فصل: باب الإمامة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب الإمامة

هي مصدر قولك فلان أم الناس، صار لهم إماما يتبعون في صلاته فقط أو فيها وفي أوامره ونواهيه، والأول ذو الإمامة الصغرى، والثاني ذو الإمامة الكبرى، والباب هنا معقود للأولى‏.‏ ولما كانت الثانية من المباحث الفقهية حقيقة لأن القيام بها من فروض الكفاية وكانت الأولى تابعة لها ومبنية عليها تعرض لشيء من مباحثها هنا، وبسطت في علم الكلام وإن لم تكن منه بل من متمماته لظهور اعتقادات فاسدة فيها من أهل البدع كالطعن في الخلفاء الراشدين ونحو ذلك‏.‏

مطلب شروط الإمامة الكبرى

‏(‏قوله فالكبرى استحقاق تصرف عام على الأنام‏)‏ أي على الخلق، وهو متعلق بتصرف لا باستحقاق لأن المستحق عليهم طاعة الإمام لا تصرفه، ولا بعام إذ المتعارف أن يقال عام بكذا لا عليه‏.‏ وعرفها في المقاصد بأنها رياسة عامة في الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم لتخرج النبوة، لكن النبوة في الحقيقة غير داخلة لأنها بعثة بشرع كما يعلم من تعريف النبي، واستحقاق النبي التصرف العام إمامة مترتبة على النبوة، فهي داخلة في التعريف دون ما ترتبت عليه أعني النبوة، وخرج بقيد العموم مثل القضاء والإمارة‏.‏ ولما كانت الرياسة عند التحقيق ليست إلا استحقاق التصرف، إذ معنى نصب أهل الحل والعقد للإمام ليس إلا إثبات هذا الاستحقاق عبر بالاستحقاق، كذا أفاده العلامة الكمال ابن أبي شريف في شرحه على كتاب المسايرة لشيخه المحقق الكمال ابن الهمام ‏(‏قوله ونصبه‏)‏ أي الإمام المفهوم من المقام ‏(‏قوله أهم الواجبات‏)‏ أي من أهمها لتوقف كثير من الواجبات الشرعية عليه، ولذا قال في العقائد النسفية‏:‏ والمسلمون لا بد لهم من إمام، يقوم بتنفيذ أحكامهم؛ وإقامة حدودهم، وسد ثغورهم، وتجهيز جيوشهم؛ وأخذ صدقاتهم، وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق، وإقامة الجمع والأعياد، وقبول الشهادات القائمة على الحقوق؛ وتزويج الصغار والصغائر الذين لا أولياء لهم، وقسمة الغنائم ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فلذا قدموه إلخ‏)‏ فإنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء أو ليلة الأربعاء أو يوم الأربعاء ح عن المواهب، وهذه السنة باقية إلى الآن لم يدفن خليفة حتى يولى غيره ط ‏(‏قوله ويشترط كونه مسلما إلخ‏)‏ أي لأن الكافر لا يلي على المسلم؛ ولأن العبد لا ولاية له على نفسه فكيف تكون له الولاية على غيره‏؟‏ والولاية المتعدية فرع للولاية القائمة ومثله الصبي والمجنون ولأن النساء أمرن بالقرار في البيوت فكان مبنى حالهن على الستر‏.‏ وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال‏:‏ «كيف يفلح قوم تملكهم امرأة» وقوله قادرا‏:‏ أي على تنفيذ الأحكام وإنصاف المظلوم من الظالم، وسد الثغور؛ وحماية البيضة وحفظ حدود الإسلام؛ وجر العساكر؛ وقوله قرشيا لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الأئمة من قريش» وقد سلمت الأنصار الخلافة لقريش بهذا الحديث، وبه يبطل قول الضرارية إن الإمامة تصلح في غير قريش والكعبية إن القرشي أولى بها ا هـ‏.‏ الكل من ح عن شرح عمدة النسفي ‏(‏قوله لا هاشميا إلخ‏)‏ أي لا يشترط كونه هاشميا‏:‏ أي من أولاد هاشم بن عبد مناف كما قالت الشيعة نفيا لإمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم؛ ولا علويا‏:‏ أي من أولاد علي بن أبي طالب كما قال به بعض الشيعة نفيا لخلافة بني العباس؛ ولا معصوما كما قالت الإسماعيلية والاثنا عشرية‏:‏ أي الإمامية، كذا في شرح المقاصد، وكان الأولى أن يكرر لا ليظهر أن كل واحد من هذه الثلاثة قول على حدة؛ فإن عبارته توهم أنها قول واحد ح ‏(‏قوله ويكره تقليد الفاسق‏)‏ أشار إلى أنه لا تشترط عدالته، وعدها في المسايرة من الشروط، وعبر عنها تبعا للإمام الغزالي بالورع‏.‏ وزاد في الشروط العلم والكفاية قال‏:‏ والظاهر أنها أي الكفاءة أعم من الشجاعة تنتظم كونه ذا رأي وشجاعة كي لا يجبن عن الاقتصاص وإقامة الحدود والحروب الواجبة وتجهيز الجيوش؛ وهذا الشرط يعني الشجاعة مما شرطه الجمهور‏.‏ ثم قال‏:‏ وزاد كثير الاجتهاد في الأصول والفروع؛ وقيل لا يشترط ولا الشجاعة لندرة اجتماع هذه الأمور في واحد ويمكن تفويض مقتضيات الشجاعة والحكم إلى غيره أو بالاستفتاء للعلماء‏.‏ وعند الحنفية ليست العدالة شرطا للصحة فيصح تقليد الفاسق الإمامة مع الكراهة؛ وإذا قلد عدلا ثم جار وفسق لا ينعزل؛ ولكن يستحب العزل إن لم يستلزم فتنة؛ ويجب أن يدعى له؛ ولا يجب الخروج عليه؛ كذا عن أبي حنيفة، وكلمتهم قاطبة في توجيهه هو أن الصحابة صلوا خلف بعض بني أمية وقبلوا الولاية عنهم‏.‏ وفي هذا نظر؛ إذ لا يخفى أن أولئك كانوا ملوكا تغلبوا والمتغلب تصح منه هذه الأمور للضرورة، وليس من شرط صحة الصلاة خلف إمام عدالته؛ وصار الحال عند التغلب كما لم يوجد أو وجد ولم نقدر على توليته لغلبة الجورة ا هـ‏.‏ كلام المسايرة للمحقق ابن الهمام ‏(‏قوله ويعزل به‏)‏ أي بالفسق لو طرأ عليه؛ والمراد أنه يستحق العزل كما عملت آنفا‏.‏ ولذا لم يقل ينعزل ‏(‏قوله وتصح سلطنة متغلب‏)‏ أي من تولى بالقهر والغلبة بلا مبايعة أهل الحل والعقد وإن استوفى الشروط المارة‏.‏ وأفاد أن الأصل فيها أن تكون بالتقليد‏.‏ قال في المسايرة‏:‏ ويثبت عقد الإمامة إما باستخلاف الخليفة إياها كما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه وإما ببيعة جماعة من العلماء أو جماعة من أهل الرأي والتدبير‏.‏ وعند الأشعري‏:‏ يكفي الواحد من العلماء المشهورين من أولي الرأي، بشرط كونه بمشهد شهود لدفع الإنكار إن وقع‏.‏ وشرط المعتزلة خمسة‏.‏ وذكر بعض الحنفية اشتراط جماعة دون عدد مخصوص‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله للضرورة‏)‏ هي دفع الفتنة، ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع» ح ‏(‏قوله وكذا صبي‏)‏ أي تصح سلطنته للضرورة، لكن في الظاهر لا حقيقة‏.‏ قال في الأشباه‏:‏ تصح سلطنته ظاهرا قال في البزازية‏:‏ مات السلطان واتفقت الرعية على سلطنة ابن صغير له ينبغي أن تفوض أمور التقليد على وال، ويعد هذا الوالي نفسه تبعا لابن السلطان لشرفه والسلطان في الرسم هو الابن، وفي الحقيقة هو الوالي لعدم صحة الإذن بالقضاء والجمعة ممن لا ولاية له ا هـ‏.‏ أي لأن هذا الوالي لو لم يكن هو السلطان في الحقيقة لم يصح إذنه بالقضاء والجمعة، لكن ينبغي أن يقال إنه سلطان إلى غاية وهي بلوغ الابن، لئلا يحتاج إلى عزله عند تولية ابن السلطان إذا بلغ تأمل ‏(‏قوله أن يفوض‏)‏ بالبناء للمجهول والفاعل‏:‏ هم أهل الحل والعقد على ما مر بيانه، لا الصبي لما علمت من أنه لا ولاية له وضمن يفوض معنى يلقى فعدي بعلى وإلا فهو يتعدى بإلى ‏(‏قوله في الرسم‏)‏ أي في الظاهر والصورة ‏(‏قوله كما في الأشباه‏)‏ أي في أحكام الصبيان، وعلمت عبارته ‏(‏قوله وفيها‏)‏ أي في الأشباه عن البزازية أيضا، وذكر ذلك بعد ما مر بنحو ورقة فافهم‏.‏ وذكر الحموي أن تجديد تقليده بعد بلوغه لا يكون إلا إذا عزل ذلك الوالي نفسه لأن السلطان لا ينعزل إلا بعزل نفسه وهذا غير واقع‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت قد يقال‏:‏ إن سلطنة ذلك الولي ليست مطلقة بل هي مقيدة بمدة صغر ابن السلطان، فإذا بلغ انتهت سلطنة ذلك الولي كما قلناه آنفا

‏(‏قوله ربط إلخ‏)‏ هكذا نقله صاحب النهر عن أخيه صاحب البحر، ولا يظهر إلا تعريفا للاقتداء، وذلك لأن الإمامة مصدر المبني للمجهول لأن الإمام هو المتبع، ويدل على ذلك تعريف ابن عرفة لها بأنها اتباع الإمام في جزء من صلاته‏:‏ أي أن يتبع بفتح الموحدة‏.‏ وأما الربط المذكور، إن كان مصدر ربط المبني للمعلوم فهو صفة المؤتم فيكون بمعنى الائتمام أي الاقتداء، وإن كان مصدر المبني للمجهول فهو صفة صلاة المؤتم لأنها هي المربوطة، وعلى كل حال لا يصلح تعريفا للإمامة بل للاقتداء‏.‏ ا هـ‏.‏ ط عن ح‏.‏ وأقول‏:‏ بقي للربط معنى ثالث هو المراد، وبه يندفع الإيراد، وهو أن يراد به المعنى الحاصل بالمصدر وهو الارتباط‏.‏ وبيان ذلك أن الإمام لا يصير إماما إلا إذا ربط المقتدي صلاته بصلاته، فنفس هذا الارتباط هو حقيقة الإمامة، وهو غاية الاقتداء الذي هو الربط بمعنى الفاعل لأنه إذا ربط صلاته بصلاة إمامه حصل له صفة الاقتداء والائتمام وحصل لإمامه صفة الإمامة التي هي الارتباط، هذا ما ظهر لفهمي القاصر، والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏قوله بشروط عشرة‏)‏ هذه الشروط في الحقيقة شروط الاقتداء، وأما شروط الإمامة فقد عدها في نور الإيضاح على حدة فقال‏:‏ وشروط الإمامة للرجال الأصحاء ستة أشياء‏:‏ الإسلام والبلوغ والعقل والذكورة والقراءة والسلامة من الأعذار كالرعاف والفأفأة والتمتمة واللثغ وفقد شرط كطهارة وستر عورة‏.‏ ا هـ‏.‏ احترز بالرجال الأصحاء عن النساء الأصحاء فلا يشترط في إمامهن الذكورة؛ وعن الصبيان فلا يشترط في إمامهم البلوغ، وعن غير الأصحاء فلا يشترط في إمامهم الصحة، لكن يشترط أن يكون حال الإمام أقوى من حال المؤتم أو مساويا ح‏.‏ أقول‏:‏ قد علمت مما قدمناه أن الإمامة غاية الاقتداء، فما لم يصح الاقتداء لم تثبت الإمامة، فتكون الشروط العشرة التي ذكرها الشارح شروطا للإمامة أيضا من حيث توقف الإمامة عليها، كما أن السنة المذكورة تصلح شروطا للاقتداء أيضا، إذ لا يصح الاقتداء بدونها، فالستة عشر كلها شروط لكل من الإمامة والاقتداء، لكن لما كانت العشرة قائمة بالمقتدي والستة قائمة بالإمام حسن جعل العشرة شروطا للاقتداء والستة شروطا للإمامة فافهم واغتنم تحرير هذا المقام، وقد نظمت هذه الشروط على هذا الوجه فقلت‏:‏ شروط اقتداء عشرة قد نظمتها بشعر كعقد الدر جاء منضدا تأخر مؤتم وعلم انتقال من به ائتم مع كون المكانين واحدا وكون إمام ليس دون تبعه بشرط وأركان ونية الاقتدا مشاركة في كل ركن وعلمه بحال إمام حل أم سار مبعدا وأن لا تحاذيه التي معه اقتدت وصحة ما صلى الإمام من ابتدا كذاك اتحاد الفرض هذا تمامها وست شروط للإمامة في المدا بلوغ وإسلام وعقل ذكورة قراءة مجز فقد حذر به بدا ‏(‏قوله نية المؤتم‏)‏ أي الاقتداء بالإمام، أو الاقتداء به في صلاته أو الشروع فيها أو الدخول فيها بخلاف نية صلاة الإمام‏.‏ وشرط النية أن تكون مقارنة للتحريمة أو متقدمة عليها بشرط أن لا يفصل بينها وبين التحريمة فاصل أجنبي كما تقدم في النية ح ‏(‏قوله واتحاد مكانهما‏)‏ فلو اقتدى راجل براكب أو بالعكس أو راكب براكب دابة أخرى لم يصح لاختلاف المكان؛ فلو كانا على دابة واحدة صح لاتحاده كما في الإمداد، وسيأتي‏.‏ وأما إذا كان بينها حائط فسيأتي أن المعتمد اعتبار الاشتباه لا اتحاد المكان، فيخرج بقوله وعلمه بانتقالاته، وسيأتي تحقيق هذه المسألة بما لا مزيد عليه ‏(‏قوله وصلاتهما‏)‏ أي واتحاد صلاتهما‏.‏ قال في البحر‏:‏ والاتحاد أن يمكنه الدخول في صلاته بنية صلاة الإمام فتكون صلاة الإمام متضمنة لصلاة المقتدي‏.‏ ا هـ‏.‏ فدخل اقتداء المتنفل بالمفترض لأن من لا فرض عليه لو نوى صلاة الإمام المفترض صحت نفلا ولأن النفل مطلق والفرض مقيد، والمطلق جزء المقيد فلا يغايره كما في شرح المنية‏.‏ وعبر في نور الإيضاح بقوله‏:‏ وأن لا يكون مصليا فرضا غير فرضه ا هـ‏.‏ وهو أولى من عبارة الشارح فافهم ‏(‏قوله وصحة صلاة إمامه‏)‏ فلو تبين فسادها فسقا من الإمام أو نسيانا لمضي مدة المسح أو لوجود الحدث أو غير ذلك لم تصح صلاة المقتدي لعدم صحة البناء؛ وكذا لو كانت صحيحة في زعم الإمام فاسدة في زعم المقتدى لبنائه الفاسد في زعمه فلا يصح، وفيه خلاف وصحح كل‏.‏ أما لو فسدت في زعم الإمام وهو لا يعلم به وعلمه المقتدي صحت في قول الأكثر وهو الأصح لأن المقتدي يرى جواز صلاة إمامه والمعتبر في حقه رأي نفسه رحمتي ‏(‏قوله وعدم محاذاة امرأة‏)‏ أي بشروطها الآتية ‏(‏قوله وعدم تقدمه عليه بعقبه‏)‏ فلو ساواه جاز وإن تقدمت أصابع المقتدي لكبر قدمه على قدم الإمام ما لم يتقدم أكثر القدم كما سيأتي‏.‏ وفي إمداد الفتاح‏:‏ وتقدم الإمام بعقبه عن عقب المقتدي شرط لصحة اقتدائه، حتى لو كان عقب المقتدي غير متقدم على عقب الإمام لكن قدمه أطول فتكون أصابعه قدام أصابع إمامه تجوز كما لو كان المقتدي أطول من إمامه فيسجد أمامه ا هـ‏.‏ وقوله حتى إلخ يشمل المساواة، فلفظ التقدم الواقع في المتن غير مقصود رحمتي ‏(‏قوله وعلمه بانتقالاته‏)‏ أي بسماع أو رؤية للإمام أو لبعض المقتدين رحمتي وإن لم يتحد المكان ‏(‏قوله وبحاله إلخ‏)‏ أي علمه بحال إمامه من إقامة أو سفر قبل الفراغ أو بعده، وهذا فيما لو صلى الرباعية ركعتين في مصر أو قرية، فلو خارجها لا تفسد لأن الظاهر أنه مسافر فلا يحمل على السهو، وكذا لو أتم مطلقا، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في صلاة المسافر ‏(‏قوله ومشاركته في الأركان‏)‏ أي في أصل فعلها أعم من أن يأتي بها معه أو بعده لا قبله، إلا إذا أدركه إمامه فيها، فالأول ظاهر، والثاني كما لو ركع إمامه ورفع ثم ركع هو فيصح، والثالث عكسه فلا يصح إلا إذا ركع وبقي راكعا حتى أدركه إمامه، فيصح لوجود المتابعة التي هي حقيقة الاقتداء وقد حققنا الكلام على المتابعة في أواخر واجبات الصلاة فراجعه ‏(‏قوله وكونه مثله أو دونه فيها‏)‏ أي في الأركان؛ مثال الأول اقتداء الراكع والساجد بمثله والمومئ بهما بمثله؛ ومثال الثاني اقتداء المومئ بالراكع والساجد، واحترز به عن كونه أقوى حالا منه فيها كاقتداء الراكع والساجد بالمومئ بهما ح‏.‏ ‏(‏قوله وفي الشرائط‏)‏ عطف على فيها‏:‏ أي وكون المؤتم مثل الإمام أو دونه في الشرائط؛ مثال الأول اقتداء مستجمع الشرائط بمثله والعاري بمثله، ومثال الثاني اقتداء العاري بالمكتسي، واحترز به عن كونه أقوى حالا منه فيها كاقتداء المكتسي بالعاري ح‏.‏ أقول‏:‏ وفي القنية عن تأسيس النظر‏:‏ وينبغي أن يجوز اقتداء الحرة بالأمة الحاسرة الرأس ا هـ‏.‏ أي لأنه غير عورة في حق الأمة فهو كرأس الرجل تأمل ‏(‏قوله كما بسط في البحر‏)‏ المراد به ما ذكره من الشروط العشرة، لكن ليس هذا موجودا في أصل نسخ البحر، وإنما يوجد بهامش بعض نسخه معزيا إلى خط مؤلفه ‏(‏قوله قيل وثبوتها إلخ‏)‏ وقيل معناه اخضعوا مع الخاضعين كما في البيضاوي ح ‏(‏قوله نظام الألفة‏)‏ بتحصيل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران بحر‏.‏ والألفة‏:‏ بضم الهمزة اسم الائتلاف ح عن القاموس ‏(‏قوله هي أفضل من الأذان‏)‏ أي على المعتمد، وقيل بالعكس، وقيل بالمساواة ‏(‏قوله خلافا للشافعي‏)‏ قدمنا في الأذان عن مذهبه قولين مصححين‏:‏ الأول كقولنا، والثاني عكسه ‏(‏قوله وقول عمر إلخ‏)‏ أي لا دلالة فيه على أفضلية الأذان لأن مراده الجمع بينهما، لكن اشتغال الخليفة بأمور العامة يمنعه عن مراقبة الأوقات فلذا اقتصر على الإمامة ‏(‏قوله وقال بعضهم إلخ‏)‏ ذكره الفخر الرازي في تفسير سورة المؤمنين‏.‏ قال في البحر‏:‏ وقد كنت أختارها لهذا المعنى بعينه قبل الاطلاع على هذا النقل، والله الموفق ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومفاده أنها أفصل من الاقتداء

‏(‏قوله قال الزاهدي إلخ‏)‏ توفيق بين القول بالسنية والقول بالوجوب الآتي، وبيان أن المراد بهما واحد أخذا من استدلالهم بالأخبار الواردة بالوعيد الشديد بترك الجماعة‏.‏ وفي النهر عن المفيد‏:‏ الجماعة واجبة، وسنة لوجوبها بالسنة ا هـ‏.‏ وهذا كجوابهم عن رواية سنية الوتر بأن وجوبها ثبت بالسنة قال في النهر‏:‏ إلا أن هذا يقتضي الاتفاق على أن تركها مرة بلا عذر يوجب إثما مع أنه قول العراقيين‏.‏ والخراسانيون ن على أنه يأثم إذا اعتاد الترك كما في القنية‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال في شرح المنية‏:‏ والأحكام تدل على الوجوب، من أن تاركها بلا عذر يعزر وترد شهادته، ويأثم الجيران بالسكوت عنه، وقد يوفق بأن ذلك مقيد بالمداومة على الترك كما هو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يشهدون الصلاة» وفي الحديث الآخر‏:‏ «يصلون في بيوتهم» كما يعطيه ظاهر إسناد المضارع نحو بنو فلان يأكلون البر‏:‏ أي عادتهم، فالواجب الحضور أحيانا، والسنة المؤكدة التي تقرب منه المواظبة‏.‏ ا هـ‏.‏ ويرد عليه ما مر عن النهر، إلا أن يجاب بأن قول العراقيين يأثم بتركها مرة مبني على القول بأنها فرض عين عند بعض مشايخنا كما نقله الزيلعي وغيره، أو على القول بأنها فرض كفاية كما نقله في القنية عن الطحاوي والكرخي وجماعة، فإذا تركها الكل مرة بلا عذر أثموا فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله فشرط‏)‏ بناء على القول بوجوب العيد؛ أما على القول بسنيتها فتسن الجماعة فيها كما في الحلية والبحر؛ ثم قال في البحر‏:‏ ولا يخفى أن الجماعة شرط الصحة على كل من القولين ا هـ‏.‏ أي شرط لصحة وقوعها واجبة أو سنة فافهم ‏(‏قوله سنة كفاية‏)‏ أي على كل أهل محلة، لما في منية المصلي من بحث التراويح، من أن إقامتها بالجماعة سنة على سبيل الكفاية حتى لو ترك أهل محلة، كلهم الجماعة فقد تركوا السنة وأساءوا في ذلك، وإن تخلف من أفراد الناس وصلى في بيته فقد ترك الفضيلة ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله على قول‏)‏ وغير مستحبة على قول آخر بل يصليها وحده في بيته، وهما قولان مصححان وسيأتي قبيل إدراك الفريضة ترجيح الثاني بأنه المذهب ‏(‏قوله وفي وتر غيره إلخ‏)‏ كراهة الجماعة فيه هو المشهور، وذكره القدوري في مختصره، وذكر في غيره عدم الكراهة، ووفق في الحلية بحمل الأول على المواظبة والثاني على الفعل أحيانا، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله على سبيل التداعي‏)‏ بأن يقتدي أربعة فأكثر بواحد ‏(‏قوله وسنحققه‏)‏ أي قبيل إدراك الفريضة‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

قال في الحلية‏:‏ وأما الجماعة في صلاة الخسوف ظاهر كلام الجم الغفير من أهل المذهب كراهتها‏.‏ وفي شرح الزاهدي‏:‏ وقيل جائزة عندنا لكنها ليست بسنة‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في تكرار الجماعة في المسجد

‏(‏قوله ويكره‏)‏ أي تحريما لقول الكافي لا يجوز والمجمع لا يباح وشرح الجامع الصغير إنه بدعة كما في رسالة السندي ‏(‏قوله بأذان وإقامة إلخ‏)‏ عبارته في الخزائن‏:‏ أجمع مما هنا ونصها‏:‏ يكره تكرار الجماعة في مسجد محلة بأذان وإقامة، إلا إذا صلى بهما فيه أولا غير أهله، لو أهله لكن بمخافتة الأذان، ولو كرر أهله بدونهما أو كان مسجد طريق جاز إجماعا؛ كما في مسجد ليس له إمام ولا مؤذن ويصلي الناس فيه فوجا فوجا، فإن الأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة كما في أمالي قاضي خان ا هـ‏.‏ ونحوه في الدرر، والمراد بمسجد المحلة ما له إمام وجماعة معلومون كما في الدرر وغيرها‏.‏ قال في المنبع‏:‏ والتقييد بالمسجد المختص بالمحلة احتراز من الشارع، وبالأذان الثاني احترازا عما إذا صلى في مسجد المحلة جماعة بغير أذان حيث يباح إجماعا‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم قال في الاستدلال على الإمام الشافعي النافي للكراهة ما نصه‏:‏ ولنا «أنه عليه الصلاة والسلام كان خرج ليصلح بين قوم فعاد إلى المسجد وقد صلى أهل المسجد فرجع إلى منزله فجمع أهله وصلى» ولو جاز ذلك لما اختار الصلاة في بيته على الجماعة في المسجد ولأن في الإطلاق هكذا تقليل الجماعة معنى، فإنهم لا يجتمعون إذا علموا أنهم لا تفوتهم‏.‏ وأما مسجد الشارع فالناس فيه سواء لا اختصاص له بفريق دون فريق ا هـ‏.‏ ومثله في البدائع وغيرها، ومقتضى هذا الاستدلال كراهة التكرار في مسجد المحلة ولو بدون أذان؛ ويؤيده ما في الظهيرية‏:‏ لو دخل جماعة المسجد بعد ما صلى فيه أهله يصلون وحدانا وهو ظاهر الرواية ا هـ‏.‏ وهذا مخالف لحكاية الإجماع المارة، وعن هذا ذكر العلامة الشيخ السندي تلميذ المحقق ابن الهمام في رسالته أن ما يفعله أهل الحرمين من الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مترتبة مكروه اتفاقا‏.‏ ونقل عن بعض مشايخنا إنكاره صريحا حين حضر الموسم بمكة سنة 551 منهم الشريف الغزنوي‏.‏ وذكر أنه أفتى بعض المالكية بعدم جواز ذلك على مذهب العلماء الأربعة‏.‏ ونقل إنكار ذلك أيضا عن جماعة من الحنفية والشافعية والمالكية حضروا الموسم سنة 551 ا هـ‏.‏ وأقره الرملي في حاشية البحر، لكن يشكل عليه أن نحو المسجد المكي والمدني ليس له جماعة معلومون، فلا يصدق عليه أنه مسجد محلة، بل هو كمسجد شارع، وقد مر أنه لا كراهة في تكرار الجماعة فيه إجماعا فليتأمل، هذا وقدمنا في باب الأذان عن آخر شرح المنية عن أبي يوسف أنه إذا لم تكن الجماعة على الهيئة الأولى لا تكره وإلا تكره، وهو الصحيح، وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة كذا في البزازية انتهى‏.‏ وفي التتارخانية عن الولوالجية‏:‏ وبه نأخذ‏.‏

‏(‏قوله وأقلها اثنان‏)‏ لحديث‏:‏ «اثنان فما فوقهما جماعة» أخرجه السيوطي في الجامع الصغير، ورمز لضعفه‏.‏ قال في البحر‏:‏ لأنها مأخوذة من الاجتماع، وهما أقل ما تتحقق به، وهذا في غير جمعة ا هـ‏.‏ أي فإن أقلها فيها ثلاثة صالحون للإمامة سوى الإمام، مثلها العيد لقولهم‏:‏ يشترط لها ما يشترط للجمعة صحة وأداء سوى الخطبة فافهم ‏(‏قوله ولو مميزا‏)‏ أي ولو كان الواحد المقتدي صبيا مميزا‏.‏ قال في السراج‏:‏ لو حلف لا يصلي جماعة وأم صبيا يعقل حنث ا هـ‏.‏ ولا عبرة بغير العاقل بحر‏.‏ قال ط‏:‏ ويؤخذ منه أنه يحصل ثواب الجماعة باقتداء المتنفل بالمفترض لأن الصبي متنقل، ولم أر حكم اقتداء المتنفل بمثله هل يزيد ثوابه على المنفرد فليحرر ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر نعم إن لم يكن على سبيل التداعي لحديث الصحيحين‏:‏ «عن أنس رضي الله عنه أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له فأكل منه، ثم قال‏:‏ قوموا لأصلي بكم فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا‏.‏ فصلى بنا ركعتين ثم انصرف» فلو لم يكن الاقتداء أفضل لما أمرهم به تأمل ‏(‏قوله في مسجد أو غيره‏)‏ قال في القنية‏:‏ واختلف العلماء في إقامتها في البيت والأصح أنها كإقامتها في المسجد إلا في الأفضلية‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وتصح إمامة الجني‏)‏ لأنه مكلف‏.‏ بخلاف إمامة الملك فإنه متنفل وإمامة جبريل لخصوص التعليم مع احتمال الإعادة من النبي صلى الله عليه وسلم ط ‏(‏قوله أشباه‏)‏ عبارتها في بحث أحكام الجان‏:‏ ومنها انعقاد الجماعة بالجن، ذكره الأسيوطي عن صاحب ‏[‏آكام المرجان‏]‏ من أصحابنا، مستدلا بحديث أحمد عن ابن مسعود في قصة الجن، وفيه‏:‏ «فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أدركه شخصان منهم، فقالا يا رسول الله إنما نحب أن تؤمنا في صلاتنا، قال‏:‏ فصفهما خلفه ثم صلى بنا ثم انصرف» ونظير ذلك ما ذكره السبكي أن الجماعة تحصل بالملائكة، وفرع على ذلك لو صلى في فضاء بأذان وإقامة منفردا ثم حلف أنه صلى بالجماعة لم يحنث، ومنها صحة الصلاة خلف الجني، ذكره في آكام المرجان ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وما نقله عن السبكي مأخوذ من حديث‏:‏ «إن المسافر إذا أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه» رواه عبد الرزاق، ومقتضاه وجوب الجهر عليه؛ لكن قدمنا في باب الأذان التصريح عن التتارخانية بأن حكمه حكم المنفرد في الجهر والمخافتة، وبه يعلم أنه يحنث بحلفه أنه صلى بالجماعة عندنا ولا سيما والأيمان مبنية على العرف عندنا، وهو منفرد عرفا وشرعا وإلا لأخذ أحكام الإمام على أنه مر في الفصل السابق أنه لا يلزمه الجهر إلا إذا نوى الإمامة، وكذا مر في شروط الصلاة أنه لا يحنث في‏:‏ لا يؤم أحدا ما لم ينو الإمامة، وليس في الحديث التصريح بالاقتداء به وإن كان المراد ذلك، فلعل انعقاد الجماعة باقتداء الملائكة والجن إنما يستلزم أحكامها إذا كانوا على صورة ظاهرة ولهذا لو جامع جني امرأة ووجدت لذة لا يلزمها الاغتسال كما في الخانية إلا إذا أنزلت كما في الفتح أو جاءها على صورة آدمي كما في الحلية وكذا يقال في إمامة الجني، والله أعلم ‏(‏قوله قال في البحر إلخ‏)‏ وقال في النهر‏:‏ هو أعدل الأقوال وأقواها ولذا قال في الأجناس‏:‏ لا تقبل شهادته إذا تركها استخفافا ومجانة، إما سهوا أو بتأويل ككون الإمام من أهل الأهواء أو لا يراعي مذهب المقتدي فتقبل‏.‏ ا هـ‏.‏ ط‏.‏ ‏(‏قوله ثمرته إلخ‏)‏ هذا بناء على تحقيق الخلاف، أما على ما مر عن الزاهدي فلا خلاف ‏(‏قوله بتركها مرة‏)‏ أي بلا عذر، وهذا عند العراقيين، وعند الخراسانيين إنما يأثم إذا اعتاده كما في القنية وقد مر ‏(‏قوله البالغين‏)‏ قيد به لأن الرجل قد يراد به مطلق الذكر بالغا أو غيره كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كانوا إخوة رجالا‏}‏ وكما في حديث‏:‏ «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت فلأولى رجل ذكر»، ولذا قيد بذكر لدفع أن يراد به البالغ بناء على ما كان في الجاهلية من عدم توريثهم إلا من استعد للحرب دون الصغار فافهم ‏(‏قوله الأحرار‏)‏ فلا تجب على القن وسيأتي في الجمعة لو أذن له مولاه وجبت، وقيل يخير ورجحه في البحر ا هـ‏.‏‏:‏ قلت‏:‏ وينبغي جريان الخلاف هنا أيضا تأمل ‏(‏قوله من غير حرج‏)‏ قيد لكونها سنة مؤكدة أو واجبة، فبالحرج يرتفع الإثم ويرخص في تركها ولكنه يفوته الأفضل بدليل‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام قال لابن أم مكتوم الأعمى لما استأذنه في الصلاة في بيته‏:‏ ما أجد لك رخصة» قال في الفتح‏:‏ أي تحصل لك فضيلة الجماعة من غير حضورها لا الإيجاب على الأعمى، «لأنه عليه الصلاة والسلام رخص لعتبان بن مالك في تركها» ا هـ‏.‏ لكن في نور الإيضاح‏:‏ وإذا انقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها وكانت نيته حضورها لولا العذر يحصل له ثوابها ا هـ‏.‏ والظاهر أن المراد به العذر المانع كالمرض والشيخوخة والفلج، بخلاف نحو المطر والطين والبرد والعمى تأمل ‏(‏قوله ولو فاتته ندب طلبها‏)‏ فلا يجب عليه الطلب في المساجد بلا خلاف بين أصحابنا، بل إن أتى مسجدا للجماعة آخر فحسن، وإن صلى في مسجد حيه منفردا فحسن‏.‏ وذكر القدوري‏:‏ يجمع بأهله ويصلي بهم، يعني وينال ثواب الجماعة كذا في الفتح‏.‏ واعترض الشرنبلالي بأن هذا ينافي وجوب الجماعة‏.‏ وأجاب ح بأن الوجوب عند عدم الحرج، وفي تتبعها في الأماكن القاصية حرج لا يخفى مع ما في مجاوزة مسجد حيه من مخالفة قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه أن ظاهر إطلاقه الندب ولو إلى مكان قريب، وقوله مع ما في مجاوزة إلخ‏.‏ قد يقال‏:‏ محله فيما إذا كان فيه جماعة؛ ألا ترى أن مسجد الحي إذا لم تقم فيه الجماعة وتقام في غيره لا يرتاب أحد أن مسجد الجماعة أفضل‏.‏ على أنهم اختلفوا في الأفضل هل جماعة مسجد حيه أو جماعة المسجد‏.‏ الجامع‏؟‏ كما في البحر ط‏.‏ قلت‏:‏ لكن في الخانية وإن لم يكن لمسجد منزله مؤذن فإنه يذهب إليه ويؤذن فيه ويصلي وإن كان واحدا لأن لمسجد منزله حقا عليه، فيؤدي حقه مؤذن مسجد لا يحضر مسجده أحد‏.‏ قالوا‏:‏ هو يؤذن ويقيم ويصلي وحده، وذاك أحب من أن يصلي في مسجد آخر‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم ذكر ما مر عن الفتح، ولعل ما مر فيما إذا صلى فيه الناس فيخير، بخلاف ما إذا لم يصلي فيه أحد لأن الحق تعين عليه‏.‏ وعلى كل فقول ط قد يقال إلخ غير مسلم، والله أعلم ‏(‏قوله ونحوه‏)‏ قال في القنية‏:‏ إلا المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم وعزاه في آخر شرح المنية إلى مختصر البحر ثم قال‏:‏ وينبغي أن يستثني المسجد الأقصى أيضا لأنها في المسجد الحرام بمائة ألف، وفي مسجده عليه الصلاة والسلام بألف، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة ا هـ‏.‏ وينبغي استثناء مسجد الحي على ما قلناه آنفا ‏(‏قوله ومقعد وزمن‏)‏ قال في المغرب‏:‏ المقعد الذي لا حراك به من داء في جسده كأن الداء أقعده‏.‏ وعند الأطباء‏:‏ هو الزمن، وبعضهم فرق وقال‏:‏ المقعد المتشنج الأعضاء‏.‏ والزمن الذي طال مرضه‏.‏ وقال في فصل الزاي‏:‏ الزمن الذي طال مرضه زمانا، وقيل الزمن عن أبي حنيفة المقعد والأعمى والمقطوع اليدين أو إحداهما‏.‏ والمفلوج والأعرج الذي لا يستطيع المشي والأشل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ومفلوج‏)‏ وهو من به فالج، وهو استرخاء لأحد شقي الإنسان لانصباب خلط بلغمي تنسد منه مسالك الروح قاموس ‏(‏قوله وإن وجد قائدا‏)‏ وكذا الزمن لو كان غنيا له مركب وخادم، فلا تجب عليهما عنده خلافا لهما حلية عن المحيط‏.‏ وذكر في الفتح أن الظاهر أنه اتفاق، والخلاف في الجمعة لا في الجماعة ا هـ‏.‏ لكن المسطور في الكتب المشهورة خلافه حلية ‏(‏قوله ولا على من حال بينه وبينها مطر وطين‏)‏ أشار بالحيلولة إلى أن المراد المطر الكثير كما قيده به في صلاة الجمعة‏.‏ وكذا الطين وفي الحلية، وعن أبي يوسف‏:‏ سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين وردغة، فقال‏:‏ لا أحب تركها‏.‏ وقال محمد في الموطأ‏:‏ الحديث رخصة، يعني قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال» والنعال‏:‏ هنا الأراضي الصلاب وفي شرح الزاهدي عن شرح التمرتاشي‏:‏ واختلف في كون الأمطار والثلوج والأوحال والبرد الشديد عذرا وعن أبي حنيفة‏:‏ إن اشتد التأذي بعذر قال الحسن‏:‏ أفادت هذه الرواية أن الجمعة والجماعة في ذلك سواء، ليس على ما ظنه البعض أن ذلك عذر في الجماعة لأنها سنة لا في الجمعة لأنها من آكد الفرائض ا هـ‏.‏ وفي شرح الشيخ إسماعيل عن ابن الملقن الشافعي‏:‏ والمشهور أن النعال جمع نعل‏:‏ وهو ما غلظ من الأرض في صلابة، وإنما خصها بالذكر لأن أدنى بلل ينديها، بخلاف الرخوة فإنها تنشف الماء‏.‏ وقيل النعال الأحذية ‏(‏قوله وبرد شديد‏)‏ لم يذكر الحر الشديد أيضا، ولم أر من ذكره من علمائنا، ولعل وجهه أن الحر الشديد إنما يحصل غالبا في صلاة الظهر، وقد كفينا مؤنته بسنية الإبراد، نعم قد يقال‏:‏ لو ترك الإمام هذه السنة وصلى في أول الوقت كان الحر الشديد عذرا تأمل ‏(‏قوله وظلمة كذلك‏)‏ أي شديدة، في الظاهر أنه لا يكلف إلى إيقاد نحو سراج وإن أمكنه ذلك وأن المراد بشدة الظلمة كونه لا يبصر طريقه إلى المسجد فيكون كالأعمى‏.‏ ‏(‏قوله وريح‏)‏ أي شديد أيضا فيما يظهر تأمل؛ وإنما كان عذرا ليلا فقط لعظم مشقته فيه دون النهار ‏(‏قوله وخوف على ماله‏)‏ أي من لص ونحوه إذا لم يمكنه غلق الدكان أو البيت مثلا، ومنه خوفه على تلف طعام في قدر أو خبز في تنور تأمل، وانظر هل التقييد بماله للاحتراز عن مال غيره‏؟‏ والظاهر عدمه‏:‏ لأن له قطع الصلاة له ولا سيما إن كان أمانة عنده كوديعة أو عارية أو رهن مما يجب عليه حفظه تأمل ‏(‏قوله أو من غريم‏)‏ أي إذا كان معسرا ليس عنده ما يوفي غريمه وإلا كان ظالما ‏(‏قوله أو ظالم‏)‏ يخافه على نفسه أو ماله ‏(‏قوله الأخبثين‏)‏ وكذا الريح ‏(‏قوله وإرادة سفر‏)‏ أي وأقيمت الصلاة ويخشى أن تفوته القافلة بحر؛ وأما السفر نفسه فليس بعذر كما في القنية ‏(‏قوله وقيامه بمريض‏)‏ أي يحصل له بغيبته المشقة والوحشة، كذا في الإمداد ‏(‏قوله تتوقه نفسه‏)‏ أي تشتاقه وتنازعه إليه مصباح، سواء كان عشاء أو غيره لشغل باله إمداد، ومثله الشراب، وقرب حضوره كحضوره فيما يظهر لوجود العلة، وبه صرح الشافعية ‏(‏قوله وكذا اشتغاله بالفقه إلخ‏)‏ عبارة نور الإيضاح‏:‏ وتكرار فقة بجماعة تفوته، ولم أر هذا القيد لغيره، ورمز في القنية لنجم الأئمة فيمن لا يحضرها لاستغراق أوقاته في تكرير الفقه لا يعذر ولا تقبل شهادته، ثم رمز له ثانيا أنه يعذر، بخلاف مكرر اللغة ثم وفق بينهما بحمل الأول على المواظب على الترك تهاونا، والثاني على غيره، وهذا ما مشى عليه الشارح في قوله أي إلا إلخ ‏(‏قوله فلا يعذر ويعزر‏)‏ الأول بالذال والثاني بالزاي ‏(‏قوله يعني بحبسه عنه إلخ‏)‏ صرح بذلك في البحر عن البزازية قال الرحمتي قالوا‏:‏ هذا مما يعلم ويكتم لأن الظلمة صيادون لأخذ المال متى وقع في شركهم لا يؤخذ منهم، وربما يحدثون للإنسان ذنبا لم يفعله توصلا إلى ماله ا هـ‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

مجموع الأعذار التي مرت متنا وشرحا عشرون، وقد نظمتها بقولي‏:‏ أعذار ترك جماعة عشرون قد أودعتها في عقد نظم كالدرر مرض وإقعاد عمى وزمانة مطر وطين ثم برد قد أضر قطع لرجل مع يد أو دونها فلج وعجز الشيخ قصد للسفر خوف على مال كذا من ظالم أو دائن وشهي أكل قد حضر والريح ليلا ظلمة تمريض ذي ألم مدافعة لبول أو قذر ثم اشتغال لا بغير الفقه في بعض من الأوقات عذر معتبر قوله أو عدم مراعاته‏)‏ أي لمذهب المقتدي فيما يوجب بطلان الصلاة على ما سيأتي بيانه

‏(‏قوله تقديما‏)‏ أي على من حضر معه ‏(‏قوله بل نصبا‏)‏ أي للإمام الراتب ‏(‏قوله بأحكام الصلاة فقط‏)‏ أي وإن كان غير متبحر في بقية العلوم، وهو أولى من المتبحر، كذا في زاد الفقير عن شرح الإرشاد ‏(‏قوله بشرط اجتنابه إلخ‏)‏ كذا في الدراية عن المجتبى‏.‏ وعبارة الكافي وغيره‏:‏ الأعلم بالسنة أولى، إلا أن يطعن عليه في دينه لأن الناس لا يرغبون في الاقتداء به ‏(‏قوله قدر فرض‏)‏ أخذه تبعا للبحر من قول الكافي قدر ما تجوز به الصلاة، بناء على أن تجوز بمعنى تصح لا بمعنى تحل‏.‏ ‏(‏قوله وقيل واجب‏)‏ ذكره في البحر بحثا لكن يمكن أخذه من كلام الكافي لأن الجواز يطلق بمعنى الحل؛ بل قال الشيخ إسماعيل‏:‏ ينبغي حمل الجواز المذكور على ما يشمل عدم الكراهة، وحينئذ فيرجع إلى القول الثالث ‏(‏قوله وقيل سنة‏)‏ قائله الزيلعي، وهو ظاهر المبسوط كما في النهر؛ ومشى عليه في الفتح‏.‏ قال‏:‏ وهو الأظهر لأن هذا التقديم على سبيل الأولوية؛ فالأنسب له مراعاة السنة ‏(‏قوله ثم الأحسن تلاوة وتجويدا‏)‏ أفاد بذلك أن معنى قولهم أقرأ‏:‏ أي أجود، لا أكثرهم حفظا وإن جعله في البحر متبادرا، ومعنى الحسن في التلاوة أن يكون عالما بكيفية الحروف والوقف وما يتعلق بها قهستاني ‏(‏قوله أي الأكثر اتقاء للشبهات‏)‏ الشبهة‏:‏ ما اشتبه حله وحرمته، ويلزم من الورع التقوى بلا عكس‏.‏ والزهد‏:‏ ترك شيء من الحلال خوف الوقوع في الشبهة، فهو أخص من الورع، وليس في السنة ذكر الورع، بل الهجرة عن الوطن‏.‏ فلما نسخت أريد بها هجرة المعاصي بالورع، فلا تجب هجرة إلا على من أسلم في دار الحرب، كما في المعراج ط ‏(‏قوله أي الأقدم إسلاما‏)‏ استنبطه صاحب البحر وتبعه في النهر من تعليل البدائع، بأن من امتد عمره في الإسلام كان أكثر طاعة‏.‏ أقول‏:‏ بل الظاهر أن المراد بالأسن الأكبر سنا كما هو في بعض روايات الحديث‏:‏ «فأكبرهم سنا» وهو المفهوم من أكثر الكتب فيكون الكلام في المسلم الأصلي، نعم أخرج الجماعة إلا البخاري‏:‏ «فأقدمهم إسلاما» وعليه فيكون ذلك سببا آخر للترجيح فيمن عرض إسلامه فيقدم شاب نشأ في الإسلام على شيخ أسلم، أما لو كانا مسلمين من الأصل أو أسلما معا يقدم الأكبر سنا، لما في الزيلعي من أن الأكبر سنا يكون أخشع قلبا عادة وأعظم حرمة ورغبة الناس في الاقتداء به أكثر فيكون في تقديمه تكثير الجماعة‏.‏ ا هـ‏.‏ هذا‏:‏ وما مشى عليه المصنف من تقديم الأورع على الأسن هو المذكور في المتون وكثير من الكتب، وعكس في المحيط ‏(‏قوله عن الزاد‏)‏ أي زاد الفقير لابن الهمام ‏(‏قوله بالضم‏)‏ أي ضم الخاء، أما بفتحها فهو المراد بما بعده ‏(‏قوله أكثرهم تهجدا‏)‏ تفسير بالملزوم فإنه يلزم من كثرة التهجد حسن الوجه، لحديث‏:‏ «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» وإن كان ضعيفا عند المحدثين قال في البدائع‏:‏ لا حاجة إلى هذا التكلف، بل يبقى على ظاهره لأن صباحة الوجه سبب لكثرة الجماعة كما في البحر ح ‏(‏قوله زاد في الزاد إلخ‏)‏ أقول‏:‏ ليس فيه زيادة‏.‏ ونص عبارة الزاد بعد الخلق هكذا‏:‏ فإن تساووا فأصبحهم وجها‏.‏ وقيده في الكافي بمن يصلي بالليل، فإن تساووا فأشرفهم نسبا إلخ ‏(‏قوله أي أسمحهم وجها‏)‏ عبارة عن بشاشته في وجه من يلقاه وابتسامه له، وهذا يغاير الحسن الذي هو تناسب الأعضاء أفاده ح ‏(‏قوله ثم أكثرهم حسبا‏)‏ الظاهر أن ‏[‏الحسب‏]‏ بالباء الموحدة لا بالنون، وهو الذي كتب عليه ابن عبد الرزاق في شرحه‏.‏ قال في البحر‏:‏ وقدم في الفتح الحسب على صباحة الوجه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي القاموس‏:‏ الحسب ما تعده من مفاخر آبائك، أو المال، أو الدين، أو الكرم، أو الشرف في الفعل إلخ‏.‏ ‏(‏قوله ثم الأحسن زوجة‏)‏ لأنه غالبا يكون أحب لها وأعف لعدم تعلقه بغيرها‏.‏ وهذا مما يعلم بين الأصحاب أو الأرحام أو الجيران، إذ ليس المراد أن يذكر كل منهم أوصاف زوجته حتى يعلم من هو أحسن زوجة ‏(‏قوله ثم الأكثر مالا‏)‏ إذ بكثرته مع ما تقدم من الأوصاف يحصل له القناعة والعفة فيرغب الناس فيه أكثر ‏(‏قوله ثم الأكبر رأسا إلخ‏)‏ لأنه يدل على كبر العقل يعني مع مناسبة الأعضاء له، وإلا فلو فحش الرأس كبرا والأعضاء صغرا كان دلالة على اختلال تركيب مزاجه المستلزم لعدم اعتدال عقله ا هـ‏.‏ ح‏.‏ وفي حاشية أبي السعود؛ وقد نقل عن بعضهم في هذا المقام ما لا يليق أن يذكر فضلا عن أن يكتب ا هـ‏.‏ وكأنه يشير إلى ما قيل أن المراد بالعضو الذكر ‏(‏قوله ثم المقيم على المسافر‏)‏ وقيل هما سواء بحر‏.‏ وظاهره ولو كان الجماعة مسافرين فليتأمل، وهذا ما دام الوقت باقيا وإلا فلا يصح اقتداء المسافر بالمقيم في الرباعية كما يأتي ‏(‏قوله ثم المتيمم عن حدث على المتيمم عن جنابة‏)‏ كذا أجاب به الحلواني كما في التتمة، وجزم به في الفيض وجامع الفتاوى‏.‏ كذا في الأحكام للشيخ إسماعيل، ومثله في التتارخانية، ولعل وجهه أن الحدث أخف من الجنابة، لكن في منية المفتي‏:‏ المتيمم عن الجنابة أولى بالإمامة من المتيمم عن حدث‏.‏ ونقله في النهر عنها مقتصرا عليه، ولعل وجهه أن طهارته أقوى لأنها بمنزلة الغسل لا يبطلها الحدث ‏(‏قوله ومنه‏)‏ أي من المرجح ‏(‏قوله والإفتاء‏)‏ الأولى والاستفتاء ‏(‏قوله والدعوى‏)‏ أي بين يدي القاضي ‏(‏قوله أقرع بينهم‏)‏ أي إذا تنازعوا‏.‏ والظاهر أن هذا على سبيل الأولوية ‏(‏قوله كما في الحرقى والغرقى‏)‏ التشبيه في أن الترتيب إذا لم يعلم كان كالمعية لا في القرعة أيضا، فإنها لا تتأتى في الحرقى والغرقى ح ‏(‏قوله معلوم‏)‏ أي وظيفة من جهة الواقف أو من الطلبة أفاده ح ‏(‏قوله جاز أن يقدم من شاء‏)‏ لأنه له أن لا يقرئهم أصلاح ‏(‏قوله وأول من سنه ابن كثير‏)‏ قال السمهودي في جوهر العقدين‏.‏ روي‏:‏ «أن أنصاريا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله‏.‏ وجاء رجل من ثقيف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا أخا ثقيف إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة فاجلس كيما نبدأ بحاجة الأنصاري قبل حاجتك» ا هـ‏.‏ فعلم منه أنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وابن كثير تابع في ذلك، وأنه لا فرق بين من له معلوم وغيره، نعم يمكن الفرق بين ذي المعلوم وغيره فيما إذا حضرا معا رحمتي‏:‏ أي فيقرع لو له معلوم وإلا يقدم من شاء تأمل ‏(‏قوله اعتبر أكثرهم‏)‏ لا يظهر هذا إلا في المنصب، و إلا فكل يصلي خلف من يختاره ط لكن فيه تكرار الجماعة وقد مر ما فيه‏.‏ ‏(‏قوله أساءوا بلا إثم‏)‏ قال في التتارخانية‏:‏ ولو أن رجلين في الفقه والصلاح سواء إلا أن أحدهما أقرأ فقدم القوم الآخر فقد أساءوا وتركوا السنة ولكن لا يأثمون، لأنهم قدموا رجلا صالحا، وكذا الحكم في الإمارة والحكومة، أما الخلافة وهي الإمامة الكبرى فلا يجوز أن يتركوا الأفضل، وعليه إجماع الأمة ا هـ‏.‏ فافهم

‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي وإن كان غيره من الحاضرين من هو أعلم وأقرأ منه‏.‏ وفي التتارخانية‏:‏ جماعة أضياف في دار نريد أن يتقدم أحدهم ينبغي أن يتقدم المالك، فإن قدم واحدا منهم لعلمه وكبره فهو أفضل، وإذا تقدم أحدهم جاز لأن الظاهر أن المالك يأذن لضيفه إكراما له‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وصرح الحدادي إلخ‏)‏ أفاد أن هذا غير خاص بالسلطان العام الولاية، ولا بالقاضي الخاص الولاية بالأحكام الشرعية، بل مثلها الوالي، وأن الإمام الراتب كصاحب البيت في ذلك‏.‏ قال في الإمداد‏:‏ وأما إذا اجتمعوا فالسلطان مقدم، ثم الأمير، ثم القاضي، ثم صاحب المنزل ولو مستأجرا، وكذا يقدم القاضي على إمام المسجد ‏(‏قوله والمستعير والمستأجر أحق‏)‏ لأن الإعارة تمليك المنافع، والمعير وإن كان له أن يرجع، بخلاف المؤجر، لكنه ما لم يرجع يبقى المستعير أحق، والكلام في ذلك لأنه إذا رجع لم تبق العارية وخرجت المسألة عن موضوعها فافهم‏.‏ ‏(‏قوله لما مر‏)‏ أي من قوله لعموم ولايتهما ولكنه غير مناسب لأن المراد بعموم الولاية عمومها للناس، وهذان ليسا كذلك‏:‏ فكان عليه أن يقول لأن الولاية لهما في هذا الحالة دون المالك ح ‏(‏قوله لحديث إلخ‏)‏ هكذا رواه في النهر بالمعنى، وعزاه إلى الحلبي صاحب الحلية مع أنه في الحلية ذكره مطولا، ونقله في البحر عنها ‏(‏قوله والكراهة عليهم‏)‏ جزم في الحلية بأن الكراهة الأولى تحريمية للحديث، وتردد في هذه

‏(‏قوله ويكره تنزيها إلخ‏)‏ لقوله في الأصل‏:‏ إمامة غيرهم أحب إلي بحر عن المجتبى والمعراج، ثم قال‏:‏ فيكره لهم التقدم؛ ويكره الاقتداء بهم تنزيها؛ فإن أمكن الصلاة خلف غيرهم فهو أفضل وإلا فالاقتداء أولى من الانفراد ‏(‏قوله ولو معتقا‏)‏ يلزمه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه؛ فإن المعتق عبد باعتبار ما كان؛ اللهم إلا أن يكون من قبيل عموم المجاز بأن يراد بالعبد من اتصف بالرق وقتا ما، سواء كان في الحال أو فيما مضى ح ‏(‏قوله ولعله‏)‏ أي ولعل سبب كراهة المعتق ما قدمناه إلخ فإن تقديم الحر الأصلي مندوب إليه، وتركه مكروه تنزيها، فلذا قال‏:‏ إذ الكراهة إلخ‏.‏ وفي نسخة‏:‏ والعلة أي والعلة في كراهة إمامة المعتق أن الحر الأصلي أولى بالإمامة منه لأنه نشأ في الرق مشتغلا بخدمة المولى لم يتفرغ للتعلم رحمتي ‏(‏قوله وأعرابي‏)‏ نسبة إلى الأعراب لا واحد له من لفظه، ولبس جمعا لعرب كما في الصحاح، لكن في الرضى الظاهر أنه جمع قهستاني وهو من يسكن البادية عربيا أو عجميا بحر، وخصه في المصباح بأهل البدو من العرب ‏(‏قوله ومثله إلخ‏)‏ مبني على أن الأعرابي لا يشمل الأعجمي، وإلا فالمناسب‏:‏ ومنه‏.‏ والعلة في الكل غلبة الجهل ‏(‏قوله وفاسق‏)‏ من الفسق‏:‏ وهو الخروج عن الاستقامة، ولعل المراد به من يرتكب الكبائر كشارب الخمر، والزاني وآكل الربا ونحو ذلك، كذا في البرجندي إسماعيل‏.‏ وفي المعراج قال أصحابنا‏:‏ لا ينبغي أن يقتدي بالفاسق إلا في الجمعة لأنه في غيرها يجد إماما غيره‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في الفتح وعليه فيكره في الجمعة إذا تعددت إقامتها في المصر على قول محمد المفتى به لأنه بسبيل إلى التحول ‏(‏قوله ونحوه الأعشى‏)‏ هو سيئ البصر ليلا ونهارا قاموس، وهذا ذكره في النهر بحثا أخذا من تعليل الأعمى بأنه لا يتوقى النجاسة ‏(‏قوله أي غير الفاسق‏)‏ تبع في ذلك صاحب البحر‏:‏ حيث قال‏:‏ قيد كراهة إمامة الأعمى في المحيط وغيره بأن لا يكون أفضل القوم، فإن كان أفضلهم فهو أولى ا هـ‏.‏ ثم ذكر أنه ينبغي جريان هذا القيد في العبد والأعرابي وولد الزنا، ونازعه في النهر بأنه في الهداية علل للكراهة بغلبة الجهل فيهم، وبأن في تقديمهم تنفير الجماعة، ومقتضى الثانية ثبوت الكراهة مع انتفاء الجهل، لكن ورد في الأعمى نص خاص هو «استخلافه صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم وعتبان على المدينة وكانا أعميين»، لأنه لم يبق من الرجال من هو أصلح منهما، وهذا هو المناسب لإطلاقهم واقتصارهم على استثناء الأعمى‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله أن قوله إلا أن يكون أعلم القوم خاص بالأعمى، أما غيره فلا تنتفي الكراهة بعلمه، لكن ما بحثه في البحر صرح به في الاختيار حيث قال‏:‏ ولو عدمت أي علة الكراهة بأن كان الأعرابي أفضل من الحضري، والعبد من الحر، وولد الزنا من ولد الرشدة، والأعمى من البصير فالحكم بالضد ا هـ‏.‏ ونحوه في شرح الملتقى للبهنسي وشرح درر البحار، ولعل وجهه أن تنفير الجماعة بتقديمه يزول إذا كان أفضل من غيره، بل التنفير يكون في تقدم غيره‏.‏ وأما الفاسق فقد عللوا كراهة تقديمه بأنه لا يهتم لأمر دينه، وبأن في تقديمه للإمامة تعظيمه، وقد وجب عليهم إهانته شرعا، ولا يخفى أنه إذا كان أعلم من غيره لا تزول العلة، فإنه لا يؤمن أن يصلي بهم بغير طهارة فهو كالمبتدع تكره إمامته بكل حال، بل مشى في شرح المنية على أن كراهة تقديمه كراهة تحريم لما ذكرنا قال‏:‏ ولذا لم تجز الصلاة خلفه أصلا عند مالك ورواية عن أحمد، فلذا حاول الشارح في عبارة المصنف وحمل الاستثناء على غير الفاسق، والله أعلم‏.‏

مطلب البدعة خمسة أقسام

‏(‏قوله أي صاحب بدعة‏)‏ أي محرمة، وإلا فقد تكون واجبة، كنصب الأدلة للرد على أهل الفرق الضالة، وتعلم النحو المفهم للكتاب والسنة ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد‏.‏ ومباحة كالتوسع بلذيذ المآكل والمشارب والثياب كما في شرح الجامع الصغير للمناوي عن تهذيب النووي، وبمثله في الطريقة المحمدية للبركلي ‏(‏قوله وهي اعتقاد إلخ‏)‏ عزاه هذا التعريف في هامش الخزائن إلى الحافظ ابن حجر في شرح النخبة، ولا يخفى أن الاعتقاد يشمل ما كان معه عمل أو لا، فإن من تدين بعمل لا بد أن يعتقده كمسح الشيعة على الرجلين وإنكارهم المسح على الخفين وذلك، وحينئذ فيساوي تعريف الشمني لها بأنها ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة واستحسان، وجعل دينا قويما وصراطا مستقيما ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله لا بمعاندة‏)‏ أما لو كان معاندا للأدلة القطعية التي لا شبهة له فيها أصلا كإنكار الحشر أو حدوث العالم ونحو ذلك، فهو كافر قطعا ‏(‏قوله بل بنوع شبهة‏)‏ أي وإن كانت فاسدة كقول منكر الرؤية بأنه تعالى لا يرى لجلاله وعظمته ‏(‏قوله وكل من كان من قبلتنا لا يكفر بها‏)‏ أي بالبدعة المذكورة المبنية على شبهة إذ لا خلاف في كفر المخالف في ضروريات الإسلام من حدوث العالم وحشر الأجساد ونفي العلم بالجزئيات وإن كان من أهل القبلة المواظب طول عمره على الطاعات كما في شرح التحرير ‏(‏قوله حتى الخوارج‏)‏ أراد بهم من خرج عن معتقد أهل الحق لا خصوص الفرقة الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله تعالى عنه وكفروه، فيشمل المعتزلة والشيعة وغيرهم ‏(‏قوله وسب الرسول‏)‏ هكذا في غالب النسخ، ورأيته كذلك في الخزائن بخط الشارح، وفيه أن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم كافر قطعا، فالصواب وسب أصحاب الرسول، وقيدهم المحشي بغير الشيخين لما سيأتي في باب المرتد أن سابهما أو أحدهما كافر‏.‏ أقول‏:‏ ما سيأتي محمول على سبهما بلا شبهة، لما صرح به في شرح المنية من أن سابهما أو منكر خلافتهما إذا بناه على شبهة له لا يكفر وإن كان قوله كفرا في حد ذاته لأنهم ينكرون حجية الإجماع بإتهامهم الصحابة، فكان شبهة في الجملة وإن كانت باطلة، بخلاف من ادعى أن عليا إله وأن جبريل غلط لأنه ليس عن شبهة واستفراغ وسع في الاجتهاد، بل محض هوى، وتمامه فيه فراجعه‏:‏ وقد أوضحت هذا المقام في كتابي‏:‏ ‏[‏تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام‏]‏ ‏(‏قوله لكونه عن تأويل إلخ‏)‏ علة لقوله لا يكفر بها‏.‏ قال المحقق ابن الهمام في أواخر التحرير‏:‏ وجهل المبتدع كالمعتزلة مانعي ثبوت الصفات الزائدة وعذاب القبر والشفاعة وخروج مرتكب الكبيرة والرؤية لا يصلح عذرا، لوضوح الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة، لكن لا يكفر، إذ تمسكه بالقرآن أو الحديث أو العقل، وللنهي عن تكفير أهل القبلة والإجماع على قبول شهادتهم ولا شهادة لكافر على مسلم، وعدمه في الخطابية ليس لكفرهم‏:‏ أي بل لتدينهم شهادة الزور لمن كان على رأيهم أو حلف أنه محق‏.‏ وأورد أن استباحة المعصية كفر‏.‏ وأجيب إذا كان عن مكابرة وعدم دليل، بخلاف ما عن دليل شرعي، والمبتدع مخطئ في تمسكه لا مكابر، والله أعلم بسرائر عباده‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ومنا من كفرهم‏)‏ أي منا معشر أهل السنة والجماعة من كفر الخوارج‏:‏ أي أصحاب البدع؛ أو المراد منا معشر الحنفية‏.‏ وأفاد أن المعتمد عندنا خلافه، فقد نقل في البحر عن الخلاصة فروعا تدل على كفر بعضهم‏.‏ ثم قال‏:‏ والحاصل أن المذهب عدم تكفير أحد من المخالفين فيما ليس من الأصول المعلومة من الدين ضرورة إلخ فافهم ‏(‏قوله كقوله جسم كالأجسام‏)‏ وكذا لو لم يقل كالأجسام، وأما لو قال لا كالأجسام فلا يكفر لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم الموهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام، فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية، وتمامه في البحر ‏(‏قوله وإنكاره صحبة الصديق‏)‏ لما فيه من تكذيب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ يقول لصاحبه‏}‏ ح‏.‏ وفي الفتح عن الخلاصة‏:‏ ومن أنكر خلافة الصديق أو عمر فهو كافر ا هـ‏.‏ ولعل المراد إنكار استحقاقهما الخلافة، فهو مخالف لإجماع الصحابة لا إنكار وجودها لهما بحر‏.‏ وينبغي تقييد الكفر بإنكار الخلافة بما إذا لم يكن عن شبهة كما مر عن شرح المنية، بخلاف إنكار صحبة الصديق تأمل ‏(‏قوله أصلا‏)‏ تأكيد، وليس المراد به في حالة كذا ولا في حالة كذا إذ ليس هنا أحوال ح ‏(‏قوله وولد الزنا‏)‏ إذ ليس له أب يربيه ويؤدبه ويعلمه فيغلب عليه الجهل بحر، أو لنفرة الناس عنه ‏(‏قوله هذا‏)‏ أي ما ذكر من كراهة إمامة المذكورين ‏(‏قوله إن وجد غيرهم‏)‏ أي من هو أحق بالإمامة منهم ‏(‏قوله بحر بحثا‏)‏ قد علمت أنه موافق للمنقول عن الاختيار وغيره ‏(‏قوله نال فضل الجماعة‏)‏ أفاد أن الصلاة خلفهما أولى من الانفراد، لكن لا ينال كما ينال خلف تقي ورع لحديث‏:‏ «من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي» قال في الحلية‏:‏ ولم يجده المخرجون نعم أخرج الحاكم في مستدركه مرفوعا‏:‏ «إن سركم أن يقبل الله صلاتكم فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم»‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في إمامة الأمرد

‏(‏قوله وكذا تكره خلف أمرد‏)‏ الظاهر أنها تنزيهية أيضا‏.‏ والظاهر أيضا كما قال الرحمتي أن المراد به الصبيح الوجه لأنه محل الفتنة، وهل يقال هنا أيضا‏:‏ إذا كان أعلم القوم تنتفي الكراهة‏:‏ فإن كانت علة الكراهة خشية الشهوة وهو الأظهر فلا، وإن كانت غلبة الجهل أو نفرة الناس من الصلاة خلفه فنعم فتأمل‏.‏ والظاهر أن ذا العذار الصبيح المشتهى كالأمرد تأمل هذا، وفي حاشية المدني عن الفتاوى العفيفية‏:‏ سئل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن عيسى المرشدي عن شخص بلغ من السن عشرين سنة وتجاوز حد الإنبات ولم ينبت عذاره، فهل يخرج بذلك عن حد الأمردية، وخصوصا وقد نبت له شعرات في ذقنه تؤذن بأنه ليس من مستديري اللحى، فهل حكمه في الإمامة كالرجال الكاملين أم لا أجاب‏:‏ سئل العلامة الشيخ أحمد بن يونس المعروف بابن الشلبي من متأخري علماء الحنفية عن هذه المسألة‏.‏ فأجاب بالجواز من غير كراهة، وناهيك به قدوة، والله أعلم‏.‏ وكذلك عنها المفتي محمد تاج الدين القلعي فأجاب كذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وسفيه‏)‏ هو الذي لا يحسن التصرف على مقتضى الشرع أو العدل كما سيذكره في الحجر ط ‏(‏قوله ومفلوج وأبرص شاع برصه‏)‏ وكذلك أعرج يقوم ببعض قدمه، فالاقتداء بغيره أولى تتارخانية، وكذا أجذم برجندي، ومجبوب وحاقن، ومن له يد واحدة فتاوى الصوفية عن التحفة‏.‏ والظاهر أن العلة النفرة، ولذا قيد الأبرص بالشيوع ليكون ظاهرا ولعدم إمكان إكمال الطهارة أيضا في المفلوج والأقطع والمجبوب، ولكراهة صلاة الحاقن أي ببول ونحوه ‏(‏قوله وشارب الخمر إلى قوله ومتصنع‏)‏ تكرار مع قول المتن فاسق ح‏.‏ والنمام‏:‏ من ينقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد، وهي من الكبائر‏.‏ ويحرم على الإنسان قبولها‏.‏ والمرائي‏:‏ من يقصد أن يراه الناس، سواء تكلف تحسين الطاعات أو لا‏.‏ والمتصنع‏:‏ من يتكلف تحسينها فهو أخص مما قبله ط

‏(‏قوله ومن أم بأجرة‏)‏ بأن استؤجر ليصلي إماما سنة أو شهرا بكذا، وليس منه ما شرطه الواقف عليه فإنه صدقة ومعونة له رحمتي‏:‏ أي يشبه الصدقة، ويشبه الأجرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الوقف‏.‏ على أن المفتى به مذهب المتأخرين من جواز الاستئجار على تعليم القرآن والإمامة والأذان للضرورة؛ بخلاف الاستئجار على التلاوة المجردة وبقية الطاعات مما لا ضرورة إليه فإنه لا يجوز أصلا كما سنحققه في كتاب الإجارة إن شاء الله تعالى فافهم ‏(‏قوله لكن في وتر البحر إلخ‏)‏ هذا هو المعتمد، لأن المحققين جنحوا إليه، وقواعد المذهب شاهدة عليه‏.‏ وقال كثير من المشايخ‏:‏ إن كان عادته مراعاة مواضع الخلاف جاز وإلا فلا، ذكره السندي المتقدم ذكره ح‏.‏ قلت‏:‏ وهذا بناء على أن العبرة لرأي المقتدي وهو الأصح، وقيل لرأي الإمام وعليه جماعة‏.‏ قال في النهاية‏:‏ وهو أقيس وعليه فيصح الاقتداء وإن كان لا يحتاط كما يأتي في الوتر ‏(‏قوله إن تيقن المراعاة لم يكره إلخ‏)‏ أي المراعاة في الفرائض من شروط وأركان في تلك الصلاة وإن لم يراع الواجبات والسنن كما هو ظاهر سياق كلام البحر‏.‏

مطلب في الاقتداء بشافعي ونحوه هل يكره أم لا‏؟‏

وظاهر كلام شرح المنية أيضا حيث قال‏:‏ وأما الاقتداء بالمخالف في الفروع كالشافعي فيجوز ما لم يعلم منه ما يفسد الصلاة على اعتقاد المقتدي عليه الإجماع، إنما اختلف في الكراهة‏.‏ ا هـ‏.‏ فقيد بالمفسد دون غيره كما ترى‏.‏ وفي رسالة ‏[‏الاهتداء في الاقتداء‏]‏ لمنلا علي القارئ‏:‏ ذهب عامة مشايخنا إلى الجواز إذا كان يحتاط في موضع الخلاف وإلا فلا‏.‏ والمعنى أنه يجوز في المراعي بلا كراهة وفي غيره معها‏.‏ ثم المواضع المهملة للمراعاة أن يتوضأ من الفصد والحجامة والقيء والرعاف ونحو ذلك، لا فيما هو سنة عنده مكروه عندنا؛ كرفع اليدين في الانتقالات، وجهر البسملة وإخفائها، فهذا وأمثاله لا يمكن فيه الخروج عن عهدة الخلاف، فكلهم يتبع مذهبه ولا يمنع مشربه ا هـ‏.‏ وفي حاشية الأشباه للخير الرملي‏:‏ الذي يميل إليه خاطري القول بعدم الكراهة، إذا لم يتحقق منه مفسد‏.‏ ا هـ‏.‏ وبحث المحشي أنه إن علم أنه راعى في الفروض والواجبات والسنن فلا كراهة، وإن علم تركها في الثلاثة لم يصح، وإن لم يدر شيئا كره لأن بعض ما يجب تركه عندنا يسن فعله عنده فالظاهر أن يفعله، وإن علم تركها في الأخيرين فقط ينبغي أن يكره لأنه إذا كره عند احتمال ترك الواجب فعند تحققه بالأولى، وإن علم تركها في الثالث فقط ينبغي أن يقتدي به لأن الجماعة واجبة فتقدم على تركه كراهة التنزيه ا هـ‏.‏ وسبقه إلى نحو ذلك العلامة البيري في رسالته، حيث ادعى أن الانفراد أفضل من الاقتداء به قال‏:‏ إذ لا ريب أنه يأتي في صلاته بما تجب الإعادة به عندنا أو تستحب، لكن رد عليه ذلك غيره في رسالة أيضا، وقد أسمعناك ما يؤيد الرد، نعم نقل الشيخ خير الدين عن الرملي الشافعي أنه مشى على كراهة الاقتداء بالمخالف حيث أمكنه غيره، ومع ذلك هي أفضل من الانفراد، ويحصل له فضل الجماعة، وبه أفتى الرملي الكبير، واعتمده السبكي والإسنوي وغيرهما‏.‏ قال الشيخ خير الدين‏:‏ والحاصل أن عندهم في ذلك اختلافا، وكل ما كان لهم علة في الاقتداء بنا صحة وفسادا وأفضلية كان لنا مثله عليهم، وقد سمعت ما اعتمده الرملي وأفتى به، والفقير أقول مثل قوله فيما يتعلق باقتداء الحنفي بالشافعي والفقيه المنصف يسلم ذلك‏:‏ وأنا رملي فقه الحنفي لا مرا بعد اتفاق العالمين ا هـ‏.‏ ملخصا أي لا جدال بعد اتفاق عالمي المذهبين وهما رملي الحنفية يعني به نفسه ورملي الشافعية رحمهما الله تعالى، فتحصل أن الاقتداء بالمخالف المراعى في الفرائض أفضل من الانفراد إذ لم يجد غيره، وإلا فالاقتداء بالموافق أفضل‏.‏

مطلب إذا صلى الشافعي قبل الحنفي هل الأفضل الصلاة مع الشافعي أم لا‏؟‏

بقي ما إذا تعددت الجماعات في المسجد وسبقت جماعة الشافعية مع حضور نقل ط عن رسالة لابن نجيم أن الأفضل الاقتداء بالشافعي، بل يكره التأخير لأن تكرار الجماعة في مسجد واحد مكروه عندنا على المعتمد، إلا إذا كانت الجماعة الأولى غير أهل ذلك المسجد، أو أديت الجماعة على وجه مكروه لأنه لا يخلو الحنفي حالة صلاة الشافعي، إما أن يشتغل بالرواتب لينتظر الحنفي وذلك منهي عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة»، وإما أن يجلس وهو مكروه أيضا لإعراضه عن الجماعة من غير كراهة في جماعتهم على المختار ا هـ‏.‏ ونحوه في حاشية المدني عن الشيخ والده الشيخ محمد أكرم وخاتمة المحققين السيد محمد أمين ميزباد شاه والشيخ إسماعيل الشرواني، فإنهم رجحوا أن الصلاة مع أول جماعة أفضل‏.‏ قال‏:‏ وقال الشيخ عبد الله العفيف في فتاواه العفيفية عن الشيخ عبد الرحمن المرشدي‏:‏ وقد كان شيخنا شيخ الإسلام مفتي بلد الله الحرام الشيخ علي بن جار الله ابن ظهيرة الحنفي لا يزال يصلي مع الشافعية عند تقدم جماعتهم وكنت أقتدي به في الاقتداء بهم ا هـ‏.‏ وخالفهم العلامة الشيخ إبراهيم البيري بناء على كراهة الاقتداء بهم لعدم مراعاتهم في الواجبات والسنن، وأن الانفراد أفضل لو لم يدرك إمام مذهبه، وخالفهم أيضا العلامة الشيخ السندي تلميذ ابن الهمام فقال‏:‏ الاحتياط في عدم الاقتداء به ولو مراعيا، وكذا العلامة المنلا علي القارئ فقال بعد ما قدمناه عنه من عدم كراهة الاقتداء بهم‏:‏ ولو كان لكل مذهب إمام كما في زماننا فالأفضل الاقتداء بالموافق سواء تقدم أو تأخر، على ما استحسنه عامة المسلمين وعمل به جمهور المؤمنين من أهل الحرمين والقدس ومصر والشام، ولا عبرة بمن شذ منهم‏.‏ ا هـ‏.‏ والذي يميل إليه القلب عدم كراهة الاقتداء بالمخالف ما لم يكن غير مراع في الفرائض، لأن كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا أئمة مجتهدين وهم يصلون خلف إمام واحد مع تباين مذاهبهم، وأنه لو انتظر إمام مذهبه بعيدا عن الصفوف لم يكن إعراضا عن الجماعة للعلم بأنه يريد جماعة أكمل من هذه الجماعة‏.‏ وأما كراهة تعدد الجماعة في مسجد واحد فقد ذكرنا الكلام عليها أول الباب، والله أعلم بالصواب‏.‏

‏(‏قوله تحريما‏)‏ أخذه في البحر من الأمر بالتخفيف في الحديث الآتي قال‏:‏ وهو للوجوب إلا لصارف ولإدخال الضرر على الغير ا هـ‏.‏ وجزم به في النهر ‏(‏قوله زائدا على قدر السنة‏)‏ عزاه في البحر إلى السراج والمضمرات‏.‏ قال‏:‏ وذكره في الفتح بحثا لا كما يتوهمه بعض الأئمة فيقرأ يسيرا في الفجر كغيرها ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لإطلاق الأمر بالتخفيف‏)‏ وهو ما في الصحيحين‏:‏ «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء»، وقد تبع الشارح في ذلك صاحب البحر‏.‏ واعترضه الشيخ إسماعيل بأن تعليل الأمر بما ذكر يفيد عدم الكراهة إذا رضي القوم‏:‏ أي إذا كانوا محصورين‏.‏ ويمكن حمل كلام البحر على غير المحصورين تأمل ‏(‏قوله وفي الشرنبلالية إلخ‏)‏ مقابل لقوله زائدا على قدر السنة‏.‏ وحاصله أنه يقرأ بقدر حال القوم مطلقا‏:‏ أي ولو دون القدر المسنون، وفيه نظر؛ أما أولا فلأنه مخالف للمنقول عن السراج والمضمرات كما مر؛ وأما ثانيا فلأن القدر المسنون لا يزيد على صلاة أضعفهم لأنه كان يفعله صلى الله عليه وسلم مع علمه بأنه يقتدي به الضعيف والسقيم ولا يتركه إلا وقت الضرورة؛ وأما ثالثا فلأن قراءة‏:‏ ‏{‏معاذ لما شكاه قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أفتان أنت يا معاذ» إنما كانت زائدة على القدر المسنون‏.‏ قال الكمال في الفتح‏:‏ وقد بحثنا أن التطويل‏:‏ هو الزيادة على القراءة المسنونة، فإنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقراءته هي المسنونة فلا بد من كون ما نهى عنه غير ما كان دأبه إلا لضرورة، وقراءة معاذ لما قال له صلى الله عليه وسلم ما قال كانت بالبقرة على ما في مسلم‏:‏ «أن معاذا افتتح بالبقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف» وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أممت بالناس فاقرأ بالشمس وضحاها - وسبح اسم ربك الأعلى - واقرأ باسم ربك - والليل إذا يغشى» لأنها كانت العشاء، وإن قوم معاذ كان العذر متحققا فيهم لا كسلا منهم فأمر فيهم بذلك لذلك، كما ذكر «أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في الفجر، فلما فرغ قالوا له أوجزت، قال‏:‏ سمعت بكاء صبي فخشيت أن تفتن أمه» ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ فقد ظهر من كلامه أنه لا ينقص عن المسنون إلا لضرورة كقراءته بالمعوذتين لبكاء الصبي، وظهر من حديث معاذ أنه لا ينقص عن المسنون لضعف الجماعة لأنه لم يعين له دون المسنون في صلاة العشاء بل نهاه عن الزيادة عليه مع تحقق العذر في قومه، فما استظهره الشرنبلالي من الحديث وحمل عليه كلام الكمال غير ظاهر، نعم ذكر في البحر في باب الوتر والنوافل عند الكلام على التراويح معزيا إلى المجتبى أن الحسن روى عن الإمام أنه إذا قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث آيات فقد أحسن ولم يسئ ا هـ‏.‏ لكنه لا ينافي ما قلنا لأنه أحسن بقراءة القدر الواجب ولم يسئ‏:‏ أي لم يصل إلى كراهة شديدة فتأمل‏.‏

‏(‏قوله ويكره تحريما‏)‏ صرح به في الفتح والبحر ‏(‏قوله ولو في التراويح‏)‏ أفاد أن الكراهة في كل ما تشرع فيه جماعة الرجال فرضا أو نفلا ‏(‏قوله لأنها لم تشرع مكررة إلخ‏)‏ قال في الفتح واعلم أن جماعتهن لا تكره في صلاة الجنازة لأنها فريضة وترك التقدم مكروه فدار الأمر بين فعل المكروه لفعل الفرض أو ترك الفرض لتركه فوجب الأول، بخلاف جماعتهن في غيرها، ولو صلين فرادى فقد تسبق إحداهن فتكون صلاة الباقيات نفلا والتنفل بها مكروه، فيكون فراغ تلك موجبا لفساد الفرضية لصلاة الباقيات كتقييد الخامسة بالسجدة لمن ترك القعدة الأخيرة ا هـ‏.‏ ومثله في البحر وغيره‏.‏ ومفاده أن جماعتهن في صلاة الجنازة واجبة حيث لم يكن غيرهن، ولعل وجهه الاحتراز عن فساد فرضية صلاة الباقيات إذا سبقت إحداهن‏.‏ وفيه أن الرجال لو صلوا منفردين يلزم فيها مثل ذلك، فيلزم عليه وجوب جماعتهم فيها مع أن المصرح به أن الجماعة فيها غير واجبة فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله لا تعاد‏)‏ لأنها لو أعيدت لوقعت نفلا مكروها ط ‏(‏قوله بصلاتها‏)‏ قيد به لأن الرجال لم تنعقد صلاتهم ح ‏(‏قوله إلا إذا استخلفها‏)‏ استثناء من قوله لا تعاد، وهذا ليس خاصا بالجنازة بل غيرها مثلها ‏(‏قوله فتفسد صلاة الكل‏)‏ أما الرجال والإمام فلعدم صحة اقتداء الرجال بالمرأة، وأما النساء والمقدمة فلأنهن دخلن في تحريمة كاملة فإذا انتقلن إلى تحريمة ناقصة لم يجز، كأنهن انتقلن من فرض إلى فرض آخر كما في البحر ح‏.‏ وظاهر التعليل يقتضي الفساد ولو كن نساء خلصا، أفاده أبو السعود ط‏.‏ والأظهر التعليل بأن الإمام يصير مقتديا بخليفته فتفسد صلاة من خلفه، بل باستخلافه من لا يصلح للإمامة تفسد صلاته فكذا من خلفه رحمتي ‏(‏قوله تقف الإمام‏)‏ بالمثناة الفوقية لأن فاعله الإمام هو هنا مؤنث حقيقي‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال منلا علي القارئ‏:‏ يجوز التذكير لأنه مصدر بمعنى المفعول‏:‏ أي المقتدى به‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي النهر‏:‏ هو من يؤتم به ذكرا كان أو أنثى‏.‏ وفي بعض النسخ الإمامة وترك الهاء هو الصواب لأنه اسم لا وصف‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وسطهن‏)‏ في المغرب الوسط بالتحرك اسم لعين ما بين طرفي الشيء كمركز الدائرة، وبالسكون اسم مبهم لداخل الدائرة مثلا، ولذا كان ظرفا والأول يجعل مبتدأ وفاعلا ومفعولا به إلخ‏.‏ وفي ضياء الحلوم‏:‏ الوسط بالسكون ظرف مكان وبالفتح اسم تقول وسط رأسه دهن بالسكون وفتح الطاء فهذا ظرف، وإذا فتحت السين رفعت الطاء وقلت وسط رأسه دهن فهذا اسم ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وعليه فيجوز هنا الفتح والسكون لأنها إذا وقفت في الصف صدق أنها في الوسط بالسكون وأنها عين الوسط بالتحريك، ويكون نصبه في الأول على الظرفية، وفي الثاني على الحالية لأنه بمعنى متوسطة فافهم ‏(‏قوله فلو تقدمت‏)‏ أثمت‏.‏ أفاد أن وقوفها وسطهن واجب كما صرح به في الفتح، وأن الصلاة صحيحة، وأنها إذا توسطت لا تزول الكراهة، وإنما أرشدوا إلى التوسط لأنه أقل كراهية من التقدم كما في السراج بحر ‏(‏قوله فيتقدمهن‏)‏ إذ لو صلى وسطهن فسدت صلاته بمحاذاتهن له على تقدير ذكورته ح أي وتفسد صلاتهن أيضا ‏(‏قوله فيتوسطهم إلخ‏)‏ أشار به إلى أن التشبيه بين العراة والنساء ليس من كل وجه بل في الانفراد وقيام الإمام في الوسط وإلا فالعراة يصلون قعودا وهو أفضل والنساء قائمات كما في البحر

‏(‏قوله ولو عجوزا ليلا‏)‏ بيان للإطلاق‏:‏ أي شابة أو عجوزا نهارا أو ليلا ‏(‏قوله على المذهب المفتى به‏)‏ أي مذهب المتأخرين‏.‏ قال في البحر‏:‏ وقد يقال هذه الفتوى التي اعتمدها المتأخرون مخالفة لمذهب الإمام وصاحبيه، فإنهم نقلوا أن الشابة تمنع مطلقا اتفاقا‏.‏ وأما العجوز فلها حضور الجماعة عند الإمام إلا في الظهر والعصر والجمعة أي وعندهما مطلقا، فالإفتاء بمنع العجائز في الكل مخالف للكل، فالاعتماد على مذهب الإمام‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في النهر‏:‏ وفيه نظر، بل هو مأخوذ من قول الإمام وذلك أنه إنما منعها لقيام الحامل وهو فرط الشهوة بناء على أن الفسقة لا ينتشرون في المغرب لأنهم بالطعام مشغولون وفي الفجر والعشاء نائمون؛ فإذا فرض انتشارهم في هذه الأوقات لغلبة فسقهم كما في زماننا بل تحريهم إياها كان المنع فيها أظهر من الظهر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ولا يخفى ما فيه من التورية اللطيفة‏.‏ وقال الشيخ إسماعيل‏:‏ وهو كلام حسن إلى الغاية ‏(‏قوله واستثنى الكمال إلخ‏)‏ أي مما أفتى به المتأخرون لعدم العلة السابقة فيبقى الحكم فيه على قول الإمام فافهم ‏(‏قوله ليس معهن رجل غيره‏)‏ ظاهره أن الخلوة بالأجنبية لا تنتفي بوجود امرأة أجنبية أخرى وتنتفي بوجود رجل آخر تأمل ‏(‏قوله كأخته‏)‏ من كلام الشارح كما رأيته في عدة نسخ، وكذا بخطه في الخزائن كتبه بالأسود وأفاد أن المراد بالمحرم ما كان من الرحم، لما قالوا من كراهة الخلوة بالأخت رضاعا والصهرة الشابة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله أو زوجته أو أمته‏)‏ بالرفع عطفا على رجل أو محرم لا بالجر عطفا على أخته؛ لما علمت أنه ليس من المتن وحينئذ فلا حاجة إلى دعوى تغلب المحرم فافهم ‏(‏قوله في المسجد‏)‏ لعدم تحقق الخلوة فيه، ولذا لو اجتمع بزوجته فيه لا يعد خلوة كما يأتي رحمتي ‏(‏قوله أما الواحدة فتتأخر‏)‏ فلو كان معه رجل أيضا يقيمه عن يمينه والمرأة خلفهما ولو رجلان يقيمهما خلفه والمرأة خلفهما بحر، وتأخر الواحدة محله إذا اقتدت برجل لا بامرأة مثلها ط عن البرجندي قوله على المذهب‏)‏ خلافا لما مر عن محمد من أنه يجعل أصابعه عند عقب الإمام بحر، ويأمره الإمام بذلك‏:‏ أي بالوقوف عن يمينه ولو بعد الشروع أشار إليه بيده لحديث‏:‏ «ابن عباس أنه قام عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأقامه عن يمينه» سراج ‏(‏قوله بل بالقدم‏)‏ فلو حاذاه بالقدم ووقع سجوده مقدما عليه لكون المقتدي أطول من إمامه لا يضر؛ ومعنى المحاذاة بالقدم المحاذاة بعقبه، فلا يضر تقدم أصابع المقتدي على الإمام حيث حاذاه بالعقب ما لم يفحش التفاوت بين القدمين، حتى لو فحش بحيث تقدم أكثر قدم المقتدي لعظم قدمه لا يصح كما أشار إليه بقوله ما لم يتقدم إلخ‏.‏ قال في البحر‏:‏ وأشار المصنف إلى أن العبرة إنما هو للقدم لا للرأس، فلو كان الإمام أقصر من المقتدي يقع رأس المقتدي قدام الإمام يجوز بعد أن يكون محاذيا بقدمه أو متأخرا قليلا، وكذا في محاذاة المرأة كما سيأتي، وإن تفاوتت الأقدام صغرا وكبرا فالعبرة للساق والكعب والأصح ما لم يتقدم أكثر قدم المقتدي لا تفسد صلاته كما في المجتبى انتهى، فما ذكره الشارح ليس مخالفا لما تقدم كما توهم رحمتي فافهم‏.‏ وفي القهستاني‏:‏ هذا في غير المومئ، والعبرة في المومئ للرأس حتى لو كان رأسه خلف إمامه ورجلاه قدام رجليه صح، وعلى العكس لا يصح كما في الزاهدي وغيره انتهى‏.‏ أقول‏:‏ وينبغي أن لا يكون قوله رأسه خلف إمامه قيدا، بل كذلك إذا ساواه على قياس ما تقدم‏.‏ وينبغي أيضا أن يكون هذا في المومئ المقتدي بصحيح أو بموم مثله وكان كل منهما قاعدا أو مستلقيا ورجلاه إلى القبلة، أما لو على جنبه فيشترط كون المؤتم مضطجعا خلف ظهر إمامه، ولا عبرة للرأس أصلا‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

إفراد القدم في كلام الشارح كغيره يفيد أن المحاذاة تعتبر بواحدة، ولم أره صريحا‏.‏ والظاهر أنه لو كان معتمدا على قدم واحد فالعبرة لها؛ ولو على القدمين فإن كانت إحداهما محاذية والأخرى متأخرة فلا كلام في الصحة وإن كانت الأخرى متقدمة فهل يصح نظرا للمحاذية أو لا نظرا للمتقدمة‏؟‏ محل نظر‏.‏ والظاهر الثاني ترجيحا للحاظر على المبيح كما قالوا فيما لو كانت إحدى قوائم الصيد في الحل والأخرى في الحرم، وقد رأيت فيه في كتب الشافعية اختلاف ترجيح‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

قال في منية المفتي‏:‏ اقتدى على سطح وقام بحذاء رأس الإمام، ذكر الحلواني أنه لا يجوز والسرخسي يجوز‏.‏

مطلب هل الإساءة دون الكراهة أو أفحش منها‏؟‏

‏(‏قوله كره اتفاقا‏)‏ الظاهر أن الكراهة تنزيهية لتعليلها في الهداية وغيرها بمخالفة السنة، ولقوله في الكافي جاز وأساء، وكذا نقله الزيلعي عن محمد، لكن قدمنا في أول بحث سنن الصلاة اختلاف عبارتهم في أن الإساءة دون الكراهة أو أفحش منها، ووفقنا بينها بأنها دون كراهة التحريم، وأفحش من كراهة التنزيه، فراجعه ‏(‏قوله والزائد خلفه‏)‏ عدل تبعا للوقاية عن قول الكنز والاثنان خلفه لأنه غير خاص بالاثنين، بل المراد ما زاد على الواحد اثنان فأكثر، نعم يفهم حكم الأكثر بالأولى‏.‏ وفي القهستاني‏:‏ وكيفيته أن يقف أحدهما بحذائه والآخر بيمينه إذا كان الزائد اثنين، ولو جاء ثالث وقف عن يسار الأول، والرابع عن يمين الثاني والخامس عن يسار الثالث، وهكذا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه إشارة إلى أن الزائد لو جاء بعد الشروع يقوم خلف الإمام ويتأخر المقتدي الأول ويأتي تمامه قريبا ‏(‏قوله كره تنزيها‏)‏ وفي رواية لا يكره، والأولى أصح كما في الإمداد ‏(‏قوله وتحريما لو أكثر‏)‏ أفاد أن تقدم الإمام أمام الصف واجب كما أفاده في الهداية والفتح ‏(‏قوله كره إجماعا‏)‏ أي للمؤتم، وليس على الإمام منها شيء، ويتخلص من الكراهة بالقهقرى إلى خلف إن لم يكن المحل ضيقا على الظاهر، وانظر هذا مع قولهم‏:‏ لو كان مع الإمام واحد على الدكان والباقي دونه لا يكره، وقد تزول المخالفة بأن تكون الثانية موضوعها إذا كان المؤتم خلفه ط‏.‏ أقول‏:‏ لم أر التصريح بالواحد، وإنما صرحوا بكراهة انفراد الإمام على الدكان؛ ولو كان معه بعض القوم لا يكره، فيمكن التوفيق بحمل البعض على جماعة من القوم، فلا ينافي ما هنا‏.‏ وأيضا قد صرحوا بكراهة قيام الواحد وحده وإن لم يجد فرجة تأمل‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

إذا اقتدى بإمام فجاء آخر يتقدم الإمام موضع سجوده كذا في مختارات النوازل‏.‏ وفي القهستاني عن الجلابي أن المقتدي يتأخر عن اليمين إلى خلف إذا جاء آخر‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الفتح‏:‏ ولو اقتدى واحد بآخر فجاء ثالث يجذب المقتدي بعد التكبير ولو جذبه قبل التكبير لا يضره، وقيل يتقدم الإمام ا هـ‏.‏ ومقتضاه أن الثالث يقتدي متأخرا ومقتضى القول بتقدم الإمام أنه يقوم بجنب المقتدي الأول‏.‏ والذي يظهر أنه ينبغي للمقتدي التأخر إذا جاء ثالث فإن تأخر وإلا جذبه الثالث إن لم يخش إفساد صلاته، فإن اقتدى عن يسار الإمام يشير إليهما بالتأخر، وهو أولى من تقدمه لأنه متبوع ولأن الاصطفاف خلف الإمام من فعل المقتدين لا الإمام، فالأولى ثباته في مكانه وتأخر المقتدي، ويؤيده ما في الفتح عن صحيح مسلم‏:‏ «قال جابر سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي فجئت حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه، فجاء ابن صخر حتى قام عن يساره فأخذ بيديه جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه» ا هـ‏.‏ وهذا كله عند الإمكان وإلا تعين الممكن‏.‏ والظاهر أيضا أن هذا إذا لم يكن في القعدة الأخيرة وإلا اقتدى الثالث عن يسار الإمام ولا تقدم ولا تأخر ‏(‏قوله الخلل‏)‏ هو انفراج ما بين الشيئين قاموس، وهو على وزن جبل ط ‏(‏قوله ويقف وسطا‏)‏ قال في المعراج‏:‏ وفي مبسوط بكر‏:‏ السنة أن يقوم في المحراب ليعتدل الطرفان، ولو قام في أحد جانبي الصف يكره، ولو كان المسجد الصيفي بجنب الشتوي وامتلأ المسجد يقوم الإمام في جانب الحائط ليستوي القوم من جانبيه والأصح ما روي عن أبي حنيفة أنه قال‏:‏ أكره أن يقوم بين الساريتين أو في زاوية أو في ناحية المسجد أو إلى سارية لأنه خلاف عمل الأمة‏.‏ قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «توسطوا الإمام وسدوا الخلل» ومتى استوى جانباه يقوم عن يمين الإمام إن أمكنه وإن وجد في الصف فرجة سدها وإلا انتظر حتى يجيء آخر فيقفان خلفه، وإن لم يجئ حتى ركع الإمام يختار أعلم الناس بهذه المسألة فيجذبه ويقفان خلفه، ولو لم يجد عالما يقف خلف الصف بحذاء الإمام للضرورة، ولو وقف منفردا بغير عذر تصح صلاته عندنا خلافا لأحمد‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في الكراهة قيام الإمام في غير المحراب

‏[‏تنبيه‏]‏

يفهم من قوله أو إلى سارية كراهة قيام الإمام في غير المحراب، ويؤيده قوله قبله السنة أن يقوم في المحراب، وكذا قوله في موضع آخر‏:‏ السنة أن يقوم الإمام إزاء وسط الصف، ألا ترى أن المحاريب ما نصبت إلا وسط المساجد وهي قد عينت لمقام الإمام ا هـ‏.‏ والظاهر أن هذا في الإمام الراتب لجماعة كثيرة لئلا يلزم عدم قيامه في الوسط، فلو لم يلزم ذلك لا يكره تأمل‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

ذكر في البدائع في بحث الصلاة في الكعبة أن الأفضل للإمام أن يقف في مقام إبراهيم

‏(‏قوله وخير صفوف الرجال أولها‏)‏ لأنه روي في الأخبار ‏"‏ إن الله تعالى إذا أنزل الرحمة على الجماعة ينزلها أولا على الإمام، ثم تتجاوز عنه إلى من بحذائه في الصف الأول، ثم إلى الميامن، ثم إلى المياسر، ثم إلى الصف الثاني ‏"‏ وتمامه في البحر‏:‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في المعراج‏:‏ الأفضل أن يقف في الصف الآخر إذا خاف إيذاء أحد‏.‏ قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي مسلما أضعف له أجر الصف الأول» وبه أخذ أبو حنيفة ومحمد، وفي كراهة ترك الصف الأول مع إمكانه خلاف ا هـ‏.‏ أي لو تركه مع عدم خوف الإيذاء، وهذا لو قبل الشروع؛ فلو شرعوا وفي الصف الأول فرجة له خرق الصفوف كما يأتي قريبا‏.‏

مطلب في جواز الإيثار بالقرب

وفي حاشية الأشباه للحموي عن المضمرات عن النصاب‏:‏ وإن سبق أحد إلى الصف الأول فدخل رجل أكبر منه سنا أو أهل علم ينبغي أن يتأخر ويقدمه تعظيما له ا هـ‏.‏ فهذا يفيد جواز الإيثار بالقرب بلا كراهة خلافا للشافعية‏.‏ وقال في الأشباه‏:‏ لم أره لأصحابنا‏.‏ ونقل العلامة البيري فروعا تدل على عدم الكراهة، ويدل عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‏}‏ وما في صحيح مسلم من «أنه عليه الصلاة والسلام أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه أصغر القوم وهو ابن عباس وعن يساره أشياخ، فقال عليه الصلاة والسلام للغلام‏:‏ أتأذن لي في أن أعطي هؤلاء‏؟‏ فقال الغلام لا والله، فأعطاه الغلام» إذ لا ريب أن مقتضى طلب الإذن مشروعية ذلك بلا كراهة وإن جاز أن يكون غير أفضل‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وينبغي تقييد المسألة بما إذا عارض تلك القربة ما هو أفضل منها؛ كاحترام أهل العلم والأشياخ، كما أفاده الفرع السابق والحديث فإنهما يدلان على أنه أفضل من القيام في الصف الأول، ومن إعطاء الإناء لمن له الحق وهو من على اليمين، فيكون الإيثار بالقربة انتقالا من قربة إلى ما هو أفضل منها وهو الاحترام المذكور‏.‏ أما لو آثره على مكانه في الصف مثلا من ليس كذلك يكون أعرض عن القربة بلا داع، وهو خلاف المطلوب شرعا، وينبغي أن يحمل عليه ما في النهر من قوله‏:‏ واعلم أن الشافعية ذكروا أن الإيثار بالقرب مكروه كما لو كان في الصف الأول فلما أقيمت آثر به وقواعدنا لا تأباه‏.‏ ا هـ‏.‏