فصل: تابع باب الأذان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


تابع باب الأذان

مطلب في النظر إلى وجه الأمرد

‏(‏قوله كوجه أمرد‏)‏ هو الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته قاموس‏.‏ قال في الملتقط‏:‏ الغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا فحكمه حكم الرجال، وإن كان صبيحا فحكمه حكم النساء، وهو عورة من فوقه إلى قدمه‏.‏ قال السيد الإمام أبو القاسم‏:‏ يعني لا يحل النظر إليه عن شهوة‏.‏ وأما الخلوة والنظر إليه لا عن شهوة لا بأس به، ولهذا لم يؤمر بالنقاب‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وهذا شامل لمن نبت عذاره، بل بعض الفسقة يفضله على الأمرد خالي العذار‏.‏ والظاهر أن طرور الشارب وبلوغه مبلغ الرجال غير قيد، بل هو بيان لغايته وأن ابتداءه من حين بلوغه سنا تشتهيه النساء، أو لو كان صغيرة لاشتهيت فيه للرجال، والمراد من كونه صبيحا أن يكون جميلا بحسب طبع الناظر ولو كان أسود لأن الحسن يختلف باختلاف الطبائع‏.‏ ويستفاد من تشبيه وجه المرأة بوجه الأمرد أن حرمة النظر إليه بشهوة أعظم إثما لأن خشية الفتنة به أعظم منها ولأنه لا يحل بحال، بخلاف المرأة كما قالوا في الزنى واللواطة، ولذا بالغ السلف في التنفير منهم وسموهم الأنتان لاستقذارهم شرعا‏.‏ قال بعضهم‏:‏ قال ابن القطان‏:‏ أجمعوا على أنه يحرم النظر إلى غير الملتحي بقصد التلذذ بالنظر وتمتع البصر بمحاسنه‏.‏ وأجمعوا على جوازه بغير قصده اللذة والناظر مع ذلك آمن الفتنة ‏(‏قوله فإنه يحرم إلخ‏)‏ أتى بالفاء لأنه دليل على المتن لأنه إذا حرم مع الشك في وجودها ففي وجودها بالفعل أولى ح ‏(‏قوله كما اعتمده الكمال‏)‏ أي بناء على ما يظهر من عبارته المنقولة عقب هذا بقوله قال إلخ، وكان المناسب أن يقول حيث قال ‏(‏قوله لا عورة للصغير جدا‏)‏ وكذا الصغيرة كما في السراج، فيباح النظر والمس كما في المعراج‏.‏ قال ح‏:‏ وفسره شيخنا بابن أربع فما دونها، ولم أدر لمن عزاه‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ قد يؤخذ مما في جنائز الشرنبلالية ونصه‏:‏ وإذا لم يبلغ الصغير والصغيرة حد الشهوة يغسلهما الرجال والنساء، وقدره في الأصل بأن يكون قبل أن يتكلم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ثم تغلظ‏)‏ قيل المراد أنه يعتبر الدبر وما حوله من الأليتين، والقبل وما حوله، يعني أنه يعتبر في عورته ما غلظ من الكبير، ويحتمل أنهما قبل ذلك من المخفف فالنظر إليهما عند عدم الاشتهاء أخف إليهما من النظر بعد، وليحرر ط ‏(‏قوله ثم كبالغ‏)‏ أي عورته تكون بعد العشرة كعورة البالغين‏.‏ وفي النهر‏:‏ كان ينبغي اعتبار السبع لأمرهما بالصلاة إذا بلغا هذا السن‏.‏ ا هـ‏.‏ ط‏.‏ أقول‏:‏ سيأتي في الحظر أن الأمة إذا بلغت حد الشهوة لا تعرض على البيع في إزار واحد يستر ما بين السرة والركبة لأن ظهرها وبطنها عورة ا هـ‏.‏ فقد أعطوها حكم البالغة من حين بلوغ حد الشهوة‏.‏ واختلفوا في تقدير حد الشهوة، فقيل سبع، وقيل تسع وسيأتي في باب الإمامة تصحيح عدم اعتباره بالسن بل المعتبر أن تصلح للجماع، بأن تكون عبلة ضخمة، وهذا هو المناسب اعتباره هنا فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله إلى خمسة عشر‏)‏ صوابه خمس عشرة لأن المعدود مؤنث مذكور‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ولا يخفى أن الغاية غير داخلة وإلا فهو بالغ بالسن فلا يحل له النظر والدخول لأنه مكلف كما لو بلغ بالاحتلام ولو فيما قبل ذلك‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

سيأتي في الحظر أن الذمية كالرجل الأجنبي في الأصح، فلا تنظر إلى بدن المسلمة، وإن كل عضو لا يجوز النظر إليه قبل الانفصال لا يجوز بعده كشعر عانته وشعر رأسها، وعظم ذراع حرة ميتة، وساقها وقلامة ظفر رجلها دون يدها، وأن النظر إلى ملاءة الأجنبية بشهوة حرام وسيأتي تمام الفوائد المتعلقة بذلك هناك

‏(‏قوله ويمنع إلخ‏)‏ هذا تفصيل ما أجمله بقوله وستر عورته ح ‏(‏قوله حتى انعقادها‏)‏ منصوب عطفا على محذوف أي ويمنع صحة الصلاة حتى انعقادها‏.‏ والحاصل أنه يمنع الصلاة في الابتداء‏.‏ ويرفعها في البقاء ح ‏(‏قوله قدر أداء ركن‏)‏ أي بسنته منية‏.‏ قال شارحها‏:‏ وذلك قدر ثلاث تسبيحات ا هـ‏.‏ وكأنه قيد بذلك حملا للركن على القصير منه للاحتياط، وإلا فالقعود الأخير والقيام المشتمل على القراءة المسنونة أكثر من ذلك، ثم ما ذكره الشارح قول أبي يوسف‏.‏ واعتبر محمد أداء الركن حقيقة، والأول المختار للاحتياط كما في شرح المنية، واحترز عما إذا انكشف ربع عضو أقل من قدر أداء ركن فلا يفسد اتفاقا لأن الانكشاف الكثير في الزمان القليل عفو كالانكشاف القليل في الزمن الكثير، وعما إذا أدى مع الانكشاف ركنا فإنها تفسد اتفاقا قال ح‏:‏ واعلم أن هذا التفصيل في الانكشاف الحادث في أثناء الصلاة، أما المقارن لابتدائها فإنه يمنع انعقادها مطلقا اتفاقا بعد أن يكون المكشوف ربع العضو، وكلام الشارح يوهم أن قوله قدر أداء ركن قيد في منع الانعقاد أيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله بلا صنعه‏)‏ فلو به فسدت في الحال عندهم قنية قال ح‏:‏ أي وإن كان أقل من أداء ركن‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخانية إذا طرح المقتدي في الزحمة أمام الإمام، أو في صف النساء أو مكان نجس، أو حولوه عن القبلة أو طرحوا إزاره، أو سقط عنه ثوبه، أو انكشفت عورته، ففيما إذا تعمد ذلك فسدت صلاته وإن قل، وإلا فإن أدى ركنا فكذلك، وإلا فإن مكث بعذر لا تفسد في قولهم، وإلا ففي ظاهر الرواية عن محمد تفسد ا هـ‏.‏ لكن في الخانية أيضا ما يدل على عدم اشتراط قوله بلا صنع، فإنه قال لو تحول إلى مكان نجس، إن لم يمكث على النجاسة قدر أدنى ركن جازت صلاته وإلا فلا، وكذا في منية المصلي‏.‏ قال‏:‏ وكذا إن رفع نعليه وعليهما قذر مانع إن أدى معهما ركنا فسدت وذكر نحو ذلك في الحلية عن الذخيرة والبدائع وغيرهما‏.‏ ثم قال‏:‏ والأشبه الفساد مع التعمد إلا لحاجة كرفع نعله لخوف الضياع ما لم يؤد ركنا كما في الخلاصة، وتمامه فيما علقناه على البحر ‏(‏قوله على المعتمد‏)‏ رد على الكرخي حيث قال‏:‏ المانع في الغليظة ما زاد على الدرهم قياسا على النجاسة المغلظة، كذا في البحر ‏(‏قوله والغليظة إلخ‏)‏ لا يظهر فرق بينها وبين الخفيفة إلا من حيث إن حرمة النظر إليها أشد‏.‏ وفي الظهيرية‏:‏ حكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ، فلو رأى غيره مكشوف الركبة ينكر عليه برفق ولا ينازعه إن لج‏.‏ وفي الفخذ بعنف ولا يضربه إن لج‏.‏ وفي السوأة يؤدبه على ذلك إن لج‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ وهو يفيد أن لكل مسلم التعزير بالضرب فإنه لم يقيده بالقاضي ‏(‏قوله ما عدا ذلك‏)‏ أفرد اسم الإشارة وإن تعدد المشار إليه بتأويل المذكور‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

أعضاء عورة الرجل ثمانية‏:‏ الأول الذكر وما حوله‏.‏ الثاني الأنثيان وما حولهما‏.‏ الثالث الدبر وما حوله‏.‏ الرابع والخامس الأليتان‏.‏ السادس والسابع الفخذان مع الركبتين‏.‏ الثامن ما بين السرة إلى العانة مع ما يحاذي ذلك من الجنبين والظهر والبطن‏.‏ وفي الأمة ثمانية أيضا‏:‏ الفخذان مع الركبتين، والأليتان والقبل مع ما حوله، والدبر كذلك، والبطن والظهر مع ما يليهما من الجنبين‏.‏ وفي الحرة هذه الثمانية، ويزاد فيها ستة عشر‏:‏ الساقان مع الكعبين، والثديان المنكسران، والأذنان، والعضدان مع المرفقين، والذراعان مع الرسغين والصدر، والرأس، والشعر، والعنق، وظهر الكفين‏.‏ وينبغي أن يزاد فيها أيضا الكتفان ولا يجعلان مع الظهر عضوا واحدا، بدليل أنهم جعلوا ظهر الأمة عورة دون كتفيها وكذلك بطنا القدمين عورة في رواية أي وهي الأصح كما قدمناه عن إعانة الحقير للمصنف، فتصير ثمانية وعشرين كذا حرره ح‏.‏ قلت‏:‏ وقدمنا عن التتارخانية أن صدر الأمة وثدييها عورة، وقدمنا أيضا عن القنية أن جنبيها عورة مستقلة على أحد قولين، وعليه فتزاد الأمة خمسة على الثمانية المارة فتصير أعضاؤها ثلاثة عشر، والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏قوله بالأجزاء‏)‏ المراد بها الكسور المصطلح عليها في الحساب وهي النصف والربع والثلث إلخ‏.‏ مثاله انكشف ثمن فخذه من موضع وثمن ذلك الفخذ من موضع آخر يجمع الثمن إلى الثمن حسابا فيكون ربعا فيمنع، ولو انكشف ثمن من موضع من فخذه ونصف ثمن ذلك الفخذ من موضع آخر لا يمنع ح ‏(‏قوله وإلا فبالقدر‏)‏ أي المساحة، فإن بلغ المجموع بالمساحة ربع أدناها‏:‏ أي أدنى الأعضاء المنكشف بعضها، كما لو انكشف نصف ثمن الفخذ ونصف ثمن الأذن من المرأة فإن مجموعهما بالمساحة أكثر من ربع الأذن التي هي أدنى العضوين المنكشفين، وهذا التفصيل ذكره ابن مالك في شرح المجمع موافقا لما في الزيادات، وقوله في البحر أنه تفصيل لا دليل عليه ممنوع كما حققه في النهر ح‏.‏ قلت‏:‏ وعلى هذا التفصيل أعني اعتبار ربع أدنى الأعضاء المنكشفة لا ربع مجموعها مشى في القنية والحلية وشرح الوهبانية والإمداد وشرح زاد الفقير للمصنف، خلافا للزيلعي وإن تبعه في الفتح والبحر فتدبر‏.‏ وقد أوضحنا ذلك فيما علقناه على البحر ‏(‏قوله عن غيره‏)‏ أي عن رؤية غيره من الجوانب لا من أسفل، وقوله ولو حكما‏:‏ أي ولو كانت الرؤية حكيمة؛ كما في المكان المظلم أو المكان الخالي فإن العورة فيها مرئية حكما؛ فيشترط فيها سترها فيه، ولا يصح كون المعنى ولو كان الستر حكما لأنه يصير المعنى يشترط ستر العورة ولو كان ذلك الستر المشروط حكما، وإذا ستر العورة في الظلمة بثوب كان ذلك سترا حقيقة وحكما لا في حكم الشرع فقط فافهم ‏(‏قوله به يفتى‏)‏ لأنه روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف نصا أنه لا تفسد صلاته كما في المنية وغيرها ‏(‏قوله فلو رآها من زيقه‏)‏ أي ولو حكما بأن كان بحيث لو نظر رآها كما في البحر، وزيق القميص بالكسر‏:‏ ما أحاط بالعنق منه قاموس ‏(‏قوله وإن كره‏)‏ لقوله في السراج فعليه أن يزره، لما روي عن «سلمة بن الأكوع قال قلت يا رسول الله أصلي في قميص واحد، فقال‏:‏ زره عليك ولو بشوكة» بحر‏.‏ ومفادة الوجوب المستلزم تركه للكراهة، ولا ينافيه ما مر من نصهما على أنها لا تفسد، فكان هذا هو المختار، كما في شرح المنية، وتمامه فيما علقناه على البحر

‏(‏قوله لا يصف ما تحته‏)‏ بأن لا يرى منه لون البشرة احترازا عن الرقيق ونحو الزجاج ‏(‏قوله ولا يضر التصاقه‏)‏ أي بالألية مثلا، وقوله وتشكله من عطف المسبب على السبب‏.‏ وعبارة شرح المنية‏:‏ أما لو كان غليظا لا يرى منه لون البشرة إلا أنه التصق بالعضو وتشكل بشكله فصار شكل العضو مرئيا فينبغي أن لا يمنع جواز الصلاة لحصول الستر‏.‏ ا هـ‏.‏ قال ط‏:‏ وانظر هل يحرم النظر إلى ذلك المتشكل مطلقا أو حيث وجدت الشهوة‏؟‏‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ سنتكلم على ذلك في كتاب الحظر، والذي يظهر من كلامهم هناك هو الأول ‏(‏قوله ولو حريرا‏)‏ تعميم للساتر‏.‏ قال في الإمداد لأن فرض الستر أقوى من منع لبس الحرير في هذه الحالة ‏(‏قوله أو ماء كدرا‏)‏ أي بحيث لا ترى منه العورة ‏(‏قوله إن وجد غيره‏)‏ قيد في عدم إجزاء الستر بالصافي، ومفهومه أنه إن لم يجد غيره وجب الستر به، وكأنه لأن فيه تقليل الانكشاف ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ ومفهومه أيضا كما اقتضاه سياق الكلام في عادم الساتر أنه لا يجوز في الماء الكدر إذا وجد ساترا مع أن كلام السراج والبحر يفيد الجواز مطلقا، ثم رأيت صاحب النهر صرح بذلك حيث قال‏:‏ إن الفرق بين الصافي وغيره يؤذن بأن له ثوبا، إذا العادم له يستوي في حقه الصافي وغيره ا هـ‏.‏ لكن قوله يستوي فيه الصافي وغيره فيه نظر لأنه إذا جاز الستر بالماء الكدر مع القدرة على ساتر غيره صار ساترا حقيقة فيتعين عند العجز عن ساتر غيره لأن الماء الصافي غير ساتر وإلا لجاز عند عدم العجز‏.‏ هذا، وذكر في البحر أنه لا يصح تصوير الصلاة في الماء إلا في صلاة الجنازة، وعلله في النهر بأنه إذا كان له ثوب وصلى في الماء الكدر لا يجوز له الإيماء للفرض‏:‏ أي لقدرته على أن يصلي خارج الماء بالثوب بركوع وسجود، لكن قال الشيخ إسماعيل‏:‏ ولي في الكلامين نظر لإمكان تصوير ركوعه وسجوده في الماء الكدر بحيث لا يظهر من بدنه شيء إذا سد منافذه، بل ما يفعله الغطاس في استخراج الغريق أبلغ من ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ إن فرض إمكان ذلك فقد يقال لا يبقى ذلك ساترا لأنه حين سجوده وارتفاع الماء فوقه لا يصير مستورا، ويصير كما لو صلى عريانا تحت خيمة مستورة الجوانب كلها أو في مكان مظلم، أو كما لو دخل في كيس مثلا وصلى فيه، فإن الظاهر أنه لا تصح صلاته بخلاف ما لو أخرج رأسه من الكيس وصلى لأنه يصير مستورا، كما لو وقف في الماء الكدر ورأسه خارج وصلى على الجنازة‏.‏ ثم رأيت في الحاوي والزاهدي من كتاب الكراهية والاستحسان ما نصه‏:‏ والمريض إذا لم يخرج رأسه من اللحاف لا تجوز صلاته لأنه كالعاري ا هـ‏.‏ أي إذا صلى تحت اللحاف وهو مكشوف العورة بالإيماء لا تصح لأنه غير مستور العورة، وهذا يؤيد ما بحثناه في مسألة الكيس، ولله الحمد‏.‏ والحاصل أن الشرط هو ستر عورة المصلي لا ستر ذات المصلي، فمن اختفى في خلوة أو ظلمة أو خيمة وهو عريان فذاته مستورة وعورته مكشوفة وذلك لا يسمى ساترا، ومثله لو غطس في ماء كدر فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله وهل تكفيه الظلمة إلخ‏)‏ لا يظهر لهذا الكلام ثمرة لأنه حيث فقد الساتر صلى كيف كان أي في ظلمة أو في ضوء ولعل مراده ما ذكره في البحر‏.‏ وعبارته‏:‏ والأفضل أن يصلي قاعدا ببيت أو صحراء في ليل أو نهار‏.‏ قال‏:‏ ومن المشايخ من خصه بالنهار، أما بالليل فيصلي قائما لأن ظلمة الليل تستر عورته‏.‏ ورد بأنه لا عبرة بها‏.‏ ورد بالفرق بين حالة الاختيار والاضطرار ا هـ‏.‏ ط ‏(‏قوله في مجمع الأنهر‏)‏ هو شرح الملتقى لشيخي زاده ح ‏(‏قوله كما في الصلاة‏)‏ كذا قاله في منية المصلي‏.‏ قال في البحر‏:‏ فعليه يختلف في الرجل والمرأة، فهو يفترش وهي تتورك ‏(‏قوله وقيل مادا رجليه‏)‏ أي ويضع يديه على عورته الغليظة والأول أولى لأنه أكثر سترا مع ما في هذا من مد الرجلين إلى القبلة بحر وحلية، لكن في شرح المنية الكبير أن الثاني أولى لزيادة الستر فيه وهو المذكور في شروح الهداية وغيرها‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهو الصواب لأن من جعل مقعدته على رجليه كما في تشهد الصلاة تظهر عورته الغليظة حالة الإيماء للركوع والسجود أكثر ممن جعل مقعدته على الأرض كما هو محسوس مشاهد، ولو جلس متربعا يظهر منه القبل فلذا اغتفروا مد رجليه نحو القبلة، فلا جرم أنه مشى عليه شراح الهداية وغيرهم كصاحب الذخيرة والسراج والدرر والتبيين ونور الإيضاح والخلاف في الأولوية كما لا يخفى، ونبه عليه في النهر ‏(‏قوله وقائما بإيماء‏)‏ كذا في القهستاني عن الزاهدي، ونقله في البحر عن ملتقى البحار‏.‏ وقال‏:‏ وظاهر الهداية أنه لا يجوز، ثم ذكر بعد نحو ورقة بحثا رجح به ما في الهداية، والبحث مأخوذ من الحلية فراجعه‏.‏ وقال في البحر أيضا‏:‏ وينبغي أن يكون هذا دون الرابع في الفضل‏:‏ أي دون القيام بركوع وسجود للاختلاف في صحته وإن كان ستر العورة في الرابع أكثر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ فكان الأولى للشارح تأخيره عن الرابع ليكون الذكر في الأربعة على وفق الترتيب في الأفضلية ‏(‏قوله لأن الستر أهم إلخ‏)‏ أي لأنه فرض في الصلاة وخارجها، والأركان فرائض الصلاة لا غير وقد أتى ببدلها وإنما جاز القيام لأنه وإن ترك فرض الستر فقد كمل الأركان الثلاثة بدائع، وأراد بالأركان الثلاثة القيام والركوع والسجود، وظاهره أنه لا يجوز الإيماء قائما لأن فيه ترك فرض الستر بلا تكميل للثلاثة، ومن هنا نشأ ترجيح صاحب البحر والحلية لظاهر ما مر عن الهداية ‏(‏قوله ولو أبيح له ثوب إلخ‏)‏ في التتارخانية‏:‏ ولو كان بحضرته من له ثوب يسأله، فإن لم يعطه صلى عريانا، ولو وجد في خلال صلاته ثوبا استقبل ا هـ‏.‏ وظاهره لزوم السؤال، لكن ينبغي تقييده بما إذا غلب على ظنه عدم المنع كما في المتيمم ‏(‏قوله هو الأظهر‏)‏ كذا في شرح المنية الصغير وقدمنا في التيمم عن الفتح وغيره أنه لو وعد بدلو أو ثوب يستحب له التأخير ما لم يخف فوت الوقت عنده‏.‏ وعندهما يجب وإن خاف فوته؛ كما لو وعد بالماء فإنه ينتظر اتفاقا، وقدمنا أن ظاهر كلامهم ترجيح قول الإمام وبه جزم في المنية، وتقدم أيضا أنه يندب لراجي الماء أن يؤخر إلى آخر الوقت المستحب ‏(‏قوله كراجي ماء‏)‏ أي كمن رجا حصول الماء فإنه يندب له أن يؤخر إلى آخر الوقت المستحب كما مر في التيمم، وهذا تنظير لا قياس، حتى يرد أن الظاهر قياس مسألة الثوب على الماء الموعود فيجب الانتظار وإن فات الوقت فافهم ‏(‏قوله وثوب ومكان‏)‏ فإنه إذا رجا وجوب الثوب يؤخر ما لم يخف فوت الوقت كطهارة المكان قنية‏:‏ أي كما إذا كان محبوسا مثلا في مكان نجس ويرجو رجاء قويا الخروج منه فإنه يؤخر ما لم يخف الفوت والظاهر أن هذا التأخير مستحب أيضا كنظائره المارة ‏(‏قوله ينبغي ذلك‏)‏ أي قياسا على الماء، والبحث للبحر وتبعه في النهر وقال ولم يذكروه‏.‏ وأقول‏:‏ قدمنا المسألة منقولة عن السراج وأن فيها قولين‏.‏ وفي تيمم مواهب الرحمن‏:‏ ويجب أن يشتري الماء والثوب بمثل الثمن إن فضل عن نفقته لا بزيادة غبن فاحش، ولله الحمد

‏(‏قوله ليس بأصلي إلخ‏)‏ أي ليس بأصلي النجاسة وإنما المراد ما نجاسته عارضة كالبول والدم كما في النهر، لكن في كون جلد الميتة نجس الأصل نظر لأن نجاسته عارضة بالموت تأمل ‏(‏قوله فإنه لا يستر به فيها‏)‏ لأن نجاسته أغلظ لعدم زوالها بالماء بحر ‏(‏قوله بل خارجها‏)‏ ظاهره وجوب الستر به حيث لم يجد غيره وقد مر أول الباب أن له لبس ثوب نجس في غير صلاة ‏(‏قوله ندب صلاته فيه‏)‏ أي بالقيام والركوع والسجود ح ‏(‏قوله وجاز الإيماء كما مر‏)‏ أي عاريا بأن فعل إحدى الصور الأربع السابقة ولو قال وجاز أن يفعل كما مر لكان أولى ط أي لأن بعض تلك الصور لا إيماء فيها ‏(‏قوله واستحسنه في الأسرار‏)‏ لكن نازعه في الفتح ‏(‏قوله إذ الربع كالكل‏)‏ أي يقوم مقامه في مواضع كما في حلق المحرم ربع رأسه، وكما في كشف العورة ‏(‏قوله وهذا إذا لم يجد إلخ‏)‏ فإن وجد في الصورتين وجب استعماله كما في البحر ‏(‏قوله فيتحتم لبس أقل ثوبيه نجاسة‏)‏ تبع فيه صاحب النهر‏:‏ وليس على إطلاقه لما في الحلية إن كانت النجاسة في كل منهما غليظة فقالوا‏:‏ إن لم تبلغ في كل منهما الربع تخير، والمستحب الصلاة في أقلهما نجاسة، وإن بلغت الربع في أحدهما فقط تعين الآخر، وإن زاد عليه في كل منهما ولم تبلغ ثلاثة أرباع تخير، وإن بلغتها في أحدهما واستوعبت الآخر تعين ما ربعه طاهر، وإن كانت النجاسة خفيفة لم أره، ومقتضى التخريج على ما مر أن يتخير ما لم تزد في أحدهما على ثلاثة أرباعه أو تستوعبه وإلا تعين ما ربعه فصاعدا طاهر‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر نحوه ح عن الهندية والزيلعي والخلاصة ‏(‏قوله ببليتين‏)‏ أي بفعل إحداهما غير عين لا بفعلهما معا ‏(‏قوله فإن تساويا‏)‏ أي من حيث المنع من الصلاة بلا مرجح معتبر، وإن لم يستويا في قدر النجاسة، وقوله أو اختلفا‏:‏ أي بأن كان ما في أحدهما مانعا دون ما في الآخر أو كان ما في كل منهما مانعا لكن وجد في أحدهما مرجح يقيمه مقام الكل كطهارة الربع أو نجاسته، وبهذا التقرير ينطبق الضابط على ما ذكرناه من الفروع فإذا كانت النجاسة في كل منهما أكثر من قدر الدرهم لكن لم تبلغ الربع تخير، وإن كانت في أحدهما أكثر من الآخر لتساويها في المنع بلا مرجح، بخلاف ما إذا بلغت ربع أحدهما لترجحه بإقامتهم الربع مقام الكل، وتقرير الباقي ظاهر مما قلنا فافهم ‏(‏قوله اختار الأخف‏)‏ نظيره جريح لو سجد سال جرحه وإلا لا فإنه يصلي قاعدا موميا لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث لجواز تركه اختيارا في التنفل على الدابة زيلعي

‏(‏قوله لأنه لما سقط إلخ‏)‏ الأولى التعليل بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا تصلي حائض بغير قناع» لأن تعليله يفهم أن كل ما سقط ستره بعذر الرق كالكتفين والساقين يسقط بالصبا وليس كذلك أفاده ح تأمل‏.‏ وفي أحكام الصغار للأسروشني‏:‏ وجواز صلاة الصغيرة بغير قناع استحسان لأنه لا خطاب مع الصبا‏.‏ والأحسن أن تصلي بقناع لأنها إنما تؤمر بالصلاة للتعود، فتؤمر على وجه يجوز أداؤها بعد البلوغ، ثم قال‏:‏ المراهقة إذا صلت بغير قناع لا تؤمر بالإعادة استحسانا، وإن صلت بغير وضوء تؤمر، ولو صلت عريانة تعيد، وفي كل موضع تعيد البالغة الصلاة فهي تعيد على سبيل الاعتياد‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لا يجب‏)‏ لأن ما دون الربع لا يعطى له حكم الكل، والستر أفضل تقليلا للانكشاف زيلعي، ومثله في الحلية عن المحيط والخلاصة والكافي ‏(‏قوله زاد الحلبي‏)‏ أي في شرحه الصغير ح ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي سواء كان يستر الربع أو الأقل ط ‏(‏قوله فتأمل‏.‏‏)‏ أشار إلى إمكان الجواب بحمل كلام الكمال على غير الرأس لأنه أخف بدليل صحة صلاة المراهقة مع كشف الرأس دون غيره أفاده ح‏.‏ أقول‏:‏ والأحسن الجواب بحمل أل في العورة على جنس الأفراد لا جنس الأجزاء‏:‏ أي إذا وجد ما يستر بعض أفراد العورة، بأن كان يستر أصغرها كالقبل أو الدبر دون أكبرها وجب استعماله بدليل قوله بعده ويستر القبل والدبر إلخ، وقوله في المعراج‏:‏ ولو وجد ما يستر به بعض العورة ستر القبل والدبر بالاتفاق ا هـ‏.‏ وهو معنى ما في البحر عن المبتغى إن كان عنده قطعة يستر بها أصغر العورات فسدت وإلا فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ وحينئذ فلا منافاة بين كلامهم، إذ ليس فيه على هذا الحمل ما يقتضي وجوب ستر ما دون ربع عضو من العورة حتى يخالف ما قدمناه عن الزيلعي والمحيط والخلاصة والكافي من أن ما دون الربع لا يعطى له حكم الكل‏.‏ وأما قول الحلبي وإن قل فيحتاج لنقل وإلا فلا يعارض كلام أئمة المذهب، اللهم إلا أن يراد ما يستر عضوا كاملا كالدبر مثلا، وإلا فلو وجدت المرأة ما يستر ما بين السرة والركبة وعندها خرقة قدر الظفر مثلا يبعد كل البعد إلزامها بالستر بها، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم ‏(‏قوله وقيل القبل‏)‏ لأنه يستقبل به القبلة ولأنه لا يستر بغيره والدبر يستر بالأليتين بحر عن السراج ‏(‏قوله والتعليل‏)‏ أي للقول الأول بأنه أفحش إلخ وهو مراد صاحب النهر بقوله والتعليل الثاني لأن ما ذكره الشارح أولا ذكره في النهر ثانيا فافهم ‏(‏قوله بالإيماء‏)‏ عبارة النهر قاعدا بالإيماء ‏(‏قوله تعين ستر القبل‏)‏ لعدم العلة، وهي زيادة الفحش في الركوع والسجود‏.‏ أقول‏:‏ وهذا إنما يظهر لو قعد متربعا؛ أما لو قعد مادا رجليه إلى القبلة أو قعد كالمتشهد كما مشى عليه فيما مر يتعين ستر الدبر لأنه يمكنه جعل الذكر والخصيتين تحت الفخذين‏.‏ وأما الدبر فإنه ينكشف حالة الإيماء فيتعين ستره تأمل ‏(‏قوله ثم فخذه‏)‏ بالنصب عطفا على قول المتن القبل والدبر‏.‏ وعبارة شرح المنية‏:‏ ويقدم في الستر ما هو أغلظ كالسوأتين ثم الفخذ ثم الركبة‏.‏ وفي المرأة بعد الفخذ البطن والظهر ثم الركبة ثم الباقي على السواء‏.‏ ا هـ‏.‏ وأفاد بقوله كالسوأتين أن ستر نحو الألية والعانة مثلهما، فيقدم على الفخذ فافهم

‏(‏قوله أو يقللها‏)‏ كذا في شرح المنية والظاهر تقييده بما يقللها عن الدرهم أو عن ربع الثوب، وإلا فلو كانت أكثر من الدرهم ودون الربع وإذا قللها تبقى أكثر من الدرهم لا يجب التقليل لما مر عن الحلية وغيرها من أنه لو له ثوبان لم تبلغ نجاسة كل الربع يتخير فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله لبعده ميلا‏)‏ صرح به في السراج، وأشار به إلى أن عدم الوجود يكون حقيقة وحكما ‏(‏قوله أو لعطش‏)‏ أي خوفه حالا أو مآلا على نفسه أو على من تلزمه مؤنته فإنه لا يلزمه إزالة تلك النجاسة شراح المنية، ومثله خوف العدو وعدم وجود ثمنه ونحو ذلك كما في الأحكام عن البرجندي ‏(‏قوله صلى معها أو عاريا‏)‏ أي إن كان الطاهر أقل من ربع الثوب وإلا تعينت صلاته به كما مر ‏(‏قوله ولا إعادة عليه‏)‏ أي إذا وجد المزيل وإن بقي الوقت قهستاني ‏(‏قوله وينبغي‏)‏ البحث لصاحب الحلية، وقال‏:‏ ولعلهم لم يذكروه هنا للعلم به مما مر في التيمم، وتبعه في البحر وغيره فافهم ‏(‏قوله عن مزيل‏)‏ أي للنجاسة في مسألتنا، وقوله وعن ساتر أي للعورة في المسألة التي قبلها ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي نظير ما مر في باب التيمم مما ذكروه من التفصيل في عدم القدرة على الماء فافهم ‏(‏قوله ثم هذا للمسافر‏)‏ الأولى أن يقول‏:‏ وقيدنا بالمسافر وكأنه يشير بهذا إلى رد ما في شرح المنية من أن التقييد بالمسافر باعتبار الغالب، إذا لا فرق بينه وبين غيره ‏(‏قوله لأن للمقيم إلخ‏)‏ اسم أن ضمير الشأن محذوف، وللمقيم يتعلق بيشترط‏.‏ والجملة خبر أن، وضمير يملكه للساتر‏.‏ وعبارة القهستاني هكذا‏:‏ والتقييد بالمسافر لأن للمقيم اشتراط طهارة ما يستر العورة وإن لم يمكنه كما في النظم وغيره ا هـ‏.‏ ح قلت‏:‏ فأسقط الشارح لفظ طهارة‏.‏ وحاصل المعنى أنه لا تصح صلاة المقيم بساتر نجس وإن لم يملك الطاهر بناء على أن المقيم لا يتحقق عجزه عن الماء أو غيره من المائعات المزيلة لأن المصر ونحوه مظنة وجود ذلك ولذا لم يجز له التيمم في المصر، لكن هذا قولهما والمفتى به قوله حيث تحقق العجز كما مر، ومقتضاه أن يكون هنا كذلك فافهم‏.‏

بحث النية ‏(‏قوله بالإجماع‏)‏ أي لا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين‏}‏ فإن المراد بالعبادة هنا التوحيد، ولا بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إنما الأعمال بالنيات» لأن المراد ثوابها ولا تعرض فيه للصحة وتمامه في ح ‏(‏قوله وهي الإرادة‏)‏ النية‏:‏ لغة العزم، والعزم هو الإرادة الجازمة القاطعة، والإرادة صفة توجب تخصيص المفعول بوقت وحال دون غيرهما‏:‏ أي ترجح أحد المستويين وتخصصه بوقت وحال أي كيفية وحالة مخصوصة، وبه علم أن النية ليست مطلق الإرادة، بل هي الإرادة الجازمة ‏(‏قوله المرجحة‏)‏ نعت للإرادة قصد به تفسيرها ح ‏(‏قوله أي إرادة الصلاة إلخ‏)‏ لما عرف مطلق النية بين المعنى المراد بها هنا الذي هو من شروط الصلاة، وإلا فالنية غير خاصة بالصلاة‏.‏ قال ط‏:‏ والمراد بقوله على الخلوص الإخلاص لله تعالى على معنى أنه لا يشرك معه غيره في العبادة ا هـ‏.‏‏:‏ أقول‏:‏ هذا يوهم أنها لا تصح مع الرياء مع أن الإخلاص شرط للثواب لا للصحة كما سيأتي في الفروع أنه لو قيل لشخص صل الظهر ولك دينار فصلى بهذه النية ينبغي أن يجزيه وأنه لا رياء في الفرائض في حق سقوط الواجب، فهذا يقتضي صحة الشروع مع عدم الإخلاص فليتأمل‏.‏ ثم رأيت الحموي في حواشي الأشباه اعترضه بقوله‏:‏ فيه أن هذا إنما يستقيم في عبادة يترتب عليها ثواب لا المنهيات المترتب عليها عقاب‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لا مطلق العلم إلخ‏)‏ أي ليست النية مطلق العلم بالمنوي‏:‏ أي سواء كان مع قصد وإرادة جازمة أو لا، وهذا رد على ما عن محمد بن سلمة من أنه إذا علم عند الشروع أي صلاة يصلي فهذا القدر نية، وكذا في الصوم كما أوضحه في الدرر‏:‏ قال في الأحكام‏:‏ لكن في المفتاح وشرح ابن مالك أن مراد ذلك القائل أن من قصد صلاة فعلم أنها ظهر أو عصر أو نفل أو قضاء يكون ذلك نية فلا يحتاج إلى نية أخرى للتعيين إذا وصلها بالتحريمة، وفيما أورده لم يوجد قصد إلى الكفر، وهذا القائل لم يدع أن مطلق العلم بشيء يكون نية، فلا يرد عليه الاعتراض‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وحاصله أن النية التي هي الإرادة الجازمة لما كانت لا تتحقق إلا بتصور المراد وعلمه وكان ذلك شرطا لصحتها شرعا ولازما لها لغة اقتصر عليه ‏(‏قوله والمعتبر فيها عمل القلب‏)‏ أي أن الشرط الذي تتحقق به النية ويعتبر فيها شرعا العلم بالشيء بداهة الناشئ ذلك العلم عن الإرادة الجازمة لا مطلق العلم ولا مجرد القول باللسان‏.‏ والحاصل أن معنى النية المعتبر في الشرع هو العلم المذكور، وهذا معنى ما نقل عن ابن سلمة كما قدمناه‏؟‏ وأما قولهم لا يصح تفسير النية بالعلم فالمراد به مطلق العلم الخالي عن القصد بقرينة الاعتراض المار فافهم، لكن في جعله العلم من أعمال القلب مسامحة لأن العلم من الكيفيات النفسانية كما حقق في موضعه ‏(‏قوله إن خالف القلب‏)‏ فلو قصد الظهر وتلفظ بالعصر سهوا أجزأه كما في الزاهدي قهستاني ‏(‏قوله فيكفيه اللسان‏)‏ أي بدلا عن النية‏.‏ واعترضه في الحلية بأنه يلزم عليه نصب الإبدال بالرأي لأنه إذا سقط الشرط للعجز فقد يسقط إلى بدل كما في التيمم أو بلا بدل كستر العورة، وقد يسقط المشروط كما في العاجز عن الطهورين فإثبات أحد هذه الاحتمالات لا بد له من دليل، وأين هو هنا فلا يجوز ا هـ‏.‏ موضحا وأقره في البحر، ويؤيده ما سيأتي في الفصل الآتي من أن العاجز عن النطق لا يلزمه تحريك لسانه للتكبير أو القراءة في الصحيح لتعذر الأصل فلا يلزم غيره إلا بدليل‏.‏ ا هـ‏.‏ وأجاب الحموي بأنه صار أصلا لا بدلا‏.‏ وأقول نصب الأصل أبلغ من البدل فلا يجوز بالرأي بالأولى، ولا يبعد القول بسقوط الأداء عمن وصل إلى هذه الحالة، فإن من لا يمكنه معرفة أي صلاة يصلي بمنزلة المجنون وسيذكر المصنف في باب صلاة المريض أنه لو اشتبه على المريض أعداد الركعات أو السجدات لنعاس يلحقه لا يلزمه الأداء ‏(‏قوله أن يعلم عند الإرادة إلخ‏)‏ قال الزيلعي‏:‏ وأدناه أن يصير بحيث لو سئل عنها أمكنه أن يجيب من غير فكر‏.‏ ا هـ‏.‏ واعترضه في البحر بأن هذا قول ابن سلمة ومقتضاه لزوم الاستحضار في أثناء الصلاة وعند الشروع‏.‏ والمذهب جوازها بنية متقدمة بشرطها المتقدم وإن لم يقدر على الجواب بلا تفكر ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ أنت خبير بما قدمناه بأن قول ابن سلمة هو لزوم الاستحضار عند الشروع، وليس في كلام الزيلعي اشتراط ذلك، بل هو بيان لأدنى العلم المعتبر في النية اللازم لها سواء تقدمت أو قارنت الشروع، ولدفع هذا التوهم قال الشارح عند الإرادة أي النية ثم رأيت ط نبه على ذلك

‏(‏قوله وتكون بلفظ الماضي‏)‏ مثل نويت صلاة كذا ‏(‏قوله لأنه‏)‏ أي الماضي ‏(‏قوله في الإنشاءات‏)‏ كالعقود والفسوخ ط ‏(‏قوله وتصح بالحال‏)‏ أي المضارع المنوي به الحال مثل أصلي صلاة كذا ‏(‏قوله وقيل سنة‏)‏ عزاه في التحفة والاختيار إلى محمد، وصرح في البدائع بأنه لم يذكره محمد في الصلاة بل في الحج فحملوا الصلاة على الحج، واعترضهم في الحلية بما ذكره جماعة من مشايخنا من أن الحج لما كان مما يمتد وتقع فيه العوارض والموانع ويحصل بأفعال شاقة استحب فيه طلب التيسير والتسهيل، ولم يشرع مثله في الصلاة لأن وقتها يسير ا هـ‏.‏ فهذا صريح في نفي قياس الصلاة على الحج ا هـ‏.‏ وأقره في البحر وغيره ‏(‏قوله يعني إلخ‏)‏ أشار به للاعتراض على المصنف بأن معنى القولين واحد سمي مستحبا باعتبار أنه أحبه علماؤنا، وسنة باعتبار أنه طريقة حسنة لهم لا طريقة للنبي صلى الله عليه وسلم كما حرره في البحر ح ‏(‏قوله إذ لم ينقل إلخ‏)‏ في الفتح عن بعض الحفاظ لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح ولا ضعيف أنه كان يقول عند الافتتاح أصلي كذا ولا عن أحد من الصحابة والتابعين، زاد في الحلية‏:‏ ولا عن الأئمة الأربع، بل المنقول «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر» ‏(‏قوله بل قيل بدعة‏)‏ نقله في الفتح‏:‏ وقال في الحلية‏:‏ ولعل الأشبه أنه بدعة حسنة عند قصد جمع العزيمة لأن الإنسان قد يغلب عليه تفرق خاطره، وقد استفاض ظهور العمل به في كثير من الأعصار في عامة الأمصار فلا جرم أنه ذهب في المبسوط والهداية والكافي إلى أنه إن فعله ليجمع عزيمة قلبه فحسن، فيندفع ما قيل إنه يكره‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وفي المحيط يقول إلخ‏)‏ هذا مقابل قوله ويكون بلفظ الماضي إلخ وأشار بقوله كما سيجيء في الحج أي من أنه يقول فيه‏:‏ اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني إلى أن ذلك مقيس عليه، وفيه ما علمت‏:‏ وقال في الحلية‏:‏ ولو سلم أن ذلك يفيد استنانها في الصلاة فإنما يفيد كونها بهذا اللفظ لا بنحو نويت أو أنوي كما عليه عامة المتلفظين بها ما بين عامي وغيره ا هـ‏.‏ وحاصله أنه خلاف المستفيض فلا يقبل

‏(‏قوله ولو قبل الوقت‏)‏ ذكر في الحلية عن أبي هبيرة أنه قال‏:‏ أبو حنيفة وأحمد يجوز تقديم النية للصلاة بعد دخول الوقت وقبل التكبير ما لم يقطعها بعمل ا هـ‏.‏ ثم قال‏:‏ ولم أقف على التصريح باشتراط الوقت، وهو إن صح مشكل فإن المذهب أن النية شرط لا يشترط مقارنتها فلا يضر إيجادها قبل الوقت واستصحابها إلى وقت الشروع بعد دخوله كغيرها من الشروط ا هـ‏.‏ وتبعه في البحر والنهر‏.‏ أقول‏:‏ إن كان المراد باستصحابها عدم عزوبها عن قلبه إلى وقت الشروع كما اقتضاه قوله واستصحابها إلى وقت الشروع، ففيه أن هذه نية مقارنة، والكلام في النية المتقدمة بلا اشتراط استصحابها إلى وقت الشروع كما اقتضاه ما نقله الشارح عن البدائع، وهذه لا تصح إذا عزبت عنه قبل الوقت لأن النية وإن لم تشترط مقارنتها للشروع يشترط عدم المنافي لها، ولا يخفى أن عدم دخول الوقت مناف لنية فرض الوقت لأنه لا يفرض قبل دخول وقته فليتأمل ‏(‏قوله جاز‏)‏ وأما اشتراطهم عدم الفاصل بين النية والتكبير فالمراد به ما كان من أعمال الدنيا كما في التتارخانية‏.‏ وفي البحر‏:‏ المراد به الفاصل الأجنبي، وهو ما لا يليق بالصلاة كالأكل والشرب والكلام لأن هذه الأفعال تبطل الصلاة فتبطل النية، وأما المشي والوضوء فليس بأجنبي، ألا ترى أن من أحدث في صلاته له أن يفعل ذلك ولا يمنعه من البناء‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ومفاده‏)‏ أي مفاد ما في البدائع جواز تقديم نية الاقتداء على الوقت كنية الصلاة، أو المراد تقديمها على شروع الإمام ويأتي تمام الكلام على ذلك‏.‏ ثم إن هذا المفاد ذكره في النهر بحثا وقال‏:‏ ولم أر فيه غير ما علمت‏:‏ أي لم ير فيه نقلا صريحا غير ما يفيده كلام البدائع ‏(‏قوله بينهما‏)‏ أي بين النية والتكبيرة ‏(‏قوله وهو كل ما يمنع البناء‏)‏ أي يمنع الذي سبقه الحدث من البناء على ما صلى احترازا عن المشي والوضوء، لكن في هذه الكلية نظر لأن القراءة تمنع البناء أيضا والظاهر أنها لا تفصل بين النية والتكبيرة فالأولى ذكر منع البناء على سبيل الاستيضاح كما نقلناه عن البحر آنفا ‏(‏قوله وشرط الشافعي قرانها‏)‏ أي جمعها مع التكبير وبه قال الطحاوي ومحمد بن سلمة‏.‏

مطلب في حضور القلب والخشوع

وفي شرح المقدمة الكيدانية للعلامة القهستاني‏:‏ يجب حضور القلب عند التحريمة، فلو اشتغل قلبه بتفكر مسألة مثلا في أثناء الأركان فلا تستحب الإعادة‏:‏ وقال البقالي‏:‏ لم ينقص أجره إلا إذا قصر، وقيل يلزم في كل ركن ولا يؤاخذ بالسهو لأنه معفو عنه، لكنه لم يستحق ثوابا كما في المنية، ولم يعتبر قول من قال لا قيمة لصلاة من لم يكن قلبه فيها معه، كما في الملتقط والخزانة والسراجية وغيرها‏.‏ واعلم أن حضور القلب فراغه عن غير ما هو ملابس له، وهو هاهنا العلم بالعمل بالفعل والقول الصادرين عن المصلي وهو غير التفهم؛ فإن العلم بنفس اللفظ غير العلم بمعنى اللفظ‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ولا عبرة بنية متأخرة‏)‏ لأن الجزء الخالي عن النية لا يقع عبادة فلا ينبني الباقي عليه، وفي الصوم جوزت للضرورة بهنسي، حتى لو نوى عند قوله الله قبل أكبر لا يجوز لأن الشروع يصح بقوله الله فكأنه نوى بعد التكبير حلية عن البدائع ‏(‏قوله إلى الركوع‏)‏ فيه أن الكرخي لم ينص على الركوع ولا غيره، وإنما اختلفوا في التخريج على قوله في أنه ينتهي إلى الثناء أو الركوع أو الرفع منه أو القعود أفاده ح

‏(‏قوله وكفى إلخ‏)‏ أي بأن يقصد الصلاة بلا قيد نفل أو سنة أو عدد ‏(‏قوله لنفل‏)‏ هذا بالاتفاق ‏(‏قوله وسنة‏)‏ ولو سنة فجر، حتى لو تهجد بركعتين ثم تبين أنها بعد الفجر نابتا عن السنة، وكذا لو صلى أربعا ووقعت الأخريان بعد الفجر وبه يفتى خلاصة، وكذا الأربع المنوي بها آخر ظهر أدركته عند الشك في صحة الجمعة، فإذا تبين صحتها ولا ظهر عليه نابت عن سنة الجمعة على قول الجمهور لأنه يلغو الوصف ويبقى الأصل، وبه تتأدى السنة كما بسطه في الفتح، وأقره في البحر والنهر، وهذا بخلاف ما لو قام في الظهر للخامسة فضم سادسة لا تنوبان عن سنة الظهر لعدم كون الشروع مقصودا ‏(‏قوله على المعتمد‏)‏ أي من قولين مصححين، وإنما اعتمد هذا لما في البحر من أنه ظاهر الرواية وجعله في المحيط قول عامة المشايخ ورجحه في الفتح ونسبه إلى المحققين ‏(‏قوله أو تعينها إلخ‏)‏ لأن السنة ما واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم في محل مخصوص، فإذا أوقعها المصلي فيه فقد فعل الفعل المسمى سنة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينوي السنة بل الصلاة لله تعالى وتمام تحقيقه في الفتح ‏(‏قوله والتعيين‏)‏ أي بالنية أحوط‏:‏ أي لاختلاف الصحيح بحر ‏(‏قوله ولا بد من التعيين إلخ‏)‏ فلو فاتته عصر فصلى أربع ركعات عما عليه وهو يرى أن عليه الظهر لم يجز كما لو صلاها قضاء عما عليه وقد جهله، ولذا قال أبو حنيفة فيمن فاتته صلاة واشتبهت عليه إنه يصلي الخمس ليتيقن ا هـ‏.‏ فتح أي لأنه لا يمكنه تعيين هذه الفائتة إلا بذلك‏:‏ وفي الأشباه‏:‏ ولا يسقط التعيين بضيق الوقت لأنه لو شرع فيه منتقلا صح وإن كان حراما ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله عند النية‏)‏ أي سواء تقدمت على الشروع أو قارنته، فلو نوى فرضا معينا وشرع فيه نسي فظنه تطوعا فأتمه على ظنه فهو على ما نوى كما في البحر ‏(‏قوله فلو جهل الفرضية‏)‏ أي فرضية الخمس إلا أنه كان يصليها في مواقيتها لم يجز وعليه قضاؤها لأنه لم ينو الفرض إلا إذا صلى مع الإمام ونوى صلاة الإمام بحر عن الظهيرية ‏(‏قوله ولو علم إلخ‏)‏ أي علم فرضية الخمس لكنه لا يميز الفرض من السنة والواجب ‏(‏قوله جاز‏)‏ أي صح فعله ‏(‏قوله وكذا لو أم غيره إلخ‏)‏ يعني أن من لا يميز الفرض من غيره إذا نوى الفرض في الكل جاز كونه إماما أيضا فيصح الاقتداء به، لكن في صلاة لا سنة قبلها‏:‏ أي في صلاة لم يصل قبلها مثلها في عدد الركعات لأنه لو صلى قبلها مثلها سقط عنه الفرض وصار ما بعده نفلا فلا يصح اقتداء المفترض به ‏(‏قوله لفرض‏)‏ متعلق بالتعيين‏:‏ قال في الأشباه‏:‏ ولم أر حكم نية الفرض العين في فرض العين وفرض الكفاية في فرض الكفاية وأما المعادة لترك واجب فلا شك أنها جابرة لا فرض، فعليه ينوي كونها جابرة‏.‏ وأما على القول بأن الفرض لا يسقط إلا بها فلا خفاء في اشتراط نية الفرضية‏.‏ ا هـ‏.‏ ونقل البيري عن الإمام السرخسي أن الأصح القول الثاني ‏(‏قوله أنه ظهر‏)‏ بفتح الهمزة مفعول التعيين أو على حذف الجار‏:‏ أي بأنه ‏(‏قوله قرنه باليوم أو الوقت أولا‏)‏ أي لم يقرنه بشيء منهما؛ وشمل إطلاقه في هذه الثلاثة ما إذا كان ذلك في الوقت أو خارجه مع علمه بخروجه أو مع الجهل، فالمسائل تسع من ضرب ثلاثة في ثلاثة، أما إن قرنه باليوم بأن نوى ظهر اليوم فيصح في الصور الثلاث كما سيذكره الشارح‏.‏ وأما إن قرنه بالوقت بأن نوى ظهر الوقت، فإن كان في الوقت صح قولا واحدا، وإن كان خارجه مع العلم بخروجه فيصح أيضا على ما فهمه الشرنبلالي من عبارة الدرر في حاشيته عليها لأن وقت العصر ليس له ظهر فيراد به الظهر الذي يقضى في هذا الوقت، وإن كان خارجه مع الجهل فلا يصح كما في الفتح والخانية والخلاصة وغيرها، وبه جزم المصنف والشارح فيما سيأتي، وهو الذي فهمه في النهر من عبارة الزيلعي خلافا لما فهمه منها في البحر، وهو ما اقتضاه إطلاق الشارح هنا من أنه يصح‏.‏ ونقل في المنية عن المحيط أنه المختار، لكن رده في شرح المنية، بل قال في الحلية إنه غلط والصواب ما في المشاهير من أنه لا يصح‏.‏ وأما إذا لم يقرنه بشيء بأن نوى الظهر وأطلق، فإن كان في الوقت ففيه قولان مصححان قيل لا يصح لقبول الوقت ظهر يوم آخر، وقيل يصح لتعين الوقت له، ومشى عليه في الفتح والمعراج والأشباه واستظهره في العناية‏.‏ ثم قال‏:‏ وأقول الشرط المتقدم، وهو أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي يحسم مادة هذه المقالات وغيره فإن العمدة عليه لحصول التمييز به وهو المقصود ا هـ‏.‏ وإن كان خارجه مع الجهل بخروجه‏.‏ ففي النهر أن ظاهر ما في الظهيرية أنه يجوز على الأرجح، وإن كان مع العلم به فبحث ح أنه لا يصح وخالفه ط‏.‏ قلت‏:‏ وهو الأظهر، لما مر عن العناية‏.‏ وأما إذا نوى فرض اليوم أو فرض الوقت فسيأتي بأقسامه التسع فافهم ‏(‏قوله هو الأصح‏)‏ قيد لقوله أولا‏:‏ أي إذا نوى الظهر ولم يقرنه باليوم أو الوقت وكان في الوقت فالأصح الصحة كما في الظهيرية، وكذا في الفتح وغيره كما قدمناه، وهو رد على ما في الخلاصة من أنه لا يصح كما نقله في البحر والنهر لا على ما في الظهيرية فافهم ‏(‏قوله لكنه يعين إلخ‏)‏ أي يعين الصلاة ويومها أشباه، وهذا عند وجود المزاحم، أما عند عدمه فلا كما لو كان في ذمته ظهر واحد فائت فإنه يكفيه أن ينوي ما في ذمته من الظهر الفائت وإن لم يعلم أنه من أي يوم حلية فافهم ‏(‏قوله على المعتمد‏)‏ مقابله ما في المحيط من أنه إذا سقط الترتيب بكثرة الفوائت تكفيه نية الظهر لا غير ا هـ‏.‏ أي لا يلزم تعيين اليوم قياسا على الصوم ‏(‏قوله والأسهل إلخ‏)‏ أي فيما إذا وجد المزاحم كظهرين من يومين جهل تعيينهما ‏(‏قوله لا يشترط ذلك‏)‏ أي نية أول ظهر أو آخره بل تكفيه نية الظهر لا غير كما مر عن المحيط ‏(‏قوله وسيجيء‏)‏ أي ما صححه القهستاني في آخر الكتاب في مسائل شتى متنا تبعا لمتن الكنز‏.‏ ونقل الشارح هناك عن الأشباه أنه مشكل ومخالف لما ذكره أصحابنا كقاضي خان وغيره والأصح الاشتراط‏.‏ قلت‏:‏ وكذا صححه في متن الملتقى هناك، فقد اختلف التصحيح والاشتراط أحوط، وبه جزم في الفتح هنا ‏(‏قوله وواجب‏)‏ بالجر عطفا على قوله لفرض، وقد عد منه في البحر قضاء ما أفسده من النفل والعيدين وركعتي الطواف، وزاد في الدرر الجنازة، ولكن في الأشباه والخطبة لا يشترط لها نية الفرضية وإن شرطنا لها النية لأنه لا يتنقل بها، وينبغي أن تكون صلاة الجنازة كذلك لأنها لا تكون إلا فرضا كما صرحوا به، ولذا لا تعاد نفلا ا هـ‏.‏ ويؤيده نصهم على أنه ينوي فيها الصلاة لله تعالى والدعاء للميت ولم يذكروا تعيين الفرضية ‏(‏قوله إنه وتر‏)‏ أشار إلى أنه لا ينوي فيه أنه واجب للاختلاف فيه زيلعي‏:‏ أي لا يلزمه تعيين الوجوب، وليس المراد منعه من أن ينوي وجوبه لأنه إن كان حنفيا ينبغي أن ينويه ليطابق اعتقاده وإن كان غيره لا تضره تلك، ذكره في البحر في باب الوتر‏.‏

ثم اعلم ما في شرح العيني من قوله‏:‏ وأما الوتر فالأصح أنه يكفيه مطلق النية مشكل لأن ظاهره أنه يكفيه نية مطلق الصلاة كالنفل، إلا أن يحمل ما ذكرناه عن الزيلعي من إطلاق نية الوتر، ولذا قال يكفيه مطلق النية، ولم يقل مطلق نية الصلاة، وبينهما فرق دقيق، ففيه إشارة خفية إلى ما قلنا فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله أو نذر‏)‏ هو قد يكون منجزا أو معلقا على نحو شفاء مريض أو قدوم غائب فالظاهر أنه لا بد من تعيينه بذلك لاختلاف أسبابه واختلاف أنواع ما علق عليه بدليل عدم الاكتفاء في الفرض بدون تخصيصه بنحو الظهر أفاده ح‏.‏ قلت‏:‏ هذا إنما يظهر عند وجود المزاحم، كما لو كان عليه نذر منجز ومعلق أو نذران علقا على أمرين، وإلا فلا كما قدمناه آنفا عن الحلية في قضاء الفائتة فافهم ‏(‏قوله أو سجود تلاوة‏)‏ إلا إذا تلاها في الصلاة وسجدها فورا، ولا يجب تعيين السجدات التلاوية لو تكررت التلاوة كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله وكذا شكر بخلاف سهو‏)‏ الذي رأيته في النهر بحثا عكس ما ذكره الشارح، ولعل الأوجه ما هنا بالنسبة إلى سجود الشكر فقط لأن السجود قد يكون لسبب كالتلاوة والشكر، وقد يكون بدونه كما يفعله العوام بعد الصلاة وهو مكروه كما نص عليه الزاهدي، فلما وجد المزاحم لا بد من التعيين لبيان السبب وإلا كان مكروها اتفاقا‏.‏ ويبتنى على ذلك ما لو نام في ذلك السجود أو تيمم لأجله، فإن كان سجودا مشروعا تنتقض طهارته وتصح صلاته بذلك التيمم، وإلا فلا كما ذكروه في ثمرة الاختلاف بين الإمام وصاحبيه في مشروعية سجدة الشكر وعدمها، فظهر أنه لا بد من تعيينها ليتميز المشروع عن غيره لا يقال‏:‏ إن النفل لا يشترط فيه التعيين كما مر، وسجدة الشكر على القول بمشروعيتها نفل فلا يشترط تعيينها أيضا‏.‏ لأنا نقول‏:‏ هذا خارج عن هذا الحكم بدليل أن الصلاة عبادة في ذاتها ولا تنتفي عنها المشروعية إلا بسبب عارض، بخلاف السجود خارج الصلاة فإنه ليس عبادة في نفسه بل بعارض شكر أو تلاوة مثلا، فمطلق الصلاة ينصرف إلى النفل المشروع فلذا لم يشترط تعيينه بخلاف مطلق السجود فإنه ينصرف إلى غير المشروع لأنه لم يشرع إلا بسبب فلا بد من تعيين ذلك السبب ليكون مشروعا وليتميز عن غيره من المزاحمات له في المشروعية من تلاوة وسهو فافهم، هذا ما ظهر لفهمي القاصر‏.‏ وأما سجود السهو فأفاد ح أنه لما كان جابر النقص واجبا في الصلاة كان بدله، ولا يشترط نية أبعاض الصلاة فكذلك بدله‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم رأيت في الأشباه قال‏:‏ ولا تصح صلاة مطلقا إلا بنية ثم قال‏:‏ وسجود التلاوة كالصلاة، وكذا سجدة الشكر وسجود السهو ا هـ‏.‏ ولعل هذا هو الأظهر‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

لم يذكر السجدة الصلبية، وحكمها أنه يجب نيتها إذا فصل بينها وبين محلها بركعة، فلو بأقل فلا كما في الفتاوى الهندية فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله فلا يضر الخطأ في عددها‏)‏ الظاهر أن الخطأ غير قيد‏.‏ وفي الأشباه‏:‏ الخطأ فيما لا يشترط له التعيين لا يضر، كتعيين مكان الصلاة وزمانها وعدد الركعات، ومنه إذا عين الأداء فبان أن الوقت قد خرج أو القضاء فبان أنه باق ا هـ‏.‏‏:‏ ونقل في جامع الفتاوى عن الخانية أن الأفضل أن ينوي أعداد الركعات، ثم قال‏:‏ وقيل يكره التلفظ بالعدد لأنه عبث لا حاجة إليه ا هـ‏.‏ ولا يخلو القول الثاني عن تأمل

‏(‏قوله وينوي المقتدي‏)‏ أما الإمام فلا يحتاج إلى نية الإمامة كما سيأتي ‏(‏قوله لم يقل أيضا‏)‏ أي كما في الكنز والملتقى وغيرهما ‏(‏قوله صح في الأصح‏)‏ كذا نقله الزيلعي وغيره بحر‏.‏ قلت‏:‏ لكن ذكر المسألة الأولى في الخانية وقال‏:‏ لا يجوز لأن الاقتداء بالإمام كما يكون في الفرض يكون في النفل‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ يجوز ا هـ‏.‏‏:‏ قال في شرح المنية‏:‏ فظهر أن الجواز قول البعض وعدمه هو المختار‏.‏ أقول‏:‏ يؤيده قول المتون ينوي المتابعة أيضا، وكذا قول الهداية ينوي الصلاة ومتابعة الإمام، ومثله في المجمع وكثير من الكتب، بل قال في المنبع إنه بالإجماع‏.‏ وأما المسألة الثانية فلا تخالف ما في المتون لأن فيها التعيين مع المتابعة، ولهذا قال في الخانية لأنه لما نوى الشروع في صلاة الإمام صار كأنه نوى فرض الإمام مقتديا به ا هـ‏.‏ فتدبر‏.‏ ومقتضاه أنه صح شروعه وصار مقتديا وإن لم يصرح بنية الاقتداء، لكن في الفتح إذا نوى الشروع في صلاة الإمام قال ظهير الدين ينبغي أن يزيد على هذا واقتديت به ‏(‏قوله وإن لم يعلم بها‏)‏ أي بصلاة الإمام ‏(‏قوله تبعا لصلاة الإمام‏)‏ الأولى تبعا للإمام كما عبر الزيلعي ‏(‏قوله لعدم نية الاقتداء‏)‏ علة لقوله بخلاف‏.‏ إلخ‏.‏ أما في الأول فلأنه إنما عين الصلاة فقط ولا يلزم منه نية الاقتداء‏.‏ وأما الثاني فلأن الانتظار قد يكون للاقتداء وقد يكون بحكم العادة فلا يصير مقتديا بالشك كما في البدائع‏.‏ وقيل إذا انتظر ثم كبر صح واستحسنه في شرح المنية لقيامه مقام النية‏.‏ قلت‏:‏ لا يخفى أن الكلام عند عدم خطور الاقتداء في قلبه وقصده له وإلا كانت النية موجودة حقيقية ‏(‏قوله إلا في جمعة‏)‏ استثناء من المتن‏:‏ أي فيكفيه التعيين عن نية الاقتداء أو من قوله، بخلاف ما لو نوى صلاة الإمام ‏(‏قوله وجنازة وعيد‏)‏ نقلهما في الأحكام عن عمدة المفتي ‏(‏قوله لاختصاصها‏)‏ أي الثلاثة المذكورة بالجماعة فتكون نيتها متضمنة لنية الاقتداء‏.‏ قال في الأحكام‏:‏ لكن في صلاة الجنازة بحث، إلا أن يقال‏:‏ لما كانت لا تتكرر وكان الحق للولي في الإمامة لم تكن إلا مع الإمام ا هـ‏.‏ فعلى هذا يقيد ذلك بغير الولي، فلو أم بها من لا ولاية له ثم حضر الولي لا بد له مع التعيين من نية الاقتداء بذلك الإمام وإلا كان شارعا في صلاة نفسه لأن له الإعادة ولو منفردا فلا اختصاص في حقه

‏(‏قوله ولو نوى فرض الوقت إلخ‏)‏ اعلم أنه يتأتى هنا تسع مسائل أيضا كما ذكرناه سابقا لأنه إما أن يقرن الفرض بالوقت أو باليوم أو يطلق، وفي كل إما أن يكون في الوقت أو خارجه مع العلم بخروجه أو مع عدمه، فإن قرنه باليوم بأن نوى فرض اليوم لا يصح بأقسامه الثلاث لأن فرض اليوم متنوع، ومثله ما لو أطلق، وإن قرنه بالوقت، فإن في الوقت جاز وهو ما ذكره المصنف، وإن خارجه مع العلم بخروجه فقال ح لا يجوز‏.‏ قلت‏:‏ وهو المتبادر من قول الأشباه عن البناية لو نوى فرض الوقت بعدما خرج الوقت لا يجوز، وإن شك في خروجه جاز ا هـ‏.‏ لكنه خلاف ما يفهم من قول الزيلعي الآتي وهو لا يعلمه فليتأمل، وإن كان مع عدم العلم بخروجه لا يجوز لقول الزيلعي‏:‏ يكفيه أن ينوي ظهر الوقت مثلا أو فرض الوقت والوقت باق لوجود التعيين، ولو كان الوقت قد خرج وهو لا يعلمه لا يجوز لأن فرض الوقت في هذه الحالة غير الظهر‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية‏:‏ وإن صلى بعد خروج الوقت وهو لا يعلمه فنوى فرض الوقت لا يجوز وهو الصحيح، لكن يخالفه قول الأشباه المار آنفا وإن شك في خروجه جاز‏.‏ وقد يجاب بأنه مبني على خلاف الصحيح‏.‏ وأما الجواب بالتفرقة بين الشك وعدم العلم ففيه نظر لأن من لم يعلم خروج وقت الظهر مثلا ونوى فرض الوقت يكون مراده وقت الظهر لأنه يظن بقاءه ومع هذا قلنا الصحيح أنه لا يجوز، فمن شك في بقائه وخروجه يكون أولى بعدم الجواز فافهم ‏(‏قوله لأنها بدل‏)‏ أي لأن فرض الوقت عندنا الظهر لا الجمعة، ولكن قد أمر بالجمعة لإسقاط الظهر، ولذا لو صلى الظهر قبل أن تفوته الجمعة صحت عندنا خلافا لزفر والثلاثة وإن حرم الاقتصار عليها شرح المنية، لكن سيأتي في الجمعة اعتماد أنها أصل لا بدل، وهو ضعيف كما سنوضحه هناك إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله في اعتقاده‏)‏ تفسير لقوله عنده، فهو على حذف أي ط

‏(‏قوله ولو في الجمعة‏)‏ كذا في الشرنبلالية، ولم يظهر لي وجهه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ أقول‏:‏ لعل المراد أنه لو نوى المعذور ظهر الوقت يوم الجمعة جاز‏:‏ أي بلا فرق بين أن يكون اعتقاده أنها فرض الوقت أو لا، فتظهر فائدة ذكره هنا‏.‏ وأما نية الظهر في صلاة الجمعة فلا تصح كما في الأحكام عن النافع‏.‏ وفيه عن فيض الغفار شرح المختار‏:‏ لو نوى ظهر الوقت غير الجمعة إن في الوقت جاز على الصحيح، فقوله في غير الجمعة احتراز عن الجمعة ‏(‏قوله وهو لا يعلمه‏)‏ أي لا يعلم خروجه، ومفهومه أنه لو علمه يصح كما قدمناه عن الشرنبلالية ‏(‏قوله لا يصح في الأصح‏)‏ بل قدمنا عن الحلية أنه هو الصواب خلافا لما فهمه في البحر وإن رجحه المحشي ‏(‏قوله ومثله فرض الوقت‏)‏ أي مثل ظهر الوقت في أنه بعد خروج الوقت وهو لا يعلمه لا يصح في الأصح كما قدمناه آنفا عن التتارخانية والزيلعي، خلافا لما في الأشباه فإنه خلاف الأصح كما علمت فافهم ‏(‏قوله لجوازه مطلقا‏)‏ أي وإن كان الوقت قد خرج لأنه نوى ما عليه، وهو مخلص لمن يشك في خروج الوقت‏.‏ ا هـ‏.‏ زيلعي أي بخلاف ظهر الوقت لأن الظهر لا يخرج عن كونه ظهر اليوم بخروج الوقت، ويخرج عن كونه ظهر الوقت بخروجه لصحة تسميته ظهر اليوم لا ظهر الوقت لأن الوقت ليس له إذ اللام للعهد لا للجنس فلا يضاف إليه‏.‏ ا هـ‏.‏ شرح المنية‏.‏

مطلب يصح القضاء بنية الأداء وعكسه

‏(‏قوله لصحة القضاء بنية الأداء إلخ‏)‏ هذا التعليل إنما يظهر إذا نوى الأداء، أما إذا تجردت نيته فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ ط والمناسب ما في الأشباه عن الفتح‏:‏ لو نوى الأداء على ظن بقاء الوقت فتبين خروجه أجزأه وكذا عكسه، ثم مثل له ناقلا عن كشف الأسرار بقوله‏:‏ كنية من نوى أداء ظهر اليوم بعد خروج الوقت على ظن أن الوقت باق، وكنية الأسير الذي اشتبه عليه رمضان فتحرى شهرا وصامه بنية الأداء فوقع صومه بعد رمضان، وعكسه كنية من نوى قضاء الظهر على ظن أن الوقت قد خرج ولم يخرج بعد، وكنية الأسير الذي صام رمضان بنية القضاء على ظن أنه قد مضى والصحة فيه باعتبار أنه أتى بأصل النية، ولكن أخطأ في الظن والخطأ في مثله معفو عنه‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ومعنى كونه أتى بأصل النية أنه قد عين في قلبه ظهر اليوم الذي يريد صلاته فلا يضر وصفه له بكونه أداء أو قضاء، بخلاف ما إذا نوى صلاة الظهر قضاء وهو في وقت الظهر ولم ينو صلاة هذا اليوم لا يصح عن الوقتية لأنه بنية القضاء صرفه عن هذا اليوم ولم توجد منه نية الوقتية حتى يلغو وصفه بالقضاء فلم يوجد التعيين، وكذا لو نواه أداء وكانت عليه ظهر فائتة لا يصح عنها وإن كان قد صلى الوقتية لما قلنا‏.‏

مطلب مضى عليه سنوات وهو يصلي الظهر قبل وقتها

وبهذا ظهر الجواب عن مسألة ذكرها بعض الشافعية، وهي‏:‏ لو مضى عليه سنوات وهو يصلي الظهر قبل وقتها فهل عليه قضاء ظهر واحدة أو الكل‏؟‏ فأجاب بعضهم بالأول بناء على أنه لا يشترط نية القضاء فتكون صلاة كل يوم قضاء لما قبله، وخالفه غيره‏.‏ ووفق بعض المحققين منهم بأنه إن نوى كل يوم صلاة ظهر مفروضة عليه بلا تقييد بالتي ظن دخول وقتها الآن تعين ما قاله الأول، وإن نواها عن التي ظن دخول وقتها الآن وعبر عنها بالأداء أولا تعين الثاني لصرفه لها عن الفائتة بقصده الوقتية‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن هذا التفصيل موافق لقواعد مذهبنا، أما الأول فلما قدمناه عن الزيلعي فيمن نوى ظهر اليوم بعد خروجه من أنه يصح لأنه نوى ما عليه ولم يوجد المزاحم هنا حتى يلزمه تعيين يوم الفائتة فيكفيه نية ما في ذمته كما مر عن الحلية، وأما الثاني فلما قررناه آنفا‏.‏ ثم رأيت التصريح بذلك عندنا في الصوم، وهو ما لو صام الأسير بالتحري سنين ثم تبين أنه صام في كل سنة قبل شهر رمضان، فقيل يجوز صومه في كل سنة عما قبلها، وقيل لا‏.‏ قال في البحر‏:‏ وصحح في المحيط أنه إن نوى صوم رمضان مبهما يجوز عن القضاء، وإن نوى عن السنة مفسرا فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في البدائع‏:‏ ومثل له أبو جعفر بمن اقتدى بالإمام على ظن أنه زيد فإذا هو عمرو صح، ولو اقتدى بزيد فإذا هو عمرو لم يصح لأنه في الأول اقتدى بالإمام إلا أنه أخطأ في ظنه فلا يقدح‏:‏ وفي الثاني اقتدى بزيد فإذا لم يكن زيدا تبين أنه لم يقتد بأحد فكذا هنا إذا نوى صوم كل سنة عن الواجب عليه تعلقت نية الواجب بما عليه لا بالأولى والثانية إلا أنه ظن أنه للثانية فأخطأ في ظنه فيقع عن الواجب عليه لا عما ظن انتهى‏.‏ وحاصله أنه إذا نوى الصوم الواجب عليه لا بقيد كونه عن سنة مخصوصة صح عن السنة الماضية وإن كان يظن أنه لما بعدها فاغتنم هذا التحرير

‏(‏قوله ومصلي الجنازة‏)‏ شروع في بيان التعيين في صلاة الجنازة ط ‏(‏قوله ينوي الصلاة لله إلخ‏)‏ كذا في المنية‏.‏ قال في الحلية وفي المحيط الرضوي والتحفة والبدائع‏:‏ ينبغي أن ينوي صلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الجنازة وصلاة الوتر لأن التعيين يحصل بهذا ا هـ‏.‏ وأما ما ذكره المصنف فليس بضربة لازب‏.‏ ويمكن أن يكون إشارة إلى أنه لا ينوي الدعاء للميت فقط نظرا إلى أنه لا ركوع فيها ولا سجود ولا قراءة ولا تشهد‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وهذا أظهر مما في جامع الفتاوى، من أنه لا بد مما ذكره المصنف، وأنه لو كان الميت ذكرا فلا بد من نيته في الصلاة، وكذلك الأنثى والصبي والصبية، ومن لم يعرف أنه ذكر أو أنثى يقول‏:‏ نويت أن أصلي الصلاة على الميت الذي يصلي عليه الإمام ا هـ‏.‏ فليتأمل، ويأتي قريبا ما يؤيد الأول‏.‏ وهذا، وذكر ح بحثا أنه لا بد من تعيين السبب وهو الميت أو الأكثر، فإن أراد الصلاة على جنازتين نواهما معا أو على إحداهما فلا بد من تعيينها، ويؤيده ما يذكره الشارح عن الأشباه ‏(‏قوله لأنه الواجب عليه‏)‏ كذا قاله الزيلعي وتبعه في البحر والنهر، ووجهه ما ذهب إليه المحقق ابن الهمام حيث قالوا‏:‏ المفهوم من كلامهم أن أركانها الدعاء والقيام والتكبير، لقولهم إن حقيقتها هي الدعاء وهو المقصود منها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي النتف هي في قول أبي حنيفة وأصحابه دعاء على الحقيقة وليست بصلاة لأنه لا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود ا هـ‏.‏ فحيث كان حقيقتها الدعاء كان وجوبها باعتبار الدعاء فيها وإن قلنا أنه ليس بركن فيها على ما اختاره في البحر وغيره كما سيأتي في الجنائز، وحينئذ فالضمير في قوله لأنه الواجب يعود على الدعاء‏.‏ أما على القول بالركنية فظاهر، وإنما خص من بين سائر أركانها لأنه المقصود منها، وأما على القول بالسنية فلأن المراد بالدعاء ماهية الصلاة لا نفس الدعاء الموجود فيها، لما علمت من أن حقيقتها الدعاء لأن المصلي شافع للميت، فهو داع له بنفس هذه الصلاة وإن لم يتلفظ بالدعاء، فكأنه قيل لأن الصلاة هي الواجبة عليه، هكذا ينبغي حل هذا المحل فافهم ‏(‏قوله فيقول إلخ‏)‏ بيان للنية الكاملة‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ وفي جنائز الفتاوى الهندية عن المضمرات أن الإمام والقوم ينوون ويقولون نويت أداء هذه الفريضة عبادة لله تعالى متوجها إلى الكعبة مقتديا بالإمام، ولو تفكر الإمام بالقلب أنه يؤدي صلاة الجنازة يصح، ولو قال المقتدي اقتديت بالإمام يجوز ا هـ‏.‏ وبه ظهر أن الصيغة التي ذكرها المصنف غير لازمة في نيتها بل يكفي مجرد نيته في قلبه أداء صلاة الجنازة كما قدمناه عن الحلية، وأنه لا يلزمه تعيين الميت أنه ذكر أو أنثى خلافا لما مر عن جامع الفتاوى ‏(‏قوله لم يجز‏)‏ لأن الميت كالإمام، فالخطأ في تعيينه كالخطأ في تعيين الإمام‏.‏ ا هـ‏.‏ ح أي لأنه لما عين لزم ما عينه وإن كان أصل التعين غير لازم على ما عرفته آنفا‏.‏ وفي ط عن البحر‏:‏ ولو نوى الصلاة عليه يظنه فلانا فإذا هو غيره يصح، ولو نوى الصلاة على فلان فإذا هو غيره لا يصح، ولو على هذا الميت الذي هو فلان فإذا هو غيره جاز لأنه عرفه بالإشارة فلغت التسمية‏.‏ ا هـ‏.‏ وعليه فينبغي تقييد عدم الجواز في مسألتنا بما إذا لم يشر إليه تأمل ‏(‏قوله وأنه لا يضر إلخ‏)‏ أي إذا عين عددهم لا يضره التعيين المذكور في حالة من الأحوال سواء وافق ما عين أو خالفه إلا إذا كانوا أكثر مما عين، وهذا معنى صحيح لهذا التركيب لا شيء سوى التغيير في وجود الحسان فافهم ‏(‏قوله إلا إذا بان إلخ‏)‏ هذا ظاهر إذا كان إماما، فلو مقتديا وقال أصلي على ما صلى عليه الإمام وهم عشرة فظهر أنهم أكثر لا يضره، وينبغي أن يقيد عدم الإجزاء بما إذا قال‏:‏ أي الإمام أصلي على العشرة الموتى مثلا، أما إذا قال أصلي على هؤلاء العشرة فبان أنهم أكثر فلا كلام في الجواز لوجود الإشارة‏.‏ ا هـ‏.‏ بيري ‏(‏قوله لعدم نية الزائد‏)‏ لا يقال‏:‏ مقتضاه أن تصح الصلاة على القدر الذي عينه عددا‏.‏ لأنا نقول‏:‏ لما كان كل يوصف بكونه زائدا على المعين بطلت ط

‏(‏قوله والإمام ينوي صلاته فقط إلخ‏)‏ لأنه منفرد في حق نفسه بحر‏:‏ أي فيشترط في حقه ما يشترط في حق المنفرد من نية صلاته على الوجه المار بلا شيء زائد بخلاف المقتدي، فالمقصود دفع ما قد يتوهم من أنه كالمقتدي يشترط له نية الإمامة كما يشترط للمقتدي نية الاقتداء لاشتراكهما في الصلاة الواحدة‏.‏ والفرق أن المقتدي يلزمه الفساد من جهة إمامه فلا بد من التزامه كما يشترط للإمام نية إمامة النساء لذلك كما يأتي‏.‏ والحاصل ما قاله في الأشباه من أنه لا يصح الاقتداء إلا بنيته، وتصح الإمامة بدون نيتها خلافا للكرخي وأبي حفص الكبير ا هـ‏.‏ لكن يستثنى من كانت إمامته بطريق الاستخلاف فإنه لا يصير إماما ما لم ينو الإمامة بالاتفاق كما نص عليه في المعراج في باب الاستخلاف وسيأتي هناك ‏(‏قوله بل لنيل الثواب‏)‏ معطوف على قوله لصحة الاقتداء أي بل يشترط نية إمامة المقتدي لنيل الإمام ثواب الجماعة، وقوله عند اقتداء أحد به متعلق بنيته التي هي نائب فاعل يشترط المقدر بعد، بل وقوله لا قبله معطوف عليه‏:‏ أي لا يشترط لنيله الثواب نية الإمامة قبل الاقتداء، بل يحصل بالنية عنده أو قبله، فقوله لا قبله نفي لاشتراط نيل الثواب بوجود النية قبله لا نفي للجواز ولا يخفى أن نفي الاشتراط لا ينافي الجواز فافهم ‏(‏قوله لو أم رجالا‏)‏ قيد لقوله ولا يشترط إلخ ‏(‏قوله فلا يحنث إلخ‏)‏ تفريع على قوله ولا يشترط‏.‏ قال في البحر‏:‏ لأن شرط الحنث أن يقصد الإمامة ولم يوجد ما لم ينوها ا هـ‏.‏ لكن قال في الأشباه‏:‏ ولو حلف أن لا يؤم أحدا فاقتدى به إنسان صح الاقتداء، وهل يحنث‏؟‏ قال في الخانية‏:‏ يحنث قضاء لا ديانة إلا إذا أشهد قبل الشروع فلا حنث قضاء، وكذا لو أم الناس هذا الحالف في صلاة الجمعة صحت وحنث قضاء، ولا يحنث أصلا إذا أمهم في صلاة الجنازة وسجد سجدة التلاوة، ولو حلف أن لا يؤم فلانا فأم الناس ناويا أن لا يؤمه ويؤم غيره فاقتدى به فلان حنث وإن لم يعلم به ا هـ‏.‏ أي لأنه إذا كان إماما لغيره كان إماما له أيضا إلا إذا نوى أن يؤم الرجال دون النساء فلا يجزيهن كما في النتف‏.‏ بقي وجه حنثه قضاء في الصورة الأولى أن الإمامة تصح بدون نية كما قدمناه ولذا صحت منه الجمعة مع أن شرطها الجماعة، لكن لما كان لا يلزمه الحنث بدون التزامه لم يحنث ديانة إلا بنية الإمامة، كذا ظهر لي فتأمل‏.‏ قوله في غير صلاة جنازة‏)‏ أما فيها فلا يشترط نية إمامتها إجماعا كما يذكره ‏(‏قوله لصحة صلاتها‏)‏ الأنسب بالمقام لصحة اقتدائها ‏(‏قوله من نية إماميتها‏)‏ أي وقت الشروع، لا بعده كما سيذكره في باب الإمامة‏.‏

ويشترط حضورها عند النية في رواية، وفي أخرى لا‏:‏ واستظهرها في البحر ‏(‏قوله لئلا يلزم إلخ‏)‏ حاصله أنه لو صح اقتداؤه بلا نية لزم عليه إفساد صلاته إذا حاذته بدون التزامه وذلك لا يجوز، والتزامه إنما هو بنية إمامتها ‏(‏قوله بالمحاذاة‏)‏ أي عند وجود شرائطها الآتية في باب الإمامة ‏(‏قوله كجنازة‏)‏ فإنه لا يشترط لصحة اقتداء المرأة فيها نية إمامتها إجماعا لأن المحاذاة فيها لا تفسدها ‏(‏قوله على الأصح‏)‏ حكوا مقابله عن الجمهور ‏(‏قوله وعليه‏)‏ أي على القول بأنه لا يشترط لصحة اقتدائها نية إمامتها فيصح اقتداؤها لكن إن لم تتقدم بعد ولم تحاذ أحدا من إمام أو مأموم بقي اقتداؤها وتمت صلاتها، وإلا‏:‏ أي وإن تقدمت وحاذت أحدا لا يبقى اقتداؤها ولا تتم صلاتها كما في الحلية فليس ذلك شرطا في الجمعة والعيد فقط فافهم

‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي للقريب المشاهد وغيره لأن إصابة الجهة تحصل بلا نية العين وهي شرط، فلا يشترط لها النية كباقي الشرائط ‏(‏قوله على الراجح‏)‏ مقابله ما قيل إن الفرض إصابة العين للقريب والبعيد ولا يمكن ذلك للبعيد إلا من حيث النية فانتقل ذلك إليها ‏(‏قوله لم يجز‏)‏ لأن المراد بالكعبة العرصة لا البناء والمحراب علامة عليها والمقام‏:‏ هو الحجر الذي كان يقوم عليه الخليل عليه الصلاة والسلام عند بناء البيت ‏(‏قوله مفرع على المرجوح‏)‏ كذا في البحر عن الحلية وهو ظاهر لأن من اشترط نية الكعبة لا يجوز الصلاة بدونها، فإذا نوى غيرها لا تجوز الصلاة عنده بالأولى، وقد علمت أن الكعبة اسم للعرصة، فإذا نوى البناء أو المحراب أو المقام فقد نوى غير الكعبة، أما على القول الراجح من أنه لا تشترط نيتها فلا يضره نية غيرها بعد وجود الاستقبال الذي هو الشرط، لكن اعترضه الشيخ إسماعيل بأنه غير مسلم لما في البدائع من أن الأفضل أن لا ينوي الكعبة، لاحتمال أن لا تحاذي هذه الجهة الكعبة فلا تجوز صلاته ا هـ‏.‏ فإن مفهومه أنه إذا استقبل غير ما نوى لا تجوز صلاته، لكن لا يخفى أنه ليس فيه دلالة، على أنه إذا نوى البناء ونحوه لا تجوز صلاته بل يدل على أن الأفضل عدم ذلك، فما ذكره الشارح تبعا للبحر والحلية صحيح فافهم، نعم ذكر في شرح المنية أن نية القبلة وإن لم تشترط، لكن عدم نية الإعراض عنها شرط ا هـ‏.‏ وعليه فهو مفرع على الراجح ‏(‏قوله صح‏)‏ لأنه نوى الاقتداء بالإمام الموجود فلا يضره ظنه، بخلاف اسمه قال في الحلية‏:‏ لأن العبرة لما نوى لا لما يرى ا هـ‏.‏ ويظهر منه أن مثله ما لو اعتقد أنه زيد لأنه جازم بالاقتداء بهذا الإمام فافهم‏.‏

مطلب إذا اجتمعت الإشارة والتسمية

‏(‏قوله إلا إذا عينه باسمه‏)‏ أي لم ينو الاقتداء بالإمام الموجود، وإنما نوى الاقتداء بزيد سواء تلفظ باسمه أو لا، لما في المنية إلا إذا قال اقتديت بزيد أو نوى الاقتداء بزيد ا هـ‏.‏ فإذا ظهر أنه عمرو لا يصح الاقتداء لأن العبرة لما نوى حلية‏:‏ أي وهو قد نوى الاقتداء بغير هذا الإمام الحاضر ‏(‏قوله إلا إذا عرفه‏)‏ استثناء من عدم الصحة التي تضمنها الاستثناء الأول ‏(‏قوله كالقائم في المحراب‏)‏ أي نوى الاقتداء بالإمام القائم في المحراب الذي هو زيد فإذا هو غيره جاز أشباه لأن ‏(‏أل‏)‏ يشار بها إلى الموجود في الخارج أو الذهن، وعلى كل فقد نوى الاقتداء بالإمام الموجود فلغت التسمية ‏(‏قوله أو إشارة‏)‏ أي باسمها الموضوع لها حقيقة، وإنما جاز لأنه عرفه بالإشارة فلغت التسمية كما في الخانية وغيرها ‏(‏قوله إلا إذا أشار إلخ‏)‏ استثناء من قوله أو إشارة ‏(‏قوله فلا يصح‏)‏ أورد عليه أن في هذه الصورة اجتمعت الإشارة مع التسمية، فكان ينبغي أن تلغو التسمية كما لغت في هذا الإمام الذي هو زيد وفي هذا الشيخ، والجواب أن إلغاء التسمية ليس مطلقا قال في الهداية من باب المهر‏:‏ الأصل أن المسمى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلق العقد بالمشار إليه لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتا والوصف يتبعه وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى لأن المسمى مثل المشار إليه وليس بتابع له، والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف الماهية والإشارة تعرف الذات‏.‏ ا هـ‏.‏ قال الشارحون هذا الأصل متفق عليه في النكاح والبيع والإجارة وسائر العقود‏.‏ ا هـ‏.‏ إذا عرفت ذلك فاعلم أن زيدا وعمرا جنس واحد من حيث الذات وإن اختلفا من حيث الأوصاف والمشخصات لأن الملحوظ إليه في العلم هو الذات، ففي قوله هذا الإمام الذي هو زيد فظهر أن المشار إليه عمرو يكون قد اختلف المسمى والمشار إليه، فلغت التسمية وبقيت الإشارة معتبرة لكونهما من جنس واحد، فصح الاقتداء‏.‏ وأما الشيخ والشاب فهما من الأوصاف الملحوظ فيها الصفات دون الذات، ومعلوم أن صفة الشيخوخة تباين صفة الشباب فكانا جنسين، فإذا قال هذا الشاب فظهر أنه شيخ لا يصح الاقتداء لأنه وصفه بصفة خاصة لا يوصف بها من بلغ سن الشيخوخة، فقد خالفت الإشارة التسمية مع اختلاف الجنس، فلغت الإشارة واعتبرت التسمية بالشاب، فيكون قد اقتدى، بغير موجود كمن اقتدى بزيد فبان غيره‏.‏ وأما إذا قال هذا الشيخ فظهر أنه شاب فإنه يصح لأن الشيخ صفة مشتركة في الاستعمال بين الكبير وفي السن الكبير في القدر كالعالم وبالنظر إلى المعنى الثاني يصح أن يسمي الشاب شيخا، فقد اجتمعت الصفتان في المشار إليه لعدم تخالفهما فلم يلغ أحدهما فيصح الاقتداء‏.‏ ونظيره لو قال هذه الكلبة طالق أو هذا الحمار حر تطلق المرأة ويعتق العبد كما صرحوا به مع أن المشار إليه وهو المرأة والعبد من غير جنس المسمى وهو الكلبة والحمار، لكن لما كان في مقام الشتم يطلق الكلب والحمار على الإنسان مجازا لم يحصل اختلاف الجنس فلم تلغ الإشارة، هذا ما ظهر لفهمي السقيم من فيض الفتاح العليم ‏(‏قوله وفي المجتبى إلخ‏)‏ وجهه أنه لما نوى الاقتداء بإمام مذهبه فإذا هو غيره فقد نوى الاقتداء بمعدوم كما قدمناه عن المنية فيما إذا نوى الاقتداء بزيد فإذا هو غيره‏.‏

مطلب ما زيد في المسجد النبوي هل يأخذ حكمه‏؟‏

‏(‏قوله فائدة لما كان إلخ‏)‏ استنبط هذه الفائدة من مسألة الاقتداء شيخ الإسلام العيني في شرح البخاري كما في أحكام الإشارة من الأشباه‏.‏ وأصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» ومعلوم أنه قد زيد في المسجد النبوي؛ فقد زاد فيه عمر ثم عثمان ثم الوليد ثم المهدي، والإشارة بهذا إلى المسجد المضاف المنسوب إليه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن جميع المسجد الموجود الآن يسمى مسجده صلى الله عليه وسلم فقد اتفقت الإشارة والتسمية على شيء واحد، فلم تلغ التسمية، فتحصل المضاعفة المذكورة في الحديث فيما زيد فيه‏.‏ وخصها الإمام النووي بما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم عملا بالإشارة‏.‏ وأما حديث‏:‏ «لو مد مسجدي هذا إلى صنعاء كان مسجدي» فقد اشتد ضعف طرقه، فلا يعمل به في فضائل الأعمال كما ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة، وكان وجهه أنه جعل الإشارة لخصوص البقعة الموجودة يومئذ فلم تدخل فيها الزيادة، ولا بد في دخولها من دليل‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده ما سيأتي في الأيمان من باب اليمين بالدخول عن البدائع‏:‏ لو قال لا أدخل هذا المسجد فزيد فيه حصة فدخلها لم يحنث ما عقد يمينه على الإضافة وذلك موجود في الزيادة‏.‏ وقد يجاب بأن ما نحن فيه من قبيل الثاني، ويؤيده أن في بعض طرق الحديث بدون اسم الإشارة، وعلى ذكرها فهي لا لتخصيص البقعة بل لدفع أن يتوهم دخول غير المسجد المدني من بقية المساجد التي تنسب إليه صلى الله عليه وسلم التي ذكرها أصحاب السير، والله تعالى أعلم‏.‏

مبحث في استقبال القبلة ‏(‏قوله واستقبال القبلة‏)‏ أي الكعبة المشرفة، وليس منها الحجر بالكسر والشاذروان، لأن ثبوتهما منها ظني وهو لا يكتفى به في القبلة احتياطا وإن صح الطواف فيه مع الحرمة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحج ‏(‏قوله كعاجز‏)‏ أي كاستقبال عاجز عنها لمرض أو خوف عدو أو اشتباه، فجهة قدرته أو تحريه قبلة له حكما ‏(‏قوله والشرط حصوله لا تحصيله‏)‏ أشار إلى أن السين والتاء فيه ليست للطلب، لأن الشرط هو المقابلة لا طلبها إلا إذا توقف حصولها عليه كما في الحلية ‏(‏قوله وهو شرط زائد‏)‏ أي ليس مقصودا لأن المسجود له هو الله تعالى ط أو المراد أنه قد يسقط بلا ضرورة كما في الصلاة على الدابة خارج المصر، ونظيره ما مر في تفسير الركن الزائد كالقراءة فكان المناسب للشارح أن يقول قد يسقط بلا عجز بدل قوله يسقط للعجز، وإلا فكل الشروط كذلك ‏(‏قوله للابتلاء‏)‏ علة لمحذوف أي شرطه الله تعالى لاختبار المكلفين لأن فطرة المكلف المعتقد استحالة الجهة عليه تعالى تقتضي عدم التوجه في الصلاة إلى جهة مخصوصة فأمرهم على خلاف ما تقتضيه فطرتهم اختبارا لهم هل يطيعون أو لا كما في البحر ح‏.‏ قلت‏:‏ وهذا كما ابتلى الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم حيث جعله قبلة لسجودهم ‏(‏قوله حتى لو سجد إلخ‏)‏ تفريع على كون الاستقبال شرطا زائدا، يعني لما كان المسجود له هو الله تعالى والتوجه إلى الكعبة مأمورا به كما تقدم كان السجود لنفس الكعبة كفرا ح ‏(‏قوله فللمكي‏)‏ أي فالشرط له أي لصلاته، وكذا قوله ولغيره أو اللام فيهما بمعنى ‏"‏ على أن ‏"‏ فالواجب عليه ‏(‏قوله لثبوت قبلتها‏)‏ أي قبلة المدينة المنورة المفهومة من قوله وكذا المدني‏.‏ وأورد أنه لا يلزم من ثبوتها بالوحي أن تكون على عين الكعبة لاحتمال كونها على الجهة ‏(‏قوله يعم المعاين وغيره‏)‏ أي المكي المشاهد للكعبة والذي بينه وبينها حائل كجدار ونحوه، فيشترط إصابة العين، بحيث لو رفع الحائل وقع استقباله على عين الكعبة ‏(‏قوله وأقره المصنف‏)‏ أي في المنح، لكن قال في شرحه على زاد الفقير إطلاق المتون والشروح والفتاوى يدل على أن المذهب الراجح عدم الفرق بين ما إذا كان بينهما حائل أو لا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الفتح‏:‏ وعندي في جواز التحري مع إمكان صعوده إشكال لأن المصير إلى الدليل الظني وترك القاطع مع إمكانه لا يجوز، وقد قال في الهداية‏:‏ والاستخبار فوق التحري فإذا امتنع المصير إلى ظني لإمكان ظني أقوى منه فكيف يترك اليقين مع الظن ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله بأن يبقى إلخ‏)‏ في كلامه إيجاز لا يفهم منه المراد، فاعلم أولا أن السطح في اصطلاح علماء الهندسة ما له طول وعرض لا عمق، والزاوية القائمة هي إحدى الزاويتين المتساويتين الحادثتين عن جنبي خط مستقيم قام على خط مستقيم هكذا قائمة قائمة، وكلتاهما قائمتان، ويسمى الخط القائم على الآخر عمودا، فإن لم تتساويا فما كانت أصغر من القائمة تسمى زاوية حادة، وما كانت أكبر تسمى زاوية منفرجة هكذا حادة منفرجة‏.‏ ثم اعلم أنه ذكر في المعراج عن شيخه أن جهة الكعبة هي الجانب الذي إذا توجه إليه الإنسان يكون مسامتا للكعبة أو هوائها تحقيقا أو تقريبا، ومعنى التحقيق أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارا على الكعبة أو هوائها؛ ومعنى التقريب أن يكون منحرفا عنها أو عن هوائها بما لا تزول به المقابلة بالكلية، بأن يبقى شيء من سطح الوجه مسامتا لها أو لهوائها‏.‏ وبيانه أن المقابلة في مسافة قريبة تزول بانتقال قليل من اليمين أو الشمال مناسب لها، وفي البعيدة لا تزول إلا بانتقال كثير مناسب لها فإنه لو قابل إنسان آخر في مسافة ذراع مثلا تزول تلك المقابلة بانتقال أحدهما يمينا بذراع وإذا وقعت بقدر ميل أو فرسخ لا تزول إلا بمائة ذراع أو نحوها، ولما بعدت مكة عن ديارنا بعدا مفرطا تتحقق المقابلة إليها في مواضع كثيرة في مسافة بعيدة، فلو فرضنا خطا من تلقاء وجه مستقبل الكعبة على التحقيق في هذه البلاد ثم فرضنا خطا آخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل وشماله لا تزول تلك المقابلة والتوجه بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة، فلذا وضع العلماء القبلة في بلاد قريبة على سمت واحد ا هـ‏.‏ ونقله في الفتح والبحر وغيرهما وشروح المنية وغيرها، وذكره ابن الهمام في زاد الفقير‏.‏ وعبارة الدرر هكذا‏:‏ وجهتها أن يصل الخط الخارج من جبين المصلي إلى الخط المار بالكعبة على استقامة بحيث يحصل قائمتان‏.‏ أو نقول‏:‏ هو أن تقع الكعبة فيما بين خطين يلتقيان في الدماغ فيخرجان إلى العينين كساقي مثلث، كذا قال النحرير التفتازاني في شرح الكشاف، فيعلم منه أنه لو انحرف عن العين انحرافا لا تزول منه المقابلة بالكلية جاز، ويؤيده ما قال في الظهيرية‏:‏ إذا تيامن أوتياسر تجوز لأن وجه الإنسان مقوس لأن عند التيامن أو التياسر يكون أحد جوانبه إلى القبلة ا هـ‏.‏ كلام الدرر، وقوله في الدرر على استقامة متعلق بقوله يصل لأنه لو وصل إليه معوجا لم تحصل قائمتان بل تكون إحداهما حادة والأخرى منفرجة كما بينا‏.‏ ثم إن الطريقة التي في المعراج هي الطريقة الأولى التي في الدرر، إلا أنه في المعراج جعل الخط الثاني مارا على المصلي على ما هو المتبادر من عبارته، وفي الدرر جعله مارا على الكعبة، وتصوير الكيفيات الثلاث على الترتيب هكذا‏:‏ ‏(‏قوله منح‏)‏ فيه أن عبارة المنح هي حاصل ما قدمناه عن المعراج، وليس فيها قوله مارا على الكعبة، بل هو المذكور في صورة الدرر‏.‏ ويمكن أن يراد أنه مار عليها طولا لا عرضا فيكون هو الخط الخارج من جبين المصلي والخط الآخر الذي يقطعه هو المار عرضا على المصلي أو على الكعبة فيصدق بما صورناه أولا وثانيا ثم إن اقتصاره على بعض عبارة المنح أدى إلى قصر بيانه على المسامتة تحقيقا وهي استقبال العين دون المسامتة تقديرا، وهي استقبال الجهة مع أن المقصود الثانية، فكان عليه أن يحذف قوله من تلقاء وجه مستقبلها حقيقة في بعض البلاد ‏(‏قوله قلت إلخ‏)‏ قد علمت أنه لو فرض شخص مستقبلا من بلده لعين الكعبة حقيقة، بأن يفرض الخط الخارج من جبينه واقعا على عين الكعبة فهذا مسامت لها تحقيقا، ولو أنه انتقل إلى جهة يمينه أو شماله بفراسخ كثيرة وفرضنا خطا مارا على الكعبة من المشرق إلى المغرب وكان الخط الخارج من جبين المصلي يصل على استقامة إلى هذا الخط المار على الكعبة فإنه بهذا الانتقال لا تزول المقابلة بالكلية لأن وجه الإنسان مقوس، فمهما تأخر يمينا أو يسارا عن عين الكعبة يبقى شيء من جوانب وجهه مقابلا لها، ولا شك أن هذا عند زيادة البعد؛ أما عند القرب فلا يعتبر كما مر؛ فقول الشارح هذا معنى التيامن والتياسر‏:‏ أي أن ما ذكره من قوله بأن يبقى شيء من سطح الوجه إلخ مع فرض الخط على الوجه الذي قررناه هو المراد بما في الدرر عن الظهيرية من التيامن والتياسر‏:‏ أي ليس المراد منه أن يجعل عن يمينه أو يساره، إذ لا شك حينئذ في خروجه عن الجهة بالكلية، بل المفهوم مما قدمناه عن المعراج والدرر من التقييد بحصول زاويتين قائمتين عند انتقال المستقبل لعين الكعبة يمينا أو يسارا أنه لا يصح لو كانت إحداهما حادة والأخرى منفرجة بهذه الصورة‏:‏ والحاصل أن المراد بالتيامن والتياسر الانتقال عن عين الكعبة إلى جهة اليمين أو اليسار لا الانحراف، لكن وقع في كلامهم ما يدل على أن الانحراف لا يضر؛ ففي القهستاني‏:‏ ولا بأس بالانحراف انحرافا لا تزول به المقابلة بالكلية، بأن يبقى شيء من سطح الوجه مسامتا للكعبة‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال في شرح زاد الفقير‏:‏ وفي بعض الكتب المعتمدة في استقبال القبلة إلى الجهة أقاويل كثيرة وأقربها إلى الصواب قولان‏:‏ الأول أن ينظر في مغرب الصيف في أطول أيامه ومغرب الشتاء في أقصر أيامه فليدع الثلثين في الجانب الأيمن والثلث في الأيسر والقبلة عند ذلك، ولو لم يفعل هكذا وصلى فيما بين المغربين يجوز، وإذا وقع خارجا منها لا يجوز بالاتفاق ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وفي منية المصلي عن أمالي الفتاوى‏:‏ حد القبلة في بلادنا يعني سمرقند‏:‏ ما بين المغربين مغرب الشتاء ومغرب الصيف، فإن صلى إلى جهة خرجت من المغربين فسدت صلاته ا هـ‏.‏ وسيأتي في المتن في مفسدات الصلاة أنها تفسد بتحويل صدره عن القبلة بغير عذر، فعلم أن الانحراف اليسير لا يضر، وهو الذي يبقى معه الوجه أو شيء من جوانبه مسامتا لعين الكعبة أو لهوائها، بأن يخرج الخط من الوجه أو من بعض جوانبه ويمر على الكعبة أو هوائها مستقيما، ولا يلزم أن يكون الخط الخارج على استقامة خارجا من جبهة المصلي بل منها أو من جوانبها كما دل عليه قول الدرر من جبين المصلي، فإن الجبين طرف الجبهة وهما جبينان، وعلى ما قررناه يحمل ما في الفتح والبحر عن الفتاوى من أن الانحراف المفسد أن يجاوز المشارق إلى المغارب ا هـ‏.‏ فهذا غاية ما ظهر لي في هذا المحل، والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏قوله فتبصر‏)‏ أشار إلى دقة ملحظه الذي قررناه وإلى عدم الاستعجال بالاعتراض ومع هذا نسبوه إلى عدم الفهم فافهم ‏(‏قوله محاريب الصحابة والتابعين‏)‏ فلا يجوز التحري معها زيلعي، بل علينا اتباعهم خانية ولا يعتمد على قول الفلكي العالم البصير الثقة إن فيها انحرافا خلافا للشافعية في جميع ذلك كما بسطه في الفتاوى الخيرية، فإياك أن تنظر إلى ما يقال إن قبلة أموي دمشق وأكثر مساجدها المبنية على سمت قبلته فيها بعض انحراف وإن أصح قبلة فيها قبلة جامع الحنابلة الذي في سفح الجبل‏.‏ إذ لا شك أن قبلة الأموي من حين فتح الصحابة ومن صلى منهم إليها وكذا من بعدهم أعلم وأوثق وأدرى من فلكي لا ندري هل أصاب أم أخطأ، بل ذلك يرجح خطأه وكل خير في اتباع من سلف ‏(‏قوله كالقطب‏)‏ هو أقوى الأدلة، وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي، إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى كان مستقبلا القبلة إن كان بناحية الكوفة وبغداد وهمدان، ويجعله من بمصر على عاتقه الأيسر، ومن بالعراق على كتفه الأيمن؛ ومن باليمن قبالته مما يلي جانبه الأيسر، ومن بالشام وراءه بحر‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وقيل ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلا‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر الشراح للقبلة علامات أخر غالبها مبنية على سمت بلادهم، منها ما قدمناه عن شرح زاد الفقير والمنية فإنها علامة لقبلة سمرقند وما كان على سمتها‏.‏ وفي حاشية الفتال قال البرجندي‏:‏ ولا يخفى أن القبلة تختلف باختلاف البقاع؛ وما ذكروه يصح بالنسبة إلى بقعة معينة، وأمر القبلة إنما يتحقق بقواعد الهندسة والحساب، بأن يعرف بعد مكة عن خط الاستواء وعن طرف المغرب ثم بعد البلد المفروض كذلك ثم يقاس بتلك القواعد ليتحقق سمت القبلة ا هـ‏.‏ لكن قال القهستاني‏:‏ ومنهم من بناه على بعض العلوم الحكمية إلا أن العلامة البخاري قال في الكشف إن أصحابنا لم يعتبروه‏.‏ ا هـ‏.‏ وأفاد في النهر أن دلائل النجوم معتبرة عند قوم وعند آخرين ليست بمعتبرة قال‏:‏ وعليه إطلاق عامة المتون‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لم أر في المتون ما يدل على عدم اعتبارها، ولنا تعلم ما نهتدي به على القبلة من النجوم‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لكم النجوم لتهتدوا بها‏}‏ على أن محاريب الدنيا كلها نصبت بالتحري حتى منى كما نقله في البحر، ولا يخفى أن أقوى الأدلة النجوم‏.‏ والظاهر أن الخلاف في عدم اعتبارها إنما هو عند وجود المحاريب القديمة، إذ لا يجوز التحري معها كما قدمناه، لئلا يلزم تخطئة السلف الصالح وجماهير المسلمين، بخلاف ما إذا كان في المفازة فينبغي وجوب اعتبار النجوم ونحوها في المفازة لتصريح علمائنا وغيرهم بكونها علامة معتبرة، فينبغي الاعتماد في أوقات الصلاة وفي القبلة، على ما ذكره العلماء الثقات في كتب المواقيت، وعلى ما وضعوه لها من الآلات كالربع والأسطرلاب فإنها إن لم تفد اليقين تفد غلبة الظن للعالم بها، وغلبة الظن كافية في ذلك‏.‏ ولا يرد على ذلك ما صرح به علماؤنا من عدم الاعتماد على قول أهل النجوم في دخول رمضان لأن ذاك مبني على أن وجوب الصوم معلق برؤية الهلال، لحديث‏:‏ «صوموا لرؤيته» وتوليد الهلال ليس مبنيا على الرؤية بل على قواعد فلكية، وهي وإن كانت صحيحة في نفسها، لكن إذا كانت ولادته في ليلة كذا فقد يرى فيها الهلال وقد لا يرى؛ والشارع علق الوجوب على الرؤية بالقبلة لا على الولادة، هذا ما ظهر لي، والله أعلم‏.‏ ‏(‏قوله وإلا فمن الأهل‏)‏ أي وإن لم يكن ثمة محاريب قديمة فيسأل من يعلم بالقبلة ممن تقبل شهادته من أهل ذلك المكان ممن يكن بحضرته بأن يكون بحيث لو صاح به سمعه، أما غير العالم بها فلا فائدة في سؤاله، وأما غير مقبول الشهادة كالكافر والفاسق والصبي فلعدم الاعتداد بإخباره فيما هو من أمور الديانات ما لم يغلب على الظن صدقه كما في القهستاني، ويقبل فيها قول الواحد العدل كما في النهاية؛ وأما إذا لم يكن من أهل ذلك المكان فلأنه يخبر عن اجتهاد فلا يترك اجتهاده باجتهاد وغيره؛ وأما إذا لم يكن بحضرته من أهل المسجد أحد فإنه يتحرى ولا يجب عليه قرع الأبواب كما سيأتي؛ وظاهر التقييد بالأهل أن وجوب السؤال خاص بالحضر، فلو في مفازة لا يجب‏:‏ وفي البدائع ما يخالفه حيث قال‏:‏ فإن كان عاجزا بالاشتباه وهو أن يكون في المفازة في ليلة مظلمة ولا علم له بالأمارات الدالة على القبلة، فإن كان بحضرته من يسأله عنها لا يجوز له أن يتحرى، بل يجب أن يسأل لما قلنا أي من أن السؤال أقوى من التحري ا هـ‏.‏ وشرط في الذخيرة كون المخبر في المفازة عالما حيث نقل عن الفقيه أبي بكر أنه سئل عمن في المفازة فأخبره رجلان أن القبلة في جانب ووقع تحريه إلى جانب آخر، فقال‏:‏ إن كان في رأيه أنهما يعلمان ذلك يأخذ بقولهما لا محالة وإلا فلا ا هـ‏.‏ وشرط في الخانية والتجنيس كونهما من أهل ذلك الموضع حيث قال‏:‏ فإن لم يكونا من أهل ذلك الموضع وهما مسافران مثله لا يلتفت إلى قولهما لأنهما يقولان بالاجتهاد، فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أن المراد من اشتراط كونهما من أهل ذلك الموضع كونهما عالمين بالقبلة لأن الكلام في المفازة ولا أهل لها، إلا أن يراد كونهما من أهل الأخبية فهما من أهله والأهل له علم أكثر من غيره، فلا ينافي ما مر عن الذخيرة، حتى لو كانا من أهله ولا علم لهما لا يلتفت إلى قولهما، فالمناط إنما هو العلم، فقد يكونان مسافرين مثله ولكن لهما معرفة بالقبلة في ذلك المكان بكثرة التكرار أو بطريق آخر من طرق العلم مما يفوق على تحري المتحري‏.‏ ثم اعلم أن ما نقلناه آنفا عن البدائع من قوله في ليلة مظلمة إلخ يقتضي أن الاستدلال بالنجوم في المفازة مقدم على السؤال المقدم على التحري، فصار الحاصل أن الاستدلال على القبلة في الحضر إنما يكون بالمحاريب القديمة، فإن لم توجد فبالسؤال من أهل ذلك المكان وفي المفازة بالنجوم، فإن لم يكن لوجود غيم أو لعدم معرفته بها فبالسؤال من العالم بها، فإن لم يكن فيتحرى، وكذا يتحرى لو سأله عنها فلم يخبره، حتى لو أخبره بعدما صلى لا يعيد كما في المنية‏.‏ وفيها‏:‏ لو لم يسأله وتحرى، إن أصاب جاز وإلا لا، وكذا الأعمى‏.‏ ا هـ‏.‏ ومسائل التحري ستأتي ورجح في البحر ما في الظهيرية، من أنه لو صلى في المفازة بالتحري والسماء مصحية لكنه لا يعرف النجوم فتبين أنه أخطأ لا يجوز لأنه لا عذر لأحد في الجهل بالأدلة الظاهرة كالشمس والقمر وغيرهما‏.‏ أما دقائق علم الهيئة وصور النجوم الثوابت فهو معذور في الجهل بها‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله والمعتبر في القبلة إلخ‏)‏ أي أن الذي يجب استقباله أو استقبال جهته هو العرصة، وهي لغة‏:‏ كل بقعة بين الدور واسعة لا بناء فيها كما في الصحاح وغيره والمراد بها هنا تلك البقعة الشريفة ‏(‏قوله لا البناء‏)‏ أي ليس المراد بالقبلة الكعبة التي هي البناء المرتفع على الأرض، ولذا لو نقل البناء إلى موضع آخر وصلى إليه لم يجز، بل تجب الصلاة إلى أرضها كما في الفتاوى الصوفية عن الجامع الصغير‏.‏

مطلب كرامات الأولياء ثابتة

وفي البحر عن عدة الفتاوى‏:‏ الكعبة إذا رفعت عن مكانها لزيارة أصحاب الكرامة ففي تلك الحالة جازت الصلاة إلى أرضها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المجتبى‏:‏ وقد رفع البناء في عهد ابن الزبير على قواعد الخليل وفي عهد الحجاج ليعيدها على الحالة الأولى والناس يصلون‏.‏ ا هـ‏.‏ فتال، وما ذكره في البحر نقله في التتارخانية عن الفتاوى العتابية قال الخير الرملي‏:‏ وهذا صريح في كرامات الأولياء، فيرد به على من نسب إمامنا إلى القول بعدمها وسيأتي تمام الكلام على ذلك في باب ثبوت النسب ‏(‏قوله فهي من الأرض السابعة إلى العرش‏)‏ صرح بذلك في الفتاوى الصوفية معزيا للحجنة، ثم قال‏:‏ فلو صلى في الجبال العالية والآبار العميقة السافلة جاز كما جاز على سطحها وفي جوفها فتال، فلو كان المعتبر البناء لا العرصة لم يجز ذلك، فالتفريع صحيح فافهم‏.‏

‏(‏قوله عند الإمام‏)‏ لأن القادر بقدرة الغير عاجز عنده لأن العبد يكلف بقدرة نفسه لا بقدرة غيره خلافا لهما، فيلزمه عندهما التوجه إن وجد موجها، وبقولهما جزم في المنية والمنح والدرر والفتح بلا حكاية خلاف، وهذا بخلاف ما لو عجز عن الوضوء ووجد من يوضئه حيث يلزمه، ولا يجوز له التيمم اتفاقا في ظاهر المذهب، وقيل على الخلاف أيضا، وقدمنا الفرق في باب التيمم فراجعه‏.‏ وإذا كان له مال ووجد أجيرا بأجرة مثله هل يلزمه أن يستأجره عندهما كما قالوه في التيمم أم لا‏:‏ لم أر من ذكره وينبغي اللزوم، ثم رأيته في شرح الشيخ إسماعيل عن الروضة، لكن بتقييد كون الأجرة دون نصف درهم، فلو طلب نصف درهم أو أكثر لا يلزمه، والظاهر أن المراد به أجر المثل كما فسروه بذلك في التيمم كما قدمناه هناك ‏(‏قوله أو خوف مال‏)‏ أي خوف ذهابه بسرقة أو غيرها إن استقبل، وسواء كان المال ملكا له أو أمانة قليلا أو كثيرا ط ولم يعزه إلى أحد فليراجع، نعم سيأتي في مفسدات الصلاة أنه يجوز قطع الصلاة لضياع ما قيمته درهم له أو لغيره ‏(‏قوله وكذا على من سقط عنه الأركان‏)‏ أي تكون قبلته جهة قدرته أيضا‏:‏ فقال في البحر‏:‏ ويشمل أي العذر ما إذا كان على لوح في السفينة يخالف الغرق إذا انحرف إليها، وما إذا كان في طين وردغة لا يجد على الأرض مكانا يابسا أو كانت الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب إلا بمعين أو كان شيخا كبيرا لا يمكنه أن يركب إلا بمعين ولا يجده فكما تجوز له الصلاة على الدابة ولو كانت فرضا وتسقط عنه الأركان كذلك يسقط عنه التوجه إلى القبلة إذا لم يمكنه ولا إعادة عليه إذا قدر ا هـ‏.‏ فيشترط في جميع ذلك عدم إمكان الاستقبال، ويشترط في الصلاة على الدابة إيقافها إن قدر، وإلا بأن خاف الضرر كأن تذهب القافلة وينقطع فلا يلزمه إيقافها ولا استقبال القبلة كما في الخلاصة، وأوضحه في شرح المنية الكبير والحلية، وقيد في الحلية مسألة الصلاة على الدابة للطين بما إذا عجز عن النزول، فإن قدر نزل وصلى واقفا بالإيماء زاد الزيلعي‏:‏ وإن قدر على القعود دون السجود أومأ قاعدا، وأنه لو كانت الأرض ندية مبتلة بحيث لا يغيب وجهه في الطين صلى على الأرض وسجد وسيأتي تمام الكلام على الصلاة على الدابة في باب الوتر والنوافل إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله ولو مضطجعا إلخ‏)‏ تعميم لقدرة‏:‏ أي يتوجه العاجز إلى أي جهة قدر ولو كان مضطجعا‏.‏ قال الزيلعي‏:‏ ويستوي فيه‏:‏ أي في العجر الخوف من عدو أو سبع أو لص، حتى إذا خاف أن يراه إن توجه إلى القبلة جاز له أن يتوجه إلى أي جهة قدر، ولو خاف أن يراه العدو إن قعد صلى مضطجعا بالإيماء، وكذا الهارب من العدو راكبا يصلي على دابته‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ولم يعد‏)‏ لأن هذه الأعذار سماوية حتى الخوف من عدو لأن الخوف لم يحصل بمباشرة أحد، بخلاف المقيد إذا صلى قاعدا فإنه يعيد عندهما أبي يوسف كما في الشرح المنية ومر تحقيق ذلك في التيمم، فينبغي أن يعيد هنا أيضا، إذ لا فرق بين صلاته قاعدا أو إلى غير القبلة لأن القيد عذر من جهة العبد لأنه بمباشرة المخلوق تأمل‏.‏

مطلب مسائل التحري في القبلة

‏(‏قوله هو‏)‏ أي التحري المفهوم من فعله ‏(‏قوله بما مر‏)‏ متعلق بمعرفة، والذي مر هو الاستدلال بالمحاريب والنجوم والسؤال من العالم بها، فأفاد أنه لا يتحرى مع القدرة على أحد هذه، حتى لو كان بحضرته من يسأله فتحرى ولم يسأله إن أصاب القبلة جاز لحصول المقصود وإلا فلا لأن قبلة التحري مبنية على مجرد شهادة القلب من غير أمارة وأهل البلد لهم علم بجهة القبلة المبنية على الأمارات الدالة عليها من النجوم وغيرها فكان فوق الثابت بالتحري، وكذا إذا وجد المحاريب المنصوبة في البلدة أو كان في المفازة والسماء مصحية وله علم بالاستدلال بالنجوم لا يجوز له التحري لأن ذلك فوقه، وتمامه في الحلية وغيرها‏.‏ واستفيد مما ذكر أنه بعد العجز عن الأدلة المارة عليه أن يتحرى ولا يقلد مثله لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا، وإذا لم يقع تحريه على شيء فهل له أن يقلد‏؟‏ لم أره ‏(‏قوله فإن ظهر خطؤه‏)‏ أي بعدما صلى ‏(‏قوله لما مر‏)‏ وهو كون الطاعة بحسب الطاقة ‏(‏قوله وإن علم به‏)‏ أي بخطئه فافهم ‏(‏قوله أو تحول رأيه‏)‏ أي بأن غلب على ظنه أن الصواب في جهة أخرى فلا بد أن يكون اجتهاده الثاني أرجح، إذ الأضعف كالعدم، وكذا المساوي فيما يظهر ترجيحا للأول بالعمل عليه تأمل ‏(‏قوله استدار وبنى‏)‏ أي على ما بقي من صلاته، لما روي‏:‏ «أن أهل قباء كانوا متوجهين إلى بيت المقدس في صلاة الفجر فأخبروا بتحويل القبلة فاستداروا إلى القبلة، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك» وأما إذا تحول رأيه فلأن الاجتهاد المتجدد لا ينسخ حكم ما قبله في حق ما مضى شرح المنية، وينبغي لزوم الاستدارة على الفور، حتى لو مكث قدر ركن فسدت ‏(‏قوله ولو بمكة‏)‏ بأن كان محبوسا ولم يكن بحضرته من يسأل فصلى بالتحري ثم تبين أنه أخطأ بحر، وهذا هو الأوجه، وعليه اقتصر في الخانية حلية ‏(‏قوله ولا يلزمه قرع أبواب‏)‏ في الخلاصة إذا لم يكن في المسجد قوم والمسجد في مصر في ليلة مظلمة، قال الإمام النسفي في فتاواه جاز‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الكافي‏:‏ ولا يستخرجهم من منازلهم‏.‏ قال ابن الهمام‏:‏ والأوجه أنه إذا علم أن للمسجد قوما من أهله مقيمين غير أنهم ليسوا حاضرين فيه وقت دخوله وهم حوله في القرية وجب طلبهم ليسألهم قبل التحري لأن التحري معلق بالعجز عن تعرف القبلة بغيره‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا منافاة بين هذا وبين ما مر عن الخلاصة والكافي، لأن المراد إذا لم يكونوا داخل المنازل ولم يلزم الحرج من طلبهم بتعسف الظلمة والمطر ونحوه شرح المنية ‏(‏قوله ومس جدران‏)‏ لأن الحائط لو كانت منقوشة لا يمكنه تمييز المحراب من غيره، وعسى أن يكون ثم هامة مؤذية فجاز له التحري بحر عن الخانية، وهذا إنما يصح في بعض المساجد، فأما في الأكثر فيمكن تمييز المحراب من غيره في الظلمة بلا إيذاء، فلا يجوز التحري إسماعيل عن المفتاح ‏(‏قوله ولو أعمى إلخ‏)‏ قال في شرح المنية‏:‏ ولو صلى الأعمى ركعة إلى غير القبلة فجاء رجل فسواه إلى القبلة واقتدى به، إن وجد الأعمى وقت الشروع من يسأله فلم يسأله لم تجز صلاتهما وإلا جازت صلاة الأعمى دون المقتدي لأن عنده أن إمامه بنى صلاته على الفاسد وهو الركعة الأولى ا هـ‏.‏ ومثله في الفيض والسراج، ومفاده أن الأعمى لا يلزمه إمساس المحراب إذا لم يجد من يسأله، وأنه لو ترك السؤال مع إمكانه وأصاب القبلة جازت صلاته وإلا فلا كما قدمناه عن المنية ‏(‏قوله ولا بمتحر تحول‏)‏ أي إلى القبلة مع المقتدى بحالته الأولى‏:‏ وعبارته في الخزائن‏.‏ كمن تحرى فأخطأ ثم علم فتحول لم يقتد به من علم بحاله ا هـ‏.‏ أي لعلمه بأن الإمام كان على الخطأ في أول الصلاة بحر‏.‏ ومفاده أنه لو تحول بالتحري أيضا إلى جهة ظنها القبلة جاز للآخر الاقتداء به إن تحرى مثله وإلا فهي المسألة الآتية تأمل ‏(‏قوله بمتحر‏)‏ متعلق بائتم، وقوله بلا تحر متعلق بمحذوف حال من فاعل ائتم ‏(‏قوله لم يجز‏)‏ أي اقتداؤه إن ظهر أن الإمام مخطئ لأن الصلاة عند الاشتباه من غير تحر إنما تجوز عند ظهور الإصابة كما مر ويأتي، وأما صلاة الإمام فهي صحيحة لتحريه، وإن أصاب الإمام جازت صلاتهما كما في شرح المنية ‏(‏قوله استدار المسبوق إلخ‏)‏ لأنه منفرد فيما يقضيه، بخلاف اللاحق لأنه مقتد فيما يقضيه والمقتدي إذا ظهر له وهو وراء الإمام أن القبلة غير الجهة التي يصلي إليها الإمام لا يمكنه إصلاح صلاته لأنه إن استدار خالف إمامه في الجهة قصدا وهو مفسد وإلا كان متما صلاته إلى ما هو غير القبلة عنده وهو مفسد أيضا فكذلك اللاحق شرح المنية‏:‏ بقي ما إذا كان لاحقا ومسبوقا‏:‏ وحكمه أنه إن قضى ما لحق به أولا ثم ما سبق به، فإن تحول رأيه في قضاء ما لحق به استأنف، وإن تحول في قضاء ما سبق به استدار، وأما إن قضى ما سبق به أولا ثم ما لحق به، فإن تحول رأيه فيما لحق به استأنف، وإن تحول فيما سبق به، فإن استمر على رأيه إلى شروعه فيما لحق به استأنف وهذا كله ظاهر، وأما إن لم يستمر إلى شروعه فيما لحق به بأن تحول رأيه قبل قضاء ما لحق به إلى جهة إمامه ففيه تردد‏.‏ والظاهر أنه يستدير تأمل ح وأقره ط والرحمتي ‏(‏قوله ومن لم يقع تحريه إلخ‏)‏ في البحر والحلية وغيرهما عن فتاوى العتابي تحرى فلم يقع تحريه على شيء، قيل يؤخر، وقيل يصلي إلى أربع جهات، وقيل يخير‏.‏ ا هـ‏.‏ ورجح في زاد الفقير الأول حيث جزم به، وعبر عن الأخيرين بقيل واختار في شرح المنية الوسط وقال إنه الأحوط، ونقل ح عن الهندية عن المضمرات أنه الأصوب، فلهذا اختاره الشارح‏.‏ وظاهر كلام القهستاني ترجيح الأخير وهو الذي يظهر لي فإنه قال لو تحرى ولم يتيقن بشيء فصلى إلى أي جهة شاء كانت جائزة ولو أخطأ فيه، وقيل إن لم يقع تحريه على شيء أخر الصلاة، وقيل يصلي إلى الجهات الأربع كما في الظهيرية ا هـ‏.‏ ومفاده أن معنى التخيير أنه يصلي مرة واحدة إلى أي جهة أراد من الجهات الأربع، وبه صرح الشافعية والحنابلة‏.‏ وأما ما في شرح المنية الكبير من تفسيره بقوله، وقيل يخير إن شاء أخر وإن شاء صلى الصلاة أربع مرات إلى أربع جهات فالظاهر أنه من عنده لأن عبارة فتاوى العتابي السابقة ليس فيها هذه الزيادة‏.‏ ويرد عليه أنه إذا صلى إلى الجهات الأربع يلزم عليه الصلاة ثلاث مرات إلى غير القبلة يقينا، وهو منهي عنه وترك المنهي مقدم على فعل المأمور ولذا يصلي بالنجاسة إذا لزم من غسلها كشف العورة عند الأجانب على أن المأمور به هنا ساقط لأن التوجه إلى القبلة إنما يؤمر به عند القدرة عليه وقبلة المتحري هي جهة تحريه‏.‏ ولما لم يقع تحريه على شيء استوت في حقه الجهات الأربع فيختار واحدة منها ويصلي إليها وتصح صلاته وإن ظهر خطؤه فيها لأنه أتى بما في وسعه، وهذا الوجه يقوي القول الأخير وهو التخيير على المعنى الذي ذكرناه عن القهستاني‏.‏ ويضعف ما اختاره الشارح وادعى أنه الاحتياط فتدبر‏.‏ ذلك بإنصاف، وللقول الأول الذي اختاره الكمال في زاد الفقير وجه ظاهر أيضا، وهو أنه لما كانت القبلة عند عدم الدليل عليها هي جهة التحري ولم يقع تحريه على شيء صار فاقدا لشرط صحة الصلاة فيؤخرها كفاقد الطهورين‏.‏ لكن القول الأخير وهو وجوب الصلاة في الوقت مع التخيير إلى أي جهة شاء أحوط كما لو وجد ثوبا أقل من ربعه طاهر، ولعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏}‏ فإنه قيل نزل في مسألة اشتباه القبلة، وظاهر ما قدمناه عن القهستاني اختياره وبه يشعر كلام البحر، وهو مذهب الشافعية والحنابلة كما مر‏.‏

مطلب إذا ذكر في مسألة ثلاثة أقوال

فالأرجح الأول أو الثالث لا الوسط وقدمنا أول الكتاب عن المستصفى أنه إذا ذكر في مسألة ثلاثة أقوال فالأرجح الأول أو الثالث لا الوسط والله أعلم‏.‏ ‏(‏قوله استدار‏)‏ قال في شرح المنية‏:‏ واختلف المتأخرون فيما إذا تحول رأيه في الثالثة أو الرابعة إلى الجهة الأولى، قيل يتم الصلاة، وقيل يستقبل كذا في الخلاصة، والأول أوجه ا هـ‏.‏ ولذا قدمه في الخانية لأنه يقدم الأشهر، وجزم به القهستاني وتبعه الشارح ‏(‏قوله استأنف‏)‏ لأنه إن سجدها إلى الجهة الثانية فقد سجدها إلى غير قبلة لأنها جزء من الركعة الأولى والجهة الثانية ليست قبلة للركعة الأولى بجميع أجزائها وإن سجدها إلى الجهة الأولى فقد انحرف عما هو قبلته الآن‏.‏ ا هـ‏.‏ ح

‏(‏قوله وإن شرع‏)‏ الضمير راجع إلى العاجز‏:‏ أي إذا اشتبهت عليه القبلة وعجز عن معرفتها بالأدلة المارة فقبلته جهة تحريه، فلو شرع بلا تحر لم تجز صلاته ما لم يتيقن بعد فراغه أنه أصاب القبلة لأن الأصل عدم الاستقبال استصحابا للحال، فإذا تبين يقينا أنه أصاب ثبت الجواز من الابتداء وبطل الاستصحاب، حتى لو كان أكبر رأيه أنه أصاب فالصحيح أنه لا يجوز كما في الحلية عن الخانية، ولو تيقن في أثناء صلاته لا يجوز خلافا لأبي يوسف لأن بعد العلم أقوى وبناء القوي على الضعيف لا يجوز ‏(‏قوله بخلاف إلخ‏)‏ أي لو وقع تحريه على جهة وصلى إلى غيرها فإنه يستأنف مطلقا‏:‏ أي سواء علم أنه أصاب أو أخطأ في الصلاة أو بعدها أو لم يظهر شيء‏.‏ وعن أبي حنيفة أنه يخشى عليه الكفر‏.‏ وعن الثاني يجزيه إن أصاب، وبالأول يفتى فيض‏.‏ والفرق لهما أن ما فرض لغيره يشترط حصوله لا تحصيله لكن مع عدم اعتقاد الفساد وعدم الدليل عليه، ومخالفة جهة تحريه اقتضت اعتقاد فساد صلاته فصار كما لو صلى وعنده أنه محدث أو أن ثوبه نجس أو أن الوقت لم يدخل فبان بخلاف ذلك لا يجزيه في ذلك كله لأن عنده أن ما فعله غير جائز بخلاف صورة عدم التحري فإنه لم يعتقد الفساد بل هو شاك فيه وفي عدمه فإذا ظهرت قبل التمام كما في شرح المنية ‏(‏قوله أو ثوبه‏)‏ بالنصب عطفا على اسم أن ومثله الوقت ح

‏(‏قوله فلو لم تشتبه إلخ‏)‏ ذكره هنا استطرادا، كان ينبغي ذكره عند قول المصنف وإن شرع بلا تحر، لأنه مفروض فيما إذا اشتبهت عليه القبلة كما قدمناه، فيكون قوله فلو لم تشتبه بيانا لمفهومه‏.‏ ثم إن مسائل التحري تنقسم باعتبار القسمة العقلية إلى عشرين قسما، لأنه إما أن لا يشك ولا يتحرى أو شك وتحرى أو لم يتحر أو تحرى بلا شك وكل وجه على خمسة، لأنه إما أن يظهر صوابه أو خطؤه في الصلاة أو خارجها أو لا يظهر‏.‏ أما الأول فإن ظهر خطؤه فسدت مطلقا أو صوابه قبل الفراغ قيل هو كذلك لأنه قوى والأصح لا، ولو بعده أو لم يظهر أو كان أكبر رأيه الإصابة فكذلك لا تفسد، وحكم الثاني الصحة في الوجوه كلها، وحكم الثالث الفساد في الوجوه كلها، أو لو أكبر رأيه أنه أصاب على الأصح إلا إذا علم يقينا بالإصابة بعد الفراغ‏.‏ والرابع لا وجود له خارجا كذا في النهر‏.‏ وقد ذكر المصنف الثاني بقوله‏:‏ ويتحرى عاجز، والثالث بقوله‏:‏ وإن شرع بلا تحر، وذكر الشارح الأول بقوله‏:‏ فلو لم تشتبه إلخ لكن كان عليه أن يقول إن ظهر خطؤه فسدت وإلا فلا، وقد حذف الرابع لعدم وجوده، هذا هو الصواب في تقرير هذا المحل فافهم ‏(‏قوله مع إمام‏)‏ أما لو صلوا منفردين صحت صلاة الكل، ولا يتأتى فيه التفصيل ‏(‏قوله فمن تيقن منهم‏)‏ التيقن غير قيد، بل غلبة الظن كافية يدل عليه ما في الفيض حيث قال‏:‏ وإن صلوا بجماعة تجزيهم إلا صلاة من تقدم على إمامه أو علم بمخالفة إمامه في صلاته، وكذا لو كان عنده أنه تقدم على الإمام أو صلى إلى جانب آخر غير ما صلى إليه إمامه ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله حالة الأداء‏)‏ ظرف لقوله تيقن مخالفة إمامه في الجهة مع قطع النظر عن قوله أو تقدم عليه لأنه إذا تقدم على إمامه لم يجز سواء علم بذلك حالة الأداء أو بعده بخلاف مخالفته لإمامه في الجهة فإنه لا يضر إلا إذا علم بها حالة الأداء كما دلت عليه عبارة الفيض التي ذكرناها آنفا، ومثلها قوله في الملتقى جازت صلاة من لم يتقدمه، بخلاف من تقدمه أو علم وخالفه ا هـ‏.‏ وفي متن الغرر إن لم يعلم مخالفة إمامه ولم يتقدمه جاز وإلا فلا ‏(‏قوله لاعتقاده إلخ‏)‏ نشر رتب ح ‏(‏قوله كما لو لم يتعين الإمام إلخ‏)‏ تبع في ذلك النهر عن المعراج‏.‏ ونص عبارة المعراج‏:‏ وقال بعض أصحابه أي الشافعي عليهم الإعادة لأن فعل الإمام في اعتقادهم متردد بين الخطأ والصواب، ولو لم يتعين الإمام بأن رأى رجلين يصليان فنوى الاقتداء بواحد لا بعينه لا يجوز فكذا إذا لم يتعين فعل الإمام ا هـ‏.‏ وبه ظهر أن المناسب حذف هذه المسألة بالكلية إذ لا مدخل لها هنا إلا على قول بعض الشافعية القائلين بأنه لا تصح صلاة من جهل حال إمامه قياسا على ما لو جهل عينه فافهم‏.‏

فروع في النية ‏(‏قوله فروع‏)‏ كان المناسب ذكر هذه الفروع عند الكلام على النية قبيل استقبال القبلة كما فعل في الخزائن ‏(‏قوله النية عندنا شرط مطلقا‏)‏ أي في كل العبادات باتفاق الأصحاب لا ركن وإنما وقع الاختلاف بينهم في تكبيرة الإحرام والمعتمد أنها شرط كالنية، وقيل بركنيتها أشباه وإنما قال مطلقا ليشمل صلاة الجنازة بخلاف تكبيرة الإحرام فإنها ركن فيها اتفاقا كما سيأتي في بابه ح واستثنى في الأشباه من العبادات الإيمان والتلاوة والأذكار والأذان فإنها لا تحتاج إلى نية كما في شرح البخاري للعيني وكل ما لا يكون إلا عبادة لا يحتاج إلى النية كما في شرح ابن وهبان قال وكذا النية لا تحتاج إلى نية ا هـ‏.‏ ويستثنى أيضا ما كان شرطا للعبادة إلا التيمم ولا استقبال القبلة على قول الكرخي المشترط نيته والمعتمد خلافه وكذا ما كان جزء عبادة كمسح الخف والرأس وغير ذلك ‏(‏قوله فلو مما يتعلق‏)‏ أي فلو كان هو أي المنوي المدلول عليه بالنية مما يتعلق بالأقوال كقوله أنت طالق وأنت حر إن شاء الله بطل لأن الطلاق أو العتق لا يتعلق بالنية بل بالقول، حتى لو نوى طلاقها أو عتقه لا يصح بدون لفظ‏.‏ قال ح‏.‏ فإن قلت‏:‏ وقوع الطلاق متعلق بلفظ أنت طالق ولا عبرة بالنية لأنه صريح‏.‏ قلت هذا مسلم في القضاء‏.‏ وأما في الديانة فهي معتبرة، حتى إذا نوى به الطلاق من وثاق لا يقع ديانة‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وكذا صرح بذلك في البحر والأشباه، وعليه فالفرق بين الصريح والكناية أن الأول لا يحتاج إلى النية في القضاء فقط ويحتاج إليها ديانة، والثاني يحتاج إليها فيهما، لكن احتياج الأول إلى النية ديانة معناه أن لا ينوي به غير معناه العرفي، فلو نوى الطلاق من الوثاق‏:‏ أي القيد لا يقع لصرفه اللفظ عن معناه‏.‏ أما إذا قصد التلفظ بأنت طالق مخاطبا به زوجته ولم يقصد به الطلاق ولا غيره فالظاهر الوقوع قضاء وديانة لأن اللفظ حقيقة فيه، وبدليل أنه لو صرح بالعدد لا يدين كما لو نوى الطلاق عن العمل فيقع قضاء وديانة ‏(‏قوله وإلا لا‏)‏ أي وإلا يكن المنوي مما يتعلق بالأقوال كالصوم لا يبطل بالمشيئة لأنه يتعلق بمجرد النية القلبية بدون قول، فلو نوى الصوم وقال إن شاء الله لا يبطل‏.‏ قال في الأشباه‏:‏ ولو علقها أي نية الصوم بالمشيئة صحت لأنها إنما تبطل الأقوال والنية ليست منها‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إلا على قول محمد في الجمعة‏)‏ فعنده لا يدرك الجمعة إلا بإدراك ركعة مع الإمام؛ فلو اقتدى بعدما رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية ينوي جمعة ويتمها ظهرا عنده، فقد نوى الجمعة ولم يؤدها، وأدى الظهر ولم ينوه، وهو مذهب الشافعي‏.‏ وعندنا يتمها جمعة متى صح اقتداؤه بالإمام ولو في سجود السهو على القول بفعله فيها‏.‏ ونقض الحموي الحصر بمسائل ينوي فيها خلاف ما يؤدي منها ما لو طاف بنية التطوع في أيام النحر وقع عن الفرض، وما لو صام يوم الشك تطوعا فظهر أنه من رمضان كان منه، وما لو تهجد بركعتين فظهر أن الفجر طالع ينوبان عن سنة الفجر‏.‏ وما لو صام عن كفارة ظهار أو إفطار فقدر على العتق يمضي في صوم النفل‏.‏ وما لو نذر صوم يوم بعينه فصامه بنية النفل يقع عن النذر كما في جامع التمرتاشي‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ قد يجاب بأن المراد النية التي هي شرط الصحة، فالمعنى ليس لنا من يلزمه أن ينوي خلاف ما يؤدي إلا في مسألة على أن أكثر هذه المسائل ليس فيها المخالفة بين المنوي والمؤدى إلا من حيث الصفة بخلاف الجمعة فإنها مخالفة للظهر ذاتا وصفة فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله المعتمد أن العبادة إلخ‏)‏ مقابله ما في الأشباه عن المجتبى، من أنه لا بد من نية العبادة في كل ركن فافهم‏.‏ واحترز بذات الأفعال عما هي فعل واحد كالصوم، فإنه لا خلاف في الاكتفاء بالنية في أوله‏.‏ ويرد عليه الحج فإنه ذو أفعال منها طواف الإفاضة لا بد فيه من أصل نية الطواف وإن لم يعينه عن الفرض، حتى لو طاف نفلا في أيامه وقع عنه‏.‏ والجواب أن الطواف عبادة مستقلة في ذاته كما هو ركن للحج، فباعتبار ركنيته يندرج في نية الحج فلا يشترط تعيينه، وباعتبار استقلاله اشترط فيه أصل نية الطواف، حتى لو طاف هاربا أو طالبا لغريم لا يصح بخلاف الوقوف بعرفة فإنه ليس بعبادة إلا في ضمن الحج فيدخل في نيته، وعلى هذا الرمي والحلق والسعي‏.‏ وأيضا فإن طواف الإفاضة يقع بعد التحلل بالحلق حتى إنه يحل له سوى النساء، وبذلك يخرج من الحج من وجه دون وجه فاعتبر فيه الشبهان

‏(‏قوله اعتبر السابق‏)‏ لعل وجهه أن الصلاة عبادة واحدة غير متجزئة فالنظر فيها إلى ابتدائها فإذا شرع فيها خالصا ثم عرض عليه الرياء فهي باقية لله تعالى على الخلوص وإلا لزم أن يكون بعضها له وبعضها لغيره مع أنها واحدة، نعم لو حسن بعضها رياء فالتحسين وصف زائد لا يثاب به ويؤخذ مما ذكرنا أنه لو افتتحها مرائيا ثم أخلص اعتبر السابق‏.‏ وهذا بخلاف ما لو كان عبادة يمكن تجزئتها كقراءة واعتكاف، فإن الجزء الذي دخله الرياء له حكمه والخالص له حكمه ‏(‏قوله والرياء أنه إلخ‏)‏ أي الرياء الكامل المحبط للثواب عن أصل العبادة أو لتضعيفه وإلا فالتحسين لأجل الناس رياء أيضا بدليل أنه لا يثاب عليه، وإنما يثاب على أصل العبادة وسيأتي في فصل إذا أراد الشروع في الصلاة أنه لو أطال الركوع لإدراك الجائي، قال أبو حنيفة أخاف عليه أمرا عظيما يعني الشرك الخفي وهو الرياء كما سيأتي تحقيقه، وقوله ولا يترك إلخ‏:‏ أي لو أراد أن يصلي أو يقرأ فخاف أن يدخل عليه الرياء فلا ينبغي أن يترك لأنه أمر موهوم أشباه عن الولوالجية‏.‏ وقد سئل العارف المحقق شهاب الدين بن السهروردي عما نصه‏:‏ يا سيدي إن تركت العمل أخلدت إلى البطالة وإن عملت داخلني العجب فأيهما أولى‏؟‏ فكتب جوابه‏:‏ اعمل واستغفر الله من العجب ا هـ‏.‏ فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله لا رياء في الفرائض في حق سقوط الواجب‏)‏ أي أن الرياء لا يبطل الفرض وإن كان الإخلاص من جملة الفرائض‏.‏ قال في مختارات النوازل‏:‏ وإذا صلى رياء وسمعة تجوز صلاته في الحكم لوجود شرائطه وأركانه ولكن لا يستحق الثواب والذي في الذخيرة خلافه، قال الفقيه أبو الليث في النوازل قال بعض مشايخنا الرياء لا يدخل في شيء من الفرائض وهذا هو المذهب المستقيم أن الرياء لا يفوت أصل الثواب، وإنما يفوت تضاعف الثواب‏.‏ ا هـ‏.‏ بيري على الأشباه وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في كتاب الحظر والإباحة‏.‏

‏(‏قوله قيل لشخص إلخ‏)‏ قال في الأشباه‏:‏ وهذه المسألة ليست منصوصة في مذهبنا، وصرح بها النووي وقواعدنا لا تأباها، أما الإجزاء فلأنه لا رياء في الفرائض في حق سقوط الواجب، وأما عدم استحقاق الدينار فلأنه استئجار على واجب، ولا يستحق به الأجرة كالأب إذا استأجر ابنه للخدمة لا يستحق عليه الأجرة لأن خدمته واجبة عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح

‏(‏قوله الصلاة لإرضاء الخصوم لا تفيد إلخ‏)‏ لم يتعرض لكون ذلك جائزا، وظاهر مختارات النوازل أن ذلك لا يجوز حيث قال‏:‏ ينبغي أن لا يفعل ذلك، ولعل ذلك من إلقاء المبطلين ا هـ‏.‏ وفي الولوالجية‏:‏ إذا صلى لوجه الله تعالى فإن كان له خصم لم يجر بينه وبينه عفو أخذ من حسناته ودفع إليه في الآخرة نوى أو لم ينو، وإن لم يكن له خصم أو كان وجرى بينهما عفو لم يدفع إليه من حسناته شيء، نوى أو لم ينو‏.‏ ا هـ‏.‏ بيري‏.‏ وعلى هذا فالمراد بالصلاة المذكورة أن ينوي الصلاة لله تعالى لأجل أن يرضى عنه أخصامه وعدم جوازه لكونه بدعة بخلاف الصلاة لتحية المسجد أو نحوها من المندوبات‏.‏ وأما لو صلى ووهب ثوابها للخصوم فإنه يصح لأن العامل له أن يجعل ثواب عمله لغيره عندنا كما سيأتي في باب الحج عن الغير إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله جاء‏)‏ أي في بعض الكتب أشباه عن البزازية، ولعل المراد بها الكتب السماوية أو يكون ذلك حديثا نقله العلماء في كتبهم‏:‏ والدانق بفتح النون وكسرها‏:‏ سدس الدرهم، وهو قيراطان، والقيراط خمس شعيرات، ويجمع على دوانق ودوانيق؛ كذا في الأخستري حموي ‏(‏قوله ثواب سبعمائة صلاة بالجماعة‏)‏ أي من الفرائض لأن الجماعة فيها‏:‏ والذي في المواهب عن القشيري سبعمائة صلاة مقبولة ولم يقيد بالجماعة‏.‏ قال شارح المواهب‏:‏ ما حاصله هذا لا ينافي أن الله تعالى يعفو عن الظالم ويدخله الجنة برحمته ط ملخصا

‏(‏قوله وإلا تقع نفلا‏)‏ أي غير نائب في حقه عن ركعتين من التراويح لوقوعها قبل صلاة العشاء ووقت التراويح بعد صلاة العشاء على المعتمد ط ‏(‏قوله فللمكتوبة‏)‏ أي لقوتها لفرضيتها عينا ولكونها صلاة حقيقة والجنازة كفاية وليست بصلاة مطلقة ‏(‏قوله ولو مكتوبتين‏)‏ أي إحداهما وقتية والأخرى لم يدخل وقتها كما لو نوى في وقت الظهر ظهر هذا اليوم وعصره كذا في شرح المنية وشرح الأشباه للبيري، ويدل عليه قوله الآتي ولو فائتة ووقتية إلخ ‏(‏قوله فللوقتية‏)‏ علل له في المحيط بأن الوقتية واجبة للحال وغيرها لا ا هـ‏.‏ وهو يفيد أنه ليس بصاحب ترتيب وإلا فالفائتة أولى كما لا يخفى بحر‏.‏ أقول‏:‏ هذه الإفادة إنما تتم لو أريد بالمكتوبتين ما يشمل الوقتية مع الفائتة وليس كذلك، بل المراد بهما الوقتية مع التي لم يدخل وقتها كما علمت ‏(‏قوله ولو فائتتين فللأولى‏)‏ وكذا لو وقتيتين كالظهر والعصر في عرفة كما بحثه البيري‏.‏ وقال ح‏:‏ لأن العصر وإن صحت في وقت الظهر في ذلك اليوم إلا أن الظهر واجبة التقديم عليها للترتيب فكانتا بمنزلة فائتتين لم يسقط الترتيب بينهما كما هو ظاهر ‏(‏قوله لو من أهل الترتيب إلخ‏)‏ تبع فيه البحر أخذا من تعليل المحيط للمسألة بأن الثانية لا تجوز إلا بعد قضاء الأولى‏.‏ قال في البحر‏:‏ وهو إنما يتم فيما إذا كان الترتيب بينهما واجبا‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ما ذكره في البحر مأخوذ من الحلية، لكنه في الحلية قال بعده‏:‏ بقي ما لو لم يكن الترتيب بينهما واجبا ويمكن أيضا أن يقال إنها للأولى لأن تقديمها أولى ا هـ‏.‏ وجزم بذلك الحلبي في شرحه الصغير حيث قال فللأولى منهما لترجحها بالسبق وإن لم يكن صاحب ترتيب ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله فللفائتة لو الوقت متسعا‏)‏ وأما إذا خاف ذهاب وقت الحاضرة فإنه يجزيه عنها حتى يكون عليه قضاء الفائتة كما في الأجناس بيري‏.‏ هذا، وقال ح بعد قوله لو الوقت متسعا أي وكان بينهما ترتيب إذ لو كان متسعا ولم يكن بينهما ترتيب لغت نيته كما صرح به في البحر ا هـ‏.‏ وأقول لم يصرح بذلك في البحر في هذه المسألة نعم صرح به في شرح المنية بحثا وبحث في الحلية خلافه فافهم‏.‏ ثم اعلم أن ما ذكره الشارح من قوله فللفائتة إلخ عزاه في الفتح إلى المنتقى، ومثله في السراج، وعزاه في البحر إلى المنية وذكر قبله أنه لا يصير شارعا في واحدة منها ثم قال‏:‏ وأفاد في الظهيرية أن فيها روايتين‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وكذا ذكر أولا في الخلاصة عن الجامع الكبير أنه لا يصير شارعا في واحدة منهما ثم قال وفي المنتقى يصير شارعا في الأولى ا هـ‏.‏ فتكون رواية‏.‏ وقال الإمام الفارسي في شرحه على تلخيص الجامع الكبير للخلاطي حيث قال في شرح قوله‏:‏ ناوي الفرضين معا لاغ في الصلاة إلحاقا للدفع بالرفع في التنافي متنفل في غيرها إلخ‏:‏ أي نية الفرضين معا إن كانت في الصلاة كانت لغوا عندهما، وهو رواية الحسن عن الإمام‏.‏ وصورته لو كبر ينوي ظهرا وعصرا عليه من يوم أو يومين عالما بأولهما أولا فلا يصير شارعا في واحد منهما للتنافي بدليل أنه لو طرأ أحدهما على الآخر رفعه وأبطله أصلا، حتى لو شرع في الظهر ينوي عصرا عليه بطلت الظهر وصح شروعه في العصر، فإذا كان لكل منهما قوة رفع الأخرى بعد ثبوتها يكون لها قوة دفعها عن المحل قبل استقرارها بالأولى لأن الدفع أسهل من الدفع، وهذا على أصل محمد، وكذا على أصل أبي يوسف لأن الترجيح عنده إما بالحاجة إلى التعيين وإما بالقوة وقد استويا في الأمرين، ثم إطلاق الفرضين يتناول ما وجب بإيجاب الله تعالى كالمكتوبة، أو بإيجاب العبد كالمنذور أداء وقضاء، وما ألحق به كفاسد النفل سواء كانا من جنس واحد كالظهرين والجنازتين والمنذورتين أو من جنسين كالظهر مع العصر أو مع النذر أو مع الجنازة، وقيل إن ناوي الفرضين في الصلاة متنفل عندهما خلافا لمحمد وإن كانت نية الفرضين في غير الصلاة كالزكاة والصوم والحج والكفارة كانت معتبرة ويكون متنفلا إلا في كفارتين من جنس واحد فيكون مفترضا ا هـ‏.‏ ملخصا وتمامه فيما علقناه على البحر، فعلم أن رواية الجامع الكبير مخالفة لرواية المنتقى فلا يصير شارعا في الصلاة أصلا إذا جمع في النية بين فرضين كل منهما قضاء أو أحدهما أداء والآخر قضاء أو لم يدخل وقته أو جنازة أو منذور أو غيره من الواجبات، وقيل يصير متنفلا فلم تعتبر القوة على رواية الجامع إلا فيما إذا جمع بين فرض وتطوع فإنه يكون مفترضا عندهما لقوته‏:‏ وقال محمد‏:‏ إن كانت في الصلاة تلغو فلا يصير شارعا فيهما، وإن كانت في صوم أو زكاة أو حج نذر مع تطوع يكون متنفلا، بخلاف حجة الإسلام والتطوع فإنه مفترض اتفاقا كما أوضحه الفارسي في شرحه، والله أعلم‏.‏ ‏(‏قوله فللفرض‏)‏ أي خلافا لمحمد كما علمته آنفا ‏(‏قوله ولو نافلتين‏)‏ قد تطلق النافلة على ما يشمل السنة وهو المراد هنا ‏(‏قوله فعنهما‏)‏ ذكره في الأشباه ثم قال‏:‏ ولم أر حكم ما إذا نوى سنتين كما إذا نوى في يوم الاثنين صومه عنه وعن يوم عرفة إذا وافقه فإن مسألة التحية إنما كانت ضمنا للسنة لحصول المقصود ا هـ‏.‏ أي فكذا الصوم عن اليومين وأيده العلامة البيري بأنه يجزيه الصوم في الواجبين، ففي غيرهما أولى لما في خزانة الأكمل‏:‏ لو قال لله علي أن أصوم رجبا ثم صام عن كفارة ظهار شهرين متتابعين أحدهما رجب أجزأه، بخلاف ما لو كان أحدهما رمضان، ولو نذر صوم جميع عمره ثم وجب صوم شهرين عن ظهار أو أوجب صوم شهر بعينه ثم قضى فيه صوم رمضان جاز من غير أن يلحقه شيء ا هـ‏.‏ لكن ليس في هذا جمع بين نيتين بل هو نية واحدة أجزأت عن صومين، ولم يذكر الشارح هذه المسألة لأن كلامه في الصلاة ولا تتأتى فيها‏.‏ ويمكن تصويره فيما لو نوى سنة العشاء والتهجد بناء على ما رجحه ابن الهمام من أن التهجد في حقنا سنة لا مستحب ‏(‏قوله فنافلة‏)‏ لأنها صلاة مطلقة وتلك دعاء ‏(‏قوله ولا تبطل بنية القطع‏)‏ وكذا بنية الانتقال إلى غيرها ط ‏(‏قوله ما لم يكبر بنية مغايرة‏)‏ بأن يكبر ناويا النفل بعد شروع الفرض وعكسه، أو الفائتة بعد الوقتية وعكسه، أو الاقتداء بعد الانفراد وعكسه‏.‏ وأما إذا كبر بنية موافقة كأن نوى الظهر بعد ركعة الظهر من غير تلفظ بالنية فإن النية الأولى لا تبطل ويبني عليها‏.‏ ولو بنى على الثانية فسدت الصلاة ط ‏(‏قوله الصوم‏)‏ ونحوه الاعتكاف ولكن الأولى عدم الاشتغال بغير ما هو فيه ط، والله أعلم‏.‏