فصل: كتاب الحج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


كتاب الحج

لما كان مركبا من المال والبدن وكان واجبا في العمر مرة ومؤخرا في حديث‏:‏ «بني الإسلام على خمس» أخره وختم به العبادات أي الخالصة وإلا فنحو النكاح، والعتاق، والوقف يكون عبادة عند النية لكنه لم يشرع لقصد التعبد فقط، ولذا صح بلا نية بخلاف أركان الإسلام الأربعة فإنها لا تكون إلا عبادة لاشتراط النية فيها هذا ما ظهر لي‏.‏ وأورد في النهر على قولهم مركب إنه عبادة بدنية محضة والمال إنما هو شرط في وجوده لا أنه جزء مفهومه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه أن كونه عبادة مركبة مما اتفقت عليه كلمتهم أصولا وفروعا حتى أوجبوا الحج عن الميت وإن فات عمل البدن لبقاء الجزء الآخر وهو المال كما سيجيء تقريره، وليس قولهم إنه مركب تعريفا له لبيان ماهيته حتى يقال إن المال شرط فيه لا جزء مفهومه، بل المراد بيان أن التعبد به لا يتوصل إليه غالبا إلا بأعمال البدن وإنفاق المال لأجله، والصلاة والصوم وإن كانتا لا بد لهما من مال كثوب يستر عورته وطعام يقيم بنيته فإن ذلك ليس لأجلهما بمعنى أنه لولاهما لم يفعله، ولذا لم يجعل المال من شروطهما، وجعل من شروطه، وأيضا فإن المال فيهما يسير لا مشقة في إنفاقه بخلاف المال في حج الآفاقي، فإنه كثير فناسب أن يكون مقصودا في العبادة ولذا وجب دفعه إلى النائب عند العجز الدائم عن الأفعال، ولم يجب الحج على الفقير القادر على المشي ووجبت الصلاة والصوم على العاجز عن الساتر والسحور هذا ما ظهر لي فافهم‏.‏ ‏(‏قوله بفتح الحاء وكسرها‏)‏ بهما قرئ في السبع وقيل الأول الاسم والثاني المصدر ط عن المنح والنهر ‏(‏قوله كما ظنه بعضهم‏)‏ هو الزيلعي تبعا لإطلاق كثير من كتب اللغة، ونقل في الفتح تقييده عن ابن السكيت، وكذا قيده به السيد الشريف في تعريفاته وكذا في الاختيار ‏(‏قوله وشرعا زيارة إلخ‏)‏ اعلم أنهم عرفوه بأنه قصد البيت لأداء ركن من أركان الدين ففيه معنى اللغة، واعترضهم في الفتح بأن أركانه الطواف، والوقوف، ولا وجود للمتشخص إلا بأجزائه المشخصة ماهيته الكلية منتزعة منها وتعريفه بالقصد لأجل الأعمال مخرج لها عن المفهوم، اللهم إلا أن يكون تعريفا اسميا غير حقيقي فهو تعريف لمفهوم الاسم عرفا لكن فيه أن المتبادر من الاسم عند الإطلاق، هو الأعمال المخصوصة لا نفس القصد المخرج لها عن المفهوم مع أنه فاسد في نفسه، فإنه لا يشمل الحج النفل، والتعريف إنما هو للحج مطلقا كتعريف الصلاة والصوم وغيرهما للفرض فقط ولأنه حينئذ يخالف سائر أسماء العبادات فإنها أسماء للأفعال كالصلاة للقيام، والقراءة إلخ، والصوم للإمساك إلخ والزكاة لأداء المال، فليكن الحج أيضا عبارة عن الأفعال الكائنة عند البيت وغيره كعرفة ا هـ‏.‏ ملخصا فعدل الشارح عن تفسير الزيلعي الزيارة بالقصد إلى تفسيرها بالطواف والوقوف تبعا للبحر ليكون اسما للأفعال كسائر أسماء العبادات، ولما ورد عليه أن يكون قوله بفعل مخصوص حشوا إذ المراد به كما قالوا هو الطواف والوقوف تخلص عنه بتفسيره بأن يكون محرما إلخ قيل‏:‏ ولا يخفى ما فيه لأنه يلزم عليه إدخال الشرط أي الإحرام في التعريف، فلو أبقى الزيارة على معناها اللغوي وهو الذهاب وفسر الفعل المخصوص بالطواف والوقوف لكان أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه أن الزيارة أيضا ليست ماهيته الحقيقية فيرد ما مر في تفسيره بالقصد على أن الإحرام وإن كان شرطا ابتداء فهو في حكم الركن انتهاء كما سيصرح به الشارح، ولو سلم فذكر الشرط لا يخل بالتعريف بل لا بد منه لأنه لا يتحقق المعنى الشرعي بدونه كمن صلى بلا طهارة ولذا ذكروا النية في تعريف الزكاة والصوم فافهم‏.‏ والتحقيق أن تفسيره بالقصد لا يخرجه عن نظائره من أسماء العبادة لأن المراد بالقصد هنا الإحرام، وهو عمل القلب واللسان بالنية والتلبية، أو ما يقوم مقام التلبية من تقليد البدنة مع السوق كما سيأتي، فيكون عمل الجوارح أيضا ولأن قوله بفعل مخصوص الباء فيه للملابسة والمراد به الطواف والوقوف، فهو قصد مقترن بهذه الأفعال لا مجرد القصد، فلم يخرج عن كونه فعلا مخصوصا كسائر أسماء العبادات نعم فرقوا بين الحج وسائر أسماء العبادات حيث جعلوا القصد فيه أصلا، والفعل تبعا وعكسوا في غيره لأن الشائع في المعاني الاصطلاحية المنقولة عن المعاني اللغوية أن تكون أخص من اللغوية لا مباينة لها‏.‏ ولما كان الحج لغة هو مطلق القصد إلى معظم خصصوه بكونه قصدا إلى معظم معين بأفعال معينة ولو جعل اسما للأفعال المعينة أصالة لباين المعنى اللغوي المنقول عنه، بخلاف نحو الصوم، فإنه في اللغة مطلق الإمساك فخصصوه بكونه إمساكا عن المفطرات، بنية من الليل، وكذا الزكاة في اللغة الطهارة‏.‏ وتزكية الشيء تطهيره‏.‏ وتزكية المال المسماة زكاة شرعا تمليك جزء منه فإنه طهارة له ‏{‏تطهرهم وتزكيهم بها‏}‏ فهي تطهير مخصوص بفعل مخصوص، وهو التمليك، فلهذا جعل القصد أصلا في تعريف الحج شرعا دون غيره وإن كان القصد شرطا في الكل وكذا جعل أصلا في تعريف التيمم، فإنه في اللغة مطلق القصد‏.‏ وعرفوه شرعا بأنه قصد الصعيد الطاهر على وجه مخصوص، وهو الضربتان فهو قصد مقترن بفعل فلم يخرج عن كونه اسما لفعل العبد، وهذا معنى قول الزيلعي جعل الحج اسما لقصد خاص مع زيادة وصف كالتيمم اسم لمطلق القصد، ثم جعل في الشرع اسما لقصد خاص بزيادة وصف ا هـ‏.‏ هذا ما ظهر لي في تحقيق هذا المحل ‏(‏قوله سابقا‏)‏ أي على الوقوف والطواف، أما كونه من الميقات فواجب ط‏.‏

‏(‏قوله لعذر‏)‏ إما لأن الآية نزلت بعد فوات الوقت، أو لخوف من المشركين على أهل المدينة، أو خوفه على نفسه صلى الله عليه وسلم أو كره مخالطة المشركين في نسكهم إذ كان لهم عهد في ذلك الوقت زيلعي‏.‏ وقدم الأول لما في حاشيته للشلبي عن الهدي لابن القيم أن الصحيح أن الحج فرض في أواخر سنة تسع، وأن آية فرضه هي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولله على الناس حج البيت‏}‏ وهي نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع وأنه صلى الله عليه وسلم لم يؤخر الحج بعد فرضه عاما واحدا، وهذا هو اللائق بهديه وحاله صلى الله عليه وسلم وليس بيد من ادعى تقدم فرض الحج سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع دليل واحد، وغاية ما احتج به من قال سنة ست أن فيها نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأتموا الحج والعمرة لله‏}‏ وهذا ليس فيه ابتداء فرض الحج وإنما فيه الأمر بإتمامه إذا شرع فيه فأين هذا من وجوب ابتدائه‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله مع علمه إلخ‏)‏ جواب آخر غير متوقف على وجود العذر‏.‏ وحاصله أن وجوبه على الفور للاحتياط فإن في تأخيره تعريضا للفوات، وهو منتف في حقه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يعلم بقاء حياته إلى أن يعلم الناس مناسكهم تكميلا للتبليغ - لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لقد صدق الله رسوله الرؤيا‏}‏ الآية - فهذا أرقى في التعليل ولذا جعل الأول تابعا له فهو كقولك‏:‏ أكرم زيدا لأنه محسن إليك مع أنه أبوك ‏(‏قوله لأن سببه البيت‏)‏ بدليل الإضافة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولله على الناس حج البيت‏}‏ فإن الأصل إضافة الأحكام إلى أسبابها كما تقرر في الأصول ولا يتكرر الواجب إذا لم يتكرر سببه ولحديث مسلم‏:‏ «يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم» قال في النهر والآية وإن كانت كافية في الاستدلال على نفي التكرار لأن الأمر لا يحتمله إلا أن إثبات النفي بمقتضى النفي أولى ‏(‏قوله وقد يجب‏)‏ أي الحج وهذا عطف على قوله فرض ‏(‏قوله كما إذا جاوز الميقات بلا إحرام‏)‏ أي فإنه يجب عليه أن يعود إلى الميقات ويلبي منه، وكذا يجب عليه قبل المجاوزة قال في الهداية ثم الآفاقي إذا انتهى إلى المواقيت على قصد دخول مكة عليه أن يحرم قصد الحج أو العمرة عندنا أو لم يقصد لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يجاوز أحد الميقات إلا محرما ولو لتجارة» ولأن وجوب الإحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة، فيستوي فيه التاجر والمعتمر وغيرهما ا هـ‏.‏ قال ح‏:‏ فتحصل من هذا أن الحج والعمرة لا يكونان نفلا من الآفاقي وإنما يكونان نفلا من البستاني والحرمي‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر فإن حرمة مجاوزته بدون إحرام لا تدل على أن الإحرام لا يكون إلا واجبا من الآفاقي لأن الواجب كونه متلبسا بالإحرام وقت المجاوزة، سواء كان الإحرام بحج نفل أو غيره لأن الإحرام شرط لحل المجاوزة والشرط لا يلزم تحصيله مقصودا كما مر في الاعتكاف، ونظيره أيضا أن الجنب لا يحل له دخول المسجد، حتى يغتسل فإذا اغتسل لسنة الجمعة مثلا ثم دخل جاز، مع أنه إنما نوى الغسل المسنون، وإنما يجب إذا أراد الدخول، ولم يغتسل لغيره وهنا إذا أراد مجاوزة الميقات وكان قاصدا للنسك وأحرم بنسك فرض أو منذور أو نفل كفاه لحصول المقصود في تعظيم البقعة فإن لم يكن قاصدا لذلك بأن قصد الدخول لتجارة مثلا فحينئذ يكون إحرامه واجبا ونظيره تحية المسجد تندرج في أي صلاة صلاها، فإن لم يصل فلا بد في تحصيل السنة من صلاتها على الخصوص، هذا ما ظهر لي وعن هذا والله تعالى أعلم‏.‏ فرض الشارح تبعا للبحر والنهر تصوير الوجوب بما إذا جاوز الميقات بلا إحرام فإنه يجب عليه العود إلى الميقات ويلبي منه، ويكون إحرامه حينئذ واجبا إذا كان لأجل المجاوزة أما لو أحرم قبلها بنسك فرض، أو نذر أو نفل فهو على ما نوى من فرض أو غيره ولا يجب عليه إحرام خاص لأجل المجاوزة، وحينئذ فلا حزازة في عبارته فافهم ‏(‏قوله كما سيجيء‏)‏ أي قبيل فصل الإحرام وكذا قبيل فصل الإحصار ‏(‏قوله فإن اختار الحج اتصف بالوجوب‏)‏ فيكون من قبيل الواجب المخير أي وإن اختار العمرة اتصف بالوجوب، وإنما تركه لعدم اقتضاء المقام إياه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏

مطلب فيمن حج بمال حرام

‏(‏قوله كالحج بمال حرام‏)‏ كذا في البحر والأولى التمثيل بالحج رياء وسمعة، فقد يقال إن الحج نفسه الذي هو زيارة مكان مخصوص إلخ ليس حراما بل الحرام هو إنفاق المال الحرام، ولا تلازم بينهما، كما أن الصلاة في الأرض المغصوبة تقع فرضا، وإنما الحرام شغل المكان المغصوب لا من حيث كون الفعل صلاة لأن الفرض لا يمكن اتصافه بالحرمة، وهنا كذلك فإن الحج في نفسه مأمور به، وإنما يحرم من حيث الإنفاق، وكأنه أطلق عليه الحرمة لأن للمال دخلا فيه، فإن الحج عبادة مركبة من عمل البدن والمال كما قدمناه، ولذا قال في البحر ويجتهد في تحصيل نفقة حلال، فإنه لا يقبل بالنفقة الحرام كما ورد في الحديث، مع أنه يسقط الفرض عنه معها ولا تنافي بين سقوطه، وعدم قبوله فلا يثاب لعدم القبول، ولا يعاقب عقاب تارك الحج‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لأن عدم الترك يبتنى على الصحة‏:‏ وهي الإتيان بالشرائط، والأركان والقبول المترتب عليه الثواب يبتنى على أشياء كحل المال والإخلاص كما لو صلى مرائيا أو صام واغتاب فإن الفعل صحيح لكنه بلا ثواب والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏قوله ممن يجب استئذانه‏)‏ كأحد أبويه المحتاج إلى خدمته والأجداد والجدات كالأبوين عند فقدهما، وكذا الغريم لمديون لا مال له يقضي به، والكفيل لو بالإذن، فيكره خروجه بلا إذنهم كما في الفتح، وظاهره أن الكراهة تحريمية ولذا عبر الشارح بالوجوب، وزاد في البحر عن السير وكذا إن كرهت خروجه زوجته ومن عليه نفقته‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أن هذا إذا لم يكن له ما يدفعه للنفقة في غيبته قال في البحر‏:‏ وهذا كله في حج الفرض‏.‏ أما حج النفل فطاعة الوالدين أولى مطلقا كما صرح به في الملتقط ‏(‏قوله حتى يلتحي‏)‏ وإن كان الطريق مخوفا لا يخرج وإن التحى بحر عن النوازل ‏(‏قوله على الفور‏)‏ هو الإتيان به في أول أوقات الإمكان ويقابله قول محمد إنه على التراخي وليس معناه تعين التأخير بل بمعنى عدم لزوم الفور ‏(‏قوله وأصح الروايتين‏)‏ لا يصلح عطفه على الثاني، فهو خبر مبتدإ محذوف وقوله عند الثاني‏:‏ خبر مبتدإ محذوف أي هذا عند الثاني فقوله وأصح عطف عليه فافهم ‏(‏قوله ومالك وأحمد‏)‏ عطف على الإمام فيفيد اختلاف الرواية عنهما أيضا، وعبارة شرح درر البحار تفيده أيضا حيث قال‏:‏ وهو أصح الروايات عن أبي حنيفة ومالك وأحمد فافهم‏.‏ ‏(‏قوله أي سنينا إلخ‏)‏ ذكره في البحر بحثا وأتى بسنين منونا لأنه قد يجري مجرى حين، وهو عند قوم مطرد ‏(‏قوله إلا بالإصرار‏)‏ أي لكن بالإصرار، فهو استثناء منقطع لعدم دخول الإصرار تحت المرة ح ثم لا يخفى أنه لا يلزم من عدم الفسق عدم الإثم فإنه يأثم ولو بمرة وفي شرح المنار لابن نجيم عن التقرير للأكمل أن حد الإصرار أن تتكرر منه تكررا يشعر بقلة المبالاة بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك ا هـ‏.‏ ومقتضاه أنه غير مقدر بعدد بل مفوض إلى الرأي والعرف والظاهر أنه بمرتين لا يكون إصرارا ولذا قال‏:‏ أي سنينا فقوله في شرح الملتقى، فيفسق وترد شهادته بالتأخير عن العام الأول بلا عذر غير محرر لأن مقتضاه حصوله بمرة واحدة فضلا عن المرتين فافهم ‏(‏قوله ووجهه إلخ‏)‏ أي وجه كون التأخير صغيرة أن الفورية واجبة لأنها ظنية لظنية دليلها وهو الاحتياط لأن في تأخيره تعريضا له للفوات، وهو غير قطعي فيكون التأخير مكروها تحريما لا حراما لأن الحرمة لا تثبت إلا بقطعي كمقابلها، وهو الفرضية وما ذكره مبني على ما قاله صاحب البحر في رسالته المؤلفة في بيان المعاصي أن كل ما كره عندنا تحريما فهو من الصغائر لكنه عد فيها من الصغائر ما هو ثابت بقطعي كوطء المظاهر منها قبل التكفير والبيع عند أذان الجمعة تأمل ‏(‏قوله كان أداء‏)‏ أي ويسقط عنه الإثم اتفاقا كما في البحر قيل‏:‏ المراد إثم تفويت الحج لا إثم التأخير‏.‏ قلت‏:‏ لا يخفى ما فيه بل الظاهر أن الصواب إثم التأخير إذ بعد الأداء لا تفويت وفي الفتح‏:‏ ويأثم بالتأخير عن أول سني الإمكان فلو حج بعده ارتفع الإثم ا هـ‏.‏ وفي القهستاني‏:‏ فيأثم عند الشيخين بالتأخير إلى غيره بلا عذر إلا إذا أدى ولو في آخر عمره فإنه رافع للإثم بلا خلاف ‏(‏قوله وإن أثم بموته قبله‏)‏ أي بالإجماع كما في الزيلعي، أما على قولهما فظاهر، وأما على قول محمد فإنه وإن لم يأثم بالتأخير عنده لكن بشرط الأداء قبل الموت فإذا مات قبله ظهر أنه آثم قيل من السنة الأولى وقيل من الأخيرة من سنة رأى في نفسه الضعف، وقيل‏:‏ يأثم في الجملة غير محكوم بمعين بل علمه إلى الله تعالى كما في الفتح ‏(‏قوله وسعه أن يستقرض إلخ‏)‏ أي جاز له ذلك وقيل يلزمه الاستقراض كما في لباب المناسك قال منلا على القاري في شرحه عليه، وهو رواية عن أبي يوسف وضعفه ظاهر فإن تحمل حقوق الله تعالى أخف من ثقل حقوق العباد ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا يرد على القول الأول أيضا إن كان المراد بقوله ولو غير قادر على وفائه أن يعلم أنه ليس له جهة وفاء أصلا أما لو علم أنه غير قادر في الحال وغلب على ظنه أنه لو اجتهد قدر على الوفاء فلا يرد‏.‏ والظاهر أن هذا هو المراد أخذ مما ذكره في الظهيرية أيضا في الزكاة حيث قال إن لم يكن عنده مال وأراد أن يستقرض لأداء الزكاة فإن كان في أكبر رأيه أنه إذا اجتهد بقضاء دينه قدر كان الأفضل أن يستقرض فإن استقرض وأدى ولم يقدر على قضائه حتى مات يرجى أن يقضي الله تبارك وتعالى دينه في الآخرة وإن كان أكبر رأيه أنه لو استقرض لا يقدر على قضائه كان الأفضل له عدمه ا هـ‏.‏ وإذا كان هذا في الزكاة المتعلق بها حق الفقراء ففي الحج أولى‏.‏

‏(‏قوله على مسلم إلخ‏)‏ شروع في بيان شروط الحج وجعلها في اللباب أربعة أنواع‏.‏ الأول‏:‏ شروط الوجوب وهي التي إذا وجدت بتمامها وجب الحج وإلا فلا وهي سبعة‏:‏ الإسلام، والعلم بالوجوب لمن في دار الحرب والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة والوقت أي القدرة في أشهر الحج أو في وقت خروج أهل بلده على ما يأتي‏.‏ والنوع الثاني‏:‏ شروط الأداء وهي التي إن وجدت بتمامها مع شروط الوجوب، وجب أداؤه بنفسه، وإن فقد بعضها مع تحقق شروط الوجوب، فلا يجب الأداء بل عليه الإحجاج أو الإيصاء عند الموت وهي خمسة‏:‏ سلامة البدن، وأمن الطريق وعدم الحبس، والمحرم أو الزوج للمرأة وعدم العدة لها‏.‏ النوع الثالث‏:‏ شرائط صحة الأداء وهي تسعة‏:‏ الإسلام والإحرام، والزمان، والمكان، والتمييز، والعقل ومباشرة الأفعال إلا بعذر وعدم الجماع والأداء من عام الإحرام‏.‏ النوع الرابع‏:‏ شرائط وقوع الحج عن الفرض وهي تسعة أيضا‏:‏ الإسلام، وبقاؤه إلى الموت، والعقل، والحرية والبلوغ والأداء بنفسه إن قدر، وعدم نية النفل، وعدم الإفساد، وعدم النية عن الغير ‏(‏قوله على مسلم‏)‏ فلو ملك الكافر ما به الاستطاعة ثم أسلم بعد ما افتقر لا يجب عليه شيء بتلك الاستطاعة بخلاف ما لو ملكه مسلما فلم يحج حتى افتقر حيث يتقرر وجوبه دينا في ذمته فتح، وهو ظاهر على القول بالفورية لا التراخي نهر‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر لأن على القول بالتراخي يتحقق الوجوب من أول سني الإمكان ولكنه يتخير في أدائه فيه أو بعده كما في الصلاة تجب بأول الوقت موسعا وإلا لزم أن لا يتحقق الوجوب إلا قبيل الموت، وأن لا يجب الإحجاج على من كان صحيحا ثم مرض أو عمي وأن لا يأثم المفرط بالتأخير إذا مات قبل الأداء وكل ذلك خلاف الإجماع فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله وقد حققناه إلخ‏)‏ حاصل ما ذكره هناك‏:‏ أن في تكليفه بالعبادات ثلاثة مذاهب مذهب السمرقنديين ن غير مخاطب بها أداء واعتقادا والبخاريين مخاطب اعتقادا فقط والعراقيين مخاطب بهما فيعاقب عليهما قال‏:‏ وهو المعتمد كما حرره ابن نجيم لأن ظاهر النصوص يشهد لهم وخلافه تأويل ولم ينقل عن أبي حنيفة وأصحابه شيء ليرجع إليه ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن قوله في حق الأداء يفهم أنه مخاطب بها اعتقادا فقط كما هو مذهب البخاريين وهو ما صححه صاحب المنار لكن ليس في كلام الشارح أن ما هنا هو ما اعتمده هناك وما قيل إن ما هنا خلاف المذهب فيه نظر لما علمت من أنه لا نص عن أصحاب المذهب فافهم ‏(‏قوله حر‏)‏ فلا يجب على عبد مدبرا كان أو مكاتبا أو مبعضا أو مأذونا به ولو بمكة أو كانت أم ولد لعدم أهليته لملك الزاد والراحلة، ولذا لم يجب على عبيد أهل مكة بخلاف اشتراط الزاد والراحلة في حق الفقير، فإنه للتيسير لا للأهلية، فوجب على فقراء مكة، وبهذا التقرير ظهر الفرق بين وجوب الصلاة والصوم على العبد دون الحج نهر وهو وجود الأهلية فيهما لا فيه والمراد أهلية الوجوب وإلا فالعبد أهل للأداء فيقع له نفلا كما سيأتي ‏(‏قوله مكلف‏)‏ أي بالغ عاقل فلا يجب على صبي ولا مجنون، وفي المعتوه خلاف في الأصول فذهب فخر الإسلام إلى أنه يوضع الخطاب عنه كالصبي، فلا يجب عليه شيء من العبادات وذهب الدبوسي إلى أنه مخاطب بها احتياطا بحر وقدمنا الكلام على المعتوه في أول الزكاة فراجعه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر في البدائع أنه لا يجوز أداء الحج من مجنون وصبي لا يعقل كما لا يجب عليهما ا هـ‏.‏ ونقل غيره صحة حجهما ووفق في شرح اللباب بالفرق بين من له بعض إدراك وغيره‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر بل التوفيق بحمل الأول على أدائهما بنفسهما والثاني على فعل الولي ففي الولوالجية وغيرها الصبي يحج به أبوه وكذا المجنون لأن إحرامه عنهما وهما عاجزان كإحرامهما بنفسهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي تمامه ‏(‏قوله إما بالكون في دارنا‏)‏ سواء علم بالفرضية أم لا نشأ على الإسلام فيها أم لا بحر وقوله أو بإخبار عدل إلخ هذا لمن أسلم في دار الحرب، فلا يجب عليه قبل العلم بالوجوب بقي لو أدى قبله ذكر القطبي في مناسكه بحثا أنه لا يجزيه عن الفرض، ونوزع بأن العلم ليس من شروط وقوع الحج عن الفرض، كما علم مما مر وبأن الحج يصح بمطلق النية بلا تعيين الفرضية بخلاف الصلاة وبأنه يصح مما نشأ في دارنا وإن لم يعلم بالفرضية علمته ‏(‏قوله أو مستورين‏)‏ أفاد أن الشرط أحد شطري الشهادة العدد أو العدالة كما في النهر ‏(‏قوله صحيح البدن‏)‏ أي سالم عن الآفات المانعة عن القيام بما لا بد منه في السفر، فلا يجب على مقعد ومفلوج وشيخ كبير لا يثبت على الراحلة بنفسه وأعمى، وإن وجد قائدا، ومحبوس، وخائف من سلطان لا بأنفسهم، ولا بالنيابة في ظاهر المذهب عن الإمام وهو رواية عنهما وظاهر الرواية عنهما وجوب الإحجاج عليهم، ويجزيهم إن دام العجز وإن زال أعادوا بأنفسهم‏.‏ والحاصل‏:‏ أنه من شرائط الوجوب عنده ومن شرائط وجوب الأداء عند هما وثمرة الخلاف تظهر في وجوب الإحجاج والإيصاء كما ذكرنا وهو مقيد بما إذا لم يقدر على الحج وهو صحيح فإن قدر ثم عجز قبل الخروج إلى الحج تقرر دينا في ذمته، فيلزمه الإحجاج، فلو خرج ومات في الطريق لم يجب الإيصاء لأنه لم يؤخر بعد الإيجاب ولو تكلفوا الحج بأنفسهم سقط عنهم وظاهر التحفة اختيار قولهما وكذا الإسبيجابي وقواه في الفتح ومشى على أن الصحة من شرائط وجوب الأداء ا هـ‏.‏ من البحر والنهر، وحكى في اللباب اختلاف التصحيح وفي شرحه أنه مشى على الأول في النهاية وقال في البحر العميق إنه المذهب الصحيح وأن الثاني صححه قاضي خان في شرح الجامع واختاره كثير من المشايخ ومنهم ابن الهمام ‏(‏قوله بصير‏)‏ فيه الخلاف المار كما علمته ‏(‏قوله غير محبوس‏)‏ هذا من شروط الأداء كما مر والظاهر أنه لو كان حبسه لمنعه حقا قادرا على أدائه لا يسقط عنه وجوب الأداء‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر في شرح اللباب عن شمس الإسلام أن السلطان ومن بمعناه من الأمراء ملحق بالمحبوس فيجب الحج في ماله الخالي عن حقوق العباد وتمامه فيه ولا يخفى أن هذا إن دام عجزه إلى الموت وإلا فيجب عليه الحج بنفسه بعد زوال عذره وهو مقيد أيضا بما إذا كان قادرا على الحج ثم عجز وإلا فلا يلزمه الإحجاج على الخلاف المذكور آنفا ‏(‏قوله يمنع منه‏)‏ أي من الحج أي الخروج إليه ط ‏(‏قوله ذي زاد وراحلة‏)‏ أفاد أنه لا يجب إلا بملك الزاد وملك أجرة الراحلة، فلا يجب بالإباحة أو العارية كما في البحر وسيشير إليه ‏(‏قوله مختصة به‏)‏ فلا يكفي لو قدر على راحلة مشتركة يركبها مع غيره بالمعاقبة شرح اللباب ‏(‏قوله وهو المسمى بالمقتب‏)‏ بضم الميم اسم مفعول أي ذو القتب وهو كما في القاموس الإكاف الصغير حول السنام ح وذكر ضمير الراحلة باعتبار كونها مركوبا قوله وإلا‏)‏ أي إن لم يقدر على ركوب المقتب ‏(‏قوله على المحارة‏)‏ هي شبه الهودج قاموس أي على شق منها بشرط أن يجد له معادلا كما صرح به الشافعية، وما في البحر من أنه يمكنه أن يضع في الشق الآخر أمتعته رده الخير الرملي وفي شرح اللباب إما بركوب زاملة أي مقتب أو بشق محمل، وأما المحفة فمن مبتدعات المترفهة فليس لها عبرة ا هـ‏.‏ والظاهر أن المراد بالمحفة التخت المعروف في زماننا المحمول بين جملين أو بغلين لكن اعترضه الشيخ عبد الله العفيف في شرح منكسه بأنه منابذ لما قرروه من أنه يعتبر في كل ما يليق بحاله عادة وعرفا فمن لا يقدر إلا عليها اعتبر في حقه بلا ارتياب، وإن قدر بالمحمل أو المقتب فلا يعذر ولو كان شريفا أو ذا ثروة‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله للآفاقي‏)‏ مرتبط بقوله وراحلة لا بقوله فتشترط لإيهامه أن غير الآفاقي يشترط له المقتب فلا يناسب قوله لا المكي يستطيع المشي‏.‏ والحاصل‏:‏ أن الزاد لا بد منه ولو لمكي كما صرح به غير واحد كصاحب الينابيع والسراج، وما في الخانية والنهاية من أن المكي يلزمه الحج ولو فقيرا لا زاد له نظر فيه ابن الهمام إلا أن يراد ما إذا كان يمكنه الاكتساب في الطريق، وأما الراحلة فشرط للآفاقي دون المكي القادر على المشي وقيل شرط مطلقا لأن ما بين مكة وعرفات أربع فراسخ، ولا يقدر كل أحد على مشيها كما في المحيط وصحح صاحب اللباب في منسكه الكبير الأول، ونظر فيه شارحه القاري بأن القادر نادر ومبنى الأحكام على الغالب، وحد المكي عندنا من كان داخل المواقيت إلى الحرم كما ذكره الكرماني، وهو بعيد جدا بل الظاهر ما في السراج وغيره أنه من بينه وبين مكة أقل من ثلاثة أيام وفي البحر الزاخر واشتراط الراحلة في حق من بينه وبين مكة ثلاثة أيام فصاعدا أما ما دونه فلا إذا كان قادرا على المشي وتمامه في شرح اللباب‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في اللباب‏:‏ الفقير الآفاقي إذا وصل إلى ميقات فهو كالمكي قال شارحه أي حيث لا يشترط في حقه إلا الزاد والراحلة إن لم يكن عاجزا عن المشي، وينبغي أن يكون الغني الآفاقي كذلك إذا عدم الركوب بعد وصوله إلى أحد المواقيت فالتقييد بالفقير لظهور عجزه عن المركب، وليفيد أنه يتعين عليه أن لا ينوي نفلا على زعم أنه لا يجب عليه لفقره لأنه ما كان واجبا وهو آفاقي فلما صار كالمكي وجب عليه فلو نواه نفلا لزمه الحج ثانيا‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا ونظيره ما سنذكره في باب الحج عن الغير من أن المأمور بالحج إذا واصل إلى مكة لزمه أن يمكث ليحج حج الفرض عن نفسه، لكونه صار قادرا على ما فيه كما ستعلمه إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله لشبهه بالسعي إلى الجمعة‏)‏ أي في عدم اشتراط الراحلة فيه ‏(‏قوله وأفاد‏)‏ أي حيث عبر بالراحلة وهي من الإبل خاصة، وهو الموافق للهداية وشروحها، ولما في كتب اللغة من أنها المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى وما في القهستاني من تفسيرها بأنها ما يحمله ويحمل ما يحتاجه من طعام وغيره، وأنها في الأصل البعير القوي على الأسفار والأحمال‏.‏ ا هـ‏.‏ لا يخالف ذلك لأن غير البعير لا يحمل الإنسان مع ما يحتاجه في المسافة البعيدة وقد صرح في المجتبى عن شرح الصباغي بأنه لو ملك كري حمار فهو عاجز عن النفقة ا هـ‏.‏ والذي ينبغي ما قاله الإمام الأذرعي من الشافعية من اعتبار القدرة على البغل والحمار فيمن بينه وبين مكة مراحل يسيرة دون البعيدة لأن غير الإبل لا يقوى عليها قال السندي في منسكه الكبير، وهو تفصيل حسن جدا ولم أر في كلام أصحابنا ما يخالفه بل ينبغي أن يكون هذا التفصيل مرادهم‏.‏ ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله وإنما صرحوا بالكراهة‏)‏ أي التنزيهية كما استظهره صاحب البحر بدليل أفضلية مقابله ط ‏(‏قوله به يفتى‏)‏ لعل وجهه أن فيه زيادة النفقة، وهي مقصودة في الحج ولذا اشترط في الحج عن الغير أن يحج راكبا إذا اتسعت النفقة، حتى لو حج ماشيا ولو بأمره ضمن كما صرح به اللباب، لكن سيأتي آخر كتاب الحج أن من نذر حجا ماشيا وجب عليه المشي في الأصح وعليه المتون وعلله في الهداية وغيرها بأنه التزم القربة بصفة الكمال لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من حج ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم قيل وما حسنات الحرم‏؟‏ قال كل حسنة بسبعمائة» ولأنه أشق على البدن فكان أفضل وتمامه في شرح الجامع الخاني وقال في الفتح إن قيل كره أبو حنيفة الحج ماشيا فكيف يكون صفة كمال قلنا إنما كرهه إذا كان مظنة سوء الخلق كأن يكون صائما مع المشي أو لا يطيقه وإلا فلا شك أن المشي أفضل في نفسه لأنه أقرب إلى التواضع والتذلل، ثم ذكر الحديث المار وغيره‏.‏ قلت‏:‏ وأما مسألة الحج عن الغير فلعل وجهها أن الميت لما عجز عن إحدى المشقتين، وهي مشقة البدن ولم يقدر إلا على الأخرى وهي مشقة المال صارت كأنها هي المقصودة فلزم الإتيان بها كاملة، ولذا وجب الإحجاج من منزل الآمر والإنفاق من ماله ولم يجزه تبرع غيره عنه لعدم حصول مقصوده فليتأمل ‏(‏قوله والمقتب أفضل من المحارة‏)‏ لأنه صلى الله عليه وسلم حج كذلك و لأنه أبعد من الرياء والسمعة وأخف على الحيوان ‏(‏قوله وفي إجارة الخلاصة إلخ‏)‏ قال الخير الرملي نقله في الخلاصة عن الفتاوى الصغرى، ولعمري هذا إجحاف على الحمار وإنصاف في حق الجمل فتأمل‏.‏ وذكر في الجوهرة أن المن ستة وعشرون أوقية والأوقية سبعة مثاقيل وهي عشرة دراهم والمائتان وأربعون منا هي الوسق وهي قنطار دمشقي تقريبا ‏(‏قوله فظاهره أن البغل كالحمار‏)‏ كذا في النهر وكأنه أراد الحمار القوي المعد لحمل الأثقال في الأسفار فإنه كالبغل وإلا فأكثر الحمير دون البغال بكثير فافهم

‏(‏قوله ولو وهب الأب لابنه إلخ‏)‏ وكذا عكسه وحيث لا يجب قبوله مع أنه لا يمن أحدهما على الآخر يعلم حكم الأجنبي بالأولى ومراده إفادة أن القادر على الزاد والراحلة لا بد فيها من الملك دون الإباحة والعارية كما قدمناه ‏(‏قوله وهذا‏)‏ أي المذكور وهو القدرة على الزاد والراحلة ‏(‏قوله خلافا للأصوليين‏)‏ حيث قالوا إنها من شروط وجوب الأداء وتمامه في البحر وفيما علقناه عليه ‏(‏قوله كما مر في الزكاة‏)‏ أي من بيان ما لا بد منه من الحوائج الأصلية كفرسه وسلاحه وثيابه وعبيد خدمته وآلات حرفته وأثاثه وقضاء ديونه وأصدقته ولو مؤجلة كما في اللباب وغيره والمراد قضاء ديون العباد ولذا قال في اللباب أيضا وإن وجد مالا وعليه حج وزكاة يحج به قيل إلا أن يكون المال من جنس ما تجب فيه الزكاة فيصرف إليها‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ليس من الحوائج الأصلية ما جرت به العادة المحدثة برسم الهدية للأقارب والأصحاب، فلا يعذر بترك الحج لعجزه عن ذلك كما نبه عليه العمادي في منسكه، وأقره الشيخ إسماعيل وعزاه بعضهم إلى منسك المحقق ابن أمير حاج وعزاه السيد أبو السعود إلى مناسك الكرماني ‏(‏قوله ومنه المسكن‏)‏ أي الذي يسكنه هو أو من يجب عليه مسكنه بخلاف الفاضل عنه من مسكن أو عبد أو متاع أو كتب شرعية أو آلية كعربية أما نحو الطب والنجوم وأمثالها من الكتب الرياضية فتثبت بها الاستطاعة وإن احتاج إليها كما في شرح اللباب عن التتارخانية ‏(‏قوله فإنه لا يلزمه بيع الزائد‏)‏ لأنه لا يعتبر في الحاجة قدر ما لا بد منه ولو كان عنده طعام سنة، ولو أكثر لزمه بيع الزائد إن كان فيه وفاء كما في اللباب وشرحه ‏(‏قوله والاكتفاء‏)‏ بالجر عطفا على بيع ‏(‏قوله لا يلزمه‏)‏ تبع في عزو ذلك إلى الخلاصة ما في البحر والنهر، والذي رأيته في الخلاصة هكذا وإن لم يكن له مسكن ولا شيء من ذلك وعنده دراهم تبلغ به الحج وتبلغ ثمن مسكن وخادم وطعام وقوت وجب عليه الحج وإن جعلها في غيره أثم ا هـ‏.‏ لكن هذا إذا كان وقت خروج أهل بلده كما صرح به في اللباب أما قبله فيشتري به ما شاء لأنه قبل الوجوب كما في مسألة التزوج الآتية وعليه يحمل كلام الشارح فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله يشترط بقاء رأس مال لحرفته‏)‏ كتاجر ودهقان ومزارع كما في الخلاصة، ورأس المال يختلف باختلاف الناس بحر‏.‏ قلت‏:‏ والمراد ما يمكنه الاكتساب به قدر كفايته وكفاية عياله لا أكثر لأنه لا نهاية له ‏(‏قوله وفي الأشباه‏)‏ المسألة منقولة عن أبي حنيفة في تقديم الحج على التزوج، والتفصيل المذكور ذكره صاحب الهداية في التجنيس، وذكرها في الهداية مطلقة، واستشهد بها على أن الحج على الفور عنده ومقتضاه تقديم الحج على التزوج، وإن كان واجبا عند التوقان وهو صريح ما في العناية مع أنه حينئذ من الحوائج الأصلية ولذا اعترضه ابن كمال باشا في شرحه على الهداية بأنه حال التوقان مقدم على الحج اتفاقا لأن في تركه أمرين ترك الفرض والوقوع في الزنا وجواب أبي حنيفة في غير حال التوقان ا هـ‏.‏ أي في غير حال تحققه الزنا لأنه لو تحققه فرض التزوج أما لو خافه فالتزوج واجب لا فرض فيقدم الحج الفرض عليه فافهم ‏(‏قوله وفضلا عن نفقة عياله‏)‏ هذا داخل تحت ما لا بد منه فهو من عطف الخاص على العام اهتماما بشأنه نهر، والنفقة تشمل الطعام والكسوة والسكنى، ويعتبر في نفقته ونفقة عياله الوسط من غير تبذير ولا تقتير بحر‏:‏ أي الوسط من حاله المعهود ولذا أعقبه بقوله من غير تبذير إلخ لا ما بين نفقة الغني والفقير فلا يرد ما في البحر من أن اعتبار الوسط في نفقة الزوجة خلاف المفتى به والفتوى على اعتبار حالهما كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏ ا هـ‏.‏ لأن المراد بالوسط هناك المعنى الثاني والمراد هنا الأول فافهم‏.‏

مطلب في قولهم يقدم حق العبد على حق الشرع

‏(‏قوله لتقدم حق العبد‏)‏ أي على حق الشرع لا تهاونا بحق الشرع، بل لحاجة العبد وعدم حاجة الشرع ألا ترى أنه إذا اجتمعت الحدود، وفيها حق العبد يبدأ بحق العبد لما قلنا ولأنه ما من شيء إلا ولله تعالى فيه حق، فلو قدم حق الشرع عند الاجتماع بطل حقوق العباد كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان وأما قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «فدين الله أحق» فالظاهر أنه أحق من جهة التعظيم، لا من جهة التقديم، ولذا قلنا لا يستقرض ليحج إلا إذا قدر على الوفاء كما مر وكذا جاز قطع الصلاة أو تأخيرها لخوفه على نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله كخوف القابلة على الولد والخوف من تردي أعمى وخوف الراعي من الذئب وأمثال ذلك كإفطار الضيف ‏(‏قوله إلى حين عوده‏)‏ متعلق بقوله فضلا أو بما لا بد منه لأنه بمعنى ما يحتاج أو بنفقة أي فلا يشترط بقاء نفقة لما بعد عوده وهذا ظاهر الرواية ‏(‏قوله مع أمن الطريق‏)‏ أي وقت خروج أهل بلده وإن كان مخيفا في غيره بحر وقدمنا عن اللباب أنه من شروط وجوب الأداء وفي شرحه أنه الأصح ورجحه في الفتح، وروي عن الإمام أنه شرط وجوب فعلى الأول تجب الوصية به إذا مات قبل أمن الطريق أما بعده فتجب اتفاقا بحر ‏(‏قوله بغلبة السلامة‏)‏ كذا اختاره الفقيه أبو الليث وعليه الاعتماد‏.‏ واختلف في سقوطه إذا لم يكن بد من ركوب البحر فقيل‏:‏ يسقط وقال الكرماني‏:‏ إن كان الغالب فيه السلامة من موضع جرت العادة بركوبه يجب وإلا فلا وهو الأصح بحر قال في الفتح‏:‏ والذي يظهر أنه يعتبر مع غلبة السلامة عدم غلبة الخوف، حتى لو غلب لوقوع النهب والغلبة من المحاربين مرارا أو سمعوا أن طائفة تعرضت للطريق، ولها شوكة والناس يستضعفون أنفسهم عنهم لا يجب، وما أفتى به الرازي من سقوطه عن أهل بغداد وقول الإسكاف في سنة ست وثلاثين وستمائة لا أقول إنه فرض في زماننا وقول الثلجي ليس على أهل خراسان منذ كذا كذا سنة حج إنما كان وقت غلبة النهب والخوف في الطريق ثم زال ولله المنة ‏(‏قوله على ما حققه الكمال‏)‏ حيث قال وقول الصفار لا أرى الحج فرضا منذ عشرين سنة من حين خرجت القرامطة لأنه لا يتوصل إليه إلا بإرشادهم، فتكون الطاعة سبب المعصية فيه نظر لأن هذا لم يكن من شأنهم، إنما شأنهم استحلال قتل الأنفس وأخذ الأموال، وكانوا يغلبون على أماكن يترصدون فيها للحجاج، وقد هجموا عليهم مرة في مكة فقتلوا خلقا في الحرم، وقد سئل الكرخي عمن لا يحج خوفا منهم فقال‏:‏ ما سلمت البادية من الآفات أي لا تخلو عنها لقلة الماء وهيجان السموم، وهذا إيجاب منه رحمه الله تعالى ومحمله أنه رأى الغالب اندفاع شرهم عن الحاج، وبتقديره فالإثم في مثله على الآخذ على ما عرف من تقسيم الرشوة في كتاب القضاء ا هـ‏.‏ ملخصا واعترضه ابن كمال باشا في شرحه على الهداية بأن ما ذكر في القضاء ليس على إطلاقه بل فيما إذا كان المعطي مضطرا بأن لزمه الإعطاء ضرورة عن نفسه أو ماله أما إذا كان بالالتزام منه فبالإعطاء أيضا يأثم وما نحن فيه من هذا القبيل ا هـ‏.‏ وأقره في النهر، وأجاب السيد أبو السعود بأنه هنا مضطر لإسقاط الفرض عن نفسه‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده ما يأتي عن القنية والمجتبى فإن المكس والخفارة رشوة ونقل ح عن البحر أن الرشوة في مثل هذا جائزة ولم أره فيه فليراجع ‏(‏قوله إن قتل بعض الحجاج‏)‏ أي في كل عام أو في غالب الأعوام، وحينئذ فلا تكون السلامة غالبة ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ فيه نظر فإن غلبة السلامة ليس المراد بها لكل أحد بل للمجموع، وهي لا تنتفي إلا بقتل الأكثر أو الكثير أما قتل اللصوص لبعض قليل من جمع كثير سيما إذا كان بتفريطه بنفسه وخروجه من بينهم فالسلامة فيه غالبة نعم إذا كان القتل بمحاربة القطاع مع الحجاج فهو عذر إذا غلب الخوف لما مر عن الفتح من أنه يشترط عدم غلبة الخوف إلخ على أنك قد سمعت آنفا جواب الكرخي في شأن القرامطة المستحلين لقتل الحجاج وأيضا فإن ما يحصل من الموت بقلة الماء وهيجان السموم أكثر مما يحصل بالقتل بأضعاف كثيرة، فلو كان عذرا لزم أن لا يجب الحج إلا على القريب من مكة في أوقات خاصة مع أن الله تعالى أوجبه على أهل الآفاق من كل فج عميق مع العلم بأن سفره لا يخلو عما يكون في غيره من الأسفار من موت وقتل وسرقة فافهم ‏(‏قوله من المكس والخفارة‏)‏ المكس ما يأخذه العشار والخفارة ما يأخذه الخفير، وهو المجير ومثله ما يأخذه الأعراب في زماننا من الصر المعين من جهة السلطان نصره الله تعالى لدفع شرهم ‏(‏قوله والمعتمد لا‏)‏ وعليه الفتوى شرح اللباب عن المنهاج ‏(‏قوله وعليه‏)‏ أي على كون المعتمد عدم كونه عذرا فيحتسب إلخ ح ‏(‏قوله كما في مناسك الطرابلسي‏)‏ وعزاه في شرح اللباب إلى الكرماني‏.‏

‏(‏قوله ومع زوج أو محرم‏)‏ هذا وقوله ومع عدم عدة عليها شرطان مختصان بالمرأة فلذا قال لامرأة وما قبلهما من الشروط مشترك والمحرم من لا يجوز له مناكحتها على التأبيد بقرابة أو رضاع أو صهرية كما في التحفة وأدخل في الظهيرية بنت موطوءته من الزنا حيث يكون محرما لها، وفيه دليل على ثبوتها بالوطء الحرام، وبما تثبت به حرمة المصاهرة كذا في الخانية نهر‏.‏ لكن قال في شرح اللباب ذكر قوام الدين شارح الهداية أنه إذا كان محرما بالزنا فلا تسافر معه عند بعضهم، وإليه ذهب القدوري وبه نأخذ ا هـ‏.‏ وهو الأحوط في الدين والأبعد عن التهمة‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ولو عبدا‏)‏ راجع لكل من الزوج والمحرم وقوله أو ذميا أو برضاع يختص بالمحرم كما لا يخفى ح لكن نقل السيد أبو السعود عن نفقات البزازية لا تسافر بأخيها رضاعا في زماننا ا هـ‏.‏ أي لغلبة الفساد‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده كراهة الخلوة بها كالصهرة الشابة فينبغي استثناء الصهرة الشابة هنا أيضا لأن السفر كالخلوة ‏(‏قوله كما في النهر بحثا‏)‏ حيث قال‏:‏ وينبغي أن يشترط في الزوج ما يشترط في المحرم، وقد اشترط في المحرم العقل والبلوغ ا هـ‏.‏ لكن كان على الشارح أن يؤخره عن قوله عاقل، وهذا البحث نقله القهستاني عن شرح الطحاوي ح ‏(‏قوله والمراهق كبالغ‏)‏ اعتراض بين النعوت ح ‏(‏قوله غير مجوسي‏)‏ مختص بالمحرم إذ لا يتصور في زوج الحاجة أن يكون مجوسيا ح ‏(‏قوله ولا فاسق‏)‏ يعم الزوج والمحرم ح، وقيده في شرح اللباب بكونه ماجنا لا يبالي‏.‏ ‏(‏قوله لعدم حفظهما لمعد‏)‏ لأن المجوسي يخشى عليها منه لاعتقاده حل نكاح محرمته، والفاسق الذي لا مروءة له كذلك ولو زوجا وترك المصنف تقييد المحرم بكونه مأمونا لإغناء ما ذكره عنه فافهم ‏(‏قوله مع وجوب النفقة إلخ‏)‏ أي فيشترط أن تكون قادرة على نفقتها ونفقته ‏(‏قوله لمحرمها‏)‏ قيد به لأنه لو خرج معها زوجها فلا نفقة له عليها بل هي لها عليه النفقة وإن لم يخرج معها فكذلك عند أبي يوسف وقال محمد لا نفقة لها لأنها مانعة نفسها بفعلها سراج ‏(‏قوله لأنه محبوس عليها‏)‏ أي حبس نفسه لأجلها ومن حبس نفسه لغيره فنفقته عليه ‏(‏قوله لامرأة‏)‏ متعلق بمحذوف صفة لزوج أو محرم أو متعلق بفرض ‏(‏قوله حرة‏)‏ مستدرك لأن الكلام فيمن يجب عليه الحج وقد مر اشتراط الحرية فيه، لكن أشار به إلى أن ما استفيد من المقام من عدم جواز السفر للمرأة إلا بزوج أو محرم خاص بالحرة فيجوز للأمة والمكاتبة والمدبرة وأم الولد السفر بدونه كما في السراج، لكن في شرح اللباب والفتوى‏:‏ على أنه يكره في زماننا ‏(‏قوله ولو عجوزا‏)‏ أي لإطلاق النصوص بحر‏.‏ قال الشاعر‏:‏

لكل ساقطة في الحي لاقطة *** وكل كاسدة يوما لها سوق

‏(‏قوله في سفر‏)‏ هو ثلاثة أيام ولياليها فيباح لها الخروج إلى ما دونه لحاجة بغير محرم بحر، وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهة خروجها وحدها مسيرة يوم واحد، وينبغي أن يكون الفتوى عليه لفساد الزمان شرح اللباب ويؤيده حديث الصحيحين‏:‏ «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها» وفي لفظ لمسلم‏:‏ «مسيرة ليلة» وفي لفظ‏:‏ «يوم» لكن قال في الفتح‏:‏ ثم إذا كان المذهب الأول فليس للزوج منعها إذا كان بينها وبين مكة أقل من ثلاثة أيام ‏(‏قوله قولان‏)‏ هما مبنيان على أن وجود الزوج أو المحرم شرط وجوب أم شرط وجوب أداء والذي اختاره في الفتح أنه مع الصحة وأمن الطريق شرط وجوب الأداء فيجب الإيصاء إن منع المرض، وخوف الطريق أو لم يوجد زوج، ولا محرم، ويجب عليها التزوج عند فقد المحرم، وعلى الأول لا يجب شيء من ذلك كما في البحر وفي النهر وصحح الأول في البدائع ورجح الثاني في النهاية تبعا لقاضي خان واختاره في الفتح‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن جزم في اللباب بأنه لا يجب عليها التزوج مع أنه مشى على جعل المحرم أو الزوج شرط أداء ورجح هذا في الجوهرة وابن أمير حاج في المناسك كما قاله المصنف في منحه قال‏:‏ ووجهه أنه لا يحصل غرضها بالتزوج لأن الزوج له أن يمتنع من الخروج معها، بعد أن يملكها، ولا تقدر على الخلاص منه وربما لا يوافقها فتتضرر منه بخلاف المحرم، فإنه إن وافقها أنفقت عليه وإن امتنع أمسكت نفقتها وتركت الحج ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله وليس عبدها بمحرم لها‏)‏ أي ولو مجبوبا أو خصيا لأنه لا يحرم نكاحها عليه على التأبيد بل ما دام مملوكا لها ‏(‏قوله وليس لزوجها منعها‏)‏ أي إذا كان معها محرم وإلا فله منعها كما يمنعها عن غير حجة الإسلام، ولو واجبة بصنعها كالمنذورة، والتي أحرمت بها ففاتتها وتحللت منها بعمرة فلا تقضيها إلا بإذنه وكذا لو دخلت مكة بعد مجاوزة الميقات غير محرمة لأن حق الزوج لا تقدر على منعه بفعلها بل بإيجاب الله تعالى في حجة الإسلام رحمتي، وإذا منعها زوجها فيما يملكه تصير محصرة كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله مع الكراهة‏)‏ أي التحريمية للنهي في حديث الصحيحين‏:‏ «لا تسافر امرأة ثلاثا إلا ومعها محرم» زاد مسلم في رواية‏:‏ «أو زوج» ط ‏(‏قوله ومع عدم عدة إلخ‏)‏ أي فلا يجب عليها الحج إذا وجدت كما في شرح المجمع واللباب قال شارحه وهو مشعر بأنه شرط الوجوب، وذكر ابن أمير حاج أنه شرط الأداء وهو الأظهر ‏(‏قوله أية عدة كانت‏)‏ أي سواء كانت عدة وفاة أو طلاق بائن أو رجعي ح ‏(‏قوله المانعة من سفرها‏)‏ أما الواقعة في السفر فإن كان الطلاق رجعيا لا يفارقها زوجها أو بائنا، فإن كان إلى كل من بلدها ومكة أقل من مدة السفر تخيرت أو إلى أحدهما سفر دون الآخر تعين أن تصير إلى الآخر أو كل منهما سفر، فإن كانت في مصر قرت فيه إلى أن تنقضي عدتها، ولا تخرج وإن وجدت محرما خلافا لهما وإن كانت في قرية أو مفازة لا تأمن على نفسها فلها أن تمضي إلى موضع أمن، ولا تخرج منه حتى تمضي عدتها وإن وجدت محرما عنده خلافا لهما كذا في فتح القدير ‏(‏قوله وقت‏)‏ ظرف متعلق بمحذوف خبر العبرة أي ثابتة وقت خروج أهل بلدها، ولو قبل أشهر الحج لبعد المسافة ط ‏(‏قوله وكذا سائر الشرائط‏)‏ أي يعتبر وجودها في ذلك الوقت‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

ذكر صاحب اللباب في منسكه الكبير أن من الشرائط إمكان السير وهو أن يبقى وقت يمكنه الذهاب فيه إلى الحج على السير المعتاد فإن احتاج إلى أن يقطع كل يوم أو في بعض الأيام أكثر من مرحلة لا يجب الحج ا هـ‏.‏ وذكر شارح اللباب أن منها أن يتمكن من أداء المكتوبات في أوقاتها قال الكرماني‏:‏ لأنه لا يليق بالحكمة إيجاب فرض على وجه يفوت به فرض آخر ا هـ‏.‏ وتمامه هناك‏.‏

‏(‏قوله فلو أحرم صبي إلخ‏)‏ تفريع على اشتراط البلوغ والحرية ‏(‏قوله أو أحرم عنه أبوه‏)‏ المراد من كان أقرب إليه بالنسب فلو اجتمع والد وأخ يحرم الوالد كما في الخانية والظاهر أنه شرط الأولوية لباب وشرحه ‏(‏قوله وينبغي إلخ‏)‏ قال في اللباب وشرحه‏:‏ وينبغي لوليه أن يجنبه من محظورات الإحرام كلبس المخيط والطيب وإن ارتكبها الصبي لا شيء عليهما ‏(‏قوله وظاهره‏)‏ أي ظاهر قول المبسوط أو أحرم عنه أبوه بإعادة الضمير إلى الصبي العاقل لكن تأمله مع قول اللباب، وكل ما قدر الصبي عليه بنفسه لا تجوز فيه النيابة ا هـ‏.‏ وكذا ما في جامع الأسروشني عن الذخيرة قال محمد في الأصل والصبي الذي يحج له أبوه يقضي المناسك ويرمي الجمار وأنه على وجهين الأول إذا كان صبيا لا يعقل الأداء بنفسه، وفي هذا الوجه إذا أحرم عنه أبوه جاز وإن كان يعقل الأداء بنفسه يقضي المناسك كلها يفعل مثل ما يفعله البالغ ا هـ‏.‏ فهو كالصريح في أن إحرامه عنه إنما يصح إذا كان لا يعقل ‏(‏قوله قبل الوقوف‏)‏ وكذا بعده بالأولى وهو راجع لقوله بلغ وعتق ‏(‏قوله لانعقاده نفلا‏)‏ وكان القياس أن يصح فرضا لو نوى حجة الإسلام حال وقوفه لأن الإحرام شرط كما أن الصبي إذا تطهر ثم بلغ فإنه يصح أداء فرضه بتلك الطهارة إلا أن الإحرام له شبه بالركن لاشتماله على النية فحيث لم يعده لم يصح كما لو شرع في صلاة ثم بلغ بالسن فإن جدد إحرامها ونوى بها الفرض يقع عنه وإلا فلا شرح اللباب ‏(‏قوله فلو جدد إلخ‏)‏ بأن يرجع إلى ميقات من المواقيت ويجدد التلبية بالحج كما في شرح الملتقى‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أن الرجوع ليس بلازم لأن إنشاء الإحرام من الميقات واجب فقط كما يأتي ط ‏(‏قوله قبل وقوفه بعرفة‏)‏ قيل عبارة المبتغى‏:‏ ولو أحرم الصبي أو المجنون أو الكافر ثم بلغ أو أفاق ووقت الحج باق فإن جددوا الإحرام يجزيهم عن حجة الإسلام ا هـ‏.‏ مقتضاه أن المراد بما قبل الوقوف قبل فوت وقته كما عبر به منلا على القاري في شرحه على الوقاية واللباب، لكن نقل القاضي عيد في شرحه على اللباب عن شيخه العلامة الشيخ حسن العجيمي المكي أن المراد به الكينونة بعرفة حتى لو وقف بها بعد الزوال لحظة فبلغ ليس له التجديد، وإن بقي وقت الوقوف وأيده الشيخ عبد الله العفيف في شرح منسكه بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه» وقال وقد وقع الاختلاف في هذه المسألة في زماننا فمنهم من أفتى بصحة تجديده الإحرام بعد ابتداء الوقوف ومنهم من أفتى بعدمها ولم نر فيها نصا صريحا ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ وظاهر قول المصنف تبعا للدرر قبل وقوفه أن المراد حقيقة الوقوف لا وقته فهو مؤيد لكلام العجيمي ‏(‏قوله لم تجزه‏)‏ أي عن حجة الإسلام ط ‏(‏قوله لانعقاده‏)‏ أي إحرام العبد نفلا لازما فلا يمكنه الخروج عنه بحر ط ‏(‏قوله بخلاف الصبي‏)‏ لأن إحرامه غير لازم لعدم أهلية اللزوم عليه ولذا لو أحصر وتحلل لا دم عليه ولا قضاء ولا جزاء عليه لارتكاب المحظورات فتح ‏(‏قوله والكافر‏)‏ أي لو أحرم فأسلم فجدد الإحرام لحجة الإسلام أجزأه لعدم انعقاد إحرامه الأول لعدم الأهلية ط عن البدائع ‏(‏قوله والمجنون‏)‏ أي لو أحرم عنه وليه، ثم أفاق فجدد الإحرام قبل الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام شرح اللباب، وفي الذخيرة قال في الأصل وكل جواب عرفته الصبي يحرم عنه الأب فهو الجواب في المجنون ا هـ‏.‏ وفي الولوالجية قبيل الإحصار وكذا الصبي يحج به أبوه وكذا المجنون يقضي المناسك ويرمي الجمار لأن إحرام الأب عنهما وهما عاجزان كإحرامهما بنفسهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح المقدسي عن البحر العميق لا حج على مجنون مسلم، ولا يصح منه إذا حج بنفسه ولكن يحرم عنه وليه ا هـ‏.‏ فهذه النقول صريحة في أن المجنون يحرم عنه وليه كالصبي وبه اندفع ما في البحر من قوله كيف يتصور إحرام المجنون بنفسه وكون وليه أحرم عنه يحتاج إلى نقل صريح يفيد أنه كالصبي‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في فروض الحج وواجباته

‏(‏قوله فرضه‏)‏ عبر به ليشمل الشرط والركن ط ‏(‏قوله الإحرام‏)‏ هو النية والتلبية أو ما يقوم مقامها أي مقام التلبية من الذكر أو تقليد البدنة مع السوق لباب وشرحه ‏(‏قوله وهو شرط ابتداء‏)‏ حتى صح تقديمه على أشهر الحج وإن كره كما سيأتي ح ‏(‏قوله حتى لم يجز إلخ‏)‏ تفريع على شبهه بالركن يعني أن فائت الحج لا يجوز له استدامة الإحرام، بل عليه التحلل بعمرة والقضاء من قابل كما يأتي، ولو كان شرطا محضا لجازت الاستدامة ا هـ‏.‏ ح ويتفرع عليه أيضا ما في شرح اللباب من أنه لو أحرم ثم ارتد والعياذ بالله تعالى بطل إحرامه وإلا فالردة لا تبطل الشرط الحقيقي كالطهارة للصلاة ا هـ‏.‏ وكذا ما قدمناه من اشتراط النية فيه، والشرط المحض لا يحتاج إلى نية وكذا ما مر من عدم سقوط الفرض عن صبي أو عبد أحرم فبلغ أو عتق ما لم يجدده الصبي ‏(‏قوله ليقضي من قابل‏)‏ أي بهذا الإحرام السابق المستدام ط ‏(‏قوله في أوانه‏)‏ وهو من زوال يوم عرفة إلى قبيل طلوع فجر النحر ط ‏(‏قوله ومعظم طواف الزيارة‏)‏ وهو أربعة أشواط وباقيه واجب كما يأتي ط ‏(‏قوله وهما ركنان‏)‏ يشكل عليه ما قالوا إن المأمور بالحج إذا مات بعد الوقوف بعرفة، قبل طواف الزيارة فإنه يكون مجزئا بخلاف ما إذا رجع قبله فإنه لا وجود للحج إلا بوجود ركنيه ولم يوجدا فينبغي أن لا يجزي الآمر سواء مات المأمور أو رجع بحر قال العلامة المقدسي‏:‏ يمكن الجواب بأن الموت من قبل من له الحق وقد أتى بوسعه وقد ورد‏:‏ «الحج عرفة» بخلاف من رجع ا هـ‏.‏ وأما الحاج عن نفسه فسنذكر عن اللباب أنه إذا أوصى بإتمام الحج تجب بدنة تأمل‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

بقي من فرائض الحج‏:‏ نية الطواف، والترتيب بين الفرائض، الإحرام، ثم الوقوف، ثم الطواف وأداء كل فرض في وقته فالوقوف من زوال عرفة إلى فجر النحر والطواف بعده إلى آخر العمر، ومكانه أي من أرض عرفات للوقوف ونفس المسجد للطواف وألحق بها ترك الجماع قبل الوقوف لباب وشرحه‏.‏

‏(‏قوله وواجبه‏)‏ اسم جنس مضاف فيعم وسيأتي حكم الواجب ‏(‏قوله نيف وعشرون‏)‏ أي اثنان وعشرون هنا بما زاده الشارح أو أربعة وعشرون إن اعتبر الأخير، وهو المحظور ثلاثة وأوصلها في اللباب إلى خمسة وثلاثين فزاد أحد عشر أخر وهي‏:‏ الوقوف بعرفة جزءا من الليل، ومتابعة الإمام في الإفاضة أي بأن لا يخرج من أرض عرفة إلا بعد شروع الإمام في الإفاضة، وتأخير المغرب والعشاء إلى المزدلفة والإتيان بما زاد على الأكثر في طواف الزيارة قيل وبيتوتة جزءا من الليل فيها، وعدم تأخير رمي كل يوم إلى ثانيه، ورمي القارن، والمتمتع قبل الذبح والهدي عليهما، وذبحهما قبل الحلق وفي أيام النحر قيل وطواف القدوم‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن واجبات الحج في الحقيقة الخمسة الأول المذكورة في المتن والذبح أما الباقي فهي واجبات له بواسطة لأنها واجبات الطواف ونحوه ‏(‏قوله وقوف جمع‏)‏ بفتح فسكون أي الوقوف فيه ولو ساعة بعد الفجر كما في شرح اللباب ‏(‏قوله سميت بذلك‏)‏ أي بجمع وبمزدلفة فقد يشار بذا إلى ما فوق الواحد كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏عوان بين ذلك‏}‏ فافهم‏.‏

‏(‏قوله لكل من حج‏)‏ أي آفاقيا أو غيره قارنا أو متمتعا أو مفردا وهو راجع لجميع ما قبله، وإنما ذكره لئلا يتوهم رجوع قوله لآفاقي إلى الجميع وإلا فكثير من الواجبات الآتية لكل من حج ‏(‏قوله وطواف الصدر‏)‏ بفتحتين بمعنى الرجوع ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يومئذ يصدر الناس أشتاتا‏}‏ ولذا يسمى طواف الوداع بفتح الواو وتكسر لموادعته البيت شرح اللباب فقول الشارح أي الوداع على حذف مضاف أي طواف الوداع فهو تفسير لطواف الصدر لا تفسير للصدر إلا باعتبار اللزوم لأن الوداع بمعنى الترك لازم للصدر، بمعنى الرجوع تأمل ‏(‏قوله للآفاقي‏)‏ اعترض النووي في التهذيب على الفقهاء في ذلك بأن الآفاق النواحي واحده أفق بضمتين، وبإسكان الفاء والنسبة إليه أفقي لأن الجمع إذا لم يسم به فالنسبة إلى واحده وأجاب في كشف الكشاف بأنه صحيح لأنه أريد به الخارجي أي خارج المواقيت فكان بمنزلة الأنصاري وتمامه في شرح ابن كمال والقهستاني ‏(‏قوله غير الحائض‏)‏ لأن الحائض يسقط عنها كما سيأتي‏.‏

‏(‏قوله والحلق أو التقصير‏)‏ أي أحدهما، والحلق أفضل للرجل، وفيه أن هذا شرط للخروج من الإحرام والشرط لا يكون إلا فرضا، وأجاب في شرح اللباب بأن وجوبه من حيث إيقاعه في الوقت المشروع، وهو ما بعد الرمي في الحج، وبعد السعي في العمرة‏.‏ قلت‏:‏ وفيه أن هذا واجب آخر سيأتي فالأحسن الجواب بأنه لا يلزم من توقف الخروج من الإحرام عليه أن يكون فرضا قطعيا فقد يكون واجبا، كتوقف الخروج الواجب من الصلاة على واجب السلام تأمل‏.‏ ثم رأيت في الفتح قال إن الحلق عند الشافعي غير واجب وهو عندنا واجب لأن التحلل الواجب لا يكون إلا به ثم قال عد كلام غير أن هذا التأويل ظني فيثبت به الوجوب لا القطع ‏(‏قوله من الميقات‏)‏ يشمل الحرم للمكي ونحوه كمتمتع لم يسق الهدي ط والتقييد به للاحتراز عما بعده وإلا فيجوز قبله بل هو أفضل بشروطه كما في شرح اللباب ‏(‏قوله إلى الغروب‏)‏ لم يقل من الزوال لأن ابتداءه من الزوال غير واجب وإنما الواجب أن يمده بعد تحققه مطلقا إلى الغروب كما أفاده في شرح اللباب ‏(‏قوله وإن وقف نهارا‏)‏ أما إذا وقف ليلا فلا واجب في حقه حتى لو وقف ساعة لا يلزمه شيء كما في شرح اللباب، نعم يكون تاركا واجب الوقوف نهارا إلى الغروب‏.‏

‏(‏قوله على الأشبه‏)‏ ذكر في المطلب الفائق شرح الكنز أن الأصح أنه شرط لكن ظاهر الرواية أنه سنة يكره تركها، وعليه عامة المشايخ وصححه في اللباب، وذكر ابن الهمام أنه لو قيل إنه واجب لا يبعد لأن المواظبة من غير ترك مرة دليل الوجوب ا هـ‏.‏ وبه صرح في المنهاج عن الوجيز وهو الأشبه والأعدل فينبغي أن يكون عليه المعول ا هـ‏.‏ من شرح اللباب ‏(‏قوله والتيامن فيه‏)‏ وهو أخذ الطائف عن يمين نفسه وجعله البيت عن يساره لباب ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ صرح به الجمهور وقيل إنه سنة وقيل فرض شرح اللباب ‏(‏قوله والمشي فيه إلخ‏)‏ فلو تركه بلا عذر أعاده وإلا فعليه دم لأن المشي واجب عندنا على هذا نص المشايخ وهو كلام محمد، وما في الخانية من أنه أفضل تساهل أو محمول على النافلة لا يقال بل ينبغي في النافلة أن تجب صدقة لأنه إذا شرع فيه وجب فوجب المشي لأن الفرض أن شروعه لم يكن بصفة المشي، والشروع إنما يوجب ما شرع فيه كذا في الفتح ‏(‏قوله لزمه ماشيا‏)‏‏.‏ قال صاحب اللباب في منسكه الكبير ثم إن طافه زحفا أعاده كذا في الأصل، وذكر القاضي في شرح مختصر الطحاوي أنه يجزيه لأنه أدى ما أوجب على نفسه وتمامه في شرح اللباب ‏(‏قوله فمشيه أفضل‏)‏ أشار إلى أن الزحف يجزيه، ولا دم عليه، لكن يحتاج إلى الفرق بين وجوبه بالشروع، ووجوبه بالنذر على رواية الأصل، ولعله أن الإيجاب بالقول أقوى منه بالفعل فيجب بالقول كاملا لئلا يكون نذرا بمعصية كما لو نذر اعتكافا بدون صوم لزمه به، ويلغو وصفه له بالنقصان والواجب بالشروع هو ما شرع فيه، وقد شرع فيه زحفا فلا يجب عليه غيره وإلا وجب بغير موجب، تأمل ‏(‏قوله من النجاسة الحكمية‏)‏ أي الحدث الأكبر والأصغر وإن اختلفا في الإثم والكفارة ‏(‏قوله على المذهب‏)‏ وهو الصحيح وقال ابن شجاع إنها سنة شرح اللباب للقاري ‏(‏قوله من ثوب‏)‏ الأولى لثوب أو في ثوب ط ‏(‏قوله ومكان طواف‏)‏ لم ينقل في شرح اللباب التصريح بالقول بوجوبه وإنما قال وأما طهارة المكان فذكر العز بن جماعة عن صاحب الغاية أنه لو كان في مكان طوافه نجاسة لا يبطل طوافه وهذا يفيد نفي الشرط والفرضية واحتمال ثبوت الوجوب والسنية ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله والأكثر على أنه‏)‏ أي هذا النوع من الطهارة في الثوب والبدن سنة مؤكدة شرح اللباب بل قال في الفتح‏:‏ وما في بعض الكتب من أن بنجاسة الثوب كله يجب الدم لا أصل له في الرواية‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البدائع إنه سنة فلو طاف وعلى ثوبه نجاسة أكثر من الدرهم لا يلزمه شيء بل يكره لإدخال النجاسة المسجد‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وستر العورة فيه‏)‏ أي في الطواف وفائدة عده واجبا هنا مع أنه فرض مطلقا لزوم الدم به، كما عد من سنن الخطبة في الجمعة بمعنى أنه لا يلزم بتركه فسادها، وإلا فالسنة تباين الفرض لعدم الإثم بتركها مرة هذا ما ظهر لي وقدمناه في الجمعة ‏(‏قوله فأكثر‏)‏ أي من الربع فلو أقل لا يمنع، ويجمع المتفرق لباب ‏(‏قوله كما في الصلاة‏)‏ أي كما هو القدر المانع في الصلاة ‏(‏قوله يجب الدم‏)‏ أي إن لم يعده وإلا سقط وهذا في الطواف الواجب وإلا تجب الصدقة‏.‏

‏(‏قوله في الأصح‏)‏ مقابله ما قاله الكرماني أنه يعتد به لكنه يكره لترك السنة، وتستحب إعادة ذلك الشوط لتكون البداءة على وجه السنة، ومشى في اللباب على أنه شرط لصحة السعي، فعدم الاعتداد بالشوط الأول يتفرع عليه، وعلى القول بالوجوب لأن المراد بعدم الاعتداد به لزوم إعادته أو لزوم الجزاء على تقدير عدمها وإنما الفرق من حيث إنه إذا لم يعد الشوط الأول يلزمه الجزاء لترك السعي على القول بالشرطية لأنه لا صحة للمشروط بدون شرطه، ولترك الشوط الأول على القول بالوجوب الذي هو الأعدل المختار من حيث الدليل، كما في شرح اللباب، وقد يقال إنه إذا لم يعتد بالأول حصل البداءة بالصفا بالثاني فقد وجد الشرط، ولا يتصور تركه إنما يكون تاركا لآخر الأشواط إلا إذا أعاد الأول، وكون ذلك شرطا لا ينافي الوجوب إذ لا يلزم من كون الشيء شرطا لآخر تتوقف عليه صحته أن يكون ذلك الشيء فرضا كما قدمناه في الحلق خلافا لما فهمه في شرح اللباب هنا، وفي الحلق ولو كان فرضا لزم فرضية السعي، أو فرضية بعضه ووجوب باقيه مع أنه كله واجب يجبر بدم وحينئذ تعين القول بالوجوب إذ لا ثمرة تظهر على القول بالشرطية كما نص عليه في المنسك الكبير وإن استغربه القاري في شرح اللباب والله تعالى أعلم‏.‏ بالصواب ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي في الطواف‏.‏

‏(‏قوله قيل نعم‏)‏ ضعفه هنا وإن جزم به في شرحه على الملتقى لأنه جزم بخلافه صاحب اللباب فقال ولا تختص أي هذه الصلاة بزمان ولا بمكان‏:‏ أي باعتبار الجواز والصحة، ولا تفوت أي إلا بالموت، ولو تركها لم تجبر بدم أي أنه لا يجب عليه الإيصاء بالكفارة وذكر شارحه أن المسألة خلافية ففي البحر العميق‏:‏ لا يجب الدم وفي الجوهرة والبحر الزاخر يجب وفي بعض المناسك الأكثر على أنه لا يجب وبه قال الشافعية وقيل يلزم‏.‏

‏(‏قوله والترتيب الآتي بيانه إلخ‏)‏ أي في باب الجنايات حيث قال هناك‏:‏ يجب في يوم النحر أربعة أشياء‏:‏ الرمي، ثم الذبح لغير المفرد، ثم الحلق، ثم الطواف لكن لا شيء على من طاف قبل الرمي والحلق نعم يكره لباب كما لا شيء على المفرد إلا إذا حلق قبل الرمي لأن ذبحه لا يجب ا هـ‏.‏ وبه علم أنه كان ينبغي للمصنف هنا تقديم الذبح على الحلق في الذكر ليوافق ما بينهما من الترتيب في نفس الأمر، وأن الطواف لا يلزم تقديمه على الذبح أيضا لأنه إذا جاز تقديمه على الرمي المتقدم على الذبح جاز تقديمه على الذبح بالأولى كما قاله ح‏.‏ والحاصل أن الطواف لا يجب ترتيبه على شيء من الثلاثة ولذا لم يذكره هنا وإنما يجب ترتيب الثلاثة الرمي ثم الذبح ثم الحلق لكن المفرد لا ذبح عليه فبقي عليه الترتيب بين الرمي والحلق‏.‏

‏(‏قوله في يوم‏)‏ تقدم في الاعتكاف أن الليالي تبع للأيام في المناسك ‏(‏قوله وراء الحطيم‏)‏ لأن بعضه من البيت كما يأتي بيانه ‏(‏قوله وكون السعي بعد طواف معتد به‏)‏ وهو أن يكون أربعة أشواط فأكثر، سواء طافه طاهرا أو محدثا أو جنبا وإعادة الطواف بعد السعي فيما إذا فعله محدثا أو جنبا لجبر النقصان لا لانفساخ الأول ح عن البحر ثم إن كون هذا واجبا لا ينافي ما في اللباب من عده شرطا لصحة السعي كما علمته سابقا ‏(‏قوله بالمكان‏)‏ أي الحرم ولو في غير منى والزمان أي أيام النحر، وهذا في الحاج، وأما المعتمر فلا يتوقف حلقه بالزمان كما سيأتي في الجنايات ‏(‏قوله وترك المحذور‏)‏ قال في شرح اللباب فيه أن الاجتناب عن المحرمات فرض وإنما الواجب هو الاجتناب عن المكروهات التحريمية كما حققه ابن الهمام إلا أن فعل المحظورات وترك الواجبات لما اشتركا في لزوم الجزاء ألحقت بها في هذا المعنى ‏(‏قوله كالجماع بعد الوقوف إلخ‏)‏ تمثيل للمحظورات، وقيد بما بعد الوقوف لأنه قبله مفسد، والمراد هنا غير المفسد تأمل ‏(‏قوله والضابط إلخ‏)‏ لما لم يستوف الواجبات كما علمته مما زدناه عن اللباب ذكر هذا الضابط، وليفيد بعكس القضية حكم الواجب، لكنها تنعكس عكسا منطقيا لا لغويا فيقال بعض ما هو واجب، يجب بتركه دم لا كل ما هو واجب لأن ركعتي الطواف، لا يجب بتركهما الدم، وكذا ترك الواجب بعذر على ما سنذكره في أول الجنايات لكن في الأول خلاف تقدم فعلى القول بوجوب الدم فيه مع تقييد الترك بلا عذر يصح العكس كليا‏.‏

‏(‏قوله وغيرها إلخ‏)‏ فيه أنه لم يستوف الواجبات، وإن كان مراده أن غير الفرائض والواجبات سنن وآداب فغير مفيد قوله كأن يتوسع في النفقة إلخ‏)‏ أفاد بالكاف أنه بقي منها أشياء لم يذكرها لأنها ستأتي كطواف القدوم للآفاقي والابتداء من الحجر الأسود على أحد الأقوال والخطب الثلاث والخروج يوم التروية وغيرها مما سيعلم ‏(‏قوله وعلى صون لسانه‏)‏ أي عن المباح والمكروه تنزيها وإلا فهو واجب ‏(‏قوله ويستأذن أبويه إلخ‏)‏ أي إذا لم يكونا محتاجين إليه وإلا فيكره وكذا يكره بلا إذن دائنه وكفيله والظاهر أنها تحريمية لإطلاقهم الكراهة ويدل عليه قوله في ما مر في تمثيله للحج المكروه كالحج بلا إذن مما يجب استئذانه فلا ينبغي عده ذلك من السنن والآداب‏.‏

‏(‏قوله بفتح القاف وتكسر‏)‏ أي مع سكون العين وحكي الفتح مع كسر العين ‏(‏قوله وتفتح‏)‏ عزاه الشيخ إسماعيل إلى تحرير الإمام النووي، وقال خلافا لما في شرح الشمني من أنه لم يسمع إلا بالكسر ‏(‏قوله وعند الشافعي ليس منها يوم النحر‏)‏ هو رواية عن أبي يوسف أيضا كما في النهر وغيره وظاهر المتن يوافقه لأنه ذكر العدد فكان المراد عشر ليال لكن إذا حذف التمييز جاز التذكير فيكون المعنى عشرة أيام أفاده ح عن القهستاني وقيل إن العشر اسم لهذه الأيام العشرة فليس المراد به اسم العدد، حتى يعتبر فيه التذكير مع المؤنث والعكس تأمل ‏(‏قوله ذو الحجة كله‏)‏ مبتدأ محذوف الخبر تقديره منها ح ‏(‏قوله عملا بالآية‏)‏ أي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الحج أشهر معلومات‏}‏ ‏(‏قوله قلنا اسم الجمع إلخ‏)‏ الإضافة بيانية أي اسم هو جمع وإلا فأشهر صيغة جمع حقيقة، وهذا أحد جوابين للزمخشري‏.‏ حاصله‏:‏ أنه يجوز في إطلاق صيغة الجمع على ما فوق الواحد لعلاقة معنى الاجتماع والتعدد وثانيهما أن التجوز في جعل بعض الشهر شهرا فالأشهر على الحقيقة واعترض الأول بأن فيه إخراج العشر عن الإرادة لخروجه عن الشهرين، وأجيب بأنه داخل فيما فوق الواحد، وهذا كله على تقدير الحج ذو أشهر، أما على تقدير الحج في أشهر، فلا حاجة إلى التجوز لأن الظرفية لا تقتضي الاستيعاب لكن بين المراد الحديث الوارد في تفسير الآية بأنها شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة ‏(‏قوله وفائدة التأقيت إلخ‏)‏ جواب عن إشكال تقريره أن التوقيت بها إن اعتبر للفوات أي إن أفعال الحج لو أخرت عن هذا الوقت يفوت الحج لفوته بتأخير الوقوف عن طلوع فجر العاشر يلزم أن لا يصح طواف الركن بعده وإن خصص الفوات بفوت معظم أركانه، وهو الوقوف، يلزم أن لا يكون العاشر منها كما هو رواية عن أبي يوسف وإن اعتبر التوقيت المذكور لأداء الأركان في الجملة يلزم أن يكون ثاني النحر وثالثه منها‏:‏ لجواز الطواف فيهما، وأجاب الشارح تبعا للبحر وغيره بما يفيد اختيار الأخير وذلك بأن فائدته أن شيئا من أفعال الحج لا يجوز إلا فيها حتى لو صام المتمتع أو القارن ثلاثة أيام قبل أشهر الحج لا يجوز‏.‏ وكذا السعي عقب طواف القدوم لا يقع عن سعي الحج إلا فيها، حتى لو فعله في رمضان لم يجز، ولو اشتبه عليهم يوم عرفة فوقفوا فإذا هو يوم النحر جاز لوقوعه في زمانه، ولو ظهر أن الحادي عشر لم يجز كما في اللباب وغيره قال القهستاني‏:‏ ولا ينافيه إجزاء الإحرام قبلها ولا إجزاء الرمي والحلق وطواف الزيارة وغيرها بعدها لأن ذلك محرم فيه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ فيه نظر لأن طواف الزيارة يجوز في يومين بعد عشر ذي الحجة كما علمته وإن كان في أوله أفضل فالمناسب الجواب عن الإشكال بأن فائدة التوقيت ابتداء عدم جواز الأفعال قبله وانتهاء الفوات بفوت معظم أركانه وهو الوقوف، ولا يلزم خروج اليوم العاشر لما علمته من جوازه فيه عند الاشتباه بخلاف الحادي عشر هذا ما ظهر لي فافهم ‏(‏قوله وأنه يكره الإحرام إلخ‏)‏ عطف على قوله أنه لو فعل وهو ظاهر في أنه أراد بأفعال الحج غير الإحرام، فلا ينافي إجزاء الإحرام مع الكراهة فقوله لا يجزيه واقع في محزه فافهم نعم في كون الكراهة فائدة التوقيت خفاء ولعل وجهه كون الإحرام شبيها بالركن تأمل ‏(‏قوله قبلها‏)‏ أفاد أنه لو أحرم فيها بحج ولو لعام قابل لا يكره، ولذا قال في الذخيرة لا يكره الإحرام بالحج يوم النحر، ويكره قبل أشهر الحج قال في النهر وينبغي أن يكون مكروها حيث لم يأمن على نفسه وإن كان في أشهر الحج ‏(‏قوله لشبهه بالركن‏)‏ علة لقوله يكره أي ولو كان ركنا حقيقة لم يصح قبلها فإذا كان شبيها به كره قبلها لشبهه وقربه من عدم الصحة بحر ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي عند قوله فرضه الإحرام ‏(‏قوله وإطلاقها‏)‏ أي الكراهة يفيد التحريم، وبه قيدها القهستاني ونقل عن التحفة الإجماع على الكراهة، وبه صرح في البحر من غير تفصيل بين خوف الوقوع في محظور أو لا قال‏:‏ ومن فصل كصاحب الظهيرية قياسا على الميقات المكاني، فقد أخطأ لكن نقل القهستاني أيضا عن المحيط التفصيل ثم قال وفي النظم عنه أنه يكره إلا عند أبي يوسف‏.‏

مطلب أحكام العمرة

‏(‏قوله والعمرة في العمر مرة سنة مؤكدة‏)‏ أي إذا أتى بها مرة فقد أقام السنة غير مقيد بوقت غير ما ثبت النهي عنها فيه إلا أنها في رمضان أفضل هذا إذا أفردها فلا ينافيه أن القران أفضل لأن ذلك أمر يرجع إلى الحج لا العمرة‏.‏ فالحاصل‏:‏ أن من أراد الإتيان بالعمرة على وجه أفضل فيه فبأن يقرن معه عمرة فتح، فلا يكره الإكثار منها خلافا لمالك، بل يستحب على ما عليه الجمهور وقد قيل سبع أسابيع من الأطوفة كعمرة شرح اللباب ‏(‏قوله وصحيح في الجوهرة وجوبها‏)‏ قال في البحر واختاره في البدائع وقال إنه مذهب أصحابنا، ومنهم من أطلق اسم السنة، وهذا لا ينافي الوجوب‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر من الرواية السنية فإن محمدا نص على أن العمرة تطوع ا هـ‏.‏ ومال إلى ذلك في الفتح وقال بعد سوق الأدلة تعارض مقتضيات الوجوب والنفل، فلا تثبت ويبقى مجرد فعله عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعين، وذلك يوجب السنة فقلنا بها ‏(‏قوله قلنا المأمور إلخ‏)‏ جواب عن سؤال مقدر أورده في غاية البيان دليلا على الوجوب، ثم أجاب عنه بما ذكره الشارح، ثم هذا مبني على أن المراد بالإتمام تتميم ذاتهما أي تتميم أفعالهما أما إذا أريد به إكمال الوصف وعليه ما نقله في البحر من أن الصحابة فسرت الإتمام بأن يحرم بهما من دويرة أهله، ومن الأماكن القاصية فلا حاجة إلى الجواب للاتفاق على أن الإتمام بهذا المعنى غير واجب فالأمر فيه للندب إجماعا فلا يدل على وجوب العمرة فافهم ‏(‏قوله وحلق أو تقصير‏)‏ لم يذكره المصنف لأنه محلل مخرج منها بحر ‏(‏قوله وغيرها واجب‏)‏ أراد بالغير من المذكورات هنا، وذلك أقل أشواط الطواف والسعي والحلق أو التقصير، وإلا فلها سنن ومحرمات من غير المذكور هنا فافهم‏.‏ وأشار بقوله هو المختار إلى ما في التحفة حيث جعل السعي ركنا كالطواف قال في شرح اللباب وهو غير مشهور في المذهب ‏(‏قوله ويفعل فيها كفعل الحاج‏)‏ قال في اللباب وأحكام إحرامها كإحرام الحج من جميع الوجوه وكذا حكم فرائضها وواجباتها وسننها ومحرماتها ومفسدها ومكروهاتها وإحصارها وجمعها أي بين عمرتين، وإضافتها أي إلى غيرها في النية ورفضها كحكمها في الحج‏:‏ وهي لا تخالفه إلا في أمور منها أنها ليست بفرض وأنها لا وقت لها معين؛ ولا تفوت وليس فيها وقوف بعرفة ولا مزدلفة ولا رمي فيها ولا جمع أي بين صلاتين ولا خطبة ولا طواف قدوم ولا صدر ولا تجب بدنة بإفسادها ولا بطوافها جنبا أي بل شاة وأن ميقاتها الحل لجميع الناس بخلاف الحج فإن ميقاته للمكي الحرم‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله وجازت‏)‏ أي صحت ‏(‏قوله وندبت في رمضان‏)‏ أي إذا أفردها كما مر عن الفتح ثم الندب باعتبار الزمان لأنها باعتبار ذاتها سنة مؤكدة أو واجبة كما مر أي أنها فيه أفضل منها في غيره واستدل له في الفتح بما عن ابن عباس عمرة في رمضان تعدل حجة وفي طريق لمسلم تقتضي حجة أو حجة معي قال وكان السلف رحمنا الله تعالى بهم يسمونها الحج الأصغر وقد اعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمرات كلهن بعد الهجرة في ذي القعدة على ما هو الحق وتمامه فيه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

نقل بعضهم عن المنلا علي في رسالته المسماة الأدب في رجب أن كون العمرة في رجب سنة بأن فعلها عليه الصلاة والسلام أو أمر بها لم يثبت نعم روي أن ابن الزبير لما فرغ من تجديد بناء الكعبة قبيل سبعة وعشرين من رجب نحر إبلا وذبح قرابين وأمر أهل مكة أن يعتمروا حينئذ شكرا لله تعالى على ذلك، ولا شك أن فعل الصحابة حجة وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن فهذا وجه تخصيص أهل مكة العمرة بشهر رجب ا هـ‏.‏ ملخصا ‏(‏قوله تحريما‏)‏ صرح به في الفتح واللباب ‏(‏قوله ويوم عرفة‏)‏ أي قبل الزوال وبعده وهو المذهب خلافا لما عن أبي يوسف أنها لا تكره فيه قبل الزوال بحر ‏(‏قوله وأربعة‏)‏ بالنصب والتنوين والأصل أربعة أيام بعدها أي بعد عرفة أي بعد يومها‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

يزاد على الأيام الخمسة ما في اللباب وغيره من كراهة فعلها في أشهر الحج لأهل مكة، ومن بمعناهم أي من المقيمين، ومن في داخل الميقات لأن الغالب عليهم أن يحجوا في سنتهم، فيكونوا متمتعين، وهم عن التمتع ممنوعون، وإلا فلا منع للمكي عن العمرة المفردة في أشهر الحج، إذا لم يحج في تلك السنة، ومن خالف فعليه البيان شرح اللباب، ومثله في البحر، وهو رد على ما اختاره في الفتح من كراهتها للمكي، وإن لم يحج ونقل عن القاضي عيد في شرح المنسك أن ما في الفتح قال العلامة قاسم إنه ليس بمذهب لعلمائنا ولا للأئمة الأربعة، ولا خلاف في عدم كراهتها لأهل مكة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وسيأتي تمام الكلام عليه في باب التمتع إن شاء الله تعالى هذا وما نقله ح عن الشرنبلالية من تقييده كراهة العمرة في الأيام الخمسة بقوله‏:‏ أي في حق المحرم أو مريد الحج يقتضي أنه لا يكره في حق غيرهما ولم أر من صرح به فليراجع ‏(‏قوله أي كره إنشاؤها بالإحرام‏)‏ أي كره إنشاء الإحرام لها في هذه الأيام ح ‏(‏قوله حتى يلزمه دم وإن كان رفضها‏)‏ سيأتي الكلام عليه إن شاء الله في آخر باب الجنايات ‏(‏قوله لا أداؤها‏)‏ عطف على إنشاؤها ح قوله كقارن فاته الحج‏)‏ لو قال كما في المعراج كفائت الحج لشمل المتمتع ‏(‏قوله وعليه‏)‏ أي على ما ذكر من أن المكروه الإنشاء لا الأداء بإحرام سابق ‏(‏قوله فاستثناء الخانية إلخ‏)‏ حيث قال تكره العمرة في خمسة أيام لغير القارن ا هـ‏.‏ ووجه الانقطاع ما علمته من أن المكروه إنشاء العمرة في هذه الأيام، والقارن أحرم بها بإحرام سابق على هذه الأيام فهو غير داخل فيما قبله فاستثناؤه منقطع فافهم ‏(‏قوله فلا يختص إلخ‏)‏ تفريع على قوله منقطع لأن حاصله أنه لما لم يكن منشئا للإحرام فيها لم يكن داخلا فيما تكره عمرته فيها وحينئذ فلا يختص جواز عمرته بيوم عرفة فافهم ‏(‏قوله كما توهمه في البحر‏)‏ حيث قال بعد قول الخانية لغير القارن ما نصه وهو تقييد حسن، وينبغي أن يكون راجعا إلى يوم عرفة لا إلى الخمسة كما لا يخفى وأن يلحق المتمتع بالقارن ا هـ‏.‏ قال في النهر هذا ظاهر في أنه فهم أن معنى ما في الخانية من استثناء القارن أنه لا بد له من العمرة ليبني عليها أفعال الحج، ومن ثم خصه بيوم عرفة وهو غفلة عن كلامهم فقد قال في السراج‏:‏ وتكره العمرة في هذه الأيام أي يكره إنشاؤها بالإحرام أما إذا أداها بإحرام سابق، كما إذا كان قارنا ففاته الحج وأدى العمرة في هذه الأيام لا يكره وعلى هذا فالاستثناء الواقع في الخانية منقطع ولا اختصاص ليوم عرفة‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لا يخفى عليك أن المتبادر من القارن في كلام الخانية المدرك لا فائت الحج، بخلاف ما في السراج، وحينئذ فلا شك أن عمرته لا تكون بعد يوم عرفة لأنها تبطل بالوقوف كما سيأتي في بابه وليس في كلام البحر تعرض لما فاته الحج ولا لأن الاستثناء متصل أو منقطع فمن أين جاءت الغفلة فتنبه وافهم‏.‏

مطلب في المواقيت

‏(‏قوله والمواقيت‏)‏ جمع ميقات بمعنى الوقت المحدود واستعير للمكان أعني مكان الإحرام كما استعير المكان للوقت في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هنالك ابتلي المؤمنون‏}‏ ولا ينافيه قول الجوهري‏:‏ الميقات موضع الإحرام لأنه ليس من رأيه التفرقة بين الحقيقة والمجاز وكأنه في البحر استند إلى ظاهر ما في الصحاح، فزعم أنه مشترك بين الوقت والمكان المعين والمراد هنا الثاني، وأعرض عن كلامهم السابق وقد علمت ما هو الواقع نهر‏.‏ ثم اعلم أن الميقات المكاني يختلف باختلاف الناس، فإنهم ثلاثة أصناف آفاقي، وحلي أي من كان داخل المواقيت، وحرمي، وذكرهم المصنف على هذا الترتيب ‏(‏قوله مريد مكة‏)‏ أي ولو لغير نسك كتجارة ونحوها كما يأتي ‏(‏قوله لا محرما‏)‏ أي بحج أو عمرة ‏(‏قوله بضم ففتح‏)‏ أي وسكون الياء مصغرا لحلفة بالفتح اسم نبت في الماء معروف ‏(‏قوله على ستة أميال من المدينة‏)‏ وقيل سبعة وقيل أربعة قال العلامة القطبي في منسكه والمحرر من ذلك ما قاله السيد نور الدين علي السمهودي في تاريخه قد اختبرت ذلك فكان من عتبة باب المسجد النبوي المعروف بباب السلام إلى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر ألف ذراع بتقديم المثناة الفوقية وسبعمائة ذراع بتقديم السين واثنين وثلاثين ذراعا ونصف ذراع بذراع اليد‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وذلك دون خمسة أميال فإن الميل عندنا أربعة آلاف ذراع بذراع الحديد المستعمل الآن والله أعلم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وعشر مراحل‏)‏ أو تسع كما في البحر ‏(‏قوله وهو كذب‏)‏ ذكره في البحر عن مناسك المحقق ابن أمير حاج الحلبي ‏(‏قوله وذات عرق‏)‏ في منسك القطبي سميت بذلك لأن فيها عرقا وهو الجبل، وهي قرية قد خربت الآن وعرق هو الجبل المشرف على العقيق، والعقيق واد يسيل ماؤه إلى غوري تهامة قاله الأزهري ا هـ‏.‏ ولهذا قال في اللباب‏:‏ والأفضل أن يحرم من العقيق وهو قبل ذات عرق بمرحلة أو مرحلتين ‏(‏قوله على المرحلتين‏)‏ وقيل ثلاث وجمع بأن الأول نظرا إلى المراحل العرفية والثاني إلى الشرعية ‏(‏قوله وجحفة‏)‏ بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، سميت بذلك لأن السيل نزل بها وجحف أهلها أي أستأصلهم، واسمها في الأصل مهيعة لكن قيل إنها قد ذهبت أعلامها ولم يبق بها إلا رسوم خفية لا يكاد يعرفها إلا سكان بعض البوادي فلذا والله تعالى أعلم‏.‏ اختار الناس الإحرام احتياطا من المكان المسمى برابض، وبعضهم يجعله بالغين لأنه قبل الجحفة بنصف مرحلة أو قريب من ذلك بحر، وقال القطبي‏:‏ ولقد سألت جماعة ممن له خبرة من عربانها عنها فأروني أكمة بعد ما رحلنا من رابغ إلى مكة على جهة اليمين على مقدار ميل من رابغ تقريبا‏.‏ ‏(‏قوله وقرن‏)‏ ب فتح القاف وسكون الراء‏:‏ جبل مطل على عرفات لا خلاف في ضبطه بهذا بين رواة الحديث واللغة والفقه وأصحاب الأخبار وغيرهم نهر عن تهذيب الأسماء واللغات ‏(‏قوله و فتح الراء خطأ إلخ‏)‏ قال في القاموس‏:‏ وغلط الجوهري في تحريكه، وفي نسبة أويس القرني إليه لأنه منسوب إلى قرن بن رومان بن ناجية بن مراد أحد أجداده ‏(‏قوله ويلملم‏)‏ بفتح المثناة التحتية واللامين وإسكان الميم ويقال لها ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها ‏(‏قوله جبل‏)‏ أي من جبال تهامة مشهور في زماننا بالسعدية قاله بعض شراح المناسك قال في البحر‏:‏ وهذه المواقيت ما عدا ذات عرق ثابتة في الصحيحين وذات عرق في صحيح مسلم وسنن أبي داود ‏(‏قوله والعراقي‏)‏ أي أهل البصرة والكوفة، وهم أهل العراقين وكذا سائر أهل المشرق وقوله والشامي مثله المصري والغربي من طريق تبوك لباب وشرحه ‏(‏قوله الغير المارين بالمدينة‏)‏ يعني أن كون ذات عرق للعراقي وجحفة للشامي إذا كانا غير مارين بالمدينة أما لو مرا بها فميقاتهم ميقاتها أعني ذا الحليفة وهذا بيان للأفضل لأنه لا يجب عليهما الإحرام من ذي الحليفة كالمدني كما يأتي تحريره فافهم ‏(‏قوله بقرينة ما يأتي‏)‏ أي في قوله وكذا هي لمن مر بها من غير أهلها ح‏.‏ ‏(‏قوله والنجدي‏)‏ أي نجد اليمن ونجد الحجاز ونجد تهامة لباب ‏(‏قوله واليمني‏)‏ أي باقي أهل اليمن وتهامة لباب ‏(‏قوله ويجمعها إلخ‏)‏ جمعها أيضا الشيخ أبو البقاء في البحر العميق بقوله‏:‏ مواقيت آفاق يمان ونجدة عراق وشام والمدينة فاعلم يلملم قرن ذات عرق وجحفة حليفة ميقات النبي المكرم ‏(‏قوله وكذا هي‏)‏ أي هذه المواقيت الخمسة ‏(‏قوله قاله النووي الشافعي وغيره‏)‏ سقطت هذه الجملة من بعض النسخ، وهو الحق لأن هذه المسألة مصرح بها في كتب المذهب متونا وشروحا فلا معنى لنقلها عن النووي رحمه الله تعالى ح وأجيب بأنه يشير إلى أنها اتفاقية ‏(‏قوله وقالوا‏)‏ أي علماؤنا الحنفية ‏(‏قوله ولو مر بميقاتين‏)‏ كالمدني يمر بذي الحليفة ثم بالجحفة فإحرامه من الأبعد أفضل أي الأبعد عن مكة، وهو ذو الحليفة لكن ذكر في شرح اللباب عن ابن أمير حاج أن الأفضل تأخير الإحرام، ثم وفق بينهما بأن أفضلية الأول لما فيه من الخروج عن الخلاف وسرعة المسارعة إلى الطاعة، والثاني لما فيه من الأمن من قلة الوقوع في المحظورات لفساد الزمان بكثرة العصيان، فلا ينافي ما مر ولا ما في البدائع من قوله من جاوز ميقاتا بلا إحرام إلى آخر جاز إلا أن المستحب أن يحرم من الأول كذا روي عن أبي حنيفة أنه قال في غير أهل المدينة إذا مروا بها فجاوزوها إلى الجحفة فلا بأس بذلك وأحب إلي أن يحرموا من ذي الحليفة لأنهم لما وصلوا إلى الميقات الأول لزمهم محافظة حرمته، فيكره لهم تركها‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر مثله القدوري في شرحه إلا أن في قول الإمام في غير أهل المدينة إشارة إلى أن المدني ليس كذلك وبه يجمع بين الروايتين عن الإمام بوجوب الدم وعدمه، بحمل رواية الوجوب على المدني وعدمه على غيره‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن نقل في الفتح أن المدني إذا جاوز إلى الجحفة فأحرم عندها فلا بأس به، والأفضل أن يحرم من ذي الحليفة، ونقل قبله عن كافي الحاكم الذي هو جمع كلام محمد في كتب ظاهر الرواية، ومن جاوز وقته غير محرم ثم أتى وقتا آخر فأحرم منه أجزأه، ولو كان أحرم من وقته كان أحب إلي ا هـ‏.‏ فالأول صريح، والثاني ظاهر في المدني أنه لا شيء عليه‏.‏ فعلم أن قول الإمام المار في غير أهل المدينة اتفاقي لا احترازي، وأنه لا فرق في ظاهر الرواية بين المدني وغيره وأما قول الهداية وفائدة التأقيت‏:‏ أي بالمواقيت الخمسة المنع عن تأخير الإحرام عنها لأنه يجوز التقديم بالإجماع فاعترضه في الفتح بأنه يلزم عليه أنه لا يجوز تأخير المدني الإحرام عن ذي الحليفة والمسطور خلافه نعم روي عن الإمام أن عليه دما لكن الظاهر عنه هو الأول قال في النهر‏:‏ والجواب أن المنع من التأخير مقيد بالميقات الأخير وتمامه فيه ‏(‏قوله على المذهب‏)‏ مقابله رواية وجوب الدم ‏(‏قوله وعبارة اللباب سقط عنه الدم‏)‏ مقتضاها وجوبه بالمجاوزة ثم سقوطه بالإحرام من الأخير وهو مخالف للمسطور كما علمته والظاهر أنه مبني على الرواية الثانية ‏(‏قوله ولو لم يمر بها إلخ‏)‏ كذا في الفتح‏.‏ ومفاده أن وجوب الإحرام بالمحاذاة إنما يعتبر عند عدم المرور على المواقيت أما لو مر عليها فلا يجوز له مجاوزة آخر ما يمر عليه منها وإن كان يحاذي بعده ميقاتا آخر وبذلك أجاب صاحب البحر عما أورده عليه العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي حين اجتماعه به في مكة من أنه ينبغي على مدعاكم أن لا يلزم الشامي والمصري الإحرام من رابغ، بل من خليص لمحاذاته لآخر المواقيت، وهو قرن المنازل‏.‏ وأجابه بجواب آخر وهو أن مرادهم المحاذاة القريبة، ومحاذاة المارين بقرن بعيدة لأن بينهم وبينه بعض جبال، لكن نازعه في النهر بأنه لا فرق بين القريبة والبعيدة ‏(‏قوله تحرى‏)‏ أي غلب على ظنه مكان المحاذاة وأحرم منه إن لم يجد عالما به يسأله ‏(‏قوله إذا حاذى أحدها‏)‏ في بعض النسخ إذا حاذاه أحدها ‏(‏قوله وأبعدها‏)‏ أي عن مكة ‏(‏قوله فإن لم يكن إلخ‏)‏ كذا في الفتح لكن الأصوب قول اللباب، فإن لم يعلم المحاذاة لما قال شارحه أنه لا يتصور عدم المحاذاة ا هـ‏.‏ أي لأن المواقيت تعم جهات مكة كلها فلا بد من محاذاة أحدها ‏(‏قوله فعلى مرحلتين‏)‏ أي من مكة فتح ووجهه أن المرحلتين أوسط المسافات وإلا فالاحتياط الزيادة مقدسي‏.‏

‏(‏قوله وحرم إلخ‏)‏ فعليه العود إلى ميقات منها وإن لم يكن ميقاته ليحرم منه، وإلا فعليه دم كما سيأتي بيانه في الجنايات ‏(‏قوله كلها‏)‏ زاده لأجل دفع ما أورد على عبارة الهداية كما قدمناه آنفا ‏(‏قوله أي لآفاقي‏)‏ أي ومن ألحق به كالحرمي والحلي إذا خرجا إلى الميقات كما يأتي فتقييده بالآفاقي للاحتراز عما لو بقيا في مكانهما، فلا يحرم كما يأتي ‏(‏قوله يعني الحرم‏)‏ أي الآتي تحديده قريبا لا خصوص مكة، وإنما قيد بها لأن الغالب قصد دخولها ‏(‏قوله غير الحج‏)‏ كمجرد الرؤية والنزهة أو التجارة فتح ‏(‏قوله أما لو قصد موضعا من الحل إلخ‏)‏ أي مما بين الميقات والحرم‏.‏ والمعتبر القصد عند المجاوز لا عند الخروج من بيته كما سيأتي في الجنايات‏:‏ أي قصدا أوليا كإذا قصده لبيع أو شراء، وأنه إذا فرغ منه يدخل مكة ثانيا إذ لو كان قصده الأولي دخول مكة، ومن ضرورته أن يمر في الحل فلا يحل له ‏(‏قوله فله دخول مكة بلا إحرام‏)‏ أي ما لم يرد نسكا كما يأتي قريبا ‏(‏قوله وهو الحيلة إلخ‏)‏ أي القصد المذكور وهو الحيلة لمن أراد دخول مكة بلا إحرام لكن لا تتم الحلية إلا إذا كان قصده لموضع من الحل قصدا أوليا كما قررناه ولم يرد النسك عند دخول مكة كما يأتي قريبا وسيأتي تمام الكلام على ذلك في أواخر الجنايات إن شاء الله تعالى‏.‏ ‏(‏قوله إلا لمأمور بالحج للمخالفة‏)‏ ذكره في البحر بحثا بقوله‏:‏ وينبغي أن لا تجوز هذه الحيلة للمأمور بالحج لأنه حينئذ لم يكن سفره للحج ولأنه مأمور بحجة آفاقية وإذا دخل مكة بغير إحرام صارت حجته مكية فكان مخالفا، وهذه المسألة يكثر وقوعها فيمن يسافر في البحر الملح وهو مأمور بالحج ويكون ذلك في وسط السنة فهل له أن يقصد البندر المعروف بجدة ليدخل مكة بغير إحرام حتى لا يطول الإحرام عليه لو أحرم بالحج فإن المأمور بالحج ليس له أن يحرم بالعمرة ا هـ‏.‏ أي لأنه إذا اعتمر ثم أحرم بالحج من مكة يصير مخالفا في قولهم كما في التتارخانية عن المحيط، وهل مخالفته لكونه جعل سفره لغير الحج المأمور به، أو لكونه لم يجعل حجته آفاقية‏.‏ وعلى الثاني لو اعتمر أو فعل الحيلة بأن قصد البندر، ثم دخل مكة ثم خرج وقت الحج إلى الميقات فأحرم منه لم يكن مخالفا لأن حجته صارت آفاقية أما على الأول فهو مخالف ويحتمل أن المخالفة لكل من العلتين كما يفيده أول عبارة البحر المذكورة فتتحقق المخالفة بالعلة الأولى لكن ذكر العلامة القاري في بعض رسائله مسألة اضطرب فيها فقهاء عصره وهي‏:‏ أن الآفاقي الحاج عن الغير إذا جاوز الميقات بلا إحرام للحج، ثم عاد إلى الميقات، وأحرم هل يصح عن الآمر قيل‏:‏ لا، وقيل نعم ومال هو إلى الثاني قال‏:‏ وأفتى به الشيخ قطب الدين وشيخنا سنان الرومي في منسكه والشيخ علي المقدسي‏.‏ قلت وهذا يفيد جواز الحيلة المذكورة له إذا عاد إلى الميقات، وأحرم والجواب عن قوله لأن سفره حينئذ لم يكن للحج أنه إذا قصد البندر عند المجاوزة ليقيم به أياما لبيع أو شراء مثلا ثم يدخل مكة لم يخرج عن أن يكون سفره للحج كما لو قصد مكانا آخر في طريقه ثم النقلة عنه والله تعالى أعلم‏.‏ فافهم‏.‏ وأما لو أحرم بالحج من الميقات وأقام بمكة حراما فإنه لا يحتاج إلى هذه الحيلة لكنه يكره تقديم الإحرام على أشهر الحج أي يحرم كما قدمناه قبيل أحكام العمرة‏.‏

‏(‏قوله بل هو الأفضل‏)‏ قدمنا تفسير الصحابة الإتمام بالإحرام من دويرة أهله ومن الأماكن القاصية‏.‏ قال في فتح القدير‏:‏ وإنما كان التقديم على المواقيت أفضل لأنه أكثر تعظيما وأوفر مشقة والأجر على قدر المشقة ولذا كانوا يستحبون الإحرام بهما من الأماكن القاصية‏.‏ روي عن ابن عمر‏:‏ أنه أحرم من بيت المقدس وعمران بن الحصين من البصرة وعن ابن عباس أنه أحرم من الشام وابن مسعود من القادسية وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من أهل من المسجد الأقصى بعمرة أو حجة غفر الله له ما تقدم من ذنبه» رواه أحمد وأبو داود بنحوه‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إن في أشهر الحج‏)‏ أما قبلها فيكره وإن أمن على نفسه الوقوع في المحظورات لشبه الإحرام بالركن كما مر ‏(‏قوله وأمن على نفسه‏)‏ وإلا فالإحرام من الميقات أفضل بل تأخيره إلى آخر المواقيت على ما اختاره ابن أمير حاج كما قدمناه‏.‏

‏(‏قوله وحل لأهل داخلها‏)‏ شروع في الصنف الثاني من المواقيت، والمراد بالداخل غير الخارج فيشمل من فيها نفسها ومن بعدها فإنه لا فرق بينهما في المنصوص من الرواية، كما صرح به في الفتح والبحر وغيرهما وينبغي أن يراد داخل جميعها ليخرج من كان بين ميقاتين كمن كان منزله بين ذي الحليفة والجحفة لأنه بالنظر إلى الجحفة خارج الميقات؛ فلا يحل له دخول الحرم بلا إحرام تأمل ‏(‏قوله يعني لكل إلخ‏)‏ أشار إلى أن المراد بالأهل ما يشمل من قصدهم من غيرهم كما أفاده قبله بقوله أما لو قصد موضعا من الحل إلخ ‏(‏قوله غير محرم‏)‏ حال من أهل ولم يجمعه نظرا إلى لفظ أهل فإنه مفرد وإن كان معناه جمعا ح ‏(‏قوله ما لم يرد نسكا‏)‏ أما إن أراده وجب عليه الإحرام قبل دخوله أرض الحرم فميقاته كل الحل إلى الحرم فتح‏.‏ وعن هذا قال القطبي في منسكه ومما يجب التيقظ له سكان جدة بالجيم، وأهل حدة بالمهملة، وأهل الأودية القريبة من مكة فإنهم غالبا يأتون مكة في سادس أو سابع ذي الحجة بلا إحرام، ويحرمون للحج من مكة فعليهم دم لمجاوزة الميقات بلا إحرام، لكن بعد توجههم إلى عرفة ينبغي سقوطه عنهم بوصولهم إلى أول الحل ملبين إلا أن يقال إن هذا لا يعد عودا إلى الميقات لعدم قصدهم العود لتلافي ما لزمهم بالمجاوزة بل قصدوا التوجه إلى عرفة‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال القاضي محمد عيد في شرح منسكه والظاهر السقوط لأن العود إلى الميقات مع التلبية مسقط لدم المجاوزة وإن لم يقصده لحصول المقصود وهو التعظيم ‏(‏قوله للحرج‏)‏ علة لقوله وحل إلخ ‏(‏قوله كما لو جاوزها إلخ‏)‏ يحتمل عود الهاء إلى مكة فتكون الكاف للتمثيل لأن المكي إذا خرج إلى الحل الذي في داخل الميقات التحق بأهله كما مر آنفا، بشرط أن لا يجاوز ميقات الآفاقي وإلا فهو كالآفاقي لا يحل له دخوله بلا إحرام، كما ذكره في البحر، ويحتمل عودها إلى المواقيت فالكاف للتنظير للمنفي في قوله ما لم يرد نسكا، فإن من أراده من أهل الحل لا يدخل مكة بلا إحرام، ونظيره المكي إذا خرج منها وجاوز المواقيت لا يحل له العود بلا إحرام لكن إحرامه من الميقات بخلاف مريد النسك فإنه من الحل كما علمته ‏(‏قوله فهذا‏)‏ الإشارة إلى أهل داخلها بالمعنى الذي ذكرناه فالحرم حد في حقه كالميقات للآفاقي فلا يدخل الحرم إن قصد النسك إلا محرما بحر‏.‏

‏(‏قوله يعني إلخ‏)‏ أشار إلى ما في البحر من قوله والمراد بالمكي من كان داخل الحرم سواء كان بمكة أو لا، وسواء كان من أهلها أو لا‏.‏ ا هـ‏.‏ فيشمل الآفاقي المفرد بالعمرة والمتمتع والحلال من أهل الحل إذا دخل الحرم لحاجة كما في اللباب ‏(‏قوله ليتحقق نوع سفر‏)‏ لأن أداء الحج في عرفة، وهي في الحل فيكون إحرام المكي بالحج من الحرم ليتحقق له نوع سفر بتبدل المكان، وأداء العمرة في الحرم فيكون إحرامه بها من الحل ليتحقق له نوع من السفر شرح النقاية للقاري فلو عكس فأحرم للحج من الحل أو للعمرة من الحرم لزمه دم إلا إذا عاد ملبيا إلى الميقات المشروع له كما في اللباب وغيره ‏(‏قوله والتنعيم أفضله‏)‏ هو موضع قريب من مكة عند مسجد عائشة، وهو أقرب موضع من الحل ط أي الإحرام منه للعمرة أفضل من الإحرام لها من الجعرانة، وغيرها من الحل عندنا وإن كان صلى الله عليه وسلم أحرم منها لأمره عليه الصلاة والسلام عبد الرحمن بأن يذهب بأخته عائشة إلى التنعيم لتحرم منه والدليل القولي مقدم عندنا على الفعلي وعند الشافعي بالعكس ‏(‏قوله ونظم حدود الحرم ابن الملقن‏)‏ هو من علماء الشافعية‏.‏ ونقل عن شرح المهذب للنووي أن ناظم الأبيات المذكورة القاضي أبو الفضل النويري أن على الحرم علامات منصوبة في جميع جوانبه نصبها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وكان جبريل يريه مواضعها ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتجديدها، ثم عمر ثم عثمان ثم معاوية وهي إلى الآن ثابتة في جميع جوانبه إلا من جهة جدة وجهة الجعرانة فإنها ليس فيها أنصاب ا هـ‏.‏ ملخصا ‏(‏قوله وسبعة أميال إلخ‏)‏ لو قال ومن يمن سبع عراق وطائف لاستوفى واستغنى عن البيت الثالث المذكور في البحر وهو‏:‏ ومن يمن سبع بتقديم سينها وقد كملت فاشكر لربك إحسانه أفاده ح عن الشرنبلالية ‏(‏قوله جعرانة‏)‏ بكسر العين وتشديد الراء والأفصح إسكان العين وتخفيف الراء وتمامه في ط‏.‏