فصل: كتاب الصيد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


كتاب الصيد

مصدر صاده‏:‏ إذا أخذه فهو صائد وذاك مصيد ويسمى المصيد صيدا فيجمع صيودا وهو كل ممتنع متوحش طبعا لا يمكن أخذه إلا بحيلة مغرب، فخرج بالممتنع مثل الدجاج والبط، إذ المراد منه أن يكون له قوائم أو جناحان يملك عليهما ويقدر على الفرار من جهتهما، وبالمتوحش مثل الحمام إذ معناه أن لا يألف الناس ليلا ونهارا، وبطبعا ما يتوحش من الأهليات فإنها لا تحل بالاصطياد وتحل بذكاة الضرورة ودخل به متوحش بإلف كالظبي لا يمكن أخذه إلا بحيلة، وتمامه في القهستاني‏:‏ أي فالظبي وإن كان مما يألف بعد الأخذ إلا أنه صيد قبله يحل بالاصطياد، ودخل فيه ما لا يؤكل كما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله مما يورث السرور‏)‏ وقيل‏:‏ الغفلة واللهو، لحديث‏:‏ «من اتبع الصيد فقد غفل» وفي السعدية ولأن الصيد من الأطعمة، ومناسبتها للأشربة غير خفية، وكل منها فيه ما هو حلال وحرام‏.‏ ‏(‏قوله بخمسة عشر شرطا‏)‏ خمسة في الصائد‏:‏ وهو أن يكون من أهل الذكاة، وأن يوجد منه الإرسال، وأن لا يشاركه في الإرسال من لا يحل صيده، وأن لا يترك التسمية عامدا، وأن لا يشتغل بين الإرسال والأخذ بعمل آخر، وخمسة في الكلب‏:‏ أن يكون معلما، وأن يذهب على سنن الإرسال، وأن لا يشاركه في الأخذ ما لا يحل صيده، وأن يقتله جرحا، وأن لا يأكل منه‏.‏ وخمسة في الصيد‏:‏ أن لا يكون من الحشرات، وأن لا يكون من بنات الماء إلا السمك، وأن يمنع نفسه بجناحيه أو قوائمه، وأن لا يكون متقويا بنابه أو بمخلبه، وأن يموت بهذا قبل أن يصل إلى ذبحه ا هـ‏.‏ وفيه بحث مذكور مع جوابه في المنح، ومجموع هذه الشروط لما يحل أكله ولم يدركه حيا ‏(‏قوله في غير الحرم‏)‏ الأولى أن يقول أو في الحرم ليشمل الصور الثلاث وهي الصيد المحرم في الحل أو الحرم أو الحلال في الحرم ‏(‏قوله كما هو ظاهر‏)‏ لأن مطلق اللهو منهي عنه إلا في ثلاث كما مر في الحظر ‏(‏قوله على ما في الأشباه‏)‏ أي أخذا مما في البزازية من أنه مباح إلا للتلهي أو حرفة‏.‏ وفي مجمع الفتاوى‏:‏ ويكره للتلهي، وأن يتخذ خمرا وأقره في الشرنبلالية ‏(‏قوله لأنه نوع من الاكتساب‏)‏ وبذلك استدل في الهداية على إباحة الاصطياد بعد استدلاله عليه بالكتاب والسنة والإجماع، وأقره الشراح ‏(‏قوله وكل أنواع الكسب إلخ‏)‏ أي أنواعه المباحة، بخلاف الكسب بالربا والعقود الفاسدة ونحو ذلك ‏(‏قوله على المذهب الصحيح‏)‏ قال بعده في التتارخانية‏.‏ وبعض الفقهاء قالوا‏:‏ الزراعة مذمومة، والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء‏:‏ ثم اختلفوا في التجارة والزراعة أيهما أفضل‏.‏ وأكثر مشايخنا على أن الزراعة أفضل ا هـ‏.‏ وفي الملتقى والمواهب‏:‏ أفضله الجهاد، ثم التجارة، ثم الحراثة، ثم الصناعة ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ فالمراد من قولهم كل أنواع الكسب في الإباحة سواء أنها بعد أن لم تكن بطريق محظور لا يذم بعضها وإن كان بعضها أفضل من بعض تأمل‏.‏ ثم إن كل نوع منها تارة يتخذه الإنسان حرفة ومعاشا وتارة يفعله وقت الحاجة في بعض الأحيان، وحيث كان الاصطياد نوعا منها دل على إباحة اتخاذه حرفة ولا سيما مع إطلاق الأدلة‏.‏ وعبارات المتون‏:‏ والكراهة لا بد لها من دليل خاص، وما قيل إن فيه إزهاق الروح وهو يورث قسوة القلب لا يدل على الكراهة، بل غايته أن غيره كالتجارة والحراثة أفضل منه‏.‏ وفي التتارخانية قال أبو يوسف‏:‏ إذا طلب الصيد لهوا ولعبا فلا خير فيه وأكرهه، وإن طلب منه ما يحتاج إليه من بيع أو إدام أو حاجة أخرى فلا بأس به ا هـ‏.‏

‏(‏قوله تعقل‏)‏ بتقديم العين المهملة على القاف‏:‏ أي علق ونشب‏.‏ قال في المغرب‏:‏ وهو مصنوع غير مسموع ‏(‏قوله وإن وجد المقلش‏)‏ بالقاف‏:‏ وهو الذي يفتش المزابل بيده أو بالغربال ليستخرج ما فيها من النقود وغيرها، والظاهر أنه لفظ عامي غير عربي، فلتراجع كتب اللغة، ولا مناسبة لهذه المسألة بباب الصيد، ومحلها كتاب اللقطة حموي ملخصا‏.‏ ووجد في بعض نسخ المنح المفتش ‏(‏قوله بضرب أهل الإسلام‏)‏ أما المضروب بضرب الجاهلية فهو ركاز يخمس، وتقدم أنه إذا اشتبه الضرب يجعل جاهليا ط ‏(‏قوله ويجب تعريفه‏)‏ إلى أن يعلم أنه لا يطلبه ثم يتصدق به أو ينفقه على نفسه إن كان مصرفا ط قوله ناقل‏)‏ أي من مالك إلى مالك، وقوله وخلافة‏:‏ أي ذو خلافة، وكذا يقال فيما بعده ط ‏(‏قوله وهو الاستيلاء حقيقة‏)‏ شمل إحياء الموات فلا حاجة إلى عده قسما رابعا كما فعل الحموي ‏(‏قوله كنصب شبكة لصيد لا لجفاف‏)‏ تبع فيه صاحب الأشباه، والأولى حذف قوله لصيد ليشمل ما إذا لم يقصد شيئا، لما في التتارخانية والظهيرية‏:‏ والاستيلاء الحكمي باستعمال ما هو موضوع للاصطياد، حتى إن من نصب شبكة فتعقل بها صيد ملكه قصد بها الاصطياد أو لا فلو نصبها للتجفيف لا يملكه وإن نصب فسطاطا إن قصد الصيد يملكه وإلا فلا لأنه غير موضوع للصيد ا هـ‏.‏ ملخصا فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله على المباح‏)‏ متعلق بالاستيلاء ‏(‏قوله عن ملك‏)‏ أي ملك مالك ‏(‏قوله على حطب غيره‏)‏ أي بأن جمعه غيره ‏(‏قوله ولم يحل إلخ‏)‏ لأنه لم يخل عن ملك مالك ‏(‏قوله وتمام التفريع‏)‏ أي على السبب الثالث في المطولات، منها ما في التتارخانية وغيرها عن المنتقى بالنون‏:‏ دخل صيد داره فلما رآه أغلق عليه الباب وصار بحال يقدر على أخذه بلا اصطياد بشبكة أو سهم ملكه، وإن أغلق ولم يعلم به لا يملكه ولو نصب حبالة فوقع فيها صيد فقطعها وانفلت فأخذه آخر ملكه، ولو جاء صاحب الحبالة ليأخذه ودنا منه بحيث يقدر على أخذه فانفلت لا يملكه الآخذ، وكذا لو انفلت من الشبكة في الماء قبل الإخراج فأخذه غيره ملكه لا لو رمى خارج الماء في موضع يقدر على أخذه فوقع في الماء ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وفي بعض النسخ، وتمام التعريف، وهو غير مناسب كما لا يخفى

‏(‏قوله تقدما في الذبائح‏)‏ يشير إلى أن المراد ما تقدم، وهو سبع له ناب أو مخلب يصيد به احترازا عن نحو البعير والحمامة‏.‏ قال القهستاني‏:‏ وفيه إشعار بأن ما لا ناب له ولا مخلب لم يحل صيده بلا ذبح لأنه لم يخرج كما في الكرماني ‏(‏قوله وباز‏)‏ في الصحاح‏:‏ الباز لغة في البازي الذي يصيد والجمع أبواز وبيزان وجمع البازي بزاة فالأول أجوف، والثاني ناقص، فظهر منه لحن قول بعض الفقهاء‏:‏ البازي بتشديد الياء وتخفيفها كذا في غرر الأفكار‏:‏ أي حيث جوزوا فيه التشديد مع أنه لم يسمع ‏(‏قوله بدب وأسد‏)‏ ذكر في النهاية الذئب بدل الدب وكذا في المحيط شرنبلالية، وذكر في الاختيار الثلاثة ‏(‏قوله لعدم قابليتهما التعليم‏)‏ حتى لو تصور التعلم منهما وعرف ذلك جاز شرنبلالية عن النهاية ‏(‏قوله وعليه إلخ‏)‏ هو بحث للمصنف، أي على أن العلة هي نجاسة عينه كما في الهداية ‏(‏قوله فلا يجوز‏)‏ الفاء فصيحة‏:‏ أي وإذا بنينا عدم الجواز في الخنزير على نجاسة عينه فلا يجوز بالكلب بناء على القول بنجاسة عينه أيضا‏.‏ وذكر في المعراج عن النخعي والحسن البصري وغيرهما أنه لا يجوز بالكلب الأسود البهيم، لأنه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «هو شيطان» وأمر بقتله، وما وجب قتله حرم اقتناؤه وتعليمه فلم يبح صيده كغير المعلم‏.‏ ولنا عموم الآية والأخبار ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وإن النص ورد فيه‏)‏ وهو «قوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله تعالى فإن أمسك عليك فأدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاة»، رواه البخاري ومسلم وأحمد قوله وبه يندفع قول القهستاني‏)‏ حيث قال‏:‏ يحل صيد كل ذي ناب، كالكلب والفهد والنمر والأسد وابن عرس والدب والخنزير وغيرها بشرط العلم‏.‏ وعن أبي يوسف أنه يستثنى منه الخنزير لكونه نجس العين، والأسد والدب لأنهما لا يعملان للغير، وقد يلحق الحدأة بالدب مضمرات‏.‏ وفي ظاهر الرواية الشرط قبول التعليم‏.‏ وما قال السغناقي‏:‏ إن الأسد والدب لا يتصور فيهما التعليم، فقد صرح بخلافه في البيع، والخنزير عند الإمام ليس بنجس العين على ما في التجريد وغيره‏.‏ على أن الكلب نجس العين عند بعضهم، وقد حل صيده بالاتفاق ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وحاصله البحث في استثناء الخنزير والأسد والدب‏.‏ وفي التعليل‏:‏ لأن الشرط في ظاهر الرواية قبول التعليم فيحل بكل معلم ولو خنزيرا، وكونه نجس العين لا يمنع بدليل أن الكلب كذلك عند بعضهم مع أنه لم يقل أحد بعدم حل صيده‏.‏ ووجه الدفع الذي أفاده الشارح الفاضل أن النص ورد في الكلب وإن قيل بنجاسة عينه فلا يلحق به الخنزير‏.‏ والحاصل أن هذا الجواب دفع به الشارح شيئين‏:‏ الأول ما بحثه المصنف من إلحاق الكلب بالخنزير في عدم حل الصيد بناء على القول بنجاسة عين الكلب، والثاني ما بحثه القهستاني من إلحاق الخنزير بالكلب في حل الصيد‏.‏ ووجه الأول أن الكلب وإن قيل بنجاسة عينه، لكن لما ورد النص فيه بخصوصه وجب اتباعه‏.‏ ووجه الثاني أن الخنزير وإن دخل ظاهرا في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما علمتم من الجوارح‏}‏ لكنه مستثنى لحرمة الانتفاع بنجس العين، وما ورد به نص بخصوصه حتى يتبع بل أمرنا باجتنابه، فلا يصح قياسه على الكلب المنصوص عليه، ولذا جزم باستثنائه المصنف كالهداية والتبيين والبدائع والاختيار، هذا تقرير كلام الشارح الفاضل وقد خفي على غير واحد ونسبه بعضهم للغفلة وهو بريء عنها ولله تعالى دره نعم فاته الجواب عن قول القهستاني‏:‏ والخنزير ليس بنجس العين، لكن تركه لظهور أن المذهب خلافه، والتعليل بنجاسة عينه مبني على ما هو المذهب تأمل ‏(‏قوله بشرط علمهما‏)‏ بدليل الحديث المار، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مكلبين‏}‏ أي معلمين الاصطياد ‏{‏تعلمونهن‏}‏ تؤدبوهن، وتمامه في الزيلعي، والمناسب الإتيان بالواو عطفا على قوله بشرط التعليم، ثم إن هذا الشرط مغن عن ذلك ‏(‏قوله وذا‏)‏ أي العلم والباء في بترك للتصوير ط ‏(‏قوله بترك الأكل ثلاثا‏)‏ أي متواليات قهستاني وهذا عند هما، وهو رواية عنه لأن فيما دونه مزيد الاحتمال، فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا، فإذا تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة، وتمامه في الهداية‏.‏ ونقل ط عن الحموي‏:‏ أنه لا بد من ترك الأكل مع الجوع لا الشبع فتأمل‏.‏ وعم أكله من الجلد والعظم والجناح والظفر وغيرها كما في قاضي خان وغيره قهستاني‏.‏ وعند أبي حنيفة لا بد أن يغلب على ظن الصائد وأنه معلم ولا يقدر بالثلاث، ومشى في الكنز والنقاية والاصطلاح ومختصر القدوري على اعتبار التقدير بالثلاث، وظاهر الملتقى ترجيح عدمه‏.‏ ثم على رواية التقدير عن الإمام يحل ما اصطاده ثالثا، وعندهما في حل الثالث روايتان‏.‏ قال في الخلاصة والبزازية‏:‏ والأصح الحل ‏(‏قوله في الكلب ونحوه‏)‏ أي من كل ذي ناب، فشمل نحو الفهد والنمر، وقوله بالرجوع إذا دعوته في البازي ونحوه أي من كل ذي مخلب‏.‏ قال في الهداية‏:‏ لأن بدن البازي لا يحتمل الضرب وبدن الكلب يحتمل فيضرب ليتركه، ولأن آية التعليم ترك ما هو مألوفه عادة والبازي متوحش متنفر فكانت الإجابة آية تعليمه‏.‏ أما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب، فكان آية تعليمه ترك مألوفه وهو الأكل والاستلاب ا هـ‏.‏ والتعليل الثاني لا يتأتى في الفهد والنمر فإنه متوحش كالبازي مع أن الحكم فيه وفي الكلب سواء، فالمعتمد هو الأول كفاية عن المبسوط، ونحوه في العناية والمعراج‏.‏ وفي التتارخانية عن الكافي‏:‏ والحكم في الفهد والكلب سواء ا هـ‏.‏ أي لا يشترط فيه إلا ترك الأكل‏.‏ وفي الاختيار ما يخالفه حيث قال‏:‏ والفهد ونحوه يحتمل الضرب، وعادته الافتراس والنفار فيشترط فيه ترك الأكل والإجابة جميعا، ومثله في الدر وغاية البيان وغيرهما وهو مبني على اعتبار التعليل الثاني‏.‏ أقول‏:‏ ومقتضى اعتماد التعليل الأول ترجيح ما مر فتدبر‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

لم يذكر البازي بكم إجابة يصير معلما‏؟‏ فينبغي أن يكون على الاختلاف الذي ذكر في الكلب، ولو قيل يصير معلما بإجابة واحدة كان له وجه لأن الخوف ينفره بخلاف الكلب زيلعي‏.‏ قلت‏:‏ وفي التتارخانية والذخيرة وغيرهما‏:‏ إذا فر البازي من صاحبه فدعاه فلم يجبه حتى حكم بكونه جاهلا إذا أجاب صاحبه ثلاث مرات بعد ذلك على الولاء يحكم بتعلمه عندهما‏.‏ وقال قبله عن المحيط‏.‏ وأما البازي وما بمعناه فترك الأكل في حقه ليس علامة تعلمه بل أن يجيب صاحبه إذا دعاه، حتى إذا أكل من الصيد يؤكل صيده‏.‏ قال بعض مشايخنا‏:‏ هذا إذا أجاب عند الدعوة لإلفه به من غير أن يطمع في اللحم، أما إذا كان لا يجيب إلا لطمع في اللحم لا يكون معلما ا هـ‏.‏ ومثله في الظهيرية ‏(‏قوله إذا دعوته‏)‏ أي دعوت الجارح المعلوم من المقام ‏(‏قوله وبشرط جرحهما‏)‏ أي ذي الناب والمخلب ‏(‏قوله على الظاهر‏)‏ أي ظاهر الرواية في البدائع الاصطياد بذي ناب أو مخلب كالبازي والشاهين لا يحل ما لم يجرح في ظاهر الرواية‏.‏ وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يحل‏.‏ زاد في العناية والمعراج وغيرهما والفتوى على ظاهر الرواية‏.‏ أقول‏:‏ وهو ظاهر إطلاق ما في المتون‏.‏ فما في القهستاني عن النظم من أن البازي والصقر‏:‏ لو قتلاه خنقا حل بالاتفاق مشكل‏.‏ وما في الخانية من قوله‏:‏ ولو أرسل الكلب فأصاب الصيد وكسر عنقه ولم يجرحه أو جثم عليه‏:‏ أي جلس على صدره وخنقه لا يؤكل‏.‏ وعن أبي يوسف‏:‏ لا يشترط الجرح، والبازي إذا قتل الصيد حل وإن لم يجرح ا هـ‏.‏ قال‏:‏ بعضهم‏:‏ وهو على خلاف ظاهر الرواية‏.‏ أقول‏:‏ يؤيده أنه ذكره بعد قوله وعن أبي يوسف، فما في القهستاني من حمله كلام الخانية على ما في النظم ورده قول ذلك البعض فيه نظر، لما علمت من مخالفة ما في النظم لظاهر الرواية المفتى به تأمل‏.‏ وذكر القهستاني أن الإدماء ليس بشرط، ومنهم من شرطه إن كانت الجراحة صغيرة، وفيه كلام سيأتي ‏(‏قوله وبشرط إرسال مسلم أو كتابي‏)‏ سيأتي محترزه وهو المجوسي والوثني والمرتد، فلو انفلت من صاحبه فأخذ صيدا فقتله لم يؤكل، كما لو لم يعلم بأنه أرسله أحد لأنه لم يقطع بوجود الشرط قهستاني وسيأتي

‏(‏قوله وبشرط التسمية‏)‏ أي ممن يعقل، بخلاف غيره من صبي أو مجنون أو سكران كما في البدائع ‏(‏قوله عند الإرسال‏)‏ فالشرط اقتران التسمية به، فلو تركها عمدا عند الإرسال ثم زجره معها فانزجر لم يؤكل صيده قهستاني، فلا تعتبر التسمية وقت الإصابة في الذكاة الاضطرارية، بخلاف الاختيارية لأن التسمية تقع فيها على المذبوح لا على الآلة، فلو أضجع شاة وسمى ثم أرسلها وذبح أخرى بالتسمية الأولى لم تجزه، ولو رمى صيدا أو أرسل عليه كلبا فأصاب آخر فقتله أكل، ولو أضجع شاة وسمى ثم ألقى السكين وأخذ سكينا أخرى فذبح بها تؤكل‏:‏ بخلاف ما لو سمى على سهم ثم رمى بغيره وتمامه في البدائع ‏(‏قوله ولو حكما‏)‏ راجع إلى التسمية وقصد به إدخال الناسي في حكم المسمي ط‏.‏ ‏(‏قوله على حيوان‏)‏ ولو غير معين، فلو أرسل على صيد وأخذ صيودا أكل لكل ما دام في وجه الإرسال قهستاني عن الخانية، وكذا لو أرسله على صيود كثيرة كما يأتي، وقد أشار المصنف إلى ما في البدائع أن من الشروط من أن يكون الإرسال أو الرمي على الصيد أو إليه قال‏:‏ حتى لو أرسل على غير صيد أو رمى إلى غير صيد فأصاب صيدا لا يحل لأنه لا يكون اصطيادا فلا يضاف إلى المرسل أو الرامي ا هـ‏.‏ وسيأتي تمام التفريع عليه في قول المصنف سمع حس إنسان إلخ، وعليه فالظرف تنازعه كل من التسمية والإرسال فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله متوحش‏)‏ أي طبعا كما قدمناه أول الكتاب‏.‏ وفي البزازية‏:‏ رمى إلى برج الحمام فأصاب حماما ومات قبل أن يدرك ذكاته لا يحل، وللمشايخ فيه كلام أنه هل يحل بذكاة الاضطرار أم لا‏:‏ قيل يباح لأنه صيد، وقيل لا لأنه يأوي إلى البرج في الليل ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فالذي إلخ‏)‏ محترز القيود ‏(‏قوله لا يتحقق فيه الحكم المذكور‏)‏ أي الحل بالاصطياد، فإن الأول والثالث ذكاتهما الذبح، وكذا الثاني إن أمكن ذبحه، وإلا ففي البدائع‏:‏ ما وقع في بئر فلم يقدر على إخراجه ولا ذبحه فذكاة الصيد لكونه في معناه ا هـ‏.‏ وكذا تقدم في الذبائح أنه يكفي فيه الجرح كنعم توحش‏.‏ إلا أن يقال إن الكلام الآن في الصيد بذي ناب أو مخلب وذا لا يمكن هنا وإن أمكن ذكاته بسهم ونحوه تأمل ‏(‏قوله ولذا قال إلخ‏)‏ يعني أن ما ذكر لا يحل بالاصطياد بل لا بد فيه من الذبح، لأن المراد بالصيد ما يؤكل أو أعم للانتفاع بجلده، ولا يحل شيء مما ذكر بالاصطياد لا للأكل ولا للانتفاع بجلده، لأن حل اللحم أو الجلد بالاصطياد إنما هو إذا لم تمكن الذكاة الاختيارية وما ذكر أمكنت فيه لخروجه عن الامتناع أو التوحش فافهم

‏(‏قوله وبشرط أن لا يشرك إلخ‏)‏ أي لا يشركه في الجرح‏.‏ وحاصل ما في الهداية والزيلعي وغيرهما أنه إما أن يشارك المعلم غير المعلم في الأخذ والجرح فلا يحل، أو في الأخذ فقط بأن فر من الأول فرده عليه الثاني ولم يجرحه ومات بجرح الأول كره أكله تحريما في الصحيح، وقيل تنزيها، بخلاف ما إذا رده عليه مجوسي بنفسه حيث لا يكره لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلم تتحقق المشاركة، بخلاف فعل الكلبين ولو لم يرده الثاني على الأول، لكن اشتد على الأول فاشتد الأول على الصيد بسببه فقتله الأول فلا بأس به؛ ولو رده عليه سبع أو ذو مخلب من الطير مما يمكن تعليمه والاصطياد به فهو كما لو رده الكلب عليه للمجانسة، بخلاف ما لو رده عليه ما لا يصطاد به كالجمل والبقر ثم البازي كالكلب في جميع ما ذكرنا ‏(‏قوله أو لم يرسل إلخ‏)‏ العطف على غير معلم، فكان ينبغي ذكره قبل قوله وكلب مجوسي تأمل‏.‏ ‏(‏قوله وبشرط أن لا تطول وقفته‏)‏ أي وقفة المعلم للاستراحة، ولو أكل خبزا بعد الإرسال أو بال لم يؤكل كما في المحيط، فالأولى أن يقول أن لا يشتغل بعمل آخر بعد الإرسال كما في النظم وغيره، لأن عدم الطول أمر غير مضبوط قهستاني، ولو عدل عن الصيد يمنة أو يسرة أو تشاغل في غير طلب الصيد وفتر عن سننه ثم اتبعه فأخذه لم يؤكل إلا بإرسال مستأنف أو أن يزجره صاحبه ويسمي فيما يحتمل الزجر فينزجر بدائع، وإذا رد السهم ريح إلى ورائه أو يمنة أو يسرة فأصاب صيدا لا يحل، وكذا لو رده حائط أو شجرة، وتمامه في الخانية ‏(‏قوله بخلاف ما إذا كمن‏)‏ على وزن نصر وسمع كما في القاموس، وقوله واستخفى عطف تفسير وهذا كالاستثناء مما قبله‏.‏ ‏(‏قوله كما بسطه المصنف‏)‏ ونصه‏:‏ قال شمس الأئمة السرخسي ناقلا عن شيخه شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى‏:‏ للفهد خصال ينبغي لكل عاقل أن يأخذ ذلك منه‏:‏ منها أنه يكمن للصيد حتى يتمكن منه وهذه حيلة منه للصيد فينبغي للعاقل أن لا يجاهر عدوه بالخلاف ولكن يطلب الفرصة حتى يحصل مقصوده من غير إتعاب نفسه‏.‏ ومنها أنه لا يتعلم بالضرب ولكن يضرب الكلب بين يديه إذا أكل من الصيد فيتعلم بذلك، وهكذا ينبغي للعاقل أن يتعظ بغيره كما قيل‏:‏ السعيد من وعظ بغيره‏.‏ ومنها أنه لا يتناول الخبيث وإنما يطلب من صاحبه اللحم الطيب، وهكذا ينبغي للعاقل أن لا يتناول إلا الطيب‏.‏ ومنها أنه يثب ثلاثا أو خمسا فإذا لم يتمكن من أخذه ترك ويقول لا أقتل نفسي فيما أعمل لغيري، وهكذا ينبغي لكل عاقل ‏(‏قوله فإن أكل إلخ‏)‏ تفريع على قوله بشرط علمهما إلخ

‏(‏قوله مطلقا عندنا‏)‏ أي سواء كان نادرا أو معتادا وللشافعي قولان فيما إذا كان نادرا؛ ففي قول يحرم، وفي قول يحل وبه قال مالك وتمامه في المنح ‏(‏قوله بعد تركه للأكل‏)‏ اللام للتقوية وهي الداخلة على معمول عامل ضعف بالتأخير أو فرعيته عن غيره نحو‏:‏ ‏{‏لربهم يرهبون‏}‏ ‏{‏فعال لما يريد‏}‏ ‏(‏قوله ثلاث مرات‏)‏ أي عندهما وبرأي الصائد عنده ط ‏(‏قوله ما صاد بعده‏)‏ أي بعد الأكل المذكور الذي هو بعد تركه له ثلاث مرات وكذا الضمير في قبله ‏(‏قوله لو بقي في ملكه‏)‏ قيد لقوله أو قبله، وشمل ما لم يحرز بأن كان في المفازة بعد والحرمة فيه بالاتفاق أو أحرزه في بيته عند أبي حنيفة، وعندهما لا يحرم، وتمامه في الزيلعي‏.‏ والحاصل أن الإمام حكم بجهل الكلب مستندا وهما بالاقتصار على ما أكل، والأول أقرب إلى الاحتياط عناية وهو الصحيح قهستاني عن الزاد ‏(‏قوله فإن ما أتلفه‏)‏ أي بالأكل ونحوه، وهذا مفهوم قوله لو بقي في ملكه‏.‏ وفي التتارخانية‏:‏ وأما ما باعه فلا شك أن على قولهما لا ينقض البيع، فأما على قوله فينبغي أن ينقض إذا تصادق مع المشتري على جهل الكلب ‏(‏قوله وفيه إشكال ذكره القهستاني‏)‏ حيث قال‏:‏ وهاهنا إشكال فإن الحكم بالشيء لا يقتضي الوجود، ألا ترى أنا نحكم بحرية الأمة الميتة عند دعوى الولد حريتها ا هـ‏.‏ وصورتها فيما ظهر لي أن امرأة ولدت بنكاح فادعى رجل بعد موتها أنها أمته زوجها من أبي الولد فأثبت الولد حريتها تثبت ويندفع عنه الرق تأمل‏.‏ وعليه فلا يظهر ما أجاب به بعض الفضلاء من أن الحكم عليها بالحرية إنما سرى إليها بواسطة الولد لأنه الأصل في دعوى النسب فيعتق فتتبعه أم الولد، وكم من شيء يثبت ضمنا لا قصدا ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ نعم يظهر ذلك فيما لو ادعى المولى أنه ابنه من أمته الميتة تأمل‏.‏ وقد يجاب عن الإشكال بأنه لا ثمرة يترتب على ثبوت الحرمة، وما قيل الثمرة بطلان البيع لو باعه والرجوع بالثمن لأنه ميتة أو لزوم التوبة، ففيه أن الكلام في الفائت بنحو الأكل، ومسألة البيع خلافية كما مر، وهذه وفاقية ولم يكن الأكل معصية قبل العلم بذلك حتى تلزم التوبة تأمل ‏(‏قوله كصقر فر من صاحبه‏)‏ بأن صار لا يجيب إذا دعاه كما يفيده التعليل ‏(‏قوله فيكون كالكلب إذا أكل‏)‏ فلا يحل صيده حتى يتعلم ثانيا بأن يجيب صاحبه ثلاث مرات على الولاء كما قدمناه عن التتارخانية

‏(‏قوله أكل ما بقي‏)‏ لأنه بعد الإحراز لم يبق صيدا، بخلاف ما قبله لبقاء جهة الصيدية فيه أفاده الزيلعي ‏(‏قوله لأنه من غاية علمه‏)‏ حيث شرب ما لا يصلح لصاحبه وأمسك عليه ما يصلح له زيلعي

‏(‏قوله ولو نهش‏)‏ بالشين المعجمة أو السين المهملة بمعنى واحد‏:‏ وهو أخذ اللحم بمقدم الأسنان

‏(‏قوله وإذا أدرك المرسل‏)‏ أي مرسل الكلب أو البازي، وقوله أو الرامي‏:‏ أي رامي سهم ونحوه، وكان ينبغي إسقاط هذا كله لأنه سيذكره مبسوطا ‏(‏قوله وشرط إلخ‏)‏ شروع في أحكام الآلة الثانية من آلتي الاصطياد، لأنها إما حيوانية أو جمادية ‏(‏قوله التسمية‏)‏ أي عند الرمي كما قدمناه ‏(‏قوله ولو حكما‏)‏ كالناسي ‏(‏قوله وشرط الجرح‏)‏ فلو دقه السهم لم يؤكل لفقد الذكاة، وفي خروج الدم الخلاف السابق أفاده القهستاني ط ‏(‏قوله ليتحقق معنى الذكاة‏)‏ أي التطهير بإخراج الدم الذي أقيم الجرح مقامه ط ‏(‏قوله وشرط أن لا يقعد‏)‏ أي المرسل أو الرامي الصيد أو من يقوم مقامه بدائع‏:‏ أي كخادمه أو رفيقه ‏(‏قوله متحاملا‏)‏ التحامل في المشي‏:‏ أن يتكلفه على مشقة وإعياء، ومنه تحامل الصيد‏:‏ أي تكلف الطيران مغرب‏.‏ وفائدة ذكره أنه لو غاب وتوارى بدونه فوجده ميتا لا يحل ما لم يعلم جرحه يقينا معراج ‏(‏قوله يحل‏)‏ أي إلا إذا وجد به جراحة سوى جراحة سهمه فلا يحل هداية، وتمامه في الزيلعي ‏(‏قوله لاحتمال موته بسبب آخر‏)‏ هذا الاحتمال موجود أيضا فيما إذا لم يقعد عن طلبه لكنه سقط للضرورة كما في الهداية، ومفاده كظاهر المتن أنه لا يشترط أن لا يتوارى عن بصره ‏(‏قوله وفيه كلام مبسوط في الزيلعي‏)‏ حيث ذكر أولا عبارة الخانية، وذكر أنها نص على اشتراطه وأن صاحب الهداية أشار إلى ذلك أيضا مع أنه مناقض لأول كلامه، حيث بنى الأمر على الطلب وعدمه لا على التواري وعدمه وعليه أكثر كتب أصحابنا لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي ثعلبة‏:‏ «إذا رميت سهمك فغاب ثلاثة أيام وأدركته فكله ما لم ينتن» رواه مسلم وأحمد وأبو داود وروي ‏"‏ أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي وقال‏:‏ لعل هوام الأرض قتلته» فيحمل هذا الحديث على ما إذا قعد عن طلبه والأول على ما إذا لم يقعد ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وأقول‏:‏ نص عبارة الخانية هكذا‏:‏ والسابع أن لا يتوارى عن بصره أو لا يقعد عن طلبه فيكون في طلبه ولا يشتغل بعمل آخر حتى يجده لأنه إذا غاب عن بصره ربما يكون موت الصيد بسبب آخر فلا يحل إلخ‏.‏ فأنت ترى كيف جعل الشرط أحد الأمرين‏:‏ إما عدم التواري، أو عدم القعود لتعبيره بأو، فلعل نسخة الزيلعي بالواو فقال ما قال‏.‏ وأما التعليل بقوله لأنه إذا غاب إلخ أي مع القعود عن طلبه بدليل قوله في الخانية بعده‏:‏ وإذا توارى الكلب والصيد عن المرسل أو رمى إلى صيد فوجده بعد ذلك ميتا وفيه سهمه ليس فيه جرح آخر حل أكله إذا لم يترك الطلب، لأنه لا يستطاع الامتناع عن التواري على البصر فيكون عفوا ا هـ‏.‏ ونحوه في الهداية فيتعين حمل ما أوهم خلافه عليه‏.‏ وفي البدائع‏:‏ ومنها أن يلحقه قبل التواري عن بصره أو قبل انقطاع الطلب، فإن توارى عنه وقعد عن طلبه لم يؤكل، أما إذا لم يتوار عنه أو توارى ولم يقعد عن طلبه أكل استحسانا ا هـ‏.‏ وهذا يعين أن نسخة الخانية بأو لا بالواو، فاغتنم هذا التحرير‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

فيما ذكر إشعار بأن مدة الطلب غير مقدرة، وقد قال أبو حنيفة إنها مقدرة بنصف يوم أو ليلة، فإن طلبه أكثر منه لم يأكل‏.‏ وفي الزيادات إن طلبه أقل من يوم أكل كما في المضمرات قهستاني،

‏[‏فروع‏]‏

في شرح المقدسي‏:‏ رمى طيرا فوقع في الماء وكان لو دخله بخفه أدركه فاشتغل بنزعه فوجده ميتا حرمه بديع الدين‏.‏ وقال غيره‏:‏ يحل لأن دخوله مع الخف إضاعة مال وخلاف العادة فصار كنزع الثياب‏.‏ قال السائحاني‏:‏ هذا إذا كان فيه حياة غير المذبوح وإلا فلا تعتبر، ولو نصب شبكة أحبولة وسمى ووقع بها صيد ومات مجروحا لا يحل، ولو كان بها آلة جارحة كمنجل وسمى عليه وجرحه حل عندنا، كما لو رماه بها‏.‏ وفي البزازية‏:‏ وضع منجلا في الصحراء لصيد حمار الوحش فجاءه فإذا هو متعلق به وهو ميت وكان سمى عند الوضع لا يحل‏.‏ قال المقدسي‏:‏ وهذا محمول على ما إذا قعد عن طلبه ا هـ‏.‏ وفيه كلام قدمناه في الذبائح ‏(‏قوله والحياة المعتبرة هنا‏)‏ أي في الصيد احترازا عما يأتي من المتردية ونحوها ‏(‏قوله فوق ذكاة المذبوح‏)‏ صوابه حياة المذبوح كما عبر في الملتقى ‏(‏قوله بأن يعيش يوما إلخ‏)‏ أقول‏.‏ ذكر صاحب المجمع ذلك في المنخنقة ونحوها‏.‏ وعبارته مع شرحه‏:‏ ولو ذكى المنخنقة أو الموقوذة وبها حياة حلت في ظاهر الرواية، وكونها بحيث تبقى يوما شرط في رواية عن أبي حنيفة، ويعتبر أبو يوسف أكثر اليوم وقال محمد‏:‏ لو فيها أكثر مما في المذبوح تؤكل وإلا فلا ا هـ‏.‏ قال في البدائع‏:‏ وذكر الطحاوي قول محمد مفسرا فقال‏:‏ على قول محمد إن لم يبق معها إلا اضطراب الموت فذبحها لا تحل وإن كانت تعيش مدة كاليوم أو كنصفه حلت ا هـ‏.‏ وبه يظهر تفسير حياة المذبوح وما فوقها‏.‏ أما ما في المجمع فليس تفسيرا لها تأمل‏.‏ على أن ما نقله عن أبي يوسف هو رواية عنه كما في البدائع‏.‏ وذكر أن ظاهر الرواية عن أبي يوسف أنه يعتبر من الحياة ما يعلم أنها تعيش به، فإن علم أنها لا تعيش فذبحها لا تؤكل ‏(‏قوله أما مقدارها‏)‏ أي مقدار حياة المذبوح ‏(‏قوله فلا يعتبر هاهنا‏)‏ أي في الصيد‏.‏ قال في الهداية‏:‏ أما إذا شق الكلب بطنه وأخرج ما فيه ثم وقع في يد صاحبه حل، لأن ما بقي اضطراب المذبوح فلا يعتبر، كما إذا وقعت شاة في الماء بعدما ذبحت ا هـ‏.‏ وفي الخانية‏:‏ أرسل كلبه المعلم على صيد فجرحه وبقي فيه من الحياة ما يبقى في المذبوح بعد الذبح فأخذه المالك ولم يذكه حل أكله ا هـ‏.‏ زاد في الظهيرية‏:‏ يحل بالاتفاق لأن الأول وقع ذكاة فيستغني عن ذكاة أخرى ا هـ‏.‏ وحاصله أن ما فيه حياة المذبوح لم يبق قابلا للذكاة استغناء بالذكاة الاضطرارية، حتى لو وقع في الماء فمات لم يحرم لأن موته لم يضف إلى وقوعه لأنه في حكم الميت قبله فلم تعتبر هذه الحياة، بخلاف المتردية ونحوها فإنها تعتبر فيها الحياة وإن قلت فتحل بالذكاة‏.‏ فظهر أن بين الصيد وغيره فرقا‏.‏ وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون متمكنا من ذكاة الصيد في هذه الصورة أو لا‏.‏ ويخالفه ما في العناية من أنه إن تمكن من ذبحه فلم يذبحه حتى مات لم يؤكل سواء كانت الحياة فيه بينة أو خفية؛ وإن لم يتمكن، فإن كانت فوق حياة المذبوح فكذلك في ظاهر الرواية وإن مقدارها أكل‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ ومقتضاه أن يحمل ما قدمنا عن الخانية على ما إذا لم يتمكن‏.‏ ويخالف جميع ذلك ما في الزيلعي حيث قال ما حاصله‏:‏ إذا أدركه حيا ولم يذكه حرم إن تمكن من ذبحه وإلا فلو فيه من الحياة قدر ما في المذبوح، بأن بقر أي الكلب بطنه ونحو ذلك ولم يبق إلا مضطربا اضطراب المذبوح فحلال‏.‏ قال الصدر الشهيد بالإجماع، وقيل هذا قولهما‏.‏ وعنده لا يحل إلا إذا ذكاه لأن الحياة الخفية معتبرة عنده لا عندهما كما في المتردية ونحوها، وإن كان فيه من الحياة فوق ما في المذبوح لا يؤكل في ظاهر الرواية ا هـ‏.‏ ثم قال‏:‏ فلا يحل إلا بالذكاة سواء كانت خفية أو بينة بجرح المعلم أو غيره من السباع، وعليه الفتوى ‏{‏إلا ما ذكيتم‏}‏ فيتناول كل حي مطلقا، وكذا قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «فإن أدركته حيا فاذبحه» مطلق والحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأحمد ا هـ‏.‏ وهو ترجيح لمقابل قول الصدر الشهيد‏.‏ وهو قول الإمام الرازي كما في غاية البيان، ولم أر من رجحه غيره، وهو مخالف لظاهر الهداية وغيرها‏.‏ وعليه فلا فرق بين الحياة المعتبرة في الصيد وغيره‏.‏ والحاصل أنه لو أخذ الصيد وفيه من الحياة كما في المذبوح ولم يذكه، فعلى ما في الخانية والظهيرية يحل، وعلى ما في العناية يحل إن لم يتمكن من ذبحه، وعلى ما في الزيلعي لا يحل أصلا إلا بالذكاة كما إذا لم يتمكن أو كان فيه من الحياة فوق ما في المذبوح أخذا من إطلاق الأدلة‏.‏ وحكى في البدائع الأول عن عامة المشايخ، والثالث عن الجصاص، وظاهر كلامه ترجيح الأول، وهو ظاهر ما في الهداية فتأمل‏.‏ ثم اعلم أن هذا كله فما إذا أدركه وأخذه، فلو أدركه ولم يأخذه، فإن كان وقت لو أخذه أمكنه ذبحه لم يؤكل وإن كان لا يمكنه أكل كذا في الهداية

‏(‏قوله في المتردية‏)‏ أي الواقعة في بئر أو من جبل والنطيحة‏:‏ المقتولة بنطح أخرى‏.‏ والموقوذة‏:‏ المقتولة ضربا ‏(‏قوله كما أشرنا إليه‏)‏ أي من تقييده ما مر بقوله هنا ‏(‏قوله وعليه الفتوى‏)‏ أي فتحل بالذكاة وكذا الفتوى على اعتبار مطلق الحياة في الصيد على ما مر عن الزيلعي ‏(‏قوله فإن تركها أي الذكاة‏)‏ أي ذكاة الصيد، وقوله حرم جواب الشرط مع أنه سيأتي في المتن لكنه لبعده قدره الشارح هنا ‏(‏قوله ولو عجز عن التذكية‏)‏ بأن لم يجد آلة أصلا أو يجد لكن لا يبقى من الوقت ما يمكن تحصيل الآلة والاستعداد للذابح، وهذا إذا كان فيه من الحياة أكثر مما في المذبوح بعد الذبح‏.‏ وأما إذا كان مثله فهو ميت حكما فيحل إجماعا كما في الهداية وغيرها قهستاني، والتفصيل مخالف لما قدمناه عن الزيلعي ‏(‏قوله وهو قول الشافعي‏)‏ كذا في الهداية‏.‏ والذي في التبيين أن الشافعي فصل، فقال‏:‏ إن لم يتمكن من الذبح لفقد الآلة لم يؤكل لأن التقصير من جهته، وإن كان لضيق الوقت أكل لعدم التقصير ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية‏:‏ وإن كان عدم التمكن بضيق الوقت، بأن بقي فيه من الحياة مقدار ما لا يتأتى فيه الذبح ذكر شمس الأئمة السرخسي في شرحه أنه لا يحل عندنا‏.‏ وقال الحسن بن زياد ومحمد بن مقاتل‏:‏ يحل، وهو قول الشافعي وبه أخذ الصدر الشهيد‏.‏ وفي الغياثية‏:‏ وهو المختار وفي الينابيع‏:‏ وروي عن أصحابنا الثلاثة أنه يؤكل استحسانا، وقيل بأن هذا أصح ا هـ‏.‏ فإن قيل‏:‏ وضع المسألة فيما حياته فوق المذبوح فكيف يتصور ضيق الوقت عن الذبح‏؟‏ أجيب بأن المقدار الذي يكون في المذبوح كالعدم لكون الصيد في حكم الميت، والزائد على ذلك قد لا يسع للذبح فيه فكان عدم التمكن متصورا عناية ‏(‏قوله إشارة إلى حله‏)‏ حيث قيد بالعمد ‏(‏قوله أن العجز إلخ‏)‏ عبارة المنح لأن العجز في مثل هذا لا يحل الحرام ا هـ‏.‏ واحترز عن العجز عن تحصيل الماء والأكل فإنه يبيح له تناول الخمر والميتة، وهذا لا يفهم من عبارة الشارح بسبب قوله عن التذكية أفاده ط‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

رمى صيدا فوقع عند مجوسي أو نائم لو كان مستيقظا يقدر على ذكاته فمات لا يحل؛ لأن المجوسي قادر على ذبحه بتقديم الإسلام والنائم كالمستيقظ في جملة مسائل عند الإمام منها هذه خانية ملخصا‏.‏

‏(‏قوله وأرسل إلخ‏)‏ هذا وما بعده معطوف على قوله تركها والأصل أن الفعل يرفع بالأقوى والمساوي دون الأدنى؛ فإذا أرسل المسلم كلبه فزجره المجوسي حل لعدم اعتبار الزجر عند الإرسال لكون الزجر دونه لبنائه عليه وبالعكس حرم، وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي، وإن انفلت ولم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر حل لأنه مثل الانفلات، والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه وبالانزجار إظهار زيادة الطلب وتمامه في الهداية‏.‏ قال القهستاني‏:‏ وهذا إذا زجره المجوسي في ذهابه، فلو وقف ثم زجره لم يؤكل كما في الذخيرة ‏(‏قوله وهو سهم إلخ‏)‏ في القاموس‏:‏ معراض كمحراب سهم بلا ريش، دقيق الطرفين، غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده ‏(‏قوله ولو لرأسه حدة‏)‏ محترز قول المصنف بعرضه ‏(‏قوله فأصاب بحده‏)‏ أي وجرح ‏(‏قوله أو بندقة‏)‏ بضم الباء والدال‏:‏ طينة مدورة يرمى بها ‏(‏قوله ولو كانت خفيفة‏)‏ يشير إلى أن الثقيلة لا تحل وإن جرحت‏.‏ قال قاضي خان‏:‏ لا يحل صيد البندقة والحجر والمعراض والعصا وما أشبه ذلك وإن جرح؛ لأنه لا يخرق إلا أن يكون شيء من ذلك قد حدده وطوله كالسهم وأمكن أن يرمي به؛ فإن كان كذلك وخرقه بحده حل أكله، فأما الجرح الذي يدق في الباطن ولا يخرق في الظاهر لا يحل لأنه لا يحصل به إنهار الدم؛ ومثقل الحديد وغير الحديد سواء، إن خزق حل وإلا فلا ا هـ‏.‏ والخزق بالخاء والزاي المعجمتين‏:‏ النفاذ‏.‏ قال في المغرب‏:‏ والسين لغة والراء خطأ‏:‏ وفي المعراج عن المبسوط‏:‏ بالزاي يستعمل في الحيوان؛ وبالراء في الثوب‏.‏ وفي التبيين‏:‏ والأصل أن الموت إذا حصل بالجرح بيقين حل؛ وإن بالثقل أوشك فيه فلا يحل حتما أو احتياطا ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن الجرح بالرصاص إنما هو بالإحراق والثقل بواسطة اندفاعه العنيف إذا ليس له حد فلا يحل‏.‏ وبه أفتى ابن نجيم ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي ثقيلة أو خفيفة ‏(‏قوله وشرط في الجرح الإدماء‏)‏ قال الزيلعي‏:‏ وإن كان غير مدم اختلفوا فيه قيل لا يحل لانعدام معنى الذكاة؛ وهو إخراج الدم النجس؛ وشرطه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ «أنهر الدم بما شئت» رواه أحمد وأبو داود وغيرهما‏.‏ وقيل يحل لإتيان ما في وسعه وهو الجرح لأن الدم قد ينجس لغلظه أو لضيق المنفذ‏.‏ وقيل لو الجراحة كبيرة حل بدونه ولو صغيرة فلا‏.‏ وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه؛ فإن أدماه حل وإلا فلا وهذا يؤيد الأول ا هـ‏.‏ ملخصا ومثله في الهداية‏.‏ قال في المنتقى قلت‏:‏ وفيه كلام؛ لما في البرجندي عن الخلاصة أن هذا في غير موضع اللحم وظاهر ما مر عن القهستاني عن المحيط أن المعتمد أن الإدماء ليس بشرط فليتأمل ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ ظاهر الهداية والزيلعي والملتقط اعتماد اشتراطه مع أن الحديث يؤيده، وقد يرجح عدم الاشتراط بما في متن المواهب، وقدمه المصنف في الذبائح من أنه تحل ذبيحة علمت حياتها وإن لم تتحرك ولم يخرج منها دم وإن لم تعلم فلا بد من أحدهما تأمل ‏(‏قوله وتمامه إلخ‏)‏ هو ما قدمناه ‏(‏قوله أو رمى صيدا إلخ‏)‏ هذا فيما إذا كان فيه حياة مستقرة يحرم بالاتفاق لأن موته مضاف إلى غير الرمي، وإن كانت حياته دون ذلك فهو على الاختلاف الذي مر ذكره في إرسال الكلب ا هـ‏.‏ زيلعي ونحوه في ط عن الهندية ‏(‏قوله فوقع فيه‏)‏ الظاهر أنه قيد اتفاقي، فمثله إذا رماه فيه حرم لاحتمال موته بالماء ط عن الهندية ‏(‏قوله وإلا حل‏)‏ لأنه لم يحتمل موته بسبب الماء ‏(‏قوله ملتقى‏)‏ ومثله في الهداية‏.‏ وذكر في الخانية إن وقع في ماء فمات لا يؤكل لعل أن وقوعه في الماء قتله، ويستوي في ذلك طير الماء لأن طير الماء إنما يعيش في الماء غير مجروح ا هـ‏.‏ ونقله في الذخيرة عن السرخسي‏.‏ ثم قال فليتأمل عند الفتوى وتمامه في الشرنبلالية ‏(‏قوله فتردى منه‏)‏ قيد به لأنه لو استقر عليه ولم يترد يحل بلا خلاف‏.‏ وهذا أيضا إذا تردى ولم يقع الجرح مهلكا في الحال، إذ لو بقي فيه من الحياة بقدر ما في المذبوح ثم تردى يحل أيضا معراج ‏(‏قوله فإن وقع على الأرض ابتداء‏)‏ أي ولم يكن على الأرض ما يقتله كحد الرمح والقصبة المنصوبة عناية، وتمامه في الشرنبلالية ‏(‏قوله إذ الاحتراز‏)‏ علة مقدمة على المعلول، وهو قوله الآتي أكل وهو كثير في كلامهم‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏مما خطيئاتهم أغرقوا‏}‏ وكذا يقال فيما بعده فافهم

‏(‏قوله فزجره مجوسي‏)‏ أي في ذهابه، فلو وقف ثم زجره فانزجر لم يؤكل كما قدمناه ‏(‏قوله كنسخ الحديث‏)‏ فلا ينسخ الصحيح إلا بصحيح أو أصح لا بضعيف ط ‏(‏قوله أو أخذ غير ما أرسل إليه‏)‏ سواء أخذ ما أرسل إليه أيضا أو لا بشرط فور الإرسال كما مر قال في البدائع‏:‏ فلو أرسل الكلب أو البازي على صيد وسمى فأخذ صيدا ثم آخر على فوره ذلك ثم وثم أكل الكل لأن التعيين ليس بشرط في الصيد لأنه لا يمكن فصار كوقوع السهم بصيدين ا هـ‏.‏ ملخصا، ولو أرسله على صيد فأخطأ ثم عرض له آخر فقتله حل، ولو عرض له بعدما رجع لا يحل لبطلان الإرسال بالرجوع كما في الخانية وغيرها‏.‏ وقال القهستاني‏:‏ وفيه إشعار بأنه لو أصاب غير ما رماه حل كما في قاضي خان، وكذا لو رمى صيدا فأصابه ونفذ ثم أصاب آخر ثم وثم حل الكل كما في النظم ا هـ‏.‏ فالإرسال بمنزلة الرمي كما في الهداية والزيلعي، ونحوه في الملتقى ‏(‏قوله لأن غرضه إلخ‏)‏ أي غرض المرسل حصول أي صيد تمكن منه الكلب أو الفهد، وهذا معنى قول الهداية‏:‏ ولنا أنه‏:‏ أي التعيين شرط غير مفيد لأن مقصوده حصول الصيد، إذ لا يقدر أي الكلب على الوفاء به‏:‏ أي يأخذ العين إذ لا يمكنه تعليمه على وجه يأخذ ما عينه فسقط اعتباره ‏(‏قوله بتسمية واحدة‏)‏ أي حالة الإرسال ‏(‏قوله لما ذكرنا‏)‏ أي من العلل الأربعة في الوجوه الأربعة ‏(‏قوله لا العضو‏)‏ أي إن أمكن حياته بعد الإبانة وإلا أكلا عناية، وهذا يتصور في سائر الأعضاء غير الرأس نهاية ‏(‏قوله خلافا للشافعي‏)‏ حيث قال‏:‏ أكلا إن مات الصيد منه هداية ‏(‏قوله ما أبين من الحي‏)‏ هذا وإن تناول السمك إلا أن ميتته حلال بالحديث هداية ‏(‏قوله وإلا‏)‏ بأن بقي متعلقا بجلده هداية ‏(‏قوله أو قطع نصف رأسه‏)‏ أي طولا أو عرضا بدائع ‏(‏قوله أو قده نصفين‏)‏ القد‏:‏ القطع المستأصل أو المستطيل قاموس، والضمير للصيد كما في البدائع‏.‏ وذكر في الشرنبلالية أنه لم يبين كيفية القد في كثير من الكتب، ثم نقل عن الخانية والمبسوط إن قطعه نصفين طولا أكل‏.‏ أقول‏:‏ الظاهر أن الطول غير قيد هنا، يدل عليه تعليل البدائع بقوله يؤكل لأنه وجد قطع الأوداج لكونها متصلة من القلب بالدماغ فأشبه الذبح، وكذا لو قطع أقل من النصف مما يلي الرأس ا هـ‏.‏ تأمل ‏(‏قوله فلم يتناوله الحديث المذكور‏)‏ لأنه ذكر فيه الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما وهذا حي صورة لا حكما إذ لا يتوهم بقاء الحياة بعد هذا الجرح، ولهذا لو وقع في الماء وبه هذا القدر من الحياة أو تردى من جبل أو سطح لا يحرم، وتمامه في الهداية‏.‏ أقول‏:‏ وبهذا سقط اعتراض ابن المصنف على قوله في البزازية‏:‏ إن كان الصيد يعيش بدون المبان فالمبان لا يؤكل وإن كان لا يعيش بدونه كالرأس يؤكلان ا هـ‏.‏ حيث قال إن الحديث عام فمن أين للبزازي ما قاله‏؟‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ هو مأخوذ من الهداية وصرح به شراحها وغيرهم ‏(‏قوله بخلاف ما لو كان أكثره مع رأسه‏)‏ بأن قطع يدا أو رجلا أو فخذا أو ألية أو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس، فيحرم المبان ويحل المبان منه هداية

‏(‏قوله ومرتد‏)‏ ولو غلاما مراهقا عندهما خلافا لمحمد، بناء على صحة ردته عندهما بدائع ‏(‏قوله لأن ذكاة الاضطرار إلخ‏)‏ أي وهو من أهل ذكاة الاختيار، فكذا ذكاة الاضطرار

‏(‏قوله فلم يثخنه‏)‏ قال في المغرب‏:‏ أثخنته الجراحات أوهنته وأضعفته‏.‏ وفي التنزيل ‏{‏حتى يثخن في الأرض‏}‏ أي يكثر فيها القتل ‏(‏قوله فهو للثاني‏)‏ لأنه هو الآخذ له ‏(‏قوله وحل‏)‏ لأنه لما لم يخرج بالأول عن حيز الامتناع كان ذكاته ذكاة الاضطرار وهو الجرح‏:‏ أي موضع كان وقد وجد زيلعي ‏(‏قوله وفيه من الحياة ما يعيش‏)‏ أي ينجو منه‏.‏ أما إذا كان بحال لا يسلم منه، بأن لا يبقى فيه من الحياة إلا بقدر ما يبقى في المذبوح، كما إذا أبان رأسه يحل لأن وجوده كعدمه، وإن كان بحال لا يعيش منه إلا أن فيه أكثر مما في المذبوح بأن كان يعيش يوما أو دونه، فعند أبي يوسف لا يحرم بالرمية الثانية إذ لا عبرة بهذه الحياة عنده، وعند محمد يحرم لأنها معتبرة عنده زيلعي ملخصا ‏(‏قوله لقدرته على ذكاة الاختيار‏)‏ أي بسبب خروجه عن حيز الامتناع فصار كالرمي إلى الشاة، أفاده في البدائع ‏(‏قوله وضمن الثاني للأول قيمته إلخ‏)‏ لأنه أتلف صيدا مملوكا للغير، لأنه ملكه بالإثخان فيلزمه قيمة ما أتلف وقيمته وقت إتلافه كان ناقصا بجراحة الأول فيلزمه ذلك‏.‏ بيانه أن الرامي الأول إذا رمى صيدا يساوي عشرة فنقصه درهمين ثم رماه الثاني درهمين ثم مات يضمن الثاني ثمانية ويسقط عنه من قيمته درهمان، لأن ذلك تلف بجراحة الأول زيلعي‏.‏ وفرض المصنف المسألة فيما إذا علم أن القتل حصل بالثاني، فإن علم أنه حصل من الجراحتين أو لا يدرى فظاهر الهداية أن الحكم في الضمان يختلف وحقق الزيلعي عدم الفرق فراجعه‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

بقي لو رمياه معا فأصابه أحدهما قبل الآخر فأثخنه ثم أصابه الآخر أو رماه أحدهما أولا ثم رماه الثاني قبل أن يصيبه الأول أو بعدما أصابه قبل أن يثخنه فأصابه الأول وأثخنه أو أثخنه ثم أصابه الثاني فقتله فهو للأول ويؤكل خلافا لزفر‏.‏ ولو رمياه معا وأصابا معا فمات منهما فهو بينهما، والكلب في هذا كالسهم حتى يملكه بإثخانه، ولا يعتبر إمساكه بدون الإثخان، حتى لو أرسل بازيه فأمسك الصيد بمخلبه ولم يثخنه فأرسل آخر بازيه فقتله فهو للثاني ويحل لأن يد البازي الأول ليست بيد حافظة لتقام مقام يد المالك، ولو رمى سهما فأثخنه ثم رماه ثانيا فقتله حرم، وتمامه في الزيلعي ولو أرسل كلبين على صيد فضربه أحدهما فوقذه ثم ضربه الآخر فقتله يؤكل بدائع

‏(‏قوله لنفع ما‏)‏ أي ولو قليلا، والهرة لو مؤذية لا تضرب ولا تفرك أذنها بل تذبح ‏(‏قوله والأولى إلخ‏)‏ لما فيه من تخفيف الألم عنه‏.‏ قال ط‏:‏ والتقييد بالكلب ليس له مفهوم ‏(‏قوله وبه يطهر‏)‏ أي بالاصطياد وكذا بالذبح، وهل يشترط في الطهارة كون ذلك من أهله مع التسمية، فيه خلاف قدمناه آخر الذبائح استظهر في الجوهرة الاشتراط وفي البحر عدمه ‏(‏قوله كخنزير‏)‏ تمثيل لجنس العين ‏(‏قوله فلا يطهر أصلا‏)‏ أي لا جلده ولا لحمه ولا شيء منه ‏(‏قوله وهذا أصح‏)‏ وكذا صححه العلامة قاسم معزوا للكافي والغاية والنهاية وغيرها، وقال‏:‏ إن الأول مختار صاحب الهداية

‏(‏قوله سمع حس إنسان‏)‏ أي صوته، وظاهره أنه حين الرمي يعلم أنه حس إنسان، والحكم فيه كما ذكره هنا كما في البدائع‏.‏ وفرض المسألة في الهداية فيما إذا سمع حسا ظنه حس صيد فرماه ثم تبين أنه حس إنسان أو صيد فلا مخالفة بينهما كما قد يتوهم ‏(‏قوله كفرس وشاة‏)‏ وطير مستأنس وخنزير أهلي، فالمراد كل ما لا يحل بالاصطياد ‏(‏قوله فأصاب صيدا لم يحل‏)‏ لأن الفعل ليس باصطياد، ولو أصاب المسموع حسه وقد ظنه آدميا فإذا هو صيد يحل لأنه لا معتبر بظنه مع تعيينه هداية‏.‏ وذكر في المنتقى بالنون أنه لا يحل أيضا لأنه رماه وهو لا يريد الصيد‏.‏ ثم قال‏:‏ ولا يحل الصيد إلا بوجهين‏:‏ أن يرميه وهو يريد الصيد، وأن يكون الذي أراده وسمع حسه ورمى إليه صيدا، سواء كان مما يؤكل أو لا‏.‏ قال الزيلعي‏:‏ وهذا يناقض ما في الهداية، وهذا أوجه ثم ذكر أن لأبي يوسف فيه قولين‏:‏ في قول يحل، وفي قول لا يحل‏.‏ وقال‏:‏ فيحمل ما في الهداية على رواية أبي يوسف ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ما في الهداية أقره شراحها ومشي عليه في الملتقى وكذا في البدائع، وقال‏:‏ نظيره ما إذا قال لامرأته وأشار إليها‏:‏ هذه الكلبة طالق أنها تطلق ويبطل الاسم ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية وغيرها‏:‏ وإن أرسل إلى ما يظن أنه شجرة أو إنسان فإذا هو صيد يؤكل هو المختار ا هـ‏.‏ فالمختار ما في الهداية ‏(‏قوله بخلاف ما إذا سمع حس أسد أو خنزير‏)‏ أي متوحش والمراد كل ما يحل اصطياده‏.‏ واستثنى في النهاية ما لو كان المسموع حسه جرادا أو سمكا فأصاب غيرهما لا يؤكل، لأن الذكاة لا تقع عليهما فلا يكون الفعل ذكاة‏.‏ واعترضه الزيلعي بما في الخانية‏:‏ لو رمى إلى جراد أو سمكة وترك التسمية فأصاب طائرا أو صيدا آخر فقتله يحل أكله‏.‏ وعن أبي يوسف روايتان، والصحيح أنه يؤكل ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لكن قول الخانية وترك التسمية ومثله في البزازية مشكل، وقد ذكر المسألة في التتارخانية وقال‏:‏ والمختار أنه يؤكل، ولم يذكر قوله وترك التسمية، ورأيت بعض العلماء قيده بقوله أي ناسيا وهو قيد لازم فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله فرمى إليه‏)‏ أي وأصاب صيدا آخر غير ما سمعه ‏(‏قوله أو أرسل كلبه‏)‏ أشار إلى أن الإرسال كالرمي، وقول الزيلعي‏:‏ والبازي والفهد في جميع ما ذكرنا كالكلب صوابه كالرمي ‏(‏قوله حل‏)‏ أي الصيد المصاب لوقوع الفعل اصطيادا فصار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره هداية ملخصا ‏(‏قوله لم يحل‏)‏ أي المصاب، كما لو رمى إلى بعير لا يدري أهو ناد أو لا فأصاب صيدا لا يحل المصاب لأن الأصل الاستئناس، بخلاف ما لو رمى إلى طائر لا يدري أهو وحشي أو لا فأصاب صيدا غيره حل لأن الظاهر فيه التوحش، فيحكم على كل بظاهر حاله كما في الهداية

‏(‏قوله لوجود الجرح‏)‏ فإنه يستدل بوجود الدم على وجود الجرح وإن كان لا يشترط الإدماء في غيرها على ما تقدم ط ‏(‏قوله والعبرة بحالة الرمي‏)‏ إلا في مسألة ذكرها محمد‏.‏ وهي‏:‏ حلال رمى صيدا وهما في الحل فدخل الصيد الحرم فأصابه السهم ومات فيه أو في الحل لا يؤكل، وفيما عداها فالعبرة بحالة الرمي تتارخانية أي في حق الأكل‏.‏ أما في حق الملك فالعبرة لوقت الإصابة كما في الذخيرة، فلو رمى إلى صيد ورمى بعده آخر فأصابه الثاني وأثخنه قبل الأول فهو للثاني ‏(‏قوله فحل الصيد بردته‏)‏ الظاهر أن الباء للمصاحبة نحو‏:‏ ‏{‏اهبط بسلام‏}‏ أي مع ردته بعد الرمي وقبل الإصابة أو بعدها، وهذا تفريع على الأصل المذكور فيحل لأنه حين الرمي كان مسلما، وكذا يحل لو رمى صيدا فانكسر الصيد بسبب آخر ثم أصابه السهم لأنه حين الرمي كان صيدا خانية ‏(‏قوله لا بإسلامه‏)‏ أي لو رماه مرتدا ‏(‏قوله ووجب الجزاء بحله‏)‏ أي بتحلله من إحرامه ‏(‏قوله لا بإحرامه‏)‏ أي إذا رماه حلالا‏.‏ وفي التتارخانية‏:‏ حلال رمى صيدا فأصابه في الحل ومات في الحرم أو رماه من الحرم وأصابه في الحل ومات فيه لا يحل، وعليه الجزاء في الثاني دون الأول

‏(‏قوله قلت إلخ‏)‏ هو من كلام المصنف في المنح ‏(‏قوله لوقوع الشك إلخ‏)‏ فيه أن الظاهر من حال البازي الذي طبعه الاصطياد أنه غير مرسل وغير مملوك لأحد، بخلاف الذابح في بلاد الإسلام فإن الظاهر أنه تحل ذبيحته وأنه سمى، واحتمال عدم ذلك موجود في اللحم الذي يباع في السوق، وهو احتمال غير معتبر في التحريم قطعا ‏(‏قوله لكن في الخلاصة‏)‏ استدراك على قوله لا يحل إلخ ‏(‏قوله إن لم يكن قريبا من الماء‏)‏ قيد به لأنه إذا كان كذلك احتمل أنه وقع في الماء فأخرجه صاحبه فذبحه على ظن حياته فلم يتحرك ولم يخرج منه دم فتركه صاحبه لعلمه بموته بالماء فلا يتأتى احتمال أنه تركه إباحة للناس، هذا ما ظهر لي تأمل ‏(‏قوله ووقع في القلب‏)‏ الظاهر أن المراد الظن الغالب لا مجرد الخطور فإنه لا يترتب عليه حكم ط ‏(‏قوله إباحة للناس‏)‏ قد شاهدنا في طريق الحج من يفعله لذلك ط ‏(‏قوله لأن الثابت بالدلالة‏)‏ أي دلالة حال صاحبه التي وقعت في القلب، فهو كصريح قوله أبحته لمن يأخذه وخصوصا الذبائح التي توجد في منى أيام الموسم‏.‏ ‏(‏قوله وفي الثاني يحتمل‏)‏ فيه أن احتمال الثاني كون الذابح هو المالك لا ينفي احتمال أنه مجوسي أو تارك التسمية عمدا، فالأولى أن يقال‏:‏ إن كان الموضع مما يسكنه أو يسلك فيه مجوسي لا يؤكل وإلا أكل، ولا يتعرض بشأن ترك التسمية عمدا فإن الظاهر من حال المسلم والكتابي التسمية لأنه يعتقدها دينا، وخلاف هذا موهوم لا يعارض الراجح‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ أقول‏:‏ ويؤيد اعتبار الوضع ما قالوا في اللقيط إذا ادعاه ذمي يثبت نسبه منه، ولكن هو مسلم إن لم يوجد في مكان أهل الذمة كقريتهم أو بيعة أو كنيسة ‏(‏قوله ورأيت إلخ‏)‏ تأييد للتفرقة وفيه نظر، لأن المعتمد خلافه بدليل قولهم بصحة التضحية بشاة الغصب واختلافهم في صحتها بشاة الوديعة، ولهذا قال السائحاني أقول‏:‏ هذا ينافي ما تقدم في الغصب وفي الأضحية فلا يعول عليه ‏(‏قوله لا تطعمه كلبا‏)‏ الإطعام حمله إليه‏.‏ وأما حمل الكلب إليه فكحمل الهرة لميتة جائز شرنبلالي ‏(‏قوله وتمليك عصفور‏)‏ بالنصب مفعول أجز مقدم‏:‏ أي تمليكه بقوله جعلته لمن أخذه، فإن لم يقل ذلك له أخذه ممن أخذه هو المختار، فإن اختلفا في الإباحة فالقول لصاحبه مع يمينه أنه لم يقل، وهل يشترط أن تكون الإباحة لقوم معلومين خلاف ‏(‏قوله وإعتاقه‏)‏ بالنصب مفعول ينكر، ومفهوم قوله بعض الأئمة ينكر أنه يجوزه أكثرهم ولم ينقل ذلك، بل الظاهر أن المذهب الحرمة‏.‏ ا هـ‏.‏ ش‏.‏ أقول‏:‏ الظاهر أن ذلك إذا لم يقل من أخذه فهو له وإلا فهو عين المسألة المتقدمة ‏(‏قوله جاز أخذه‏)‏ أي إن لم يبحه عند الإرسال كما مر ‏(‏قوله كقشر لرمان‏)‏ تشبيه من حيث حل الأخذ، وأما ملكه ومنع الأول منه ففيه خلاف، والمختار أنه يملكه‏.‏ وفي الصيد أنه لا يملكه إذا لم يبحه، وكذا في الدابة إذا سيبها كما بسطه الشرنبلالي في شرحه ‏(‏قوله وأي حلال‏)‏ يعني أن رجلا ليس محرما ولا في أرض الحرم ورأى صيدا لم يصده غيره ولا نفر‏:‏ أي هرب ممن هو مالكه ولا يحل اصطياده‏.‏ والجواب‏:‏ رجل دخل دار رجل فلما رآه غلق بابه بحيث يقدر على أخذه من غير اصطياد ملكه، حتى لو خرج لا يحل للرجل الحلال اصطياده أو المراد لا يحل لصاحب الدار الحلال اصطياده بآلة جارحة لقدرته على الذكاة الاختيارية، والله تعالى أعلم‏.‏