فصل: فصل في الحبس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


فصل في الحبس

هو من أحكام القضاء إلا أنه لما اختص بأحكام كثيرة أفرده بفصل على حدة نهر، وهو لغة المنع مصدر حبس كضرب، ثم أطلق على الموضع، وترجم المصنف له وزاد فيه مسائل أخر من أحكام القضاء ذكرها في الهداية في فصل على حدة، فكان الأولى أن يقول في الحبس وغيره كما قال في باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ هو مشروع إلخ‏)‏ أراد أنه مشروع بالكتاب والسنة زاد الزيلعي والإجماع؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعوا عليه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ‏{‏أو ينفوا من الأرض‏}‏‏)‏ فإن المراد بالنفي الحبس كما تقدم في قطاع الطريق ا هـ‏.‏ ح قوله وأحدث السجن علي‏)‏ أي أحدث بناء سجن خاص فلا ينافي ما قالوا أيضا من أنه لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سجن، إنما كان يحبس في المسجد أو الدهليز حتى اشترى عمر رضي الله تعالى عنه دارا بمكة بأربعة آلاف درهم واتخذه محبسا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من مدر‏)‏ بالتحريك قطع الطين اليابس والحجارة كما في القاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بفتح الياء‏)‏ أي المثناة التحتية مشددة والعجب مما في البحر والنهر والمنح من ضبطه بالتاء المثناة الفوقية وقد ذكره في القاموس في الأجوف اليائي فقال‏:‏ المحيس كمعظم السجن وسجن بناه علي رضي الله تعالى عنه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كيسا‏)‏ قال في المصباح الكيس وزان فلس الظرف والفطنة وقال ابن الأعرابي العقل ويقال إنه مخفف من كيس مثل هين وهين والأول أصح؛ لأنه مصدر من كاس كيسا من باب باع وأما المثقل فاسم فاعل والجمع أكياس مثل جيد وأجياد ا هـ‏.‏ وفي الفتح‏:‏ الكيس أي مخففا حسن التأني في الأمور والكيس المنسوب إليه الكيس ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأمينا‏)‏ أراد به السجان الذي نصبه فيه، فتح وعليه فعطفه على ما قبله نظيره علفتها تبنا وماء باردا فيراد بقوله‏:‏ بنيت اتخذت وما قيل من أنه يصح كونه وصفا لمخيسا كالذي قبله لا يناسبه قول كيسا فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ صفته‏)‏ الضمير للحبس بالمعنى المصدري، فلذا قال أن يكون بموضع أي في موضع فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا وطاء‏)‏ على وزن كتاب المهاد الوطيء مصباح، وفيه والمهد والمهاد الفراش وفي القاموس عن الكسائي أن الوطاء خلاف الغطاء‏.‏ قلت‏:‏ فإن أريد به المهاد الوطيء أي اللين السهل فهو أخص مما قبله وكذا إن أريد به ما ينام عليه وهو خلاف الغطاء‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومفاده‏)‏ أي مفاد قوله ليضجر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يمكن‏)‏ بالبناء للمجهول مع التشديد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يمكثون عنده طويلا‏)‏ أي بحيث يحصل له الاستئناس بهم بل بقدر ما يحصل به المقصود من المشاورة‏.‏

مطلب لا تحبس زوجته معه لو حبسته

‏(‏قوله‏:‏ ومفاده‏)‏ أي مفاد قوله للاستئناس وفي النهر وإذا احتاج للجماع دخلت عليه زوجته أو أمته إن كان فيه موضع سترة وفيه دليل على أن زوجته لا تحبس معه لو كانت هي الحابسة له وهو الظاهر ا هـ‏.‏ وأنت خبير بأن الاستدلال على المسألة بما قاله الشارح أولى مما في النهر؛ لأن عدم دخول أحد عليه للاستئناس أصرح بعدم حبسها معه إذ في حبسها معه غاية الاستئناس له مع كون المقصود من ذلك الضجر ليوفي دينه، وإذا كانت هي الحابسة له وقلنا بجواز حبسها معه لا يحصل المقصود بل يحصل ضده وهو ضجرها لتخرجه من الحبس حتى تخرج معه، ففي ذلك أيضا دليل على أنها لا تحبس معه لو هي الحابس، وليس فيما قاله في النهر ما يدل على ذلك أيضا فلذا عدل الشارح عن كلام النهر، فقد ظهر أنه ليس في عدوله عنه خلل بل خلل في متابعته له فافهم ثم إن المقصود بهذا الرد على من قال إنها تحبس معه وفي البحر عن الخلاصة‏:‏ فإذا حبست المرأة زوجها، لا تحبس معه وفيه عن البزازية، وغيرها إذا خيف عليها الفساد استحسن المتأخرون أن تحبس معه ا هـ‏.‏ وحاصله أنها إذا حبسته وكانت من أهل الفساد ويخشى عليها فعل ذلك إذا لم يكن مراقبا لها يكون مظنة أن حبسها له لأجل ذلك لا لمجرد استيفاء حقها منه، فله حبسها معه، أما إذا لم تكن كذلك فلا وجه لحبسها معه وهذا محمل ما في الخلاصة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من وطء جاريته‏)‏ وكذا زوجته كما مر وقيل يمنع من ذلك؛ لأن الوطء ليس من الحوائج الأصلية فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي الخلاصة يخرج بكفيل‏)‏ هذا هو الصواب في نقل عبارة الخلاصة ونقل عنها في البحر يخرج الكفيل فكأنه سقطت الباء من نسخته كما نبه عليه في النهر، وكذا الرملي وقال أيضا‏:‏ والعجب أن البزازي وقع في ذلك فقال وذكر القاضي أن الكفيل يخرج لجنازة الوالدين إلخ الذي في فتاوى القاضي يعني قاضي خان يخرج بالكفيل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعليه الفتوى‏)‏ قال في الفتح‏:‏ وفيه نظر؛ لأنه إبطال حق آدمي بلا موجب نعم إذا لم يكن من يقوم بحقوق دفنه فعل ذلك وسئل محمد عما إذا مات والداه أيخرج‏؟‏ فقال لا ا هـ‏.‏ وحاصله أن ما في الخلاصة مخالف لنص محمد رحمه الله تعالى قال في البحر‏:‏ وقد يدفع بأن نص محمد في المديون أصالة والكلام في الكفيل ا هـ‏.‏ وهذا بناء على ما وقع له في نسخة الخلاصة من التحريف على أنه لا يظهر الفرق بين المديون وكفيله كما قاله المصنف في المنح

‏(‏قوله‏:‏ يخرج بكفيل‏)‏ قال في الفتح‏:‏ وإن لم يكن له خادم يخرج إن كان يموت بسبب عدم الممرض ولا يجوز أن يكون الدين مفضيا للتسبب في هلاكه ا هـ‏.‏ ومقتضى التعليل أنه لو لم يجد كفيلا يخرج لكن في المنح عن الخلاصة فإن لم يجد كفيلا لا يطلقه تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا لا‏)‏ أي وإن وجد من يخدمه لا يخرج هكذا روي عن محمد هذا إذا كان الغالب هو الهلاك وعن أبي يوسف لا يخرجه، والهلاك في السجن وغيره سواء، والفتوى على رواية محمد منح عن الخلاصة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لمعالجة‏)‏ أي لمداواة مرضه لإمكان ذلك في السجن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قيل ولا يتكسب فيه‏)‏ كذا في بعض النسخ، وفي أكثرها بل ولا يتكسب فيه وهي الصواب؛ لأن التعبير بقيل يفيد الضعف وقد صرح في البحر وغيره بأن الأصح المنع، وفي شرح أدب القضاء عن السرخسي أنه الصحيح من المذهب؛ لأن الحبس مشروع ليضجر، ومتى تمكن من الاكتساب لا يضجر، فيكون السجن له بمنزلة الحانوت‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو له ديون خرج ليخاصم ثم يحبس‏)‏ فيه إشارة إلى أنه إذا ادعى عليه آخر بدين يخرج لسماع الدعوى فإن أثبته بالوجه الشرعي أعيد في الحبس لأجلهما سائحاني عن الهندية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إذا امتنع عن كفارة‏)‏ لأن حق المرأة في الجماع يفوت بالتأخير أشباه، واعترضه الحموي بأن حقها فيه قضاء في العمر مرة واحدة ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ هذه المرة لأجل انتفاء العنة والتفريق بها وإلا فلها حق في الوطء بعدها؛ ولذا حرم الإيلاء منها ويفرق بينهما بمضي مدته؛ لأنه امتناع بسبب محظور، وكذا في الظهار؛ لأنه منكر من القول فلذا ظهر فيه المطالبة بالعود إليها ويضرب عند الامتناع وإن كان لا يضرب عند الامتناع عنها بغير سبب، تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والإنفاق على قريبه‏)‏ بالجر عطفا على كفارة، وكذا قوله والقسم كما هو ظاهر فافهم، وهذا مخالف لما قدمه في النفقة من أنه إذا امتنع من الإنفاق على القريب يضرب ولا يحبس، ومثله في القسم كما مر في بابه لكن قدمنا في آخر النفقة أنه تابع البحر في نقل ذلك عن البدائع، وأن الذي في البدائع أنه يحبس سواء كان أبا أو غيره، بخلاف الممتنع من القسم فإنه يضرب ولا يحبس وهو الموافق لما سيذكره المصنف متنا وذكر في البحر أنهم صرحوا بأنه لو امتنع من التكفير مع قدرته يضرب وكذا لو امتنع من الإنفاق على قريبه بخلاف سائر الديون ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والضابط‏)‏ أي لما يضرب فيه المحبوس فإنه بالامتناع عما ذكر يفوت الواجب لا إلى خلف فإن نفقة القريب تسقط بالمضي ولو مقضيا بها أو متراضيا عليها وكذا الوطء والقسم يفوتان بالمضي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ما في الوهبانية‏)‏ الشرط الثاني لشارحها غير فيه نظم الأصل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن فر‏)‏ أي من الحبس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في العنت يذكر‏)‏ أي إذا كان متعنتا لا يؤدي المال، وقيل يطين عليه الباب ويترك له ثقبه يلقي له الخبز والماء وقيل‏:‏ الرأي فيه للقاضي وهو ما يذكره قريبا عن البزازية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يغل‏)‏ أي لا يوضع له الغل بالضم وهو طوق من حديد يوضع في العنق جمعه أغلال كقفل وأقفال مصباح، وأما القيد فما يوضع في الرجل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يجرد‏)‏ أي من ثيابه في الحبس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعن الثاني‏)‏ عبارة النهر ولا يؤجر خلافا لما عن الثاني‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا قاضي فيها‏)‏ بأن مات أو عزل منح عن الجواهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لازمه‏)‏ ولا يمنعه عن الاكتساب والدخول إلى بيته؛ لأنه لا ولاية عليه بخلاف القضاء؛ لأن له المنع والحبس وغيره منح عن الجواهر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ قنية‏)‏ عبارتها ادعى على بنته مالا وأمر القاضي بحبسها فطلب الأب منه أن يحبسها في موضع آخر غير السجن حتى لا يضيع عرضه يجيبه القاضي إلى ذلك وكذا في كل مدع مع المدعى عليه ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأفتى المصنف إلخ‏)‏ ذكر في المنح عبارة قارئ الهداية ثم قال‏:‏ ولا منافاة بين هذا وبين ما ذكرناه؛ لأن القاضي يعين مكان الحبس عند عدم إرادة صاحب الحق أما لو طلب صاحب الحق مكانا فالعبرة في ذلك له ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإذا ثبت الحق للمدعي‏)‏ أي عند القاضي كما في الهداية وغيرها وظاهره أن المحكم لا يحبس، قال في البحر ولم أره نهر، لكن نقل الحموي عن صدر الشريعة أن له الحبس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو دانقا‏)‏ في كافي الحاكم ويحبس في درهم وفي أقل منه ا هـ‏.‏ ومثله في الفتح معللا بأن ظلمه يتحقق بمنع ذلك‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ببينة‏)‏ أو بنكول بحر عن القلانسي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عجل حبسه‏)‏ إلا إذا ادعى الفقر فيما يقبل فيه دعواه ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بطلب المدعي‏)‏ ذكره قاضي خان وهو قيد لازم منح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لم يعجل حبسه‏)‏؛ لأن الحبس جزاء المماطلة ولم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة فلعله طمع في الإمهال فلم يستصحب المال فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله هداية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بل يأمره بالأداء‏)‏ ينبغي أن يقيد هذا بما لم يتمكن القاضي من أداء ما عليه بنفسه كما إذا ادعى عينا في يد غيره أو وديعة له عنده، وبرهن أنها هي التي في يده أو دينا له عليه، وبرهن على ذلك فوجد معه ما هو من جنس حقه، كان للقاضي أن يأخذ العين منه وما هو من جنس حقه، ويدفعه إلى المالك غير محتاج إلى أمره بدفع ما عليه، وقد قالوا‏:‏ إن رب الدين إذا ظفر بجنس حقه له أن يأخذه، وإن لم يعلم به المديون فالقاضي أولى نهر وتبعه الحموي وغيره ط‏.‏ قلت‏:‏ لكن كونه غير محتاج إلى أمره بالدفع فيه نظر؛ لأن القاضي لا يتحقق له ولاية أخذ مال المديون، وقضاء دينه به إلا بعد الامتناع عن فعل المديون ذلك بنفسه فكان المناسب ذكر هذا عند قوله فإن أبى حبسه، فيقال إنما يحبسه إذا لم يتمكن القاضي إلخ فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإن أبى حبسه‏)‏ فلو قال أمهلني ثلاثة أيام لأدفعه إليك فإنه يمهل ولم يكن بهذا القول ممتنعا من الأداء ولا يحبس شرح الوهبانية عن شرح الهداية، ومثله قول المصنف الآتي، ولو قال أبيع عرضي وأقضي ديني إلخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعكسه السرخسي‏)‏ وهو أنه إذا ثبت بالبينة لا يحبسه لأول وهلة؛ لأنه يعتذر بأني ما كنت أعلم أن علي دينا له بخلافه بالإقرار؛ لأنه كان عالما بالدين ولم يقضه حتى أحوجه إلى شكواه فتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسوى بينهما في الكنز‏)‏ حيث قال‏:‏ وإذا ثبت الحق للمدعي أمره بدفع ما عليه، فإن أبى حبسه وعبارة متن الدرر أصرح‏:‏ وهي وإذا ثبت الحق على الخصم بإقراره أو ببينته أمره بدفعه إلخ، وفي كافي الحاكم ولا يحبس الغريم في أول ما يقدمه إلى القاضي، ولكن يقول له قم فارضه فإن عاد به إليه حبسه ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ واستحسنه الزيلعي‏)‏ حيث قال والأحسن ما ذكره هنا أي في الكنز فإنه يؤمر بالإيفاء مطلقا؛ لأنه يحتمل أن يوفي فلا يعجل بحبسه قبل أن يتبين له حاله بالأمر والمطالبة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو المذهب عندنا‏)‏ صرح بذلك في شرح أدب القضاء، وقال إن التسوية بينهما رواية‏.‏ قلت‏:‏ لكن سمعت عبارة كافي الحاكم، وهو الجامع لكتب ظاهر الرواية إلا أن عبارته ظاهرها التسوية، فيمكن إرجاعها إلى ما في الهداية فلا ينافي قوله وهو المذهب تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فليكن التوفيق‏)‏ لم يظهر لنا وجهه على أن ما نقله عن منية المفتي لم أجده فيها، بل عبارتها هكذا ولا يحبسه في أول ما يتقدم إليه ويقول له قم فارضه فإن عاد إليه حبسه ا هـ‏.‏ وهي عبارة الكافي المارة ثم رأيت بعضهم نبه على ما ذكرته

‏(‏قوله‏:‏ ويحبس المديون إلخ‏)‏ اعلم أن المدعي إذا ادعى دينا وأثبته يؤمر المديون بدفعه، فإن أبى وطلب المدعي حبسه وهو غني يحبس، ثم إن كان الدين ثمنا ونحوه من الأربعة المذكورة، في المتن وادعى المديون الفقر لا يصدق؛ لأن إقدامه على الشراء ونحوه مما ذكر دليل على عدم فقره، فيحبس إلا إذا كان فقره ظاهرا كما سيأتي وإن كان الدين غير الأربعة المذكورة وادعى الفقر فالقول له، ولا يحبس إلى آخر ما سيجيء‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

أطلق المديون فشمل المكاتب والعبد المأذون والصبي المحجور فإنهم يحبسون، لكن الصبي لا يحبس بدين استهلاك بل يحبس والده أو وصيه فإن لم يكونا أمر القاضي رجلا ببيع ماله في دينه كذا في البزازية بحر‏.‏ قلت‏:‏ وحبس والده أو وصيه بدين الاستهلاك إنما هو حيث كان للصبي مال وامتنع الأب أو الوصي من بيعه أما إذا لم يكن له مال فلا حبس كما يعلم من آخر العبارة وهو ظاهر والقول له إنه فقير؛ لأن دين الاستهلاك مما لا يحبس به إذا ادعى الفقر كما يأتي وسيذكر الشارح آخر الباب نظما من لا يحبس وفيه تفصيل للثلاثة المذكورين ‏(‏قوله‏:‏ في كل دين هو بدل مال‏)‏ كثمن المبيع وبدل القرض وقوله‏:‏ أو ملتزم بعقد كالمهر والكفالة، وهو من عطف العام على الخاص فلو اقتصر عليه كما وقع في بعض الكتب لا غناء عما قبله، زاد في البحر من القلانسي، وفي كل عين يقدر على تسليمها وسيأتي في كلام الشارح‏.‏ ثم اعلم أن هذه العبارة التي عزاها الشارح إلى الدرر، والمجمع والملتقى أصلها للقدوري عدل عنها صاحب الكنز إلى قول في الثمن والقرض والمهر والمعجل، وما التزمه بالكفالة وتبعه المصنف لوجهين‏.‏ نبه عليهما في النهر‏:‏ الأول أن قوله بدل مال يدخل فيه بدل المغصوب وضمان المتلفات، والثاني أن قوله أو ملتزم بعقد يدخل فيه أيضا ما التزمه بعقد الصلح عن دم العمد والخلع مع أنه لا يحبس في هذه المواضع إذا ادعى الفقر ا هـ‏.‏ وصرح الشارح بعد أيضا بأنه لا يحبس فيها فكان عليه عدم ذكر هذه العبارة، ولكن ما ذكره في النهر غير مسلم أما الأول فلأن المراد بدل مال حصل في يد المديون، كما سيأتي فيكون دليلا على قدرته على الوفاء بخلاف ما استهلكه من الغصب، وأما الثاني فلأنه يحبس في الصلح والخلع كما تعرفه، فالأحسن ما فعله الشارح تبعا للزيلعي ليفيد أن الأربعة التي في المتن غير قيد احترازي فافهم، لكن الشارح نقض هذا فيما ذكره بعد كما تعرفه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مثل الثمن‏)‏ شمل الثمن ما على المشتري وما على البائع بعد فسخ البيع بينهما بإقالة أو خيار، وشمل رأس مال السلم بعد الإقالة وما إذا قبض المشتري المبيع أو لا بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كالأجرة‏)‏ لأنها ثمن المنافع بحر فإن المنفعة وإن كانت غير مال لكنها تتقوم في باب الإجارة للضرورة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو لذمي‏)‏ يرجع إلى الثمن والقرض وكان المناسب ذكره عقب قوله ويحبس المديون قال في البحر‏:‏ أطلقه فأفاد أن المسلم يحبس بدين الذمي والمستأمن وعكسه ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والمهر المعجل‏)‏ أي ما شرط تعجيله أوتعورف نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وما لزمه بكفالة‏)‏ استثني منه في الشرنبلالية كفيل أصله كما لو كفل أباه أو أمه أي فإنه لا يحبس مطلقا لما يلزم عليه من حبس الأب معه وفيه كلام قدمناه في الكفالة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو بالدرك‏)‏ وهو المطالبة بالثمن عند استحقاق المبيع، وهذا ذكره في النهر أخذا من إطلاق الكفالة ثم قال ولم أره صريحا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو كفيل الكفيل‏)‏ بالنصب خبر لكان المقدرة بعد لو فهو داخل تحت المبالغة‏:‏ أي ولو كان كفيل الكفيل فدخل تحت المبالغة الأصيل وكفيله قال في البحر، وأشار المؤلف إلى حبس الكفيل والأصيل معا الكفيل بما التزمه، والأصيل بما لزمه بدلا عن مال، وللكفيل بالأمر حبس الأصيل إذا حبس، كذا في المحيط وفي البزازية يتمكن المكفول له من حبس الكفيل، والأصيل وكفيل الكفيل وإن كثروا ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنه التزمه بعقد‏)‏ أي لأن الكفيل التزم المال بعقد الكفالة وكذا كفيله، وقوله كالمهر أي فإن الزوج التزمه بعقد النكاح، فكل منهما وإن لم يكن مبادلة مال بمال لكنه ملتزم بعقد، والتعليل المذكور لثبوت حبسه بما ذكر، وإن ادعى الفقر فإن التزامه ذلك بالعقد دليل القدرة على الأداء؛ لأن العاقل لا يلتزم ما لا قدرة له عليه فيحبس وإن ادعى الفقر؛ لأنه كالمتناقض لوجود دلالة اليسار وظهر به وجه حبسه أيضا بالثمن والقرض؛ لأنه إذا ثبت المال بيده ثبت غناه به أفاد ذلك في الفتح وغيره والأخير مبني على التمسك بالأصل فإن الأصل بقاؤه في يده‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ هذا هو المعتمد‏)‏ الإشارة إلى ما في المتن من أنه يحبس في الأربعة المذكورة وإن ادعى الفقر وهذا أحد خمسة أقوال ثانيها‏:‏ ما في الخانية ثالثها‏:‏ القول للمديون في الكل‏:‏ أي في الأربعة وفي غيرها مما يأتي رابعها للدائن في الكل خامسها أنه يحكم الزي أي الهيئة إلا الفقهاء والعلوية؛ لأنهم يتزيون بزي الأغنياء وإن كانوا فقراء صيانة لماء وجههم كما في أنفع الوسائل‏.‏

مطلب إذا تعارض ما في المتون والفتاوى فالمعتمد ما في المتون

‏(‏قوله‏:‏ خلافا لفتوى قاضي خان‏)‏ حيث قال‏:‏ إن كان الدين بدلا عن مال كالقرض، وثمن المبيع فالقول للمدعي، وعليه الفتوى وإن لم يكن بدل مال فالقول للمديون ا هـ‏.‏ وعليه فلا يحبس في المهر والكفالة، قال في البحر‏:‏ وهو خلاف مختار المصنف تبعا لصاحب الهداية وذكر الطرسوسي في أنفع الوسائل أنه أي ما في الهداية المذهب المفتى به‏.‏ فقد اختلف الإفتاء فيما التزمه بعقد ولم يكن بدل والعمل على ما في المتون؛ لأنه إذا تعارض ما في المتون والفتاوى، فالمعتمد ما في المتون كما في أنفع الوسائل، وكذا يقدم ما في الشروح على ما في الفتاوى ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وما في الخانية نقل في أنفع الوسائل عن المبسوط أنه ظاهر الرواية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نعم عده في الاختيار لبدل الخلع هنا خطأ‏)‏ عده بالرفع مبتدأ واللام في لبدل متعلق به وخطأ خبر المبتدإ وفي بعض النسخ كبدل بالكاف وهو تحريف، وقوله‏:‏ هنا‏:‏ أي فيما يكون القول فيه للمدعي كالمسائل الأربع، وعبارة الاختيار هكذا، وإن قال المدعي هو موسر وهو يقول أنا معسر، فإن كان القاضي يعرف يساره أو كان الدين بدل مال كالثمن والقرض، أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة، وبدل الخلع ونحوه حبسه؛ لأن الظاهر بقاء ما حصل في يده والتزامه يدل على القدرة إلخ‏.‏ ثم اعلم أن ما ذكره الشارح ومن التخطئة أصلها للطرسوسي في أنفع الوسائل وتبعه في البحر والنهر وغيرهما وأقروه على ذلك وذلك غير وارد وبيان ذلك أن الطرسوسي ذكر مسألة اختلاف المدعي والمدعى عليه في الفقر وعدمه ونقل عبارات الكتب منها كتاب اختلاف الفقهاء للطحاوي أن كل دين أصله من مال وقع في يد المديون كأثمان البياعات والقروض ونحوها حبسه وما لم يكن أصله كذلك كالمهر والخلع والصلح عن دم العمد ونحوه لم يحبسه حتى يثبت ملاءته ا هـ‏.‏ ونقل نحوه عن متن البحر المحيط وغيره، وذكر عن السغناقي وغيره حكاية قول آخر أيضا، وهو أن كل دين لزمه بعقد فالقول فيه للمدعي وكل دين لزمه حكما لا بمباشرة العقد فالقول فيه للمديون قالوا‏:‏ وهذا القول لا فرق فيه بين ما ثبت بدلا عن مال أو لا‏.‏ ثم إن الطرسوسي قال‏:‏ إن صاحب الاختيار أخطأ، حيث جعل بدل الخلع كالثمن والقرض في أن القول فيه للمدعي، وهو مخالف لما نقلناه عن اختلاف الفقهاء للطحاوي ومتن البحر المحيط وغيره وأيضا فإن الخلع ليس بدلا عن مال، هذا حاصل كلامه وإذا أمعنت النظر تعلم أنه كلام ساقط، فإن ما ذكره عن اختلاف الفقهاء ومتن البحر المحيط وغيره هو القول الذي مر عن قاضي خان، وما ذكره عن السغناقي وغيره هو الذي مشى عليه القدوري، ونقله الشارح عن الدرر والمجمع والملتقى، فالقول الأول اعتبر في كون القول للمدعي كون الدين بدلا عن مال حصل في يد المديون، ولم يعتبر كونه بعقد، ولا شك أن المهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد، وإن كان بعقد لكنه ليس بدل مال، فلا يكون القول فيه للمدعي بل للمديون فلا يحبس فيه والقول الثاني‏:‏ اعتبر كون الدين ملتزما بعقد سواء كان بدل مال أو غيره‏.‏ ولا شك أن الخلع ملتزم بعقد كالمهر فيكون القول فيه للمدعي، والذين صرحوا بأن بدل الخلع لا يحبس فيه المديون هم أهل القول الأول فجعلوه كالمهر لكون كل منهما ليس بدل مال وقد علمت أن صاحب الاختيار من أهل القول الثاني فإنه اعتبر العقد كما قدمناه عنه، فلذا جعل القول للمدعي في المهر والكفالة والخلع، ويلزم منه أيضا أن يكون الصلح عن دم العمد كذلك؛ لأنه بعقد وحينئذ فاعتراض الطرسوسي على صاحب الاختيار بما حكاه أهل القول الأول ساقط، فإن صاحب الاختيار لم يقل بقولهم، حتى يعترض عليه بذلك بل قال بالقول الثاني كبقية أصحاب المتون، غير أنه زاد على المتون التصريح بالخلع لدخوله تحت العقد وتبعه في الدرر، كيف وصاحب الاختيار إمام كبير من مشايخ المذهب، ومن أصحاب المتون المعتبرة وأما الطرسوسي، فلقد صدق فيه قول المحقق ابن الهمام إنه لم يكن من أهل الفقه فافهم واغنم تحقيق هذا الجواب، فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، والحمد لله ملهم الصواب ثم بعد مدة رأيت في مختصر أنفع الوسائل للزهيري ردا على الطرسوسي بنحو ما قلنا ولله الحمد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يحبس في غيره‏)‏ أي إن ادعى الفقر كما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بدل خلع‏)‏ الصواب إسقاطه كما علمت من أنه من القسم الأول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومغصوب‏)‏ بالجر عطفا على خلع، وكذا ما بعده أي وبدل مغصوب‏:‏ أي إذا ثبت استهلاكه للمغصوب، ولزمه بدله من القيمة أو المثل وادعى الفقر لا يحبس؛ لأنه وإن كان مال دخل في يده، لكنه باستهلاكه لم يبق في يده حتى يدل على قدرته على الإيفاء بخلاف ثمن المبيع، فإن المبيع دخل في يده، والأصل بقاؤه كما مر فلذا يحبس فيه وبخلاف العين المغصوبة القادر على تسليمها، فإنه يحبس أيضا على تسليمها كما قدمه آنفا عن تهذيب القلانسي، فلا منافاة بينه وبين ما هنا قال في أنفع الوسائل وقولهم‏:‏ أو ضمان المغصوب معناه‏:‏ إذا اعترف بالغصب وقال‏:‏ إنه فقير وتصادقا على الهلاك أو حبس لأجل العلم بالهلاك، فإن القول للغاصب في العسرة هكذا ذكره السغناقي وتاج الشريعة وحميد الدين الضرير ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومتلف‏)‏ أي وبدل ما أتلفه من أمانة ونحوها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ودم عمد‏)‏ أي بدل الصلح عن دم عمد قال في أنفع الوسائل معناه‏:‏ أنه لو قتل مورثه عمدا فصالحه على مال فادعى أنه فقير يكون القول قول القاتل في ذلك؛ لأنه ليس بدلا عن مال، وما صرح بهذه أحد سوى الطحاوي في اختلاف الفقهاء وهو صحيح موافق للقواعد، وداخل تحت قولهم عما ليس بمال ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ ويشكل جعلهم القول فيه للمديون مع أنه التزمه بعقد ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لا إشكال فيه؛ لأن ذلك مبني على القول بعدم اعتبار العقد، وأن المعتبر هو كون الدين بدلا عن مال وقع في يد المديون كما علمته مما نقلناه سابقا من عبارة الطحاوي، وهذا القول وهو الذي مر عن الخانية، وأما على القول الذي مشى عليه القدوري وصاحب الاختيار وغيرهما من أصحاب المتون من أن المعتبر ما كان بدلا عن مال أو ملتزما بعقد، وإن لم يكن بدلا عن مال، فلا شك في دخول هذه الصورة في العقد، فتكون على هذا القول من القسم الأول الذي يكون القول فيه للمدعي؛ لأنها كالمهر وإنما يشكل الأمر لو صرح أحد من أهل هذا القول بأن بدل دم العمد يكون القول فيه للمديون مع أنه لم يصرح بذلك أحد إلا الطحاوي القائل بالقول الأول، فعلمنا أنه مبني على أصله من أنه لا يعتبر العقد أصلا فمعارضة أهل القول الثاني بهذا القول غير واردة والإشكال ساقط كما قررنا نظيره في مسألة الخلع وبهذا ظهر أن الصواب إسقاط هذه الصورة أيضا وذكرها في القسم الأول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعتق حظ شريك‏)‏ أي لو أعتق أحد شريكي عبد حصته منه بلا إذن الآخر واختار الآخر تضمينه فادعى المعتق الفقر فالقول له؛ لأن تضمينه لم يجب بدلا عن مال وقع في يده، ولا ملتزما بعقد حتى يكون دليل قدرته بل هو في الحقيقة ضمان إتلاف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأرش جناية‏)‏ هذا وما بعده مرفوع عطفا على‏:‏ بدل لا على خلع المجرور؛ لأن الأرش هو بدل الجناية والمراد أرش جناية موجبها المال دون القصاص‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ونفقة قريب وزوجة‏)‏ أي نفقة مدة ماضية مقضي بها أو متراضى عليها، لكن نفقة القريب تسقط بالمضي إلا إذا كانت مستدانة بالأمر وسيذكر المصنف مسألة النفقة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ومؤجل مهر‏)‏ استشكله في البحر بأنه التزمه بعقد أي فيكون من القسم الأول، لكن جوابه أنه لما علم عدم مطالبته به في الحال لم يدل على قدرته عليه بخلاف المعجل شرطا أو عرفا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قلت ظاهره ولو بعد طلاق‏)‏ هذا هو المتعين؛ لأنه قبل الطلاق أو الموت لا يطالب به فكيف يتوهم حبسه به‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي نفقات البزازية إلخ‏)‏ الأنسب ذكر هذا عند قول المتن الآتي إلا أن يبرهن غريمه على غناه، وعبارة البزازية كما في البحر، وإن لم يكن لها بينة على يساره، وطلبت من القاضي أن يسأل من جيرانه لا يجب عليه السؤال‏.‏ وإن سأل كان حسنا، فإن سأل فأخبره عدلان بيساره ثبت اليسار بخلاف سائر الديون حيث لا يثبت اليسار بالإخبار، وإن قالا سمعنا أنه موسر أو بلغنا ذلك لا يقبله القاضي ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن إلخ‏)‏ فإن قوله ما لم يثبت غناه المتبادر منه كونه بالشهادة ويمكن أن يقال الثبوت في دين النفقة بالإخبار في غيره بالإشهاد فعبارته غير معينة ط‏.‏ قلت‏:‏ لكن قول المصنف الآتي إلا أن يبرهن يقتضي عدم الفرق نعم عبارة الكنز والهداية إلا أن يثبت لكن قيده الزيلعي بالبينة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فالقول للمديون‏)‏ أي فلا يحبس إن ادعى الفقر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأقره في النهر‏)‏ وكذا في البحر ووجهه ظاهر لإنكاره ما يوجب حبسه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا يحبس في دين مؤجل‏)‏ لأنه لا يطالب به قبل حلول الأجل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن بعد‏)‏ أي السفر بحيث يحل الأجل قبل قدومه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقدمناه في الكفالة‏)‏ أي في آخرها وقدمنا هناك ترجيح إلزامه بإعطاء كفيل فراجعه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إن ادعى الفقر‏)‏ قيد لقوله لا يحبس في غيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إذ الأصل العسرة‏)‏ لأن الآدمي يولد فقيرا لا مال له، والمدعي يدعي أمرا عارضا فكان القول لصاحبه مع يمينه ما لم يكذبه الظاهر، إلا أن يثبت المدعي بالبينة أن له مالا بخلاف ما تقدم؛ لأن الظاهر يكذبه زيلعي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي على قدرته على الوفاء‏)‏ أي ليس المراد بالغنى ملك النصاب؛ لأنه يحبس فيما دونه أفاده في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو باقتراض‏)‏ في البزازية لو وجد المديون من يقرضه فلم يفعل فهو ظالم، وفي كراهية القنية لو كان للمديون حرفة تفضي إلى قضاء دينه فامتنع منها لا يعذر ا هـ‏.‏ وكل من الفرعين ينبغي تخريجه على ما يقبل فيه قوله فإذا ادعى في المهر المؤجل مثلا أنه معسر ووجد من يقرضه، أو كان له حرفة توفيه فلم يفعل حبسه الحاكم؛ لأن الحبس جزاء الظلم، وأما ما لا يقبل فيه قوله‏:‏ فظلمه فيه ثابت قبل وجود من يقرضه نهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو بتقاضي غريمه‏)‏ بأن كان له مال على غريم موسر‏.‏ قال في البزازية‏:‏ فإن حبس غريمه الموسر لا يحبس، وفيها ولو كان للمحبوس مال في بلد آخر يطلقه بكفيل ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيحبسه حينئذ‏)‏ أي حين إذ قام البرهان على غناه في هذا القسم، وبمجرد دعوى المدعي غناه في القسم الأول كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو يوما‏)‏ أخذه في البحر من ظاهر كلامهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ هو الصحيح‏)‏ صرح به في الهداية؛ لأن المقصود من الحبس الضجر والتسارع لقضاء الدين وأحوال الناس فيه متفاوتة ومقابله رواية تقديره بشهرين أو ثلاثة وفي رواية بأربعة وفي رواية بنصف حول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لم أحبسه‏)‏ أي ولو كان الدين ثمنا أو قرضا كما هو ظاهر الإطلاق، وهو أيضا مقتضى عبارة شرح الاختيار التي قدمناها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو فقره ظاهرا إلخ‏)‏ أفاد أن قوله فيحبسه بما يرى إنما هو حيث كان حاله مشكلا كما نبه عليه الشارح بعده وفي شرح أدب القضاء قال محمد بعد ذكر التقدير هذا إذا أشكل على أمره أفقير أم غني وإلا سألت عنه عاجلا، ويعني إذا كان ظاهر الفقر أقبل البينة على الإفلاس وأخلي سبيله ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قال المديون‏)‏ أي بما أصله ثمن ونحوه؛ إذ القسم الثاني القول فيه للمديون أنه معسر، فلا يحتاج إلى تحليف الدائن نعم يتأتى فيه أيضا إذا أثبت يساره لكنه بعيد إذ لا يحلف المدعي بعد البينة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قلت قدمنا إلخ‏)‏ تقييد لقول المصنف فيحبسه بما رأى وقدم الشارح ذلك عند قول المصنف قبل هذا الفصل، ولا يخير إذا لم يكن مجتهدا وقد تبع الشارح في هذا القهستاني قال ح أقول مثل هذا لا يتوقف على كون القاضي مجتهدا كما لا يخفى ا هـ‏.‏ أي فإن ما يقتضيه حال ذلك المديون من قدر مدة حبسه التي يظهر فيها أنه لو كان له مال لأظهره يستوي في علم ذلك المجتهد وغيره بدون توقف على العلم باللغة والكتاب والسنة متنا وسندا كما لا يخفى، فالظاهر حمل ما قالوه فيما يفوض إلى رأي القاضي من الأحكام والله سبحانه أعلم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم بعد حبسه إلخ‏)‏ الظرف متعلق بقول المصنف الآتي سأل عنه وقوله‏:‏ لو حاله مشكلا قيد لقوله حبسه بما يراه وقوله‏:‏ وإلا أي إن لم يكن مشكلا بأن كان فقره ظاهرا وهذا كله يغني عنه ما قبله‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ احتياطا لا وجوبا‏)‏ قال شيخ الإسلام؛ لأن الشهادة بالإعسار شهادة بالنفي فكان للقاضي أن لا يسأل ويعمل برأيه، ولكن لو سأل مع هذا كان أحوط زيلعي‏.‏ وقال في الفتح‏:‏ وإلا فبعد مضي المدة التي يغلب ظن القاضي أنه لو كان له مال دفعه وجب إطلاقه إن لم يقم المدعي بينة يساره من غير حاجة إلى سؤال‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويكفي عدل‏)‏ والاثنان أحوط وكيفيته أن يقول المخبر إن حال المعسرين في نفقته وكسوته وحاله ضيقة وقد اختبرنا في السر والعلانية بحر عن البزازية وقيد سماع هذه الشهادة بما بعد الحبس ومضي المدة؛ لأنها قبل الحبس لا تقبل في الأصح كما يأتي، وكذا قبل المدة التي يراها القاضي كما سنذكره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بغيبة دائن‏)‏ أي يكفي ذلك في غيبة الدائن، فلا يشترط لسماعها حضرته لكن إذا كان غائبا سمعها وأطلقه بكفيل كما في البحر عن البزازية وسيأتي مع زيادة ما لو كان الدين لوقف أو يتيم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأما المستور إلخ‏)‏ فيه كلام يأتي قريبا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يشترط حضرة الخصم‏)‏ يغني عنه قوله بغيبة دائن‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا تنازعا إلخ‏)‏ قال في النهر وقيد في النهاية الاكتفاء بالواحدة بما إذا لم تقع خصومة، فإن كانت كأن ادعى المحبوس الإعسار ورب الدين يساره فلا بد من إقامة البينة على الإعسار ا هـ‏.‏ ومثله في البحر، قلت‏:‏ وهذا مشكل فإن ما مر من الاكتفاء بعدل لا شك أنه عند المنازعة إذ لو اعترف المدعي بفقر المحبوس أو اعترف المحبوس بغناه لم يحتج إلى سؤال ولا إلى إخبار، ثم رأيت في أنفع الوسائل نقل عبارة النهاية المارة بزيادة وهي فإن شهدا بأنه معسر خلى سبيله ولا تكون هذه شهادة على النفي فإن الإعسار بعد اليسار أمر حادث فتكون شهادة بأمر حادث لا بالنفي ا هـ‏.‏ فأفاد أن هذه الخصومة بإعسار حادث يعني إذا أراد حبسه فيما يكون القول فيه للمدعى بيساره أو في القسم الآخر وبرهن على يساره بإرث من أبيه منذ شهر مثلا، وهو ادعى إعسارا حادثا فلا بد فيه من نصاب الشهادة؛ لأنها شهادة صحيحة لوقوعها على أمر حادث لا على النفي بخلاف الشهادة على أنه معسر، فإنها قامت على نفي اليسار الذي يحبس بسببه لا على إعسار حادث بعده أو المراد إقامة البينة على إعساره بعد حبسه قبل تمام المدة التي يظهر فيها للقاضي عسرته، لكن سيأتي أن سماع البينة قبل المدة خلاف ظاهر الرواية فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قلت لكنها إلخ‏)‏ استدراك على التقييد بالعدل في قوله‏:‏ ويكفي عدل فقد نقل في أنفع الوسائل عن الخلاصة أنه يسأل عنه الثقات والواحد يكفي، ولا يشترط لفظ الشهادة ثم نقل عبارة شيخ الإسلام المارة ثم قال فقوله‏:‏ أي شيخ الإسلام هذا ليس بواجب وهذا ليس بحجة وأن للقاضي أن لا يسأل يؤيد قولنا إنه لا يشترط العدالة في هذا الواحد؛ لأنها تشترط في أمر واجب أو في إثبات حجة شرعية، وإلا فلا فائدة في اشتراطها؛ لأن القاضي له إخراجه بلا سؤال أحد عنه إلخ وأراد بذلك الرد على الزيلعي حيث قيد بالعدل في قوله‏:‏ والعدل الواحد يكفي وإثبات أن المستور الواحد يكفي دون الفاسق، ثم قال والأحسن عندي أن يقال إن كان رأي القاضي موافقا لقول هذا المستور في العسرة يقبل وإلا بأن لم يكن للقاضي رأي في عسرة المحبوس أو يسر به فيشترط كون المخبر عدلا ا هـ‏.‏ واستحسنه في النهر وغيره‏.‏ قلت‏:‏ قد رجع إلى ما قاله الزيلعي من حيث لا يشعر وذلك أنه إذا كان للقاضي رأي في عسرته بأن ظهر له حاله لا يحتاج إلى شاهد أصلا، بل له إخراجه بلا سؤال، والأحوط السؤال من عدل ليتحقق به ما رآه القاضي ولا يكون بمجرد رأيه، ويظهر من كلام شيخ الإسلام المار وكذا من كلام الفتح الذي ذكرناه بعده أنه لا يلزمه العمل بقول ذلك العدل إذا خالف رأيه، وإذا وافق قول المخبر رأي القاضي لا شك أنه يعمل به سواء كان المخبر عدلا أو فاسقا أو مستورا فعلم أن كلام الزيلعي محمول على ما إذا لم يكن للقاضي رأي بدليل قوله في شرح أدب القضاء وإذا مضت تلك المدة واحتاج القاضي إلى معرفة حاله سأل الثقات من جيرانه وأصدقائه إلخ، فقوله واحتاج دليل أنه لا رأي له فقد ظهر أنه في هذه الصورة تشترط العدالة كما اعترف به الطرسوسي وفي الصورة الأولى لا تشترط عدالة ولا غيرها وإلا لم يكن للقاضي العمل برأيه وإخراج المحبوس بلا سؤال، وبه ظهر سقوط هذا البحث من أصله فافهم واغتنم هذا التحرير‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولذا لم يجب السؤال‏)‏ أي سؤال القاضي عن حال المحبوس وإنما يسأل احتياطا كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإن لم يظهر له مال خلاه‏)‏ أي أطلقه من الحبس جبرا على الدائن نهر إن إطلاقه بإخبار واحد لا يكون ثبوتا، حتى لا يجوز أن يقول هذا القاضي ثبت عندي أنه معسر، ولا ينقل ثبوته إلى قاض آخر بل هذا يختص بهذا القاضي، أنفع الوسائل، وأقره في البحر والنهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ووقف‏)‏ ذكره في البحر بحثا إلحاقا باليتيم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فعلى القاضي القضاء به‏)‏ أي إذا أبى المحبوس أن يخرج حتى يقضي بإفلاسه كما في البحر وغيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حتى لا يعيده الدائن ثانيا‏)‏ أي قبل ظهور غناه بحر، والظاهر أن المراد أن لا يعيده قاض آخر؛ لأن الأول ظهر له حاله فكيف يعيده إلى الحبس بل لا يعيده لا لهذا الدائن ولا لغيره حتى يثبت غناه كما هو صريح عبارة البزازية المذكورة وأيضا إذا ثبت إعساره الحادث بشهادة تامة بعد خصومة كما مر فليس لقاض آخر حبسه ثانيا فيما يظهر؛ لأنه يكون ثبوتا فيتعدى بخلاف ما إذا أطلقه بإخبار واحد تأمل وقدم الشارح في الوقف في صور من ينتصب خصما عن غيره عد منها المديون إذا أثبت إعساره في وجه أحد الغرماء‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ يريد تطويل حبسه‏)‏ الظاهر أنه قيد باعتبار العادة، وإلا ففي غيبته تطويل حبسه وإن لم يرد ذلك؛ ولذا لم يقيد بذلك في عبارة الأشباه الآتية أفاد ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقدره‏)‏ بالنصب عطفا على الضمير المنصوب في علمه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو كفيلا‏)‏ أي بالمال أو النفس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا ثبت إعساره‏)‏ المناسب إسقاط إلا وعطفه بأو والمراد بالثبوت الظهور ولو برأي القاضي أو إخبار عدل كما مر

‏(‏قوله‏:‏ أبيع عرضي‏)‏ انظر ما فائدة التقييد بالعرض، فإن العقار كذلك فيما يظهر، وكذا لو قال أمهلني ثلاثا لأدفعه كما قدمناه عن شرح الوهبانية، وهذا أعم من أن يدفعه ببيع عرض أو عقار أو باستقراض أو استيهاب أو غير ذلك ولا داعي إلى ما قاله المصنف في المنح من حمله على المقيد هنا كما لا يخفى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لإبلاء الأعذار‏)‏ أي لاختبار مدعيها ويحتمل أن الهمزة للسلب والإبلاء بمعنى الإفناء أي لإزالة الأعذار يعني أنه لا عذر له بعدها فالثلاثة تبلي الأعذار وتفنيها ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسيجيء تمامه في الحجر‏)‏ قال المصنف والشارح هناك والقاضي يحبس الحر المديون ليبيع ماله لدينه وقضى دراهم دينه من دراهمه يعني بلا أمره، وكذا لو كان دنانير وباع دنانيره بدراهم دينه وبالعكس استحسانا لاتحادهما في الثمنية لا يبيع القاضي عرضه ولا عقاره للدين خلافا لهما، وبه أي بقولهما يبيعهما للدين يفتى، اختيار وصححه في تصحيح القدوري ويبيع كل ما لا يحتاجه للحال ا هـ‏.‏ وحاصله‏:‏ أنه إذا امتنع عن البيع يبيع عليه القاضي عرضه وعقاره وغيرهما وفي البزازية وفرع على صحة الحجر أنه يترك له دست من الثياب ويباع الباقي وتباع الحسنة ويشترى له الكفاية ويباع كانون الحديد ويشترى له من طين ويباع في الصيف ما يحتاجه للشتاء وعكسه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولم يمنع غرماءه عنه‏)‏ عطف على قوله خلاه وكان ينبغي ذكره عقبه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على الظاهر‏)‏ أي ظاهر الرواية وهو الصحيح بحر‏.‏

مطلب في ملازمة المديون

‏(‏قوله‏:‏ فيلازمونه إلخ‏)‏ قال في أنفع الوسائل‏:‏ وبعدما خلى القاضي سبيله فلصاحب الدين أن يلازمه في الصحيح، وأحسن الأقاويل في الملازمة ما روي عن محمد أنه قال‏:‏ يلازمه في قيامه وقعوده ولا يمنعه من الدخول على أهله ولا من الغداء والعشاء والوضوء والخلاء وله أن يلازمه بنفسه وإخوانه وولده ممن أحب ا هـ‏.‏ وتمامه في البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا ليلا‏)‏ لأنه ليس بوقت الكسب فلا يتوهم وقوع المال في يده فالملازمة لا تفيد بحر عن المحيط ويظهر منه أنه ليس له الملازمة في وقت لا يتوهم وقوع المال في يده فيه كما لو كان مريضا مثلا تأمل وأنه ليس ملازمته ليلا على قصد الإضجار؛ لأن الكلام فيما بعد ظهور عسرته وتخليته من الحبس والعلة في الملازمة إمكان قدرته على الوفاء بعد تخليته فيلازمه كي لا يخفيه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويستأجر للمرأة مرأة تلازمها منية‏)‏ عبارة منية المفتي ولو كان المدعى عليه امرأة قيل يستأجر امرأة تلازمها وقيل له أن يلازمها ويجلس معها ويقبض على ثيابها بالنهار، أما بالليل فتلازمها النساء فإن هربت ودخلت خربة لا بأس أن يدخل الرجل إذا كان يأمن على نفسه في ذلك ويكون بعيدا منها ويحفظها بعينه ا هـ‏.‏ ونقل الثاني في البحر عن الواقعات معللا بأن له ضرورة في هذه الخلوة، أي الخلوة بالمرأة الأجنبية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا لضرر‏)‏ عبارة الهداية إلا إذا علم القاضي أن بالملازمة يدخل عليه ضرر بين، بأن لا يمكنه من دخول داره فحينئذ يحبسه دفعا للضرر ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أن هذا فيمن لم يظهر للقاضي عسرته بعد حبسه وإلا فكيف يحبس ثانيا بلا ظهور غناه أو هو مفروض فيما قبل الحبس أصلا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكلفه في البزازية الكفيل بالنفس‏)‏ الأولى بكفيل بالباء وعبارة البزازية نقلا عن الإمام محمد، وإن في ملازمته ذهاب قوته وعياله أكلفه أن يقيم كفيلا بنفسه ثم يخلي سبيله

‏(‏قوله‏:‏ ولا يقبل برهانه على إفلاسه قبل حبسه إلخ‏)‏ هذا مقابل قوله ثم بعد حبسه سأل عنه وقد اختلف التصحيح في هذه المسألة ففي الخانية عن ابن الفضل أن الصحيح القبول وفي شرح أدب القضاء أن الصحيح عدمه، وأن عليه عامة المشايخ واختار في الخانية أنه مفوض إلى رأي القاضي، فإن رأى أنه لين يقبل وإن علم أنه وقح لا قال في أنفع الوسائل وكأنه أراد بقوله لين أن يعتذر إليه ويتلطف معه وبقوله وقح أن يقول لو قعدت في الحبس كذا وكذا، ولا يحصل لك مني شيء وآخرتي أخرج على رغمك ونحو ذلك‏.‏ ثم قال‏:‏ وكان والدي يقول ينبغي للقاضي إذا علم أن بينته عدول ممهدون في العدالة يقبل، قال وهذا حسن أيضا وعملي عليه؛ لأن العدل المتحري لا يشهد ما لم يقطع بفقره، بخلاف غيره ممن يحتاج إلى تركته ولا يعرف القاضي تحريه ولا ديانته ا هـ‏.‏ ملخصا وبقي ما إذا برهن على إفلاسه بعد حبسه قبل مضي المدة وفي الخانية لا يقبل في الروايات الظاهرة إلا بعد مضي المدة ا هـ‏.‏ ومشى الإمام الخصاف في أدب القضاء على قبولها قبل مضي المدة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وصححه عزمي زاده‏)‏ ليس هو من أهل التصحيح، ولكنه نقل عن الزيلعي أن عليه عامة المشايخ، قلت‏:‏ وعليه الكنز وغيره وعلمت التصريح بتصحيحه وعلله الزيلعي بأنها بينته على النفي فلا تقبل ما لم تتأيد بمؤيد وهو الحبس وبعده تقبل على سبيل الاحتياط لا على الوجوب كما بينا ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والمعول عليه رأيه‏)‏ أي رأي القاضي، واعلم أن كلام النهر هنا غير محرر، فإنه قال بعد تعليل الزيلعي المذكور آنفا والمعول عليه رأيه كما مر عن شيخ الإسلام وهذا هو إحدى الروايتين وهو اختيار العامة وهو الصحيح وقال ابن الفضل الصحيح أنها تقبل وقال قاضي خان ينبغي أن يكون مفوضا إلى رأي القاضي، إن علم يساره لا يقبلها وإن علم إعساره قبلها ا هـ‏.‏ وبقي ما إذا لم يعلم من حاله شيئا، والظاهر أنه لا يقبلها ا هـ‏.‏ ما في النهر وفيه أن ما مر عن شيخ الإسلام هو ما قدمناه عنه في سؤال عن حالة المحبوس بعد تمام المدة وأنه يجب بل له أن يعمل بما يراه ولا يخفى أن كلامنا هنا فيما قبل الحبس، وما نقله عن قاضي خان غيره ما قدمناه عنه آنفا، ولا يخفى ما فيه فإنه إذا علم إعساره وكان ظاهرا يسأل عنه عاجلا ويقبل بينته، ويخلي سبيله كما قدمه الشارح، والكلام هنا فيما إذا كان أمره مشكلا كما في البزازية، حيث قال‏:‏ وإن كان أمره مشكلا هل يقبل البينة قبل الحبس فيه روايتان‏.‏

مطلب بينة اليسار أحق من بينة الإعسار عند التعارض

‏(‏قوله‏:‏ وبينة يساره أحق إلخ‏)‏ هذا ظاهر فيما يكون فيه القول للمديون إنه فقير؛ لأن البينة لإثبات خلاف الظاهر وذلك في بينة اليسار‏.‏ أما القسم الأول وهو ما يكون القول فيه للمدعي بأن كان الدين ملتزما بمقابلة مال أو بعقد فلا يظهر؛ لأن الأصل فيه اليسار بل الظاهر تقدم بينة الإعسار لإثباتها خلاف الظاهر، ولم أر من فصل، بل كلامهم هنا مجمل فليتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأن اليسار عارض‏)‏ فإن الآدمي يولد ولا مال له كما مر، لكن إذا تحقق دخول المبيع في يده صار اليسار هو الأصل فينبغي ترجيح بينة الإعسار كما قلنا تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نعم لو بين إلخ‏)‏ عبارة الفتح هكذا وكلما تعارضت بينة اليسار والإعسار قدمت بينة اليسار؛ لأن معها زيادة علم اللهم إلا أن يدعي أنه موسر وهو يقول أعسرت من بعد ذلك وأقام بذلك بينة فإنها تقدم؛ لأن معها علما بأمر حادث وهو حدوث ذهاب المال ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ والظاهر أنه بحث منه وليس بصحيح لجواز حدوث اليسار بعد إعساره الذي ادعاه ا هـ‏.‏ ورده المقدسي بقوله وهذا تجر من غير تحر ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ووجهه أولا منع كونه بحثا بل ظاهر كلام الفتح أنه منقول كيف وهو موافق لما قدمناه عن أنفع الوسائل عن النهاية عند قول الشارح إلا إذا تنازعا وثانيا ما قاله في النهر‏:‏ من أنه ينبغي أن يكون معناه أنه بين سبب الإعسار وشهدوا به، وما في البحر مدفوع بأنهم لم يشهدوا بيسار حادث بل بما هو سابق على الإعسار الحادث، وبينة الإعسار تحدث أمرا عارضا ا هـ‏.‏ لكن يظهر لي أن بيان سبب الإعسار غير لازم بل يكفي قولهم إنه أعسر بعد ذلك تأمل‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال البيري وفي أوضح رمز ناقلا عن المستصفى‏:‏ واعلم أن بينة الإعسار إنما تقبل إذا قالوا إنه كثير العيال وضيق الحال، أما إذا قالوا لا مال له لا تقبل ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فتقدم‏)‏ الأولى حذف الفاء ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قبلت‏)‏ لأن المقصود منها دوام الحبس عليه بحر عن البزازية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا إلخ‏)‏ أي بأن بينوا مقدار ما يملك لم يمكن قبولها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنها قامت للمحبوس إلخ‏)‏ أي على إثبات ملكه لقدر معين قال في القنية‏:‏ وقولهم أي الشهود إنه موسر ليس كذلك فيقبل ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وحاصله أن الشهود لو قالوا إنه يملك الشيء الفلاني مثلا لا تقبل؛ لأنه يقول لا أملك شيئا وهم يشهدون له بأن ذلك الشيء ملكه والبينة لا تقبل للمنكر بل تقبل عليه، وهذه شهادة له صريحا وتتضمن الشهادة عليه بيساره إدامة حبسه، وإذا بطل الصريح بطل ما في ضمنه بخلاف قولهم إنه موسر فإنها شهادة عليه صريحا، وإن كان قولهم إنه موسر يتضمن الشهادة بأنه يملك قدر الدين أو أكثر فإنها ليست بشهادة له إذ ليس فيها إثبات شيء معين أو مقدار قدر الدين؛ لأن اليسار أعم، وأيضا فإنها ضمنية لا صريحة بل الصريح منها قصد إدامة حبسه فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسيجيء في الحجر‏)‏ قدمنا عبارته فيه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وحينئذ فلا يتأبد حبسه‏)‏ أي على قولهما وكذا على قوله إن كان ماله غير عقار ولا عرض بل كان من الأثمان، ولو خلاف جنس الدين كما قدمناه

‏(‏قوله‏:‏ ولا يحبس لما مضى إلخ‏)‏ اعلم أن نفقة الزوجة لا تصير دينا على الزوج إلا بالقضاء أو الرضا، فإذا مضت مدة قبل القضاء أو الرضا سقطت عنه والمراد بالمدة شهر فأكثر، وكذا نفقة الولد الصغير الفقير، وأما نفقة سائر الأقارب فإنها تسقط بالمضي، ولو بعد القضاء أو الرضا إلا إذا كانت مستدانة بأمر قاض، فلا تسقط بالمضي هذا حاصل ما قدمه الشارح في النفقات‏.‏ لكن ما ذكره من كون الصغير كالزوجة نقله هناك عن الزيلعي، وقدمنا هناك أنه مخالف لإطلاق المتون والشروح ولما صرح به في الهداية والذخيرة وشرح أدب القضاء والخانية من أن نفقة الولد والوالدين والأرحام إذا قضي بها ومضت مدة سقطت‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن قضي بها‏)‏ أفاد أنه إذا لم يقض بها لا يحبس بها بالأولى؛ لأنها لم تصر دينا أصلا، وأما إذا قضي بها ومثله الرضا فلأنها ليست بدل مال ولا ملتزما بعقد على ما مر أي في قوله‏:‏ لا يحبس في غيره إن ادعى الفقر كما مر تقريره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حتى لو برهنت إلخ‏)‏ المناسب حذفه والاقتصار على ما بعده لئلا يتكرر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حبس بطلبها‏)‏ أي بطلبها حبسه إن كانت النفقة مقضيا بها أو متراضيا عليها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما لو أبى أن ينفق عليهما‏)‏ أي كما يحبس الموسر لو امتنع من الإنفاق على زوجته وولده الفقير الصغير كما في السراج، وفهم في البحر أنه قيد احترازي عن البالغ الزمن الفقير وقال‏:‏ وفيه تأمل لا يخفى قال في المنح وليس كذلك فإنه في معنى الصغير كما لا يخفى فيحبس أبوه إذا امتنع من الإنفاق عليه كما هو الظاهر ا هـ‏.‏ وفي الفتح‏:‏ ويتحقق الامتناع بأن تقدمه في اليوم الثاني، من يوم فرض النفقة، وإن كان مقدار النفقة قليلا كالدانق إذا رأى القاضي فأما بمجرد فرضها لو طلبت حبسه لم يحبسه؛ لأن العقوبة تستحق بالظلم، وهو بالمنع بعد الوجوب ولم يتحقق وهذا يقتضي أنه إذا لم يفرض لها ولم ينفق الزوج عليها في يوم ينبغي إذا قدمته في اليوم الثاني أن يأمره بالإنفاق، فإن رجع فلم ينفق أوجعه عقوبة، وإن كانت النفقة سقطت بعد الوجوب فهو ظالم لها وهو قياس ما أسلفناه في باب القسم من قولهم إذا لم يقسم لها فرافعته يأمره بالقسم وعدم الجور، فإن ذهب ولم يقسم فرافعته أوجعه عقوبة، وإن كان ما ذهب لها من الحق لا يقضى ويحصل به ضرر كبير ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفروعه‏)‏ أي وبقية فروعه كالإناث والولد البالغ الزمن وهذا بناء على ما مر من أن الصغير غير قيد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهل يحبس لمحرمه لو أبى لم أره‏)‏ أصل التوقف لصاحب الشرنبلالية قلت‏:‏ إذا حبس الأب فغيره بالأولى مع أنا قدمنا في آخر النفقات التصريح بذلك عن البدائع فإنه قال ويحبس في نفقة الأقارب كالزوجات‏.‏ أما غير الأب فلا شك فيه وأما الأب فلأن في النفقة ضرورة دفع الهلاك عن الولد؛ ولأنها تسقط بمضي الزمان، فلو لم يحبس سقط حق الولد رأسا فكان في حبسه دفع الهلاك، واستدراك الحق عن الفوات؛ لأن حبسه يحمله على الأداء ا هـ‏.‏ وقدمنا هناك أن هذا خلاف ما عزاه الشارح إلى البدائع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وظاهر تقييدهم‏)‏ أي بالولد فإن عبارة الكنز وغيره ويحبس الرجل بنفقة زوجته لا في دين ولده إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه ولا يخفى أنها لا تفيد عدم الحبس في نفقة غير الولد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن ما مر‏)‏ أي في أول الباب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ يفيده‏)‏ أي يفيد حبسه بالامتناع عن نفقة القريب المحرم حيث عبر بالمحبوس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فتأمل‏.‏ عند الفتوى‏)‏ أي حيث حصل الاضطراب في فهم هذا الحكم من كلامهم فلا تعجل في الفتوى‏.‏ قلت‏:‏ وبما نقلناه عن البدائع زال الاضطراب واتضح الجواب فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسيجيء‏)‏ أي في آخر الباب ويأتي الكلام عليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا يحبس أصل إلخ‏)‏ أي ولو جد الأم؛ لأنه لا قصاص عليه بقتل ولد بنته، فكذا لا يحبس بدينه، وقيد بالأصل؛ لأن الولد يحبس بدين أصله، وكذا القريب بدين قريبه كما في الخانية بحر، وسيذكر الشارح آخر الباب نظما جماعة ممن لا يحبس وسيأتي عدتهم عشرة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بل يقضي القاضي إلخ‏)‏ أفاد أنه لا فرق في عدم الحبس بين الموسر والمعسر لكن يبيع القاضي مال الأب لقضاء دين ابنه إذا امتنع؛ لأنه لا طريق له إلا البيع وإلا ضاع، أفاده في البحر وذكر في جواهر الفتاوى لا يحبس الأب إلا إذا تمرد على الحاكم ا هـ‏.‏ لكن ما ذكر من أن القاضي يقضي دينه يغني عن حبسه ذكره الرملي عن المصنف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من عين ماله‏)‏ أي إن كان من جنس الدين وقوله‏:‏ أو قيمته أي إن كان من غير جنسه كما لو كان الدين دراهم والمال دنانير فتباع الدنانير بالدراهم ويقضي بها الدين عند الإمام وصاحبيه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والصحيح إلخ‏)‏ مقابله أنه يبيع عندهما المنقول دون العقار وأما عنده فلا يبيع المنقول ولا العقار، وقدمنا أن المفتى به قولهما‏.‏

مطلب في استخلاف القاضي نائبا عنه

‏(‏قوله‏:‏ ولا يستخلف قاض إلخ‏)‏ أي ولو بعذر بحر عن العناية فدخل فيه ما لو وقعت له حادثة فلا يستخلف بلا تفويض‏.‏ ففي البحر عن السراجية القاضي إذا وقعت له حادثة أو لولده فأناب غيره وكان من أهل الإنابة وتخاصما عنده وقضي له أو لولده جاز ثم قال‏:‏ وقد سئلت عن صحة تولية القاضي ابنه قاضيا حيث كان مأذونا له بالاستخلاف فأجبت بنعم، وشمل إطلاقه الاستخلاف ما إذا كان مذهب الخليفة موافقا لمذهبه أو مخالفا ثم قال‏:‏ وظاهر إطلاقهم أن المأذون له بالاستخلاف يملكه قبل الوصول إلى محل قضائه، وقد جرت عادتهم بذلك، وسئلت عنه فأجبت بذلك ا هـ‏.‏ ثم نقل عن شرح أدب القضاء أنه ذكر في موضع أن القاضي إنما يصير قاضيا إذا بلغ إلى الموضع، ألا ترى أن الأول لا ينعزل ما لم يبلغ هو البلد وفي موضع آخر ينبغي له أن يقدم نائبه قبل وصوله ليتعرف عن أحوال الناس ا هـ‏.‏ فالأول يفيد أنه لا يملكه قبل وصوله إلا أن يقال إن قاضي القضاة مأذون بذلك من السلطان، وهو الواقع الآن، ا هـ‏.‏ ملخصا قلت‏:‏ وما نقله ثانيا صريح في أن له الإنابة قبل وصوله، والتعليل بالتعرف عن أحوال الناس لا ينافي أن للنائب القضاء قبل وصول المنيب؛ لأن التعرف يكون بالقضاء فحينئذ إذا وصل نائبه، فالظاهر انعزال الأول؛ لأن النائب قائم مقام المنيب، وقد عللوا لعدم انعزال الأول قبل وصول الثاني بصيانة المسلمين عن تعطيل قضاياهم وبوصول نائب الثاني لا تتعطل قضاياهم وحيث كان الواقع الآن هو الإذن من السلطان فلا كلام وبه اندفع ما قيل إنه لا يعول على ما أفتى به في البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا فوض إليه‏)‏ ومثله نائب القاضي قال في البحر وفي الخلاصة الخليفة إذا أذن للقاضي في الاستخلاف فاستخلف رجلا وأذن له في الاستخلاف جاز له الاستخلاف ثم وثم ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كقوله ول من شئت واستبدل‏)‏ هذا تنظير لا تمثيل أي فإنه في الدلالة يملك الاستخلاف والعزل نظير ما لو صرح بهما‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو استخلف من شئت‏)‏ لا يصح عطفه على قوله واستبدل؛ لأنه يقتضي أنه لو قال ول من شئت واستخلف من شئت يملك العزل أيضا وليس كذلك؛ لأن استخلف بمعنى ول، بل نص في البحر في هذه الصورة على أنه لا يملك العزل فتعين عطفه على قوله ول وعليه فكان المناسب أن يقول كمقوله ول أو استخلف من شئت واستبدل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإن قاضي القضاء إلخ‏)‏ في موضع التعليل لقوله وفي الدلالة يملكها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيهم‏)‏ أي في القضاة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ تقليدا وعزلا‏)‏ تفسير للإطلاق‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإنه يستخلف بلا تفويض‏)‏ فإن كان قبل شروعه لحدث أصابه لم يجز أن يستخلف إلا من كان شهد الخطبة، وإن بعد الشروع فاستخلف من لم يشهدها جاز نهر‏:‏ أي لأنه بان وليس بمفتتح والخطبة شرط الافتتاح، وقد وجد في حق الأصل فتح واعترض بما لو استخلف شخصا لم يشهد الخطبة ثم أفسد صلاته ثم افتتح بهم الجمعة فإنه يجوز، وأجيب بأنه لما صح شروعه فيها وصار خليفة للأول التحق بمن شهدها واستظهر في العناية الجواب بإلحاقه بالباني لتقدم شروعه فيها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للإذن دلالة‏)‏ لأن المولى عالم بتوقتها وأنه إذا عرض عارض فاتت لا إلى خلف، ومعلوم أن الإنسان غرض للأعراض فتح قال في النهر وهو ظاهر في جواز الاستخلاف للمرض ونحوه، وتقييد الزيلعي بالحدث لا دليل عليه وقدمنا في الجمعة مسألة الاستنابة بغير عذر فارجع إليه ا هـ‏.‏ وحاصل ما مر في الجمعة أنه قيل لا يصح الاستخلاف بلا إذن السلطان إلا إذا سبقه الحدث فيها، وقيل إن لضرورة جاز أي لحدث أو غيره وإلا فلا، وقيل يجوز مطلقا وعليه مشى في شرح المنية والبحر والنهر، وكذا الشرنبلالي والمصنف والشارح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وما ذكره منلا خسرو‏)‏ أي في الدرر والغرر من باب الجمعة من أنه لا يستخلف للصلاة ابتداء، بل بعدما أحدث إلا إذا كان مأذونا من السلطان بالاستخلاف ا هـ‏.‏ وهو ما مر عن الزيلعي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقد مر في الجمعة‏)‏ ومر أيضا هناك عن العلامة محب الدين بن جرباش في النجعة في تعداد الجمعة أن إذن السلطان بإقامة الخطبة شرط أول مرة للباني، فيكون الإذن منسحبا لتولية النظار الخطباء، وإقامة الخطيب نائبا ولا يشترط الإذن لكل خطيب ا هـ‏.‏ بحر، وقدمنا نحوه عن فتاوى ابن الجلبي وذكرنا هناك أن معناه أن إذن السلطان شرط في أول مرة، فإذا أذن لشخص بإقامتها كان له الإذن لآخر وللآخر الإذن لآخر وهكذا، وليس المراد أن إذن السلطان بإقامتها أول مرة يكون إذنا لكل من أراد إقامتها في ذلك المسجد بدون إذن من السلطان أو من مأذونه كما يوهمه ظاهر العبارة وتقدم تمامه فراجعه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ المفوض إليه‏)‏ بالجر نعت للقاضي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بغير تفويض منه‏)‏ أي من السلطان درر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كوكيل وكل‏)‏ أي بإذن الموكل فإنه لا يملك عزله ولا ينعزل بموته، وينعزلان بموت الموكل بخلاف الوصي حيث يملك الإيصاء إلى غيره، ويملك التوكيل والعزل في حياته لرضا الموصي بذلك دلالة لعجزه بحر قوله‏:‏ وكذا لا ينعزل أيضا بعزله‏)‏ أي لا ينعزل النائب بعزل القاضي أي بعزل السلطان له‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا بموته‏)‏ أي موت القاضي المستنيب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا بموت السلطان‏)‏ أي لا ينعزل النائب به كما لا ينعزل المستنيب، بخلاف موت الموكل فإنه ينعزل به الوكيل والفرق كما في وكالة الزيلعي أن السلطان عامل للمسلمين فلا ينعزل بموته القاضي الذي ولاه هو أو ولاه القاضي بإذنه، والموكل عامل لنفسه فينعزل وكيله بموته لبطلان حقه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بل بعزله‏)‏ أي بعزل السلطان للنائب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ واعتمده في الدرر‏)‏ أي في متنها حيث قال‏:‏ ولا ينعزل أي نائب القاضي بخروجه أي القاضي عن القضاء، وقال في الملتقى فنائبه لا ينعزل بعزله ولا بموته بل هو نائب السلطان الأصيل ا هـ‏.‏ فالضمير راجع إلى عدم عزل النائب بموت القاضي أو بعزله ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وتمامه في الأشباه‏)‏ قال فيها فتحرر من ذلك اختلاف المشايخ في انعزال النائب بعزل القاضي، وموته وقول البزازية الفتوى على أنه لا ينعزل بعزل القاضي يدل على أن الفتوى على أنه لا ينعزل بموته بالأولى، ثم نقل عن التتارخانية القاضي رسول عن السلطان في نصب النواب ا هـ‏.‏ ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي فتاوى المصنف إلخ‏)‏ حيث سئل عما ذكره ابن الغرس من أن نائب القاضي في زماننا ينعزل بعزله أو بموته فإنه نائبه أجاب‏:‏ لا يعتمد على ما ذكر ابن الغرس لمخالفته للمذهب فقد نقل الثقات أن النائب لا ينعزل بعزل الأصيل ولا بموته، قال قوم من كتاب الوكالة لا يملك القاضي الاستخلاف إلا بإذن الخليفة، ثم لا ينعزل بعزل القاضي الأول ولا بموته وينعزلان بعزل الخليفة لهما ولا ينعزلان بموته، وهو المعتمد في المذهب ولم نر خلافا في المسألة والله سبحانه أعلم‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن الخلاف موجود كما مر عن الأشباه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ صح قضاؤه لو أهلا‏)‏ في التتارخانية عن المحيط ولو أن السلطان لم يأذن له في الاستخلاف، فأمر رجلا فحكم بين اثنين لم يجز حكمه، ثم إن القاضي لو أجاز ذلك الحكم ينظر إن كان بحال يجوز حكمه لو كان قاضيا جاز إمضاء القاضي حكمه، وإن كان بحال لا يجوز حكمه لو كان قاضيا ينظر إن كان ممن يختلف فيه الفقهاء كالمحدود في القذف جاز إمضاؤه ذلك وإن كان عبدا أو صبيا لم يجز‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بل لو قضى فضولي‏)‏ أي من غير استخلاف أصلا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو هو‏)‏ أي القاضي كما لو كان مولى في كل أسبوع يومين، فقضى في غير اليومين توقف قضاؤه، فإن أجاز في نوبته جاز جامع الفصولين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في القضاء‏)‏ أي ليس خاصا بعقد نحو البيع والنكاح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ففوض لغيره صح‏)‏ ظاهره ولو بدون الإذن الصريح؛ لأنه مأذون دلالة للعلم بأن قضاءه بنفسه لا يصح تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو عتق إلخ‏)‏ ومثله لو فوض لكافر فأسلم فهو على قضائه عند محمد كما قدمناه عند قوله‏:‏ أهله أهل الشهادة وقدمنا هناك وجه الفرق بينهما وبين الصبي، حيث يحتاج إلى تجديد التفويض

‏(‏قوله‏:‏ خرج المحكم‏)‏ فإنه إذا رفع حكمه إلى قاض أمضاه إن وافق مذهبه، وإلا أبطله؛ لأن حكمه لا يرفع خلافا كما يأتي في التحكيم ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ودخل الميت إلخ‏)‏ وكذا قاضي البغاة فإذا رفع إلى قاضي العدل نفذه كما ذكره الشارح عند قول المصنف فيما مر ويجوز تقليد القضاء من السلطان العادل والجائر وأهل البغي‏.‏ وقدمنا فيه ثلاثة أقوال وأن المعتمد أنه ينفذه إن وافق رأيه أو لا فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والمخالف لرأيه‏)‏ أي رأي القاضي المرفوع إليه الحكم، لكن فيه تفصيل يأتي قريبا، وأما لو كان القاضي الأول حكم بخلاف رأيه، فسيأتي في قول المصنف قضى في مجتهد فيه إلخ‏.‏

مطلب في عموم النكرة في سياق الشرط

‏(‏قوله‏:‏ لأنه نكرة إلخ‏)‏ تعليل لقوله ودخل إلخ قصد به الرد على الزيلعي حيث ذكر أن كلام المصنف يوهم اختصاصه بما إذا كان موافقا لرأيه وقد تبع الشارح في هذا التعليل صاحب البحر‏.‏ وفيه نظر وكان المناسب أن يقول بدله‏:‏ لأنه مطلق عن التقييد‏.‏ أما العموم فممنوع لما صرحوا به في كتب الأصول كالتحرير وغيره من أن النكرة إنما تعم نصا إذا وقعت في سياق النفي، ومنه وقوعها في الشرط المثبت إذا كان يمينا؛ لأنها تكون على النفي كقوله إن كلمت رجلا فعبدي حر، فإن الحلف على نفيه فالمعنى لا أكلم رجلا فهي نكرة في سياق النفي فتعم‏.‏ ولهذا لا تعم في الشرط المثبت مثل إن لم أكلم رجلا؛ لأنه على الإثبات كأنه قال لأكلمن رجلا فلا تعم وأما الشرط في غير اليمين مثل إن جاءك رجل فأطعمه فليس نصا في العموم، ومثله ما نحن فيه فافهم‏.‏

مطلب ما ينفذ من القضاء وما لا ينفذ

‏(‏قوله‏:‏ إذ حكم نفسه قبل ذلك‏)‏ أي قبل الرفع إليه كذلك أي كحكم قاض آخر في أنه ينفذه إذا رفع إليه ويكون هذا رافعا للخلاف فيه، ولا يحتاج في نفوذه على المخالف إلى قاض آخر لكن ذكر ذلك ابن الغرس سؤالا وأجاب عنه بأنه لا يصح؛ لأنه غير ممكن شرعا، إذ القاضي لا يقضي لنفسه بالإجماع، والحكم به حكم بصحة فعل نفسه فيلغو ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ هذا ظاهر بالنسبة إلى رفع الخلاف أما بالنسبة إلى منع الخصم وإلزامه به فلا تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نفذه‏)‏ أي يجب عليه تنفيذه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لو مجتهدا فيه‏)‏ بنصب مجتهدا خبرا لكان المقدرة بعد لو واسمها ضمير عائد إلى حكم العائد إليه ضمير نفذه‏.‏ ثم اعلم أنهم قسموا الحكم ثلاثة أقسام، قسم يرد بكل حال وهو ما خالف النص أو الإجماع كما يأتي، وقسم يمضي بكل حال، وهو الحكم في محل الاجتهاد، بأن يكون الخلاف في المسألة وسبب القضاء وأمثلته كثيرة منها لو قضى بشهادة المحدودين بالقذف بعد التوبة وكان يراه كشافعي، فإذا رفع إلى قاض آخر لا يراه كحنفي يمضيه ولا يبطله، وكذا لو قضى لامرأة بشهادة زوجها وآخر أجنبي، فرفع لمن لا يجيز هذه الشهادة أمضاه؛ لأن الأول قضى بمجتهد فيه فينفذ؛ لأن المجتهد فيه سبب القضاء، وهو أن شهادة هؤلاء هل تصير حجة للحكم أم لا فالخلاف في المسألة وسبب الحكم لا في نفس الحكم، وكذا لو سمع البينة على الغائب بلا وكيل عنه، وقضى بها ينفذ؛ لأن المجتهد فيه سبب القضاء، وهو أن البينة هل تكون حجة بلا خصم حاضر، فإذا رآه صح، وسيأتي اختلاف الترجيح في الأخيرة‏.‏ وقسم اختلفوا فيه‏:‏ وهو الحكم المجتهد فيه وهو ما يقع الخلاف فيه بعد وجود الحكم فقيل ينفذ، وقيل يتوقف على إمضاء قاض آخر وهو الصحيح كما في الزيلعي وغيره، وبه جزم في الخانية وحكى ابن الشحنة في رسالته المؤلفة في الشهادة على الخط عن جده ترجيح الأول، فإذا رفع إلى الثاني فأمضاه يصير كأن القاضي الثاني حكم في فصل مجتهد فيه فليس للثالث نقضه ولو أبطله الثاني وبطل، وليس لأحد أن يجيزه كما لو قضى لولده على أجنبي أو لامرأته أو كان القاضي محدودا في قذف؛ لأن نفس القضاء مختلف فيه وسيشير الشارح إلى القسم الأخير وتمام الكلام على ذلك في رسالة ابن الشحنة المذكورة والبزازية وسيأتي له مزيد تحقيق‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عالما‏)‏ حال من قول المصنف قاض آخر، وساغ مجيء الحال منه وهو نكرة لتخصصها بالوصف، وهو آخر ولا يصح كونه خبرا بعد خبر لكان المقدرة بعد لو في قوله لو مجتهدا فيه؛ لأن الضمير المستتر فيها عائد إلى الحكم كما علمت، فيلزم أن يكون الضمير المستتر في عالما عائدا إلى الحكم أيضا ولا يصح‏.‏

مطلب مهم في قولهم يشترط كون القاضي عالما باختلاف الفقهاء

‏(‏قوله‏:‏ عالما باختلاف الفقهاء فيه إلخ‏)‏ أقول‏:‏ ذكر ذلك أيضا في البحر فذكر أن هذا شرط نفاذ القضاء في ظاهر المذهب ثم ذكر عبارة الخلاصة ثم قال‏:‏ والتحقيق المعتمد أن علمه بكون ما حكم به مجتهدا فيه شرط، وأما علمه بكون المسألة اجتهادية، فلا ويدل عليه ما في الفتاوى الصغرى ا هـ‏.‏ ثم ذكر مسألة قضاء القاضي مخالفا لرأيه، وأطال الكلام عليها‏.‏ وسيذكرها المصنف في قول قضى في مجتهد فيه، بخلاف رأيه إلخ ويأتي الكلام عليها، وهذه غير مسألة اشتراط العلم التي نحن فيها ولم يوفها صاحب البحر حقها، حتى اشتبهت على بعض المحشين فتكلم عليها بما قالوه في المسألة الثانية الآتية، مع أنهما مسألتان متغايرتان فافهم، ومسألة اشتراط العلم وقع فيها نزاع، وقد ألف فيها العلامة المحقق الشيخ قاسم رسالة‏:‏ حاصلها‏:‏ أن وضع المسألة المذكورة في قضاء القاضي المجتهد في حادثة له فيها رأي مقرر قبل قضائه في تلك الحادثة التي قصد فيها المتفق عليه، فحصل حكمه في المحل المختلف فيه، وهو لا يعلم ثم بان أن قضاءه هذا على خلاف رأيه المقرر قبل هذه الحادثة، فحينئذ لا ينفذ قضاؤه‏.‏ وأما إذا وافق قضاؤه رأيه في المسألة ولم يعلم حال قضائه أن فيها خلافا، فلم يقل أحد من علماء الإسلام بأنه لا ينفذ قضاؤه، خلافا لمن زعم ذلك، وبيان ذلك بالنصوص الصريحة منها قول الإمام حسام الدين الشهيد في الفتاوى الصغرى إذا قضى في فصل مجتهد فيه، وهو لا يعلم بذلك لا ينفذ، فإنه ذكر في السير الكبير‏:‏ رجل مات وله مدبرون حتى عتقوا، ثم جاء رجل وأثبت دينا على الميت، فباعهم القاضي على ظن أنهم عبيد وقضى بجوازه، ثم ظهر أنهم مدبرون كان قضاؤه بذلك باطلا، وإن مضى في فصل مجتهد فيه، وهو جواز بيع المدبر لكن لما لم يعلم بذلك كان باطلا ا هـ‏.‏ فعلم أن الضابط أخذ من فرع وقع فيه القضاء على خلاف رأيه السابق وهو أن المدبر لا يباع؛ فلذا كان قضاؤه باطلا وعدم العلم دليل بقاء رأيه السابق، وأما لو كان عالما وقضى على خلاف رأيه السابق حمل على تبدل اجتهاده بدليل ما في السير الكبير في باب الفداء الذي يرجع إلى أهله حيث قال‏:‏ مات وله رقيق، وعليه دين كثير فباع القاضي رقيقه، وقضى دينه ثم قامت البينة لبعضهم أن مولاه كان دبره، فإن بيع القاضي فيه يكون باطلا، ولو كان القاضي عالما بتدبيره واجتهد وأبطل تدبيره لكونه وصية وباعه في الدين ثم ولي قاض آخر يرى ذلك خطأ، فإنه ينفذ قضاء الأول إلخ، فعلم أن عدم الأخذ ليس هو لعدم العلم بل لكونه بيع الحر‏.‏ وقال الحسام أيضا قال في كتاب الرجوع عن الشهادة‏:‏ إذا قضى القاضي بشهادة محدودين في قذف، وهو لا يعلم بذلك ثم ظهر لا ينفذ قضاؤه، وهو محمول على محدودين شهدا بعد التوبة كما في قضاء شرح الجامع ومن المعلوم أن قضاء هذا على خلاف رأيه المقرر قبل ذلك فلذا لم ينفذ، فعدم النفاذ لعدم صحة الشهادة لا لعدم العلم، فإذا ظهر أن هذا في قضاء القاضي المجتهد، وأن اعتبار العلم وعدمه إنما هو للدلالة على البقاء على الاجتهاد الأول أو تبدله، وأنه لو كان على وفق رأيه نفذ وإن لم يعلم بالخلاف ظهر لك أن اعتبار هذا في القاضي المقلد جهالة فاحشة، وخرق لما أجمعت عليه الأمة في أن المقلد إذا قضى بقول إمامه مستوفيا للشروط نفذ قضاؤه، سواء علم أن في المسألة خلافا أو لا، وصار المختلف فيه بقاؤه متفقا عليه كما صرحت به نصوص المختصرات والمطولات وامتنع نقضه بالإجماع هذا خلاصة ما في تلك الرسالة‏.‏ وحاصله أن اشتراط كون القاضي المجتهد عالما بالخلاف إنما هو لبيان أن الموضع المختلف فيه الذي لم يقصد الحكم به لعدم علمه به كصحة بيع المدبر، وقبول شهادة المحدود لا يصير محكوما به في ضمن الحكم الذي قصده وهو بيع عبد المديون لقضاء دينه وقبول شهادة العدل في الصورتين السابقتين ونحوهما، إذ لا وجه لصيرورته محكوما به مع عدم علمه به وقصد له ومع كونه مخالفا لرأيه، بخلاف ما إذا كان عالما به، وقصد الحكم به، فإنه وإن خالف رأيه يصح حكمه به، ويكون ذلك رجوعا عن رأيه السابق لتغير اجتهاده فينفذ وإذا رفع إلى قاض آخر أمضاه، وهذا كلام في غاية التحقيق، وحيث كان هذا هو ظاهر الرواية فلا يعدل عنه وكأن صاحب الخلاصة فهم أن المراد اشتراط علمه بالخلاف فيما قصد الحكم به أو لم يقصد فلذا قال‏:‏ ويفتى بخلافه ولا سيما إن كان فهم أيضا أنه شرط في المجتهد وغيره إذ لا شك في عسر ذلك ولا سيما على قضاة زماننا فافهم والله سبحانه أعلم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بعد دعوى صحيحة إلخ‏)‏ الظرف متعلق بحكم في قوله‏:‏ حكم قاض أو بمحذوف خبر أيضا لكان المقدرة بعد لو في قوله لو مجتهدا فيه قال في البحر أول كتاب القضاء، فإن فقد هذا الشرط لم يكن حكما وإنما هو إفتاء صرح به الإمام السرخسي، وبأنه شرط لنفاد القضاء في المجتهدات‏.‏ ونقل الشيخ قاسم في فتاواه الإجماع عليه، ثم قال هنا في البحر فالحاصل‏:‏ أن الحكم المرفوع لا بد أن يكون في حادثة وخصومة صحيحة كما صرح به العمادي والبزازي وقالا حتى لو فات هذا الشرط لا ينفذ القضاء؛ لأنه فتوى فلو رفع إلى حنفي قضاء مالكي بلا دعوى، لم يلتفت إليه ويحكم بمقتضى مذهبه، ولا بد في إمضاء الثاني لحكم الأول من الدعوى أيضا كما سمعت ا هـ‏.‏ أي لا بد في حكم الثاني إذا رفع إليه حكم الأول، من أن يكون أيضا بعد دعوى صحيحة كما نقله عن البزازية وهذه الدعوى والخصومة تسمى الحادثة لحدوثها عند القاضي ليحكم بها، بخلاف ما كان من لوازم تلك الحادثة فإنه لم يحدث بدون الخصومة فيه، فلذا لم يصح حكمه به قبلها كما يأتي بيانه في الموجب قريبا ثم اعلم أن اشتراط تقدم الدعوى إنما هو في القضاء القصدي القولي دون الضمني والفعلي كما سنحققه في الفروع وكذا ما تسمع فيه الدعوى حسبة ومنه الوقف كما يأتي قريبا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا لا‏)‏ أي وإن لم يكن حكم الأول بعد دعوى صحيحة لم يكن قضاء صحيحا، بل كان إفتاء أي بيانا لحكم الحادثة وإذا كان إفتاء لم يلزم القاضي الثاني تنفيذه بل يحكم بمقتضى مذهبه وافق حكم الأول أو خالفه فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسيجيء آخر الكتاب‏)‏ أي في مسائل شتى قبيل الفرائض وحاصله ما قدمناه عن البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأنه إذا ارتاب إلخ‏)‏ عطف على الضمير المستتر في سيجيء فإن هذا الحكم مذكور هناك أيضا ا هـ‏.‏ ح لكن هذا ذكره في البحر وقال في النهر‏:‏ ولم أجده لغيره وتبعه الحموي ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قال‏)‏ أي صاحب البحر، وسبقه إلى ذلك العلامة ابن الغرس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبه عرف‏)‏ أي بما ذكر فإنه أفاد أن شرط صحة الحكم كونه بعد دعوى صحة إلخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لترك ما ذكر‏)‏ فمؤداها إحاطة القاضي الثاني علما بحكم القاضي الأول على وجه التسليم له، وأنه غير معترض عنده ويسمى اتصالا ويتجوز بذكر الثبوت والتنفيذ فيه ا هـ‏.‏ ابن الغرس‏.‏ قلت‏:‏ وللعلامة ابن نجيم صاحب البحر رسالة في الحكم بلا تقدم الدعوى وقال في آخرها‏:‏ واعلم أن هذا فيما تشترط فيه الدعوى، وأما الوقف فالصحيح عدم اشتراطها لكونه حق الله تعالى، فتقبل البينة بلا دعوى ويحكم به كما في البزازية والظهيرية والعمادية وغيرها، فعلى هذا لا إنكار على التنافيذ الواقعة في زماننا لكتب الأوقاف؛ لأن حاصلها إقامة البينة على حكم قاض بالوقف فقولهم إن التنافيذ في زماننا ليست أحكاما إنما هو في غير الوقف إلخ ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ لكن هذا ظاهر في الوقف على الفقراء وفي إثبات مجرد كونه وقفا، أما كونه موقوفا على فلان أو فلان وأن الواقف شرط كذا أو كذا فهذا حق عبد فلا بد فيه من دعواه لإثبات حقه، وكذا في إثبات شروطه كما يعلم مما ذكرناه في كتاب الوقف فتأمل‏.‏

مطلب مهم في الحكم بالموجب

‏(‏قوله‏:‏ وقد تعارفوا إلخ‏)‏ هذا من متعلقات اشتراط صحة الدعوى من خصم على خصم لصحة القضاء وبيانه أنه إذا وقع تنازع في موجب خاص، من مواجب ذلك الشيء الثابت عند القاضي، ووقعت الدعوى بشروطها كان حكما بذلك الموجب فقط دون غيره، فلو أقر بوقف عقار عند القاضي، وشرط فيه شروطا وسلمه إلى المتولي ثم تنازعا عند القاضي الحنفي في صحته ولزمه، فحكم بهما وبموجبه لا يكون حكما بالشروط فللشافعي أن يحكم فيها بمقتضى مذهبه ولا يمنعه حكم الحنفي السابق وتمامه في الأشباه وذكر في البحر‏:‏ أن القاضي إذا قضى بشيء في حادثة بعد دعوى صحيحة لا يكون قضاء فيما هو من لوازمه إلى أن قال فقد علمت من ذلك كثيرا من المسائل، فإذا قضى شافعي بصحة بيع عقار، وموجبه لا يكون حكما منه بأنه لا شفعة للجار لعدم حادثتها، وكذا إذا قضى حنفي لا يكون حكما بأن الشفعة للجار، وإن كانت الشفعة من مواجبه؛ لأن حادثتها لم توجد وقت الحكم ولا شعور للقاضي بها، وكذا إذا قضى مالكي بحصة التعليق في اليمين المضافة لا يكون حكما بأنه لا يصح نكاح الفضولي المجاز بالفعل لعدمه وقته فافهم فإن أكثر أهل زماننا عنه غافلون ا هـ‏.‏ وكذا قال العلامة قاسم أما كون الحكم حادثة فاحتراز عما لم يحدث بعد كما لو حكم بموجب إجارة لا يكون حكما بالفسخ بموت أحد المتآجرين؛ لأنه لم توجد فيه خصومة ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وقد ظهر من هذا أن المراد بالموجب هنا الذي لا يصح به الحكم هو ما ليس من مقتضيات العقد، فالبيع الصحيح مقتضاه خروج المبيع عن ملك البائع، ودخوله في ملك المشتري، واستحقاق التسليم، والتسلم في كل من الثمن والمثمن ونحو ذلك فإن هذه وإن كانت من موجباته لكنها مقتضيات لازمة له، فيكون الحكم به حكما بها بخلاف ثبوت الشفعة فيه للخليط أو للجار مثلا، فإن العقد لا يقتضي ذلك أي لا يستلزمه فكم من بيع لا تطلب فيه الشفعة، فهذا يسمى موجب البيع، ولا يسمى مقتضى وهذا معنى قول بعض المحققين من الشافعية إن الموجب عبارة عن الأثر المترتب على ذلك الشيء، وهو والمقتضى مختلفان خلافا لمن زعم اتحادهما؛ إذ المقتضى لا ينفك، والموجب قد ينفك فالأول كانتقال المال للمشتري بعد لزوم البيع‏.‏ والثاني كالرد بالعيب والموجب أعم لأنه الأثر اللازم سواء كان ينفك أو لا ا هـ‏.‏ وهذا أحسن مما قاله العلامة ابن الغرس من أن موجب الشيء ما أوجبه ذلك الشيء واقتضاه، فالموجب والمقتضى في الأصل واحد، ولكن يلزم من بعض الصور أن الموجب في باب الحكم أعم، وهو التحقيق إذ لو باع مدبره ثم تنازعا عند القاضي الحنفي، فحكم بموجب ذلك البيع صح الحكم ومعناه الحكم ببطلان ذلك البيع، ومن المعلوم أن الشيء لا يقتضي بطلان نفسه فظهر أن الحكم في هذه الصورة لا يكون حكما بالمقتضى، وإلا كان باطلا، وكان للشافعي نقضه والحكم بصحة البيع إذ لا مقتضى للبيع عند الحنفي؛ لأنه باطل ويصح عند الحنفي أن يقال موجب هذا البيع البطلان ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وإنما قلنا إن ما مر أحسن؛ لأنه يرد على ما قاله ابن الغرس أنه كما يقال إن الشيء لا يقتضي بطلان نفسه، فكذلك يقال إنه لا يوجب بطلان نفسه، فدعواه أنهما في الأصل بمعنى واحد، وأن هذا السبب هو الداعي إلى الفرق بينهما هنا غير مسلم، فالظاهر أن الفرق بينهما هو اشتراط عدم الانفكاك في المقتضى لا في الموجب أعم فالحكم بالموجب عندنا لا يصح، ما لم يكن حادثة بأن وقع فيه الترافع، والتنازع عند الحاكم كما مر، فإذا وقع التنازع في صحة البيع ولزومه فحكم بموجب ذلك البيع كان حكما بصحته وبباقي مقتضياته الشرعية التي لا تنفك عنه كملك المشتري المبيع، ولزوم دفعه الثمن ونحو ذلك بخلاف موجبه المنفك عنه كاستحقاق الجار الأخذ بالشفعة لعدم الحادثة كما قلنا‏.‏

مطلب الموجب على ثلاثة أقسام

ثم اعلم أن ابن الغرس ذكر أن الموجب على ثلاثة أقسام؛ لأنه إما أن يكون أمرا واحدا أو أمورا يستلزم بعضها بعضا أو لا، فالأول‏:‏ كالقضاء بالأملاك المرسلة والطلاق والعتاق إذ لا موجب لهذا سوى ثبوت ملك الرقبة للعين والحرية وانحلال قيد العصمة، والثاني‏:‏ كما إذا ادعى رب الدين على الكفيل بدين له على الغائب المكفول عنه وطالبه به فأنكر الدين فأثبته وحكم بموجب ذلك فالموجب هنا أمران لزوم الدين للغائب ولزوم أدائه على الكفيل‏.‏ والثاني‏:‏ يستلزم الأول في الثبوت‏.‏ والثالث‏:‏ كما إذا حكم شافعي بموجب بيع عقار اقتصر الحكم على ما وقعت به الدعوى فلا يكون حكما بأنه لا شفعة للجار، وهكذا في نظائره هذا حاصل ما قرره ابن الغرس وتبعه في النهر وزاد عليه قسما رابعا لكنه يرجع إلى كونه شرطا للقسم الثاني كما يظهر بالتأمل لمن راجعه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قدمنا آنفا عن البحر عن فتاوى الشيخ قاسم أنه نقل الإجماع على أن تقدم الدعوى الصحيحة شرط لنفاذ الحكم، وأيد ذلك صاحب البحر في رسالة ألفها في ذلك، ثم قال فقد استفيد مما في هذه الكتب المعتمدة أنه لا فرق بين ما إذا كان القاضي حنفيا أو غيره إلى أن قال‏:‏ ومما فرعته على أن قضاء المخالف إذا رفع إلينا فإنا نمضيه فيما وقع حكمه به لا في غيره، ما لو قضى شافعي ببينة ذي اليد على خارج نازعه ثم تنازع ذو اليد وخارج آخر عند حنفي فإنه يسمع الدعوى ولا يمنعه قضاء الشافعي من سماعها، بناء على أن مذهبنا أن القضاء بالملك لا يكون قضاء على الكافة، بل يقتصر على المقضى عليه، وهو الخارج الأول وإن كان مذهب الحاكم تعديه كما قدمناه من أن قضاء المالكي بغير دعوى غير صحيح عندنا وإن صح عنده، فإذا رفع إلينا لا ننفذه، وكذلك هنا لا نتعرض لحكمه على الخارج الأول، وأما الثاني فلم يقع حكمه عليه على مقتضى مذهبنا، ومما فرعته لو حجر شافعي على سفيه بعد دعوى صحيحة، ثم رفعت إلينا حادثة من تصرفاته فإنا نحكم بمذهب أبي يوسف ومحمد للحجر على السفيه فإنهما وإن وافقا الشافعي في أصل الحجر، لم يوافقاه في أنه يؤثر في كل شيء وإنما يؤثر عندهما فيما يؤثر فيه الهزل،‏.‏ فإذا تزوجت السفيهة التي حجر عليها شافعي، ولم يرفع نكاحها إليه ولم يبطله بل رفع إلى حنفي، فله أن يحكم بصحته لو الزوج كفؤا على قولهما المفتى به، ولا يمنعه مذهب الحاجر، لعدم وجود حادثة التزوج وقت الحجر، ولم تكن لازمة للحجر حتى تدخل ضمنا لقبول الانفكاك لجواز أن لا تتزوج المحجورة أصلا، وقد توقف فيه بعض من لا اطلاع له على كلامهم ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويعلم منه ما يقع الآن من وقوع التنازع في صحة الإجارة الطويلة عند قاض شافعي فيحكم بصحتها، وبعدم انفساخها بموت ولا غيره فإن عدم الانفساخ بالموت لم يصر حادثة وقت الحكم؛ لأن الموت لم يوجد وقته، فللحنفي أن يحكم بالفسخ بالموت كما أفتى به في الخيرية‏.‏ وذكر ابن الغرس من هذا القبيل ما لو وهب ابنه وسلمه العين الموهوبة، وقضى شافعي بالموجب ثم بعد مدة رجع الواهب في هبته وترافعا عند القاضي الحنفي فحكم ببطلان الرجوع قال‏:‏ وقد حصل التنازع في هذه المسألة بين أهل المذهبين فقال القاضي الشافعي حكم الحنفي باطل؛ لأني حكمت قبله بموجب الهبة ومن موجبها عندي أن الأب يملك الرجوع، والحكم في الخلافية يجعلها وفاقية، وقال القاضي الحنفي الرجوع حادثة مستقلة وجدت بعد الحكم الأول بمدة طويلة، فكيف تدخل تحت حكمه‏.‏ وأجيب فيها بأن الموجب هنا أمور هي خروج العين من ملك الواهب، ودخولها في ملك الموهوب له وملك الواهب الرجوع إذا كان أبا عند الشافعي، وعدمه عند الحنفي، فإن كان التداعي عند القاضي ليس إلا في انتقال العين من ملك الواهب إلى ملك الموهوب له اقتصر القضاء بالموجب على ذلك، فإذا كان القاضي الأول شافعيا لا يصير كون الأب يملك الرجوع محكوما به، وإذا كان حنفيا لا يصير عدم ملكه ذلك محكوما به، فللقاضي الثاني أن يحكم بمذهبه‏:‏ أي لأن الأمر الأول لا يستلزم الأمر الثاني في الثبوت قال‏:‏ فتبين أن القضاء في حقوق العباد يشترط له الدعوى الموصلة له شرعا على وجه يحصل به المطابقة إلا ما كان على سبيل الاستلزام الشرعي أي كما في مسألة الكفالة المارة وليس للقاضي أن يتبرع بالقضاء بين اثنين فيما لم يتخاصما إليه فيه ا هـ‏.‏ ملخصا فاغتفر التطويل في هذا المقام بما حواه من الفوائد العظام‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو عبارة عن المعنى‏)‏ أي كخروج المبيع من ملك البائع، ودخوله في ملك المشتري، ووجوب التسلم والتسليم، ونحو ذلك من مقتضيات البيع، ولوازمه فذلك المعنى المحكوم به المضاف إلى المبيع المتعلق به في ظن القاضي شرعا هو الموجب ها هنا، وهو الذي اقتضاه عقد البيع وأما الحكم بموجب بيع المدبر، فهو المعنى الذي أضيف إلى ذلك البيع في ظن القاضي شرعا، وهو كون ذلك البيع باطلا ولكن هذا المعنى ليس هو مقتضى ذلك البيع إذ البيع لا يقتضي بطلان نفسه ا هـ‏.‏ ابن الغرس وظهر منه أن المراد بما في قوله بما أضيف له هو البيع مثلا، فإن دخول المبيع في ملك المشتري متعلق بذلك البيع ومضاف إليه شرعا في ظن القاضي‏:‏ أي في قصده من حيث إنه يقضي به‏:‏ أي يقصد القضاء به وكذا غيره من مقتضيات البيع اللازمة له، واحترز به عما لا يقصد القضاء به لعدم التنازع فيه كثبوت حق الشفعة، وأفاد أن الموجب قد يكون مقتضى كما مثلنا، وقد يكون غير مقتضى كبطلان بيع المدبر فإنه موجب لا مقتضى على ما قرره سابقا فافهم‏.‏ ثم لا يخفى أن هذا التعريف مع ما فيه من التعقيد خاص بالموجب الذي وقع الحكم به صحيحا مع أن الموجب أعم منه فإن المعنى المتعلق بذلك البيع المضاف إليه يصدق على ثبوت حق الشفعة فيه وثبوت رده بخيار عيب ونحو ذلك مما ليس من مقتضياته اللازمة له بدليل ما مر من أن الموجب قد يكون أمورا يستلزم بعضها بعضا أو لا يستلزم، فالأظهر والأخصر تعريفه بما قدمناه من أنه الأثر المترتب على ذلك الشيء، وإن أراد تخصيصه بما يقع به الحكم صحيحا عندنا يزيد على ذلك قولنا إذا صار حادثة، فيخرج ما لا حادثة فيه كما لو حكم شافعي بموجب بيع بعد إنكاره لا يكون حكما بثبوت خيار المجلس مثلا، مما ليس من لوازمه ومثله ما قدمناه من مسألة الهبة وغيرها هذا ما ظهر لي في هذا المحل فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإذا قال الموثق‏)‏ هو كاتب القاضي الذي يكتب الوثيقة وهي المسماة حجة في زماننا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبه ظهر أن الحكم بالموجب أعم‏)‏ أي من المقتضى، فإن بطلان بيع المدبر موجب لا مقتضى لما ذكره فكل مقتضى موجب، ولا عكس والضمير في به عائد إلى قوله ولو قال الموثق إلخ، فإن الشارح اقتصر على التمثيل ببيع المدبر الذي هو من أفراد الموجب لينبه على أن الموجب لا يلزم كونه مقتضى، فلا يرد ما قيل إن الذي ظهر من عبارته أن بينهما التباين لا العموم فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ مجمع‏)‏ لم يمثل له في شرحه قال ط‏:‏ والمراد به كما رأيته بهامشه نحو القضاء بسقوط الدين عند ترك المطالبة به سنين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لم يختلف في تأويله السلف‏)‏ الجملة صفة كتابا والمراد بالسلف الصحابة والتابعون رضي الله تعالى عنهم أجمعين رضي الله تعالى عنهم، لقول الهداية المعتبر الاختلاف في الصدر الأول، وهم الصحابة والتابعون ا هـ‏.‏ وعليه فلا يعتبر اختلاف من بعدهم كمالك والشافعي، وسيأتي أنه خلاف الأصح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كمتروك تسمية‏)‏ أي عمدا فإنه مخالف لظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه‏}‏ بناء على أن الواو في قوله وإنه لفسق للعطف، والضمير راجع إلى مصدر الفعل الذي دخل عليه حرف النهي، أو إلى الموصول، واحتمال كونها حالية فتكون قيدا للنهي رد بأن التأكيد بإن واللام ينفيه؛ لأن الحال في النهي مبناه على التقدير كأنه قيل لا تأكلوا منه إن كان فسقا فلا يصلح ‏{‏وإنه لفسق‏}‏، بل وهو فسق، ولو سلم فلا نسلم أنه قيد للنهي بل هو إشارة إلى المعنى الموجب له كلا تهن زيدا وهو أخوك، ولا تشرب الخمر وهو حرام عليك، نهر موضحا وتمامه في رسالة ابن نجيم المؤلفة في هذه المسألة‏.‏