فصل: تابع كتاب الطهارة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


تابع كتاب الطهارة

مطلب المختار أن الأصل في الأشياء الإباحة

أقول‏:‏ وصرح في التحرير بأن المختار أن الأصل الإباحة عند الجمهور من الحنفية والشافعية ا هـ‏.‏ وتبعه تلميذه العلامة قاسم، وجرى عليه في الهداية من فصل الحداد، وفي الخانية من أوائل الحظر والإباحة‏.‏ وقال في شرح التحرير‏:‏ وهو قول معتزلة البصرة وكثير من الشافعية وأكثر الحنفية لا سيما العراقيين‏.‏ قالوا‏:‏ وإليه أشار محمد فيمن هدد بالقتل على أكل الميتة أو شرب الخمر فلم يفعل حتى قتل بقوله‏:‏ خفت أن يكون آثما؛ لأن أكل الميتة وشرب الخمر لم يحرما إلا بالنهي عنهما، فجعل الإباحة أصلا والحرمة بعارض النهي‏.‏ ا هـ‏.‏ ونقل أيضا أنه قول أكثر أصحابنا وأصحاب الشافعي للشيخ أكمل الدين في شرح أصول البزدوي، وبه علم أن قول الشارح في باب استيلاء الكفار أن الإباحة رأي المعتزلة فيه نظر، فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فالتعريف بناء عليه‏)‏ أي على أن الأصل الإباحة‏.‏ أقول‏:‏ هذا الجواب نافع فيما سكت عنه الشارع، وبقي على الإباحة الأصلية، أما ما نص على إباحته أو فعله عليه الصلاة والسلام فلا ينفع، وقد نص في التحرير على أن المباح يطلق على متعلق الإباحة الأصلية كما يطلق على متعلق الإباحة الشرعية‏.‏ فالأحسن في الجواب أن يقال‏:‏ المراد بقوله في التعريف ما ثبت ثبوت طلبه لا ثبوت شرعيته، والمباح غير مطلوب الفعل، وأنما هو مخير فيه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ البداية‏)‏ قيل‏:‏ الصواب البداءة بالهمزة، وفيه نظر، فقد ذكر في القاموس من اليائي، وبديت بالشيء وبديت ابتدأت ا هـ‏.‏ أي بفتح الدال وكسرها‏.‏

مطلب الفرق بين النية والقصد والعزم

‏(‏قوله‏:‏ بالنية‏)‏ بالتشديد وقد تخفف قهستاني‏.‏ وهي لغة عزم القلب على الشيء‏.‏ واصطلاحا كما في التلويح قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل، ودخل فيه المنهيات، فإن المكلف به الفعل الذي هو كف النفس، العزم والقصد والنية اسم للإرادة الحادثة، لكن العزم المتقدم على الفعل والقصد المقترن به والنية المقترن به مع دخوله تحت العلم بالمنوي، وتمامه في البحر‏.‏

مطلب الفرق بين الطاعة والقربة والعبادة

‏(‏قوله‏:‏ أي نية عبادة‏)‏ الأولى التعبير بالطاعة ليشمل نحو مس المصحف، فقد ذكر شيخ الإسلام زكريا أن الطاعة فعل ما يثاب عليه توقف على نية أو لا، عرف من يفعله لأجله أو لا‏.‏ والقربة فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب إليه به، وإن لم يتوقف على نية‏.‏ والعبادة ما يثاب على فعله ويتوقف على نية، فنحو الصلوات الخمس والصوم والزكاة والحج من كل ما يتوقف على النية قربة وطاعة وعبادة، وقراءة القرآن والوقف والعتق والصدقة ونحوها مما لا يتوقف على نية قربة وطاعة لا عبادة، والنظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى طاعة لا قربة ولا عبادة ا هـ‏.‏ وقواعد مذهبنا لا تأباه حموي، وإنما لم يكن النظر قربة لعدم المعرفة بالمتقرب إليه؛ لأن المعرفة تحصل بعده ولا عبادة لعدم التوقف على النية ‏(‏قوله‏:‏ لا تصح‏)‏ الأولى لا تحل، كما في الفتح؛ ليشمل مثل مس المصحف والطواف‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ وفيه أنه لو قصد مس المصحف لم يكن آتيا بالسنة، كما أنه لو تيمم له لم تجز له الصلاة به، فإن النية المسنونة في الوضوء هي المشروطة في التيمم كذا في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي‏:‏ وبيانه أن الصلاة تصح عندنا بالوضوء ولو لم يكن منويا، وإنما تسن النية في الوضوء ليكون عبادة، فإنه بدونها لا يسمى عبادة مأمورا بها كما يأتي وإن صحت به الصلاة، بخلاف التيمم فإن النية شرط لصحة الصلاة به فالنية في الوضوء شرط لكونه عبادة، وفي التيمم شرط لصحة الصلاة به‏.‏ ولما لم تصح الصلاة بالتيمم المنوي به استباحة مس المصحف علم أن الوضوء المنوي به ذلك ليس عبادة؛ لكن قد يقال‏:‏ لا يلزم عن عدم صحة الصلاة بالتيمم المذكور عدم كون ذلك الوضوء عبادة لأن صحة الصلاة أقوى، على أن طهارة التيمم ضرورية فيحتاط في شروطها؛ ولذا شرطوا في التيمم نية عبادة مقصودة وظاهر كلامهم هنا أن كون العبادة مقصودة غير شرط في النية المسنونة للوضوء فيدخل مثل مس المصحف، والله تعالى أعلم‏.‏‏(‏قوله‏:‏ كوضوء إلخ‏)‏ فيه أن الوضوء ورفع الحدث ليسا عبادة لعدم توقفهما على النية عندنا بل هما قربة وطاعة كما علمت، على أنهما ليسا مما لا يحل إلا بالطهارة كما أفاده ح؛ لأن الوضوء عين الطهارة ورفع الحدث، وكذا امتثال الأمر بالوضوء لازمان من لوازم وجودها، فقوله‏:‏ كوضوء ليس تمثيلا للعبادة بل تنظير للمنوي، ولا يخفى أن الأصوب أن يقول أو وضوء بالعطف على عبادة، وما ذكره من الاكتفاء بنية الوضوء هو ما جزم به في الفتح وأيده في البحر والنهر، حيث ذكر أن المستفاد من كلامهم أن نية الطهارة لا تكفي في تحصيل السنة، وكأنه لأنها متنوعة إلى إزالة الحدث والخبث فلم ينو خصوص الطهارة الصغرى، فعلى هذا لو نوى الوضوء كفى؛ لأنه ورفع الحدث سواء، بل هو أخص منه؛ لأن رفع الحدث يشمل الغسل فكان الوضوء أولى ا هـ‏.‏ لا يقال‏:‏ تنوع رفع الحدث إلى الوضوء والغسل يقتضي أن يكون كالطهارة‏.‏ لأنا نقول‏:‏ تنوعه لا يضر لأن الغسل في ضمنه وضوء فلم يكن ناويا خلاف ما أراد بخلاف تنوع الطهارة، فافهم، وقد مشى القدوري في مختصره على الاكتفاء بنية الطهارة ووافقه في السراج، لكن ظاهر كلام الزيلعي أنه خلاف المذهب‏.‏ وفي الأشباه‏:‏ وعند البعض نية الطهارة تكفي‏.‏ أقول‏:‏ ويؤيده ما في تيمم البدائع عن القدوري‏:‏ الصحيح من المذهب أنه إذا نوى الطهارة أجزأه وجزم به في البحر هناك، لكن يفرق بأن الطهارة بالتراب لا تتنوع بخلافها بالماء، وذكر في البحر هناك أيضا أن نية التيمم لا تكفي لصحته على المذهب خلافا لما في النوادر ولا اعتماد عليه، بل المعتمد اشتراط نية مخصوصة‏.‏ ا هـ‏.‏ ولعل الفرق بين التيمم والوضوء أن كل وضوء تصح به الصلاة، بخلاف التيمم فإن منه ما لا تصح به الصلاة كالتيمم لمس مصحف، فلذا لم تصح نية التيمم المطلق، تأمل‏.‏ هذا، وأورد في البحر على قوله‏:‏ أو امتثال أمر أنه لا يتأتى قبل دخول الوقت؛ إذ ليس مأمورا به، إلا أن يقال‏:‏ إن الوضوء لا يكون نفلا؛ لأنه شرط للصلاة وشرطها فرض، ولا يخفى ما فيه‏.‏ ا هـ‏.‏ وأجاب ط بأنه مأمور به على طريق الندب قبل الوقت، وهو إحدى الثلاث التي المندوب فيها أفضل من الفرض‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ على القول بأن سبب وجوبه الحدث يكون مأمورا به قبل الوقت وجوبا موسعا إلى القيام إلى الصلاة كما سبق تقريره‏.‏ بقي هنا شيء وهو أنه إذا أراد تجديد الوضوء لا ينوي إزالة الحدث ولا إباحة الصلاة‏.‏ ويمكن دفعه بأن ينوي التجديد، فإنه مندوب إليه فيكون عبادة كما في شرح الشيخ إسماعيل عن شرح البرجندي‏.‏ أقول‏:‏ فيه أن التجديد ليس عبادة لا تحل إلا بالطهارة فالأحسن أن يقال‏:‏ إنه ينوي الوضوء بناء على أن نيته تكفي أو ينوي امتثال الأمر لأن المندوب مأمور به حقيقة أو مجازا على الخلاف بين الأصوليين ‏(‏قوله‏:‏ وصرحوا بأنه بدونها‏)‏ أي الوضوء بدون النية ليس عبادة، وذلك كأن دخل الماء مدفوعا أو مختارا لقصد التبرد أو لمجرد إزالة الوسخ كما في الفتح‏.‏ قال في النهر‏:‏ لا نزاع لأصحابنا أي مع الشافعي في أن الوضوء المأمور به لا يصح بدون النية، إنما نزاعهم في توقف الصلاة على الوضوء المأمور به، وأشار أبو الحسن الكرخي إلى هذا‏.‏ وقال الدبوسي في أسراره‏:‏ وكثير من مشايخنا يظنون أن المأمور به من الوضوء يتأدى من غير نية، وهذا غلط؛ فإن المأمور به عبادة، والوضوء بغير نية ليس بعبادة‏.‏ وفي مبسوط شيخ الإسلام‏:‏ لا كلام في أن الوضوء المأمور به لا يحصل بدون النية، لكن صحة الصلاة لا تتوقف عليه؛ لأن الوضوء المأمور به غير مقصود، وإنما المقصود الطهارة وهي تحصل بالمأمور به وغيره؛ لأن الماء مطهر بالطبع‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويأثم بتركها‏)‏ أي إثما يسيرا كما قدمناه عن الكشف، والمراد الترك بلا عذر على سبيل الإصرار كما قدمناه أيضا عن شرح التحرير؛ وذلك لأنها سنة مؤكدة لمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها كما حققه في الفتح رادا على القدوري حيث جعلها مستحبة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وبأنها فرض إلخ‏)‏ الصواب أن يقال وبأنها شرط في كون الوضوء عبادة لا مفتاحا للصلاة، فإن تارك النية لا يعاقب عقاب ترك الفرض وانتفاء اللازم يستلزم انتقاء الملزوم، والشرط لا يكون فرضا إلا إذا كان شرط الصحة، وهذا ليس كذلك بل هو شرط في كون الوضوء عبادة فقط‏.‏ ا هـ‏.‏ ح يؤيده أن آية الوضوء لا دلالة لها على اشتراط النية كما حققه العلامة ابن كمال في شرحه على الهداية ونقله عنه الحموي في حاشية الأشباه‏.‏ وفي البحر‏:‏ وليست النية بشرط في كون الوضوء مفتاحا للصلاة إنما هي شرط في كونه سببا للثواب على الأصح‏.‏ وقيل‏:‏ يثاب بغير نية‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بسؤر حمار‏)‏ نقله في البحر عن شرح المجمع والوقاية معزيا للكفاية‏.‏ وفي الفتح‏:‏ واختلفوا في النية بالتوضؤ به والأحوط أن ينوي ا هـ‏.‏ والظاهر أن المراد أن الأحوط القول بلزوم النية، تأمل ‏(‏قوله‏:‏ ونبيذ تمر‏)‏ أي على القول الضعيف بجواز الوضوء به فهو كالتيمم؛ لأنه بدل عن الماء حتى لا يجوز به حال وجود الماء وينتقض به إذا وجد، ذكره القدوري في شرحه عن أصحابنا فتح‏.‏ والظاهر أن العلة في سؤر الحمار كذلك؛ لأنه يتوضأ به مع التيمم عند فقد ` الماء، كما يأتي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبأن وقتها‏)‏ معطوف على قوله بأنه بدونها ‏(‏قوله‏:‏ ينبغي أن تكون‏)‏ أي النية‏.‏ والذي رأيته في الأشباه يكون بالباء التحتية أي يكون وقتها، فعلى الأول ينبغي بمعنى يطلب، وعلى الثاني هي ما يستعملها العلماء في مقام البحث فيما لا نقل فيه، وهو المتبادر من الأشباه ‏(‏قوله‏:‏ قلت‏:‏ لكن إلخ‏)‏ استدراك على الأشباه بأن ما بحثه منقول كما ذكره الحموي والأظهر أنه استدراك على قوله عند غسل الوجه‏.‏ قال في ‏[‏إمداد الفتاح‏]‏‏:‏ وأما وقتها فعند ابتداء الوضوء حتى قبل الاستنجاء ا هـ‏.‏ أي لأن الاستنجاء من سنن الوضوء بل من أقوى سننه كما صرحوا به؛ ولهذا قيل‏:‏ كان ينبغي ذكره هنا‏.‏

مطلب‏:‏ سائر بمعنى باقي لا بمعنى جميع

‏(‏قوله‏:‏ قبل سائر السنن‏)‏ سائر هنا بمعنى باقي لا بمعنى جميع، وإلا لكان محلها قبل نفسها‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وأفاد في القاموس أن استعماله بالمعنى الثاني وهم أو قليل ‏(‏قوله‏:‏ فلا تسن إلخ‏)‏ حاصله أنه ليس محل سنيتها عندنا هو محل فرضيتها عند الشافعي الذي هو قبيل غسل الوجه ‏(‏قوله‏:‏ لذي الفهم‏)‏ أي الإدراك، متعلق بقوله‏:‏ أتت، أو بقوله تحكى أي تذكر، أو بسؤالات، أو حال منه، ومثله قوله‏:‏ في النية، لكن يزيد عليه جواز تعلقه بعالم على أن في بمعنى الباء ‏(‏قوله‏:‏ حقيقة‏)‏ قدمنا بيان حقيقتها لغة واصطلاحا، ‏(‏قوله‏:‏ حكم‏)‏ هو أنها سنة في الوضوء والغسل، وشرط في المقاصد من العبادات كالصلاة والزكاة، وفي التيمم وفي الوضوء بنبيذ التمر وسؤر الحمار وفي نحو الكفارات وفي صيرورة المنوي بها عبادة ‏(‏قوله‏:‏ محل‏)‏ هو القلب، فلا يكفي التلفظ باللسان دونه إلا أن لا يقدر أن يحضر قلبه لينوي به أو يشك في النية فيكفيه اللسان‏.‏ وهل يستحب التلفظ بها أو يسن أو يكره‏؟‏ فيه أقوال اختار في الهداية الأول لمن لا تجتمع عزيمته‏.‏ وفي الفتح لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التلفظ بها لا في حديث صحيح ولا ضعيف، وزاد ابن أمير حاج ولا عن الأئمة الأربعة، وتمامه في الأشباه في بحث ‏(‏قوله‏:‏ زمن‏)‏ هو أول العبادات ولو حكما؛ كما لو نوى الصلاة في بيته ثم حضر المسجد وافتتح الصلاة بتلك النية بلا فاصل يمنع البناء، وكنية الزكاة عند عزل ما وجب، ونية الصوم عند الغروب، والحج عند الإحرام، كما بسطه في الأشباه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وشرطها‏)‏ هو الإسلام والتمييز والعلم بالمنوي وأن لا يأتي بمناف بين النية والمنوي، وبيانه في الأشباه ‏(‏قوله‏:‏ والقصد‏)‏ أي المقصود منها مصدر بمعنى اسم المفعول‏.‏ قال في الأشباه‏:‏ قالوا‏:‏ المقصود منها تمييز العبادات من العادات وتمييز بعض العبادات عن بعض كالإمساك عن المفطرات قد يكون حمية أو لعدم الحاجة إليه، فما لا يكون عادة أو لا يلتبس بغيره لا تشترط كالإيمان بالله تعالى والمعرفة والخوف والرجاء والنية وقراءة القرآن والأذكار والأذان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والكيفية‏)‏ أي الهيئة، وهو منسوب لكيف اسم الاستفهام؛ لأنها من شأنها أن يسأل بها عن حال الأشياء، فما يجاب به يقال فيه كيفية، فهي الهيئة التي يجاب بها السائل عن حال شيء بقوله‏:‏ كيف هو، كقوله‏:‏ كيف زيد، فتقول‏:‏ صحيح أو سقيم، فيقال هنا‏:‏ ينوي في الوضوء والغسل والتيمم استباحة ما لا يحل إلا بالطهارة أو رفع الحدث مثلا، هذا ما ظهر لي، ثم رأيت نحوه في الإمداد، فافهم ‏(‏قوله‏:‏ قولا‏)‏ أشار به إلى أنه لا تنافي بين سنية الابتداء بها وبالنية وبغسل اليدين؛ لأن النية محلها القلب والتسمية محلها اللسان وغسل اليدين بالفعل، أفاده ط، لكن في الشرنبلالية أن مراعاة استحباب التلفظ بالنية يفوت البدء بالتسمية حقيقة، فيكون إضافيا ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وتحصل بكل ذكر‏)‏ فلو كبر أو هلل أو حمد كان مقيما للسنة يعني لأصلها وكمالها بما يأتي، أفاده في النهر ‏(‏قوله‏:‏ لكن الوارد إلخ‏)‏ قال في الفتح‏:‏ لفظها المنقول عن السلف، وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «باسم الله العظيم، والحمد لله على الإسلام» قيل‏:‏ الأفضل ‏{‏بسم الله الرحمن الرحيم‏}‏ بعد التعوذ‏.‏ وفي المجتبى يجمع بينهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح الهداية للعيني المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «باسم الله، والحمد لله» رواه الطبراني في الصغير عن أبي هريرة بإسناد حسن ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قبل الاستنجاء‏)‏ لأنه من الوضوء، والبداءة في الوضوء شرعت بالتسمية حلية، وفيها‏:‏ ثم هذا كله أي ما ذكر من ألفاظ التسمية عند ابتداء الوضوء‏.‏ أما عند الاستنجاء ففي الصحيحين‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال‏:‏ اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» وزاد سعيد بن منصور وأبو حاتم وابن السكن في أوله ‏"‏ بسم الله ‏"‏ والخبث‏:‏ بضمتين ويجوز تسكين الباء على الأصح جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، قيل‏:‏ المراد بهما ذكران الشياطين وإناثهم، وقيل غير ذلك ‏(‏قوله‏:‏ وبعده‏)‏ لأنه حال مباشرة الوضوء درر‏؟‏ وفيها أن عند بعض المشايخ تسن قبله، وعند بعضهم بعده فالأحوط أن يجمع بينهما‏.‏ ا هـ‏.‏ واختاره في الهداية وقاضي خان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا حال انكشاف إلخ‏)‏ الظاهر أن المراد أنه يسمي قبل رفع ثيابه إن كان في غير المكان المعد لقضاء الحاجة، وإلا فقبل دخوله، فلو نسي فيهما سمى بقلبه، ولا يحرك لسانه تعظيما لاسم الله تعالى ‏(‏قوله‏:‏ بل المندوب‏)‏ قال في السراج‏:‏ إنه يأتي بها لئلا يخلو وضوءه عنها، وقالوا‏:‏ إنها عند غسل كل عضو مندوبة نهر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأما الأكل إلخ‏)‏ أي إذا نسيها في ابتدائه‏.‏ واعلم أن الزيلعي ذكر أنه لا تحصل السنة في الوضوء، وقال بخلاف الأكل؛ لأن الوضوء عمل واحد، بخلاف الأكل، فإن كل لقمة فعل مبتدأ‏.‏ قال في البحر‏:‏ ولهذا قال في الخانية‏:‏ لو قال كلما أكلت اللحم فلله علي أن أتصدق بدرهم، فعليه بكل لقمة درهم؛ لأن كل لقمة أكل‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر في الفتح أن هذا التعليل يستلزم في الأكل تحصيل السنة في الباقي لا استدراك ما فات، وقال شارح المنية‏:‏ والأولى أنه استدراك لما فات لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر اسم الله على طعامه فليقل بسم الله أوله وآخره» رواه أبو داود والترمذي، ولا حديث في الوضوء ا هـ‏.‏ أي فلو لم يكن فيه استدراك لما فات لم يكن لقوله أوله فائدة، ولا يمكن الاستدراك في الوضوء بقوله‏:‏ «بسم الله أوله وآخره» لأن الحديث وارد في الأكل ولا حديث في الوضوء‏.‏ وقد يقال‏:‏ إذا حصل به الاستدراك في الأكل مع أنه أفعال متعددة يحصل في الوضوء بالأولى، لأنه فعل واحد فيستفاد ذلك بدلالة النص لا بالقياس، ويؤيده ما نقله العيني في شرح الهداية عن بعض العلماء أنه إذا سمى في أثناء الوضوء أجزأه ‏(‏قوله‏:‏ وليقل بسم الله إلخ‏)‏ أي إذا أراد تحصيل السنة فيما فات، وكان الأولى أن يقول‏:‏ ما لم يقل‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

ما ذكره المصنف من أن البداءة بالتسمية سنة هو مختار الطحاوي وكثير من المتأخرين‏.‏ ورجح في الهداية ندبها، قيل‏:‏ وهو ظاهر الرواية نهر‏.‏ وتعجب صاحب البحر من المحقق ابن الهمام حيث رجح هنا وجوبها، ثم ذكر في باب شروط الصلاة أن الحق ما عليه علماؤنا من أنها مستحبة‏.‏ كيف وقد قال الإمام أحمد‏:‏ لا أعلم فيها حديثا ثابتا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والبداءة بغسل يديه‏)‏ قال ابن الكمال‏:‏ السنة تقديم غسل اليد؛ وأما نفس الغسل ففرض، وللإشارة إلى هذا المعنى قال‏:‏ البداءة بغسل يديه ولم يقل غسل يديه ابتداء كما قال غيره ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ الطاهرتين‏)‏ أما غسل النجستين فواجب بحر ‏(‏قوله‏:‏ ثلاثا‏)‏ لم يكتف بقول المصنف الآتي‏:‏ وتثليث الغسل، لأن المتبادر منه أن المراد به غسل الأعضاء الثلاثة، فافهم‏.‏ قال في الحلية‏:‏ والظاهر أنه لو نقص غسلهما عن الثلاث كان آتيا بالسنة تاركا لكمالها، على أنه في رواية عند أصحاب السنن الأربع لحديث المستيقظ‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم قال مرتين أو ثلاثا» وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح ‏(‏قوله‏:‏ قبل الاستنجاء وبعده‏)‏ قال في النهر‏:‏ ولا خفاء أن الابتداء كما يطلق على الحقيقي يطلق على الإضافي أيضا، وهما سنتان لا واحدة‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقيد الاستيقاظ‏)‏ أي الواقع في الهداية وغيرها تبعا لحديث الصحيحين‏:‏ «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها» ولفظ مسلم‏:‏ «حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده» ‏(‏قوله‏:‏ اتفاقي‏)‏ أي غير مقصود الذكر للاحتراز عن غيره‏.‏ قال في العناية‏:‏ خص المصنف يعني صاحب الهداية بالمستيقظ تبركا بلفظ الحديث، والسنة تشمل المستيقظ وغيره، وعليه الأكثرون‏.‏ ا هـ‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ إنه مقصود، وأن غسلهما لغير المستيقظ أدب، كما في السراج‏.‏ وفي النهر‏:‏ الأصح الذي عليه الأكثر أنه سنة مطلقا، لكنه عند توهم النجاسة سنة مؤكدة، كما إذا نام لا عن استنجاء أو كان على بدنه نجاسة، وغير مؤكدة عند عدم توهمها، كما إذا نام إلا عن شيء من ذلك أو لم يكن مستيقظا عن نوم ا هـ‏.‏ ونحوه في البحر ‏(‏قوله‏:‏ ولذا‏)‏ أي لكون القيد اتفاقيا وأن الغسل سنة مطلقا ‏(‏قوله‏:‏ بوقت الحاجة‏)‏ أي إلى إدخالهما الإناء‏.‏ ابن كمال‏:‏ فيكون مفهومه أنه إذا لم يحتج إلى ذلك، بأن كان الإناء صغيرا يمكن رفعه والصب منه لا يسن غسلهما مع أنه يسن مطلقا ‏(‏قوله‏:‏ لأن مفاهيم الكتب حجة‏)‏ علة للتوهم‏:‏ أي أنه لو قال ذلك لتوهم ما ذكر لأن إلخ‏.‏

مطلب في دلالة المفهوم والمفاهيم

جمع مفهوم، وهو دلالة اللفظ على شيء مسكوت عنه‏.‏ وهو قسمان‏:‏ مفهوم الموافقة، وهو أن يكون المسكوت عنه‏:‏ أي غير المذكور موافقا للمنطوق‏:‏ أي المذكور في الحكم؛ كدلالة النهي عن التأفيف على حرمة الضرب، وهذا يسمى عندنا دلالة النص، وهو معتبر اتفاقا‏.‏ ومفهوم المخالفة بخلافه، وهو أقسام‏:‏ مفهوم الصفة والشرط والغاية والعدد واللقب، وهو معتبر عند الشافعي إلا مفهوم اللقب‏.‏ قال في التحرير‏:‏ والحنفية ينفون مفهوم المخالفة بأقسامه في كلام الشارح فقط‏.‏ ا هـ‏.‏ فأفاد أنه في الروايات ونحوها معتبر بأقسامه حتى مفهوم اللقب وهو تعليق الحكم بجامد، كقولك‏:‏ صلاة الجمعة على الرجال الأحرار، فيفهم منه عدم وجوبها على النساء والعبيد‏.‏ وفي شرح التحرير عن شمس الأئمة الكردري أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه في خطابات الشارع، فأما ما في متفاهم الناس وعرفهم وفي المعاملات والعقليات فيدل‏.‏ ا هـ‏.‏ وتوضيح هذا المحل يطلب من حواشينا على شرح المنار ‏(‏قوله‏:‏ بخلاف أكثر مفاهيم النصوص‏)‏ كالآيات والأحاديث لكونها من جوامع الكلم، فتحتمل فوائد كثيرة تقتضي تخصيص المنطوق بالذكر؛ ولذا ترى الخلف يستفيدون منها ما لم يدركه السلف، بخلاف الرواية؛ فإنه قلما يقع فيها تفاوت الأنظار، والمراد مفاهيم المخالفة‏.‏ أما مفاهيم الموافقة فمعتبرة مطلقا كما قدمناه، وقيده بالأكثر لأن من النصوص ما يعتبر مفهومه كنص العقوبة، كما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وفيه من الحد‏)‏ أي في النهر من كتاب الحد عند ذكر الجنايات ‏(‏قوله‏:‏ في الروايات‏)‏ أي عن الأئمة، والمراد في أكثرها كما يأتي ‏(‏قوله‏:‏ ومنه‏)‏ أي من الذي يعتبر مفهومه اتفاقا ط ‏(‏قوله‏:‏ تقييده‏)‏ أي ما ذكر من اعتبار المفهوم في أقوال الصحابة ط ‏(‏قوله‏:‏ بما يدرك بالرأي‏)‏ أي ما للعقل فيه مجال وتصرف ط ‏(‏قوله‏:‏ لا ما لم يدرك به‏)‏ أي لأنه في حكم المرفوع والمرفوع نص، والنص لا يعتبر مفهومه ط قول، ولهذا اتفق أصحابنا على تقليد الصحابة فيما لا يدرك بالرأي كما في أقل الحيض، قالوا‏:‏ إنه ثلاثة أيام أخذا بقول عمر رضي الله عنه، لتعين جهة السماع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كما في قوله تعالى إلخ‏)‏ لأن أهل السنة ذكروا من جملة الأدلة على جواز رؤيته تعالى في الآخرة هذه الآية؛ حيث جعل الحجب عن الرؤية عقوبة للفجار، فيفهم منه أن المؤمنين لا يحجبون، وإلا لم يكن ذلك عقوبة للفجار ‏(‏قوله‏:‏ فأكثري لا كلي‏)‏ يحمل عليه ما مر عن النهر، ومن غير الأكثر ما مر من تقييد الهداية بالمستيقظ ‏(‏قوله‏:‏ إلى الرسغين‏)‏ تثنية رسغ بالسين والصاد، وبضم فسكون أو بضمتين، أفاده في القاموس ‏(‏قوله‏:‏ مفصل الكف‏)‏ على وزن منبر‏:‏ ملتقى العظمات من الجسد قاموس، وهو اسم جنس يصدق على ما فوق الواحد؛ فلذا ساغ تفسير المثنى به تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ قال‏)‏ أي الشاعر، وتساهلوا في حذف فاعله لأنه معلوم لأنه لا يقول النظم إلا شاعر ط ‏(‏قوله‏:‏ لخنصره‏)‏ أي الشخص المعلوم من المقام ط ‏(‏قوله‏:‏ في الوسط‏)‏ في بعض النسخ ما وسط‏:‏ أي ما توسط بينهما ‏(‏قوله‏:‏ فخذ بالعلم‏)‏ الباء زائدة أو أصلية والمفعول محذوف‏:‏ أي خذ هذه المسائل بعلم لا بظن لأنه قد يوقع في الغلط، أو ضمن خذ معنى الظفر ‏(‏قوله‏:‏ ثم إن لم يمكن إلخ‏)‏ ثم للترتيب والتراخي في الأخبار لأنه من تتمة أول الكلام‏.‏ وفي كيفية الغسل تفصيل ذكر الشارح الخفي منه وترك الظاهر‏.‏ قال في النهر‏:‏ ثم كيفية هذا الغسل أن الإناء إن أمكن رفعه غسل اليمنى ثم اليسرى ثلاثا، وإن لم يمكن لكن معه إناء صغير فكذلك، وإلا أدخل أصابع يده اليسرى مضمومة دون الكف وصب على اليمنى ثم يدخلها ويغسل اليسرى ا هـ‏.‏ وفي البحر قالوا‏:‏ يكره إدخال اليد في الإناء قبل الغسل للحديث، وهي كراهة تنزيه؛ لأن النهي فيه مصروف عن التحريم بقوله‏:‏ «فإنه لا يدري أين باتت يده» فالنهي محمول على الإناء الصغير أو الكبير إذا كان معه إناء صغير، فلا يدخل اليد أصلا، وفي الكبير على إدخال الكف، كذا في المستصفى وغيره، وفي شرح الأقطع‏:‏ يكره الوضوء بالماء الذي أدخل المستيقظ يده فيه؛ لاحتمال النجاسة كالماء الذي أدخل الصبي يده فيه‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وظاهر التعليل أنه لو نام مستنجيا ولا نجاسة عليه لا يكره إدخال يده ولا الوضوء مما أدخل يده فيه لعدم احتمال النجاسة، تأمل ‏(‏قوله‏:‏ وصب على اليمنى‏)‏ أي ثم يدخلها ويغسل اليسرى كما مر ‏(‏قوله‏:‏ لأجل التيامن‏)‏ فيه جواب عما قيل‏:‏ لا حاجة إلى الصب على كل واحدة من كفيه على حدة؛ لأنه يمكن غسل الكفين بما صبه على الكف اليمنى كما هو العادة‏.‏ ورده في الدرر بأن فيه ترجيحا لعادة العوام على عرف الشرع‏:‏ أي لأن عرف الشرع البداءة باليمين، وبأن نقل البلة في الوضوء من إحدى اليدين أو الرجلين إلى الأخرى لا يجوز بخلاف الغسل‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لكن ذكر في الحلية أن ظاهر الأحاديث الجمع بينهما، وأنه نص غير علمائنا على أنه لا يستحب التيامن هنا كما في غسل الخدين والمنخرين ومسح الأذنين والخفين إلا إذا تعذر ذلك فحينئذ يقدم اليمين منهما، والقواعد لا تنبو عنه ا هـ‏.‏ ملخصا، لكن يشكل عليه مسألة نقل البلة‏.‏ وقد يجاب بأن نقل البلة يجوز هنا بدليل ظاهر الأحاديث، فتكون حينئذ عادة العوام موافقة لعرف الشرع؛ ولذا قال ابن حجر في التحفة‏:‏ ويسن غسلهما معا للاتباع انتهى فليتأمل ‏(‏قوله‏:‏ ولو أدخل الكف إلخ‏)‏ محترز قوله‏:‏ أدخل أصابع يسراه ‏(‏قوله‏:‏ إن أراد الغسل‏)‏ أي غسل الكف ‏(‏قوله‏:‏ صار الماء مستعملا‏)‏ أي الماء الملاقي للكف إذا انفصل لا جميع الماء بحر، وفيه كلام طويل سيأتي في بحث المستعمل ‏(‏قوله‏:‏ لا‏)‏ أي لا يصير مستعملا؛ ومثله إذا وقع الكوز في الجب فأدخل يده إلى المرافق بحر، وذلك للحاجة، وإن وجدت علة الاستعمال وهي رفع الحدث كما أفاده ح ‏(‏قوله‏:‏ ولو لم يمكنه الاغتراف إلخ‏)‏ في البحر والنهر عن المضمرات‏:‏ لو يداه نجستان أمر غيره بالاغتراف والصب‏.‏ فإن لم يجد أدخل منديلا فيغسل بما تقاطر منه، فإن لم يجد رفع الماء بفيه، فإن لم يقدر تيمم وصلى ولا إعادة عليه ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ وفي مسألة رفع الماء بفيه اختلاف‏.‏ والصحيح أنه يصير مستعملا وهو يزيل الخبث ا هـ‏.‏‏:‏ أي فيزيل ما على يديه من الخبث ثم يغسلهما للوضوء أفاده ط ‏(‏قوله‏:‏ وهو سنة‏)‏ أراد بها مطلقها الشامل للمؤكدة وغيرها ح‏:‏ أي لأنه عند توهم النجاسة سنة مؤكدة، وعند عدمه غير مؤكدة كما قدمناه ‏(‏قوله‏:‏ كما أن الفاتحة‏)‏ أي قراءتها واجبة وتنوب عن الفرض‏.‏ واعلم أن ما ذكره هنا من أنه سنة تنوب عن الفرض هو ما اختاره في الكافي وتبعه في الدرر، وهو أحد أقوال ثلاثة لكنه مخالف لما أشار إليه صدر كلامه حيث عبر بالبداءة بغسل يديه؛ فإنه ظاهر في اختيار القول بأنه فرض، وتقديمه سنة كما قدمناه عن ابن كمال، وهذا ما اختاره في الفتح والمعراج والخبازية والسراج؛ لقول محمد في الأصل بعد غسل الوجه، ثم يغسل ذراعيه ولم يقل يديه، فلا يجب غسلهما ثانيا‏.‏ قال في البحر‏:‏ وظاهر كلام المشايخ أنه المذهب‏.‏ وقال السرخسي‏:‏ الأصح عندي أنه سنة لا تنوب عن الفرض فيعيد غسلهما‏.‏ واستشكله في الذخيرة بأن المقصود التطهير وقد حصل‏.‏ وأجاب الشيخ إسماعيل النابلسي بأن المراد عدم النيابة من حيث ثواب الفرض لو أتى به مستقلا قصدا إذ السنة لا تؤديه ويؤديه اتفاقهم على سقوط الحدث بلا نية‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله أن الفرض سقط لكن في ضمن الغسل المسنون لا قصدا، والفرض إنما يثاب عليه إذا أتى به على قصد الفرضية؛ كمن عليه جنابة قد نسيها واغتسل للجمعة مثلا فإنه يرتفع حدثه ضمنا ولا يثاب ثواب الفرض وهو غسل الجنابة ما لم ينوه لأنه لا ثواب إلا بالنية، وحينئذ فيسن أن يعيد غسل اليدين عند غسل الذراعين ليكون آتيا بالفرض قصدا، ولا ينوب الغسل الأول منابه من هذه الجهة وإن ناب منابه من حيث إنه لو لم يعده سقط الفرض كما يسقط لو لم ينو أصلا‏.‏ ويظهر لي على هذا أنه لا مخالفة بين الأقوال الثلاثة لأن القائل بالفرضية أراد أنه يجزئ عن الفرض، وأن تقديم هذا الغسل المجزئ عن الفرض سنة، وهو معنى القول بأنه سنة تنوب عن الفرض‏.‏ والظاهر أنه على هذين القولين يسن إعادة الغسل لما مر فتتحد الأقوال، والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويسن إلخ‏)‏ نقله في النهر عن الذخائر الأشرفية‏.‏ وفيه تأييد لما ذكرناه آنفا حيث لم يقيده بأحد الأقوال، إذ يبعد القول بأن إعادة غسلهما عبث وإسراف فافهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والسواك‏)‏ بالكسر‏:‏ بمعنى العود الذي يستاك به وبمعنى المصدر‏.‏ قال في الدرر‏:‏ وهو المراد هاهنا فلا حاجة إلى تقدير استعمال السواك‏.‏ ا هـ‏.‏ فالمراد الاستياك‏.‏ قال الشيخ إسماعيل‏:‏ وبه عبر في الفتح، وصرح به في الغاية وغيرها، ونقله ابن فارس في مقياس اللغة وهو في المصباح المنير أيضا، فلا يرد ما قيل‏:‏ إنه لم يوجد في الكتب المعتبرة ا هـ‏.‏ ونقله نوح أفندي أيضا عن الحافظ ابن حجر والعراقي والكرماني، قال‏:‏ وكفى بهم حجة ‏(‏قوله‏:‏ سنة مؤكدة‏)‏ خبر لمبتدإ محذوف إن قدر قوله‏:‏ والسواك معطوفا على ما قبله لا مبتدأ وعلى العطف فهل هو مرفوع أو مجرور‏؟‏ استظهر في البحر تبعا للزيلعي الثاني ليفيد أن الابتداء به سنة أيضا‏.‏ واستظهر في النهر الأول لترجيح كونه عند المضمضة‏.‏ ثم قيل‏:‏ إنه مستحب لأنه ليس من خصائص الوضوء وصححه الزيلعي وغيره‏.‏ وقال في الفتح إنه الحق، لكن في شرح المنية الصغير‏:‏ وقد عده القدوري والأكثرون من السنن وهو الأصح ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وعليه المتون ‏(‏قوله‏:‏ عند المضمضة‏)‏ قال في البحر‏:‏ وعليه الأكثر، وهو الأولى لأنه أكمل في الإنقاء ‏(‏قوله‏:‏ وهو للوضوء عندنا‏)‏ أي سنة للوضوء‏.‏ وعند الشافعي للصلاة قال في البحر وقالوا‏:‏ فائدة الخلاف تظهر فيمن صلى بوضوء واحد صلوات يكفيه عندنا لا عنده‏.‏ وعلله السراج الهندي في شرح الهداية بأنه إذا استاك للصلاة ربما يخرج دم، وهو نجس بالإجماع وإن لم يكن ناقضا عند الشافعي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا نسيه إلخ‏)‏ ذكره في الجوهرة ومفاده أنه لو أتى به عند الوضوء لا يسن له أن يأتي به عند الصلاة، لكن في الفتح عند الغزنوية‏:‏ ويستحب في خمسة مواضع‏:‏ اصفرار السن، وتغير الرائحة، والقيام من النوم، والقيام إلى الصلاة، وعند الوضوء، لكن قال في البحر‏:‏ ينافيه ما نقلوه من أنه عندنا للوضوء لا للصلاة، ووفق في النهر بحمل ما في الغزنوية على ما في الجوهرة أي أنه للوضوء‏.‏ وإذا نسيه يكون مندوبا للصلاة لا للوضوء، وهذا ما أشار إليه الشارح، لكن قال الشيخ إسماعيل‏:‏ فيه نظر بالنظر إلى تعليل السراج الهندي المتقدم‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ هذا التعليل عليل؛ فقد رد بأن ذاك أمر متوهم مع أنه لمن يثابر عليه لا يدمي‏.‏ ويظهر لي التوفيق، بأن معنى قولهم‏:‏ هو للوضوء عندنا بيان ما تحصل به الفضيلة الواردة فيما رواه أحمد من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك» أي أنها تحصل بالإتيان به عند الوضوء‏.‏ وعند الشافعي لا تحصل إلا بالإتيان به عند الصلاة‏.‏ فعندنا كل صلاة صلاها بذلك الوضوء لها هذه الفضيلة خلافا له، ولا يلزم من هذا نفي استحبابه عندنا لكل صلاة أيضا حتى يحصل التنافي‏.‏ وكيف لا يستحب للصلاة التي هي مناجاة الرب تعالى مع أنه يستحب للاجتماع بالناس‏.‏ قال في إمداد الفتاح‏:‏ وليس السواك من خصائص الوضوء، فإنه يستحب في حالات منها‏:‏ تغير الفم، والقيام من النوم وإلى الصلاة، ودخول البيت، والاجتماع بالناس، وقراءة القرآن؛ لقول أبي حنيفة‏:‏ إن السواك من سنن الدين فتستوي فيه الأحوال كلها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي القهستاني‏:‏ ولا يختص بالوضوء كما قيل، بل سنة على حدة على ما في ظاهر الرواية‏.‏ وفي حاشية الهداية أنه مستحب في جميع الأوقات، ويؤكد استحبابه عند قصد التوضؤ فيسن أو يستحب عند كل صلاة ا هـ‏.‏ وممن صرح باستحبابه عند صلاة أيضا الحلبي في شرح المنية الصغير، وفي هدية ابن عماد أيضا، وفي التتارخانية عن التتمة‏:‏ ويستحب السواك عندنا عند كل صلاة ووضوء وكل ما يغير الفم وعند اليقظة‏.‏ ا هـ‏.‏ فاغتنم هذا التحرير الفريد ‏(‏قوله‏:‏ وأقله إلخ‏)‏ أقول‏:‏ قال في المعراج‏:‏ ولا تقدير فيه، بل يستاك إلى أن يطمئن قلبه بزوال النكهة واصفرار السن، والمستحب فيه ثلاث بثلاث مياه‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أن المراد لا تقدير فيه من حيث تحصيل السنة، وإنما تحصل باطمئنان القلب، فلو حصل بأقل من ثلاث فالمستحب إكمالها كما قالوا في الاستنجاء بالحجر ‏(‏قوله‏:‏ في الأعالي‏)‏ ويبدأ من الجانب الأيمن ثم الأيسر وفي الأسافل كذلك بحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بمياه ثلاثة‏)‏ بأن يبله في كل مرة

‏(‏قوله‏:‏ وندب إمساكه بيمناه‏)‏ كذا في البحر والنهر، قال في الدرر‏:‏ لأنه المنقول المتوارث ا هـ‏.‏ وظاهره أنه منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن قال محشيه العلامة نوح أفندي‏:‏ أقول‏:‏ دعوى النقل تحتاج إلى نقل، ولم يوجد‏.‏ غاية ما يقال أن السواك إن كان من باب التطهير استحب باليمين كالمضمضة، وإن كان من باب إزالة الأذى فباليسرى والظاهر الثاني كما روي عن مالك‏.‏ واستدل للأول بما ورد في بعض طرق حديث عائشة «أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في ترجله وتنعله وطهوره وسواكه» ورد بأن المراد البداءة بالجانب الأيمن من الفم ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وفي البحر والنهر والسنة في كيفية أخذه أن يجعل الخنصر أسفله والإبهام أسفل رأسه وباقي الأصابع فوقه كما رواه ابن مسعود ‏(‏قوله‏:‏ وكونه لينا‏)‏ كذا في الفتح‏.‏ وفي السراج‏:‏ يستحب أن يكون السواك لا رطبا يلتوي؛ لأنه لا يزيل القلح وهو وسخ الأسنان، ولا يابسا يجرح اللثة وهي منبت الأسنان‏.‏ ا هـ‏.‏ فالمراد أن رأسه الذي هو محل استعماله يكون لينا‏:‏ أي لا في غاية الخشونة ولا غاية النعومة، تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بلا عقد‏)‏ في شرح درر البحار‏:‏ قليل العقد ‏(‏قوله‏:‏ في غلظ الخنصر‏)‏ كذا في المعراج، وفي الفتح الأصبع ‏(‏قوله‏:‏ وطول شبر‏)‏ الظاهر أنه في ابتداء استعماله، فلا يضر نقصه بعد ذلك بالقطع منه لتسويته، تأمل، وهل المراد شبر المستعمل أو المعتاد‏؟‏ الظاهر الثاني لأنه محمل الإطلاق غالبا ‏(‏قوله‏:‏ ويستاك عرضا لا طولا‏)‏ أي لأنه يجرح لحم الأسنان‏.‏ وقال الغزنوي‏:‏ طولا وعرضا‏.‏ والأكثر على الأول بحر، لكن وفق في الحلية بأنه يستاك عرضا في الأسنان وطولا في اللسان جمعا بين الأحاديث، ثم نقل عن الغزنوي أنه يستاك بالمداراة خارج الأسنان وداخلها أعلاها وأسفلها ورءوس الأضراس وبين كل سنين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يقبضه‏)‏ أي بيده على خلاف الهيئة المسنونة ‏(‏قوله‏:‏ ولا يمصه‏)‏ بضم الميم كيخص، وأما بلع الريق بلا مص، ففي الحلية قال الحكيم الترمذي‏:‏ وابلع ريقك أول ما تستاك؛ فإنه ينفع الجذام والبرص وكل داء سوى الموت، ولا تبلع بعده شيئا؛ فإنه يورث الوسوسة، يرويه زياد بن علاقة‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولا يضعه إلخ‏)‏ أي لا يلقيه عرضا بل ينصبه طولا‏.‏ قال القهستاني‏:‏ وموضع سواكه صلى الله عليه وسلم من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، وأسوكة أصحابه خلف آذانهم، كما قال الحكيم الترمذي، وكان بعضهم يضعه في طي عمامته‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا فخطر الجنون‏)‏ فإنه يروى عن سعيد بن جبير قال‏:‏ من وضع سواكه بالأرض فجن من ذلك فلا يلومن إلا نفسه، حلية عن الحكيم الترمذي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويكره بمؤذ‏)‏ قال في الحلية‏:‏ وقال غير واحد من العلماء كراهته بقضبان الرمان والريحان‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح الهداية للعيني‏:‏ روى الحارث في مسنده عن ضمير بن حبيب قال‏:‏ «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السواك بعود الريحان، وقال‏:‏ إنه يحرك عرق الجذام» وفي النهر‏:‏ ويستاك بكل عود إلا الرمان والقصب‏.‏ وأفضله الأراك ثم الزيتون‏.‏ روى الطبراني‏:‏ «نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة، وهو سواكي وسواك الأنبياء من قبلي»‏.‏

مطلب في منافع السواك

‏(‏قوله‏:‏ ومن منافعه إلخ‏)‏ في الشرنبلالية عن حاشية صحيح البخاري للفارضي‏:‏ أن منها أنه يبطئ بالشيب، ويحد البصر‏.‏ وأحسنها أنه شفاء لما دون الموت، وأنه يسرع في المشي على الصراط‏.‏ ا هـ‏.‏ ومنها ما في شرح المنية وغيره أنه مطهرة للفم، ومرضاة للرب، ومفرحة للملائكة، ومجلاة للبصر، ويذهب البخر والحفر، ويبيض الأسنان، ويشد اللثة، ويهضم الطعام، ويقطع البلغم، ويضاعف الصلاة، ويطهر طريق القرآن، ويزيد في الفصاحة، ويقوي المعدة، ويسخط الشيطان، ويزيد في الحسنات، ويقطع المرة، ويسكن عروق الرأس، ووجع الأسنان، ويطيب النكهة، ويسهل خروج الروح‏.‏ قال في النهر‏:‏ ومنافعه وصلت إلى نيف وثلاثين منفعة، أدناها إماطة الأذى، وأعلاها تذكير الشهادة عند الموت، رزقنا الله بمنه وكرمه ‏(‏قوله‏:‏ عنده‏)‏ أي عند الموت ‏(‏قوله‏:‏ أو الأصبع‏)‏ قال في الحلية‏:‏ ثم بأي أصبع استاك لا بأس به‏.‏ والأفضل أن يستاك بالسبابتين، يبدأ بالسبابة اليسرى ثم باليمنى، وإن شاء استاك بإبهامه اليمنى والسبابة اليمنى، يبدأ بالإبهام من الجانب الأيمن فوق وتحت، ثم السبابة من الأيسر كذلك ‏(‏قوله‏:‏ كما يقوم العلك مقامه‏)‏ أي في الثواب إذا وجدت النية، وذلك أن المواظبة عليه تضعف أسنانها فيستحب لها فعله بحر، وظاهره أنه لا يتقيد بحال المضمضة ط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولذا عبر بالغسل‏)‏ أفاد أن الاستيعاب يفاد بالغسل دون المضمضة والاستنشاق، وفيه نظر فإنهما كذلك فالمضمضة اصطلاحا استيعاب الماء جميع الفم‏.‏ وفي اللغة التحريك‏.‏ والاستنشاق اصطلاحا إيصال الماء إلى المارن‏.‏ ولغة من النشق، وهو جذب الماء ونحوه بريح الأنف إلى داخله بحر‏.‏ وأجيب بأن المراد ما قاله الزيلعي، وهو أن السنة فيهما المبالغة، والغسل أدل على ذلك‏.‏ وأورد أن المبالغة المذكورة ليست نفس الاستيعاب، على أن المبالغة سنة أخرى، فالتعبير عنها وعن أصلها بعبارة واحدة يوهم أنهما سنة واحدة وليس هناك نهر‏.‏ وأيضا لا يناسب ذلك من صرح بسنية المبالغة كالمصنف‏.‏ قلت‏:‏ فالأحسن أن يقال‏:‏ إن التعبير بغسل الفم والأنف أدل على الاستيعاب من المضمضة والاستنشاق بالنظر إلى المعنى اللغوي، تأمل ‏(‏قوله‏:‏ أو للاختصار‏)‏ أورد عليه أن الاختصار مطلوب ما لم يفوت فائدة مهمة، فإن المضمضة إدارة الماء في الفم ثم مجه، والغسل لا يدل على ذلك‏:‏ وأجاب في النهر بأن كون المج شرطا فيها هو رواية عن الثاني‏.‏ والأصح أنه ليس بشرط؛ لما في الفتح‏:‏ لو شرب الماء عبا أجزأه عن المضمضة، وقيل‏:‏ لا، ومصا لا يجزيه‏.‏ هذا، وأبدى العيني وجها ثالثا هو التنبيه على حديهما ‏(‏قوله‏:‏ بمياه‏)‏ إنما قال‏:‏ بمياه ولم يقل‏:‏ ثلاثا؛ ليدل على أن المسنون التثليث بمياه جديدة، أفاده في المنح ط ‏(‏قوله‏:‏ المارن‏)‏ هو ما لان من الأنف قاموس ‏(‏قوله‏:‏ وهما سنتان مؤكدتان‏)‏ فلو تركهما أثم على الصحيح سراج‏.‏ قال في الحلية‏:‏ لعله محمول على ما إذا جعل الترك عادة له من غير عذر كما قالوا مثله في ترك التثليث كما يأتي ‏(‏قوله‏:‏ مشتملتان‏)‏ أي مشتمل كل منهما على سنن خمس، وباعتبارهما تكون السنن اثنتي عشرة سنة، فافهم‏؟‏ نعم قد يقال‏:‏ الترتيب سنة واحدة فيهما، تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والتثليث‏)‏ في البحر عن المعراج أن ترك التكرار مع الإمكان لا يكره، وأيده في الحلية ‏{‏بأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه تمضمض واستنشق مرة» كما أخرجه أبو داود، ثم قال‏:‏ وينبغي تقييده بما إذا لم يجعل الترك عادة له ‏(‏قوله‏:‏ وتجديد الماء‏)‏ أي أخذه ماء جديدا في كل مرة فيهما ‏(‏قوله‏:‏ وفعلهما باليمنى‏)‏ أي ويمخط ويستنثر باليسرى، كما في المنية والمعراج ‏(‏قوله‏:‏ والمبالغة فيهما‏)‏ هي السنة الخامسة‏.‏ وفي شرح الشيخ إسماعيل عن شرح المنية‏:‏ والظاهر أنها مستحبة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بالغرغرة‏)‏ أي في المضمضة، ومجاوزة المارن في الاستنشاق، وقيل‏:‏ المبالغة في المضمضة تكثير الماء حتى يملأ الفم‏.‏ قال في شرح المنية والأول أشهر ‏(‏قوله‏:‏ وسر تقديمهما‏)‏ أي حكمة تقديمهما على فرائض الوضوء ‏(‏قوله‏:‏ اعتبار أوصاف الماء‏)‏ على حذف مضاف‏:‏ أي الوقوف على تمام أوصاف الماء، فإن أوصافه اللون والطعم والريح، فاللون يرى بالبصر، وبهما يحصل تمام الأوصاف التي قد تعرض له، فافهم ‏(‏قوله‏:‏ ولو عنده ماء إلخ‏)‏ في شرح الزاهدي عن الشفاء‏:‏ المضمضة والاستنشاق سنتان مؤكدتان، من تركهما يأثم‏.‏ قال الزاهدي‏:‏ وبهذا تبين أن من عنده ماء الوضوء مرة معهما وثلاثا بدونهما؛ فإنه يتوضأ مرة معهما ا هـ‏.‏ كذا في الحلية أي لأنهما آكد في التثليث بدليل الإثم بتركهما، لكن قدمنا حمل الإثم على اعتياد الترك بلا عذر، على أن التثليث كذلك كما يأتي‏.‏ والأحسن قول ح ‏"‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ورد عنه ترك التثليث حيث‏:‏ «غسل مرة مرة، وقال‏:‏ هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به» ولم يرد عنه ترك المضمضة والاستنشاق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أخذ ماء فمضمض ببعضه واستنشق بباقيه أجزأه‏)‏ أي عن أصل المضمضة والاستنشاق، وفاته سنية التجديد ‏(‏قوله‏:‏ وعكسه‏)‏ أي بأن قدم الاستنشاق لا يجزيه لصيرورة الماء مستعملا بحر أي لأن ما في الأنف لا يمكن إمساكه، بخلاف ما في الفم، والمراد لا يجزيه عن المضمضة، وإلا فالاستنشاق صح وإن فاته الترتيب، تأمل ‏(‏قوله‏:‏ الأولى نعم‏)‏ ظاهره ولو تسوك لاحتمال أن يتحلل من أجزاء السواك شيء أو يبقى أثر طعام لا يخرجه السواك، وليحرر ط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتخليل اللحية‏)‏ هو تفريق شعرها من أسفل إلى فوق، بحر، وهو سنة عند أبي يوسف وأبو حنيفة ومحمد يفضلانه ورجح في المبسوط قول أبي يوسف كما في البرهان شرنبلالية‏.‏ وفي شرح المنية‏:‏ والأدلة ترجحه وهو الصحيح‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في الحلية‏:‏ والظاهر أن هذا كله في الكثة، أما الخفيفة فيجب إيصال الماء إلى ما تحتها‏.‏ ا هـ‏.‏ وجزم به الشرنبلالي في متنه ‏(‏قوله‏:‏ لغير المحرم‏)‏ أما المحرم فمكروه نهر ‏(‏قوله‏:‏ بعد التثليث‏)‏ أي تثليث غسل الوجه إمداد‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويجعل ظهر كفه إلى عنقه‏)‏ نقله العلامة نوح أفندي عن بعض الفضلاء بلفظ‏:‏ وينبغي أن يجعل إلخ‏.‏ وكتب في الهامش إنه الفاضل البرجندي‏.‏ وقال في المنح‏:‏ وكيفيته على وجه السنة أن يدخل أصابع اليد في فروجها التي بين شعراتها من أسفل إلى فوق بحيث يكون كف اليد الخارج وظهرها إلى المتوضئ‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لكن روى أبو داود عن أنس‏:‏ «كان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفا من ماء تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال بهذا أمرني ربي» ذكره في البحر وغيره، والمتبادر منه إدخال اليد من أسفل بحيث يكون كف اليد لداخل من جهة العنق وظهرها إلى الخارج، ليمكن إدخال الماء المأخوذ في خلال الشعر، ولا يمكن ذلك على الكيفية المارة فلا يبقى لأخذه فائدة، فليتأمل‏.‏ وما في المنح عزاه إلى الكفاية‏.‏ والذي رأيته في الكفاية هكذا، وكيفيته‏:‏ أن يخلل بعد التثليث من حيث الأسفل إلى فوق‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن هذا التخليل باليد اليمنى كما صرح به في الحلية، وهو ظاهر‏.‏ وقال في الدرر‏:‏ إنه يدخل أصابع يديه من خلال لحيته، وهو خلاف ما مر فتدبر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتخليل الأصابع‏)‏ هو سنة مؤكدة اتفاقا سراج، وما في الشرنبلالية من ذكر الخلاف إنما ذكره في تخليل اللحية كما قدمناه فافهم‏.‏ قال في البحر‏:‏ وقيده في السراج‏:‏ أي التخليل بأن يكون بماء متقاطر في تخليل الأصابع ولم يقيده في تخليل اللحية‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ قد علمت من الحديث المار التقييد في تخليل اللحية بأخذ كف من ماء‏.‏ وفي البحر ويقوم مقامه‏:‏ أي تخليل الأصابع الإدخال في الماء ولو لم يكن جاريا‏.‏ وفيه عن الظهيرية أن التخليل إنما يكون بعد التثليث لأنه سنة التثليث ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن ذكر في الحلية عند ذكره استيعاب الأعضاء بالغسل في كل مرة أنه يؤخذ منه استنان تثليثه ثم روي عن الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح جيد ‏{‏عن عثمان رضي الله عنه أنه توضأ فخلل بين أصابع قدميه ثلاثا‏.‏ وقال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت» ‏(‏قوله‏:‏ اليدين‏)‏ أي أصابع اليدين ط ‏(‏قوله‏:‏ بالتشبيك‏)‏ نقله في البحر بصيغة قيل‏.‏ وكيفيته كما قال الرحمتي‏:‏ أن يجعل ظهر البطن لئلا يكون أشبه باللعب ‏(‏قوله‏:‏ والرجلين إلخ‏)‏ ذكر هذه الكيفية في المعراج وغيره، وقال بذلك ورد الخبر، وكذا ذكرها القدوري مروية مع تقييد التخليل بكونه من أسفل‏.‏ وتعقب في الفتح ورود هذه الكيفية بقوله والله أعلم به، ومثله فيما يظهر أمر اتفاقي لا سنة مقصودة‏.‏ قال تلميذه ابن أمير حاج الحلبي في الحلية شرح المنية‏:‏ لكن الذي في سنن ابن ماجه عن «المستورد بن شداد قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل أصابع رجليه بخنصره»‏.‏ وأما كونه بخنصر يده اليسرى وكونه من أسفل فالله أعلم به‏.‏ ويشكل كونه بخنصر اليد اليسرى أنه من الطهارة، والمستحب في فعلها اليمين، ولعل الحكمة في كونه بالخنصر كونها أدق الأصابع فهي بالتخليل أنسب، وفي كونه من أسفل أنه أبلغ في إيصال الماء ا هـ‏.‏ ثم نقل ندب هذه الكيفية عن الشافعي‏.‏ قلت‏:‏ ويجاب عن قوله ويشكل إلى إلخ بأن الرجلين محل الوسخ والقذر، ولذا سيذكر الشارح أن من الآداب غسلهما باليسار ‏(‏قوله‏:‏ بادئا‏)‏ أي وخاتما بخنصر رجله اليسرى؛ لأن خنصر الرجل اليمنى هي يمنى أصابعها وإبهام اليسرى كذلك‏:‏ أي والتيامن سنة أو مستحب أفاده في الحلية‏.‏ قال في البحر‏:‏ وقوله‏:‏ من أسفل إلى فوق يحتمل شيئين‏:‏ أن يبدأ من أسفل إلى فوق أي من ظهر القدم أو من باطنه كما جزم به في السراج، والأول أقرب ا هـ‏.‏ أي فيدخل خنصره من جهة ظهر القدم، فيخلل من أسفل صاعدا إلى فوق لا من جهة باطنه ‏(‏قوله‏:‏ وهذا‏)‏ أي كون التخليل سنة ‏(‏قوله‏:‏ فرض‏)‏ أي التخليل لأنه حينئذ لا يمكن إيصال الماء إلا به فافهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتثليث الغسل‏)‏ أي جعله ثلاثا، فمجموع الثانية والثالثة سنة واحدة، قال في الفتح‏:‏ وهو الحق، لكن صحح في السراج أنهما سنتان مؤكدتان‏.‏ قال في النهر‏:‏ وهو المناسب لاستدلالهم على السنية ‏"‏ بأنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لما أن توضأ مرتين مرتين قال‏:‏ هذا وضوء من يضاعف له الأجر مرتين، ولما أن توضأ ثلاثا قال‏:‏ هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم» فجعل للثانية جزاء مستقلا، وهذا يؤذن باستقلالها لا أنها جزء سنة حتى لا يثاب عليها وحدها‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيد بالغسل إذ لا يطلب تثليث المسح كما يأتي ‏(‏قوله‏:‏ المستوعب‏)‏ فلو غسل في المرة الأولى وبقي موضع يابس، ثم في المرة الثانية أصاب الماء بعضه، ثم في الثالثة أصاب الجميع لا يكون غسلا للأعضاء ثلاثا حلية عن فتاوى الحجة ‏(‏قوله‏:‏ ولا عبرة للغرفات‏)‏ أي الغير المستوعبة‏.‏ قال في البحر‏:‏ والسنة تكرار الغسلات المستوعبات لا الغرفات‏.‏ ا هـ‏.‏ بقي إذا لم يستوعب إلا في الثالثة كما قلنا، هل يحسب الكل غسلة واحدة فيعيد الغسل مرتين، أو يعيد غسل ما لم يصبه الماء فقط، والمتبادر من عبارة البحر الأول، وليحرر ‏(‏قوله‏:‏ وإن اعتاده أثم‏)‏ قال في النهر‏:‏ ولو اقتصر على الأولى ففي إثمه قولان، قيل‏:‏ يأثم لترك السنة المشهورة، وقيل‏:‏ لا لأنه قد أتى بما أمر به كذا في السراج واختار في الخلاصة أنه إن اعتاده أثم وإلا لا، وينبغي أن يكون هذا القول محمل القولين‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لكن في الخلاصة لم يصرح بالإثم، وإنما قال‏:‏ إن اعتاده كره وهكذا نقله في البحر، نعم هو موافق لما قدمناه عن شرح التحرير من حمل اللوم والتضليل لترك السنة المؤكدة على الترك مع الإصرار بلا عذر وقدمنا أيضا تصريح صاحب البحر بأن الظاهر من كلام أهل المذهب أن الإثم منوط بترك الواجب والسنة المؤكدة على الصحيح، ولا يخفى أن التثليث حيث كان سنة مؤكدة وأصر على تركه يأثم، وإن كان يعتقده سنة‏.‏ وأما حملهم الوعيد في الحديث على عدم رؤية الثلاث سنة كما يأتي فذلك في الترك ولو مرة بدليل ما قلنا‏.‏ وبه اندفع ما في البحر من ترجيح القول بعدم الإثم لو اقتصر على مرة بأنه لو أثم بنفس الترك لما احتيج إلى هذا الحمل ا هـ‏.‏ وأقره في النهر وغيره، وذلك لأنه مع عدم الإصرار محتاج إليه فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإلا‏)‏ أي وإن لم يعتده بأن فعله أحيانا أو فعله لعزة الماء أو لعذر البرد أو لحاجة لا يكره خلاصة ‏(‏قوله‏:‏ ولو زاد إلخ‏)‏ أشار إلى أن الزيادة مثل النقصان في المنع عنها بلا عذر ‏(‏قوله‏:‏ لطمأنينة القلب‏)‏ لأنه أمر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، وينبغي أن يقيد هذا بغير الموسوس، أما هو فيلزمه قطع مادة الوسواس عنه وعدم التفاته إلى التشكيك؛ لأنه فعل الشيطان وقد أمرنا بمعاداته ومخالفته رحمتي، ويؤيده ما سنذكره قبيل فروض الغسل عن التتارخانية أنه لو شك في بعض وضوئه أعاده إلا إذا كان بعد الفراغ منه، أو كان الشك عادة له فإنه لا يعيده ولو قبل الفراغ قطعا للوسوسة عنه‏.‏ ا هـ‏.‏ مطلب في الوضوء على الوضوء ‏(‏قوله‏:‏ أو لقصد الوضوء على الوضوء‏)‏ أي بعد الفراغ من الأول بحر‏.‏ وفي التتارخانية عن الناطفي‏:‏ لو زاد على الثلاث فهو بدعة، وهذا إذا لم يفرغ من الوضوء؛ أما إذا فرغ ثم استأنف الوضوء فلا يكره بالاتفاق ا هـ‏.‏ ومثله في الخلاصة‏.‏ وعارض في البحر دعوى الاتفاق بما في السراج من أنه مكروه في مجلس واحد‏:‏ وأجاب في النهر بأن ما مر فيما إذا أعاده مرة واحدة، وما في السراج فيما إذا كرره مرارا، ولفظه في السراج‏:‏ لو تكرر الوضوء في مجلس واحد مرارا لم يستحب، بل يكره لما فيه من الإسراف فتدبر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن يرد ما في شرح المنية الكبير حيث قال‏:‏ وفيه إشكال لإطباقهم على أن الوضوء عبادة غير مقصودة لذاتها فإذا لم يؤد به عمل مما هو المقصود من شرعيته كالصلاة وسجدة التلاوة ومس المصحف ينبغي أن لا يشرع تكراره قربة؛ لكونه غير مقصود لذاته فيكون إسرافا محضا، وقد قالوا في السجدة لما لم تكن مقصودة‏:‏ لم يشرع التقرب بها مستقلة وكانت مكروهة، وهذا أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ويؤيده ما قاله ابن العماد في هديته‏.‏ قال في شرح المصابيح‏:‏ وإنما يستحب الوضوء إذا صلى بالوضوء الأول صلاة، كذا في الشرعة والقنية‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا ما قاله المناوي في شرح الجامع الصغير للسيوطي عند حديث‏:‏ «من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات» من أن المراد بالطهر الوضوء الذي صلى به فرضا أو نفلا كما بينه فعل راوي الخبر وهو ابن عمر، فمن لم يصل به شيئا لا يسن له تجديده‏.‏ ا هـ‏.‏ ومقتضى هذا كراهته، وإن تبدل المجلس ما لم يؤد به صلاة أو نحوها لكن ذكر سيدي عبد الغني النابلسي أن المفهوم من إطلاق الحديث مشروعيته ولو بلا فصل بصلاة أو مجلس آخر، ولا إسراف فيما هو مشروع، أما لو كرره ثالثا أو رابعا فيشترط لمشروعيته الفصل بما ذكر، وإلا كان إسرافا محضا ا هـ‏.‏ فتأمل‏.‏

مطلب كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب

‏(‏قوله‏:‏ لا بأس به‏)‏ لأنه نور على نور وقد أمر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه معراج، وفي هذا التعليل لف ونشر مشوش، وفيه إشارة إلى أن ذلك مندوب، فكلمة لا بأس وإن كان الغالب استعمالها فيما تركه أولى، لكنها قد تستعمل في المندوب كما صرح به في البحر من الجنائز والجهاد، فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وحديث فقد تعدى إلخ‏)‏ جواب عما يرد على قوله لا بأس به، وقد تقدم الحديث في عبارة النهر‏:‏ قال في البحر‏:‏ واختلف في معنى قوله‏:‏ عليه الصلاة والسلام‏:‏ «فمن زاد على هذا» على أقوال‏؟‏ فقيل‏:‏ على الحد المحدود، وهو مردود بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» والحديث في المصابيح، وإطالة الغرة تكون بالزيادة على الحد المحدود، وقيل‏:‏ على أعضاء الوضوء، وقيل‏:‏ الزيادة على العدد والنقص عنه‏.‏ والصحيح أنه محمول على الاعتقاد دون نفس الفعل، حتى لو زاد أو نقص واعتقد أن الثلاث سنة لا يلحقه الوعيد كذا في البدائع، واقتصر عليه في الهداية؛ وفي الحديث لف ونشر؛ لأن التعدي يرجع إلى الزيادة والظلم إلى النقصان‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وصريح ما في البدائع أنه لا كراهة في الزيادة والنقصان مع اعتقاد سنية الثلاث، ولذا ذكر في البدائع أيضا أن ترك الإسراف والتقتير مندوب، ويوافقه ما في التتارخانية لا يكره إلا أن يرى السنة في الزيادة، وهو مخالف لما مر، من أنه لو اكتفى بمرة واعتاده أثم ولما سيأتي بعد ورقة من أن الإسراف مكروه تحريما ومنه الزيادة على الثلاث؛ ولهذا فرع في الفتح وغيره على القول بحمل الوعيد على اعتقاد سنية الزيادة أو النقص بقوله‏:‏ ‏"‏ فلو زاد ‏"‏ لقصد الوضوء على الوضوء، أو لطمأنينة القلب عند الشك، أو نقص لحاجة لا بأس به، فإن مفاد هذا التفريع أنه لو زاد أو نقص بلا غرض صحيح يكره وإن اعتقد سنية الثلاث، وبه صرح في الحلية فقال‏:‏ وهل لو زاد على الثلاث من غير قصد لما ذكر يكره‏؟‏ الظاهر نعم؛ لأنه إسراف لكن لو كان قصده بالزيادة الوضوء على الوضوء، إنما تنتفي الكراهة إذا كان بعد الفراغ من الأول وصلى به أو تبدل المجلس على ما مر وإلا فلا، وعلى كل فيحتاج إلى التوفيق بين ما في البدائع وغيره، ويمكن التوفيق بما قدمناه من أنه إذا فعل ذلك مرة لا يكره ما لم يعتقده سنة، وإن اعتاده وأصر عليه يكره وإن اعتقد سنية الثلاث إلا إذا كان لغرض صحيح، هذا ما ظهر لفهمي القاصر فتدبر‏.‏ه ‏(‏قوله‏:‏ ولعل إلخ‏)‏ جواب عما أورده في البحر من أن قولهم‏:‏ لو نوى الوضوء على الوضوء لا بأس به مخالف لما في السراج من أن تكراره في مجلس مكروه، وحمله على اختلاف المجلس بعيد‏.‏ وحاصل الجواب حمل الكراهة على التنزيهية، فلا تنافي قولهم لا بأس به لأن غالب استعمالها فيما تركه أولى‏.‏ أقول‏:‏ وفي الجواب نظر، لما قدمناه من تعليلهم بأنه نور على نور، فهي مستعملة في المندوب لا فيما تركه أولى فالأحسن الجواب بما قدمناه عن النهر من أن ‏(‏المكروه تكراره في مجلس إلخ‏)‏ ترق في الجواب، وهو مخالف لما سيأتي من أن الإسراف مكروه ولو بماء النهر؛ ولذا قال‏:‏ تأمل، ويأتي تمام الكلام عليه‏.‏

مطلب قد يطلق الجائز على ما لا يمتنع شرعا

فيشمل المكروه وقد يقال‏:‏ أطلق الجائز وأراد به ما يعم المكروه‏.‏ ففي الحلية عن أصول ابن الحاجب أنه قد يطلق ويراد به ما لا يمتنع شرعا وهو يشمل المباح والمكروه والمندوب والواجب ا هـ‏.‏ لكن الظاهر أن المراد المكروه تنزيها لأن المكروه تحريما ممتنع شرعا منعا لازما‏.‏

مطلب في تصريف قولهم معزيا

‏(‏قوله‏:‏ معزيا‏)‏ يقال‏:‏ عزوته وعزيته لغة إذا نسبته صحاح، فهو اسم مفعول من اليائي اللام، أصله معزوي، فقلبت الواو ياء ثم أدغمت، ويجوز أخذه من الواو أيضا، فإن القياس فيه معزو مثل مغزو، لكنه قد تقلب الواوان فيه ياءين، وهو فصيح كما نص عليه التفتازاني في شرح التصريف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ مرة‏)‏ لو قال بدله بماء واحد كما في المنية لكان أولى لما في الفتح‏.‏ روى الحسن عن أبي حنيفة في المجرد إذا مسح ثلاثا بماء واحد كان مسنونا ا هـ‏.‏ وعليه حمل في الهداية وغيرها ما استدل به الشافعي من رواية التثليث جمعا بين الأحاديث‏.‏ ولا يقال‏:‏ إن الماء يصير مستعملا بالمرة الأولى، فكيف يسن التكرار‏؟‏ لما في شرح المنية من أنهم اتفقوا على أن الماء ما دام في العضو لا يكون مستعملا ‏(‏قوله‏:‏ مستوعبة‏)‏ هذا سنة أيضا، كما جزم به في الفتح، ثم نقل عن القنية أنه إذا داوم على ترك الاستيعاب بلا عذر يأثم، قال‏:‏ وكأنه لظهور رغبته عن السنة، قال الزيلعي وتكلموا في كيفية المسح‏.‏ والأظهر أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدهما إلى القفا على وجه يستوعب جميع الرأس ثم يمسح أذنيه بأصبعيه‏.‏ ا هـ‏.‏ وما قيل من أنه يجافي المسبحتين والإبهامين ليمسح بهما الأذنين والكفين ليمسح بهما جانبي الرأس خشية الاستعمال، فقال في الفتح‏:‏ لا أصل له في السنة؛ لأن الاستعمال لا يثبت قبل الانفصال، والأذنان من الرأس‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

لو مسح ثلاثا بمياه، قيل‏:‏ يكره، وقيل‏:‏ إنه بدعة، وقيل‏:‏ لا بأس به‏.‏ وفي الخانية لا يكره ولا يكون سنة ولا أدبا، قال في البحر وهو الأولى إذ لا دليل على الكراهة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن استوجبه في شرح المنية القول بالكراهة، وذكرت ما يؤيده فيما علقته على البحر فراجعه وسيأتي في المتن عده من المنهيات‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأذنيه‏)‏ أي باطنهما بباطن السبابتين، وظاهرهما بباطن الإبهامين قهستاني ‏(‏قوله‏:‏ معا‏)‏ أي فلا تيامن فيهما كما سيذكره ‏(‏قوله‏:‏ ولو بمائه‏)‏ قال في الخلاصة‏:‏ لو أخذ للأذنين ماء جديدا فهو حسن، وذكره ملا مسكين رواية عن أبي حنيفة‏.‏ قال في البحر‏:‏ فاستفيد منه أن الخلاف بيننا وبين الشافعي في أنه إذا لم يأخذ ماء جديدا ومسح بالبلة الباقية هل يكون مقيما للسنة‏؟‏ فعندنا نعم، وعنده لا‏.‏ أما لو أخذ ماء جديدا مع بقاء البلة فإنه يكون مقيما للسنة اتفاقا ا هـ‏.‏ وأقره في النهر‏.‏ أقول‏:‏ مقتضاه أن مسح الأذنين بماء جديد أولى مراعاة للخلاف؛ ليكون آتيا بالسنة اتفاقا، وهو مفاد تعبير الشارح بلو الوصلية تبعا للشرنبلالي وصاحب البرهان، وهذا مبني على تلك الرواية، لكن تقييد سائر المتون بقولهم بمائه يفيد خلاف ذلك، وكذا تقرير شراح الهداية وغيرها، واستدلالهم «بفعله عليه الصلاة والسلام أنه أخذ غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه» وبقوله‏:‏ «الأذنان من الرأس» وكذا جوابهم عما روي أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء جديدا بأنه يجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب جمعا بين الأحاديث، ولو كان أخذ الماء الجديد مقيما للسنة لما احتيج إلى ذلك‏.‏ وفي المعراج عن الخبازية‏:‏ ولا يسن تجديد الماء في كل بعض من أبعاض الرأس، فلا يسن في الأذنين بل أولى لأنه تابع ا هـ‏.‏ وفي الحلية‏:‏ السنة عندنا وعند أحمد أن يكون بماء الرأس خلافا لمالك والشافعي وأحمد في رواية ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية‏:‏ ومن السنة مسحهما بماء الرأس، ولا يأخذ لهما ماء جديدا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الهداية والبدائع‏:‏ وهو سنة بماء الرأس، قال في العناية أي لا بماء جديد، ومثله في شرح المجمع‏:‏ وفي شرح الهداية للعيني استيعاب الرأس بالمسح بماء واحد سنة، ولا يتم بدونهما حيث جعلتا من الرأس أي كما في الحديث المار‏.‏ وفي شرح الدرر للشيخ إسماعيل‏:‏ ولو أفردا بالمسح بماء جديد كما قال الشافعي لصارا أصلين، وذا لا يجوز‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد ظهر لك أن ما مشى عليه الشارح مخالف للرواية المشهورة التي مشى عليها أصحاب المتون والشروح الموضوعة لنقل المذهب، هذا ما ظهر لي‏.‏ ولم أر من نبه على ذلك فتدبر‏.‏ه، ثم بعد مدة رأيت المصنف نبه عليه في شرحه على زاد الفقير حيث قال بعد ذكره عبارة الخلاصة السابقة ما نصه؛ قلت‏:‏ قوله‏:‏ ولو فعل فحسن، مشكل لأنه يكون خلاف السنة، وخلاف السنة كيف يكون حسنا، والله أعلم ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن إلخ‏)‏ ذكره في شرح المنية، ولعله محمول على ما إذا انعدمت البلة بمس العمامة‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وإذا انعدمت البلة لم يكن بد من الأخذ‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد يقال‏:‏ لا بد من الأخذ مطلقا لأنه بمس العمامة يحصل الانفصال فيحكم على البلة بالاستعمال، وعلى هذا ينبغي أن يقال‏:‏ لو مسح رأسه بيده ثم رفعهما قبل مسح الأذنين فلا بد من أخذ ماء جديد ولو كانت البلة باقية، تأمل

‏(‏قوله‏:‏ المذكور في النص‏)‏ أي الترتيب المذكور في آية الوضوء‏.‏ وفيه إشارة إلى أنه ليس المراد في قول الكنز وغيره‏:‏ والترتيب المنصوص النص الأصولي، بل المراد المذكور، إذ ليس في الآية ما يفيد الترتيب؛ فلم يكن منصوصا عليه فيها ‏(‏قوله‏:‏ وهو مطالب بالدليل‏)‏ أي أنه لا حاجة لنا إلى الدليل على عدم الافتراض، لأنه الأصل ومدعيه مطالب به ولم يوجد، وقد علم الترتيب من فعله عليه الصلاة والسلام فقلنا بسنيته أفاده في البحر

مطلب لا فرق بين المندوب والمستحب والنفل والتطوع

‏(‏قوله‏:‏ ويسمى مندوبا وأدبا‏)‏ زاد غيره ونفلا وتطوعا، وقد جرى على ما عليه الأصوليون، وهو المختار من عدم الفرق بين المستحب والمندوب والأدب كما في حاشية نوح أفندي على الدرر؛ فيسمى مستحبا من حيث إن الشارع يحبه ويؤثره، ومندوبا من حيث إنه بين ثوابه وفضيلته؛ من ندب الميت‏:‏ وهو تعديد محاسنه، ونفلا من حيث إنه زائد على الفرض والواجب، ويزيد به الثواب، وتطوعا من حيث إن فاعله يفعله تبرعا من غير أن يؤمر به حتما ا هـ‏.‏ من شرح الشيخ إسماعيل على البرجندي وقد يطلق عليه اسم السنة وصرح القهستاني بأنه دون سنن الزوائد‏.‏ قال في الإمداد‏:‏ وحكمه الثواب على الفعل وعدم اللوم على الترك‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب ترك المندوب هل يكره تنزيها

وهل يفرق بين التنزيه وخلاف الأولى وهل يكره تنزيها، في البحر لا، ونازعه في النهر بما في الفتح من الجنائز والشهادات أن مرجع كراهة التنزيه خلاف الأولى‏.‏ قال‏:‏ ولا شك أن ترك المندوب خلاف الأولى ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لكن أشار في التحرير إلى أنه قد يفرق بينهما، بأن خلاف الأولى ما ليس فيه صيغة نهي كترك صلاة الضحى بخلاف المكروه تنزيها، نعم قال في الحلية‏:‏ إن هذا أمر يرجع إلى الاصطلاح، والتزامه غير لازم والظاهر تساويهما كما أشار إليه اللامشي ا هـ‏.‏ لكن قال الزيلعي في الأكل يوم الأضحى قبل الصلاة‏:‏ المختار أنه ليس بمكروه، ولكن يستحب أن لا يأكل‏.‏ وقال في البحر هناك‏:‏ ولا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة، إذ لا بد لها من دليل خاص‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وهذا هو الظاهر إذ لا شبهة أن النوافل من الطاعات كالصلاة والصوم ونحوهما فعلها أولى من تركها بلا عارض‏.‏ ولا يقال‏:‏ إن تركها مكروه تنزيها وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في مكروهات الصلاة ‏(‏قوله‏:‏ وفضيلة‏)‏ أي لأن فعله يفضل تركه فهو بمعنى فاضل؛ أو لأنه يصير فاعله ذا فضيلة بالثواب ط ‏(‏قوله‏:‏ وهو إلخ‏)‏ يرد عليه ما رغب فيه عليه الصلاة والسلام ولم يفعله؛ فالأولى ما في التحرير أن ما واظب عليه مع ترك ما بلا عذر سنة، وما لم يواظب عليه مندوب ومستحب وإن لم يفعله بعد ما رغب فيه ا هـ‏.‏ بحر ‏(‏قوله‏:‏ التيامن‏)‏ أي البداءة باليمين، لما في الكتب الستة «كان عليه الصلاة والسلام يحب التيامن في كل شيء حتى في طهوره وتنعله وترجله وشأنه كله»‏.‏ الطهور هنا بضم الطاء والترجل‏:‏ مشط الشعر در منتقي‏.‏ وحقق في الفتح أنه سنة لثبوت المواظبة‏.‏ قال في النهر‏:‏ لكن قدمنا أنها تفيد السنية إذا كانت على وجه العبادة لا العادة‏.‏ سلمنا أنها هنا كانت على وجه العبادة، لكن عدم الاختصاص ينافيها كما قاله بعض المتأخرين ا هـ‏.‏ أي عدم اختصاصها بالوضوء المستفاد من قوله‏:‏ وشأنه كله ينافي كونه سنة له ولو كانت على وجه العبادة فيكون مندوبا فيه كما في التنعل والترجل‏.‏ قلت‏:‏ يرد عليه المواظبة على النية والسواك بلا اختصاص بالوضوء مع أنهما من سننه، تأمل ‏(‏قوله‏:‏ ولو مسحا‏)‏ أي كما في التيمم والجبيرة، وأما الخف فلم أر من ذكر التيامن فيه، وإنما قالوا في كيفيته‏:‏ أن يضع أصابع يده اليمنى على مقدم خفه الأيمن وأصابع اليسرى على مقدم خفه الأيسر ويمدهما إلى الساق، وظاهره عدم التيامن تأمل ‏(‏قوله‏:‏ لا الأذنين‏)‏ أي فيمسحهما معا إن أمكنه، حتى إذا لم يكن له إلا يد واحدة أو بإحدى يديه علة ولا يمكنه مسحهما معا يبدأ بالأذن اليمنى ثم اليسرى ط عن الهندية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومسح الرقبة‏)‏ هو الصحيح، وقيل‏:‏ إنه سنة كما في البحر وغيره ‏(‏قوله‏:‏ بظهر يديه‏)‏ أي لعدم استعمال بلتهما بحر، فقول المنية‏:‏ بماء جديد لا حاجة إليه كما في شرحها الكبير، وعبر في المنية بظهر الأصابع ولعله المراد هنا ‏(‏قوله‏:‏ لأنه بدعة‏)‏ إذ لم يرد في السنة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إلى نيف وستين‏)‏ عبارته في الدر المنتقى إلى نيف وسبعين والنيف بتشديد الياء وقد تخفف‏:‏ ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني قاموس‏.‏

مطلب في تتميم مندوبات الوضوء

واعلم أن المذكور منها هنا متنا وشرحا نيف وعشرون، ولنذكر ما بقي منها من الفتح والخزائن؛ فمنها كما في الفتح ترك الإسراف والتقتير، وترك التمسح بخرقة يمسح بها موضع الاستنجاء، واستقاؤه الماء بنفسه، والمبادرة إلى ستر العورة بعد الاستنجاء، ونزع خاتم عليه اسمه تعالى أو اسم نبيه حال الاستنجاء، وكون آنيته من خزف، وأن يغسل عروة الإبريق ثلاثا، ووضعه على يساره، وإن كان إناء يغترف منه فعن يمينه، ووضع يده حالة الغسل على عروته لا رأسه، وذكر الشهادتين عند كل عضو، واستصحاب النية في جميع أفعاله، وأن لا يلطم وجهه بالماء وملء آنيته استعدادا، والامتخاط باليسرى؛ والتأني، وإمرار اليد على الأعضاء المغسولة، والدلك ا هـ‏.‏ لكن قدمنا أن الأول والأخير سنة، ولعل المراد بما قبله إمرارها عليه مبلولة قبل الغسل، تأمل‏.‏ زاد في البحر وغسل ما تحت الحاجب والشارب، والتوضؤ في مكان طاهر؛ لأن لماء الوضوء حرمة والبدء بأعلى الوجه وأطراف الأصابع ومقدم الرأس، لكن قدمنا أن الأخيرين سنة‏.‏ وزاد في الإمداد‏:‏ ودخوله الخلاء مستور الرأس، وعدم التوضؤ بماء مشمس، وأن لا يستخلص إناء لنفسه، وترك النظر للعورة، وإلقاء البصاق والمخاط في الماء، وأن لا ينقصه عن مد، وغسل الفم والأنف باليمنى‏.‏ وزاد في المنية الوضوء على الوضوء وعدم نفخه في الماء حال غسل الوجه، والتشهد عند غسل كل عضو‏.‏ وزاد في الخزائن وترك التكلم حال الاستنجاء، وترك استقبال القبلة واستدبارها في الخلاء، واستقبال عين الشمس والقمر واستدبارهما وترك مس فرجه بعد فراغه، والاستنجاء باليسار، ومسحها بعده على نحو حائط، وغسلها بعد ذلك، ورش الماء على الفرج وعلى السروال بعد الوضوء والتوضؤ من متوضأ العامة، وإفراغ الماء بيمينه فقد بلغت نيفا وسبعين كما قدمناه عن الدر المنتقى وقدمنا أن ترك المندوب مكروه تنزيها فيزاد ترك ما يكره فعله‏.‏ ولا يخفى أن ما مر منه ما هو من آداب الوضوء ومنه ما هو من آداب مقدماته وبهذا تزيد على ما ذكر بكثير، فإنه بقي للاستنجاء آداب كثيرة ستأتي ‏(‏قوله‏:‏ ودلك أعضائه‏)‏ علمت ما فيه، وقوله‏:‏ في المرة الأولى عزاه في النهر إلى المنية، لكنه لم يذكره في المنية هنا وإنما ذكره في الغسل وعلله في الشرح بقوله ليعم الماء البدن في المرتين الأخيرتين ا هـ‏.‏ لكن قال في الحلية الظاهر أنه قيد اتفاقي ‏(‏قوله‏:‏ وتقديمه إلخ‏)‏ لأن فيه انتظار الصلاة، ومنتظر الصلاة كمن هو فيها بالحديث الصحيح وقطع طمع الشيطان عن تثبيطه عنها شرح المنية الكبير‏.‏ وفي الحلية‏:‏ وعندي أنه من آداب الصلاة لا الوضوء لأنه مقصود لفعل الصلاة ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهذه‏)‏ أي مسألة تقديمه على الوقت‏.‏

مطلب الفرض أفضل من النفل إلا في مسائل

‏(‏قوله‏:‏ المستثناة من قاعدة الفرض أفضل من النفل‏)‏ هذا الأصل لا سبيل إلى نقضه بشيء من الصور لأنا إذا حكمنا على ماهية بأنها خير من ماهية أخرى؛ كالرجل خير من المرأة لم يمكن أن تفضلها الأخرى بشيء من تلك الحيثية، فإن الرجل إذا فضل المرأة من حيث إنه رجل لم يمكن أن تفضله المرأة من حيث إنها غير الرجل وإلا تتكاذب القضيتان، وهذا بديهي، نعم قد تفضل المرأة رجلا ما من جهة غير الذكورة والأنوثة‏.‏ ا هـ‏.‏ حموي‏.‏ أقول‏:‏ فعلى هذا لا استثناء حقيقة لاختلاف جهة الأفضلية‏.‏ بيان ذلك أن الوضوء للصلاة قبل الوقت يساوي الواقع بعده من حيث امتثال الأمر وسقوط الواجب به، وإنما للأول فضيلة التقديم، وكذا إنظار المعسر واجب دفعا لأذاه بالمطالبة وفي إبرائه ذلك مع زيادة إسقاط الدين عنه بالكلية، فللإبراء زيادة فضيلة الإسقاط، وكذلك إفشاء السلام سنة لإظهار التواد بين المسلمين وفي رده ذلك أيضا، لكن وجب الرد لما يلزم على تركه من العداوة والتباغض، فإفشاؤه أفضل من حيث ابتداء المفشي ي له بإظهار المودة فله فضيلة التقدم؛ ففي المسائل الثلاث إنما فضل النفل على الفرض لا من جهة الفرضية بل من جهة أخرى كصوم المسافر في رمضان فإنه أشق من صوم المقيم، فهو أفضل مع أنه سنة وكالتبكير إلى صلاة الجمعة فإنه أفضل من الذهاب بعد النداء مع أنه سنة، والثاني فرض‏.‏ وكمن اضطر إلى شربة ماء أو أكل لقمة فدفعت له أكثر مما اضطر إليه، فدفع ما اضطر إليه واجب، والزائد نفل ثوابه أكثر من حيث إن نفعه أكثر، وإن كان دفع قدر الضرورة أفضل من حيث امتثال الأمر، وكذا من وجب عليه درهم فدفع درهمين أو وجبت عليه أضحية فضحى بشاتين، وعلى هذا فقد يزاد على المسائل الثلاث من كل ما هو نفل اشتمل على الواجب وزاد، لكن تسميته نفلا من حيث تلك الزيادة، أما من حيث ما اشتمل عليه من الواجب فهو واجب، وثوابه أكثر من حيث تلك الزيادة، فلا تنخرم حينئذ القاعدة المأخوذة مما صح عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري حكاية عن الله تعالى‏:‏ «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه» ومما ورد في صحيح ابن خزيمة أن «الواجب يفضل المندوب بسبعين درجة» وإن استشكله في شرح التحرير، فاغتنم ذلك فإنه من فيض الفتاح العليم‏.‏ ثم رأيت بعض المحققين من الشافعية نبه على ما قلته، ولله الحمد ‏(‏قوله‏:‏ لأن الوضوء إلخ‏)‏ ومثله التيمم لغير راجي الماء كما سيأتي في محله عن الرملي ‏(‏قوله‏:‏ أفضل من رده‏)‏ وقيل‏:‏ أجر الرد أكثر لأنه فرض حموي، عن كراهية العلامي ‏(‏قوله‏:‏ ولو‏)‏ الواو زائدة أو عاطفة على محذوف تقديره حتى إن جاء بمثله، والأول أولى ط ‏(‏قوله‏:‏ منه‏)‏ متعلق بأكثر والضمير للفرض، أو متعلق بجاء والضمير للتطوع ط ‏(‏قوله‏:‏ بأكثر‏)‏ جره بالكسرة لأجل ينجس ‏(‏قوله‏:‏ وابتداء‏)‏ ألف ابتداء من المصراع الأول وهمزته المنونة من المصراع الثاني ‏(‏قوله‏:‏ إبرا‏)‏ بالقصر للضرورة ‏(‏قوله‏:‏ ومثله القرط‏)‏ أي في الغسل، وإلا فلا مدخل له هنا لأنه ما يعلق في الأذن قاموس‏.‏

مطلب في مباحث الاستعانة في الوضوء بالغير

‏(‏قوله‏:‏ وأما استعانته عليه الصلاة والسلام إلخ‏)‏ كذا في البزازية، ومفاده أن الاستعانة مكروهة حتى احتيج إلى هذا الجواب‏.‏ وظاهر ما في شرح المنية أنه لا كراهة أصلا إذا كانت بطيب قلب ومحبة من المعين من غير تكليف من المتوضئ، وعليه مشى في هدية ابن العماد، لكن ذكر في الحلية أحاديث كثيرة من الصحيحين وغيرهما فيها التصريح بصب الماء عليه وبدونه، ثم قال‏:‏ وفعله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا محمول على الجواز الذي لا تجامعه الكراهة لأن الجزم بعدم ارتكابه المكروه من غير معارض واقع في حقه، نعم قد يكون الفعل منه بيانا للجواز لكن بعد قيام الدليل المقتضي للكراهة، فإذا لم يقم لم يصح أن يقال بالكراهة، ثم يعلل ما ورد من الفعل بأنه بيان للجواز، ولم يوجد دليل معتبر يفيد الكراهة هنا، وإنما ورد في حديث ضعيف أن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ إني لا أحب أن يعينني على وضوئي أحد‏.‏ وورد أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يكل طهوره إلى أحد وهو ضعيف أيضا، ولو ثبت لا يقوى على معارضة الأحاديث المارة مع احتمال أن المراد أنه هو الذي يباشر غسل أعضائه ومسحها بنفسه لأن الظاهر أنه من السنن المؤكدة، فيكره للشخص أن يفعل له ذلك غيره بلا عذر، ولعل ذلك هو المراد من قول الاختيار يكره أن يستعين في وضوئه بغيره إلا عند العجز؛ ليكون أعظم لثوابه وأخلص لعبادته، ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وحاصله أن الاستعانة في الوضوء إن كانت بصب الماء أو استقائه أو إحضاره فلا كراهة بها أصلا ولو بطلبه وإن كانت بالغسل والمسح فتكره بلا عذر؛ ولذا قال في التتارخانية‏:‏ ومن الآداب أن يقوم بأمر الوضوء بنفسه ولو استعان بغيره جاز بعد أن لا يكون الغاسل غيره بل يغسل بنفسه ‏(‏قوله‏:‏ تحرزا إلخ‏)‏ لوقوع الخلاف في نجاسته ولأنه مستقذر؛ ولذا كره شربه والعجن به على القول الصحيح بطهارته ‏(‏قوله‏:‏ أشمل‏)‏ أي أعم لأنه قد يكون مستعليا ولا يتحفظ ط ‏(‏قوله‏:‏ هذه‏)‏ أي الطريقة التي مشى عليها المصنف حيث جعل التلفظ بالنية مندوبا لا سنة ولا مكروها ‏(‏قوله‏:‏ والتسمية كما مر‏)‏ أي من الصيغة الواردة، وهي «بسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام» وزاد في المنية هنا أيضا تبعا للمحيط وشرح الجامع لقاضي خان‏.‏ قال في الحلية‏:‏ وعن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ما من عبد يقول حين يتوضأ‏:‏ بسم الله ثم يقول بكل عضو‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يقول حين يفرغ‏:‏ اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها يشاء، فإن قام من وقته ذلك فصلى ركعتين يقرأ فيهما ويعلم ما يقول انفتل من صلاته كيوم ولدته أمه ثم يقال له‏:‏ استأنف العمل» رواه الحافظ المستغفري، وقال‏:‏ حديث حسن‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والدعاء بالوارد‏)‏ فيقول بعد التسمية عند المضمضة‏:‏ اللهم أعني على تلاوة القرآن وذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وعند الاستنشاق‏:‏ اللهم أرحني رائحة الجنة ولا ترحني رائحة النار، وعند غسل الوجه‏:‏ اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل يده اليمنى‏:‏ اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا، وعند غسل اليسرى‏:‏ اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، وعند مسح رأسه‏:‏ اللهم أظلني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظل عرشك، وعند مسح أذنيه‏:‏ اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند مسح عنقه‏:‏ اللهم أعتق رقبتي من النار، وعند غسل رجله اليمنى‏:‏ اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدام، وعند غسل رجله اليسرى‏:‏ اللهم اجعل ذنبي مغفورا وسعي مشكورا، وتجارتي لن تبور، كما في الإمداد والدرر وغيرهما، وثم روايات أخر ذكرها في الحلية وغيرها وسيأتي أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد غسل كل عضو، فصار مجموع ما يذكر عند كل عضو التسمية والشهادة والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكن قال صاحب الهداية في مختارات النوازل‏:‏ ويسمي عند غسل كل عضو أو يدعو بالدعاء المأثور فيه أو يذكر كلمة الشهادة أو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فأتى في الجميع بأو، ولكن رأيت في الحلية عن المختارات ويدعو بالواو وبأو في البواقي فليراجع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من طرق‏)‏ أي يقوي بعضها بعضا فارتقى إلى مرتبة الحسن ط‏.‏ أقول‏:‏ لكن هذا إذا كان ضعفه لسوء حفظ الراوي الصدوق الأمين أو لإرسال أو تدليس أو جهالة حال‏.‏ أما لو كان لفسق الراوي أو كذبه فلا يؤثر فيه موافقة مثله له ولا يرتقي بذلك إلى الحسن كما صرح به في التقريب وشرحه، فحينئذ يحتاج إلى الكشف عن حال الراوين لهذا الحديث، لكن ظاهر عملهم به أنه ليس من القسم الأخير كما يتضح ‏(‏قوله‏:‏ فيعمل به‏)‏ أي بهذا الحديث‏.‏ وعبارة الرملي كما في الشرنبلالية العمل بالحديث الضعيف إلخ ‏(‏قوله‏:‏ في فضائل الأعمال‏)‏ أي لأجل تحصيل الفضيلة المترتبة على الأعمال‏.‏ قال ابن حجر في شرح الأربعين لأنه إن كان صحيحا في نفس الأمر فقد أعطي حقه من العمل وإلا لم يترتب على العمل به مفسدة تحليل ولا تحريم ولا ضياع حق للغير، وفي حديث ضعيف‏:‏ «من بلغه عني ثواب عمل فعمله حصل له أجره وإن لم أكن قلته» أو كما قال‏.‏ ا هـ‏.‏ ط‏.‏ قال الأسيوطي‏:‏ ويعمل به أيضا في الأحكام إذا كان فيه احتياط ‏(‏قوله‏:‏ وإن أنكره النووي‏)‏ حمل الرملي كما في الشرنبلالية إنكاره له من جهة الصحة، قال‏:‏ أما باعتبار وروده من الطرق المتقدمة فلعله لم يثبت عنده ذلك أو لم يستحضره حينئذ ‏(‏قوله‏:‏ فائدة‏)‏ إلى قوله‏:‏ وأما الموضوع من كلام الرملي ‏(‏قوله‏:‏ عدم شدة ضعفه‏)‏ شديد الضعف هو الذي لا يخلو طريق من طرقه عن كذاب أو متهم بالكذب قاله ابن حجر ط‏.‏