فصل: باب الربا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب الربا

لما فرغ من المرابحة وما يتبعها من التصرف في المبيع ونحو ذلك من القرض وغيره ذكر الربا، لأن في كل منهما زيادة إلا أن تلك الزيادة حلال، وهذه حرام والحل هو الأصل في الأشياء والربا بكسر الراء وفتحها خطأ مقصور على الأشهر ويثنى ربوان بالواو على الأصل وقد يقال ربيان على التخفيف كما في المصباح والنسبة إليه ربوي بالكسر والفتح خطأ كما في المغرب ‏(‏قوله ولو حكما إلخ‏)‏ تبع فيه النهر لكنه لا يناسب تعريف المصنف فإنه قيده بكونه بمعيار شرعي وهذا لا يدخل فيه ربا النسيئة ولا البيع الفاسد، إلا إذا كان فساده لعلة الربا فالظاهر من كلام المصنف تعريف ربا الفضل، لأنه هو المتبادر عند الإطلاق، ولذا قال في البحر فضل أحد المتجانسين‏.‏ نعم هذا يناسب تعريف الكنز بقوله فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال ا هـ‏.‏ فإن الأجل في أحد العوضين فضل حكمي بلا عوض، ولما كان الأجل يقصد له زيادة العوض كما مر في المرابحة صح وصفه بكونه فضل مال حكما تأمل‏.‏ قال في الشرنبلالية‏:‏ ومن شرائط الربا عصمة البدلين، وكونهما مضمونين بالإتلاف فعصمة أحدهما وعدم تقومه لا يمنع فشراء الأسير أو التاجر مال الحربي أو المسلم الذي لم يهاجر بجنسه متفاضلا جائز، ومنها أن لا يكون البدلان مملوكين لأحد المتبايعين كالسيد مع عبده، ولا مشتركين فيهما بشركة عنان أو مفاوضة كما في البدائع ا هـ‏.‏ وسيأتي بيان هذه المسائل آخر الباب ‏(‏قوله والبيوع الفاسدة إلخ‏)‏ تبع فيه البحر عن البناية وفيه نظر فإن كثيرا من البيوع الفاسدة ليس فيه فضل خال عن عوض كبيع ما سكت فيه عن الثمن، وبيع عرض بخمر أو بأم ولد فتجب القيمة ويملك بالقبض، وكذا بيع جذع من سقف وذراع من ثوب يضره التبعيض، وثوب من ثوبين والبيع إلى النيروز ونحوه ذلك مما سبب الفساد فيه الجهالة، أو الضرر أو نحو ذلك نعم يظهر ذلك في الفساد بسبب شرط فيه نفع لأحد العاقدين مما لا يقتضيه العقد، ولا يلائمه ويؤيد ذلك ما في الزيلعي قبيل باب الصرف في بحث ما يبطل بالشرط الفاسد حيث قال‏:‏ والأصل فيه أن كل ما كان مبادلة مال بمال يبطل بالشروط الفاسدة لا ما كان مبادلة مال بغير مال أو كان من التبرعات، لأن الشروط الفاسدة من باب الربا، وهو يختص بالمعاوضة المالية دون غيرها من المعاوضات والتبرعات، لأن الربا هو الفضل الخالي عن العوض، وحقيقة الشروط الفاسدة هي زيادة ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه فيكون فيه فضل خال عن العوض وهو الربا بعينه ا هـ‏.‏ ملخصا ‏(‏قوله فيجب رد عين الربا لو قائما لا رد ضمانه إلخ‏)‏ يعني وإنما يجب رد ضمانه لو استهلكه، وفي التفريع خفاء، لأن المذكور قبله أن البيع الفاسد من جملة الربا، وإنما يظهر لو ذكر قبله أن الربا من جملة البيع الفاسد، لأن حكم البيع الفاسد أنه يملك بالقبض ويجب رده لو قائما ورد مثله أو قيمته لو مستهلكا‏.‏

مطلب في الإبراء عن الربا

وذكر في البحر عن القنية ما حاصله‏:‏ أن شيخ صاحب القنية أفتى فيمن كان يشتري الدينار الرديء بخمسة دوانق ثم أبرأه غرماؤه عن الزائد بعد الاستهلاك بأنه يبرأ، ووافقه بعض علماء عصره، واستدل له بقول البزدوي‏:‏ إن من جملة صور البيع الفاسد جملة العقود الربوية يملك العوض فيها بالقبض وخالفه بعضهم قائلا إن الإبراء لا يعمل في الربا لأن رده لحق الشرع، وأيد صاحب القنية الأول بأن الزائد إذا ملكه القابض بالقبض واستهلكه وضمن مثله فلو لم يصح الإبراء ولزمه رد مثل ما استهلكه لا يرتفع العقد السابق بل يتقرر مفيدا للملك في الزائد، فلم يكن في رده فائدة نقض عقد الربا ليجب حقا للشرع، لأن الواجب حقا للشرع رد عين الربا لو قائما لا رد ضمانه ا هـ‏.‏ واستحسنه في النهر‏.‏ قلت‏:‏ وحاصله أن فيه حقين حق العبد وهو رد عينه لو قائما ومثله لو هالكا وحق الشرع وهو رد عينه لنقض العقد المنهي شرعا وبعد الاستهلاك لا يتأنى رد عينه فتعين رد المثل وهو محض حق العبد ويصح إبراء العبد عن حقه فقول ذلك البعض إن الإبراء لا يعمل في الربا لأن رده لحق الشرع إنما يصح قبل الاستهلاك والكلام فيما بعده‏.‏ ثم اعلم أن وجوب رد عينه لو قائما فيما لو وقع العقد على الزائد أما لو باع عشرة دراهم بعشرة دراهم وزاده دانقا وهبه منه فإنه لا يفسد العقد كما يأتي بيانه قريبا ‏(‏قوله خرج مسألة صرف الجنس بخلاف جنسه‏)‏ كبيع كر بر وكر شعير بكري بر وكري شعير، فإن للثاني فضلا على الأول لكنه غير خال عن العوض لصرف الجنس لخلاف جنسه والممنوع فضل المتجانسين ‏(‏قوله بمعيار شرعي‏)‏ متعلق بمحذوف صفة لفضل أو خال منه ولو أسقط هذا القيد لشمل التعريف ربا النساء، ويمكنه الاحتراز عن الذرع والعد بالتصريح بنفيه ‏(‏قوله فليس الذرع والعد بربا‏)‏ أي بذي ربا أو بمعيار ربا فهو على حذف مضاف أو الذرع والعد بمعنى المذروع والمعدود‏:‏ أي لا يتحقق فيهما ربا والمراد ربا الفضل لتحقق ربا النسيئة، فلو باع خمسة أذرع من الهروي بستة أذرع منه أو بيضة ببيضتين جاز لو يدا بيد لا لو نسيئة لأن وجود الجنس فقط يحرم النساء لا الفضل كوجود القدر فقط كما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله مشروط‏)‏ تركه أولى فإنه مشعر بأن تحقق الربا يتوقف عليه وليس كذلك والحد لا يتم بالعناية قهستاني فإن الزيادة بلا شرط ربا أيضا لا أن يهبها على ما سيأتي ‏(‏قوله أي بائع أو مشتر‏)‏ أي مثلا فمثلهما المقرضان والراهنان قهستاني قال‏:‏ ويدخل فيه ما إذا شرط الانتفاع بالرهن كالاستخدام والركوب والزراعة واللبس وشرب اللبن وأكل الثمر فإن الكل ربا حرام كما في الجواهر والنتف ا هـ‏.‏ ط ‏(‏قوله فلو شرط لغيرهما فليس بربا‏)‏ عزاه في البحر إلى شرح الوقاية وهذا مبني على ما حققناه من أن البيوع الفاسدة ليست كلها من الربا بل ما فيه شرط فاسد فيه نفع لأحد المتعاقدين فافهم‏.‏ ‏(‏قوله بل بيعا فاسدا‏)‏ عطف على محل خبر ليس ط، وهذا مبني على ما قدمه في باب البيع الفاسد من أن الأظهر الفساد بشرط النفع للأجنبي، وبه اندفع ما في حواشي مسكين ‏(‏قوله فليس الفضل في الهبة بربا‏)‏ أي وإن كان مشروطا ط عن الدر المنتقى أي كما لو قال وهبتك كذا بشرط أن تخدمني شهرا فإن هذا شرط فاسد لا تبطل الهبة به كما سيأتي قبيل الصرف، وظاهر ما هنا أنه لو خدمه لم يكن فيه بأس ‏(‏قوله فلو شرى إلخ‏)‏ تفريع على مفهوم قوله مشروط ‏(‏قوله وزاده دانقا‏)‏ أي ولو لم يكن مشروطا في الشراء كما هو في عبارة الذخيرة المنقول عنها، فلو مشروطا وجب رده لو قائما كما مر عن القنية‏.‏ ثم إن قوله وزاده بضمير المذكور يفيد أن الزيادة مقصودة وذكر ح أن الذي في المنح زادت بالتاء أي زادت الدراهم ومفاده أن الزيادة غير مقصودة لكن الذي رأيته في المنح عن الذخيرة بدون تاء وكذا في البحر عنها وكذا رأيته في الذخيرة أيضا فافهم ‏(‏قوله وهذا‏)‏ أي انعدام الربا بسبب الهبة إن ضرها أي الدراهم الكسر فلو لم يضرها الكسر لم تصح الهبة إلا بقسمة الدانق وتسليمه لإمكان القسمة ‏(‏قوله وفي صرف المجمع إلخ‏)‏ قال في الذخيرة من الفصل الرابع في الحط عن بدل الصرف والزيادة فيه سوى أبو حنيفة بين الحط والزيادة فحكم بصحتها والتحاقهما بأصل العقد وبفساد العقد بتسميتها، وكذا أبو يوسف سوى بينهما أي فأبطلهما ولم يجعل شيئا منهما هبة مبتدأة، ومحمد فرق بينهما فصحح الحط هبة مبتدأة دون الزيادة‏.‏ والفرق أن في الحط معنى الهبة لأن المحطوط يصير ملكا للمحطوط عنه بلا عوض، بخلاف الزيادة إذ لو صحت تلتحق بأصل العقد، وبأخذ حصة من البيع والهبة تمليك بلا عوض، والتمليك بلا عوض لا يصح كناية عن التمليك بعوض فلذا افترقا ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وتوضيحه أن الحط إسقاط بلا عوض فيجعل كناية عن الهبة لأنها تمليك بلا عوض أيضا، بخلاف الزيادة فإنها تكون مع باقي الثمن عوضا عن المبيع، فكانت تمليكا بعوض فلا يصح جعلها كناية عن الهبة فلذا أبطلها ‏(‏قوله كحط كل الثمن‏)‏ وجه الشبه أن حط كل الثمن لو لم يجعل هبة مبتدأة التحق بأصل العقد فأفسده لبقائه بلا ثمن وكذا الحط هنا فإنه لو التحق يفوت التماثل ويفسد العقد فلذا جعل هبة مبتدأ ‏(‏قوله والفرق بينهما خفي عندي‏)‏ قد أسمعناك الفرق وقال ح‏:‏ قال الشيخ قاسم‏:‏ ولكنه ظاهر عندي، لأن من الحط ما يمكن أن لا يلحق بأصل العقد ويجعل هبة مبتدأة بالاتفاق وهو حط جميع الثمن فكان البعض كالكل بخلاف الزيادة فإنها لا تكون إلا ملحقة بالعقد وبذلك يفوت التساوي ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله قال وفي الخلاصة إلخ‏)‏ أي قال ابن مالك ناقلا عن الخلاصة ما يفيد عدم الفرق بين الحط والزيادة فإن قول الخلاصة فحلله أي وهبه زيادته جاز يفيد ذلك ‏(‏قوله قلت إلخ‏)‏ استدراك على المجمع وتأييد لكلام شارحه ابن مالك ‏(‏قوله صريح في عدم الفرق بينهما‏)‏ أي بين الزيادة والحط فإن ما قدمه من قوله إن وهبه منه انعدم الربا صريح في أن زيادة الدانق صحيحة عند محمد فينافي قول المجمع إنه أجاز الحط وأبطل الزيادة‏.‏ أقول‏:‏ والذي يظهر لي أن ما قدمه الشارح عن الذخيرة عن محمد صريح في الفرق بينهما لا في عدمه، لأن قوله إن وهبه منه انعدم الربا صريح في أن الزيادة بدون الهبة باطلة لأن الحط والزيادة في الثمن أو في المبيع غير الهبة ولذا يلتحقان بالعقد كما تقدم قبل فصل القرض، فإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم ودفع خمسة عشر، فإن جعل الخمسة زيادة في الثمن وقبل البائع ذلك في المجلس صح والتحقت بأصل العقد إن كان المبيع قائما، وإن جعل الخمسة هبة لم تصر زيادة في الثمن‏.‏ بل تكون هبة مبتدأة فيراعى لها شروط الهبة‏.‏ من الإفراز والتسليم سواء كان المبيع قائما أو لا إذا علمت ذلك ظهر لك أن ما قدمه عن الذخيرة ليس من باب الزيادة في الثمن أو في المبيع لأنه جعله هبة مبتدأة حتى اشترط لها شرط الهبة وهو قوله وهذا إن ضرها الكسر إلخ ومثله ما نقله ابن مالك عن الخلاصة، فهذا صريح في أنه لا يصح زيادة، وإنما يصح هبة بشروطها ولا مخالفة فيه لقول المجمع إن محمدا أبطل الزيادة‏.‏ والحاصل‏:‏ أن محمدا أجاز هنا الحط دون الزيادة لكنه يجعل الحط هبة مبتدأة لا حطا حقيقة لئلا يفسد العقد كما مر، وأما الزيادة فقد أبطلها لأنها لو التحقت بالعقد أفسدته، ولا يصح جعلها كناية عن الهبة لما مر فلذا بطلت إلا إذا وهبه الزيادة صريحا، ولذا قال في الذخيرة، وإنما جاز هذا الصرف، لأنه لو لم يجز إنما لم يجز لمكان الربا فإذا وهب الدانق منه فقد انعدم الربا ا هـ‏.‏ هكذا يجب أن يفهم هذا المحل فافهم، ثم لا يخفى أن هذا كله إذا لم تكن الزيادة مشروطة كما قدمناه عن الذخيرة، فلو مشروطة ووقع العقد على الكل وجب نقض العقد لحق الشرع ولا تؤثر الهبة والإبراء إلا بعد الاستهلاك كما مر تحريره عن القنية ‏(‏قوله وعليه‏)‏ أي على ما فهمه من التنافي بين العبارات المذكورة، وعلمت عدمه وأن الزيادة إنما تصح إذا صرح بكونها هبة فتكون هبة بشروطها ومع عدم التصريح فهي باطلة وهو الذي في المجمع ‏(‏قوله فيفسد‏)‏ لأن الزيادة والحط يصحان عنده على حقيقتهما لا بمعنى الهبة وإذا صحا التحقا بأصل العقد فيفسد لعدم التساوي‏.‏

‏(‏قوله وعلته‏)‏ العلة لغة المرض الشاغل‏.‏ واصطلاحا ما يضاف إليه ثبوت الحكم بلا واسطة وتمامه في البحر ‏(‏قوله أي علة تحريم الزيادة‏)‏ كذا فسر الضمير في الفتح، وهو أولى من قول بعضهم‏:‏ أي علة الربا لأنه وإن كان هو المذكور سابقا لكنه يحتاج إلى تقدير مضاف وهو لفظ تحريم فافهم، وأراد بالزيادة الحقيقية كما في قوله بعده أي الزيادة، وأما كون المراد بها هنا ما يشمل الحكمية‏:‏ وهي الأجل ففيه أن المصنف لم يدخلها في التعريف كما بيناه، فالمتبادر إرادة الزيادة المعرفة وهي الحقيقية، وأيضا فإن قوله القدر مع الجنس يختص بالحقيقية، لأن علة الحكمية أحدهما كما بينه بعده فقد عرف الحقيقية، وبين علتها لكونها هي المتبادرة عند الإطلاق ثم ذكر علة الحكمية تتميما للفائدة فافهم ‏(‏قوله المعهود بكيل أو وزن‏)‏ أشار إلى ما في الحواشي السعدية من أن أل في القدر للعهد، وبه اندفع ما في الفتح من اعتراضه على الهداية بشموله الذرع والعد، لكن الأولى أن يقول وعلته الكيل أو الوزن لكونه أوضح ولئلا يرد ما نذكره عن ابن كمال‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

‏:‏ ما ينسب إلى الرطل فهو وزني قال في الهداية‏:‏ معناه ما يباع بالأواقي لأنها قدرت بطريق الوزن حتى يحتسب ما يباع بها وزنا بخلاف سائر المكاييل ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وليس المراد بالرطل والأواقي معناهما المتعارف بل المراد بالرطل كل ما يوزن به، وبالأواقي الأوعية التي يوضع فيها الدهن ونحوه، وتقدر بوزن خاص مثل كوز الزيت في زمننا فإنه يباع الزيت به ويحسب بالوزن هكذا يفهم من كلامهم، وعليه فالأواقي جمع واقية من الوقاية وهي الحفظ، لأنها يحفظ بها المائع ونحوه لتعسر وضعه في الميزان بدونها، ولذا قال الخير الرملي فعلى هذا الزيت والسمن والعسل ونحوها موزونات وإن كيلت بالمواعين لاعتبار الوزن فيها ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله بالمد‏)‏ أي مع فتح النون ‏(‏قوله فلم يجز إلخ‏)‏ ترك التفريع على الفضل لظهوره ط أي كبيع قفيز بر بقفيزين منه حالا ‏(‏قوله متساويا‏)‏ أما إذا وجد التفاضل مع النساء فالحرمة للفضل أفاده ابن كمال ط ‏(‏قوله وأحدهما نساء‏)‏ أي ذو نساء والجملة حالية قال ط‏:‏ فلو كان كل نسيئة يحرم أيضا لأنه بيع الكالئ بالكالئ ابن كمال أي النسيئة بالنسيئة كمال‏.‏ ثم اعلم أن ذكر النساء للاحتراز عن التأجيل، لأن القبض في المجلس لا يشترط إلا في الصرف وهو بيع الأثمان بعضها ببعض أما ما عداه فإنما يشترط فيه التعيين دون التقابض كما يأتي ‏(‏قوله كهروي بمرويين‏)‏ الأولى أن يزيد نسيئة كما عبر في البحر وغيره ليكون مثالا لحل الفضل والنساء بسبب فقد القدر والجنس، فإن الثوب الهروي والثوب المروي بسكون الراء جنسان كما يعلم مما يأتي وليسا بمثل ولا موزون ‏(‏قوله لعدم العلة إلخ‏)‏ لأن عدم العلة وإن كان لا يوجب الحكم لكن إذا اتحدت العلة لزم من عدمها العدم لا بمعنى أنها تؤثر العدم بل لا يثبت الوجود لعدم علته فيبقى عدم الحكم وهو عدم الحرمة فيما نحن فيه على عدمه الأصلي وإذا عدم سبب الحرمة والأصل في البيع مطلقا الإباحة إلا ما أخرجه الدليل كان الثابت الحل فتح ‏(‏قوله أي القدر وحده‏)‏ كالحنطة بالشعير ‏(‏قوله أو الجنس‏)‏ أي وحده كالهروي بهروي مثله ‏(‏قوله حل الفضل إلخ‏)‏ فيحل كر بر بكري شعير حالا وهروي بهرويين حالا، ولو مؤجلا لم يحل‏.‏ والحاصل‏:‏ كما في الهداية أن حرمة ربا الفضل بالوصفين وحرمة النساء بأحدهما ‏(‏قوله ولو مع التساوي‏)‏ مبالغة على قوله حرم النساء فقط ح ‏(‏قوله لوجود الجنسية‏)‏ فيه أن علة الحكم هنا عدم قبول العبد التأجيل لا وجود الجنسية فلو مثل ببيع هروي بمثله لكان أولى ح ‏(‏قوله واستثنى في المجمع إلخ‏)‏ وكذا في الهداية حيث قال‏:‏ إلا أنه إذا أسلم النقود في الزعفران ونحوه‏:‏ أي كالقطن والحديد والنحاس يجوز إلخ قال في الفتح‏:‏ فإن الوزن فيها مختلف فإنه في النقود بالمثاقيل والدراهم بالصنجات، وفي الزعفران بالأمناء والقبان، وهذا اختلاف في الصورة بينهما وبينهما اختلاف آخر معنوي، وهو أن النقود لا تتعين والزعفران وغيره يتعين‏.‏ وآخر حكمي، وهو أنه لو باع النقود موازنة وقبضها كان له بيعها قبل الوزن وفي الزعفران ونحوه يشترط إعادة الوزن، فإذا اختلفا أي النقود ونحوه الزعفران في الوزن صورة ومعنى وحكما لم يجمعهما القدر من كل وجه ثم ضعف في الفتح هذه الفروق، وقال‏:‏ إن الوجه أن يستثنى إسلام النقود في الموزونات بإجماع كي لا ينسد أكثر أبواب السلم، وسائر الموزونات غير النقد لا يجوز أن تسلم في الموزونات وإن اختلفت أجناسها كإسلام حديد في قطن وزيت في جبن وغير ذلك إلا إذا خرج من أن يكون وزنيا بالصنعة إلا في الذهب والفضة، فلو أسلم سيفا فيما يوزن جاز إلا في الحديد، لأن السيف خرج من أن يكون موزونا ومنعه في الحديد لاتحاد الجنس، وكذا يجوز بيع إناء من غير النقدين بمثله من جنسه يدا بيد نحاسا كان أو حديدا، أو إن كان أحدهما أثقل من الآخر، بخلافه من الذهب والفضة فإنه يجري بالفضل وإن كانت لا تباع وزنا لأن الوزن منصوص عليه فيهما فلا يتغير بالصنعة فلا يخرج عن الوزن بالعادة ‏(‏قوله ونقل ابن الكمال‏)‏ عبارة ابن الكمال وعلته الكيل أو الوزن مع الجنس لم يقل القدر مع الجنس، لأن القدر مشترك بين المكيل والموزون، فعلى تقدير ما ذكر يلزم أن لا يجوز إسلام الموزون في المكيل، لأن أحد الوصفين محرم للنساء وقد نص على جواز إسلام الحنطة في الزيت ا هـ‏.‏ وكتب في الهامش إن المسألة مذكورة في غاية البيان ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وحاصل ما ذكره أنه لو عبر بالقدر ثم قال وإن وجد أحدهما إلخ، لأفاد تحريم إسلام الموزون في المكيل لأنه قد وجد القدر وإن كان مختلفا بخلاف ما لو عبر بالكيل أو الوزن‏:‏ أي بأو التي لأحد الشيئين فإنه لا يشمل القدر المختلف لكن فيه أن لفظ القدر مشترك كما قال‏:‏ ولا يجوز استعماله في كلام معنييه عندنا فإذا ذكر لا بد أن يراد منه إما الكيل وحده أو الوزن وحده، فيساوي التعبير بالكيل أو الوزن إلا أن يدعي أن القدر مشترك معنوي لا لفظي تأمل ‏(‏قوله ومفاده‏)‏ أي مفاد ما ذكر من جواز إسلام منقود في موزون وإسلام الحنطة في الزيت فإنه قد وجد في الأول القدر المتفق وفي الثاني القدر المختلف فافهم ‏(‏قوله فليحرر‏)‏ تحريره ما أفاده عقبه من أن المراد بقولهم وعلته القدر هو القدر المتفق كبيع موزون بموزون أو مكيل بمكيل، بخلاف المختلف كبيع مكيل بموزون نسيئة فإنه جائز ويستثنى من الأول إسلام منقود في موزون للإجماع كما مر ‏(‏قوله وقد مر في السلم إلخ‏)‏ بيان لتحرير المراد لكن اعترض بأن السلم سيأتي بعد، هذا على نسخة فتنبه بالفاء، والأمر بالتنبيه وفي بعض النسخ قنية بالقاف اسم الكتاب المشهور، وصاحب القنية قدم السلم أول البيع فصح قوله وقد مر في السلم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

‏:‏ ما أفاده من أن حرمة النساء بالقدر المتفق مؤيد لما نقله ابن كمال من جواز إسلام الحنطة في الزيت لاختلاف القدر لكون الحنطة مكيلا والزيت موزونا‏.‏ وبقي ما لو أسلم الحنطة في شعير وزيت أي في مكيل وموزون، وقد نص في كافي الحاكم على أنه لا يجوز عندهما ويجوز عند محمد في حصة الزيت‏.‏

‏(‏قوله متفاضلا‏)‏ أي ونسيئة وتركه لفهمه لزوما فإنه كلما حرم الفضل حرم النساء ولا عكس وكلما حل النساء حل الفضل ولا عكس ‏(‏قوله خلافا للشافعي‏)‏ فإنه جعل العلة الطعم والثمنية فما ليس بمطعوم ولا ثمن فليس بربوي ‏(‏قوله كيلي‏)‏ قيد به احترازا عما إذا اصطلح الناس على بيعه جزافا فإن التفاضل فيه جائز، ومثله قوله وزني فإنه احتراز عما إذا لم يتعارفوا وزنه أو عن بعض أنواعه كالسيف ا هـ‏.‏ ح أي فإن السيف خرج بالصنعة عن كونه وزنيا فيحل بيعه بجنسه متفاضلا بشرط الحول كما مر ‏(‏قوله ثم اختلاف الجنس إلخ‏)‏ الأولى ذكر هذا عند قوله قبله وإن عدما إلخ لأنه لا ذكر هنا لاختلاف الجنس إلا أن يقال‏:‏ إن قوله بجنسه يستدعي معرفة ما يختلف به الجنس ليعلم ما يتحد به‏.‏ ‏(‏قوله كما بسطه الكمال‏)‏ حيث قال بعدما تقدم فالحنطة والشعير جنسان، خلافا لمالك لأنهما مختلفان اسما ومعنى وإفراد كل عن الآخر في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير»‏)‏ يدل عليه وإلا قال الطعام بالطعام والثوب الهروي والمروي جنسان لاختلاف صنعة الثوب بها وكذا المروي المنسوج ببغداد وخراسان واللبد الأرمني والطالقاني جنسان والتمر كله جنس واحد والحديد والرصاص والشبة أجناس، وكذا غزل الصوف والشعر ولحم البقر والضأن والمعز والألية واللحم وشحم البطن أجناس ودهن البنفسج والجيري جنسان والأدهان المختلفة أصولها أجناس، ولا يجوز بيع رطل زيت غير مطبوخ برطل مطبوخ مطيب لأن الطيب زيادة ا هـ‏.‏ ملخصا، وسيذكر الشارح أن الاختلاف باختلاف الأصل أو المقصود أو بتبدل الصفة ويأتي بيانه ‏(‏قوله متماثلا‏)‏ الشرط تحقق ذلك عند العقد ففي الفتح لو تبايعا مجازفة ثم كيلا بعد ذلك، فظهرا متساويين لم يجز خلافا لزفر، لأن العلم بالمساواة عند العقد شرط الجواز ا هـ‏.‏ لكن ذكر في البحر أول كتاب الصرف عن السراج‏:‏ لو تبايعا ذهبا بذهب أو فضة بفضة مجازفة لم يجز فإن علم التساوي في المجلس وتفرقا عن قبض صح ا هـ‏.‏ فيحمل الأول على ما إذا علم التساوي بعد المجلس تأمل ‏(‏قوله لا متفاضلا‏)‏ صرح به وإن علم بالمقابلة بما قبله إشارة إلى أن المراد التماثل في القدر فقط لما قدمه في البيع الفاسد من أنه لا يصح بيع درهم بدرهم استويا وزنا وصفة لكونه غير مفيد تأمل ‏(‏قوله وبلا معيار شرعي‏)‏ قال في الفتح‏:‏ لما حصروا المعرف في الكيل والوزن أجازوا ما لا يدخل تحت الكيل مجازفة كتفاحة بتفاحتين وحفنة بحفنتين لعدم وجود المعيار المعروف للمساواة، فلم يتحقق الفضل، ولهذا كان مضمونا بالقيمة عند الإتلاف لا بالمثل ثم قال‏:‏ وهذا إذا لم يبلغ كل واحد من البدلين نصف صاع، فلو بلغه أحدهما لم يجز حتى لا يجوز بيع نصف صاع فصاعدا بحفنة ا هـ‏.‏ ثم رجح الحرمة مطلقا ويأتي بيانه ‏(‏قوله لم يقدر المعيار بالذرة‏)‏ وقال في البحر‏:‏ لو باع ما لا يدخل تحت الوزن، كالذرة من ذهب وفضة بما لا يدخل تحته جاز لعدم التقدير شرعا إذ لا يدخل تحت الوزن ا هـ‏.‏ وظاهر قوله كالذرة أنها غير قيد، ويؤيده قول المصنف وذرة من ذهب إلخ، فيشمل الذرتين والأكثر مما لا يوزن، والظاهر أن الحبة معيار شرعا نصف درهم بنصف إلا حبة كما سيأتي آخر الصرف، فقد اعتبروا الحبة مقدارا شرعيا‏.‏ وفي الفتح عن الأسرار‏:‏ ما دون الحبة من الذهب والفضة لا قيمة له ا هـ‏.‏ ومقتضاه أن ما دون الحبة حكم الذرة، فالمراد بالذرة هنا ما لا يبلغ حبة فافهم ‏(‏قوله كحفنة‏)‏ بفتح المهملة وسكون الفاء ملء الكفين كما في الصحاح والمقاييس، لكن في المغرب والقاموس والطلبة والنهاية ملء الكف قهستاني ‏(‏قوله ما لم يبلغ نصف صاع‏)‏ أي فإذا بلغ نصف صاع لم يصح بيعه بحفنة كما ذكرناه آنفا عن الفتح ‏(‏قوله وفلس بفلسين‏)‏ هذا عندهما وقال محمد‏:‏ لا يجوز، ومبنى الخلاف على أن الفلوس الرائجة أثمان، والأثمان لا تتعين بالتعيين، فصار عنده كبيع درهم بدرهمين‏.‏ وعندهما لما كانت غير أثمان خلقة بطلت ثمنيتها باصطلاح العاقدين، وإذا بطلت تتعين بالتعيين كالعروض وتمامه في الفتح ‏(‏قوله بأعيانهما‏)‏ أي بسبب تعين ذات البدلين ونقديتهما فالباء للسببية لا بمعنى مع كما ظن، فإنه حال ولم يجز تنكير صاحبها كما تقرر قهستاني‏.‏ قلت‏:‏ كون الباء للسببية بعيد، لأن قوله بأعيانهما شرط لصحة البيع لا سبب، وكونها بمعنى مع لا يلزم كونه حالا بل يجوز كونه صفة تأمل ‏(‏قوله إنه قيد في الكل‏)‏ المتبادر من كلام الفتح وغيره أنه قيد لقوله وفلس بفلسين‏.‏ وقد يقال يعلم أنه قيد للكل بالأولى لأنه إذا اشترط التعيين في مسألة الفلوس مع الاختلاف في بقائها أثمانا أولا ففي غيرها بالأولى، إذ لا خلاف في أن غيرها ليس أثمانا بل في حكم العروض فلا بد من تعينها تأمل ‏(‏قوله فلو كانا‏)‏ أي البدلان وهذا بيان المحترز قوله بأعيانهما ‏(‏قوله لم يجز اتفاقا‏)‏ قال في النهر بعده غير أن عدم الجواز عند انتفاء تعينهما باق وإن تقابضا في المجلس، بخلاف ما لو كان أحدهما فقط وقبض الدين فإنه يجوز كذا في المحيط ا هـ‏.‏ وحاصله‏:‏ أن الصور أربع ما لو كانا معينين، وهو مسألة المتن الخلافية وما إذا كانا غير معينين، فلا يصح اتفاقا مطلقا وما لو عين أحد البدلين دون الآخر وفيه صورتان، فإن قبض المعين منهما صح وإلا فلا وهذا مخالف لإطلاق المصنف الآتي في قوله باع فلوسا بمثلها ويأتي تمامه ‏(‏قوله وبيضة ببيضتين‏)‏ فيه أن هذا مما لم يدخله القدر الشرعي كالسيف والسيفين والإبرة والإبرتين، فجواز التفاضل لعدم دخول القدر الشرعي فيهما، ويحرم النساء لوجود الجنس ط والجواب أن قول المصنف‏.‏ وبلا معيار شرعي أعم من أن يكون مما يمكن تقديره بالمعيار الشرعي أولا فالعلة في الكل عدم القدر كما صرح به الزيلعي، وأفاده الشارح بعد فافهم ‏(‏قوله وسيف بسيفين إلخ‏)‏ لأنه بالصنعة خرج عن كونه وزنيا كما قدمناه عن الفتح ‏(‏قوله وإناء بأثقل منه‏)‏ أي إذا كان لا يباع وزنا لما في البحر عن الخانية باع إناء من حديد بحديد إن كان الإناء يباع وزنا تعتبر المساواة في الوزن وإلا فلا، وكذا لو كان الإناء من نحاس أو صفر باعه بصفر ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فيمتنع التفاضل‏)‏ أي وإن كانت لا تباع وزنا لأن صورة الوزن منصوص عليها في النقدين، فلا تتغير بالصنعة فلا تخرج عن الوزن بالعادة كما قدمناه عن الفتح ‏(‏قوله مما لا يدخل تحت الوزن‏)‏ بيان لقوله وذرة أشار به إلى ما قدمناه من أن الذرة غير قيد ‏(‏قوله بمثليها‏)‏ أي بمثلي الذرة وفي بعض النسخ بصيغة المفرد، والأولى أولى لموافقته لقوله حفنة بحفنتين إلخ ‏(‏قوله فجاز الفصل إلخ‏)‏ تفريع على جميع ما مر ببيان أن وجه جواز الفضل في هذه المذكورات كونها مقدرة شرعا وإن اتحد الجنس ففقدت إحدى العلتين، فلذا حل الفضل وحرم النساء، ولم يصرح المصنف باشتراط الحلول لعلمه مما سبق ‏(‏قوله حتى لو انتفى‏)‏ أي الجنس ‏(‏قوله فيحل‏)‏ الأولى إسقاط الفاء لأنه جواب لو ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي حالا ونسيئة ‏(‏قوله وصحح كما نقله الكمال‏)‏ مفاده أن الكمال نقل تصحيحه عن غيره مع أنه هو الذي بحث ما يفيد تصحيحه، فإنه ذكر ما مر من عدم التقدير شرعا بما دون نصف صاع، ثم قال‏:‏ ولا يسكن الخاطر إلى هذا بل يجب بعد التعليل بالقصد إلى صيانة أموال الناس تحريم التفاحة بالتفاحتين والحفنة بالحفنتين، أما إن كان مكاييل أصغر منها كما في ديارنا من وضع ربع القدح وثمن القدح المصري فلا شك، وكون الشرع لم يقدر بعض المقدرات الشرعية في الواجبات المالية كالكفارات وصدقة الفطر بأقل منه لا يستلزم إهدار التفاوت المتيقن، بل لا يحل بعد تيقن التفاضل مع تيقن تحريم إهداره‏.‏ ولقد أعجب غاية العجب من كلامهم هذا، وروى المعلى عن محمد أنه كره التمرة بالتمرتين وقال‏:‏ كل شيء حرم في الكثير فالقليل منه حرام ا هـ‏.‏ فهذا كما ترى تصحيح لهذه الرواية وقد نقل من بعده كلامه هذا وأقروه عليه كصاحب البحر والنهر والمنح والشرنبلالية والمقدسي‏.‏

‏(‏قوله كبر وشعير إلخ‏)‏ أي كهذه الأربعة والذهب والفضة فالكاف في الموضعين استقصائية كما في الدر المنتقى ‏(‏قوله ولا يتغير أبدا‏)‏ أي سواء وافقه العرف أو صار العرف بخلافه ‏(‏قوله ولو مع التساوي‏)‏ أي التساوي وزنا في الحنطة وكيلا في الذهب لاحتمال التفاضل بالعيار المنصوص عليه أما لو علم تساويهما في الوزن والكيل معا جاز ويكون المنظور إليه هو المنصوص عليه‏.‏

مطلب في أن النص أقوى من العرف

‏(‏قوله لأن النص إلخ‏)‏ يعني لا يصح هذا البيع وإن تغير العرف فهذا في الحقيقة تعليل لوجوب اتباع المنصوص قال في الفتح‏:‏ لأن النص أقوى من العرف لأن العرف جاز أن يكون على باطل كتعارف أهل زماننا في إخراج الشموع والسرج إلى المقابر ليالي العيد والنص بعد ثبوته لا يحتمل أن يكون على باطل، ولأن حجية العرف على الذين تعارفوه والتزموه فقط والنص حجة على الكل، فهو أقوى ولأن العرف إنما صار حجة بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وما لم ينص عليه‏)‏ كغير الأشياء الستة ‏(‏قوله حمل على العرف‏)‏ أي على عادات الناس في الأسواق لأنها أي العادة دالة على الجواز فيما وقعت عليه للحديث فتح ‏(‏قوله وعن الثاني‏)‏ أي عن أبي يوسف، وأفاد أن هذه رواية خلاف المشهور عنه ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي وإن كان خلاف النص، لأن النص على ذلك الكيل في الشيء أو الوزن فيه ما كان في ذلك الوقت إلا لأن العادة إذ ذاك كذلك وقد تبدلت فتبدل الحكم، وأجبت بأن تقريره صلى الله عليه وسلم إياهم على ما تعارفوا من ذلك بمنزلة النص منه عليه فلا يتغير بالعرف، لأن العرف لا يعارض النص كذا وجه ا هـ‏.‏ فتح ‏(‏قوله ورجحه الكمال‏)‏ حيث قال عقب ما ذكرنا‏:‏ ولا يخفى أن هذا لا يلزم أبا يوسف لأن قصاراه أنه كنصه على ذلك وهو يقول‏:‏ يصار إلى العرف الطارئ بعد النص بناء على أن تغير العادة يستلزم تغير النص، حتى لو كان صلى الله عليه وسلم حيا نص عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ وتمامه فيه‏.‏ وحاصله توجيه قول أبي يوسف أن المعتبر العرف الطارئ بأنه لا يخالف النص بل يوافقه، لأن النص على كيلية الأربعة، ووزنية الذهب والفضة مبني على ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم من كون العرف كذلك حتى لو كان العرف إذ ذاك بالعكس لورود النص موافقا له ولو تغير العرف في حياته صلى الله عليه وسلم لنص على تغير الحكم، وملخصه‏:‏ أن النص معلول بالعرف فيكون المعتبر هو العرف في أي زمن كان ولا يخفى أن هذا فيه تقوية لقول أبي يوسف فافهم‏.‏

مطلب في استقراض الدراهم عددا

‏(‏قوله وخرج عليه سعدي أفندي‏)‏ أي في حواشيه على العناية ولا يختص هذا بالاستقراض بل مثله البيع والإجارة إذ لا بد من بيان مقدار الثمن، أو الأجرة الغير المشار إليهما ومقدار الوزن لا يعلم بالعد كالعكس، وكذا قال العلامة البركوي في أواخر الطريقة المحمدية‏:‏ أنه لا حيلة فيها إلا التمسك بالرواية الضعيفة عن أبي يوسف‏.‏ لكن ذكر شارحها سيدي عبد الغني النابلسي ما حاصله‏:‏ أن العمل بالضعيف مع وجود الصحيح لا يجوز، ولكن نحن نقول إذا كان الذهب والفضة مضروبين، فذكر العد كناية عن الوزن اصطلاحا لأن لهما وزنا مخصوصا ولذا نقش وضبط والنقصان الحاصل بالقطع أمر جزئي لا يبلغ المعيار الشرعي، وأيضا فالدرهم المقطوع عرف الناس مقداره، فلا يشترط ذكر الوزن إذا كان العد دالا عليه وقع في بعض العبارات ذكر العد بدل الوزن حيث عبر في زكاة درر البحار بعشرين ذهبا وفي الكنز بعشرين دينارا بدل عشرين مثقالا ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وهو كلام وجيه، ولكن هذا ظاهر فيما إذا كان الوزن مضبوطا بأن لا يزيد دينار على دينار، ولا درهم على درهم، والواقع في زماننا خلافه فإن النوع الواحد من أنواع الذهب أو الفضة المضروبين قد يختلف في الوزن كالجهادي والعدلي والغازي من ضرب سلطان زماننا أيده الله، فإذا استقرض مائة دينار من نوع فلا بد أن يوفي بدلها مائة من نوعها الموافق لها في الوزن أو يوفي بدلها وزنا لا عددا، وأما بدون ذلك فهو ربا لأنه مجازفة والظاهر أنه لا يجوز على رواية أبي يوسف أيضا، لأن المتبادر مما قدمناه من اعتبار العرف الطارئ على هذه الرواية أنه لو تعورف تقدير المكيل بالوزن، أو بالعكس اعتبر، أما لو تعورف إلغاء الوزن أصلا كما في زماننا من الاقتصار على العدد بلا نظر إلى الوزن، فلا يجوز لا على الروايات المشهورة، ولا على هذه الرواية لما يلزم عليه من إبطال نصوص التساوي بالكيل أو الوزن المتفق على العمل بها عند الأئمة المجتهدين‏.‏ نعم إذا غلب الغش على النقود فلا كلام في جواز استقراضها عددا بدون وزن اتباعا للعرف، بخلاف بيعها بالنقود الخالصة، فإنه لا يجوز إلا وزنا كما سيأتي في كتاب الصرف إن شاء الله تعالى وتمام الكلام على هذه المسألة مبسوط في رسالتنا‏:‏ ‏"‏ نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف ‏"‏ فراجعها ‏(‏قوله وبيع الدقيق إلخ‏)‏ لا حاجة إلى استخراجه، فقد وجد في الغياثية عن أبي يوسف أنه يجوز استقراضه وزنا إذا تعارف الناس ذلك وعليه الفتوى ا هـ‏.‏ ط وفي التتارخانية‏:‏ وعن أبي يوسف يجوز بيع الدقيق واستقراضه وزنا إذا تعارف الناس ذلك استحسن فيه ا هـ‏.‏ ونقل بعض المحشين عن تلقيح المحبوبي أن بيعه وزنا جائز، لأن النص عين الكيل في الحنطة دون الدقيق ا هـ‏.‏ ومقتضاه أنه على قول الكل لأن ما لم يرد فيه نص يعتبر فيه العرف اتفاقا لكن سنذكر عن الفتح أن فيه روايتين وأنه في الخلاصة جزم برواية عدم الجواز ‏(‏قوله يعني بمثله‏)‏ المراد من التخريج على هذه الرواية بيع الدقيق وزنا بمثله احترازا عن بيعه وزنا بالدراهم، فإنه جائز اتفاقا كما في الذخيرة ونصه قال شيخ الإسلام، وأجمعوا على أن ما يثبت كيله بالنص إذا بيع وزنا بالدراهم يجوز وكذلك ما يثبت وزنه بالنص ‏(‏قوله وفي الكافي للفتوى على عادة الناس‏)‏ ظاهر البحر وغيره أن هذا في السلم ففي المنح عن البحر، وأما الإسلام في الحنطة وزنا ففيه روايتان والفتوى على الجواز لأن الشرط كونه معلوما، وفي الكافي الفتوى على عادة الناس ا هـ‏.‏ قال في النهر‏:‏ وقول الكافي‏:‏ الفتوى على عادة الناس يقضي أنهم لو اعتادوا أن يسلموا فيها كيلا وأسلم وزنا لا يجوز ولا ينبغي ذلك بل إذا اتفقا على معرفة كيل أو وزن ينبغي أن يجوز لوجود المصحح، وانتفاء المانع كذا في الفتح ا هـ‏.‏ والحاصل أن عدم جواز الوزن في الأشياء الأربعة المنصوص على أنها مكيلة إنما هو فيما إذا بيعت بمثلها بخلاف بيعها بالدراهم كما إذا أسلم دراهم في حنطة، فإنه يجوز تقديرها بالكيل أو الوزن، وظاهر الكافي وجوب اتباع العادة في ذلك، وما بحثه في الفتح ظاهر ويؤيده ما قدمناه آنفا عن الذخيرة ‏(‏قوله بحر وأقره المصنف‏)‏ الظاهر أن مراده بهذا تقوية كلام الكافي وأنه لم يرض بما ذكره في النهر عن الفتح لكن علمت ما يؤيده ‏(‏قوله والمعتبر تعيين الربوي في غير الصرف‏)‏ لأن غير الصرف يتعين بالتعين، ويتمكن من التصرف فيه، فلا يشترط قبضه كالثياب أي إذا بيع ثوب بخلاف الصرف، لأن القبض شرط فيه للتعيين، فإنه لا يتعين بدون القبض كذا في الاختيار وحاصله أن الصرف وهو ما وقع على جنس الأثمان ذهبا وفضة بجنسه أو بخلافه لا يحصل فيه التعيين إلا بالقبض فإن الأثمان لا تتعين مملوكة إلا به ولذا كان لكل من العاقدين تبديلها أما غير الصرف فإنه يتعين بمجرد التعيين قبل القبض ‏(‏قوله ومصوغ ذهب وفضة‏)‏ عطف خاص على عام، فإن المصوغ من الصرف كما سيصرح به الشارح في بابه وكأنه خصه بالذكر لدفع ما يتوهم من خروجه عن حكم الصرف بسبب الصنعة ‏(‏قوله حتى لو باع إلخ‏)‏ قال في البحر بيانه كما ذكره الإسبيجابي بقوله‏:‏ وإذا تبايعا كيليا بكيلي أو وزنيا بوزني كلاهما من جنس واحد أو من جنسين مختلفين، فإن البيع لا يجوز حتى يكون كلاهما عينا أضيف إليه العقد، وهو حاضر أو غائب بعد أن يكون موجودا في ملكه والتقابض قبل الافتراق بالأبدان، ليس بشرط لجوازه إلا في الذهب والفضة، ولو كان أحدهما عينا أضيف إليه العقد، والآخر دينا موصوفا في الذمة فإنه ينظر إن جعل الدين منهما ثمنا، والعين مبيعا جاز البيع بشرط أن يتعين الدين منهما قبل التفرق بالأبدان وإن جعل الدين منهما مبيعا لا يجوز، وإن أحضره في المجلس والذي ذكر فيه الباء ثمن وما لم يدخل فيه الباء مبيع‏.‏ وبيانه‏:‏ إذا قال بعتك هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيز حنطة جيدة أو قال‏:‏ بعت منك هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيز من شعير جيد فالبيع جائز لأنه جعل العين منهما مبيعا والدين الموصوف ثمنا، ولكن قبض الدين منهما قبل التفرق بالأبدان شرط، لأن من شرط جواز هذا البيع أن يجعل الافتراق عن عين بعين، وما كان دينا لا يتعين إلا بالقبض، ولو قبض الدين منهما ثم تفرقا جاز البيع قبض العين منهما أو لم يقبض ولو اشتريت منك قفيز حنطة جيدة بهذا القفيز من الحنطة أو قال‏:‏ اشتريت منك قفيزي شعير جيد بهذا القفيز من الحنطة، فإنه لا يجوز وإن أحضر الدين في المجلس، لأنه جعل الدين مبيعا فصار بائعا ما ليس عنده وهو لا يجوز ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله خلافا للشافعي في بيع الطعام‏)‏ أي كل مطعوم حنطة أو شعير أو لحم أو فاكهة فإنه يشترط فيه التقابض وتمامه في الفتح‏.‏

‏(‏قوله وجيد مال الربا ورديئه سواء‏)‏ أي فلا يجوز بيع الجيد بالرديء مما فيه الربا إلا مثلا بمثل لإهدار التفاوت في الوصف هداية ‏(‏قوله لا حقوق العباد‏)‏ عطف على مال الربا قال في المنح‏:‏ قيد بمال الربا، لأن الجودة معتبرة في حقوق العباد، فإذا أتلف جيدا لزمه مثله قدرا وجودة إن كان مثليا، وقيمته إن كان قيميا، ولكن لا تستحق أي الجودة بإطلاق عقد البيع، حتى لو اشترى حنطة أو شيئا فوجده رديئا بلا عيب لا يرده كما في البحر معزيا إلى صرف المحيط ا هـ‏.‏ ح‏:‏ أي لأن العيب هو العارض على أصل الخلقة والجودة أو الرداءة في الشيء أصل في خلقته بخلاف العيب العارض كالسوس في الحنطة أو عفنها فله الرد به لا بالرداءة إلا باشتراط الجودة كما قدمنا بيانه في خيار العيب‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

أراد بحقوق العباد ما ليس من الأموال الربوية‏:‏ أي ما لا يجمعها قدر وجنس ولا يتقيد ذلك بالإتلاف ولذا قال البيري قيد بالأموال الربوية لأن الجودة في غيرها لها قيمة عند المقابلة بجنسها كمن اشترى ثوبا جيدا بثوب رديء وزيادة درهم بإزاء الجودة كان ذلك جائزا كما في الذخيرة ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إلا في أربع إلخ‏)‏ فيه أن هذه الأربعة من حقوق العباد أيضا، وإن كان المراد من حقوق العباد خصوص الضمان عند التعدي فالمناسب أن يذكره مع الأربع ويقول‏:‏ إلا في خمس ثم إن الأولى ذكرها في البحر بحثا فإنه قال‏:‏ وتعتبر أي الجودة في الأموال الربوية في مال اليتيم فلا يجوز للوصي بيع قفيز حنطة جيدة بقفيز رديء وينبغي أن تعتبر في مال الوقف، لأنه كاليتيم ثم قال‏:‏ وفي حق المريض حتى تنفذ من الثلث، وفي الرهن القلب إذا انكسر عند المرتهن، ونقصت قيمته فإن المرتهن يضمن قيمته ذهبا ويكون رهنا عنده ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ والقلب بضم القاف وسكون اللام ما يلبس في الذراع من فضة جمعه قلبة كقرط وقرطة‏:‏ وهي الحلق في الأذن فإن كان من ذهب فهو السوار كما في البيري عن شرح التلخيص للخلاطي وقوله‏:‏ فإن المرتهن يضمن قيمته ذهبا أفاد به أن ضمان القيمة إنما يكون من خلاف جنسه إذ لو ضمن فضة‏:‏ وهي أكثر من وزنه بسبب الصياغة يلزم الربا ولو ضمن مثل وزنه يلزم إبطال حق المالك، ففي تضمينه القيمة من خلاف الجنس إعمال لحق الشرع، وحق العبد وليس هذا خاصا بقلب الرهن، بل مثله كل مثلي تعيب بغصب أو نحوه، فإنه يضمن بقيمته من خلاف جنسه كما قدمناه في باب خيار الشرط فيما لو كان الخيار للمشتري، وهلك في يده، ولا يلزم قبض القيمة قبل التفرق، لأنه صرف حكما لا حقيقة كما سنذكره في الصرف‏.‏ وبما قررناه علم أن استثناء هذه المسائل من إهدار الجودة بإثبات اعتبارها إنما هو لمراعاة حق العبد، لكن على وجه لا يؤدي إلى إبطال حق الشرع، فما قيل إنه يفهم من استثنائها أنه يجوز للوصي بيع قفيز جيد بقفيزين رديئين نظرا للجودة المعتبرة في مال اليتيم ونحوه من بقية المسائل، وهو خطأ للزوم الربا غير وارد، لأن المراد أنه لا يجوز إهدار الجودة في مال اليتيم ونحوه، حتى لا يجوز للوصي بيع قفيزه الجيد بقفيز رديء ولا يلزم من اعتبار أحد الحقين إهدار الحق الآخر فاغتنم تحقيق هذا المحل ‏(‏قوله فإن نقد أحدهما جاز إلخ‏)‏ نقل المسألة في البحر عن المحيط لكنه وقع فيه تحريف حيث قال‏:‏ وإن تفرقا بلا قبض أحدهما جاز وصوابه لم يجز كما عبر الشارح، ونبه عليه الرملي ثم إنه نقل في البحر قبله عن الذخيرة في مسألة بيع فلس بفلسين بأعيانهما أن محمدا ذكرها في صرف الأصل، ولم يشترط التقابض، وذكر في الجامع الصغير ما يدل على أنه شرط فمنهم من لم يصحح الثاني، لأن التقابض مع التعيين شرط في الصرف، وليس به ومنهم من صححه، لأن الفلوس لها حكم العروض من وجه، وحكم الثمن من وجه فجاز التفاضل للأول واشترط التقابض للثاني ا هـ‏.‏ وأنت خبير بأن لفظ التقابض يفيد اشتراطه من الجانبين فقوله‏:‏ فإن نقد أحدهما جاز قول ثالث لكن يتعين حمل ما في الأصل على هذا فلا يكون قولا آخر، لأن ما في الأصل لا يمكن حمله، على أنه لا يشترط التقابض، ولو من أحد الجانبين، لأنه يكون افتراقا عن دين بدين وهو غير صحيح‏.‏ فيتعين حمله على أنه لا يشترط منهما جميعا بل من أحدهما فقط‏.‏ فصار الحاصل أن ما في الأصل يفيد اشتراطه من أحد الجانبين، وما في الجامع اشتراطه منهما، ثم إن الذي مر اشتراط التعيين في البدلين أو أحدهما مع القبض في المجلس فلو غير معينين لم يصح وإن قبضا في المجلس فقوله لما مر فيه نظر‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

سئل الحانوتي عن بيع الذهب بالفلوس نسيئة‏.‏ فأجاب‏:‏ بأنه يجوز إذا قبض أحد البدلين لما في البزازية لو اشترى مائة فلس بدرهم يكفي التقابض من أحد الجانبين قال‏:‏ ومثله ما لو باع فضة أو ذهبا بفلوس كما في البحر عن المحيط قال‏:‏ فلا يغتر بما في فتاوى قارئ الهداية من أنه لا يجوز بيع الفلوس إلى أجل بذهب أو فضة لقولهم لا يجوز إسلام موزون في موزون وإلا إذا كان المسلم فيه مبيعا كزعفران والفلوس غير مبيعة بل صارت أثمانا ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ والجواب حمل ما في فتاوى قارئ الهداية، على ما دل عليه كلام الجامع من اشتراط التقابض من الجانبين فلا يعترض عليه بما في البزازية المحمول على ما في الأصل، وهذا أحسن مما أجاب به في صرف النهر من أن مراده بالبيع السلم والفلوس لها شبه بالثمن، ولا يصح السلم في الأثمان ومن حيث إنها عروض في الأصل اكتفي بالقبض من أحد الجانبين تأمل ‏(‏قوله فيجوز كيفما كان‏)‏ أي سواء كان اللحم من جنس ذلك الحيوان أو لا مساويا لما في الحيوان أو لا نهر ‏(‏قوله أما نسيئة فلا‏)‏ لأنها إن كانت في الحيوان أو في اللحم كان سلما، وهو في كل منهما غير صحيح نهر ‏(‏قوله وشرط محمد زيادة المجانس‏)‏ قال في النهر‏:‏ وقال محمد إن كان بغير جنسه كلحم البقر بالشاة الحية جاز كيفما كان، وإن كان بجنسه كلحم شاة بشاة حية فلا بد أن يكون اللحم المفرز أكثر من الذي في الشاة لتكون الشاة بمقابلة مثله من اللحم وباقي اللحم بمقابلة السقط ‏(‏قوله ولو باع مذبوحة بحية‏)‏ قال في النهر‏:‏ أما على قولهما فظاهر، وأما على قول محمد فلأنه لحم بلحم وزيادة اللحم في أحدهما مع سقطها بإزاء السقط ا هـ‏.‏ والظاهر أنه يقال ذلك في المذبوحة بالمذبوحة ط ‏(‏قوله وكذا المسلوختين‏)‏ أي وكذا بيع المسلوختين ففيه حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على إعرابه ‏(‏قوله عن السقط‏)‏ بفتحتين قال في الفتح المراد به ما لا يطلق عليه اسم اللحم كالكرش والمعلاق والجلد والأكارع ا هـ‏.‏

‏(‏قوله كرباس‏)‏ بكسر الكاف ثوب من القطن الأبيض قاموس ‏(‏قوله كيفما كان‏)‏ متساويا أو متفاضلا ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله لاختلافهما جنسا‏)‏ لأنه وإن اتحد الأصل فقد اختلفت الصفة كالحنطة والخبز، وذلك اختلاف جنس كما سيأتي، وعلله في الاختيار باختلاف المقصود والمعيار ‏(‏قوله في قول محمد‏)‏ وقال أبو يوسف لا يجوز إلا متساويا بحر وأفاد أن بيع الكرباس بالقطن لا خلاف فيه وبه صرح في الاختيار‏.‏ قلت‏:‏ لأن القطن يصير غزلا ثم يصير كرباسا فالغزل أقرب إلى القطن من الكرباس، فلذا ادعى أبو يوسف المجانسة بين الغزل والقطن لا بين الكرباس والقطن ‏(‏قوله وهو الأصح‏)‏ والفتوى عليه كما في الاختيار وفي البحر أنه الأظهر ‏(‏قوله وفي القنية‏)‏ أي عن أبي يوسف ‏(‏قوله لأنهما ليسا بموزونين‏)‏ أي بل أحدهما موزون فقط، وهو الغزل فلم يجمعهما القدر، فجاز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا وقوله‏:‏ ولا جنسين أي بل هما جنس واحد، لأنهما من أجزاء القطن فلذا، قيد بقوله يدا بيد، فيحرم النساء لاتحاد الجنس، ويظهر لي أن ما في القنية محمول على ثياب يمكن نقضها لكن لا تباع وزنا كما قيده آخرا، فيظهر اتحاد الجنس نظرا لما بعد النقض، وحينئذ فلا يخالف قول الشارح في بيع الكرباس بالقطن، لاختلافهما جنسا، لأن الكرباس بالنقض يعود غزلا لا قطنا فاختلاف الجنس بعد النقض في صورة بيع الكرباس بالقطن موجود، لأن القطن مع الغزل جنسان على ما هو الأصح بخلافه في صورة بيعه بالغزل، ويدل على هذا الحمل قوله في التتارخانية عن الغياثية ويجوز بيع الثوب بالغزل كيفما كان إلا ثوبا يوزن وينقص ا هـ‏.‏ فافهم‏.‏ ‏(‏قوله خلافا للعيني‏)‏ حيث قال وزنا وكأنه سبق قلم ح ‏(‏قوله في الحال‏)‏ متعلق بقول متماثلا ‏(‏قوله لا المآل‏)‏ بمد الهمزة أي لا يعتبر التماثل بعد الجفاف ‏(‏قوله خلافا لهما‏)‏ راجع لقوله أو بتمر وبقولهما قالت الأئمة الثلاثة أما بيع الرطب بالرطب، فهو جائز بالإجماع كما في النهر وغيره ‏(‏قوله لم يجز اتفاقا‏)‏ لأن المجازفة والوزن لا يعلم بهما المساواة كيلا، لأن أحدهما قد يكون أثقل من الآخر وزنا وهو أنقص كيلا أفاده ط ‏(‏قوله أو بزبيب‏)‏ فيه الاختلاف السابق، وقيل لا يجوز اتفاقا بحر وحكى في الفتح فيه قولين آخرين الجواز اتفاقا، والجواز عندهما بالاعتبار كالزيت بالزيتون ‏(‏قوله كذلك‏)‏ أي في الحال لا المآل ا هـ‏.‏ ح وهذا بالنظر إلى عبارة الشرح أما على عبارة المتن فالإشارة إلى قوله متماثلا فافهم ‏(‏قوله كتين ورمان‏)‏ وكمشمش وجوز وكمثرى وإجاص فتح‏.‏ ‏(‏قوله يباع رطبها برطبها إلخ‏)‏ بفتح الراء وسكون الطاء خلاف اليابس، وهذا تصريح بوجه الشبه المفاد من قوله وكذا، هذا على الخلاف المار بين الإمام وصاحبيه ‏(‏قوله بمثله‏)‏ أي رطبا برطب أو مبلولا بمبلول وقوله‏:‏ باليابس أي رطبا بيابس أو مبلولا بيابس، فالصور أربع كما في العناية ‏(‏قوله منقوع‏)‏ الذي في الهداية والدرر وغيرهما منقع وفي العزمية عن المغرب المنقع بالفتح لا غير من أنقع الزبيب في الخانية إذا ألقاه يبتل وتخرج منه الحلاوة ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله خلافا لمحمد‏)‏ راجع لما ذكر في قوله كبيع بر إلى هنا كما في الفتح، وذكر أيضا أن الأصل أن محمدا اعتبر المماثلة في أعدل الأحوال وهو المآل عند الجفاف وهما اعتبراها في الحال إلا أن أبا يوسف ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر، لحديث النهي عنه، ولا يلحق به إلا ما في معناه قال الحلواني الرواية محفوظة عن محمد أن بيع الحنطة المبلولة باليابسة إنما لا يجوز إذا انتفخت، أما إذا بلت من ساعتها يجوز بيعها باليابسة إذا تساويا كيلا‏.‏ ‏(‏قوله وفي العناية إلخ‏)‏ بيان لضابط فيما يجوز بيعه من المتجانسين المتفاوتين وما لا يجوز‏.‏ وأورد على الأصل للأول جواز بيع البر المبلول بمثله، وباليابس مع أن التفاوت بينهما بصنع العبد قال في الفتح‏:‏ وأجيب بأن الحنطة في أصل الخلقة رطبة وهي مال الربا إذ ذاك والبل بالماء يعيدها إلى ما هو أصل الخلقة فيها فلم يعتبر بخلاف القلي ‏(‏قوله فهو ساقط الاعتبار‏)‏ فيجوز البيع بشرط التساوي ‏(‏قوله كما سيجيء‏)‏ أي قريبا في قوله لا بيع البر بدقيق إلخ‏.‏

‏(‏قوله لحوم مختلفة‏)‏ أي مختلفة الجنس كلحم الإبل والبقر والغنم بخلاف البقر والجاموس والمعز والضأن ‏(‏قوله يدا بيد‏)‏ فلا يحل النساء لوجود القدر ‏(‏قوله ولبن بقر وغنم‏)‏ الأولى تقديمه على قوله بعضها ببعض، وفي نسخة ولبن بقر بغنم أي بلبن غنم وهذه النسخة أولى ‏(‏قوله باعتبار العادة‏)‏ أي باتخاذ الخل منه ‏(‏قوله وشحم بطن بألية أو لحم‏)‏ لأنها وإن كانت كلها من الضأن إلا أنها أجناس مختلفة لاختلاف الأسماء والمقاصد نهر قال ط فقوله بعد لاختلاف أجناسها يرجع إلى هذا أيضا ‏(‏قوله بالفتح‏)‏ أي فتح الهمزة وسكون اللام وتخفيف الياء المثناة التحتية ‏(‏قوله ببر أو دقيق‏)‏ لأن الخبز بالصنعة صار جنسا آخر، حتى خرج من أن يكون مكيلا والبر والدقيق مكيلان، فلم يجمعها القدر ولا الجنس حتى جاز بيع أحدهما بالآخر نسيئة بحر ويأتي تمامه قريبا ‏(‏قوله ولو منه‏)‏ أي ولو كان الدقيق من البر ‏(‏قوله وزيت مطبوخ بغير المطبوخ إلخ‏)‏ كذا في البحر‏.‏ وقال في الفتح واعلم أن المجانسة تكون باعتبار ما في الضمن فتمنع النسيئة كما في المجانسة العينية، وذلك كالزيت مع الزيتون والشيرج مع السمسم، وتنتفي باعتبار ما أضيف إليه، فيختلف الجنس مع اتحاد الأصل، حتى يجوز التفاضل بينهما كدهن البنفسج مع دهن الورد أصلهما واحد، وهو الزيت أو الشيرج فصار جنسين باختلاف ما أضيفا إليه من الورد أو البنفسج نظرا إلى اختلاف المقصود والغرض وعلى هذا قالوا لو ضم إلى الأصل ما طيبه دون الآخر جاز متفاضلا، حتى أجازوا بيع قفيز سمسم مطيب بقفيزين من غير المربى، وكذا رطل زيت مطيب برطلين من زيت لم يطيب فجعلوا الرائحة التي فيها بإزاء الزيادة على الرطل ا هـ‏.‏ ملخصا وتمامه فيه فراجعه وعلى هذا فقول الشارح وزيت مطبوخ إن أراد به المغلي لا يصح لأنه لا يظهر فيه اختلاف الجنس أو المطبوخ بغيره فلا يسمى زيتا فتعين أن المراد به المطيب، وأن صحة بيعه متفاضلا مشروطة بما إذ كانت الزيادة في غير المطيب لتكون الزيادة فيه بإزاء الرائحة التي في المطيب‏.‏ ‏(‏قوله أو وزنا‏)‏ المناسب إسقاطه لأنه يغني عنه قوله بعده كيف كان ولأن قول المصنف متفاضلا قيد لجميع ما مر ولذا قال الشارح لاختلاف أجناسها فافهم نعم وقع في النهر لفظ أو وزنا في محله حيث قال‏:‏ وصح أيضا بيع الخبز بالبر وبالدقيق متفاضلا في أصح الروايتين عن الإمام قيل‏:‏ هو ظاهر مذهب علمائنا الثلاثة، وعليه الفتوى عددا أو وزنا كيفما اصطلحوا عليه لأنه بالصنعة صار جنسا آخر والبر والدقيق مكيلان فانتفت العلتان ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لو اتحد‏)‏ كلحم البقر والجاموس والمعز والضأن، وكذا ألبانها نهر ‏(‏قوله إلا في لحم الطير‏)‏ فيجوز بيع الجنس الواحد منه كالسمان والعصافير متفاضلا فتح‏:‏ وفي القهستاني‏:‏ ولا بأس بلحوم الطير واحد باثنين يدا بيد كما في الظهيرية ‏(‏قوله حتى لو وزن‏)‏ أي واتحد جنسه لم يجز‏:‏ أي متفاضلا ‏(‏قوله أن الاختلاف‏)‏ أي اختلاف الجنس ‏(‏قوله باختلاف الأصل‏)‏ كخل الدقل مع خل العنب ولحم البقر مع لحم الضأن ‏(‏قوله أو المقصود‏)‏ كشعر المعز وصوف الغنم، فإن ما يقصد بالشعر من الآلات غير ما يقصد بالصوف بخلاف لحمهما ولبنهما، فإنه جعل جنسا واحدا كما مر لعدم الاختلاف أفاده في الفتح ‏(‏قوله أو بتبدل الصفة‏)‏ كالخبز مع الحنطة والزيت المطيب بغير المطيب، وعبارة الفتح وزيادة الصنعة بالنون والعين ‏(‏قوله وجاز الأخير‏)‏ وهو بيع خبز ببر أو دقيق ‏(‏قوله ولو الخبز نسيئة‏)‏ عبارة الدرر وبالنساء في الأخير فقط والشارح أخذ ذلك من قوله به يفتى لأنه إذا كان المتأخر هو البر جاز اتفاقا لأنه أسلم وزنيا في كيلي، والخلاف فيما إذا كان الخبز هو النسيئة فمعناه وأجازه أبو يوسف ط‏.‏ ‏(‏قوله والأحوط المنع إلخ‏)‏ قال في الفتح لكن يجب أن يحتاط وقت القبض بقبض الجنس المسمى، حتى لا يصير استبدالا بالسلم فيه قبل قبضه إذا قبض دون المسمى صفة، وإذا كان كذلك فالاحتياط في منعه، لأنه قل أن يأخذ من النوع المسمى خصوصا فيمن يقبض في كل يوم كذا كذا رغيفا ‏(‏قوله الأحسن إلخ‏)‏ أي في بيع الخبز بالبر نسيئة، ووجه كونه أحسن كون الخبز فيه ثمنا لا مبيعا، فلا يلزم فيه شروط السلم تأمل‏.‏ وأصل المسألة في الذخيرة حيث قال في السلم‏:‏ وإذا دفع الحنطة إلى خباز جملة، وأخذ الخبز مفرقا ينبغي أن يبيع صاحب الحنطة خاتما أو سكينا من الخباز بألف من الخبز مثلا، ويجعل الخبز ثمنا ويصفه بصفة معلومة حتى يصير دينا في ذمة الخباز، ويسلم الخاتم إليه، ثم يبيع الخباز الخاتم من صاحب الحنطة بالحنطة مقدار ما يريد الدفع ويدفع الحنطة، فيبقى له على الخباز الخبز الذي هو بمن هكذا قيل، وهو مشكل عندي قالوا إذا دفع دراهم إلى خباز فأخذ منه كل يوم شيئا من الخبز فكلما أخذ يقول هو على ما قاطعتك عليه ا هـ‏.‏ ما في الذخيرة‏.‏ قلت‏:‏ ولعل وجه الإشكال أن اشتراطهم أن يقول المشتري كلما أخذ شيئا هو على ما قاطعتك عليه ليكون بيعا مستأنفا على شيء متعين وهذا يقتضي أن الخبز لا يصح أن يكون دينا في الذمة، وإلا لم يحتج إلى أن يقول المشتري ذلك، ورأيت معزيا إلى خط المقدسي ما نصه أقول‏:‏ يمكن دفعه بأن الخبز هنا ثمن بخلاف التي قست عليها فتأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ بيانه أن المبيع هو المقصود من البيع، ولذا لم يجز بيع المعدوم إلا بشروط السلم، بخلاف الثمن، فإنه وصف يثبت في الذمة ولذا صح البيع مع عدم وجود الثمن لأن الموجود في الذمة وصف يطابقه الثمن لا عين الثمن كما حققه في الفتح من السلم على أن المقيس عليها لا يلزم فيها قول المشتري ذلك، لأنه لو أخذ شيئا وسكت ينعقد بيعا بالتعاطي‏.‏ نعم لو قال حين دفع الدراهم اشتريت منك كذا من الخبز وصار يأخذ كل يوم من الخبز يكون فاسدا والأكل مكروه، لأنه اشترى خبزا غير مشار إليه، فكان المبيع مجهولا كما قدمناه عن الولوالجية أول البيوع في مسألة بيع الاستجرار ‏(‏قوله وكذا عددا وعليه الفتوى‏)‏ هذا موجود في عبارة القهستاني عن المضمرات بهذا اللفظ، فمن نفى وجوده فيها فكأنه سقط من نسخة، ولعل وجه الإفتاء به مبني على الإفتاء بقول محمد الآتي في استقراضه عددا ‏(‏قوله وسيجيء‏)‏ أي قريبا متنا‏.‏

‏(‏قوله بدقيق أو سويق‏)‏ أي دقيق البر أو سويقه بخلاف دقيق الشعير أو سويقه فإنه يجوز لاختلاف الجنس أفاده في الفتح ‏(‏قوله هو المجروش‏)‏ أي الخشن وفي القهستاني وغيره السويق دقيق البر المقلي ولعله يجرش فلا ينافي ما قبله ‏(‏قوله ولا بيع دقيق بسويق‏)‏ أي كلاهما من الحنطة أو الشعير كما في الفتح فلو اختلف الجنس جاز ‏(‏قوله ولو متساويا‏)‏ تفسير للإطلاق ‏(‏قوله لعدم المسوى‏)‏ قال في الاختيار والأصل فيه‏:‏ أن شبهة الربا وشبهة الجنسية ملتحقة بالحقيقة في باب الربا احتياطا للحرمة، وهذه الأشياء جنس واحد نظرا إلى الأصل، والمخلص أي عن الربا هو التساوي في الكيل، وأنه متعذر لانكباس الدقيق في المكيال أكثر من غيره وإذا عدم المخلص حرم البيع‏.‏ ‏(‏قوله خلافا لهما‏)‏ هذا الخلاف في بيع الدقيق بالسويق كما هو صريح الزيلعي، فأجازاه لأنهما جنسان مختلفان، لاختلاف الاسم والمقصود ولا يجوز نسيئة لأن القدر يجمعهما ط وكذا اقتصر على ذكر الخلاف في هذه المسألة في الهداية وغيرها وفي شرح درر البحار ومنع اتفاقا أن يباع البر بأجزائه كدقيق وسويق ونخالة والدقيق بالسويق ممنوع عنده مطلقا وجوزاه مطلقا ‏(‏قوله متساويا كيلا‏)‏ نصب متساويا على الحال، وكيلا على التمييز، وهو تمييز نسبة مثل تصبب عرقا والأصل متساويا كيله فتح ‏(‏قوله إذا كانا مكبوسين‏)‏ لم يذكره في الهداية وغيرها بل عزاه في الذخيرة إلى ابن الفضل قال في الفتح وهو حسن، ثم قال‏:‏ وفي بيعه وزنا روايتان ولم يذكر في الخلاصة إلا رواية المنع، وفيها أيضا سواء كان أحد الدقيقين أخشن أو أدق وكذا بيع النخالة بالنخالة وبيع الدقيق المنخول بغير المنخول لا يجوز إلا مماثلا وبيع النخالة بالدقيق يجوز بطريق الاعتبار عند أبي يوسف بأن تكون النخالة الخالصة أكثر من التي في الدقيق‏.‏ ‏(‏قوله وحنطة مقلية بمقلية‏)‏ المقلي الذي يقلى على النار، وهو المحمص عرفا قال في الفتح‏:‏ واختلفوا فيه قيل يجوز إذا تساويا كيلا، وقيل‏:‏ لا وعليه عول في المبسوط ووجهه أن النار قد تأخذ في أحدهما أكثر من الآخر والأول أولى ا هـ‏.‏ ‏(‏قول ففاسد‏)‏ أي اتفاقا فتح ‏(‏قوله والسمسم‏)‏ بكسر السينين وحكي فتحهما ‏(‏قوله الشيرج‏)‏ بوزن جعفر ‏(‏قوله حتى يكون الزيت إلخ‏)‏ أي بطريق العلم فلو جهل أو علم أنه أقل أو مساو لا يجوز فالاحتمالات أربع، والجواز في أحدهما فتح وكتب بعضهم هنا أنه يؤخذ من نظائره في باب الصرف اشتراط القبض لكل من المبيع والثمن في المجلس بعد هذا الاعتبار خصوصا من تعليل الزيلعي بقوله لاتحاد الجنس بينهما معنى باعتبار ما في ضمنها، وإن اختلفا صورة فثبت بذلك شبهة المجانسة والربا يثبت بالشبهة ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفيه غفلة عما تقدم متنا من أن التقابض معتبر في الصرف أما غيره من الربويات فالمعتبر فيه التعيين وتعليل الزيلعي بالجنسية لوجوب الاعتبار وحرمة التفاضل بدونه فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله بالثفل‏)‏ بضم الثاء المثلثة ما استقر تحت الشيء من كدرة قاموس وغيره ‏(‏قوله كجوز بدهنه إلخ‏)‏ قال في الفتح وأظن أن لا قيمة لثفل الجوز إلا أن يكون بيع ‏"‏ بقشره فيوقد وكذا العنب لا قيمة لثفله فلا تشترط زيادة العصير على ما يخرج ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فسد بالزيادة‏)‏ ولا بد من المساواة لأن التراب لا قيمة له فلا يجعل بإزائه شيء منح ط‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

مثل ما ذكر في الوجوه الأربعة بيع شاة ذات لبن أو صوف بلبن أو صوف والرطب بالدبس والقطن بحبه والتمر بنواه وتمامه في القهستاني‏.‏

‏(‏قوله عند محمد‏)‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز وزنا لا عددا وقال أبو يوسف‏:‏ يجوز وزنا لا عددا وبه جزم في الكنز في الزيلعي أن الفتوى عليه ‏(‏قوله وعليه الفتوى‏)‏ وهو المختار لتعامل الناس وحاجاتهم إليه ط عن الاختيار وما عزاه الشارح إلى ابن مالك ذكره في التتارخانية أيضا كما قدمناه في فصل القرض ‏(‏قوله واستحسنه الكمال‏)‏ حيث قال ومحمد يقول‏:‏ قد أهدر الجبران تفاوته وبينهم يكون اقتراضه غالبا والقياس يترك بالتعامل، وجعل المتأخرون الفتوى على قول أبي يوسف وأنا أرى أن قول محمد أحسن ‏(‏قوله وبعكسه لا‏)‏ أي وإذا كان الرغيفان نقدا والرغيف نسيئة لا يجوز بحر ونهر عن المجتبى‏.‏ وهكذا رأيته في المجتبى فافهم‏.‏ وانظر ما وجه المسألتين وقال ط في توجيه الأولى‏.‏ لأنه عددي متفاوت، فيجعل الرغيف بمقابلة أحد الرغيفين، والأجل يجعل رغيفا حكما بمقابلة الرغيف الثاني مجتبى ا هـ‏.‏ ولم أره في المجتبى‏.‏ ويرد عليه أنه متى وجد الجنس حرم النساء كما مر في بيع تمرة بتمرتين، وأيضا التعليل بأنه عددي ط متفاوت يقتضي عدم الجواز، ولذا لما أجاز محمد استقراضه علله بإهدار التفاوت فكيف يجعل التفاوت علة الجواز، وعلله شيخنا بأن تأجيل الثمن جائز دون البيع، وفيه أن لا يظهر هذا في الكسيرات، والحاصل‏:‏ أنه مشكل ولذا قال السائحاني‏:‏ إن هذا الفرع خارج عن القواعد؛ لأن الجنس بانفراده محرم النساء فلا يعمل به حتى ينص على تصحيحه كيف وهو من صاحب المجتبى ‏(‏قوله كيف كان‏)‏ أي نقدا ونسيئة مجتبى‏.‏

‏(‏قوله ولا ربا بين السيد وعبده‏)‏ لأنه وما في يده لمولاه فلا يتحقق الربا لعدم تحقق البيع فتح ‏(‏قوله ولو مدبرا‏)‏ دخل أم الولد كما في الفتح ‏(‏قوله لا مكاتبا‏)‏ لأنه صار كالحر يدا وتصرفا في كسبه نهر ‏(‏قوله إذا لم يكن دينه مستغرقا‏)‏ وكذا إذا لم يكن عليه دين أصلا بالأولى فافهم ‏(‏قوله يتحقق الربا اتفاقا‏)‏ أما عند الإمام فلعدم ملكه لما في يد عبده المأذون المديون، وأما عندهما فلأنه إن لم يزل ملكه عما في يده، لكن تعلق بما في يده حق الغرماء فصار المولى كالأجنبي، فيتحقق الربا بينهما كما يتحقق بينه وبين مكاتبه فتح ‏(‏قوله التحقيق الإطلاق‏)‏ أي عن الشرط المذكور كما فعل في الكنز تبعا للمبسوط، وقد تبع المصنف الهداية ‏(‏قوله لا للربا بل لتعلق حق الغرماء‏)‏ لأنه أخذه بغير عوض ولو أعطاه العبد درهما بدرهمين لا يجب عليه الرد أي على المولى كما في صرف المحيط نهر‏.‏ ‏(‏قوله إذا تبايعا من مال الشركة‏)‏ الظاهر أن المراد إذا كان كل من البدلين من مال الشركة ما لو اشترى أحدهما درهمين من مال الشركة بدرهم من ماله مثلا فقد حصل للمشتري زيادة وهي حصة شريكه من الدرهم الزائد بلا عوض وهو عين الربا تأمل ‏(‏قوله ولا بين حربي ومسلم مستأمن‏)‏ احترز بالحربي عن المسلم الأصلي والذمي، وكذا عن المسلم الحربي إذا هاجر إلينا ثم عاد إليهم، فإنه ليس للمسلم أن يرابي معه اتفاقا كما يذكره الشارح، ووقع في البحر هنا غلط حيث قال‏:‏ وفي المجتبى مستأمن منا باشر مع رجل مسلما كان أو ذميا في دراهم أو من أسلم هناك شيئا من العقود التي لا تجوز فيما بيننا كالربويات وبيع الميتة جاز عندهما خلافا لأبي يوسف ا هـ‏.‏ فإن مدلوله جواز الربا بين مسلم أصلي مع مثله أو مع ذمي هنا، وهو غير صحيح لما علمته من مسألة المسلم الحربي، والذي رأيته في المجتبى هكذا مستأمن من أهل دارنا مسلما كان أو ذميا في دارهم أو من أسلم هناك باشر معهم من العقود التي لا تجوز إلخ وهي عبارة صحيحة فما في البحر تحريف فتنبه ‏(‏قوله ومسلم مستأمن‏)‏ مثله الأسير لكن له أخذ مالهم ولو بلا رضاهم كما مر في الجهاد‏.‏ ‏(‏قوله ولو بعقد فاسد‏)‏ أي ولو كان الربا بسبب عقد فاسد من غير الأموال الربوية كبيع بشرط كما حققناه فيما مر، وأعم منه عبارة المجتبى المذكورة وكذا قول الزيلعي، وكذا إذا تبايعا فيها بيعا فاسدا ‏(‏قوله ثمة‏)‏ أي في دار الحرب قيد به لأنه لو دخل دارنا بأمان فباع منه مسلم درهما بدرهمين لا يجوز اتفاقا ط عن مسكين ‏(‏قوله لأن ماله ثمة مباح‏)‏ قال في فتح القدير‏:‏ لا يخفى أن هذا التعليل إنما يقتضي حل مباشرة العقد إذا كانت الزيادة ينالها المسلم، والربا أعم من ذلك إذ يشمل ما إذا كان الدرهمان أي في بيع درهم بدرهمين من جهة المسلم ومن جهة الكافر‏.‏ وجواب المسألة بالحل عام في الوجهين وكذا القمار قد يفضي إلى أن يكون مال الخطر للكافر بأن يكون الغلب له، فالظاهر أن الإباحة بقيد نيل المسلم الزيادة، وقد ألزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم في حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظرا إلى العلة وإن كان إطلاق الجواب خلافه والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏ بالصواب ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويدل على ذلك ما في السير الكبير وشرحه حيث قال‏:‏ وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان، فلا بأس بأن يأخذ منهم أموالهم بطيب أنفسهم بأي وجه كان لأنه إنما أخذ المباح على وجه عرى عن الغدر فيكون ذلك طيبا له والأسير والمستأمن سواء حتى لو باعهم درهما بدرهمين أو باعهم ميتة بدراهم أو أخذ مالا منهم بطريق القمار فذلك كله طيب له ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ فانظر كيف جعل موضوع المسألة الأخذ من أموالهم برضاهم، فعلم أن المراد من الربا والقمار في كلامهم ما كان على هذا الوجه وإن كان اللفظ عاما لأن الحكم يدور مع علته غالبا ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي ولو بعقد فاسد ط ‏(‏قوله بلا غدر‏)‏ لأنه لما دخل دارهم بأمان، فقد التزم أن لا يغدرهم وهذا القيد لزيادة الإيضاح، لأن ما أخذه برضاهم لا غدر فيه ‏(‏قوله خلافا للثاني‏)‏ أي أبي يوسف وخلافه في المستأمن دون الأسير ‏(‏قوله والثلاثة‏)‏ أي الأئمة الثلاثة‏.‏

‏(‏قوله لأن ماله غير معصوم‏)‏ العصمة الحفظ والمنع، وقال في الشرنبلالية‏:‏ لعله أراد بالعصمة التقوم أي لا تقوم له، فلا يضمن بالإتلاف لما قال في البدائع معللا لأبي حنيفة، لأن العصمة وإن كانت ثابتة فالتقوم ليس بثابت عنده حتى لا يضمن بالإتلاف وعندهما نفسه وماله معصومان متقومان ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فلا ربا اتفاقا‏)‏ أي لا يجوز الربا معه فهو نفي بمعنى النهي كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا رفث ولا فسوق‏}‏ فافهم ‏(‏قوله ومنه يعلم إلخ‏)‏ أي يعلم مما ذكره المصنف مع تعليله أن من أسلما ثمة ولم يهاجرا لا يتحقق الربا بينهما أيضا كما في النهر عن الكرماني وهذا يعلم بالأولى ‏(‏قوله إلا في هذه الست مسائل‏)‏ أولها السيد مع عبده وآخرها من أسلما ولم يهاجرا وحقه أن يقول المسائل بالتعريف والله سبحانه أعلم‏.‏

باب الحقوق

جمع حق والحق خلاف الباطل‏:‏ وهو مصدر حق الشيء من بابي ضرب وقتل إذا وجب وثبت، ولهذا يقال لمرافق الدار حقوقها ا هـ‏.‏ وفي البناية‏:‏ الحق ما يستحقه الرجل وله معان أخر منها ضد الباطل ا هـ‏.‏ وتمامه في البحر‏.‏ وفي النهر اعلم أن الحق في العادة يذكر فيما هو تبع للمبيع، ولا بد له منه ولا يقصد إلا لأجله كالطريق والشرب للأرض ويأتي تمامه ‏(‏قوله لتبعيتها‏)‏ أي لأن الحقوق توابع فيليق ذكرها بعد مسائل البيوع بحر عن المعراج قال بعضهم‏:‏ ولهذا الباب مناسبة خاصة بالربا لأن فيه بيان فضل هو حرام، وهنا بيان فضل على المبيع هو حلال ‏(‏قوله لتبعيته‏)‏ أي المصنف وكذا صاحب الكنز والهداية ‏(‏قوله مثلث العين‏)‏ و اللام ساكنة ط عن الحموي‏.‏ ‏(‏قوله لأن الشيء‏)‏ علة لقوله لا يدخل فيه العلو، وذلك أن البيت اسم لمسقف واحد جعل ليبات فيه، ومنهم من يزيد له دهليزا فإذا باع البيت لا يدخل العلو ما لم يذكر اسم العلو صريحا، لأن العلو مثله في أنه مسقف يبات فيه والشيء لا يستتبع مثله، بل ما هو أدنى منه فتح، ولم يدخل بذكر الحق لأن حق الشيء تبع له فهو دونه والعلو مثل البيت لا دونه ‏(‏قوله هو ما لا إصطبل فيه‏)‏ قال في الفتح‏:‏ المنزل فوق البيت ودون الدار، وهو اسم لمكان يشتمل على بيتين أو ثلاثة ينزل فيها ليلا ونهارا وله مطبخ وموضع قضاء الحاجة، فيتأتى السكنى بالعيال مع ضرب قصور إذ ليس له صحن غير مسقف ولا إصطبل الدواب، فيكون البيت دونه، ويصلح أن يستتبعه فلشبهه بالدار يدخل العلو فيه تبعا عند ذكر التوابع غير متوقف على التنصيص على اسمه الخاص، ولشبهه بالبيت لا يدخل بلا ذكر زيادة ا هـ‏.‏ أي زيادة ذكر التوابع أي قوله بكل حق هو له إلخ‏.‏ ‏(‏قوله أي حقوقه‏)‏ في جامع الفصولين من الفصل السابع أن الحقوق عبارة عن مسيل وطريق وغيره وفاقا، والمرافق عند أبي يوسف عبارة عن منافع الدار وفي ظاهر الرواية المرافق هي الحقوق، وإليه يشير قوله أي بمرافقه نهر، فعلى قول أبي يوسف المرافق أعم لأنها توابع الدار مما يرتفق به كالمتوضأ والمطبخ كما في القهستاني، وقدم قبله أن حق الشيء تابع لا بد له منه كالطريق والشرب ا هـ‏.‏ فهو أخص تأمل ‏(‏قوله كطريق‏)‏ أي طريق خاص في ملك إنسان ويأتي بيانه ‏(‏قوله هو فيه أو منه‏)‏ أي هو داخل فيه أو خارج بأو دون الواو على ما اختاره أصحابنا كما ذكره الصيرفي، والجملة صفة لحق مقدر لا لقليل أو كثير فإن الصفة لا توصف ولا لكل على رأي كما تقرر وبهذا التقرير اندفع طعن أبي يوسف على محمد بدخول الأمتعة فيها وطعن زفر عليه بدخول الزوجة والولد والحشرات قهستاني ‏(‏قوله بشراء دار‏)‏ هي اسم لساحة أدير عليها الحدود تشتمل على بيوت وإصطبل وصحن غير مسقف وعلو، فيجمع فيها بين الصحن للاسترواح ومنافع الأبنية للإسكان فتح ‏(‏قوله سواء كان المبيع بيتا إلخ‏)‏ عبارة النهر قالوا هذا في عرف أهل الكوفة، أما في عرفنا فيدخل العلو من غير ذكر في الصور كلها سواء كان المبيع بيتا فوقه علو ومنزلا كذلك؛ لأن كل مسكن يسمى خانه في العجم، ولو علوا سواء كان صغيرا كالبيت أو غيره إلا دار الملك فتسمى سراي ا هـ‏.‏ وهو مأخوذ من الفتح لكن قوله ولو علوا صوابه وله علو كما في عبارة الفتح وعبارة الهداية ولا يخلو عن علو‏.‏

مطلب الأحكام تبتنى على العرف

قلت‏:‏ وحاصله أن كل مسكن في عرف العجم يسمى خانه إلا دار الملك تسمى سراي، والخانه لا يخلو عن علو فلذا دخل العلو في الكل، وظاهره أن البيع يقع عندهم بلفظ خانه لكن في البحر عن الكافي وفي عرفنا يدخل العلو في الكل سواء باع باسم البيت أو المنزل أو الدار والأحكام تبتنى على العرف، فيعتبر في كل إقليم وفي كل عصر عرف أهله ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وحيث كان المعتبر العرف فلا كلام سواء كان باسم خانه أو غيره، وفي عرفنا لو باع بيتا من دار، أو باع دكانا أو إصطبلا أو نحوه لا يدخل علو المبنى فوقه ما لم يكن باب العلو من داخل المبيع ‏(‏قوله إلا دار الملك‏)‏ المستثنى منه غير مذكور في كلامه كما علم مما ذكرناه ‏(‏قوله الكنيف‏)‏ أي ولو خارجا مبنيا على الظلة لأنه يعد من الدار بحر وهو المستراح، وبعضهم يعبر عنه ببيت الماء نهر ‏(‏قوله والأشجار‏)‏ أي دون أثمارها إلا بالشرط كما مر في فصل ما يدخل في المبيع تبعا، وفيه بيان مسائل يحتاج إلى مراجعتها هنا ‏(‏قوله فيدخل تبعا‏)‏ قيده الفقيه أبو جعفر بما إذا كان مفتحه فيها

‏(‏قوله والظلة لا تدخل‏)‏ في المغرب قول الفقهاء ظلة الدار يريدون السدة التي فوق الباب، وادعى في إيضاح الإصلاح أن هذا وهم بل هي الساباط الذي أحد طرفيه على الدار والآخر على دار أخرى أو على الأسطوانات التي في السكة، وعليه جرى في فتح القدير وغيره نهر ‏(‏قوله ويدخل الباب الأعظم‏)‏ أي إذا كان له باب أعظم وداخله باب آخر دونه، وقوله مع ذكر المرافق يفيد أنه لا يدخل بدونه وهو خفي، فإن الظاهر أنه مثل الطريق إلى سكة كما يأتي فتأمل‏.‏ وقد يقال إن صورة المسألة ما لو باع بيتا من دار فيدخل في البيع باب البيت فقط دون باب الدار الأعظم، وكذا لو باع دارا داخل دار أخرى لا يدخل باب الدار الأخرى أيضا بدون ذكر المرافق، بخلاف ما إذا كان البابان للمبيع وحده، وكان يتوصل من أحدهما إلى الآخر تأمل ‏(‏قوله لا يدخل الطريق إلخ‏)‏ يوهم أنه لا يدخل مع ذكر المرافق، وليس كذلك فكان عليه أن يقول وكذا الطريق إلخ وبه يستغنى عن الاستثناء بعده قال في الهداية‏:‏ ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا أو مسكنا لم يكن له الطريق إلا أن يشتريه بكل حق هو له أو بمرافقه أو بكل قليل وكثير وكذا الشرب والمسيل، لأنه خارج الحدود إلا أنه من التوابع فيدخل بذكر التوابع ا هـ‏.‏ قال في الفتح وفي المحيط‏:‏ المراد الطريق الخاص في ملك إنسان فأما طريقها إلى سكة غير نافذة أو إلى الطريق العام، فيدخل وكذا ما كان له من حق تسييل الماء وإلقاء الثلج في ملك إنسان خاصة ا هـ‏.‏ فلا يدخل كما في الكفاية عن شرح الطحاوي وقال فخر الإسلام‏:‏ إذا كان طريق الدار المبيعة أو مسيل مائها في دار أخرى لا يدخل بلا ذكر الحقوق لأنه ليس من هذه الدار ا هـ‏.‏ وصورته‏:‏ إذا كانت دار داخل دار أخرى للبائع أو غيره فباع الداخلة فطريقها في الدار الخارجة ليس من الدار المبيعة بل من حقوقها فلا يدخل فيها بلا ذكر الحقوق ونحوها، فصار بمنزلة بيع بيت أو نحوه من دار فإن طريقه في الدار لا يدخل فيه لأنه ليس منه بل خارج عن حدوده كما مر عن الهداية فما أورده في الفتح من أن تعليل فخر الإسلام يقتضي أن الطريق الذي في هذه الدار يدخل، وهو خلاف ما في الهداية ففيه نظر فتدبر‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في الكفاية‏:‏ وفي الذخيرة بذكر الحقوق إنما يدخل الطريق الذي يكون وقت البيع لا الطريق الذي كان قبله، حتى إن من سد طريق منزله وجعل له طريقا آخر وباع المنزل بحقوقه دخل في البيع الطريق الثاني لا الأول ا هـ‏.‏ وفي الفتح عن فخر الإسلام فإن قال البائع‏:‏ ليس للدار المبيعة طريق في دار أخرى فالمشتري لا يستحق الطريق، ولكن له أن يردها بالعيب، ولو كان عليها جذوع لدار أخرى، فإن كانت للبائع أمر برفعها، وإن لغيره كانت بمنزلة العيب ولو ظهر فيها طريق أو مسيل ماء لدار أخرى للبائع فلا طريق له في المبيعة ا هـ‏.‏ وفي حاشية الرملي عن النوازل‏:‏ له دارين مسيل الأولى على سطح الثانية فباع الثانية بكل حق لها ثم باع الأولى من آخر فللمشتري الأول منع الثاني من التسييل على سطحه إلا إذا استثنى البائع المسيل وقت البيع ا هـ‏.‏ ملخصا قال‏:‏ وما وقع في الخلاصة والبزازية عن النوازل من أنه ليس للأول منع الثاني سبق قلم لأن الذي في النوازل ما قدمناه ومثله في الولوالجية وبه علم جواب حادثة الفتوى له كرمان طريق الأول على الثاني فباع لبنته الثاني على أن له المرور فيه كما كان فباعته لأجنبي ليس للأجنبي منع الأب‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

جرى العرف في بلاد الشام أنه إذا كان في الدار ميازيب مركبة على سطحها أو بركة ماء في صحنها أو نهر كنيف تحت أرضها وهو المسمى بالمالح دخول حق التسييل في الميازيب، وفي النهر المذكور، ودخول شرب البركة الجاري إليها وقت البيع وإن لم ينصوا على ذلك، ولا سيما ماء البركة فإنه مقصود بالشراء حتى إن الدار بدونه ينقص ثمنها نقصا كثيرا وقد مر آنفا عن الكافي أن الأحكام تبنى على العرف وأنه يعتبر في كل إقليم وعصر عرف أهله، وقد نبهنا على ذلك في فصل ما يدخل في البيع، وأيدناه بما في الذخيرة من أن الأصل أن ما كان من الدار متصلا بها يدخل في بيعها تبعا بلا ذكر، وما لا فلا يدخل بلا ذكر إلى ما جرى العرف أن البائع لا يمنعه عن المشتري، فيدخل المفتاح استحسانا للعرف بعدم منعه، بخلاف القفل ومفتاحه والسلم من خشب إذا لم يكن متصلا بالبناء، وقدمنا هناك عن البحر أن السلم الغير المتصل يدخل في عرف مصر القاهرة لأن بيوتهم طبقات لا ينتفع بها بدونه، وتمام ذلك في رسالتنا ‏"‏ نشر العرف ‏"‏ والله سبحانه أعلم‏.‏

‏(‏قوله والشرب‏)‏ بكسر الشين المعجمة الحظ من الماء وفي الخانية‏:‏ رجل باع أرضا بشربها فللمشتري قدر ما يكفيها وليس له جميع ما كان للبائع ا هـ‏.‏ عزمية ‏(‏قوله ونحوه‏)‏ لا حاجة إليه مع المتن ‏(‏قوله مما مر‏)‏ أي من ذكر المرافق أو كل قليل وكثير منه ط ‏(‏قوله فتدخل بلا ذكر‏)‏ أي يدخل الطريق والمسيل والشرب نهر ‏(‏قوله لأنها إلخ‏)‏ أي لأن الإجارة تعقد للانتفاع بعين هذه الأشياء والبيع ليس كذلك، فإن المقصود منه في الأصل ملك الرقبة لا خصوص الانتفاع بل هو أو ليتجر فيها أو يأخذ نقضها نهر قال الزيلعي‏:‏ ألا ترى أنه لو استأجر الطريق من صاحب العين لا يجوز يعني لعدم الانتفاع به بدون العين فتعين الدخول فيها، ولا يدخل مسيل ماء الميزاب إذا كان في ملك خاص ولا مسقط الثلج فيه ا هـ‏.‏ ومثله في المنح عن العيني وفي حواشي مسكين أن هذا تقييد لقول المصنف بخلاف الإجارة فأفاد أن دخول المسيل في الإجارة بلا ذكر الحقوق مقيد بما إذا لم يكن في ملك خاص‏.‏

‏(‏قوله كالبيع‏)‏ أفاد به أن الشرب والمسيل في حكم الطريق ط ‏(‏قوله ولا يدخل في القسمة إلخ‏)‏ حاصل ما في الفتح‏:‏ أنهما إذا اقتسما ولأحدهما على الآخر مسيل أو طريق ولم يذكر الحقوق لا تدخل، لكن إن أمكن له إحداثها في نصيبه فالقسمة صحيحة وإلا فلا، بخلاف الإجارة، لأن الآجر إنما يستوجب الأجر إذا تمكن المستأجر من الانتفاع، ففي إدخال الشرب توفير المنفعة عليها، وإن ذكر الحقوق في القسمة دخلت إن لم يمكنه إحداثها لا إن أمكن إلا برضا صريح، لأن المقصود بالقسمة تمييز الملك لكل منهما لينتفع به على الخصوص، بخلاف البيع فإن الحقوق تدخل بذكرها وإن أمكن إحداثها لأن المقصود منه إيجاد الملك ا هـ‏.‏ ومثله في الكفاية عن الفوائد الظهيرية وفي النهر عن الوهبانية إذا لم يمكنه فتح باب، وقد علم ذلك وقت القسمة صحت وإن لم يعلم فسدت ا هـ‏.‏ أي لأنه عيب وينبغي أن يقيد بذلك قول الفتح، وإلا فلا أي وإن لم يمكن إحداثها فلا تصح القسمة وإن لم يعلم بذلك وقتها لأنه إذا علم يكون راضيا بالعيب تأمل ‏(‏قوله نهر عن الفتح‏)‏ كان عليه أن يؤخر العزو إلى النهر آخر العبارة فإن جميع ما يأتي مذكور فيه ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي في المتن وعزاه الشارح إلى الخلاصة ‏(‏قوله أن تكون الهبة‏)‏ أي هبة الدار ‏(‏قوله على مال‏)‏ عبارة النهر على دار وهو متعلق بالثلاثة ‏(‏قوله والوجه فيها لا يخفى‏)‏ لأنها لاستحداث ملك لم يكن لا لخصوص الانتفاع بخلاف الإجارة والله سبحانه أعلم‏.‏