان القرية أو البلدة إن كان قريبا وإلا فلا‏.‏ وحد القرب أن يبلغ الأذان إليه منها ا هـ‏.‏ إسماعيل‏.‏ والظاهر أنه لا يشترط سماعه بالفعل، تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لها مسجد‏)‏ أي فيه أذان وإقامة، وإلا فحكمه كالمسافر صدر الشريعة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إذ أذان الحي يكفيه‏)‏ لأن أذان المحلة وإقامتها كأذانه وإقامته؛ لأن المؤذن نائب أهل المصر كلهم كما يشير إليه ابن مسعود حين صلى بعلقمة والأسود بغير أذان ولا إقامة، حيث قال‏:‏ أذان الحي يكفينا، وممن رواه سبط ابن الجوزي فتح‏:‏ أي فيكون قد صلى بهما حكما، بخلاف المسافر فإنه صلى بدونهما حقيقة وحكما؛ لأن المكان الذي هو فيه لم يؤذن فيه أصلا لتلك الصلاة كافي‏.‏ وظاهره أنه يكفيه أذان الحي وإقامته وإن كانت صلاته فيه آخر الوقت تأمل، وقد علمت تصريح الكنز بندبه للمسافر وللمصلي في بيته في المصر، فالمقصود من كفاية أذان الحي نفي الكراهة المؤثمة‏.‏ قال في البحر‏:‏ ومفهومه أنه لو لم يؤذنوا في الحي يكره تركهما للمصلي في بيته، وبه صرح في المجتبى، وأنه لو أذن بعض المسافرين سقط عن الباقين كما لا يخفى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وتكرار الجماعة‏)‏ لما روى عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه‏:‏ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من بيته ليصلح بين الأنصار فرجع وقد صلى في المسجد بجماعة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل بعض أهله فجمع أهله فصلى بهم جماعة» ولو لم يكره تكرار الجماعة في المسجد لصلى فيه‏.‏ وروي عن أنس ‏"‏ أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الجماعة في المسجد صلوا في المسجد فرادى ‏"‏ ولأن التكرار يؤدي إلى تقليل الجماعة؛ لأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يتعجلون فتكثر وإلا تأخروا‏.‏ ا هـ‏.‏ بدائع‏.‏ وحينئذ فلو دخل جماعة المسجد بعد ما صلى أهله فيه فإنهم يصلون وحدانا، وهو ظاهر الرواية ظهيرية‏.‏ وفي آخر شرح المنية‏:‏ وعن أبي حنيفة لو كانت الجماعة أكثر من ثلاثة يكره التكرار وإلا فلا‏.‏ وعن أبي يوسف إذا لم تكن على الهيئة الأولى لا تكره وإلا تكره وهو الصحيح، وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة كذا في البزازية‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية عن الولوالجية‏:‏ وبه نأخذ وسيأتي في باب الإمامة إن شاء الله تعالى لهذه المسألة زيادة كلام‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا في مسجد على طريق‏)‏ هو ما ليس له إمام ومؤذن راتب فلا يكره التكرار فيه بأذان وإقامة، بل هو الأفضل خانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فلا بأس بذلك‏)‏ الأولى حذفه لما علمت أنه الأفضل فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ جوهرة‏)‏ لم أره فيها وإنما ذكره في السراج

‏(‏قوله‏:‏ مطلقا‏)‏ أي لحقه وحشة أو لا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كره إن لحقه وحشة‏)‏ أي بأن لم يرض به، وهذا اختيار خواهر زاده، ومشى عليه في الدرر والخانية لكن في الخلاصة‏:‏ إن لم يرض به يكره، وجواب الرواية أنه لا بأس به مطلقا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وبه صرح الإمام الطحاوي في مجمع الآثار معزيا إلى أئمتنا الثلاثة‏.‏ وقال في البحر‏:‏ ويدل عليه إطلاق قول المجمع‏:‏ ولا نكرهها من غيره، فما في شرحه لابن ملك من أنه لو حضر ولم يرض يكره اتفاقا فيه نظر‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا يدل عليه إطلاق الكافي معللا بأن كل واحد ذكر، فلا بأس بأن يأتي بكل واحد رجل آخر، ولكن الأفضل أن يكون المؤذن هو المقيم ا هـ‏.‏ أي لحديث‏:‏ «من أذن فهو يقيم» وتمامه في حاشية نوح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما كره إلخ‏)‏ ذكره في روضة الناطفي‏.‏ واختلفوا عند إتمامها‏:‏ أي عند‏:‏ قد قامت الصلاة، فقيل يتمها ماشيا، وقيل في مكانه إماما كان المؤذن أو غيره، وهو الأصح كما في البدائع‏.‏ وقصر في السراج الخلاف على ما إذا كان إماما، فلو غيره يتمها في موضع البداءة بلا خلاف نهر

‏(‏قوله‏:‏ وقال الحلواني ندبا إلخ‏)‏ أي قال الحلواني‏:‏ إن الإجابة باللسان مندوبة والواجبة هي الإجابة بالقدم‏.‏ قال في النهر‏:‏ وقوله بوجوب الإجابة بالقدم مشكل؛ لأنه يلزم عليه وجوب الأداء في أول الوقت وفي المسجد إذ لا معنى لإيجاب الذهاب دون الصلاة وما في شهادات المجتبى‏:‏ سمع الأذان وانتظر الإقامة في بيته لا تقبل شهادته مخرج على قوله كما لا يخفى‏.‏ وقد سألت شيخنا الأخ عن هذا فلم يبد جوابا ا هـ‏.‏

مطلب في كراهة تكرار الجماعة في المسجد

أقول وبالله التوفيق‏:‏ ما قاله الإمام الحلواني مبني على ما كان في زمن السلف من صلاة الجماعة مرة واحدة وعدم تكرارها كما هو في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء بعده، وقد علمت أن تكرارها مكروه في ظاهر الرواية إلا في رواية عن الإمام ورواية عن أبي يوسف كما قدمناه قريبا، وسيأتي أن الراجح عند أهل المذهب وجوب الجماعة وأنه يأثم بتفويتها اتفاقا‏.‏ وحينئذ يجب السعي بالقدم لا لأجل الأداء في أول الوقت أو في المسجد، بل لأجل إقامة الجماعة وإلا لزم فوتها أصلا أو تكرارها في مسجد إن وجد جماعة أخرى وكل منهما مكروه فلذا قال بوجوب الإجابة بالقدم‏.‏ لا يقال‏:‏ يمكنه أن يجمع بأهله في بيته‏:‏ فلا يلزم شيء من المحذورين؛ لأنا نقول‏:‏ إن مذهب الإمام الحلواني أنه بذلك لا ينال ثواب الجماعة وأنه يكون بدعة ومكروها بلا عذر، نعم قد علمت أن الصحيح أنه لا يكره تكرار الجماعة إذا لم تكن على الهيئة الأولى وسيأتي في الإمامة أن الأصح أنه لو جمع بأهله لا يكره وينال فضيلة الجماعة لكن جماعة المسجد أفضل، فاغتنم هذا التحرير الفريد، ويأتي له قريبا بعض مزيد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من سمع الأذان‏)‏ يفهم منه أنه لو لم يسمع لصمم أو لبعد أنه لا يجيب، وهو ظاهر الحديث الآتي إذا سمعتم الأذان حيث علق على السماع، وقد صرح بعض الشافعية بأنه الظاهر، وبأنه يجيب في جميعه إذا لم يسمع إلا بعضه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو جنبا‏)‏ لأن إجابة المؤذن ليست بأذان بحر عن الخلاصة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا حائضا ونفساء‏)‏ لأنهما ليسا من أهل الإجابة بالفعل فكذا بالقول إمداد‏:‏ أي بخلاف الجنب فإنه مخاطب بالصلاة؛ ولأن حدثه أخف من الحيض والنفاس لإمكان إزالته سريعا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسامع خطبة‏)‏ أي خطبة كانت ط، وهذا وما بعده معطوف على قوله حائضا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي صلاة جنازة‏)‏ سقط من بعض النسخ لفظ صلاة موافقا لما في البحر عن المجتبى، وعبارة الإمداد‏:‏ وصلاة ولو جنازة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومستراح‏)‏ أي بيت الخلاء‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وتعليم علم‏)‏ أي شرعي فيما يظهر، ولذا عبر في الجوهرة بقراءة الفقه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بخلاف قرآن‏)‏ لأنه لا يفوت، جوهرة، ولعله لأن تكرار القراءة إنما هو للأجر فلا يفوت بالإجابة، بخلاف التعلم، فعلى هذا لو يقرأ تعليما أو تعلما لا يقطع سائحاني‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

هل يجيب بعد الفراغ من هذه المذكورات أم لا‏؟‏ ينبغي أنه إن لم يطل الفصل فنعم، وإن طال فلا، أخذا مما يأتي، لكن صرح في الفيض أنه لو سلم على المؤذن أو المصلي أو القارئ أو الخطيب، فعن أبي حنيفة لا يلزمه الرد بعد الفراغ، بل يرد في نفسه‏.‏ وعن محمد‏:‏ يرد بعده‏:‏ وعن أبي يوسف‏:‏ لا يرد مطلقا، هو الصحيح، وأجمعوا أن المتغوط لا يلزمه مطلقا ا هـ‏.‏ تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كمقالته‏)‏ أي مثلها في القول لا في الصفة من رفع صوت ونحوه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إن سمع المسنون منه‏)‏ الظاهر أن المراد ما كان مسنونا جميعه، فمن لبيان الجنس لا للتبعيض، فلو كان بعض كلماته غير عربي أو ملحونا لا تجب عليه الإجابة في الباقي؛ لأنه حينئذ ليس أذانا مسنونا، كما لو كان كله كذلك، أو كان قبل الوقت، أو من جنب أو امرأة‏.‏ ويحتمل أن المراد ما كان مسنونا من أفراد كلماته، فيجيب المسنون منها دون غيره، وهو بعيد تأمل؛ لأنه يستلزم استماعه والإصغاء إليه وقد ذكر في البحر أنهم صرحوا بأنه لا يحل سماع المؤذن إذا لحن كالقارئ، وقدمنا أنه لا يصح بالفارسية وإن علم أنه أذان في الأصح بقي هل يجيب أذان غير الصلاة كالأذان للمولود‏؟‏ لم أره لأئمتنا، والظاهر نعم؛ ولذا يلتفت في حيعلته كما مر، وهو ظاهر الحديث، إلا أن يقال‏:‏ إن أل فيه للعهد، وهل يجيب الترجيع إذا سمعه من شافعي بناء على اعتقاده أنه سنة‏؟‏ محل تردد كما تردد بعض الشافعية فيمن سمع الإقامة من حنفي يثنيها، واستوجبه بعضهم أنه لا يجيب في الزيادة كما لو زاد في الأذان تكبيرا، لكن قياسه على الزيادة فيه نظر؛ لأنه لا قائل بها، بخلاف ما نحن فيه فإنه مجتهد فيه تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو تكرر‏)‏ أي بأن أذن واحد بعد واحد، أما لو سمعهم في آن واحد من جهات فسيأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أجاب الأول‏)‏ سواء كان مؤذن مسجده أو غيره بحر عن الفتح بحثا‏.‏ ويفيده ما في البحر أيضا عن التفاريق‏:‏ إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد، فالحرمة للأول ا هـ‏.‏ لكنه يحتمل أن يكون مبنيا على أن الإجابة بالقدم، أو على أن تكراره في مسجد واحد يوجب أن يكون الثاني غير مسنون، بخلاف ما إذا كان من محلات مختلفة تأمل‏.‏ ويظهر لي إجابة الكل بالقول لتعدد السبب وهو السماع كما اعتمده بعض الشافعية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيحوقل‏)‏ أي يقول ‏"‏ لا حول ولا قوة إلا بالله ‏"‏ وزاد في عمدة المفتي ‏"‏ ما شاء الله كان ‏"‏ وخير بينهما في الكافي‏.‏ وفصل في المحيط بأن يأتي بالحوقلة مكان الصلاة، وبالمشيئة مكان الفلاح إسماعيل والمختار الأول نوح أفندي‏.‏ ثم إن الإتيان بالحوقلة وإن خالف ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «فقولوا مثل ما يقول» لكنه ورد فيه حديث مفسر لذلك رواه مسلم، واختار في الفتح الجمع بينهما عملا بالأحاديث، قال‏:‏ فإنه ورد في بعضها صريحا‏:‏ «إذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة إلخ» وقولهم إنه يشبه الاستهزاء لا يتم، إذ لا مانع من اعتباره مجيبا بهما داعيا نفسه مخاطبا لها، وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع بينهما فيدعو نفسه ثم يتبرأ من الحول والقوة ليعمل بالحديثين، وقد أطال في ذلك وأقره في البحر والنهر وغيرهما‏.‏ قلت‏:‏ وهو مذهب سلطان العارفين سيدي محيي الدين نص عليه في الفتوحات المكية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيقول صدقت وبررت‏)‏ بكسر الراء الأولى وحكي فتحها‏:‏ أي صرت ذا بر‏:‏ أي خير كثير، قيل يقول للمناسبة، ولورود خبر فيه‏.‏ ورد بأنه غير معروف وأجيب بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ‏.‏ ونقل الشيخ إسماعيل عن شرح الطحاوي زيادة ‏"‏ وبالحق نطقت ‏"‏‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بزازية‏)‏ كذا نقله في النهر ولم أره فيها، فلتراجع نسخة أخرى، نعم رأيت فيها سمع وهو يمشي، فالأفضل أن يقف للإجابة ليكون في مكان واحد‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولم يذكر إلخ‏)‏ هو لصاحب النهر‏.‏ قلت‏:‏ ويحتمل أن يراد بالقيام الإجابة بالقدم‏.‏ وقد أخرج السيوطي عن أبي نعيم في الحلية بسند فيه مقال‏:‏ «إذا سمعتم النداء فقوموا فإنها عزمة من الله» قال شارحه المناوي‏:‏ أي اسعوا إلى الصلاة، أو المراد بالنداء الإقامة‏.‏ والعزمة بالفتح‏:‏ الأمر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لم أره إلخ‏)‏ البحث لصاحب البحر، وصرح به ابن حجر في شرح المنهاج، حيث قال‏:‏ فلو سكت حتى فرغ كل الأذان ثم أجاب قبل فاصل طويل كفى في أصل سنة الإجابة كما هو ظاهر‏.‏ ا هـ‏.‏ واستفيد من هذا أن المجيب لا يسبق المؤذن بل يعقب كل جملة منه بجملة منه‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وفي حديث عمر بن أبي أمامة التنصيص على ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وظاهره أنه لا تكفي المقارنة؛ لأن الجواب يعقب الكلام بخلاف متابعة المقتدي للإمام إلخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويدعو إلخ‏)‏ أي بعد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لما رواه مسلم وغيره‏:‏ «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد مؤمن من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة» وروى البخاري وغيره‏:‏ «من قال حين يسمع النداء‏:‏ اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة» وزاد البيهقي في آخره‏:‏ «إنك لا تخلف الميعاد» وتمامه في الإمداد والفتح‏.‏ قال ابن حجر في شرح المنهاج‏:‏ وزيادة والدرجة الرفيعة وختمه بيا أرحم الراحمين لا أصل لهما‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

يستحب أن يقال عند سماع الأولى من الشهادة‏:‏ صلى الله عليك يا رسول الله، وعند الثانية منها‏:‏ قرت عيني بك يا رسول الله، ثم يقول‏:‏ اللهم متعني بالسمع والبصر بعد وضع ظفري الإبهامين على العينين فإنه عليه السلام يكون قائدا له إلى الجنة، كذا في كنز العباد‏.‏ ا هـ‏.‏ قهستاني، ونحوه في الفتاوى الصوفية‏.‏ وفي كتاب الفردوس «من قبل ظفري إبهامه عند سماع أشهد أن محمدا رسول الله في الأذان أنا قائده ومدخله في صفوف الجنة» وتمامه في حواشي البحر للرملي عن المقاصد الحسنة للسخاوي، وذكر ذلك الجراحي وأطال، ثم قال‏:‏ ولم يصح في المرفوع من كل هذا شيء‏.‏ ونقل بعضهم أن القهستاني كتب على هامش نسخته أن هذا مختص بالأذان، وأما في الإقامة فلم يوجد بعد الاستقصاء التام والتتبع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو كان في المسجد إلخ‏)‏ هو مقابل قوله بأن يقول كمقالته ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أجاب بالمشي إليه‏)‏ أي لئلا تفوته الجماعة فيأثم كما قررناه آنفا فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهذا‏)‏ راجع إلى قوله ولو كان في المسجد إلخ ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ المطلوبة‏)‏ أي طلب إيجاب كما قدمه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا بلسانه‏)‏ أي لأن الإجابة به مندوبة على هذا القول كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيقطع قراءة القرآن‏)‏ الظاهر أن المراد المسارعة للإجابة وعدم القعود لأجل القراءة لإخلال القعود بالسعي الواجب‏.‏ وإلا فلا مانع من القراءة ماشيا، إلا أن يراد يقطعها ندبا للإجابة باللسان أيضا، لكن لا يناسبه التفريع ولا قوله ولو بمسجد لا‏.‏ لما علمت من أن الحلواني قائل بنسبها باللسان فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويجيب‏)‏ أي بالقدم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لو أذان مسجده كما يأتي‏)‏ أي عن التتارخانية، هذا ساقط من بعض النسخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو بمسجد لا‏)‏ أي لا يجب قطعها بالمعنى الذي ذكرناه آنفا، فلا ينافي ما قدمه من أن إجابة اللسان مندوبة عند الحلواني فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهذا متفرع على قول الحلواني‏)‏ تكرار محض مع قوله وعليه فيقطع إلخ ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والظاهر وجوبها باللسان إلخ‏)‏ كذا قاله في فتح القدير معللا بأنه لم تظهر قرينة تصرف الأمر عن الوجوب‏.‏ ونازعه في شرح المنية بما في آخر الحديث، من قوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏ ثم صلوا علي فإن من صلى علي إلخ ‏"‏ لأن مثله من الترغيبات في الثواب يستعمل في المستحب غالبا‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ فيه نظر؛ لأن ما ذكر إنما هو للصلاة وسؤال الوسيلة لإجابة المدعي وجوبها والقران في النظم لا يوجد القران في الحكم كما تقرر في الأصول، نعم أخرج الإمام أبو جعفر الطحاوي في كتابه شرح الآثار بسنده إلى ‏{‏عبد الله رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسمع مناديا وهو يقول‏:‏ الله أكبر الله أكبر، فقال صلى الله عليه وسلم على الفطرة، فقال أشهد أن لا إله إلا الله، فقال صلى الله عليه وسلم خرج من النار» فابتدرناه فإذا صاحب ماشية أدركته الصلاة فنادى بها‏.‏ قال أبو جعفر‏:‏ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غير ما قال المنادي، فدل أن الأمر للاستحباب والندب كأمره بالدعاء في أدبار الصلوات ونحوه ا هـ‏.‏ فهذه قرينة صارفة للأمر عن الوجوب، وبه تأيد ما صرح به جماعة من أصحابنا، من عدم وجوب الإجابة باللسان وأنها مستحبة‏.‏ وهذا ظاهر في ترجيح قول الحلواني، وعليه مشى في الخانية والفيض، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سمعت النداء فأجب داعي الله» وفي رواية ‏"‏ فأجب، وعليك السكينة ‏"‏ ويكفي في ترجيحه الأدلة على وجوب الجماعة، فإنك علمت أن قول الحلواني مبني على أن الإجابة لقصد الجماعة‏.‏ والذي ينبغي تحريره في هذا المحل أن الإجابة باللسان مستحبة وأن الإجابة بالقدم واجبة إن لزم من تركها تفويت الجماعة، وإلا بأن أمكنه إقامتها بجماعة ثانية في المسجد أول بيته لا تجب، بل تستحب مراعاة لأول الوقت والجماعة الكثيرة في المسجد بلا تكرار، هذا ما ظهر لي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بأنه‏)‏ متعلق بقواه، ولو قال وفرع عليه في النهر بأنه على الأول إلخ لكان أولى ط‏.‏ أقول‏:‏ نعم قواه في النهر بما أورده على قول الحلواني من الإشكال بلزوم الأداء في أول الوقت وفي المسجد، وقد علمت اندفاعه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على الأول‏)‏ أي القول بوجوب الإجابة باللسان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يرد السلام‏)‏ لم أره في النهر، وإنما رأيته في البحر‏.‏ وقال في المعراج‏:‏ وفي التحفة‏:‏ وينبغي للسامع أن لا يتكلم ولا يشتغل بشيء في حالة الأذان والإقامة ولا يرد السلام أيضا؛ لأن الكل يخل بالنظم‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ يظهر من هذا أن قوله لا يرد السلام ليس للوجوب، أنه يتفرع على القولين وإلا لزم وجوب ذلك في الإقامة مع أن أصل إجابة الإقامة مستحبة كما يأتي فضلا عن وجوب ما ذكر فيها؛ لأنه لا ينافي الإجابة، فإنه يمكن أن يجيب ثم يرد السلام، أو يسلم مثلا عند سكتات المؤذن، لكنه لا ينبغي؛ لأنه يخل بالنظم؛ لأن المشروع إجابة لا حشو فيها، ولعله إنما لم يجب رد السلام وإن قلنا إنه لا ينال الإجابة أو قلنا بعدم وجوبها؛ لأن السلام عليه في هذه الحالة غير مشروع كالسلام على القارئ والمؤذن، فلذا لم يجب رده كما قدمناه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قال‏)‏ أي في النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إنما يجيب أذان مسجده‏)‏ أي بالقدم، وهو متفرع على قول الحلواني كما أشار إليه الشارح سابقا بقوله كما يأتي ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قال إجابة أذان مسجده بالفعل‏)‏ قال في الفتح‏:‏ وهذا ليس مما نحن فيه؛ إذ مقصود السائل‏:‏ أي مؤذن يجيب باللسان استحبابا أو وجوبا، والذي ينبغي إجابة الأول سواء كان مؤذن مسجده أو غيره، فإن سمعهم معا أجاب معتبرا كون إجابته لمؤذن مسجده، ولو لم يعتبر ذلك جاز، وإنما فيه مخالفة الأولى ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ أقول‏:‏ والظاهر أن عدول الإمام ظهير الدين إلى ما قال من باب أسلوب الحكيم ميلا منه إلى مذهب الحلواني، ثم رأيت الرحمتي أجاب بذلك‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إجماعا‏)‏ قيد لقوله ندبا‏:‏ أي إن القائلين بإجابتها أجمعوا على الندب ولم يقل أحد منهم بالوجوب كما قيل في الأذان، فلا ينافي قوله وقيل لا فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويقول إلخ‏)‏ أي كما رواه أبو داود بزيادة‏:‏ «ما دامت السموات والأرض، وجعلني من صالحي أهلها»‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبه جزم الشمني‏)‏ حيث قال‏:‏ ومن سمع الإقامة لا يجيب، ولا بأس أن يشتغل بالدعاء‏.‏ ا هـ‏.‏ ويمكن حمله على نفي الوجوب بدليل قول الخلاصة‏.‏ ليس عليه جواب الإقامة أو المراد إذا سمع قد قامت الصلاة لا يجيب بلفظها، أفاده الشيخ إسماعيل

‏(‏قوله‏:‏ وينبغي إلخ‏)‏ البحث لصاحب النهر‏.‏ أقول‏:‏ قال في آخر شرح المنية‏:‏ أقام المؤذن ولم يصل الإمام ركعتي الفجر يصليهما ولا تعاد الإقامة؛ لأن تكرارها غير مشروع إذا لم يقطعها قاطع من كلام كثير أو عمل كثير مما يقطع المجلس في سجدة التلاوة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ قعد‏)‏ ويكره له الانتظار قائما، ولكن يقعد ثم يقوم إذا بلغ المؤذن حي على الفلاح انتهى هندية عن المضمرات‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في مسجدين‏)‏ لأنه إذا صلى في المسجد الأول يكون متنفلا بالأذان في المسجد الثاني والتنفل بالأذان غير مشروع؛ ولأن الأذان للمكتوبة وهو في المسجد الثاني يصلي النافلة، فلا ينبغي أن يدعو الناس إلى المكتوبة وهو لا يساعدهم فيها‏.‏ ا هـ‏.‏ بدائع

‏(‏قوله‏:‏ مطلقا‏)‏ أي عدلا أو لا‏.‏ وفي الأشباه‏:‏ ولد الباني وعشيرته أولى من غيرهم ا هـ‏.‏ وسيجيء في الوقف أن القوم إذا عينوا مؤذنا وإماما وكان أصلح مما نصبه الباني فهو أولى، وذكره في الفتح عن النوازل وأقره‏.‏ ا هـ‏.‏ مدني‏.‏

مطلب هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه‏؟‏

‏(‏قوله‏:‏ الأفضل إلخ‏)‏ أي لقول عمر رضي الله عنه‏:‏ لولا الخلافة لأذنت‏:‏ أي مع الإمامة كما قدمناه‏.‏ وفي السراج أن أبا حنيفة كان يباشر الأذان والإقامة بنفسه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقد حققناه في الخزائن‏)‏ حيث قال بعدما هنا‏:‏ هذا وفي شرح البخاري لابن حجر ومما يكثر السؤال عنه‏:‏ هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه‏.‏ وقد أخرج الترمذي «أنه عليه الصلاة والسلام أذن في سفر وصلى بأصحابه» وجزم به النووي وقواه، ولكن وجد في مسند أحمد من هذا الوجه‏:‏ «فأمر بلالا فأذن» فعلم أن في رواية الترمذي اختصارا، وأن معنى قوله، أذن أمر بلالا كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني كذا وإنما باشر العطاء غيره ا هـ‏.‏

أي شروط جوازها وصحتها، لا شروط الوجوب‏:‏ كالتكليف والقدرة والوقت، ولا شرط الوجود كالقدرة المقارنة للفعل، والمراد أيضا الشروط الشرعية لا العقلية كالحياة للعلم، ولا الجعلية كدخول الدار المعلق به الطلاق ‏(‏قوله هي ثلاثة أنواع إلخ‏)‏ كذا قرره في السراج‏.‏ وبيان ذلك أن شرط الانعقاد ما يشترط وجوده في ابتداء الصلاة متقدما عليها أو مقارنا لها سواء استمر إلى آخرها أم لا، فالوقت والخطبة متقدمان عليها، والنية والتحريمة مقارنان لها‏.‏ وأما شرط الدوام فهو ما يشترط وجوده في ابتداء الصلاة مستمرا إلى آخرها‏.‏ وأما شرط البقاء فقد فسره في السراج بما يشترط وجوده حالة البقاء ولا يشترط فيه التقدم ولا المقارنة ا هـ‏.‏ أي فقد يوجد فيه التقدم والمقارنة، وقد لا يوجد‏.‏ ولا يخفى أن هذه الأقسام متداخلة وبينها عموم وخصوص مطلق، فتجتمع في الطهارة والستر والاستقبال فإنها من حيث اشتراط وجودها في ابتداء الصلاة شرط انعقاد، ومن حيث اشتراط دوامها أيضا شرط دوام، ومن حيث اشتراط وجودها في حالة البقاء شرط بقاء، وتجتمع أيضا في الوقت بالنسبة إلى صلاة الصبح والجمعة والعيدين فإنه يشترط في ابتدائها وانتهائها وحالة البقاء، حتى لو خرج قبل تمامها بطلت‏.‏ وينفرد شرط الانعقاد عن شرط الدوام وعن شرط البقاء في الوقت بالنسبة إلى بقية الصلوات فإنه شرط انعقاد فقط إذ لا يشترط دوامه ولا وجوده حالة البقاء‏.‏ وينفرد شرط البقاء في القراءة فإنه يحدث في أثنائها ويستمر إلى انتهائها، ومثلها رعاية الترتيب في فعل غير مكرر كالقعدة الأخيرة، حتى لو تذكر سجدة صلبية أو تلاوية فأتى بها بعد القعدة لزمه إعادتها ‏(‏قوله فإنه ركن في نفسه إلخ‏)‏ كذا في القهستاني‏.‏ واعترض بأن الركن ما كان داخل الماهية، والشرط ما كان خارجا عنها وبينهما تناف‏.‏ ولا وجه لتخصيص كونه شرطا في غيره بسبب وجوده في كل الأركان تقديرا، لأن كل ركن كذلك، نعم قسموا الركن إلى أصلي وزائد، وهو ما قد يسقط بلا ضرورة، ومثلوا له بالقراءة فإنها تسقط عن المقتدي فسميت ركنا في حالة أخرى وزائدا في حالة أخرى، لأن الصلاة ماهية اعتبارية فيجوز أن يعتبرها الشارع تارة بأركان وأخرى بأقل منها ‏(‏قوله لوجوده‏)‏ أي القراءة وذكر باعتبار الشرط، وهو علة لكونه شرطا ط ‏(‏قوله لم يجز استخلاف الأمي‏)‏ أي ولو في التشهد لعدم وجود الشرط فيه‏.‏ ولا يقال‏:‏ إنه مفقود في المأموم لأنه موجود حكما، لأن قراءة الإمام له قراءة ط ‏(‏قوله ثم الشرط إلخ‏)‏ أي بالسكون وجمعه شروط، وأما بالفتح فجمعه أشراط، ومنه‏:‏ ‏{‏فقد جاء أشراطها‏}‏ وقد فسر الأول في القاموس بإلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه، والثاني بالعلامة، ومقتضاه أن الأول لا يفسر لغة بالعلامة وهو ظاهر الصحاح أيضا، والمنقول في كتب الفقه عن اللغة خلافه، ولعل الفقهاء وقفوا على تفسيره بذلك، وبعضهم عبر بالشرائط‏.‏ واعترض بأنه جمع شريطة‏:‏ وهي مشقوقة الأذن‏.‏ ووقع في النهر هنا وهم فاجتنبه ‏(‏قوله ولا يدخل فيه‏)‏ اعلم أن المتعلق بالشيء إما أن يكون داخلا في ماهية فيسمى ركنا كالركوع في الصلاة، أو خارجا عنه، فإما أن يؤثر فيه كعقد النكاح للحل فيسمى علة، أو لا يؤثر، فإما أن يكون موصلا إليه في الجملة كالوقت فيسمى سببا، أو لا يوصل إليه، فإما أن يتوقف الشيء عليه كالوضوء للصلاة فيسمى شرطا أو لا يتوقف كالأذان فيسمى علامة كما بسطه البرجندي، فكان عليه أن يزيد ولا يؤثر فيه ولا يوصل إليه في الجملة إسماعيل ‏(‏قوله هي ستة‏)‏ ذكر القهستاني أنها أكثر من عشرة‏:‏ فإن منها القراءة على ما مر، وتقديمها على الركوع، والركوع على السجود، ومراعاة مقام الإمام والمقتدي، وعدم تذكر الفائتة لذي ترتيب، وعدم محاذاة امرأة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وكذا منها الوقت كما مر‏.‏ قال في الإمداد‏:‏ وقد ترك ذكره في عدة من المعتبرات كالقدوري والمختار والهداية والكنز مع ذكرهم له أول كتاب الصلاة، وكان ينبغي لهم ذكره هنا ليتنبه المتعلم على أنه من الشروط كما في مقدمة أبي الليث ومنية المصلي، وكذا يشترط اعتقاد دخوله، فلو شك لم تصح صلاته وإن ظهر أنه قد دخل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لدخول الأطراف إلخ‏)‏ علة لتفسير البدن بالجسد تفسير مراد، لأن البدن اسم لما سوى الرأس والأطراف كاليدين والرجلين ‏(‏قوله لأنه أغلظ‏)‏ لأنه ليس له قليل يعفى عنه بخلاف الخبث‏.‏ قال ط‏:‏ وإنما صرف الماء الكافي لأحدهما للخبث لأجل تحصيل الطهارتين‏:‏ المائية في الخبث، والترابية في الحدث ‏(‏قوله كذلك‏)‏ أي بنوعيه‏:‏ وهما الغليظة والخفيفة ح ‏(‏قوله وثوبه‏)‏ أراد ما لابس البدن، فدخل القلنسوة والخف والنعل ط عن الحموي ‏(‏قوله وكذا ما‏)‏ أي شيء متصل به يتحرك بحركته كمنديل طرفه على عنقه وفي الآخر نجاسة مانعة إن تحرك موضع النجاسة بحركات الصلاة منع وإلا، بخلاف ما لم يتصل كبساط طرفه نجس وموضع الوقوف والجبهة طاهر فلا يمنع مطلقا أفاده ح عن الشرنبلالي ‏(‏قوله كصبي‏)‏ أي وكسقف وظلة وخيمة نجسة تصيب رأسه إذا وقف ‏(‏قوله إن لم يستمسك‏)‏ الأولى حذف إن وجوابها لأنه تمثيل للمحمول، فحق التعبير أن يقول كصبي عليه نجس لا يستمسك بنفسه ط ‏(‏قوله وإلا لا‏)‏ أي وإن كان يستمسك بنفسه لا يمنع لأن حمل النجاسة حينئذ ينسب إليه لا إلى المصلي ‏(‏قوله كجنب‏)‏ تنظير لا تمثيل، أي فإن الجنابة أيضا تنسب إلى المحمول لا إلى المصلي، ولو كان تمثيلا للزم اشتراط أن يكون الجنب مستمسكا بنفسه بأن لا يكون زمنا مثلا مع أنه غير نجس حقيقة، فلو حمل المصلي جنبا لا يمنع صلاته مطلقا لأن نجاسته حكمية فافهم ‏(‏قوله وكلب إن شد فمه‏)‏ لو قال وكلب إن لم يسل منه ما يمنع الصلاة لكان أولى لأنه لو علم عدم السيلان أو سال منه دون القدر المانع لا يبطل الصلاة وإن لم يشد فمه أفاده ح وقدمنا نحوه قبيل فصل البئر عن الحلية، ويؤيده ما في البحر عن الظهيرية‏:‏ لو جلس على المصلي صبي ثوبه نجس وهو يستمسك بنفسه أو حمام نجس جازت صلاته لأن الذي على المصلي مستعمل للنجس، فلم يصر المصلي حاملا للنجاسة ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ والظاهر أن مسألة الكلب مبنية على أرجح التصحيحين، من أنه ليس بنجس العين، بل هو طاهر الظاهر كغيره من الحيوانات سوى الخنزير فلا ينجس إلا بالموت ونجاسة باطنه في معدنها فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي، كما لو صلى حاملا بيضة مذرة صار محها دما جاز لأنه في معدنه، والشيء ما دام في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة، بخلاف ما لو حمل قارورة مضمومة فيها بول فلا تجوز صلاته لأنه في غير معدنه كما في البحر عن المحيط ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ رد لمن يقول بمنع الصلاة مطلقا كما في البحر، وكأنه مبني على نجاسة عينه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله ومكانه‏)‏ فلا تمنع النجاسة في طرف البساط ولو صغيرا في الأصح، ولو كان رقيقا وبسطه على موضع نجس، إن صلح ساترا للعورة تجوز الصلاة كما في البحر عن الخلاصة‏.‏ وفي القنية‏:‏ لو صلى على زجاج يصف ما تحته قالوا جميعا يجوز‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما لو صلى على لبنة أو آجرة أو خشبة غليظة أو ثوب مخيط مضرب أو غير مضرب فسيأتي الكلام عليه في باب مفسدات الصلاة إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله أي موضع قدميه‏)‏ هذا باتفاق الروايات بحر، وأفاد أنه لو كانت تقع ثيابه على أرض نجسة عند السجود لا يضر ‏(‏قوله إن رفع الأخرى‏)‏ أي التي تحتها نجاسة مانعة ‏(‏قوله اتفاقا في الأصح‏)‏ وفي رواية عن الإمام‏:‏ لا يشترط طهارة موضع السجود‏.‏ ا هـ‏.‏ ح أي بناء على رواية جواز الاقتصار على الأنف في السجود، فلا يشترط طهارة موضع الأنف لأنه أقل من الدرهم كما في شرح المنية، لكن لو سجد على نجس، فعندهما تفسد الصلاة، وعند أبي يوسف تفسد السجدة، فإذا أعادها على طاهر صحت عنده لا عندهما، والأولى ظاهر الرواية كما في الحلية ‏(‏قوله على الظاهر‏)‏ أي ظاهر الرواية كما في البحر، لكن قال في منية المصلي‏:‏ قال في العيون‏:‏ هذه رواية شاذة ا هـ‏.‏ وفي البحر‏:‏ واختار أبو الليث أن صلاته تفسد، وصححه في العيون ا هـ‏.‏ وفي النهر‏:‏ وهو المناسب لإطلاق عامة المتون، وأيده بكلام الخانية‏.‏ قلت‏:‏ وصححه في متن المواهب ونور الإيضاح والمنية وغيرها، فكان عليه المعول‏.‏ وقال في شرح المنية‏:‏ وهو الصحيح، لأن اتصال العضو بالنجاسة بمنزلة حملها وإن كان وضع ذلك العضو ليس بفرض ‏(‏قوله إلا إذا سجد على كفه‏)‏ فيشترط طهارة ما تحته لأنه موضع يده بل لأنه موضع السجود ط أي كما إذا سجد على كمه وتحته نجاسة ‏(‏قوله كما سيجيء‏)‏ أي في سنن الصلاة ح ‏(‏قوله من الثاني‏)‏ زيادة توضيح‏.‏ قال في النهر‏:‏ ولم يذكره في الكنز لأن طهارة الثوب والمكان من حدث لا يخطر ببال، ولذا قدم قوله من حدث وخبث‏:‏ إذ لو أخره لاقتضى أن يكون قيدا في الكل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لأنهما ألزم‏)‏ أي أشد ملازمة للمصلي من الثوب لأنه يمكن أن يصلي بدونه‏.‏

مطلب في ستر العورة

‏(‏قوله والرابع ستر عورته‏)‏ أي ولو بما لا يحل لبسه كثوب حرير وإن أثم بلا عذر، كالصلاة في الأرض المغصوبة، وسيذكر شروط الستر والساتر ‏(‏قوله ووجوبه عام‏)‏ أي في الصلاة وخارجها ‏(‏قوله ولو في الخلوة‏)‏ أي إذا كان خارج الصلاة يجب الستر بحضرة الناس إجماعا وفي الخلوة على الصحيح‏.‏ وأما لو صلى في الخلوة عريانا ولو في بيت مظلم وله ثوب طاهر لا يجوز إجماعا كما في البحر‏.‏ ثم إن الظاهر أن المراد بما يجب ستره في الخلوة خارج الصلاة هو ما بين السرة والركبة فقط، حتى إن المرأة لا يجب عليها ستر ما عدا ذلك وإن كان عورة يدل عليه ما في باب الكراهية من القنية، حيث قال‏:‏ وفي غريب الرواية يرخص للمرأة كشف الرأس في منزلها وحدها فأولى لها لبس خمار رقيق يصف ما تحته عند محارمها ا هـ‏.‏ لكن هذا ظاهر فيما يحل نظره للمحارم أما غيره كبطنها وظهرها هل يجب ستره في الخلوة‏؟‏ محل نظر، وظاهر الإطلاق نعم فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله على الصحيح‏)‏ لأنه تعالى وإن كان يرى المستور كما يرى المكشوف لكنه يرى المكشوف تاركا للأدب والمستور متأدبا، وهذا الأدب واجب مراعاته عند القدرة عليه‏.‏ هذا، وما ذكره الزيلعي من أن عامتهم لم يشترطوا الستر عن نفسه فذاك في الصلاة كما يأتي بيانه عند ذكر المصنف له، فليس فيه تصحيح لخلاف ما هنا فافهم ‏(‏قوله إلا لغرض صحيح‏)‏ كتغوط واستنجاء‏.‏ وحكى في القنية أقوالا إلا في تجرده للاغتسال منفردا‏:‏ منها أنه يكره، ومنه أنه يعذر إن شاء الله، ومنها لا بأس به، ومنها يجوز في المدة اليسيرة، ومنها يجوز في بيت الحمام الصغير ‏(‏قوله وله لبس ثوب نجس إلخ‏)‏ نقله في البحر عن المبسوط، ثم ذكر أنه في البغية تلخيص القنية ذكر فيه خلافا‏.‏ قال ط‏:‏ ولم يتعرض لحكم تلويثه بالنجاسة‏.‏ والظاهر أنه مكروه لأنه اشتغال بما لا يفيد، وإذا كان مفسدا للثوب حرم، وما في ح لا يعول عليه ا هـ‏.‏ وقد مر في الاستنجاء كراهته بخرقة متقومة فبالثوب أولى، فتلويثه بلا حاجة أشد في الأولوية ‏(‏قوله للرجل‏)‏ احتراز عن المرأة الأمة والحرة، وعن الصبي كما سيأتي ‏(‏قوله ما تحت سرته‏)‏ هو ما تحت الخط الذي يمر بالسرة ويدور على محيط بدنه بحيث يكون بعده عن مواقعه في جميع جوانبه على السواء، كذا في البرجندي‏.‏ ا هـ‏.‏ إسماعيل؛ فالسرة ليست من العورة درر ‏(‏قوله إلى ما تحت ركبته‏)‏ نادما، لما قيل‏:‏ إن ‏(‏تحت‏)‏ من الظروف التي لا تتصرف حموي، فالركبة من العورة لرواية الدارقطني‏:‏ «ما تحت السرة إلى الركبة من العورة» لكنه محتمل، والاحتياط في دخول الركبة، ولحديث علي رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الركبة من العورة» وتمامه في شرح المنية ‏(‏قوله وشرط أحمد إلخ‏)‏ هو شرط عنده في صلاة الفرض لرواية الصحيحين‏:‏ «لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» وعندنا ستر المنكبين مستحب ‏(‏قوله ولو خنثى‏)‏ قال في النهر‏:‏ الخنثى المشكل الرقيق كالأمة، والحر كالحرة ‏(‏قوله أو مكاتبة‏)‏ ومثلها المستسعاة التي أعتق بعضها عند الإمام ح ‏(‏قوله مع ظهرها وبطنها‏)‏ البطن‏:‏ ما لان من المقدم، والظهر ما يقابله من المؤخر كذا في الخزائن‏.‏ وقال الرحمتي‏:‏ الظهر ما قابل البطن من تحت الصدر إلى السرة جوهرة‏:‏ أي فما حاذى الصدر ليس من الظهر الذي هو عورة‏.‏ ا هـ‏.‏ ومقتضى هذا أن الصدر وما قابله من الخلف ليس من العورة وأن الثدي أيضا غير عورة وسيأتي في الحظر والإباحة أنه يجوز أن ينظر من أمة غيره ما ينظر من محرمه، ولا شبهة أنه يجوز النظر إلى صدر محرمه وثديها، فلا يكون عورة منها ولا من الأمة، ومقتضى ذلك أنه لا يكون عورة في الصلاة أيضا، لكن في التتارخانية‏:‏ لو صلت الأمة ورأسها مكشوفة جازت بالاتفاق، ولو صلت وصدرها وثديها مكشوف لا يجوز عند أكثر مشايخنا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد يقال‏:‏ إن صدر الأمة عورة في الصلاة لا خارجها، لكنه مخالف للمذكور في عامة الكتب من الاقتصار على ذكر البطن والظهر، وقد مر تفسيرهما، ولا يخفى أن الصدر غيرهما فينبغي أن يكون المعتمد أنه ليس بعورة مطلقا ‏(‏قوله وأما جنبها‏)‏ مجرور في المتن، فجعله الشارح بإدخال أما مرفوعا على أنه مبتدأ وحينئذ فهو مفرد لا مثنى كما في بعض النسخ وإلا لقال الشارح وأما جنباها‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله فتبع لهما‏)‏ قال في القنية‏:‏ الجنب تبع البطن، ثم رمز وقال‏:‏ الأوجه أن ما يلي البطن تبع له، وما يلي الظهر تبع له ا هـ‏.‏ وقصد الشارح إصلاح عبارة المتن، فإن ظاهرها يشعر بأن الجنب عضو مستقل مع أنه تبع لغيره وتظهر ثمرة ذلك فيما يأتي، لكن ذكر في القنية أيضا قبل ما مر‏:‏ لو رفعت يديها للشروع في الصلاة فانكشف من كميها ربع بطنها أو جنبها لا يصح شروعها ا هـ‏.‏ ومقتضاها أن الجنب عضو مستقل، فهو قول آخر إلا أن تكون أو بمعنى الواو تأمل ‏(‏قوله كما قدرت‏)‏ أي فورا قبل أداء ركن بعمل قليل؛ وقيد بالقدرة، إذا لو عجزت عن الستر لم تبطل صلاتها كما في البحر ‏(‏قوله وإلا‏)‏ بأن سترت بعمل كثير أو بعد ركن لا تصح صلاتها بحر ‏(‏قوله على المذهب‏)‏ رد على الزيلعي تبعا للظهيرية حيث قيد الفساد بأداء ركن بعد العلم بالعتق، فإن كثيرا من فروع المذهب من نظائر هذه المسألة تدل على عدم اشتراط العلم كما بسطه في البحر ‏(‏قوله ينبغي إلخ‏)‏ أصل البحث لصاحب البحر، وأقره عليه أخوه صاحب النهر ‏(‏قوله كما رجحوه في الطلاق الدوري‏)‏ وهو أن يقول لامرأته‏:‏ إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا، فإذا نجز عليها طلاقا فقد وجد الشرط فيقع الثلاث قبله، ووقوعها قبله يقتضي عدم وقوعه، فالقول بوقوعه باطل؛ فإذا ألغينا القبلية صار كأنه قال إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا، فإذا طلق وقع عليها واحدة بتنجيزه وثنتان من الثلاث بتعليقه ح ‏(‏قوله حتى شعرها‏)‏ بالرفع عطفا على جميع ح ‏(‏قوله النازل‏)‏ أي عن الرأس، بأن جاوز الأذن، وقيد به إذا لا خلاف فيما على الرأس ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ صححه في الهداية والمحيط والكافي وغيرها، وصحح في الخانية خلافه مع تصحيحه لحرمة النظر إليه، وهو رواية المنتقى واختاره الصدر الشهيد، والأول أصح وأحوط كما في الحلية عن شرح الجامع لفخر الإسلام وعليه الفتوى كما في المعراج ‏(‏قوله فظهر الكف عورة‏)‏ قال في معراج الدراية ما نصه‏:‏ اعترض بأن استثناء الكف لا يدل على أن ظهر الكف عورة لأن الكف لغة يتناول الظاهر والباطن، ولهذا يقال ظهر الكف وأجيب بأن الكف عرفا واستعمالا لا يتناول ظهره ا هـ‏.‏ فظهر أن التفريع مبني على الاستعمال العرفي لا اللغوي فافهم ‏(‏قوله على المذهب‏)‏ أي ظاهر الرواية‏.‏ وفي مختلفات قاضي خان وغيرها أنه ليس بعورة، وأيده في شرح المنية بثلاثة أوجه‏.‏ وقال‏:‏ فكان هو الأصح وإن كان غير ظاهر الرواية، وكذا أيده في الحلية، وقال‏:‏ مشى عليه في المحيط وشرح الجامع لقاضي خان‏.‏ ا هـ‏.‏ واعتمده الشرنبلالي في الإمداد ‏(‏قوله على المعتمد‏)‏ أي من أقوال ثلاثة مصححة، ثانيها عورة مطلقا، ثالثها عورة خارج الصلاة لا فيها‏.‏ أقول‏:‏ ولم يتعرض لظهر القدم‏.‏ وفي القهستاني عن الخلاصة‏:‏ اختلفت الروايات في بطن القدم ا هـ‏.‏ وظاهره أنه لا خلاف في ظاهره، ثم رأيت في مقدمة المحقق ابن الهمام المسماة بزاد الفقير قال بعد تصحيح أن انكشاف ربع القدم مانع، ولو انكشف ظهر قدمها لم تفسد، وعزاه المصنف التمرتاشي في شرحها المسمى إعانة الحقير إلى الخلاصة، ثم نقل عن الخلاصة عن المحيط أن في باطن القدم روايتين، وأن الأصح أنه عورة ثم قال‏:‏ أقول‏:‏ فاستفيد من كلام الخلاصة أن الخلاف إنما هو في باطن القدم؛ وأما ظاهره فليس بعورة بلا خلاف ولهذا جزم المصنف بعدم الفساد بانكشافه، لكن في كلام العلامة قاسم إشارة إلى أن الخلاف ثابت فيه أيضا، فإنه قال بعد نقله‏:‏ إن الصحيح أن انكشاف ربع القدم يمنع الصلاة، قال لأن ظهر القدم محل الزينة المنهي عن إبدائها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن‏}‏ ا هـ‏.‏ كلام المصنف ‏(‏قوله وصوتها‏)‏ معطوف على المستثنى يعني أنه ليس بعورة ح ‏(‏قوله على الراجح‏)‏ عبارة البحر عن الحلية أنه الأشبه‏.‏ وفي النهر وهو الذي ينبغي اعتماده‏.‏ ومقابله ما في النوازل‏:‏ نغمة المرأة عورة، وتعلمها القرآن من المرأة أحب‏.‏ قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء» فلا يحسن أن يسمعها الرجل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الكافي‏:‏ ولا تلبي جهرا لأن صوتها عورة، ومشى عليه في المحيط في باب الأذان بحر‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وعلى هذا لو قيل إذا جهرت بالقراءة في الصلاة فسدت كان متجها، ولهذا منعها عليه الصلاة والسلام من التسبيح بالصوت لإعلام الإمام بسهوه إلى التصفيق ا هـ‏.‏ وأقره البرهان الحلبي في شرح المنية الكبير، وكذا في الإمداد؛ ثم نقل عن خط العلامة المقدسي‏:‏ ذكر الإمام أبو العباس القرطبي في كتابه في السماع‏:‏ ولا يظن من لا فطنة عنده أنا إذا قلنا صوت المرأة عورة أنا نريد بذلك كلامها، لأن ذلك ليس بصحيح، فإذا نجيز الكلام مع النساء للأجانب ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك، ولا نجيز لهن رفع أصواتهن ولا تمطيطها ولا تليينها وتقطيعها لما في ذلك من استمالة الرجال إليهن وتحريك الشهوات منهم، ومن هذا لم يجز أن تؤذن المرأة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويشير إلى هذا تعبير النوازل بالنغمة ‏(‏قوله وذراعيها‏)‏ معطوف على المستثنى ح ‏(‏قوله على المرجوح‏)‏ قال في المعراج عن المبسوط‏:‏ وفي الذراع روايتان والأصح أنها عورة‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ وصحح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها والمذهب ما في المتون لأنه ظاهر الرواية‏.‏

‏(‏قوله وتمنع المرأة إلخ‏)‏ أي تنهى عنه وإن لم يكن عورة ‏(‏قوله بل لخوف الفتنة‏)‏ أي الفجور بها قاموس أو الشهوة‏.‏ والمعنى تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة ‏(‏قوله كمسه‏)‏ أي كما يمنع الرجل من مس وجهها وكفها وإن أمن الشهوة إلخ‏.‏ قال الشارح في الحظر والإباحة‏:‏ وهذا في الشابة، أما العجوز التي لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إن أمن‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم كان المناسب في التعبير ذكر مسألة المس بعد مسألة النظر، بأن يقول‏:‏ ولا يجوز النظر إليه بشهوة كمسه وإن أمن الشهوة إلخ لأن كلا من النظر والمس مما يمنع الرجل عنه، والكلام فيما تمنع هي عنه ‏(‏قوله لأنه أغلظ‏)‏ أي من النظر وهو علة لمنع المس عند أمن الشهوة أي بخلاف النظر فإنه عند الأمن لا يمنع ط ‏(‏قوله ثبت به‏)‏ أي بالمس المقارن للشهوة، بخلاف النظر لغير الفرج الداخل، فلا تثبت به حرمة المصاهرة مطلقا ط

‏(‏قوله ولا يجوز النظر إليه بشهوة‏)‏ أي إلا لحاجة كقاض أو شاهد بحكم أو يشهد عليها لا لتحمل الشهادة، وكخاطب يريد نكاحها فينظر ولو عن شهوة بنية السنة لا قضاء الشهوة، وكذا مريد شرائها أو مداواتها إلى موضع المرض بقدر الضرورة كما سيأتي في الحظر، والتقييد بالشهوة يفيد جوازه بدونها، لكن سيأتي في الحظر تقييده بالضرورة وظاهره الكراهة بلا حاجة داعية‏.‏ قال في التتارخانية‏:‏ وفي شرح الكرخي النظر إلى وجه الأجنبية الحرة ليس بحرام، ولكنه يكره لغير حاجة‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله بشهوة‏)‏ لم أر تفسيرها هنا، والمذكور في المصاهرة أنه فيمن ينتشر بالانتشار أو زيادته إن كان موجودا، وفي المرأة والفاني بميل القلب‏.‏ والذي تفيده عبارة مسكين في الحظر أنها ميل القلب مطلقا، ولعله الأنسب هنا‏.‏ ا هـ‏.‏ ط‏.‏ قلت‏:‏ يؤيده ما في القول المعتبر في بيان النظر لسيدي عبد الغني بيان الشهوة التي هي مناط الحرمة أن يتحرك قلب الإنسان ويميل بطبعه إلى اللذة، وربما انتشرت آلته إن كثر ذلك الميلان؛ وعدم الشهوة أن لا يتحرك قلبه إلى شيء من ذلك بمنزلة من نظر إلى ابنه الصبيح الوجه وابنته الحسناء ا هـ‏.‏ وسيأتي تمام الكلام على ذلك في كتاب الحظر والإباحة‏.‏