فصل: تابع مقدمة المؤلف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


تابع مقدمة المؤلف

مطلب في طبقات المسائل وكتب ظاهر الرواية

وفي كتاب الحج من البحر أن كافي الحاكم هو جمع كلام محمد في كتبه الستة التي هي ظاهر الرواية، وفسر في معراج الدراية قبيل باب الإحصار الأصل بالمبسوط، وفي باب العيدين من البحر والنهر أن الجامع الصغير صنفه محمد بعد الأصل، فما فيه هو المعول عليه، ثم قال في النهر‏:‏ سمي الأصل أصلا؛ لأنه صنف أولا، ثم الجامع الصغير، ثم الكبير، ثم الزيادات، كذا في غاية البيان‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي في أول شرحه على السير الكبير أن السير الكبير هو آخر تصنيف صنفه محمد في الفقه‏.‏ وفي شرح المنية لابن أمير الحاج الحلبي في بحث التسميع أن محمدا قرأ أكثر الكتب على أبي يوسف إلا ما كان فيه اسم الكبير فإنه من تصنيف محمد‏:‏ كالمضاربة الكبير والمزارعة الكبير والمأذون الكبير والجامع الكبير والسير الكبير، وتمام هذه الأبحاث في منظومتنا في رسم المفتي وفي شرحها‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

قدمنا عن فتح القدير كيفية الإفتاء مما في الكتب، فلا يجوز الإفتاء مما في الكتب الغريبة‏.‏ وفي شرح الأشباه لشيخنا المحقق هبة الله البعلي، قال شيخنا العلامة صالح الجنيني‏:‏ إنه لا يجوز الإفتاء من الكتب المختصرة كالنهر وشرح الكنز للعيني والدر المحتار شرح تنوير الأبصار، أو لعدم الاطلاع على حال مؤلفيها كشرح الكنز لمنلا مسكين وشرح النقاية للقهستاني، أو لنقل الأقوال الضعيفة فيها كالقنية للزاهدي، فلا يجوز الإفتاء من هذه إلا إذا علم المنقول عنه وأخذه منه، هكذا سمعته منه وهو علامة في الفقه مشهور والعهدة عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وينبغي إلحاق الأشباه والنظائر بها، فإن فيها من الإيجاز في التعبير ما لا يفهم معناه إلا بعد الاطلاع على مأخذه، بل فيها في مواضع كثيرة الإيجاز المخل، يظهر ذلك لمن مارس مطالعتها مع الحواشي فلا يأمن المفتي من الوقوع في الغلط إذا اقتصر عليها فلا بد له من مراجعة ما كتب عليها من الحواشي أو غيرها‏.‏ ورأيت في حاشية أبي السعود الأزهري على شرح منلا مسكين أنه لا يعتمد على فتاوى ابن نجيم ولا على فتاوى الطوري‏.‏

مطلب إذا تعارض التصحيح

‏(‏قوله‏:‏ والأصح كما في السراجية‏)‏ أقول‏:‏ عبارتها ثم الفتوى على الإطلاق على قول أبي حنيفة، ثم قول أبي يوسف ثم قول محمد، ثم قول زفر والحسن بن زياد‏.‏ وقيل إذا كان أبو حنيفة في جانب وصاحباه في جانب فالمفتي بالخيار، والأول أصح إذا لم يكن المفتي مجتهدا ا هـ‏.‏ فمقابل الأصح غير مذكور في كلام الشارح فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بقول الإمام‏)‏ قال عبد الله بن المبارك لأنه رأى الصحابة وزاحم التابعين في الفتوى، فقوله أشد وأقوى ما لم يكن اختلاف عصر وزمان كذا في تصحيح العلامة قاسم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على الإطلاق‏)‏ أي سواء انفرد وحده في جانب أو لا كما يفيده كلام السراجية من مقابلته بالقول الثاني المفصل فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم بقول الثاني‏)‏ أي ثم إذا لم يوجد للإمام رواية يؤخذ بقول الثاني وهو أبو يوسف، فإن لم يوجد له رواية أيضا فيؤخذ بقول الثالث وهو محمد إلخ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وصحح في الحاوي القدسي قوة المدرك‏)‏ أي الدليل وبه عبر في الحاوي‏.‏ قال ح‏:‏ والذي يظهر في التوفيق أي بين ما في الحاوي وما في السراجية أن من كان له قوة إدراك لقوة المدرك يفتي بالقول القوي المدرك وإلا فالترتيب‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ يدل عليه قول السراجية والأول أصح إذا لم يكن المفتي مجتهدا، فهو صريح في أن المجتهد يعني من كان أهلا للنظر في الدليل يتبع من الأقوال ما كان دليلا وإلا فاتبع الترتيب السابق، ومن هذا تراهم قد يرجحون قول بعض أصحابه على قوله كما رجحوا قول زفر وحده في سبع عشرة مسألة، فنتبع ما رجحوه؛ لأنهم أهل النظر في الدليل، ولم يذكر ما إذا اختلفت الروايات عن الإمام أو لم يوجد عنه ولا عن أصحابه رواية أصلا، ففي الأول يؤخذ بأقواها حجة كما في الحاوي، ثم قال‏:‏ وإذا لم يوجد في الحادثة عن واحد منهم جواب ظاهر وتكلم فيه المشايخ المتأخرون قولا واحدا يؤخذ به، فإن اختلفوا يؤخذ بقول الأكثرين ثم الأكثرين مما اعتمد عليه الكبار المعروفون منهم كأبي حفص وأبي جعفر وأبي الليث والطحاوي وغيرهم ممن يعتمد عليه، وإن لم يوجد منهم جواب ألبتة نصا ينظر المفتي فيها نظر تأمل وتدبر واجتهاد ليجد فيها ما يقرب إلى الخروج عن العهدة ولا يتكلم فيها جزافا، ويخشى الله تعالى ويراقبه، فإنه أمر عظيم لا يتجاسر عليه إلا كل جاهل شقي‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

قد جعل العلماء الفتوى على قول الإمام الأعظم في العبادات مطلقا وهو الواقع بالاستقراء، ما لم يكن عنه رواية كقول المخالف كما في طهارة الماء المستعمل والتيمم فقط عند عدم غير نبيذ التمر كذا في شرح المنية الكبير للحلبي في بحث التيمم‏.‏ وقد صرحوا بأن الفتوى على قول محمد في جميع مسائل ذوي الأرحام‏.‏ وفي قضاء الأشباه والنظائر‏:‏ الفتوى‏:‏ على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء كما في القنية والبزازية ا هـ‏.‏ أي لحصول زيادة العلم له به بالتجربة، ولذا رجع أبو حنيفة عن القول بأن الصدقة أفضل من حج التطوع لما حج وعرف مشقته‏.‏ وفي شرح البيري أن الفتوى على قول أبي يوسف أيضا في الشهادات‏.‏ وعلى قول زفر في سبع عشرة مسألة حررتها في رسالة، وينبغي أن يكون هذا عند عدم ذكر أهل المتون للتصحيح، وإلا فالحكم بما في المتون كما لا يخفى؛ لأنها صارت متواترة ا هـ‏.‏‏:‏ وإذا كان في مسألة قياس واستحسان فالعمل على الاستحسان إلا في مسائل معدودة مشهورة‏.‏ وفي باب قضاء الفوائت من البحر‏:‏ المسألة إذا لم تذكر في ظاهر الرواية وثبتت في رواية أخرى تعين المصير إليها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي آخر المستصفى للإمام النسفي‏:‏ إذا ذكر في المسألة ثلاث أقوال فالراجح هو الأول أو الأخير لا الوسط‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح المنية‏:‏ ولا ينبغي أن يعدل عن الدراية إذا وافقتها رواية‏.‏ ا هـ‏.‏ ذكره في واجبات الصلاة في معرض ترجيح رواية وجوب الرفع من الركوع والسجود للأدلة الواردة مع أنها خلاف الرواية المشهورة عن الإمام‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفي وقف البحر إلى آخره‏)‏ هذا محمول على ما إذا لم يكن لفظ التصحيح في أحدهما آكد من الآخر كما أفاده ح‏:‏ أي فلا يخير بل يتبع الآكد كما سيأتي‏.‏ أقول‏:‏ وينبغي تقييد التخيير أيضا بما إذا لم يكن أحد القولين في المتون لما قدمناه آنفا عن البيري، ولما في قضاء الفوائت من البحر، من أنه إذا اختلف التصحيح والفتوى فالعمل بما وافق المتون أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا لو كان أحدهما في الشروح والآخر في الفتاوى لما صرحوا به من أن ما في المتون مقدم على ما في الشروح، وما في الشروح مقدم على ما في الفتاوى، لكن هذا عند التصريح بتصحيح كل من القولين أو عدم التصريح أصلا‏.‏ أما لو ذكرت مسألة المتون ولم يصرحوا بتصحيحها بل صرحوا بتصحيح مقابلها فقد أفاد العلامة قاسم ترجيح الثاني؛ لأنه تصحيح صريح، وما في المتون تصحيح التزامي، والتصحيح الصريح مقدم على التصحيح الالتزامي‏:‏ أي التزام المتون ذكر ما هو الصحيح في المذهب، وكذا لا تخيير لو كان أحدهما قول الإمام والآخر قول غيره؛ لأنه لما تعارض التصحيحان تساقطا فرجعنا إلى الأصل وهو تقديم قول الإمام، بل في شهادات الفتاوى الخيرية‏:‏ المقرر عندنا أنه لا يفتي ويعمل إلا بقول الإمام الأعظم، ولا يعدل عنه إلى قولهما أو قول أحدهما أو غيرهما إلا لضرورة كمسألة المزارعة وإن صرح المشايخ بأن الفتوى على قولهما؛ لأنه صاحب المذهب والإمام المقدم ا هـ‏.‏ ومثله في البحر عند الكلام على أوقات الصلاة، وفيه من كتاب القضاء‏:‏ يحل الإفتاء بقول الإمام بل يجب وإن لم يعلم من أين قال‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا لو عللوا أحدهما دون الآخر كان التعليق ترجيحا للمعلل كما أفاده الرملي في فتاواه من كتاب الغصب، وكذا لو كان أحدهما استحسانا والآخر قياسا؛ لأن الأصل تقديم الاستحسان إلا فيما استثنى كما قدمناه فيرجع إليه عند التعارض، وكذا لو كان أحدهما ظاهر الرواية وبه صرح في كتاب الرضاع من البحر حيث قال‏:‏ الفتوى إذا اختلفت كان الترجيح لظاهر الرواية، وفيه من باب المصرف‏:‏ إذا اختلف التصحيح وجب الفحص عن ظاهر الرواية والرجوع إليها، وكذا لو كان أحدهما أنفع للوقف لما سيأتي في الوقف والإجارات أنه يفتي بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه، وكذا لو كان أحدهما قول الأكثرين، لما قدمناه عن الحاوي‏.‏ والحاصل أنه إذا كان لأحد القولين مرجح على الآخر ثم صحح المشايخ كلا من القولين ينبغي أن يكون المأخوذ به ما كان له مرجح؛ لأن ذلك المرجح لم يزل بعد التصحيح، فيبقى فيه زيادة قوة لم توجد في الآخر، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعليه الفتوى‏)‏ مشتقة من المفتي وهو الشاب القوي، وسميت به لأن المفتي يقوي السائل بجواب حادثته ابن عبد الرزاق عن شرح المجمع للعيني، والمراد بالاشتقاق فيها ملاحظة ما أنبأ عنه الفتى من القوة والحدوث لا حقيقته كذا قيل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعليه عمل اليوم‏)‏ المراد باليوم مطلق الزمان، وأل فيه للحضور، والإضافة على معنى في، وهي من إضافة المصدر إلى زمانه كصوم رمضان‏:‏ أي عليه عمل الناس في هذا الزمان الحاضر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو الأشبه‏)‏ قال في البزازية‏:‏ معناه الأشبه بالمنصوص رواية والراجح دراية فيكون عليه الفتوى‏.‏ ا هـ‏.‏ والدراية بالدال المهملة تستعمل بمعنى الدليل كما في المستصفى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو الأوجه‏)‏ أي الأظهر وجها من حيث إن دلالة الدليل عليه متجهة ظاهرة أكثر من غيره‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ونحوها‏)‏ كقولهم‏:‏ وبه جرى العرف، وهو المتعارف، وبه أخذ علماؤنا ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقال شيخنا‏)‏ المراد به حيث أطلق في هذا الكتاب العلامة الشيخ خير الدين الرملي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في فتاويه‏)‏ جمع فتوى ويجمع على فتاوى بالألف أيضا، وهي هنا اسم لفتاوى شيخه المشهورة المسماة بالفتاوى الخيرية لنفع البرية وقد ذكر ذلك في آخرها في مسائل شتى‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ آكد من بعض‏)‏ أي أقوى فتقدم على غيرها، وهذا التقديم راجح لا واجب كما يفيده ما يأتي عن شرح المنية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فلفظ الفتوى‏)‏ أي اللفظ الذي فيه حروف الفتوى الأصلية بأي صيغة عبر بها ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ آكد من لفظ الصحيح إلخ‏)‏ لأن مقابل الصحيح أو الأصح ونحوه قد يكون هو المفتى به لكونه هو الأحوط أو الأرفق بالناس أو الموافق لتعاملهم وغير ذلك مما يراه المرجحون في المذهب داعيا إلى الإفتاء به، فإذا صرحوا بلفظ الفتوى في قول علم أنه المأخوذ به ويظهر لي أن لفظ وبه نأخذ وعليه العمل مساو للفظ الفتوى وكذا بالأولى لفظ عليه عمل الأمة؛ لأنه يفيد الإجماع عليه تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وغيرها‏)‏ كالأحوط والأظهر ط‏.‏ وفي الضياء المعنوي في مستحبات الصلاة‏:‏ لفظة الفتوى آكد وأبلغ من لفظة المختار‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ آكد من الفتوى عليه‏)‏ قال ابن الهمام‏:‏ والفرق بينهما أن الأول يفيد الحصر، والمعنى أن الفتوى لا تكون إلا بذلك، الثاني يفيد الأصحية‏.‏ ا هـ‏.‏ ابن عبد الرزاق‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والأصح آكد من الصحيح‏)‏ هذا هو المشهور عند الجمهور؛ لأن الأصح مقابل للصحيح، وهو‏:‏ أي الصحيح مقابل للضعيف، لكن في حواشي الأشباه لبيري‏:‏ ينبغي أن يقيد ذلك بالغالب؛ لأنا وجدنا مقابل الأصح الرواية الشاذة كما في شرح المجمع‏.‏ ا هـ‏.‏ ابن عبد الرزاق‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والأحوط إلخ‏)‏ الظاهر أن يقال ذلك في كل ما عبر فيه بأفعل التفضيل ط، والاحتياط العمل بأقوى الدليلين كما في النهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قلت لكن إلخ‏)‏ استدراك على ما يفهم من كلام الرملي حيث ذكر أن بعض هذه الألفاظ آكد من بعض فإنه ظاهر في أن مراده تقديم الآكد على غيره، فيلزم منه تقديم الأصح على الصحيح، وهو مخالف لما في شرح المنية‏.‏ وأما كون مراده مجرد بيان أن الأصح آكد بمقتضى أفعل التفضيل وذلك لا ينافي تقديم الصحيح للاتفاق عليه، فهو في غاية البعد، على أنه لا يتأتى في لفظ الفتوى مع غيره فإنه جعله آكد، ولا معنى لآكديته إلا تقديمه على غيره كما لا يخفى فافهم، ويدل على أن مراده ما قلناه أولا ما قاله في الخيرية أيضا في كتاب الكفالة بعد كلام‏.‏ قلت‏:‏ وقوله والصحيح لا يدفع قول صاحب المحيط، هذا هو الأصح وعليه الفتوى‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إمامان معتبران‏)‏ أي من أئمة الترجيح ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لأنهما اتفقا إلخ‏)‏ أي وانفرد أحدهما يجعل الآخر أصح‏.‏ قلت‏:‏ والعلة لا تخص هذين اللفظين، بل كذلك الوجيه والأوجه والاحتياط والأحوط أفاده ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إذا ذيلت رواية إلخ‏)‏ أي جعل ذيلها‏:‏ أي في آخرها، والمتبادر من هذه العبارة أن التذييل بالتصحيح وقع لرواية واحدة دون مخالفتها فليس فيه تعارض التصحيح، لكن إذا كان التصحيح بصيغة أفعل التفضيل أفاد أن الرواية المخالفة صحيحة أيضا، فله الإفتاء بأي شاء منهما، وإن كان الأولى تقديم الأولى لزيادة الصحة فيها، وسكت عنه لظهوره‏.‏ وأما إذا كان التصحيح بصيغة تقتضي قصر الصحة على تلك الرواية فقط كالصحيح والمأخوذ به ونحوهما مما يفيد ضعف الرواية المخالفة لم يجز الإفتاء بمخالفها، لما سيأتي أن الفتيا بالمرجوح جهل، وهذا بخلاف ما إذا وجد التصحيح في كتاب آخر للرواية الأخرى، فإن الأولى تقديم الآكد منهما أو المتفق عليه على الخلاف المار، وبه ظهر أن هذا تفصيل آخر زائد على ما مر غير مخالف له فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا كان إلخ‏)‏ استثناء منقطع؛ لأنه مفروض فيما وجد فيه التصحيح من كلا الطرفين والمستثنى منه فيما إذا لم يذيل مخالفه بشيء كما مر‏.‏ وفائدة هذا الاستثناء توضيح ما مر عن وقف البحر وبيان المراد من التخيير، فليس فيه تكرير فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي الكافي‏)‏ يحتمل أن المراد به كافي الحاكم أو كافي النسفي الذي شرح به كتابه الوافي أصل الكنز والظاهر الثاني‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيختار الأقوى‏)‏ أي إن كان من أهل النظر في الدليل أو نص العلماء على ذلك ولا تنس ما قدمناه من بقية قيود التخيير‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والأليق‏)‏ أي لزمانه والأصلح الذي يراه مناسبا في تلك الواقعة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فليحفظ‏)‏ أي جميع ما ذكرناه‏.‏ وحاصله‏:‏ أن الحكم إن اتفق عليه أصحابنا يفتى به قطعا، وإلا فإما أن يصحح المشايخ أحد القولين فيه أو كلا منهما، أولا وإلا ففي الثالث يعتبر الترتيب، بأن يفتى بقول أبي حنيفة ثم بقول أبي يوسف إلخ، أو يعتبر قوة الدليل، وقد مر التوفيق، وفي الأول إن كان التصحيح بأفعل التفضيل خير المفتي، وإلا فلا، بل يفتى بالمصحح فقط، وهذا ما نقله عن الرسالة‏.‏ وفي الثاني إما أن يكون أحدهما بأفعل التفضيل أو لا‏.‏ ففي الأول قيل يفتى بالأصح وهو المنقول عن الخيرية وقيل بالصحيح وهو المنقول عن شرح المنية، وفي الثاني يخير المفتي وهو المنقول عن وقف البحر والرسالة أفاده ح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ في تصحيحه‏)‏ أي في كتابه المسمى بالتصحيح، والترجيح الموضوع على مختصر القدوري‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لا فرق إلخ‏)‏ أي من حيث إن كلا منهما لا يجوز له العمل بالتشهي، بل عليه اتباع ما رجحوه في كل واقعة وإن كان المفتي مخبرا والقاضي ملزما، وليس المراد حصر عدم الفرق بينهما من كل جهة فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأن الحكم والفتيا إلخ‏)‏ وكذا العمل به لنفسه‏.‏ قال العلامة الشرنبلالي في رسالته ‏[‏العقد الفريد في جواز التقليد‏]‏‏:‏ مقتضى مذهب الشافعي كما قاله السبكي منع العمل بالقول المرجوح في القضاء والإفتاء دون العمل لنفسه‏.‏

مطلب لا يجوز العمل بالضعيف

حتى لنفسه عندنا ومذهب الحنفية المنع عن المرجوح حتى لنفسه لكون المرجوع صار منسوخا ا هـ‏.‏ فليحفظ، وقيده البيري بالعامي أي الذي لا رأي له يعرف به معنى النصوص حيث قال‏:‏ هل يجوز للإنسان العمل بالضعيف من الرواية في حق نفسه، نعم إذا كان له رأي، أما إذا كان عاميا فلم أره، لكن مقتضى تقييده بذي الرأي أنه لا يجوز للعامي ذلك‏.‏ قال في خزانة الروايات‏:‏ العالم الذي يعرف معنى النصوص والأخبار وهو من أهل الدراية يجوز له أن يعمل عليها وإن كان مخالفا لمذهبه ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن هذا في غير موضع الضرورة، فقد ذكر في حيض البحر في بحث ألوان الدماء أقوالا ضعيفة، ثم قال‏:‏ وفي المعراج عن فخر الأئمة‏:‏ لو أفتى مفت بشيء من هذه الأقوال في مواضع الضرورة طلبا للتيسير كان حسنا‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا قول أبي يوسف في المني إذا خرج بعد فتور الشهوة لا يجب به الغسل ضعيف، وأجازوا العمل به للمسافر أو الضيف الذي خاف الريبة كما سيأتي في محله وذلك من مواضع الضرورة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بالقول المرجوح‏)‏ كقول محمد مع وجود قول أبي يوسف إذا لم يصحح أو يقو وجهه، وأولى من هذا بالبطلان الإفتاء بخلاف ظاهر الرواية إذا لم يصحح والإفتاء بالقول المرجوع عنه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأن الحكم الملفق‏)‏ المراد بالحكم الحكم الوضعي كالصحة‏.‏ مثاله‏:‏ متوضئ سال من بدنه دم ولمس امرأة ثم صلى فإن صحة هذه الصلاة ملفقة من مذهب الشافعي والحنفي والتلفيق باطل، فصحته منتفية‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏

مطلب في حكم التقليد والرجوع عنه

‏(‏قوله‏:‏ وأن الرجوع إلخ‏)‏ صرح بذلك المحقق ابن الهمام في تحريره، ومثله في أصول الآمدي وابن الحاجب وجمع الجوامع، وهو محمول كما قال ابن حجر والرملي في شرحيهما على المنهاج وابن قاسم في حاشيته على ما إذا بقي من آثار الفعل السابق أثر يؤدي إلى تلفيق العمل بشيء لا يقول به من المذهبين، كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس، ومالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة، وكما لو أفتى ببينونة زوجته بطلاقها مكرها ثم نكح أختها مقلدا للحنفي بطلاق المكره ثم أفتاه شافعي بعدم الحنث فيمتنع عليه أن يطأ الأولى مقلدا للشافعي والثانية مقلدا للحنفي، أو هو محمول على منع التقليد في تلك الحادثة بعينها لا مثلها كما صرح به الإمام السبكي وتبعه عليه جماعة، وذلك كما لو صلى ظهرا بمسح ربع الرأس مقلدا للحنفي فليس له إبطالها باعتقاد لزوم مسح الكل مقلدا للمالكي‏.‏ وأما لو صلى يوما على مذهب وأراد أن يصلي يوما آخر على غيره فلا يمنع منه، على أن في دعوى الاتفاق نظرا، فقد حكي الخلاف، فيجوز اتباع القائل بالجواز كذا أفاده العلامة الشرنبلالي في العقد الفريد، ثم قال بعد ذكر فروع من أهل المذهب صريحة بالجواز وكلام طويل‏:‏ فتحصل مما ذكرناه أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدا فيه غير إمامه مستجمعا شروطه ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر؛ لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينقض‏.‏ وقال أيضا‏:‏ إن له التقليد بعد العمل كما إذا صلى ظانا صحتها على مذهبه ثم تبين بطلانها في مذهبه وصحتها على مذهب غيره فله تقليده، ويجتزي بتلك الصلاة على ما قال في البزازية‏:‏ إنه روي عن أبي يوسف أنه صلى الجمعة مغتسلا من الحمام ثم أخبر بفأرة ميتة في بئر الحمام فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا»‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأن الخلاف‏)‏ أي بين الإمام وصاحبيه فيما إذا قضى بغير رأيه عمدا هل ينفذ فعنده، نعم في أصح الروايتين عنه، وعندهما لا كما في التحرير‏.‏ وقال شارحه‏:‏ نص في الهداية والمحيط على أن الفتوى على قولهما بعدم النفاذ في العمد والنسيان، وهو مقدم على ما في الفتاوى الصغرى والخانية من أن الفتوى على قوله؛ لأن المجتهد مأمور بالعمل بمقتضى ظنه إجماعا وهذا خلاف مقتضى ظنه‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد استشكل بعضهم هذه المسألة، على قول الأصوليين إن المجتهد إذا اجتهد في واقعة بحكم يمتنع عليه تقليد غيره فيها اتفاقا، والخلاف في تقليده قبل اجتهاده فيها، والأكثر على المنع، فهذه المسألة تبطل دعوى الاتفاق وأجاب في التحرير بأن قول الإمام بالنفاذ لا يوجب حمل الإقدام على هذا القضاء، نعم وقع في بعض المواضع ذكر الخلاف في الحل ويجب ترجيح رواية عدمه‏.‏ ا هـ‏.‏ وحينئذ فلا إشكال فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأما المقلد إلخ‏)‏ نقله في القنية عن المحيط وغيره، وجزم به المحقق في فتح القدير وتلميذه العلامة قاسم، وادعى في البحر أن المقلد إذا قضى بمذهب غيره أو برواية ضعيفة أو بقول ضعيف نفذ‏.‏ وأقوى ما تمسك به ما في البزازية عن شرح الطحاوي إذا لم يكن القاضي مجتهدا وقضى بالفتوى ثم تبين أنه على خلاف مذهبه نفذ وليس لغيره نقضه، وله أن ينقضه كذا عن محمد‏.‏ وقال الثاني ليس له أن ينقضه أيضا ا هـ‏.‏ قال في النهر‏:‏ وما في الفتح يجب أن يعول عليه في المذهب وما في البزازية محمول على أنه رواية عنهما، إذ قصارى الأمر أن هذا منزل منزلة الناسي لمذهبه، وقد مر عنهما في المجتهد أنه لا ينفذ فالمقلد أولى ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في منشوره‏)‏ المنشور‏:‏ ما كان غير مختوم من كتب السلطان قاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فكيف بخلاف مذهبه‏)‏ أي فكيف ينفذ قضاؤه بخلاف مذهبه؛ لأنه إذا نهاه عن القضاء بالأقوال الضعيفة في مذهبه لا ينفذ قضاؤه فيها فبخلاف مذهبه بالأولى، ومبنى ذلك على ما قالوا إن تولية القضاء تتخصص بالزمان والمكان والشخص، فلو ولاه السلطان القضاء في زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو على جماعة مخصوصين تعين ذلك؛ لأنه نائب عنه، ولو نهاه عن سماع بعض المسائل لم ينفذ حكمه فيها، كما إذا نهاه عن سماع حادثة مضى عليها خمس عشرة سنة بلا مانع شرعي والخصم منكر، وقد ذكر الحموي في حاشية الأشباه أن عادة سلاطين زماننا إذا تولى أحدهم عرض عليه قانون من قبله وأمر باتباعه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وينقض‏)‏ لا حاجة إليه لأنه إذا كان معزولا بالنسبة لما ذكر لا يصح له قضاء حتى ينقض؛ لأن النقض إنما يكون للثابت، إلا أن يقال إنه قضاء بحسب الظاهر ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قال في البرهان‏)‏ هو شرح مواهب الرحمن كلاهما للعلامة إبراهيم الطرابلسي صاحب الإسعاف في الأوقاف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بالنواجذ‏)‏ هي أضراس الحلم كما في المغرب، والكلام كناية عن غاية التمسك، كما أن قولهم ضحك حتى بدت نواجذه عبارة عن المبالغة في الضحك وإلا فلا تبدو بالضحك عادة كما حققه الإمام الزمخشري‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نعم أمر الأمير إلخ‏)‏ تصديق لما مر واستدراك بأمر آخر كالاستثناء مما قبله، هكذا عرف المصنفين في مثل هذا التركيب‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نفذ أمره‏)‏ إن كان المراد بالأمر الطلب بلا قضاء فظاهر، وعليه فالمراد بالنفاذ وجوب الامتثال، وهذا الذي رأيته في سير التتارخانية في الفصل العاشر فيما يجب فيه طاعة الأمير وما لا يجب، ونصه قال محمد‏:‏ وإذا أمر الأمير العسكر بشيء كان على العسكر أن يطيعوه في ذلك إلا أن يكون المأمور به معصية بيقين‏.‏ ا هـ‏.‏ ولكن لا محل لذكر هذا هنا، وإن كان المراد به القضاء إلا بتفويض من الإمام‏.‏ قال في الأشباه‏:‏ يجوز قضاء الأمير الذي يولي القضاء وكذلك كتابه إلى القاضي إلا أن يكون القاضي من جهة الخليفة، فقضاء الأمير لا يجوز كذا في الملتقط‏.‏ وقد أفتيت بأن تولية باشا مصر قاضيا ليحكم في قبة بمصر مع وجود قاضيها المولى من السلطان باطلة؛ لأنه لم يفوض إليه ذلك ا هـ‏.‏ فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ سير‏)‏ جمع سيرة‏:‏ وهي الطريقة في الأمور‏.‏ وفي الشرع تختص بسير النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه هداية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ السير الكبير‏)‏ للإمام محمد، وهو روايته عن الإمام من غير واسطة ط‏.‏ وقال في المغرب‏:‏ وقالوا السير الكبير فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب، كقولهم‏:‏ صلاة الظهر، وسير الكبير خطأ كجامع الصغير وجامع الكبير‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في طبقات الفقهاء

‏(‏قوله‏:‏ وأما المقيد إلخ‏)‏ فيه أمران‏:‏ الأول أن المجتهد المطلق أحد السبعة‏.‏ الثاني، أن بعض السبعة ليسوا مجتهدين خصوصا السابعة، فكان عليه أن يقول والفقهاء على سبع مراتب، وقد أوضحها المحقق ابن كمال باشا في بعض رسائله فقال‏:‏ لا بد للمفتي أن يعلم حال من يفتي بقوله، ولا يكفيه معرفته باسمه ونسبه، بل لا بد من معرفته في الرواية، ودرجته في الدراية، وطبقته من طبقات الفقهاء، ليكون على بصيرة في التمييز بين القائلين المتخالفين وقدرة كافية في الترجيح بين القولين المتعارضين‏.‏ الأولى‏:‏ طبقة المجتهدين في الشرع كالأئمة الأربعة رضي الله عنهم ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد الأصول، وبه يمتازون عن غيره‏.‏ الثانية‏:‏ طبقة المجتهدين في المذهب كأبي يوسف ومحمد وسائر أصحاب أبي حنيفة، القادرين على استخراج الأحكام من الأدلة على مقتضى القواعد التي قررها أستاذهم أبو حنيفة في الأحكام وإن خالفوه في بعض أحكام الفروع، لكن يقلدونه في قواعد الأصول، وبه يمتازون عن المعارضين في المذهب كالشافعي وغيره المخالفين له في الأحكام غير مقلدين له في الأصول‏.‏ الثالثة‏:‏ طبقة المجتهدين في المسائل التي لا نص فيها عن صاحب المذهب كالخصاف وأبي جعفر الطحاوي وأبي الحسن الكرخي وشمس الأئمة الحلواني وشمس الأئمة السرخسي وفخر الإسلام البزدوي وفخر الدين قاضي خان وأمثالهم، فإنهم لا يقدرون على شيء من المخالفة لا في الأصول ولا في الفروع لكنهم يستنبطون الأحكام في المسائل التي لا نص فيها على حسب الأصول والقواعد‏.‏ الرابعة‏:‏ طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كالرازي وأضرابه، فإنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلا، لكنهم لإحاطتهم بالأصول وضبطهم للمآخذ يقدرون على تفصيل قول مجمل ذي وجهين، وحكم مبهم محتمل لأمرين، منقول عن صاحب المذهب أو أحد من أصحابه برأيهم ونظرهم في الأصول والمقايسة على أمثاله ونظائره من الفروع‏.‏ وما في الهداية من قوله كذا في تخريج الكرخي وتخريج الرازي من هذا القبيل‏.‏ الخامسة‏:‏ طبقة أصحاب الترجيح من المقلدين كأبي الحسن القدوري، وصاحب الهداية وأمثالهم، وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض، كقولهم هذا أولى، وهذا أصح رواية، وهذا أوفق للناس‏.‏ والسادسة‏:‏ طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف وظاهر المذهب والرواية النادرة، كأصحاب المتون المعتبرة من المتأخرين، مثل صاحب الكنز، وصاحب المختار، وصاحب الوقاية، وصاحب المجمع، وشأنهم أن لا ينقلوا الأقوال المردودة والروايات الضعيفة‏.‏ والسابعة‏:‏ طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذكر، ولا يفرقون بين الغث والسمين ا هـ‏.‏ بنوع اختصار‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأما نحن‏)‏ يعني أهل الطبقة السابعة، وهذا مع السؤال والجواب مأخوذ من تصحيح الشيخ قاسم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما لو أفتوا في حياتهم‏)‏ أي كما نتبعهم لو كانوا أحياء وأفتونا بذلك فإنه لا يسعنا مخالفتهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بلا ترجيح‏)‏ أي صريح أو ضمني‏:‏ فالصريح ظاهر مما ذكره سابقا‏.‏ والضمني ما نبهناك عليه عند قوله وفي وقف البحر، فإنه إذا كان أحد القولين ظاهر الرواية والآخر غيرها فقد صرحوا إجمالا بأنه لا يعدل عن ظاهر الرواية فهو ترجيح ضمني لكل ما كان ظاهر الرواية، فلا يعدل عنه بلا ترجيح صريح لمقابله، وكذا لو كان أحد القولين في المتون أو الشروح، أو كان قول الإمام، أو كان هو الاستحسان في غير ما استثنى، أو كان أنفع الوقف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وما قوي وجهه‏)‏ أي دليله المنقول الحاصل لا المستحصل؛ لأنه رتبة المجتهد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يخلو الوجود‏)‏ أي الموجودون أو الزمان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ حقيقة‏)‏ الظاهر رجوعه إلى قوله ولا يخلو، وأراد بالحقيقة اليقين؛ لأنها من حق الأمر إذا ثبت واليقين ثابت، ولذا عطف عليها قوله لا ظنا، وجزم بذلك أخذا مما رواه البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله» وفي رواية «حتى تأتي الساعة»‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعلى من لم يميز‏)‏ أي شيئا مما ذكر كأكثر القضاة والمفتين في زماننا الآخذين المناصب بالمال والمراتب، وعبر بعلى المفيدة للوجوب للأمر به في قوله‏:‏ ‏{‏فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون‏}‏‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فنسأل الله التوفيق‏)‏ أي إلى اتباع الراجح عند الأئمة وما يوصل إلى براءة الذمة، فإن هذا المقام أصعب ما يكون على من ابتلي بالقضاء أو الإفتاء‏.‏ والتوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد مع الداعية إليها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والقبول‏)‏ أي قبول سعينا في هذا الكتاب، بأن يكون خالصا لوجهه الكريم، ليحصل به النفع العميم والثواب العظيم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بجاه‏)‏ متعلق بمحذوف حال من فاعل نسأل‏:‏ أي نسأله متوسلين فليست الباء للقسم؛ لأنه لا يجوز إلا بالله تعالى أو بصفة من صفاته‏.‏ والجاه القدر والمنزلة قاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كيف لا‏)‏ أي كيف لا نسأله القبول وقد يسر الله تعالى ما يفيد الظن بحصوله‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في الروضة‏)‏ هي ما بين المنبر والقبر الشريف، وتطلق على جميع المسجد النبوي أيضا كما صرح به بعض العلماء، وعليه يظهر قوله تجاه وجه صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم؛ لأنه على المعنى الأول لا تمكن مواجهة الوجه الشريف‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والبسالة‏)‏ أي الشجاعة كما في القاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ الضرغامين‏)‏ تثنية ضرغام كجريال وهو الأسد ويقال له أيضا ضرغم كجعفر كما في القاموس وتثنية الثاني ضرغمين كجعفرين، فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ثم تجاه‏)‏ عطف على تجاه الأول، فالابتداء الحقيقي تجاه صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، والإضافي تجاه الكعبة ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفي الحطيم‏)‏ أي المحطوم، سمي به لأنه حطم من البيت وأخرج، أو الحاطم لأنه يحطم الذنوب ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والمقام‏)‏ أي مقام الخليل، وهو حجر كان يقوم عليه الخليل عليه الصلاة والسلام حال بناء البيت الشريف، وقيل غير ذلك ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ الميسر‏)‏ أي المسهل، ويتوقف إطلاقه عليه تعالى على التوقيف وإن صح معناه على ما هو المشهور‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ للتمام‏)‏ مصدر تم يتم واسم لما يتم به الشيء كما في القاموس، وعلى الثاني فالمراد بلوغ التمام، وكذا يقول أسير الذنوب جامع هذه الأوراق راجيا من مولاه الكريم، متوسلا بنبيه العظيم وبكل ذي جاه عنده تعالى أن يمن عليه كرما وفضلا بقبول هذا السعي والنفع به للعباد، في عامة البلاد، وبلوغ المرام، بحسن الختام، والاختتام، آمين‏.‏