فصل: تابع باب صفة الصلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


تابع باب صفة الصلاة

مطلب لا يجب عليه أن يصلي على نفسه صلى الله عليه وسلم

‏(‏قوله لا يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على نفسه‏)‏ لأنه غير مراد بخطاب صلوا‏.‏ ولا داخل تحت ضميره كما هو المتبادر من تركيب‏:‏ ‏{‏صلوا عليه‏}‏ وقال في النهر‏:‏ لا يجب عليه بناء على أن ‏{‏يا أيها الذين آمنوا‏}‏ لا يتناول الرسول صلى الله عليه وسلم بخلاف ‏{‏يا أيها الناس‏}‏ ‏{‏يا عبادي» كما عرف في الأصول ا هـ‏.‏ والحكمة فيه والله تعالى أعلم‏.‏ أنها دعاء، وكل شخص مجبول على الدعاء لنفسه وطلب الخير لها، فلم يكن فيه كلفة، والإيجاب من خطاب التكليف لا يكون إلا فيما فيه كلفة ومشقة على النفس ومنافرة لطبعها ليتحقق الابتلاء كما قرر في الأصول‏.‏ وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ادعوني أستجب لكم‏}‏ ونحوه، فليس المراد به الإيجاب ولذلك ورد في الحديث القدسي ‏{‏من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين‏}‏ ح ملخصا‏.‏

مطلب في وجوب الصلاة على النبي

كلما ذكر عليه الصلاة والسلام ‏(‏قوله في وجوبها‏)‏ أي وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ولم يذكر السلام، لأن المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وسلموا‏}‏ أي لقضائه كما في النهاية عن مبسوط شيخ الإسلام‏:‏ أي فالمراد بالسلام الانقياد، وعزاه القهستاني إلى الأكثرين ‏(‏قوله والذاكر‏)‏ أي ذاكر اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم ابتداء لا في ضمن الصلاة عليه كما صرح به في شرح المجمع، وفيه كلام سيأتي ‏(‏قوله عند الطحاوي‏)‏ قيد به لأن المختار في المذهب الاستحباب، وتبع الطحاوي جماعة من الحنفية والحليمي وجماعة من الشافعية، وحكى عن اللخمي من المالكية وابن بطة من الحنابلة، وقال ابن العربي من المالكية‏:‏ إنه الأحوط، كذا في شرح الفاسي على الدلائل، ويأتي أنه المعتمد‏.‏ ‏(‏قوله تكراره أي الوجوب‏)‏ قيد القرماني في شرح مقدمة أبي الليث وجوب التكرار عند الطحاوي بكونه على سبيل الكفاية لا العين، وقال‏:‏ فإذا صلى عليه بعضهم يسقط عن الباقين، لحصول المقصود وهو تعظيمه وإظهار شرفه عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم‏.‏ ا هـ‏.‏ وتمامه في ح ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ صححه الزاهدي في المجتبى، لكن صحح في الكافي وجوب الصلاة مرة في كل مجلس كسجود التلاوة حيث قال في باب التلاوة‏:‏ وهو كمن سمع اسمه عليه الصلاة والسلام مرارا لم تلزمه الصلاة إلا مرة في الصحيح لأن تكرار اسمه صلى الله عليه وسلم لحفظ سنته التي بها قوام الشريعة، فلو وجبت الصلاة بكل مرة لأفضى إلى الحرج، غير أنه يندب تكرار الصلاة بخلاف السجود والتشميت كالصلاة، وقيل يجب التشميت في كل مرة إلى الثلاث‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله أن الوجوب يتداخل في المجلس فيكتفي بمرة للحرج كما في السجود إلا أنه يندب تكرار الصلاة في المجلس الواحد، بخلاف السجود، وما ذكره في الكافي نقله صاحب المجمع في شرحه عن شرح فخر الإسلام على الجامع الكبير جازما به، لكن بدون لفظ التصحيح، وأنت خبير بأن تصحيح الزاهدي لا يعارض تصحيح النسفي صاحب الكافي، على أن الزاهدي خالف نفسه حيث قال في كراهية القنية‏:‏ وقيل يكفي في المجلس مرة كسجدة التلاوة وبه يفتى‏.‏ ا هـ‏.‏ وأورد الشارح في الخزائن أن الذي يظهر أن ما في الكافي مبني على قول الكرخي‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا غير ظاهر لأنه يلزم منه أن يكون الكرخي قائلا بوجوب التكرار كلما ذكر إلا في المجلس المتحد فيجب مرة واحدة، وأنه لا يبقى الخلاف بينه وبين الطحاوي إلا فيما إذا اتحد المجلس، والمنقول خلافه‏.‏ وأورد ابن ملك في شرح المجمع أن التداخل يوجد في حق الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حقه‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد يمنع بأن الوجوب حق الله تعالى لأن المصلي ينوي امتثال الأمر‏.‏

مطلب هل نفع الصلاة عائد للمصلي أم له

وللمصلي عليه على أن المختار عند جماعة منهم أبو العباس المبرد وأبو بكر بن العربي أن نفع الصلاة غير عائد له صلى الله عليه وسلم بل للمصلي فقط، وكذا قال السنوسي في شرح وسطاه‏:‏ إن المقصود بها التقرب إلى الله تعالى لا كسائر الأدعية التي يقصد بها نفع المدعو له‏.‏ ا هـ‏.‏ وذهب القشيري والقرطبي إلى أن النفع لهما، وعلى كل من القولين فهي عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، والعبادة لا تكون حق عبد؛ ولو سلم أنها حق عبد فيسقط الوجوب للحرج كما مر لأن الحرج ساقط بالنص، ولا حرج في إبقاء الندب‏.‏ وقد جزم بهذا القول أيضا المحقق ابن الهمام في زاد الفقير فقال‏:‏ مقتضى الدليل افتراضها في العمر مرة، وإيجابها كلما ذكر، إلا أن يتحد المجلس فيستحب التكرار بالتكرار، فعليك به اتفقت الأقوال أو اختلفت‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد اتضح لك أن المعتمد ما في الكافي‏.‏ وسمعت قول القنية إنه به يفتى، وأنت خبير بأن الفتوى آكد ألفاظ التصحيح‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

السلام يجزئ عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هندية عن الغرائب ‏(‏قوله لا لأن الأمر إلخ‏)‏ مرتبط بقوله والمختار تكراره إلخ‏.‏ وهو جواب عن سؤال‏.‏ تقريره أنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏صلوا عليه‏}‏ أمر‏.‏ والأصل أن الأمر عندنا لا يقتضي التكرار ولا يحتمله‏.‏ والجواب أن التكرار لم يجب بالآية وإلا كان فرضا وخالف الأصل المذكور، وإنما وجب بأحاديث الوعيد الآتية الدالة على سببية الذكر للوجوب والوجوب يتكرر بتكرار سببه ‏(‏قوله لأنها حق عبد‏)‏ علمت آنفا ما فيه ‏(‏قوله كالتشميت‏)‏ ظاهره أنه يقضي كالصلاة وحرره نقلا، وقدمنا عن الكافي أنه كالصلاة يجب في المجلس مرة، وقيل إلى ثلاث، ومثله في الفتح والبحر‏.‏ وفي شرح تلخيص الجامع الأصح أنه إن زاد على الثلاث لا يشمته وإنما يجب التشميت إذا حمد العاطس وسيأتي تمام الكلام عليه في باب الحظر والإباحة إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله بخلاف ذكره تعالى‏)‏ أي فإنه لا يقضى إذا فات لأنه حق الرب تعالى كما يفهم من تعليل الشارح في مقابله‏.‏ وفيه أنه لا يلزم من كونه حقه تعالى أنه لا يقضى بدليل الصوم ونحوه ح‏.‏ قال الزاهدي‏:‏ وفي النظم إذا تكرر اسم الله تعالى في مجلس واحد أو في مجالس يجب لكل مجلس ثناء على حدة، ولو تركه لا يبقى دينا عليه وكذا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكن لو تركها تبقى دينا عليه لأنه لا يخلو من تجدد نعم الله تعالى الموجبة للثناء فلا يكون وقت للقضاء كقضاء الفاتحة في الأخريين، بخلاف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ا هـ‏.‏ شرح المنية‏.‏ وحاصله أنه لما كان ثناء الله تعالى واجبا كل وقت لا يمكن أن يقع ما يفعله ثانيا قضاء عما تركه أولا لأن الشيء في محله لا يمكن أن يضايقه غيره عليه‏.‏ واعترضه في البحر، بأن جميع الأوقات وإن كان وقتا للأداء لكن ليس مطالبا بالأداء لأنه رخص له في الترك‏.‏ ا هـ‏.‏ أي وإذا لم يكن مطالبا بالأداء يجعل ما يأتي به قضاء لأجل تفريغ ذمته، لكن قد يقال إذا كان الترك رخصة يكون عدمه عزيمة، وإذا أتى بالعزيمة يكون آتيا بالواجب عليه ويكون أداء لأن الواجب عليه كالمسافر يرخص له الإفطار، فإذا صام يكون آتيا بالعزيمة وإن لم ينو الفرض ومثله قراءة الفاتحة في الأخريين من الفرض الرباعي يرخص له في تركها، وإذا قرأها لا تقع قضاء عما فاته في الأوليين ‏(‏قوله وعليه الفتوى‏)‏ عزاه في الشرنبلالية إلى شرح المجمع‏.‏ وفي الخزائن ورجحه السرخسي بأنه المختار للفتوى، وجعله ابن الساعاتي قول عامة العلماء‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله والمعتمد من المذهب قول الطحاوي‏)‏ قال في الخزائن‏:‏ وصححه في التحفة وغيرها، وجعله في الحاوي قول الأكثر‏.‏ وفي شرح المنية أنه الأصح المختار‏.‏ وقال العيني في شرح المجمع وهو مذهبي‏.‏ وقال الباقاني وهو المعتمد من المذهب ورجحه في البحر إلخ ‏(‏قوله ورجحه في البحر‏)‏ أي تبعا لابن أمير حاج عن التحفة والمحيط الرضوي ح ‏(‏قوله كرغم وإبعاد وشقاء‏)‏ أخرج كثيرون بسند رجاله ثقات، ومن ثم قال الحاكم في المستدرك صحيح الإسناد عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «احضروا المنبر فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال آمين، ثم ارتقى الثانية وقال آمين، ثم ارتقى الثالثة وقال آمين، فلما نزل قلنا‏:‏ يا رسول الله قد سمعنا منك شيئا ما كنا نسمعه، فقال‏:‏ إن جبريل عرض علي فقال‏:‏ بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت آمين، فلما رقيت أي بكسر القاف الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت آمين، فلما رقيت الثالثة، قال‏:‏ بعد من أدرك أبويه الكبر عنده فلم يدخلاه الجنة، قلت آمين» وفي رواية «فلم يصل عليك فأبعده الله» وفي أخرى صححها الحاكم‏:‏ «رغم أنف رجل» وفي أخرى سندها حسن‏:‏ «شقي عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك» من الدر المنضود لابن حجر ‏(‏قوله وبخل وجفاء‏)‏ أي في قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي» رواه الترمذي وقال حسن صحيح شرح المنية، وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي» رواه السيوطي في الجامع الصغير‏.‏ ‏(‏قوله وحراما إلخ‏)‏ الظاهر أن المراد به كراهة التحريم، لما في كراهية الفتاوى الهندية إذا فتح التاجر الثوب فسبح الله تعالى أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم يريد به إعلام المشتري جودة ثوبه فذلك مكروه وكذا الحارس لأن يأخذ لذلك ثمنا، وكذا الفقاعي إذا قال ذلك عند فتح فقاعة على قصد ترويجه وتحسينه يأثم، وعن هذا يمنع إذا قدم واحد من العظماء إلى مجلس فسبح أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم إعلاما بقدومه حتى يفرج له الناس أو يقوموا له يأثم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وسنة في الصلاة‏)‏ أي في قعود أخير مطلقا، وكذا في قعود أول في النوافل غير الرواتب تأمل وفي صلاة الجنازة‏.‏

مطلب نص العلماء على استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع

‏(‏قوله ومستحبة في كل أوقات الإمكان‏)‏ أي حيث لا مانع‏.‏ ونص العلماء على استحبابها في مواضع‏:‏ يوم الجمعة وليلتها، وزيد يوم السبت والأحد والخميس، لما ورد في كل من الثلاثة، وعند الصباح والمساء، وعند دخول المسجد والخروج منه، وعند زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم وعند الصفا والمروة، وفي خطبة الجمعة وغيرها، وعقب إجابة المؤذن، وعند الإقامة، وأول الدعاء وأوسطه وآخره، وعقب دعاء القنوت، وعند الفراغ من التلبية، وعند الاجتماع والافتراق، وعند الوضوء، وعند طنين الأذن، وعند نسيان الشيء، وعند الوعظ ونشر العلوم، وعند قراءة الحديث ابتداء وانتهاء، وعند كتابة السؤال والفتيا، ولكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب ومتزوج ومزوج‏.‏ وفي الرسائل‏:‏ وبين يدي سائر الأمور المهمة، وعند ذكر أو سماع اسمه صلى الله عليه وسلم أو كتابته عند من لا يقول بوجوبها، كذا في شرح الفاسي على دلائل الخيرات ملخصا، وغالبها منصوص عليه في كتبنا ‏(‏قوله ومكروهة في صلاة غير تشهد أخير‏)‏ أي وغير قنوت وتر فإنها مشروعة في آخره كما في البحر فالأولى استثناؤه أيضا ح وكذا في غير صلاة الجنازة فتسن فيها‏.‏مطلب في المواضع التي تكره فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

‏[‏تنبيه‏]‏

تكره الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في سبعة مواضع‏:‏ الجماع، وحاجة الإنسان، وشهرة المبيع والعثرة، والتعجب، والذبح، والعطاس على خلاف في الثلاثة الأخيرة شرح الدلائل، ونص على الثلاثة عندنا في الشرعة فقال‏:‏ ولا يذكره عند العطاس، ولا عند ذبح الذبيحة، ولا عند التعجب ‏(‏قوله فلذا استثنى في النهر إلخ‏)‏ أقول‏:‏ يستثنى أيضا ما لو ذكره أو سمعه في القراءة أو وقت الخطبة لوجوب الإنصات والاستماع فيهما‏.‏ وفي كراهية الفتاوى الهندية‏:‏ ولو سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ لا يجب أن يصلي، وإن فعل ذلك بعد فراغه من القرآن فهو حسن، كذا في الينابيع، ولو قرأ القرآن فمر على اسم نبي فقراءة القرآن على تأليفه ونظمه أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت، فإن فرغ ففعل فهو أفضل وإلا فلا شيء عليه كذا في الملتقط‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ما في تشهد أول‏)‏ أي في غير النوافل فإنه وإن ذكر فيه اسمه صلى الله عليه وسلم فالصلاة فيه تكره تحريما فضلا عن الوجوب ‏(‏قوله لئلا يتسلسل‏)‏ علة للثاني‏:‏ أي لأن الصلاة عليه لا تخلو من ذكره، فلو قلنا بوجوبها استدعت صلاة أخرى وهلم جرا وفيه حرج‏:‏ أما علة الأول فهي ما ذكره في قوله ولهذا استثنى‏:‏ أي ولكراهتها في تشهد غير أخير استثنى إلخ، وبه علم أن قوله وضمن بالجر عطفا على تشهد مع قطع النظر عن علته بدليل العلة الثانية فإنها للثاني فقط، وإلا لقال ولئلا يتسلسل بالعطف على العلة الأولى، وبدليل أن العلة الأولى لا تصلح للحكم الثاني ‏(‏قوله بل خصه في درر البحار إلخ‏)‏ أي خص قول الطحاوي بالوجوب بما عدا الذاكر، دفعا لما أورده بعضهم على الطحاوي من استلزام التسلسل لأن الصلاة عليه لا تخلو عن ذكره‏.‏ وحاصل الجواب تخصيص الوجوب على السامع فقط لأن أحاديث الوعيد المارة تفيد ذلك، فإن لفظ‏:‏ «البخيل من ذكرت عنده» لا يشمل الذاكر لأن من الموصولة بمعنى الشخص الذي وقع الذكر في حضرته فيستدعي أن يكون الذاكر غيره، وإلا لقيل من ذكرني‏.‏ وأجاب ح بأن الذاكر داخل بدلالة المساواة، وقد يدفع بأن المقصود من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تعظيمه والذاكر له لا يذكره إلا في مقام التعظيم، فلا تلزمه الصلاة، بل تلزم السامع لئلا يخل بالتعظيم من كل وجه تأمل، لكن هذا يشمل الذاكر ابتداء أو في ضمن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وبه صرح في غرر الأفكار شرح درر البحار، فهو قول آخر مخالف لما مشى عليه الشارح أولا من الوجوب على الذاكر والسامع، وبه صرح ابن الساعاتي في شرحه على مجمعه، ولما مشى عليه ابن ملك في شرح المجمع وتبعه المصنف في شرحه على زاد الفقير من تخصيصه الوجوب على الذاكر بالذاكر ابتداء لا في ضمن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم‏.‏ ويظهر لي أن هذا أقرب، ولا حاجة في دفع التسلسل إلى تعميم الذاكر، ثم هذا كله مبني على تكرار الوجوب في المجلس الواحد، وقدمنا ترجيح التداخل والاكتفاء بمرة، وعليه فإيراد التسلسل من أصله مدفوع

‏(‏قوله وإزعاج الأعضاء‏)‏ قال في الهندية‏:‏ رفع الصوت عند سماع القرآن والوعظ مكروه، وما يفعله الذين يدعون الوجد والمحبة لا أصل له، ويمنع الصوفية من رفع الصوت وتخريق الثياب، كذا في السراجية‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وحرر أنها قد ترد‏)‏ أي لا تقبل‏.‏ والقبول ترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء كترتيب الثواب على الطاعة، ولا يلزم من استيفاء الطاعة شروطها وأركانها القبول كما صرح به في الولوالجية، قال لأن القبول له شرط صعب، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما يتقبل الله من المتقين‏}‏ أي فيتوقف على صدق العزيمة، وبعد ذلك يتفضل المولى تعالى بالثواب على من يشاء بمحض فضله لا بإيجاب عليه تعالى لأن العبد إنما يعمل لنفسه والله غني عن العالمين، نعم حيث وعد سبحانه وتعالى بالثواب على الطاعة ونحو الألم حتى الشوكة يشاكها بمحض فضله تعالى لا بد من وجوده لوعده الصادق‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أني لا أضيع عمل عامل منكم‏}‏ وعلى هذا فعدم القبول لبعض الأعمال إنما هو لعدم استيفاء شروط القبول‏:‏ كعدم الخشوع في نحو الصلاة، أو عدم حفظ الجوارح في الصوم، أو عدم طيب المال في الزكاة والحج، أو عدم الإخلاص مطلقا، ونحو ذلك من العوارض‏.‏ وعلى هذا فمعنى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قد ترد عدم إثابة العبد عليها لعارض كاستعمالها على محرم كما مر، أو لإتيانه بها من قلب غافل أو لرياء وسمعة؛ كما أن كلمة التوحيد التي هي أفضل منها لو أتى بها نفاقا أو رياء لا تقبل‏:‏ وأما إذا خلت من هذه العوارض ونحوها فالظاهر القبول حتما إنجازا للوعد الصادق كغيرها من الطاعات، وكل ذلك بفضل الله تعالى، لكن وقع في كلام كثيرين ما يقتضي القبول مطلقا؛ ففي شرح المجمع لمصنفه أن تقديم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على الدعاء أقرب إلى الإجابة لما بعدها من الدعاء فإن الكريم لا يستجيب بعض الدعاء ويرد بعضه‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في شرحه لابن ملك وغيره‏.‏ وقال الفاسي في شرح الدلائل‏:‏ قال الشيخ أبو إسحاق الشاطبي في شرح الألفية‏:‏ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجابة على القطع، فإذا اقترن بها السؤال شفعت بفضل الله تعالى فيه فقبل، وهذا المعنى مذكور عن بعض السلف الصالح‏.‏ واستشكل كلامه هذا الشيخ السنوسي وغيره ولم يجدوا له مستندا، وقالوا‏:‏ وإن لم يكن له قطع فلا مرية في غلبة الظن وقوة الرجاء‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر في الفصل الأول من دلائل الخيرات قال أبو سليمان الداراني‏:‏ من أراد أن يسأل الله حاجته فليكثر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل الله حاجته، وليختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هل ترد أم لا

قال الفاسي في شرحه‏:‏ ومن تمام كلام أبي سليمان عند بعضهم‏:‏ وكل الأعمال فيها المقبول والمردود إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنها مقبولة غير مردودة‏:‏ وروى الباجي عن ابن عباس‏:‏ إذا دعوت الله عز وجل فاجعل في دعائك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة عليه مقبولة، والله سبحانه أكرم من أن يقبل بعضا ويرد بعضا، ثم ذكر نحوه عن الشيخ أبي طالب المكي وحجة الإسلام الغزالي‏:‏ وقال العراقي‏:‏ لم أجده مرفوعا، وإنما هو موقوف على أبي الدرداء‏:‏ ومن أراد الزيادة على ذلك فليرجع إلى شرح الدلائل‏.‏ والذي يظهر من ذلك أن المراد بقبولها قطعا أنها لا ترد أصلا مع أن كلمة الشهادة قد ترد فلذا استشكله السنوسي وغيره‏.‏ والذي ينبغي حمل كلام السلف عليه أنه لما كانت الصلاة دعاء والدعاء منه المقبول ومنه المردود، وأن الله تعالى قد يجيب السائل بعين ما دعاه وقد يجيبه بغيره لمقتضى حكمته خرجت الصلاة من عموم الدعاء لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏إن الله وملائكته يصلون على النبي‏}‏ بلفظ المضارع المفيد للاستمرار التجددي مع الافتتاح بالجملة الاسمية المفيدة للتوكيد وابتدائها بإن لزيادة التوكيد، وهذا دليل على أنه سبحانه لا يزال مصليا على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم امتن سبحانه على عباده المؤمنين حيث أمرهم بالصلاة أيضا ليحصل لهم بذلك زيادة فضل وشرف وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم مستغن بصلاة ربه سبحانه وتعالى عليه، فيكون دعاء المؤمن بطلب الصلاة من ربه تعالى مقبولا قطعا أي مجانا لإخباره سبحانه وتعالى بأنه يصلي عليه، بخلاف سائر أنواع الدعاء وغيره من العبادات، وليس في هذا ما يقتضي أن المؤمن يثاب عليها أو لا يثاب، بل معناه وأن الطلب والدعاء مقبول غير مردود‏.‏ وأما الثواب فهو مشروط بعدم العوارض كما قدمناه، فعلم أنه لا إشكال في كلام السلف، وأن له سندا قويا وهو إخباره تعالى الذي لا ريب فيه، فاغتنم هذا التحرير العظيم الذي هو من فيض الفتاح العليم، ثم رأيت الرحمتي ذكر نحوه ‏(‏قوله فقيد المأمول‏)‏ أي قيد الثواب الذي يؤمله العبد ويرجوه، وهو هنا محو الذنوب بالقبول‏:‏ أي المتوقف على صدق العزيمة وعدم الموانع، وقد علمت أن هذا لا ينافي كون هذا الدعاء مجابا قطعا‏.‏

مطلب في الدعاء بغير العربية

‏(‏قوله وحرم بغيرها‏)‏ أقول‏:‏ نقله في النهر عن الإمام القرافي المالكي معللا باحتماله على ما ينافي التعظيم‏.‏ ثم رأيت العلامة اللقاني المالكي نقل في شرحه الكبير على منظومته المسماة جوهرة التوحيد كلام القرافي، وقيد الأعجمية بالمجهولة المدلول أخذا من تعليله بجواز اشتمالها على ما ينافي جلال الربوبية، ثم قال‏:‏ واحترزنا بذلك عما إذا علم مدلولها، فيجوز استعماله مطلقا في الصلاة وغيرها لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏وعلم آدم الأسماء كلها‏}‏ ‏{‏وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه‏}‏‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن المنقول عندنا الكراهة؛ فقد قال في غرر الأفكار شرح درر البحار في هذا المحل‏:‏ وكره الدعاء بالعجمية، لأن عمر نهى عن رطانة الأعاجم‏.‏ ا هـ‏.‏ والرطانة كما في القاموس‏:‏ الكلام بالأعجمية‏.‏ ورأيت في الولوالجية في بحث التكبير بالفارسية أن التكبير عبادة لله تعالى، والله تعالى لا يحب غير العربية، ولهذا كان الدعاء بالعربية أقرب إلى الإجابة، فلا يقع غيرها من الألسن في الرضا والمحبة لها موقع كلام العرب‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهر التعليل أن الدعاء بغير العربية خلاف الأولى، وأن الكراهة فيه تنزيهية‏.‏ هذا، وقد تقدم أول الفصل أن الإمام رجع إلى قولهما بعدم جواز الصلاة بالقراءة بالفارسية إلا عند العجز عن العربية‏.‏ وأما صحة الشروع بالفارسية وكذا جميع أذكار الصلاة فهي على الخلاف؛ فعنده تصح الصلاة بها مطلقا خلافا لهما كما حققه الشارح هناك‏.‏ والظاهر أن الصحة عنده لا تنفي الكراهة، وقد صرحوا بها في الشروع‏.‏ وأما بقية أذكار الصلاة فلم أر من صرح فيها بالكراهة سوى ما تقدم، ولا يبعد أن يكون الدعاء بالفارسية مكروها تحريما في الصلاة وتنزيها خارجها، فليتأمل وليراجع ‏(‏قوله لنفسه وأبويه وأستاذه المؤمنين‏)‏ احترز به عما إذا كانوا كفارا فإنه لا يجوز الدعاء لهم بالمغفرة كما يأتي، بخلاف ما لو دعا لهم بالهداية والتوفيق لو كانوا أحياء، وكان ينبغي أن يزيد ولجميع المؤمنين والمؤمنات كما فعل في المنية لأن السنة التعميم، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات‏}‏ وللحديث‏:‏ «من صلى صلاة لم يدع فيها للمؤمنين والمؤمنات فهي خداج»، كما في البحر، ولخبر المستغفري ‏{‏ما من دعاء أحب إلى الله من قول العبد‏:‏ اللهم اغفر لأمة محمد مغفرة عامة» وفي رواية «أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول‏:‏ اللهم اغفر لي، فقال‏:‏ ويحك لو عممت لاستجيب لك» وفي أخرى‏:‏ «أنه ضرب منكب من قال اغفر لي وارحمني، ثم قال له‏:‏ عمم في دعائك، فإن بين الدعاء الخاص والعام كما بين السماء والأرض» وفي البحر عن الحاوي القدسي‏:‏ من سنن القعدة الأخيرة الدعاء بما شاء من صلاح الدين والدنيا لنفسه ولوالديه وأستاذه وجميع المؤمنين‏.‏ ا هـ‏.‏ قال‏:‏ وهو يفيد أنه لو قال اللهم اغفر لي ولوالدي وأستاذي لا يفسد مع أن الأستاذ ليس في القرآن، فيقضى عدم الفساد في اللهم اغفر لزيد

‏(‏قوله ويحرم سؤال العافية مدى الدهر إلى قوله والحق‏)‏ هو أيضا من كلام القرافي المالكي، نقله عنه في النهر، ونقله أيضا العلامة اللقاني في شرح جوهرة التوحيد فقال‏:‏ الثاني من المحرم أن يسأل المستحيلات العادية وليس نبيا ولا وليا في الحال‏:‏ كسؤال الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق، أو العافية من المرض أبد الدهر لينتفع بقواه وحواسه أبدا‏.‏ إذا دلت العادة على استحالة ذلك، أو ولدا من غير جماع، أو ثمارا من غير أشجار، وكذا قوله اللهم أعطني خير الدنيا والآخرة لأنه محال، فلا بد من أن يراد الخصوص بغير منازل الأنبياء ومراتب الملائكة، ولا بد أن يدركه بعض الشرور ولو سكرات الموت ووحشة القبر، فكله حرام‏.‏ الثالث أن يطلب نفي أمر دل السمع على نفيه، كقوله‏:‏ ‏{‏ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا‏}‏ إلخ مع أنه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» فهي مرفوعة، فيكون تحصيل الحاصل وهو سوء أدب، مثل‏:‏ أوجب علينا الصلاة والزكاة إلا أن يريد بالخطإ العمد وبما لا يطاق للرزايا والمحن فيجوز‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قال اللقاني‏:‏ ورد هذا بعضهم بما قدمناه عن العز بن عبد السلام من أنه يجوز الدعاء بما علمت السلامة منه‏.‏ ا هـ‏.‏ ولذا قال الشارح‏:‏ قيل والشرعية أي لأن أحسن الدعاء ما ورد في القرآن والسنة، ومنه ‏{‏ربنا لا تؤاخذنا‏}‏ الآية فكيف ينهى عنه، ولو كان الدعاء بتحصيل الحاصل منهيا لما ساغ الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا الدعاء له بالوسيلة، ولا بقول المؤمن ‏{‏اهدنا الصراط المستقيم‏}‏ ولا بلعن الشياطين والكافرين، ونحو ذلك مما فيه إظهار العجز والعبودية، أو الرغبة بحب النبي صلى الله عليه وسلم أو حب الدين، أو النفرة عن فعل الكافرين ونحوهم؛ بخلاف قول الرجل‏:‏ اللهم اجعلني رجلا ونحوه مما لا فائدة فيه، أو ما فيه تحكم على الله تعالى كطلب ما ليس أهلا لنيله، أو ما كان مستحيلا فإنه من الاعتداء في الدعاء، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين‏}‏‏.‏ وروي عن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه أنه سمع ابنه يقول‏:‏ اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال‏:‏ يا بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء»‏.‏

مطلب في الدعاء المحرم

‏(‏قوله والحق إلخ‏)‏ رد على الإمام القرافي ومن تبعه حيث قال‏:‏ إن الدعاء بالمغفرة للكافر كفر لطلبه تكذيب الله تعالى فيما أخبر به وإن الدعاء لجميع المؤمنين بمغفرة جميع ذنوبهم حرام لأن فيه تكذيبا للأحاديث الصحيحة المصرحة بأن لا بد من تعذيب طائفة من المؤمنين بالنار بذنوبهم وخروجهم منها بشفاعة أو بغيرها، وليس بكفر للفرق بين تكذيب خبر الآحاد والقطعي، ووافقه على الأول صاحب الحلية المحقق ابن أمير حاج، وخالفه في الثاني وحقق ذلك بأنه مبني على مسألة شهيرة، وهي أنه هل يجوز الخلف في الوعيد‏؟‏ فظاهر ما في المواقف والمقاصد أن الأشاعرة قائلون بجوازه لأنه لا يعد نقصا بل جودا وكرما‏.‏ وصرح التفتازاني وغيره بأن المحققين على عدم جوازه، وصرح النسفي بأنه الصحيح لاستحالته عليه تعالى، لقوله‏:‏ ‏{‏وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولن يخلف الله وعده‏}‏ أي وعيده، وإنما يمدح به العباد خاصة، فهذا الدعاء يجوز على الأول لا الثاني‏.‏

مطلب في خلف الوعيد وحكم الدعاء بالمغفرة للكافر ولجميع المؤمنين

والأشبه ترجح جواز الخلف في الوعيد في حق المسلمين خاصة دون الكفار توفيقا بين أدلة المانعين المتقدمة وأدلة المثبتين التي من نصها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك‏}‏ وقوله، عن إبراهيم ‏{‏رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب‏}‏ وأمر به نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات‏}‏ وفعله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح ابن حبان ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، ما أسرت وما أعلنت، ثم قال‏:‏ إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة»‏.‏ وحاصل هذا القول جواز التخصيص لما دل عليه اللفظ بوضعه، اللغوي من العموم في نصوص الوعيد، ولا ينافي النصوص الصحيحة المصرحة بأن من المؤمنين من يدخل النار ويعاقب فيها على ذنوبه لأن الغرض جواز مغفرة جميع الذنوب لجميع المؤمنين لا الجزم بوقوعها للجميع، وجواز الدعاء بها مبني على جواز وقوعها لا على الجزم بوقوعها، هذا خلاصة ما أطال به في الحلية‏.‏ وحاصله أن ما دل من النصوص على عدم جواز خلف الوعيد مخصوص بغير المؤمنين فهو جائز عقلا فيجوز الدعاء بشمول المغفرة لهم وإن كان غير واقع للنصوص الصحيحة المصرحة بأنه لا بد من تعذيب طائفة منهم، وجواز الدعاء يبتنى على الجواز عقلا، لكن يرد عليه أن ما ثبت بالنصوص الصريحة لا يجوز عدمه شرعا‏.‏ وقد نقل اللقاني عن الأبي والنووي انعقاد الإجماع على أنه لا بد من نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة، وإذا كان كذلك يكون الدعاء به مثل قولنا اللهم لا توجب علينا الصوم والصلاة، وأيضا يلزم منه جواز الدعاء بالمغفرة لمن مات كافرا أيضا؛ إلا أن يقال إنما جاز الدعاء للمؤمنين بذلك إظهارا لفرط الشفقة على إخوانه، بخلاف الكافرين، وبخلاف لا توجب علينا الصوم لقبح الدعاء لأعداء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وإظهار التضجر من الطاعة، فيكون‏.‏ عاصيا بذلك لا كافرا على ما اختاره في البحر وقال إنه الحق، وتبعه الشارح، لكنه مبني على جواز العفو عن الشرك عقلا، وعليه يبتنى القول بجواز الخلف في الوعيد، وقد علمت أن الصحيح خلافه؛ فالدعاء به كفر لعدم جوازه عقلا ولا شرعا ولتكذيبه النصوص القطعية بخلاف الدعاء للمؤمنين كما علمت، فالحق ما في الحلية على الوجه الذي نقلناه عنها لا على ما نقله ح فافهم ‏(‏قوله ودعا بالأدعية المذكورة في القرآن والسنة‏)‏ عدل عن قول الكنز بما يشبه القرآن لأن القرآن معجز لا يشبهه شيء‏.‏ وأجاب في البحر بأنه أطلق المشابهة لإرادته نفس الدعاء لا قراءة القرآن ا هـ‏.‏ ومفاده أنه لا ينوي القراءة وفي المعراج أول الباب‏:‏ وتكره قراءة القرآن في الركوع والسجود والتشهد بإجماع الأئمة الأربعة، لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا» رواه مسلم‏.‏ ا هـ‏.‏ تأمل‏.‏ هذا، وقد ذكر في الإمداد في بحث السنن جملة من الأدعية المأثورة، فيكفي سهولة مراجعتها عن ذكرها هنا‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

ينبغي أن يدعو في صلاته بدعاء محفوظ، وأما في غيرها فينبغي أن يدعو بما يحضره، ولا يستظهر الدعاء لأن حفظه يذهب برقة القلب هندية عن المحيط؛ واستظهاره حفظه عن ظهر قلبه ‏(‏قوله لا يفسد‏)‏ أي مطلقا، سواء استحال طلبه من العباد كاغفر لي أو لا كارزقني من بقلها وقثائها وعدسها وبصلها‏.‏ وفيه رد على الفضلي في اختياره الفساد بما ليس في القرآن مطلقا، وعلى ما في الخلاصة من تقييده عدم الفساد بالمستحيل من العباد بما إذا كان مأثورا، وهو مبني على قول الفضلي‏.‏ قال في النهر‏:‏ والمذهب الإطلاق ‏(‏قوله إن استحال طلبه من الخلق‏)‏ كاغفر لعمي أو لعمرو فلا يفسد وإن لم يكن في القرآن خلافا للفضلي ‏(‏قوله وإلا يفسد‏)‏ مثل اللهم ارزقني بقلا وقثاء وعدسا وبصلا، أو ارزقني فلانة ‏(‏قوله وإلا تتم به‏)‏ أي مع كراهة التحريم ط ‏(‏قوله ما لم يتذكر سجدة‏)‏ أي صلبية، فتفسد الصلاة لوجود القاطع المانع من إعادتها وهو الدعاء المذكور، بخلاف التلاوية والسهوية لأنه لا تتوقف صحة الصلاة على سجودهما، فتتم الصلاة به وإن لم يسجدهما لأنهما واجبتان والصلبية ركن، بل لو سجدهما فهو لغو لأنه بعد قطع الصلاة، كما لو سلم وهو ذاكر لسجدة تلاوية أو سهوية تمت صلاته لخروجه منها بعد تمام الأركان‏.‏ وأما قولهم إن التلاوية كالصلبية في أنها ترفع القعدة والتشهد، فذاك فيما إذا فعلهما قبل خروجه من الصلاة بسلام أو كلام بخلاف ما نحن فيه، فذكر التلاوية هنا خطأ صريح كما نبه عليه الرحمتي فافهم ‏(‏قوله فلا تفسد إلخ‏)‏ تفريع على المختار السابق ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي سواء كان في القرآن كاغفر لي أو لا كاغفر لعمي أو لعمرو لأن المغفرة يستحيل طلبها من العباد ‏{‏ومن يغفر الذنوب إلا الله‏}‏ وما في الظهيرية من الفساد به اتفاقا مؤول باتفاق من اختار قول الفضلي، أو ممنوع بدليل ما في المجتبى، وفي أقربائي وأعمامي اختلاف المشايخ، وتمامه في البحر والنهر ‏(‏قوله وكذا الرزق‏)‏ أي لا يفسد إذا قيده بما يستحيل من العباد كارزقني الحج أو رؤيتك بخلاف فلانة، وجعل هذا التفصيل في الخلاصة هو الأصح‏.‏ وفي النهر‏:‏ وهذا التخريج ينبغي اعتماده ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وكذا لو أطلقه لأنه في القرآن ‏{‏وارزقنا وأنت خير الرازقين‏}‏ وجعل في الهداية ارزقني مفسدا لقولهم رزق الأمير الجند، قال في الفتح‏:‏ ورجح عدم الفساد لأن الرازق في الحقيقة هو الله تعالى ونسبته إلى الأمير مجاز‏.‏ قال في شرح المنية‏:‏ لأن الرزق عند أهل السنة ما يكون غذاء للحيوان وليس في وسع المخلوق إلا إيصال سببه كالمال، ولذا لو قيده به فقال ارزقني مالا تفسد بلا خلاف، وعليه فأكرمني أو أنعم علي ينبغي أن يفسد، إذ يقال أكرم فلان فلانا وأنعم عليه، إلا أنه في المحيط ذكر عن الأصل أنه لا يفسد لأن معناه في القرآن‏:‏ ‏{‏إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه‏}‏ وكذا لو قال أمددني بمال لا يفسد، وأما قوله أصلح أمري فبالنظر إلى إطلاق الأمر يستحيل طلبه من العباد‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في البحر عن فتاوى الحجة‏:‏ لو قال اللهم العن الظالمين لا يقطع صلاته، ولو قال اللهم العن فلانا يعني ظالمه يقطع الصلاة‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لأنه دعاء بمحرم وإن استحال من العباد فصار كلاما، أو لأنه غير مستحيل بدليل ‏{‏أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين‏}‏ وأما اللعنة على الظالمين فهي في القرآن فافهم

‏(‏قوله حتى يرى بياض خده‏)‏ أي حتى يراه من يصلي خلفه أفاده ح‏.‏ وفي البدائع‏:‏ يسن أن يبالغ في تحويل الوجه في التسليمتين، ويسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر ‏(‏قوله ولو عكس‏)‏ بأن سلم عن يساره أولا عامدا أو ناسيا بحر ‏(‏قوله فقط‏)‏ أي فلا يعيد التسليم عن يساره ‏(‏قوله ما لم يستدبر القبلة‏)‏ أي أو يتكلم بحر ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ مقابله ما في البحر من أنه يأتي به ما لم يخرج من المسجد‏:‏ أي وإن استدبر القبلة‏.‏ وعدل عنه الشارح لما في القنية من أن الصحيح الأول، وعبر الشارح بالأصح بدل الصحيح والخطب فيه سهل ‏(‏قوله وقد مر‏)‏ أي في الواجبات، حيث قال‏:‏ وتنقضي قدوة بالأول قبل عليكم على المشهور عندنا خلافا للتكملة‏.‏ ا هـ‏.‏ أي فلا يصح الاقتداء به بعدها لانقضاء حكم الصلاة‏.‏ وهذا في غير الساهي أما هو إذا سجد له بعد السلام يعود إلى حرمتها ط ‏(‏قوله مثنى‏)‏ أي اثنين وإن لم يتكرر فإنه يطلق على هذا كثيرا، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى‏}‏ أو يراد التكرار باعتبار تعدد الصلوات، ثم الذي شرع فيها مثنى مع الموالاة السلام والسجود ط‏.‏ وأما القيام والركوع فإنه وإن تكرر في الصلاة إلا أنه مع الفاصل وليس بمراد هنا ‏(‏قوله وتتقيد الركعة بالسجدة‏)‏ حتى لو سها في الفرض فقام قبل القعود الأخير يبطل فرضه إذا قيد الركعة بسجدة ‏(‏قوله إن أتم‏)‏ أي المؤتم لأن متابعة الإمام في السلام وإن كانت واجبة فليست بأولى من تمام الواجب الذي هو فيه ح‏.‏ وهل إتمام التشهد واجب أو أولى قدمنا الكلام فيه فيما مر عند قول المصنف ولو رفع الإمام رأسه قبل أن يتم المأموم التسبيحات ‏(‏قوله ولا يخرج المؤتم‏)‏ أي عن حرمة الصلاة فعليه أن يسلم، حتى لو قهقه قبله انتقض وضوءه، وهذا عندهما خلافا لمحمد ‏(‏قوله بنحو سلام الإمام إلخ‏)‏ أي مما هو متمم لها لا مفسد، فإنه لو سلم بعد القعدة أو تكلم انتهت صلاته ولم تفسد، بخلاف القهقهة أو الحدث العمد لانتفاء حرمة الصلاة به لأنه مفسد للجزء الملاقي له من صلاة الإمام فيفسد مقابله من صلاة المؤتم، لكنه إن كان مدركا فقد حصل المفسد بعد تمام الأركان فلا يضره كالإمام، بخلاف اللاحق أو المسبوق‏.‏ ‏(‏قوله عمدا‏)‏ أما لو كان بلا صنعه فله أن يبني فيتوضأ ثم يسلم ويتبعه المؤتم ‏(‏قوله فلا يسلم‏)‏ أي الإمام أو المؤتم به لخروجه منها اتفاقا؛ حتى لو قهقه المؤتم لا تنتقض طهارته ‏(‏قوله لو أتمه إلخ‏)‏ أي لو أتم المؤتم التشهد، بأن أسرع فيه وفرغ منه قبل إتمام إمامه فأتى بما يخرجه من الصلاة كسلام أو كلام أو قيام جاز‏:‏ أي صحت صلاته لحصوله بعد تمام الأركان لأن الإمام وإن لم يكن أتم التشهد لكنه قعد قدره لأن المفروض من القعدة قدر أسرع ما يكون من قراءة التشهد وقد حصل، وإنما كره للمؤتم ذلك لتركه متابعة الإمام بلا عذر، فلو به كخوف حدث أو خروج وقت جمعة أو مرور مار بين يديه فلا كراهة كما سيأتي قبيل باب الاستخلاف ‏(‏قوله فلو عرض مناف‏)‏ أي بغير صنعه كالمسائل الاثني عشرية وإلا بأن قهقه أو أحدث عمدا فلا تفسد صلاة الإمام أيضا كما مر ‏(‏قوله تفسد صلاة الإمام فقط‏)‏ أي لا صلاة المأموم لأنه لما تكلم خرج عن صلاة الإمام قبل عروض المنافي لها ‏(‏قوله مع الإمام‏)‏ متعلق بالتحريمة، فإن المراد بها هنا المصدر أي كما يحرم مع الإمام، وإنما جعل التحريمة مشبها بها لأن المعية فيها رواية واحدة عن الإمام، بخلاف السلام فإن فيه روايتين عنه أصحهما المعية ح ‏(‏قوله وقالا الأفضل فيهما بعده‏)‏ أفاد أن خلاف الصاحبين في الأفضلية وهو الصحيح نهر‏.‏ وقيل في الجواز حتى لا يصح الشروع بالمقارنة في إحدى الروايتين عن أبي يوسف ويكون مسيئا عند محمد كما في البدائع‏.‏ وفي القهستاني‏:‏ وقال السرخسي‏:‏ إن قوله أدق وأجود وقولهما أرفق وأحوط‏.‏ وفي عون المروزي‏:‏ المختار للفتوى في صحة الشروع قوله وفي الأفضلية قولهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية عن المنتقى المقارنة على قوله كمقارنة حلقة الخاتم والأصبع‏.‏ والبعدية على قولهما أن يوصل المقتدي همزة الله براء أكبر‏.‏

مطلب في وقت إدراك فضيلة الافتتاح

وتظهر فائدة الخلاف في وقت إدراك فضيلة تكبيرة الافتتاح؛ فعنده بالمقارنة، وعندهما إذا كبر في وقت الثناء، وقيل بالشروع قبل قراءة ثلاث آيات لو كان المقتدي حاضرا، وقيل سبع لو غائبا، وقيل بإدراك الركعة الأولى، وهذا أوسع وهو الصحيح‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيل بإدراك الفاتحة وهو المختار خلاصة، واقتصر على ذكر التحريمة والسلام، فأفاد أن المقارنة في الأفعال أفضل بالإجماع، وقيل على الخلاف كما في الحلية وغيرها عن الحقائق ‏(‏قوله هو السنة‏)‏ قال في البحر‏:‏ وهو على وجه الأكمل أن يقول‏:‏ السلام عليكم ورحمة الله مرتين، فإن قال السلام عليكم أو السلام أو سلام عليكم أو عليكم السلام أجزأه وكان تاركا للسنة، وصرح في السراج بكراهة الأخير‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ تصريحه بذلك لا ينافي كراهة غيره أيضا مما خالف السنة ‏(‏قوله وأنه‏)‏ معطوف على قوله بكراهة لأنه صرح به الحدادي أيضا ‏(‏قوله هنا‏)‏ أي في سلام التحلل، بخلاف الذي في التشهد كما يأتي ‏(‏قوله ورده الحلبي‏)‏ يعني المحقق ابن أمير حاج حيث قال في الحلية شرح المنية بعد نقله قول النووي إنها بدعة ولم يصح فيها حديث بل صح في تركها غير ما حديث ما نصه‏:‏ لكنه متعقب في هذا فإنها جاءت في سنن أبي داود من حديث وائل بن حجر بإسناد صحيح‏.‏ وفي صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن مسعود، ثم قال‏:‏ اللهم إلا أن يجاب بشذوذها وإن صح مخرجها كما مشى عليه النووي في الأذكار، وفيه تأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وفي الحاوي أنه حسن‏)‏ أي الحاوي القدسي‏.‏ وعبارته‏:‏ وزاد بعضهم وبركاته وهو حسن ا هـ‏.‏ وقال أيضا في محل آخر‏:‏ وروي وبركاته ‏(‏قوله أخفض من الأول‏)‏ أفاد أنه يخفض صوته بالأول أيضا أي عن الزائد على قدر الحاجة في الإعلام فهو خفض نسبي، وإلا فهو في الحقيقة جهر، فالمراد أنه يجهر بهما إلا أنه يجهر بالثاني دون الأول، وقيل إنه يخفض الثاني‏:‏ أي لا يجهر به أصلا‏.‏ والأصح الأول لحاجة المقتدي إلى سماع الثاني أيضا لأنه لا يعلم أنه بعد الأول يأتي به أو يسجد قبله لسهو حصل له، أفاد في شرح المنية‏.‏ وفي البدائع‏:‏ ومنها أي السنن أن يجهر بالتسليم لو إماما لأنه للخروج عن الصلاة فلا بد من الإعلام‏.‏ ا هـ‏.‏ فافهم‏.‏

‏(‏قوله وينوي إلخ‏)‏ أي ليكون مقيما للسنة، فينوي ذلك كسائر السنن، ولذا ذكر شيخ الإسلام أنه إذا سلم على أحد خارج الصلاة ينوي السنة، وبه اندفع ما أورده صدر الإسلام من أنه لا حاجة للإمام إلى النية لأنه يجهر ويشير إليهم فهو فوق منية‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر ملخصا‏.‏ وجه الدفع أنه لا يلزم من الإشارة إليهم بالخطاب حصول النية بإقامة القربة فلا بد منها‏.‏ أقول‏:‏ وأيضا فإن التحلل من الصلاة لما وجب بالسلام كان المقصود الأصلي منه التحلل لا خطاب المصلين فلما لم يكن الخطاب مقصودا أصالة لزمت النية لإقامة السنة الزائدة على التحلل الواجب، إذ لولاها لبقي السلام لمجرد التحلل دون التحية فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله السلام‏)‏ مفعول ينوي وهو اسم مصدر بمعنى التسليم ‏(‏قوله ممن معه في صلاته‏)‏ هذا قول الجمهور، وقيل من معه في المسجد، وقيل إنه يعم كسلام التشهد حلية ‏(‏قوله أو نساء‏)‏ صرح به محمد في الأصل، وما في كثير من الكتب من أنه لا ينويهن في زماننا مبني على عدم حضورهن الجماعة، فلا مخالفة بينهما لأن المدار على الحضور وعدمه، حتى لو حضر خناثى أو صبيان نواهم أيضا حلية وبحر، لكن في النهر أنه لا ينوي النساء وإن حضرن لكراهة حضورهن ‏(‏قوله فيعم إلخ‏)‏ ولذا ورد‏:‏ «إذا قال العبد السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض» ‏(‏قوله والحفظة‏)‏ بالجر عطفا على من، ولم يقل الكتبة ليشمل من يحفظ أعمال المكلف وهم الكرام الكاتبون، ومن يحفظه من الجن وهم المعقبات، ويشمل كل مصل فإن المميز لا كتبة له، أفاده في الحلية والبحر، وفيه كلام يأتي على أن الكلام هنا في الإمام ولا يكون صبيا ‏(‏قوله فيهما‏)‏ أي في اليمين واليسار ‏(‏قوله بلا نية عدد‏)‏ أي للاختلاف فيه، فقيل مع كل مؤمن اثنان، وقيل أربعة، وقيل خمسة، وقيل عشرة، وقيل مائة وستون، وقيل غير ذلك، وتمامه في شروح المنية‏.‏

مطلب في عدد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام

‏(‏قوله كالإيمان بالأنبياء‏)‏ لأن عددهم ليس بمعلوم قطعا، فينبغي أن يقال آمنت بجميع الأنبياء أولهم آدم وآخرهم محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام معراج؛ فلا يجب اعتقاد أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، وأن الرسل منهم ثلثمائة وثلاثة وعشرون لأنه خبر آحاد ‏(‏قوله وقدم القول‏)‏ أي المعبر عنهم بمن بدليل عطف الحفظة عليهم والعطف للمغايرة وعبر بالقوم ليخرج الجن فإنهم ليسوا أفضل من الملك وأشار بذلك إلى ما قاله فخر الإسلام من أن للبداءة أثرا في الاهتمام ولذا قال أصحابنا في الوصايا بالنوافل‏:‏ إنه يبدأ بما بدأ به الميت ‏(‏قوله من اتقى الشرك فقط‏)‏ الأولى أن يسقط لفظ فقط، فيصير المعنى من اتقى الشرك سواء اتقى المعاصي أيضا أو لا‏.‏ ح ‏(‏قوله كما في البحر عن الروضة‏)‏ أي روضة العلماء للزندوستي حيث قال‏:‏ أجمعت الأمة على أن الأنبياء أفضل الخليقة وأن نبينا عليه الصلاة والسلام أفضلهم وأن أفضل الخلائق بعد الأنبياء الملائكة الأربعة وحملة العرش والروحانيون ورضوان ومالك؛ وأن الصحابة والتابعين والشهداء والصالحين أفضل من سائر الملائكة‏.‏ واختلفوا بعد ذلك، فقال الإمام‏:‏ سائر الناس من المسلمين أفضل من سائر الملائكة وقالا‏:‏ سائر الملائكة أفضل‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏

مطلب في تفضيل البشر على الملائكة

وحاصله أنه قسم البشر إلى ثلاثة أقسام‏:‏ خواص كالأنبياء وأوساط كالصالحين من الصحابة وغيرهم‏.‏ وعوام كباقي الناس‏.‏ وقسم الملائكة إلى قسمين‏:‏ خواص كالملائكة المذكورين وغيرهم كباقي الملائكة‏.‏ وجعل خواص البشر أفضل من الملائكة خاصهم وعامهم، وبعدهم في الفضل خواص الملائكة فهم أفضل من باقي البشر أوساطهم وعوامهم وبعدهم أوساط البشر فهم أفضل ممن عدا خواص الملائكة؛ وكذلك عوام البشر عند الإمام كأوساطهم فالأفضل عنده خواص البشر، ثم خواص الملك، ثم باقي البشر‏.‏ وعندهما خواص البشر ثم خواص الملك، ثم أوساط البشر، ثم باقي الملك ‏(‏قوله قلت إلخ‏)‏ حاصله أن القهستاني جعل كلا من البشر والملك قسمين‏:‏ خواص وأوساط، وجعل خواص البشر أفضل من خواص الملك، وأوساط البشر أفضل من أوساط الملك، ففي كلامه لف ونشر مرتب، وسكت عن عوام البشر للخلاف السابق، وبه ظهر أن هذا غير مخالف لما مر عن الروضة، نعم قوله عند أكثر المشايخ مخالف لما في الروضة من دعوى الاتفاق، وما هنا أولى، إذ المسألة خلافية، وهي ظنية أيضا كما نص عليه في شرح النسفية، بل قال في شرح المنية‏:‏ وقد روي التوقف في هذه المسألة أي مسألة تفضيل البشر على الملك عن جماعة منهم أبو حنيفة لعدم القاطع، وتفويض علم ما لم يحصل لنا الجزم بعلمه إلى عالمه أسلم، والله أعلم‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب هل تتغير الحفظة

‏(‏قوله هل تتغير الحفظة قولان‏)‏ فقيل نعم‏.‏ لحديث الصحيحين‏:‏ «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي‏؟‏ فيقولون‏:‏ أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون» فنقل عياض وغيره عن الجمهور أنهم الحفظة أي الكرام الكاتبون‏.‏ واستظهر القرطبي أنهم غيرهم، وقيل لا يتغيران ما دام حيا، لحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إن الله تبارك وتعالى وكل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله‏.‏ فإذا مات قالا ربنا قد مات فلان فتأذن لنا فنصعد إلى السماء‏؟‏ فيقول الله عز وجل‏:‏ سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحوني؛ فيقولان‏:‏ فنقيم في الأرض‏؟‏ فيقول الله تعالى‏.‏ أرضي مملوءة من خلقي يسبحوني، فيقولان‏:‏ فأين نكون‏؟‏ فيقول الله تعالى‏:‏ قوما على قبر عبدي فكبراني وهللاني واذكراني واكتبا ذلك لعبدي إلى يوم القيامة» وتمامه في الحلية ‏(‏قوله ويفارقه كاتب السيئات عند جماع وخلاء‏)‏ تبع في ذلك صاحب البحر‏.‏ والمصرح به في شرح الجوهرة الكبير للقاني أن المفارق له في هذه الحالة الملكان؛ وزاد أنهما يكتبان ما حصل منه بعد فراغه بعلامة يجعلها الله تعالى لهما ولكنه لم يستند في ذلك إلى دليل‏.‏ وذكر في الحلية أن الجزم به يحتاج إلى ثبوت سمعي يفيده‏.‏ وأما ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان إذا أراد الدخول في الخلاء يبسط رداءه ويقول‏:‏ أيها الملكان الحافظان علي اجلسا هاهنا فإني عاهدت الله تعالى أن لا أتكلم في الخلاء، فذكر شيخنا الحافظ أنه ضعيف‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ملخصا ‏(‏قوله وصلاة‏)‏ يعني أن كاتب السيئات يفارق الإنسان في صلاته لأنه ليس له ما يكتبه، ذكره القرطبي‏.‏ ورده في الحلية كما نقله ح ‏(‏قوله والمختار إلخ‏)‏ مقابله ما يأتي عن حاشية الأشباه وكذا ما في النهر من أن القلم اللسان، والمداد الريق ‏(‏قوله استأثر‏)‏ أي اختص ‏(‏قوله نعم إلخ‏)‏ لا يحسن الاستدراك به بعد تصريحه باختيار الأول تأمل ‏(‏قوله تكتب في رق‏)‏ قال في الحلية‏:‏ ثم قيل إن الذي يكتب فيه الحفظة دواوين من رق، كما هو المراد من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكتاب مسطور في رق منشور‏}‏ في أحد الأقوال، لكن المأثور عن علي رضي الله عنه ‏"‏ إن لله ملائكة ينزلون بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم ‏"‏ فلم يعين ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله بلا حرف كثبوتها في العقل‏)‏ يؤيده ما قاله الغزال في المكتوب في اللوح المحفوظ أيضا إنه ليس حروفا، وإنما هو ثبوت المعلومات فيه كثبوتها في العقل‏.‏ قال في الحلية‏:‏ لكن صرف اللفظ عن ظاهره يحتاج إلى وجود صارف مع كثرة ما في الكتاب والسنة مما يؤيد الظاهر كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون‏}‏ ‏{‏ورسلنا لديهم يكتبون‏}‏‏.‏ وكذا ما ثبت في الإسراء من سماعه عليه الصلاة والسلام صريف الأقلام‏:‏ أي تصويتها فيحمل على ظاهره، لكن كيف ذلك وصورته وجنسه مما لا يعلمه إلا الله تعالى أو من أطلعه على شيء من ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا، وتمامه في ح ‏(‏قوله وهو أحد ما قيل إلخ‏)‏ راجع إلى قوله تكتب في رق فقط كما أفاده ح، فراجعه وتأمل ‏(‏قوله وصحح النيسابوري‏)‏ نقله في الحلية عن الحسن ومجاهد والضحاك وغيرهم‏.‏ وذكر قبله عن الاختيار أن محمدا روى عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال‏:‏ الملائكة لا تكتب إلا ما فيه أجر أو وزر ‏(‏قوله حتى أنينه‏)‏ هو الصوت الصادر عن طبيعة الشخص في مرضه لعسره أو لضجره أو لتأسفه على ما فرط في جانب الله تعالى، وأشار بهذه الغاية إلى أنهما يكتبان جميع الضروريات أيضا كالتنفس وحركة النبض وسائر العروق والأعضاء، أفاده ح عن اللقاني ‏(‏قوله يكتب المباح كاتب السيئات‏)‏ تفسير لما أجمل في العبارة السابقة حيث نسب فيها كتابة كل شيء إليهما، فأشار هنا إلى تفصيله وبيانه لأن المكتوب ثلاثة أقسام‏:‏ ما فيه أجر، وما فيه وزر، وما لا ولا فما فيه أجر لكاتب الحسنات، والباقي لكاتب السيئات ‏(‏قوله ويمحى يوم القيامة‏)‏ وقيل في آخر النهار، وقيل يوم الخميس، وهو مأثور عن ابن عباس والكلبي وذكر في الحلية عن الاختيار أن الأكثرين على الأول‏.‏ وعن بعض المفسرين أنه الصحيح عند المحققين فلذا مشى عليه الشارح ‏(‏قوله الأصح أن الكافر أيضا تكتب أعماله إلخ‏)‏ أي السيئة، إذ لا حسنة له، وهو مكلف بحقوق العباد والعقوبات اتفاقا، وبالعبادات أداء واعتقادا، وهو المعتمد عندنا، فيعاقب على ترك الأمرين، وتمامه في ح‏.‏ ونقل عن اللقاني أن أعمال الكافر التي يظن هو أنها حسنة لا تكتب له إلا إذا أسلم فيكتب له ثوابه من الكفر انتهى‏.‏ وفي حفظي أن مذهبنا خلافه فليراجع‏.‏

مطلب هل يفارقه الملكان

‏(‏قوله وفي البرهان إلخ‏)‏ لحديث‏:‏ «يتعاقبون ‏"‏ المتقدم، والمراد بهم الحفظة الذين هم المعقبات لا الحفظة الذين هم الكتبة لما قدمناه ح ‏(‏قوله وأن إبليس مع ابن آدم بالنهار‏)‏ أي مع جميعهم إلا من حفظه الله تعالى منه وأقدره على ذلك، كما أقدر ملك الموت على نظير ذلك‏.‏ والظاهر أن هذا غير القرين الآتي لأنه لا يفارق الآدمي فافهم ‏(‏قوله روي بفتح الميم‏)‏ بمعنى آمن القرين فصار لا يأمر إلا بخير كالقرين الملك، وهذا ظاهر الحديث ‏(‏قوله وضمها‏)‏ فيكون فعلا مضارعا مفيدا للسلامة من القرين الكافر على طريق الاستمرار التجددي ح‏.‏ وصحح بعضهم هذه الرواية ورجحها‏.‏ وفي رواية ‏"‏ فاستسلم ‏"‏ كما في الشفاء ‏(‏قوله ويزيد المؤتم إلخ‏)‏ أي يزيد على ما تقدم من نية القوم والحفظة نية إمامه‏.‏ ‏(‏قوله إن كان الإمام فيها‏)‏ أي في التسليمة الأولى‏:‏ أي في جهتها ‏(‏قوله وإلا‏)‏ صادق بالمحاذاة وليست مرادة لذكرها بعد ح ‏(‏قوله إذ لا كتبة معه‏)‏ أفاد أن المراد بالحفظة حفظة ذاته من الأسواء لا حفظة الأعمال، وهما قولان كما مر، لكن الصحيح أن حسنات الصبي له ولوالديه ثواب التعليم، ولذا ذكر اللقاني أنه تكتب حسناته، فمقتضاه أن له كاتب حسنات ‏(‏قوله ولعمري‏)‏ قسم وتقدم الكلام عليه في خطبة الكتاب ‏(‏قوله هذا‏)‏ أي ما ذكره من النية‏.‏ وفي الحلية عن صدر الإسلام‏:‏ هذا شيء تركه جميع الناس لأنه قلما ينوي أحد شيئا‏.‏ قال في غاية البيان‏:‏ وهذا حق لأن النية في الإسلام صارت كالشريعة المنسوخة، ولهذا لو سألت ألوف ألوف من الناس‏:‏ أي شيء نويت بسلامك لا يكاد يجيب أحد منهم بما فيه طائل إلا الفقهاء؛ وفيهم نظر‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله إلا بقدر اللهم إلخ‏)‏ لما رواه مسلم والترمذي عن عائشة قالت‏:‏ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقعد إلا بمقدار ما يقول‏:‏ اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» وأما ما ورد من الأحاديث في الأذكار عقيب الصلاة فلا دلالة فيه على الإتيان بها قبل السنة، بل يحمل على الإتيان بها بعدها؛ لأن السنة من لواحق الفريضة وتوابعها ومكملاتها فلم تكن أجنبية عنها، فما يفعل بعدها يطلق عليه أنه عقيب الفريضة‏.‏ وقول عائشة بمقدار لا يفيد أنه كان يقول ذلك بعينه، بل كان يقعد بقدر ما يسعه ونحوه من القول تقريبا، فلا ينافي ما في الصحيحين من «أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» وتمامه في شرح المنية، وكذا في الفتح من باب الوتر والنوافل ‏(‏قوله واختاره الكمال‏)‏ فيه أن الذي اختاره الكمال هو الأول، وهو قول البقالي‏.‏ ورد ما في شرح الشهيد من أن القيام إلى السنة متصلا بالفرض مسنون، ثم قال‏:‏ وعندي أن قول الحلواني لا بأس لا يعارض القولين لأن المشهور في هذه العبارة كون خلافه أولى، فكان معناها أن الأولى أن لا يقرأ قبل السنة، ولو فعل لا بأس، فأفاد عدم سقوط السنة بذلك، حتى إذا صلى بعد الأوراد تقع سنة لا على وجه السنة، ولذا قالوا‏:‏ لو تكلم بعد الفرض لا تسقط لكن ثوابها أقل، فلا أقل من كون قراءة الأوراد لا تسقطها ا هـ‏.‏ وتبعه على ذلك تلميذه في الحلية، وقال‏:‏ فتحمل الكراهة في قول البقالي على التنزيهية لعدم دليل التحريمية، حتى لو صلاها بعد الأوراد تقع سنة مؤداة، لكن لا في وقتها المسنون، ثم قال‏:‏ وأفاد شيخنا أن الكلام فيما إذا صلى السنة في محل الفرض لاتفاق كلمة المشايخ على أن الأفضل في السنن حتى سنة المغرب المنزل أي فلا يكره الفصل بمسافة الطريق ‏(‏قوله قال الحلبي إلخ‏)‏ هو عين ما قاله الكمال في كلام الحلواني من عدم المعارضة ط ‏(‏قوله ارتفع الخلاف‏)‏ لأنه إذا كانت الزيادة مكروهة تنزيها كانت خلاف الأولى الذي هو معنى لا بأس ‏(‏قوله وفي حفظي إلخ‏)‏ توفيق آخر بين القولين، المذكورين، وذلك بأن المراد في قول الحلواني لا بأس بالفصل بالأوراد‏:‏ أي القليلة التي بمقدار ‏"‏ اللهم أنت السلام إلخ ‏"‏ لما علمت من أنه ليس المراد خصوص ذلك، بل هو أو ما قاربه في المقدار بلا زيادة كثيرة فتأمل‏.‏ وعليه فالكراهة على الزيادة تنزيهية لما علمت من عدم دليل التحريمية فافهم وسيأتي في باب الوتر والنوافل ما لو تكلم بين السنة والفرض أو أكل أو شرب، وأنه لا يسن عندنا الفصل بين سنة الفجر وفرضه بالضجعة التي يفعلها الشافعية ‏(‏قوله والمعوذات‏)‏ فيه تغليب، فإن المراد الإخلاص والمعوذتان ط ‏(‏قوله ثلاثا وثلاثين‏)‏ تنازع فيه كل من الأفعال الثلاثة قبل‏.‏ مطلب فيما لو زاد على العدد الوارد في التسبيح عقب الصلاة‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

لو زاد على العدد، قيل يكره لأنه سوء أدب، وأيد بأنه كدواء زيد على قانونه أو مفتاح زيد على أسنانه، وقيل لا بل يحصل له الثواب المخصوص مع الزيادة، بل قيل لا يحل اعتقاد الكراهة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها‏}‏ والأوجه إن زاد لنحو شك عذر أو لتعبد فلا لاستدراكه على الشارع وهو ممنوع‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا من تحفة ابن حجر

‏(‏قوله يكره للإمام التنفل في مكانه‏)‏ بل يتحول مخيرا كما يأتي عن المنية، وكذا يكره مكثه قاعدا في مكانه مستقبل القبلة في صلاة لا تطوع بعدها كما في شرح المنية عن الخلاصة، والكراهة تنزيهية كما دلت عليه عبارة الخانية ‏(‏قوله لا للمؤتم‏)‏ ومثله المنفرد، لما في المنية وشرحها‏:‏ أما المقتدي والمنفرد فإنهما إن لبثا أو قاما إلى التطوع في مكانهما الذي صليا فيه المكتوبة جاز، والأحسن أن يتطوعا في مكان آخر‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وقيل يستحب كسر الصفوف‏)‏ ليزول الاشتباه عن الداخل المعاين للكل في الصلاة البعيد عن الإمام، وذكره في البدائع والذخيرة عن محمد، ونص في المحيط على أنه السنة كما في الحلية، وهذا معنى قوله في المنية‏:‏ والأحسن أن يتطوعا في مكان آخر‏.‏ قال في الحلية‏.‏ وأحسن من ذلك كله أن يتطوع في منزله إن لم يخف مانعا ‏(‏قوله لتنفل أو ورد‏)‏ أقول‏:‏ عبارته في الخزائن قلت‏:‏ يحتمل أنه لأجل التنفل أو الورد‏.‏ ا هـ‏.‏ فدل على أن ذلك ليس من كلام الخانية‏.‏ والذي رأيته في الخانية صريح في أنه للتنفل ‏(‏قوله وخيره إلخ‏)‏ الضمير المنصوب للإمام، لكن التخيير الذي في المنية هو أنه إن كان في صلاة لا تطوع بعدها، فإن شاء انحرف عن يمينه أو يساره أو ذهب إلى حوائجه واستقبل الناس بوجهه، وإن كان بعدها تطوع وقام يصليه يتقدم أو يتأخر أو ينحرف يمينا أو شمالا أو يذهب إلى بيته فيتطوع ثمة‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا التخيير لا يخالف ما مر عن الخانية لأنه لبيان الجواز وذاك لبيان الأفضل، ولذا علله في الخانية وغيرها بأن لليمين فضلا على اليسار، لكن هذا لا يخص يمين القبلة، بل يقال مثله في يمين المصلي، بل في شرح المنية أن انحرافه عن يمينه أولى، وأيده بحديث في صحيح مسلم وصحح في البدائع التسوية بينهما وقال‏:‏ لأن المقصود من الانحراف وهو زوال الاشتباه أي اشتباه أنه في الصلاة يحصل بكل منهما، وقدمنا عن الحلية أن الأحسن من ذلك كله تطوعه في منزله، لما في سنن أبي داود بإسناد صحيح‏:‏ «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة» قلت‏:‏ وإلا التراويح كما سيأتي في باب الوتر والنوافل مع زيادات أخر، ثم إذا شاء الذهاب انصرف من جهة يمينه أو يساره، فقد صح الأمران عنه صلى الله عليه وسلم وعليه العمل عند أهل العلم كما قال الترمذي‏.‏ وذكر النووي أنه عند استواء الجهتين في الحاجة وعدمها، فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها كما في الحلية ‏(‏قوله ولو دون عشرة‏)‏ أي أن الاستقبال مطلق لا تفصيل فيه بين عدد وعدد على ما ذكره في الخلاصة وغيرها‏.‏ ولا يلتفت إلى ما ذكره بعض شراح المقدمة، من أن الجماعة إن كانوا عشرة يلتفت إليهم لترجح حرمتهم على حرمة القبلة، وإلا فلا لترجح حرمة القبلة على الجماعة، فإن هذا الذي ذكره لا أصل له في الفقه، وهو رجل مجهول لا تشبه ألفاظه ألفاظ أهل الفقه، فضلا عن أن يقلد فيما ليس له أصل‏.‏ والذي رواه موضع كذب على النبي صلى الله عليه وسلم بل حرمة المسلم الواحد أرجح من حرمة القبلة، غير أن الواحد لا يكون خلف الإمام حتى يلتفت إليه، بل هو عن يمينه‏.‏ فلو كانا اثنين كانا خلفه فليلتفت إليهما للإطلاق المذكور‏.‏ ا هـ‏.‏ ونازعه في الإمداد بأنه ذكر ذلك في مجمع الروايات شرح القدوري عن حاشية البدرية عن أبي حنيفة فليتأمل ‏(‏قوله ولو بعيدا على المذهب‏)‏ صرح به في الذخيرة أخذا من إطلاق محمد في الأصل قوله إذا لم يكن بحذائه رجل يصلي؛ ثم قال في الذخيرة‏:‏ هذا هو ظاهر المذهب لأنه إذا كان وجهه مقابل وجه الإمام في حالة قيامه يكره وإن كان بينهما صفوف‏.‏ واستظهر ابن أمير حاج في الحلية خلاف هذا فقال‏:‏ الذي يظهر أنه إذا كان بين الإمام والمصلي بحذائه رجل جالس ظهره إلى المصلي لا يكره للإمام استقبال القوم؛ لأنه إذا كان سترة للمصلي لا يكره المرور وراءه فكذا هنا؛ وقد صرحوا بأنه لو صلى إلى وجه إنسان وبينهما ثالث ظهره إلى وجه المصلي لم يكره، ولعل محمدا لم يقيد بذلك للعلم به ا هـ‏.‏ ملخصا فافهم، والله تعالى أعلم‏.‏