فصل: تابع فصل في الإحرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


تابع فصل في الإحرام

مطلب في الرواح إلى عرفات

‏(‏قوله وعلم فيها المناسك‏)‏ أي التي يحتاج إليها يوم عرفة من كيفية الإحرام والخروج إلى منى والمبيت بها والرواح منها إلى عرفة والصلاة بها والوقوف فيها والإفاضة منها وغير ذلك، أو جميع ما يحتاج إليه الحاج إلى تمام حجه وإن كان بعدها خطب لأن التأكيد خير ‏(‏قوله فإذا صلى بمكة الفجر إلخ‏)‏ كذا في الهداية وقال الكمال ظاهر هذا الترتيب إعقاب صلاة الفجر بالخروج إلى منى وهو خلاف السنة واستحسن في المحيط كونه بعد الزوال، وليس بشيء وقال المرغيناني بعد طلوع الشمس وهو الصحيح ‏(‏قوله يوم التروية‏)‏ سمي به لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه استعدادا للوقوف يوم عرفة إذ لم يكن في عرفات ماء جار كزماننا شرح اللباب‏.‏ ‏[‏فائدة‏]‏ في مناسك النووي يوم التروية‏:‏ هو الثامن واليوم التاسع عرفة والعاشر النحر، والحادي عشر القر بفتح القاف وتشديد الراء لأنهم يقرون فيه بمنى، والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر النفر الثاني ‏(‏قوله ومكث بها إلى فجر عرفة‏)‏ أفاد طلب المبيت بها فإنه سنة كما في المحيط، وفي المبسوط‏:‏ يستحب أن يصلي الظهر يوم التروية بمنى ويقيم بها إلى صبيحة عرفة ا هـ‏.‏ ويصلي الفجر بها لوقتها المختار، وهو زمان الإسفار، وفي الخانية بغلس، فكأنه قاسه على فجر مزدلفة والأكثر على الأول فهو الأفضل شرح اللباب‏.‏ وفي مناسك النووي‏:‏ وأما ما يفعله الناس في هذه الأزمان من دخولهم أرض عرفات في اليوم الثامن فخطأ مخالف للسنة، ويفوتهم بسببه سنن كثيرة منها الصلوات بمنى والمبيت بها، والتوجه منها إلى نمرة والنزول بها والخطبة والصلاة قبل دخول عرفات وغير ذلك ا هـ‏.‏ وقوله‏:‏ والتوجه منها إلى نمرة والنزول بها فيه عندنا كلام يأتي قريبا ‏(‏قوله ثم بعد طلوع الشمس‏)‏ لما كانت عبارة المصنف موهمة كعبارة الكنز خلاف المراد قيدها بذلك تبعا للفتح وغيره من شروح الهداية، قال في غاية البيان صرح به في شرح الطحاوي وشرح الكرخي والإيضاح وغيرها قال في الإيضاح وإذا طلعت الشمس يوم عرفة خرج إلى عرفات لأنه عليه الصلاة والسلام فعل كذلك ثم قال وإن دفع قبله جاز والأول أولى ا هـ‏.‏ ومثله في السراج فافهم ‏(‏قوله راح إلى عرفات‏)‏ قال في المعراج وينزل بعرفات في أي موضع شاء إلا الطريق وقرب جبل الرحمة أفضل وقال الأئمة الثلاثة في نمرة أفضل لنزوله عليه الصلاة والسلام فيه قلنا نمرة من عرفة ونزوله عليه الصلاة والسلام فيه لم يكن عن قصد ا هـ‏.‏ وهذا مخالف لما في الفتح من أن السنة أن ينزل الإمام بنمرة ولما نقلوه عن الإمام رشيد الدين من أنه ينبغي أن لا يدخل عرفة حتى ينزل بنمرة قريبا من المسجد إلى زوال الشمس، ووفق في شرح اللباب بأن هذا بالنسبة إلى الإمام لا غيره أو بأن النزول أولا بنمرة ثم بقرب جبل الرحمة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله على طريق ضب‏)‏ بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة، وهو اسم للجبل الذي يلي مسجد الخيف شرح اللباب ‏(‏قوله كلها موقف‏)‏ بكسر القاف أي موضع وقوف نهر ‏(‏قوله إلا بطن عرنة‏)‏ فلا يصح الوقوف بها على المشهور كما سيأتي ‏(‏قوله بفتح الراء‏)‏ أي مع ضم العين كهمزة قاموس ‏(‏قوله فبعد الزوال خطب إلخ‏)‏ أي فإذا وصل إلى عرفة ومكث بها داعيا مصليا ذاكرا ملبيا، فإذا زالت الشمس اغتسل أو توضأ والغسل أفضل، ثم سار إلى المسجد أي مسجد نمرة بلا تأخير، فإذا بلغه صعد الإمام الأعظم أو نائبه المنبر، ويجلس عليه ويؤذن المؤذن بين يديه، فإذا فرغ قام الإمام فخطب خطبتين، فيحمد الله تعالى، ويثني عليه، ويلبي، ويهلل ويكبر، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويعظ الناس، ويأمرهم وينهاهم ويعلمهم المناسك كالوقوف بعرفة والمزدلفة والجمع بهما والرمي والذبح والحلق والطواف، وسائر المناسك التي إلى الخطبة الثالثة، ثم يدعو الله تعالى، وينزل لباب، فإن ترك الخطبة أو خطب قبل الزوال أجزأه وقد أساء جوهرة وقول الزيلعي جاز أي صح مع الكراهة شرنبلالية‏.‏ ‏(‏قوله وبعد الخطبة صلى بهم‏)‏ ظاهره عدم تأخير الصلاة، وهو صريح قول البدائع، فإذا زالت الشمس صعد الإمام المنبر، فإذا فرغ من الخطبة أقام المؤذنون ويصلي الإمام إلخ ونحوه في اللباب وفي البحر عن المعراج‏:‏ أنه يؤخر هذا الجمع آخر وقت الظهر ونحوه في شرح قاضي خان على الجامع الصغير قال في شرح اللباب‏:‏ وفيه أنه يلزم منه تأخير الوقوف، وينافي حديث جابر رضي الله تعالى عنه حتى إذا زاغت الشمس، فإن ظاهره أن الخطبة كانت في أول الزوال فلا تقع الصلاة في آخره ‏(‏قوله بأذان‏)‏ أي واحد لأنه للإعلام بدخول الوقت، وهو واحد وقوله‏:‏ وإقامتين أي يقيم للظهر ثم يصليها ثم يقيم للعصر لأن الإقامة لبيان الشروع في الصلاة ‏(‏قوله وقراءة سرية‏)‏ لأنهما صلاتا نهار كسائر الأيام سراج ‏(‏قوله ولم يصل بينهما شيئا‏)‏ أي ولا السنة الراتبة قال في اللباب‏:‏ وإن أخر الإمام صلاة العصر لا يكره للمأموم التطوع بينهما إلى أن يدخل الإمام في العصر ‏(‏قوله على المذهب‏)‏ وهو ظاهر الرواية شرنبلالية، وهو الصحيح فلو فعل كره وأعاد الأذان للعصر لانقطاع فوره فصار كالاشتغال بينهما بفعل آخر بحر‏:‏ أي كأكل وشرب فإنه يعيد الأذان سراج وما في الذخيرة والمحيط والكافي من استثناء سنة الظهر فخلاف الحديث وإطلاق المشايخ فتح‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

أخذ من العلامة السيد محمد صادق بن أحمد بادشاه أنه يترك تكبير التشريق هنا، وفي المزدلفة بين المغرب والعشاء لمراعاة الفورية الواردة في الحديث، كما نقله عنه الكازروني في فتاواه‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر فإن الوارد في الحديث‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا» ففيه التصريح بترك الصلاة بينهما ولا يلزم منه ترك التكبير ولا يقاس على الصلاة لوجوبه دونها ولأن مدته يسيرة حتى لم يعد فاصلا بين الفريضة والراتبة‏.‏ والحاصل‏:‏ أن التكبير بعد ثبوت وجوبه عندنا لا يسقط هنا إلا بدليل وما ذكر لا يصلح للدلالة كما علمته هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏قوله ولا بعد أداء العصر في وقت الظهر‏)‏ سقطت هذه الجملة من بعض النسخ وعزاها في الشرنبلالية إلى شرح الوهبانية لابن الشحنة‏.‏

مطلب في شروط الجمع بين الصلاتين بعرفة

‏(‏قوله وشرط لصحة هذا الجمع إلخ‏)‏ اختلف في هذا الجمع هل هو سنة أو مستحب وما قيل إن تقديم العصر عند الإمام واجب لصيانة الجماعة ينبغي حمله على معنى ثبت شرح اللباب‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

اقتصر من الشروط على الإمام والإحرام وزاد في اللباب تقديم الظهر على العصر، حتى لو تبين للإمام وقوع الظهر قبل الزوال أو بغير وضوء والعصر بعده أو بوضوء أعادهما جميعا، والزمان وهو يوم عرفة والمكان وهو عرفة وما قرب منها والجماعة فالشروط ستة‏.‏ قلت‏:‏ لكن الأخير داخل في الأول فإن معنى اشتراط الإمام اشتراط صلاته بهم لا وجوده فيهم على أنه في البحر قال إن الجماعة غير شرط، حتى لو لحق الناس فزع فصلى الإمام وحده الصلاتين جاز بالإجماع على الصحيح كذا في الوجيز، ثم نقل عن البدائع أن الجماعة شرط الجمع عند أبي حنيفة، لكن في حق غير الإمام لا في حق الإمام ثم قال فما في النقاية والجوهرة والمجمع من اشتراط الجماعة ضعيف، واعترضه في النهر بأنه نقله غير واحد وصححه الإسبيجابي، وبأن الجواز في مسألة الفزع للضرورة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ما مر عن البدائع يصلح توفيقا بين الكلامين والتصحيحين فتدبر‏.‏ ثم يكفي إدراك جزء من الصلاتين مع الإمام، حتى لو أدرك بعض الظهر ثم قام يقضي ما فاته ثم أدرك جزءا من العصر معه يكفي كما أفاده في البحر واللباب ‏(‏قوله الإمام الأعظم‏)‏ أي الخليفة بحر، وقوله‏:‏ أو نائبه أي ولو بعد موت الإمام فإنه يجمع نائبه أو صاحب شرطه لأن النواب لا ينعزلون بموت الخليفة بحر، وأطلق الإمام فشمل المقيم والمسافر لكن لو كان مقيما كإمام مكة صلى بهم صلاة المقيمين، ولا يجوز له القصر ولا للحجاج الاقتداء به قال الإمام الحلواني‏:‏ كان الإمام النسفي يقول العجب من أهل الموقف يتابعون إمام مكة في القصر فأنى يستجاب لهم أو يرجى لهم الخير وصلاتهم غير جائزة‏.‏ قال شمس الأئمة‏:‏ كنت مع أهل الموقف فاعتزلت، وصليت كل صلاة في وقتها وأوصيت بذلك أصحابي، وقد سمعنا أنه يتكلف ويخرج مسيرة سفر ثم يأتي عرفات، فلو كان هكذا فالقصر جائز وإلا فيجب الاحتياط ا هـ‏.‏ ملخصا من التتارخانية عن المحيط ‏(‏قوله وإلا صلوا وحدانا‏)‏ يوهم جواز صلاة العصر في وقت الظهر، وعدم جواز الجماعة لو صليت العصر في وقتها وليس بمراد، فالأصوب قول الزيلعي صلوا كل واحدة منهما في وقتها أفاده ح‏.‏ ويمكن الجواب بأن وحدانا حال من المفعول صلوا لا من فاعله أي صلوا صلاتين وحدانا أي غير مجموعات بل كل واحدة في وقتها غايته أن فيه إطلاق الجمع على ما فوق الواحد فافهم ‏(‏قوله والإحرام بالحج فيهما‏)‏ احترز به عما لو أحرم بالعمرة فلا يجوز الجمع، ولو أحرم بالحج قبل صلاة العصر كما لو لم يكن محرما، وأشار إلى أن الشرط حصوله عند أداء الصلاتين، ولو أحرم بعد الزوال في الأصح وفي رواية لا بد من وجوده قبل الزوال كما في النهر، وقوله‏:‏ فيهما متعلق بقوله الإمام وقوله الإحرام، ولذا فرع عليه المصنف بقوله فلا تجوز وقوله ولا لمن صلى إلخ على طريق اللف والنشر المرتب ‏(‏قوله لم يصل العصر مع الإمام‏)‏ أي بل يصليها في وقتها ومثله ما لو صلى الظهر فقط مع الإمام لا يصلي العصر إلا في وقتها ح ‏(‏قوله قبل إحرام الحج‏)‏ بأن لم يحرم أصلا أو أحرم بالعمرة فقط كما مر ‏(‏قوله ثم أحرم‏)‏ أي بالحج قبل أداء العصر ح ‏(‏قوله إلا في وقته‏)‏ أي العصر ط ‏(‏قوله إلا الإحرام‏)‏ فهو شرط متفق عليه عندنا والحصر بالإضافة إلى المذكور هنا أي فلا يشترط عندهما الاقتداء بالإمام أو نائبه وإلا فاشتراط الزمان والمكان وتقديم الظهر على العصر متفق عليه عندنا كما أفاده في شرح اللباب ‏(‏قوله وهو الأظهر‏)‏ لعله من جهة الدليل، وإلا فالمتون على قول الإمام وصححه في البدائع وغيرها، ونقل تصحيحه العلامة قاسم عن الإسبيجابي وقال واعتمده برهان الشريعة والنسفي‏.‏ ‏(‏قوله ثم ذهب‏)‏ أي الإمام مع القوم من مسجد نمرة إلى الموقف أي مكان الوقوف بعرفة ‏(‏قوله بغسل‏)‏ متعلق بقوله‏:‏ صلى، وقوله ذهب قال القهستاني‏:‏ أي جمع بين الصلاتين وذهب إليه حال كونه مغتسلا في وقت الجمع والذهاب، فيكون حالا من فاعل جمع وذهب والأول في خزانة المفتين والثاني في الكافي‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله سن بالبناء للمجهول صفة غسل‏.‏

‏(‏قوله ووقف الإمام على ناقته‏)‏ في الخانية والأفضل للإمام أن يقف راكبا ولغيره أن يقف عنده‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهره أن الركوب للإمام فقط، وهو مفهوم كلام المصنف كالهداية والبدائع وغيرها، ويؤيده قول السراج لأنه يدعو ويدعو الناس بدعائه، فإن كان على راحلته فهو أبلغ في مشاهدتهم له ا هـ‏.‏ لكن في القهستاني‏:‏ الأفضل أن يكون راكبا قريبا من الإمام ا هـ‏.‏ ومثله في متن الملتقى ونقل بعضهم عن السراج عن منسك ابن العجمي يكره الوقوف على ظهر الدابة إلا في حال الوقوف بعرفة بل هو الأفضل للإمام وغيره ا هـ‏.‏ ولم أره في السراج ‏(‏قوله بقرب جبل الرحمة‏)‏ أي الذي في وسط عرفات ويقال له إلال كهلال، وأما صعوده كما يفعله العوام فلم يذكر أحد ممن يعتد به فيه فضيلة بل حكمه حكم سائر أراضي عرفات وادعى الطبري والماوردي أنه مستحب ورده النووي بأنه لا أصل له لأنه لم يرد فيه خبر صحيح ولا ضعيف نهر ‏(‏قوله عند الصخرات الكبار‏)‏ أي الحجرات السود المفروشة فإنها مظنة موقفه صلى الله عليه وسلم شرح اللباب‏.‏ وفي شرح الشيخ إسماعيل عن منسك الفارسي قال قاضي القضاة بدر الدين‏:‏ وقد اجتهدت على تعيين موقفه صلى الله عليه وسلم ووافقني عليه بعض من يعتمد عليه من محدثي مكة وعلمائها حتى حصل الظن بتعيينه، وأنه الفجوة المستعلية المشرفة على الموقف التي عن يمينها وورائها صخرة متصلة بصخرات الجبل، وهذه الفجوة بين الجبل والبناء المربع عن يساره وهي إلى الجبل أقرب بقليل بحيث يكون قبالتك بيمين إذا استقبلت القبلة والبناء المربع عن يسارك بقليل وراءه‏.‏ ا هـ‏.‏ ونقله في اللباب أيضا باختصار قال القاضي محمد عيد والبناء المربع هو المعروف بمطبخ آدم ويعرف بحذائه صخرة مخروقة تتبع هي وما حولها من تلك الصخرات المفروشة وما وراءها من الصخار السود المتصلة بالجبل ‏(‏قوله والقيام والنية‏)‏ مبتدأ ومعطوف عليه، وقوله متعلق بكل من القيام والنية وقوله ليست بشرط خبر المبتدأ والأولى أن يقول ليسا بالتثنية وتغليب المذكر على المؤنث فكل من القيام، والنية مستحب كما في اللباب، وإنما كانت النية شرطا في الطواف دون الوقوف لأن النية عند الإحرام تضمنت جميع ما يفعل فيه، والوقوف يفعل فيه من كل وجه فاكتفي فيه بتلك النية والطواف يفعل فيه من وجه دون وجه لأنه يفعل بعد التحليل فاشترط فيه أصل النية دون تعيينها عملا بالشرطين شرح النقاية للقاري، لكن هذا الفرق لا يشمل طواف العمرة لأنه يفعل قبل التحلل وسيذكر آخر الباب فرق آخر ‏(‏قوله لأن الشرط الكينونة فيه‏)‏ أي في محل الوقوف المعلوم من المقام‏.‏ قال في شرح اللباب‏:‏ والظاهر أن هذا ركن لعدم تصور الوقوف بدونه نعم الوقت شرط ا هـ‏.‏ أي مع الإحرام‏.‏ قلت‏:‏ ولعله أراد بالشرط ما لا بد منه، فيشمل الركن تأمل والمراد بالكينونة الحصول فيه على أي وجه كان ولو نائما أو جاهلا بكونه عرفة أو غير صاح أو مكرها أو جنبا أو مارا مسرعا ‏(‏قوله مجتاز‏)‏ أي مار غير واقف قوله ودعا جهرا‏)‏ ولا يفرط في الجهر بصوته لباب‏:‏ أي بحيث يتعب نفسه لكن قيد شارحه الجهر بكونه في التلبية وقال وأما الأدعية والأذكار فبالخفية أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده قوله في السراج ويجتهد في الدعاء‏.‏ والسنة أن يخفي صوته لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ادعوا ربكم تضرعا وخفية‏}‏‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله بجهد‏)‏ متعلق بدعا أي باجتهاد وإلحاح في المسألة، وقد ورد‏:‏ «خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» رواه مالك والترمذي وأحمد وغيرهم شرح النقاية للقاري‏.‏

مطلب الثناء على الكريم دعاء

وقيل لابن عيينة هذا ثناء فلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء فقال‏:‏ الثناء على الكريم دعاء لأنه يعرف حاجته فتح‏.‏ قلت‏:‏ يشير بهذا إلى خبر ‏{‏من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» ومنه قول أمية بن أبي الصلت في مدح بعض الملوك‏:‏ أأذكر حاجتي أم قد كفاني ثناؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء‏.‏

مطلب في إجابة الدعاء

‏(‏قوله وهو‏)‏ أي هذا الموقف من مواضع الإجابة أي المواضع التي تكون الإجابة أرجى فيها من غيرها كما أفاده في النهر ‏(‏قوله وهي بمكة‏)‏ أي وما قرب لأن الموقفين ومنى والجمار ليست في مكة ‏(‏قوله وهي خمسة عشر موضعا إلخ‏)‏ كذا ذكرها في الفتح عن رسالة الحسن البصري‏.‏ قال ابن حجر المكي‏:‏ والحسن البصري تابعي جليل اجتمع بجمع من الصحابة فلا يقول ذلك إلا عن توقيف‏.‏ ا هـ‏.‏ ونقلها بعضهم عن النقاش المفسر في منسكه مقيدة بأوقات خاصة والحسن أطلقها، وذكر ذلك بعضهم نظما نقله ح عن الشرنبلالية فراجعهما ‏(‏قوله بكعبة‏)‏ أي فيها ‏(‏قوله الموقفين‏)‏ أي عرفة والمشعر الحرام في المزدلفة ‏(‏قوله طواف‏)‏ أي مكانه، والأولى أن يقول المطاف وهو ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم مسجدا وإلا فالمسجد الحرام مطاف بمعنى أنه يجوز فيه الطواف شرح اللباب ‏(‏قوله وسعي‏)‏ أي بين الصفا والمروة لا سيما فيما بين الميلين شرح اللباب ‏(‏قوله مروتين‏)‏ أي الصفا والمروة ففيه تغليب ولعله غلب المؤنث على المذكر بناء على أحد القولين للعلماء وهو أن المروة أفضل من الصفا ‏(‏قوله مقام‏)‏ أي خلفه كما في اللباب ‏(‏قوله جمارك‏)‏ أي الثلاث فبذلك بلغت خمسة عشر، لكن اعترض بأنه لا دعاء في جمرة العقبة بل في الأولى والوسطى ‏(‏قوله زاد في اللباب إلخ‏)‏ أي لباب المناسك للشيخ رحمه الله السندي تلميذ المحقق ابن الهمام اختصره من منسكه التكبير، واختصره أيضا بمنسك أصغر منه فافهم ‏(‏قوله وعند السدرة‏)‏ فيه أنه لم يذكرها في اللباب، بل ذكرها في الشرنبلالية وهي سدرة كانت بعرفة وهي الآن غير معروفة ذكره بعض المحشين عن تاريخ مكة للعلامة الطيبي، وكذا عزاه بعض مشايخ مشايخنا لابن ظهيرة الحنفي المكي في فضائل مكة ‏(‏قوله وفي الحجر‏)‏ فيه أن هذا هو تحت الميزاب كما في الشرنبلالية عن الفتح ‏(‏قوله ليلة البدر‏)‏ وهي ليلة الرابع عشر من ذي الحجة التي ينزلون فيها الآن ط‏.‏ قلت‏:‏ وقد ألحقت هذه الخمسة نظما بنظم صاحب النهر فقلت‏:‏ ورؤية بيت ثم حجر وسدرة وركن يمان مع منى ليلة القمر ‏(‏قوله وإذا غربت الشمس إلخ‏)‏ بيان للواجب، حتى لو دفع قبل الغروب فإن جاوز حدود عرفة لزمه دم إلا أن يعود قبله ويدفع بعده فيسقط خلافا لزفر بخلاف ما لو عاد بعده، ولو مكث بعدما أفاض الإمام كثيرا بلا عذر أساء، ولو أبطأ الإمام ولم يفض حتى ظهر الليل أفاضوا لأنه أخطأ السنة من البحر والنهر ‏(‏قوله أتى‏)‏ أي أفاض الإمام والناس وعليهم السكينة والوقار فإذا وجد فرجة أسرع المشي بلا إيذاء، وقيل لا يسن الإبضاع أي لا يسن في زماننا لكثرة الإيذاء لباب وشرحه ‏(‏قوله على طريق المأزمين‏)‏ أي لا على طريق ضب والمأزم بهمزة بعد الميم الأولى ويجوز تركها كما في رأس وزاي مكسورة، وأصله المضيق بين جبلين ومراد الفقهاء الطريق الذي بين الجبلين، وهما جبلان بين عرفات ومزدلفة إسماعيل‏.‏ وعزاه بعضهم إلى العز بن جماعة وأنه نقله عن المحب الطبري، ورد به قول النووي إن المراد به ما بين العلمين اللذين هما حد الحرم وقال إنه غريب، ويحمل العوام على الزحمة بين العلمين وليس لذلك أصل‏.‏

‏(‏قوله ماشيا‏)‏ أي إذا قرب منها يدخلها ماشيا تأدبا وتواضعا لأنها من الحرم المحترم شرح اللباب ‏(‏قوله وإلا وادي محسر‏)‏ بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة المشددة وبالراء والاستثناء منقطع لأنه ليس من منى كما أشار إليه الشارح ‏(‏قوله ليس من منى‏)‏ صوابه ليس من مزدلفة لأنها محل الوقوف‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله أو ببطن عرنة‏)‏ أي الذي قرب عرفات كما مر ‏(‏قوله لم يجز‏)‏ أي لم يصح الأول عن وقوف مزدلفة الواجب، ولا الثاني عن وقوف عرفات الركن ‏(‏قوله على المشهور‏)‏ أي خلافا لما في البدائع من جوازه فيهما فتح ‏(‏قوله والأصح أنه المشعر الحرام‏)‏ وقيل هو مزدلفة كلها ‏(‏قوله وعليه ميقدة‏)‏ قيل‏:‏ هي أسطوانة من حجارة مدورة تدويرها أربعة وعشرون ذراعا وطولها اثنا عشر، وفيها خمسة وعشرون درجة وهي على خشبة مرتفعة كان يوقد عليها في خلافة هارون الرشيد الشمع ليلة مزدلفة وكان قبله يوقد بالحطب وبعده بمصابيح كبار ‏(‏قوله وصلى العشاءين إلخ‏)‏ أي في أول وقت العشاء الأخير قهستاني‏.‏ وينبغي أن يصلي قبل حط رحاله بل ينيخ جماله ويعقلها، وأشار إلى أنه لا تطوع بينهما ولو سنة مؤكدة على الصحيح ولو تطوع أعاد الإقامة كما لو اشتغل بينهما بعمل آخر بحر قال في شرح اللباب‏:‏ ويصلي سنة المغرب والعشاء والوتر بعدها كما صرح به مولانا عبد الرحمن الجامي قدس الله سره السامي في منسكه ا هـ‏.‏ وأما قول الشارح قبيل باب الأذان‏:‏ يكره التنفل بعد صلاتي الجمعين ففيه كلام قدمناه هناك ‏(‏قوله لأن العشاء في وقتها إلخ‏)‏ علة للاقتصار هنا على إقامة واحدة بخلاف الجمع في عرفة فإنه بإقامتين لأن الصلاة الثانية هناك تؤدى في غير وقتها فتقع الحاجة إلى إقامة أخرى للإعلام بالشروع فيها أما الثانية هنا ففي وقتها فتستغني عن تجديد الإعلام كالوتر مع العشاء بدائع ‏(‏قوله كما لا احتياج هنا للإمام‏)‏ فلو صلاهما منفردا جاز خلافا لما في شرح النقاية للبرجندي فإنه خلاف المشهور في المذهب شرح اللباب‏.‏ وذكر في اللباب أن الجماعة سنة في هذا الجمع ثم قال وشرائط هذا الجمع‏:‏ الإحرام بالحج، وتقديم الوقوف عليه، والزمان والمكان، والوقت إلخ‏.‏ قال شارحه‏:‏ فلا يجوز لغير المحرم بالحج وأما ما ذكره المحبوبي من أن الإحرام غير شرط فيه فغير صحيح لتصريحهم بأن هذا الجمع جمع نسك ولا يكون نسكا إلا بالإحرام بالحج ا هـ‏.‏ وبه ظهر صحة ما بحثه في النهر بقوله‏:‏ وينبغي اشتراطه لكونه في المغرب مؤديا ا هـ‏.‏ وظهر أن ما في النهاية والهندية من عدم اشتراطه مبني على قول المحبوبي ‏(‏قوله ولو صلى المغرب والعشاء‏)‏ في بعض النسخ أو العشاء بأو وفي بعضها الاقتصار على المغرب موافقا لما في الكنز وغيره وهو أولى لأن المراد التنبيه على وجوب تأخير المغرب عن وقتها المعتاد، ويفهم منه بالأولى وجوب تأخير العشاء إلى المزدلفة، نعم عبارة اللباب ولو صلى الصلاتين أو إحداهما ‏(‏قوله أعاده‏)‏ أي أعاد ما صلى قال العلامة الشهاوي في منسكه هذا فيما إذا ذهب إلى المزدلفة من طريقها، أما إذا ذهب إلى مكة من غير طريق المزدلفة جاز له أن يصلي المغرب في الطريق بلا توقف في ذلك ولم أجد أحدا صرح بذلك سوى صاحب النهاية والعناية ذكراه في باب قضاء الفوائت، وكلام شارح الكنز أيضا يدل على ذلك وهي فائدة جليلة‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وكذا صرح به في البناية في الباب المذكور أيضا ا هـ‏.‏ ذكره بعض المحشين عن خط بعض العلماء‏.‏ قلت‏:‏ ويؤخذ هذا من اشتراط المكان لصحة هذا الجمع كما مر ويأتي فإنه يفيد أنه لو لم يمر على المزدلفة لزم صلاة المغرب في الطريق في وقتها لعدم الشرط وكذا لو بات في عرفات فتنبه ‏(‏قوله الصلاة أمامك‏)‏ الجملة في محل جر بدل من الحديث، وخاطب به صلى الله عليه وسلم أسامة «لما نزل عليه الصلاة والسلام بالشعب فبال وتوضأ فقال أسامة الصلاة يا رسول الله»، ومعنى الحديث وقتها الجائز أو مكانها ط ‏(‏قوله ليلة النحر‏)‏ سماها بذلك جريا على الحقيقة اللغوية والشرعية، وأما ما مر في آخر الاعتكاف من تبعيتها لليوم الذي قبلها فذاك بالنظر إلى الحكم كما حققناه هناك فافهم ‏(‏قوله والمكان مزدلفة‏)‏ يرد عليه ما في البحر عن المحيط لو صلاهما بعد ما جاوز المزدلفة جاز‏.‏ ا هـ‏.‏ وعزاه في شرح اللباب إلى المنتقى لكن قال بعده وهو خلاف ما عليه الجمهور ‏(‏قوله والوقت‏)‏ الفرق بينه وبين الزمان هنا أن الثاني أعم‏.‏ ‏(‏قوله فتصلح لغزا من وجوه‏)‏ أي تصلح هذه المسألة فيقال أي فرض لا تطلب له الإقامة‏؟‏ فالجواب عشاء المزدلفة إذا لم يفصل بينها وبين المغرب بفاصل، ويقال أي الصلاة تصلى في غير وقتها وهي أداء‏؟‏ وأي صلاة إذا صليت في وقتها وجبت إعادتها‏؟‏ فالجواب مغرب المزدلفة وأي صلاة يجب أن تفعل في مكان مخصوص‏؟‏ فالجواب المغرب والعشاء في المزدلفة فتأمل‏.‏ واستخرج غيرها ح زاد ط وأي عشاء أديت قبل المغرب من صاحب ترتيب وصحت‏؟‏ فالجواب‏:‏ عشاء المزدلفة، وزاد الرحمتي وأي صلاة يختلف وقتها في زمان دون زمان وهي مغرب المزدلفة وقتها ليلة العيد غير وقتها في بقية الأيام، وأي صلاة يختلف وقتها في حالة دون حالة‏؟‏ هي هذه يختلف وقتها في حالة الإحرام بالحج، وأي صلاة فاسدة إذا خرج وقت التي بعدها انقلبت صحيحة‏؟‏ وأي صلاة يكره الإتيان بسنتها‏؟‏ هي هذه ‏(‏قوله فيعود إلى الجواز‏)‏ أي المغرب أو ما صلاه من مغرب وعشاء في الوقت قبل المزدلفة، ومفهومه أنه قبل طلوع الفجر لم يجزه وهذا قولهما‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ يجزيه وقد أساء هداية أي لأن المغرب التي صلاها في الطريق إن وقعت صحيحة فلا تجب إعادتها لا في الوقت ولا بعده، وإن لم تقع صحيحة وجبت فيه وبعده أي إن لم يؤدها فيه وجب قضاؤها بعده لأن ما وقع فاسدا لا ينقلب صحيحا بمضي الوقت‏.‏ وأجيب بأن الفساد موقوف يظهر أثره في ثاني الحال كما مر في مسألة الترتيب كذا في العناية‏.‏ قلت‏:‏ هذا صريح في أن المراد بعدم الجواز عدم الصحة لا عدم الحل خلافا لما فهمه في البحر وتمام الكلام فيما علقناه عليه ‏(‏قوله وهذا‏)‏ أي عدم جواز ما صلاه في طريق المزدلفة المفهوم من قوله أعاده ما لم يطلع الفجر فافهم ‏(‏قوله صلاهما‏)‏ لأنه لو لم يصلهما صارتا قضاء

‏(‏قوله عاد العشاء إلى الجواز‏)‏ قال في الظهيرية وهذه مسألة لا بد من معرفتها، وهذا كما قال أبو حنيفة فيمن ترك صلاة الظهر ثم صلى بعدها خمسا وهو ذاكر للمتروكة لم يجز، فإن صلى السادسة عاد إلى الجواز ا هـ‏.‏ واستشكل حكم المسألة الخير الرملي بأن فيه تفويت الترتيب، وهو فرض يفوت الجواز بفوته كترتيب الوتر على العشاء قال إلا أن يحمل على ساقط الترتيب، أو على عودها إلى الجواز إذا صلى خمسا بعدها ا هـ‏.‏ وهو تأويل بعيد بل الظاهر سقوط الترتيب هنا بقرينة التنظير بقوله في الظهيرية‏:‏ وهذا كما قال أبو حنيفة إلخ وعن هذا قال السيد محمد أبو السعود لا فرق في هذا بين أن يكون صاحب ترتيب أو لا فتزاد هذه على مسقطات وجوب الترتيب‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وينوي المغرب أداء‏)‏ كذا في النهر عن السراج‏.‏ وفيه رد على قول البحر إنها قضاء مع أنه صرح بعده بأن وقتها وقت العشاء ‏(‏قوله ويترك سنتها‏)‏ الموافق لما قدمناه عن الجامي أنه يقول ويؤخر سنتها ‏(‏قوله ويحييها‏)‏ يعني ليلة العيد بأن يشتغل فيها أو في معظمها بالعبادة من صلاة أو قراءة أو ذكر أو دراسة علم شرعي ونحو ذلك وقوله فإنها أفضل إلخ قال ح أي في حد ذاتها لا في حق من كان بمزدلفة ‏(‏قوله كما أفتى به صاحب النهر وغيره‏)‏ عبارة النهر وقد وقع السؤال في شرفها على ليلة الجمعة وكنت ممن مال إلى ذلك ثم رأيت في الجوهرة أنها أفضل ليالي السنة ا هـ‏.‏ وكلامه كما ترى في تفضيلها على ليلة الجمعة لا على ليلة القدر، نعم ما في الجوهرة شامل لليلة القدر لكن هذا القدر لا يسوغ أن يقال أفتى به صاحب النهر‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏

مطلب في المفاضلة بين ليلة العيد وليلة الجمعة وعشر ذي الحجة وعشر رمضان

‏(‏قوله وجزم إلخ‏)‏ تأييد لما قبله من حيث إن الأكثر على ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان، فإذا كان عشر ذي الحجة أفضل منه لزم تفضيله على ليلة القدر، وليلة العيد أفضل ليالي العشر فتكون أفضل من ليلة القدر قال ط وذكر المناوي في شرحه الصغير في حديث‏:‏ «أفضل أيام الدنيا أيام العشر» ما نصه لاجتماع أمهات العبادات فيه وهي الأيام التي أقسم الله تعالى بها بقوله‏:‏ ‏{‏والفجر وليال عشر‏}‏ فهي أفضل من أيام العشر الأخير من رمضان على ما اقتضاه هذا الخبر، وأخذ به البعض، لكن الجمهور على خلافه‏.‏ وقال في شرحه الكبير وثمرة الخلاف تظهر فيما لو علق نحو طلاق أو نذر بأفضل الأعشار أو الأيام‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ والصواب أن ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي ذي الحجة لأنه إنما فضل ليومي النحر وعرفة، وعشر رمضان إنما فضل بليلة القدر ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ونقل الرحمتي عن بعضهم ما يفيد التوفيق، وهو أن أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان وليالي الثاني أفضل من ليالي الأول لأن أفضل ما في الثاني ليلة القدر وبها ازداد شرفه، وازدياد شرف الأول بيوم عرفة‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا ما مر عن ابن القيم كالصريح في أفضلية ليلة القدر على ليلة النحر، ويلزم منه تفضيلها على ليلة الجمعة لما مر عن النهر من تفضيل ليلة النحر على ليلة الجمعة، ولا يرد على هذا حديث مسلم‏:‏ «خير يوم طلعت فيه شمس يوم الجمعة» لأن الكلام في ليلتها لا في يومها، وقد ذكر الشارح في آخر باب الجمعة عن التتارخانية أن يومها أفضل من ليلتها أي لأن فضيلة ليلتها لصلاة الجمعة وهي في اليوم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في المعراج‏:‏ وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ «أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة» ذكره في تجريد الصحاح بعلامة الموطإ‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي الكلام عليه آخر الحج‏.‏ ونقل ط عن بعض الشافعية‏:‏ أن أفضل الليالي ليلة مولده صلى الله عليه وسلم ثم ليلة القدر، ثم ليلة الإسراء والمعراج، ثم ليلة عرفة، ثم ليلة الجمعة، ثم ليلة النصف من شعبان، ثم ليلة العيد

‏(‏قوله وصلى الفجر بغلس‏)‏ أي ظلمة في أول وقتها، ولا يسن ذلك عندنا إلا هنا وكذا يوم عرفة في منى على ما مر عن الخانية وقدمنا أن الأكثر على خلافه ‏(‏قوله لأجل الوقوف‏)‏ أي لأجل امتداده‏.‏مطلب في الوقوف بمزدلفة

‏(‏قوله ثم وقف‏)‏ هذا الوقوف واجب عندنا لا سنة، والبيتوتة بمزدلفة سنة مؤكدة إلى الفجر لا واجبة خلافا للشافعي فيهما كما في اللباب وشرحه ‏(‏قوله ووقته إلخ‏)‏ أي وقت جوازه‏.‏ قال في اللباب‏:‏ وأول وقته طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، وآخره طلوع الشمس منه، فمن وقف بها قبل طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لا يعتد به، وقدر الواجب منه ساعة ولو لطيفة وقدر السنة امتداد الوقوف إلى الإسفار جدا، وأما ركنه فكينونته بمزدلفة سواء كان بفعل نفسه أو فعل غيره بأن يكون محمولا بأمره أو بغير أمره، وهو نائم أو مغمى عليه أو مجنون أو سكران نواه أو لم ينو علم بها أو لم يعلم لباب ‏(‏قوله كزحمة‏)‏ عبارة اللباب إلا إذا كان لعلة أو ضعف، أو يكون امرأة تخاف الزحام فلا شيء عليه ا هـ‏.‏ لكن قال في البحر ولم يقيد في المحيط خوف الزحام بالمرأة بل أطلقه فشمل الرجل‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهو شامل لخوف الزحمة عند الرمي، فمقتضاه أنه لو دفع ليلا ليرمي قبل دفع الناس وزحمتهم لا شيء عليه، لكن لا شك أن الزحمة عند الرمي وفي الطريق قبل الوصول إليه أمر محقق في زماننا، فيلزم منه سقوط واجب الوقوف بمزدلفة، فالأولى تقييد خوف الزحمة بالمرأة، ويحمل إطلاق المحيط عليه لكون ذلك عذرا ظاهرا في حقها يسقط به الواجب بخلاف الرجل، أو يحمل على ما إذا خاف الزحمة لنحو مرض، ولذا قال في السراج إلا إذا كانت به علة أو مرض أو ضعف فخاف الزحام فدفع ليلا فلا شيء عليه ا هـ‏.‏ لكن قد يقال‏:‏ إن غيره من مناسك الحج لا يخلو من الزحمة، وقد صرحوا بأنه لو أفاض من عرفات لخوف الزحام وجاوز حدودها قبل الغروب لزمه دم ما لم يعد قبله، وكذا لو ند بعيره فتبعه كما صرح به في الفتح، على أنه يمكنه الاحتراز عن الزحمة بالوقوف بعد الفجر لحظة فيحصل الواجب ويدفع قبل دفع الناس، وفيه ترك مد الوقوف المسنون لخوف الزحمة، وهو أسهل من ترك الواجب الذي قيل بأنه ركن‏.‏ وقد يجاب بأن خوف الزحام لنحو عجز ومرض إنما جعلوه عذرا هنا لحديث‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله بليل» ولم يجعل عذرا في عرفات لما فيه من إظهار مخالفة المشركين فإنهم كانوا يدفعون قبل الغروب فليتأمل‏.‏ ‏(‏قوله لا شيء عليه‏)‏ وكذا كل واجب إذا تركه بعذر لا شيء عليه كما في البحر‏:‏ أي بخلاف فعل المحظور لعذر كلبس المخيط ونحوه، فإن العذر لا يسقط الدم كما سيأتي في الجنايات، وبه سقط ما أورده في الشرنبلالية بقوله لكن يرد عليه ما نص الشارع بقوله‏:‏ ‏{‏فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية‏}‏ ا هـ‏.‏ نعم يرد ما قدمناه آنفا عن الفتح من أنه لو جاوز عرفات قبل الغروب لند بعيره أو لخوف الزحمة لزمه دم، وقد يجاب بما سيأتي عن شرح اللباب في الجنايات عند قول اللباب، ولو فاته الوقوف بمزدلفة بإحصار فعليه دم من أن هذا عذر من جانب المخلوق فلا يؤثر‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن يرد عليه جعلهم خوف الزحمة هنا عذرا في ترك الوقوف بمزدلفة وعلمت جوابه فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله ودعا‏)‏ رافعا يديه إلى السماء ط عن الهندية ‏(‏قوله وإذا أسفر جدا‏)‏ فاعل أسفر اليوم أو الصبح، وفاعله مما لا يذكر ذكره قرا حصاري قال الحموي‏:‏ ولم أقف على أنه مما لا يذكر في شيء من كتب النحو واللغة، وفسر الإمام الإسفار بحيث لا يبقى إلى طلوع الشمس إلا مقدار ما يصلي ركعتين، وإن دفع بعد طلوع الشمس أو قبل أن يصلي الناس الفجر فقد أساء ولا شيء عليه هندية ط وما وقع في نسخ القدوري وإذا طلعت الشمس أفاض الإمام قال في الهداية إنه غلط لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع قبل طلوع الشمس وتمامه في الشرنبلالية ‏(‏قوله فإذا بلغ بطن محسر‏)‏ أي أول واديه شرح اللباب‏.‏ وفي البحر‏:‏ وادي محسر موضع فاضل بين منى ومزدلفة ليس من واحدة منهما قال الأزرقي وهو خمسمائة ذراع وخمس وأربعون ذراعا‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لأنه موقف النصارى‏)‏ هم أصحاب الفيل ح عن الشرنبلالية‏.‏

مطلب في رمي جمرة العقبة

‏(‏قوله ورمى جمرة العقبة‏)‏ هي ثالث الجمرات على حد منى من جهة مكة وليست من منى، ويقال لها الجمرة الكبرى والجمرة الأخيرة قهستاني، ولا يرمي يومئذ غيرها ولا يقوم عندها حتى يأتي منزله ولوالجية ‏(‏قوله ويكره تنزيها من فوق‏)‏ أي فيجزيه لأن ما حولها موضع النسك كذا في الهداية إلا أنه خلاف السنة، ففعله عليه الصلاة والسلام من أسفلها سنة لا لأنه المتعين، ولذا ثبت رمي خلق كثير في زمن الصحابة من أعلاها، ولم يأمروهم بالإعادة وكأن وجه اختياره عليه الصلاة والسلام لذلك هو وجه اختيار حصى الحذف، فإنه يتوقع الأذى إذا رموها من أعلاها لمن أسفلها، فإنه لا يخلو من مرور الناس فيصيبهم، بخلاف الرمي من أسفل مع المارين من فوقها إن كان كذا في الفتح، ومقتضاه أن المراد الرمي من فوق إلى أسفل لا في موضع وقوف الرامي فوق، ومقتضى تعليل الهداية بأن ما حولها موضع نسك أن المراد الثاني إلا أن يؤول كما أفاده بعض الفضلاء بأن المراد موضع وقوف الناسك لا موضع وقوع الحصى ‏(‏قوله سبعا‏)‏ أي سبع رميات بسبع حصيات، فلو رماها دفعة واحدة كان عن واحدة نهر ‏(‏قوله خذفا‏)‏ نصب عن المصدر شرنبلالية فهو مفعول مطلق لبيان النوع لأن الحذف نوع من الرمي وهو رمي الحصاة بالأصابع كما أشار إليه الشارح ‏(‏قوله بمعجمتين‏)‏ يقال الحذف بالعصا والخذف بالحصى فالأول بالحاء المهملة والثاني بالمعجمة شرح النقاية للقاري‏.‏ ‏(‏قوله أي برءوس الأصابع‏)‏ قيل كيفية الرمي أن يضع طرف إبهامه اليمنى على وسط السبابة، ويضع الحصاة على ظاهر الإبهام كأنه عاقد سبعين فيرميها، وقيل أن يحلق سبابته ويضعها على مفصل إبهامه كأنه عاقد عشرة وقيل يأخذها بطرفي إبهامه وسبابته، وهذا هو الأصح لأنه الأيسر المعتاد فتح، وكذا صححه في النهاية والولوالجية وهو مراد الشارح فافهم، و الخلاف في الأولوية والمختار أنها مقدار الباقلاء لباب أي قدر الفولة وقيل قدر الحمصة أو النواة أو الأنملة قال في النهر وهذا بيان المندوب‏.‏ وأما الجواز فيكون ولو بالأكبر مع الكراهة ‏(‏قوله ويكون بينهما‏)‏ أي بين الرمي والجمرة ويجعل منى عن يمينه والكعبة عن يساره لباب ‏(‏قوله خمسة أذرع‏)‏ أي أو أكثر ويكره الأقل لباب لأن ما دونه وضع فلا يجوز، أو طرح‏.‏ فيجوز لكنه مسيء لمخالفته السنة قهستاني‏.‏ ‏(‏قوله وإلا‏)‏ أي وإن لم تقع من على ظهره بنفسها، بل بتحرك الرجل أو الجمل أو وقعت بنفسها لكن بعيدا من الجمرة ح ‏(‏قوله لا‏)‏ قال في الهداية لأنه لم يعرف قربة إلا في مكان مخصوص ا هـ‏.‏ وفي اللباب ولو وقعت على الشاخص أي أطراف الميل الذي هو علامة للجمرة أجزأه ولو على قبة الشاخص ولم تنزل عنه أنه لا يجزيه للبعد، وإن لم يدر أنها وقعت في المرمى بنفسها أو بنقض من وقعت عليه وتحريكه ففيه اختلاف والاحتياط أن يعيده وكذا لو رمى وشك في وقوعها موقعها فالاحتياط أن يعيد ‏(‏قوله وثلاثة أذرع إلخ‏)‏ أي بين الحصاة والجمرة، وهذا بيان لما أجمله بقوله بقرب الجمرة لكن قدر القرب في الفتح بذراع ونحوه قال‏:‏ ومنهم من لم يقدره اعتمادا على اعتبار القرب عرفا وضده البعد‏.‏ ‏(‏قوله وكبر بكل حصاة‏)‏ ظاهر الرواية الاقتصار على الله أكبر غير أنه روي عن الحسن بن زياد أنه يقول‏:‏ الله أكبر رغما للشيطان وحزبه، وقيل يقول أيضا‏:‏ اللهم اجعل حجي مبرورا، وسعيي مشكورا، وذنبي مغفورا فتح ‏(‏قوله وقطع التلبية بأولها‏)‏ أي في الحج الصحيح والفاسد مفردا أو متمتعا أو قارنا، وقيل لا يقطعها إلا بعد الزوال، ولو حلق قبل الرمي أو طاف قبل الرمي والحلق والذبح قطعها، وإن لم يرم حتى زالت الشمس لم يقطعها حتى يرمي إلا أن تغيب الشمس، ولو ذبح قبل الرمي فإن كان قارنا أو متمتعا قطع ولو مفردا لا لباب، وقيد بالمحرم بالحج لأن المعتمر يقطع التلبية إذا استلم الحجر لأن الطواف ركن العمرة فيقطع التلبية قبل الشروع فيها، وكذا فائت الحج لأنه يتحلل بعمرة فصار كالمعتمر والمحصر يقطعها إذا ذبح هديه لأن الذبح للتحلل، والقارن إذا فاته الحج يقطع حين يأخذ بالطواف الثاني لأنه يتحلل بعده بحر ‏(‏قوله جاز‏)‏ أي ويكره لباب ‏(‏قوله لا لو رمى بالأقل‏)‏ لأنه إذا ترك أكثر السبع لزمه دم كما لو لم يرم أصلا، وإن ترك أقل منه كثلاث فما دونها فعليه لكل حصاة صدقة كما سيأتي في الجنايات‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

لا يشترط الموالاة بين الرميات بل يسن فيكره تركها لباب

‏(‏قوله بكل ما كان من جنس الأرض‏)‏ كذا في الهداية‏.‏ واعترضه الشراح بالفيروزج والياقوت فإنهما من أجزاء الأرض حتى جاز التيمم بهما ومع ذلك لا يجوز الرمي بهما، وأجاب في العناية تبعا للنهاية بأن الجواز مشروط بالاستهانة برميه وذلك لا يحصل برميها‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله أن هذا الشرط مخصص لعموم كلام الهداية، فيخرج منه نحو الفيروزج والياقوت، لكن قال في التتارخانية إن هذه الرواية أي رواية اشتراط الاستهانة محالفة لما ذكر في المحيط، وكذا قال في الفتح، وأجازه بعضهم بناء على نفي ذلك الاشتراط، وممن ذكر جوازه الفارسي في مناسكه‏.‏ ا هـ‏.‏ ومفاد كلامه ترجيح الجواز، وإبقاء كلام الهداية على عمومه، ولذا اعترض في السعدية على ما في العناية بما في غاية السروجي وشرح الزيلعي من أنه يجوز الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض كالحجر والمدر والطين والمغرة والنورة والزرنيخ والأحجار النفيسة كالياقوت والزمرد والبلخش ونحوها والملح الجبلي والكحل أو قبضة من تراب وبالزبرجد والبلور والعقيق والفيروزج، بخلاف الخشب والعنبر واللؤلؤ والذهب والفضة والجواهر، أما الخشب واللؤلؤ والجواهر وهي كبار اللؤلؤ والعنبر فإنها ليست من أجزاء الأرض، وأما الذهب والفضة فإن فعلهما يسمى نثارا لا رميا‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله والمدر‏)‏ أي قطع الطين اليابس ‏(‏قوله والمغرة‏)‏ طين أحمر يصبغ به ‏(‏قوله ولؤلؤ كبار‏)‏ قيد به تبعا للنهر لأن الكبار هي التي يتأتى بها الرمي وإلا فالصغار لا يجوز بها الرمي أيضا لتعليلهم بأنها ليست من أجزاء الأرض أفاده أبو السعود ‏(‏قوله وجواهر‏)‏ علمت مما مر عن الغاية أنها كبار اللؤلؤ وعليه كان المناسب إسقاط قوله كبار ويكون كلام المصنف جاريا على ما في الهداية والمحيط من جواز الرمي بالفيروزج والياقوت لكن لا يناسبه تعليل الشارح فالأولى تفسير الجواهر بالأحجار النفيسة ليوافق تقييد المصنف اللؤلؤ بالكبار وتعليل الشارح وقوله وقيل يجوز إشارة إلى ما مر عن الهداية والمحيط، وقد علمت أن السروجي والزيلعي والفارسي مشوا عليه ‏(‏قوله لأنه يسمى نثارا لا رميا‏)‏ قال في الفتح فلم يجز لانتقاء اسم الرمي، ولا يخفى أنه يصدق عليه اسم الرمي مع كونه يسمى نثارا، فغاية ما فيه أنه رمي خص باسم آخر باعتبار خصوص متعلقه، ولا تأثير لذلك في سقوط اسم الرمي عنه، ولا صورته‏.‏ ثم قال‏:‏ والحاصل أنه إما أن يلاحظ مجرد الرمي أو مع الاستهانة أو خصوص ما وقع منه صلى الله عليه وسلم والأول يستلزم الجواز بالجواهر، والثاني بالبعرة والخشبة التي لا قيمة لها، والثالث بالحجر خصوصا، فليكن هذا أعم لكونه أسلم‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ قد يجاب بأن المأثور كون الرمي لرغم الشيطان، وما وقع منه صلى الله عليه وسلم من الرمي بالحصى أفاد بطريق الدلالة جوازه بكل ما كان من جنس الأرض، فاعتبر كل من الثاني والثالث معا دون الأول، فلم يجز بالبعرة والخشبة ولا بالفضة والذهب لكن هذا يستلزم عدم الجواز بالفيروزج والياقوت أيضا وبه يترجح قوله الآخر فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله خلاف المذهب‏)‏ ولذا قال في المبسوط‏:‏ وبعض المتقشفة يقولون لو رمى بالبعرة أجزأه لأن المقصود إهانة الشيطان وذا يحصل بالبعرة، ولسنا نقول بهذا شرح لباب‏.‏ قال في الفتح‏:‏ على أن أكثر المحققين على أنها أمور تعبدية لا يشتغل بالمعنى فيها

‏(‏قوله ويكره أخذها من عند الجمرة‏)‏ وما هي إلا كراهة تنزية فتح، أشار إلى أنه يجوز أخذه من أي موضع سواه‏.‏ وفي اللباب يستحب أن يرفع من مزدلفة سبع حصيات ويرمي بها جمرة العقبة وإن رفع من المزدلفة سبعين أو من الطريق فهو جائز وقيل مستحب‏.‏ ا هـ‏.‏ قال شارحه‏:‏ لكن قال الكرماني وهذا خلاف السنة وليس مذهبنا وأما ما في البدائع وغيرها من أنه يأخذ حصى الجمار من المزدلفة أو من الطريق فينبغي حمله على الجمار السبعة وكذا ما في الظهيرية من أنه يستحب التقاطها من قوارع الطريق‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أن التقاط ما عدا السبعة ليس له محل مخصوص عندنا ‏(‏قوله لأنها مردودة‏)‏ أي فيتشاءم بها السراج ‏(‏قوله لحديث إلخ‏)‏ أي ما رواه الدارقطني والحاكم وصححه عن «أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قلت يا رسول الله هذه الجمار التي نرمي بها كل عام فنحسب أنها تنقص فقال إن ما يقبل منها رفع ولو لا ذلك لرأيتها أمثال الجبال» شرح النقاية للقاري‏.‏ وفي الفتح عن سعيد بن جبير‏:‏ قلت لابن عباس ما بال الجمار ترمى من وقت الخليل عليه السلام ولم تصر هضابا أي تلالا تسد الأفق‏؟‏ فقال‏:‏ أما علمت أن من يقبل حجه يرفع حصاه‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في السعدية لك أن تقول أهل الجاهلية كانوا على الإشراك ولا يقبل عمل لمشرك‏.‏ ا هـ‏.‏ وأجيب بأن الكفار قد تقبل عبادتهم ليجازوا عليها في الدنيا قال ط‏:‏ ويؤيده ما رواه أحمد ومسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة يعطى عليها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا»‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن قد يدعى تخصيص ذلك بأفعال البر دون العبادات المشروطة بالنية فإن النية شرطها الإسلام إلا أن يقال إن هذا شرط في شريعتنا فقط تأمل ‏(‏قوله بيقين‏)‏ أما بدون تيقن فلا يكره لأن الأصل الطهارة، لكن يندب غسلها لتكون طهارتها متيقنة كما ذكره في البحر وغيره

‏(‏قوله ووقته‏)‏ أي وقت جوازه أداء من الفجر أي فجر النحر إلى فجر اليوم الثاني قال في البحر‏:‏ حتى لو أخره حتى طلع الفجر في اليوم الثاني لزمه دم عنده خلافا لهما، ولو رمى قبل طلوع فجر النحر‏.‏ لم يصح اتفاقا ‏(‏قوله ويسن‏)‏ كذا عبر في مجمع الروايات عن المحيط ووافقه في النهر وعبر العيني بالاستحباب رملي ‏(‏قوله ذكاء‏)‏ من أسماء الشمس ‏(‏قوله ويباح لغروبها‏)‏ أي من الزوال إلى الغروب، وجعله في الظهيرية من المكروه والأكثرون على الأول بحر ‏(‏قوله ويكره للفجر‏)‏ أي من الغروب إلى الفجر وكذا يكره قبل طلوع الشمس بحر، وهذا عند عدم العذر فلا إساءة برمي الضعفة قبل الشمس ولا برمي الرعاة ليلا كما في الفتح

‏(‏قوله لأنه مفرد‏)‏ تعليل لما استفيد من التخيير بقوله إن شاء والذبح له أفضل، ويجب على القارن والمتمتع ط، وأما الأضحية فإن كان مسافرا فلا يجب عليه وإلا كالمكي فتجب كما في البحر ‏(‏قوله ثم قصر‏)‏ أي أو حلق كما دل عليه قوله وحلقه أفضل‏.‏ قال في اللباب‏:‏ ويستحب بعده أي بعد الحلق أو التقصير أخذ الشارب وقص الظفر، ولو قص أظفاره أو شاربه أو لحيته أو طيب قبل الحلق عليه موجب جنايته وتمام تحقيقه في شرحه ‏(‏قوله بأن يأخذ إلخ‏)‏ قال في البحر‏:‏ والمراد بالتقصير أن يأخذ الرجل والمرأة من رءوس شعر ربع الرأس مقدار الأنملة كذا ذكره الزيلعي، ومراده أن يأخذ من كل شعرة مقدار الأنملة كما صرح به في المحيط‏.‏ وفي البدائع قالوا‏:‏ يجب أن يزيد في التقصير على قدر الأنملة حتى يستوفي قدر الأنملة من كل شعرة برأسه لأن أطراف الشعر غير متساوية عادة‏.‏ قال الحلبي في مناسكه وهو حسن ا هـ‏.‏ وفي الشرنبلالية‏:‏ يظهر لي أن المراد بكل شعرة أي من شعر الربع على وجه اللزوم ومن الكل على سبيل الأولوية فلا مخالفة في الأجزاء لأن الربع كالكل كما في الحلق ا هـ‏.‏ فقول الشارح من كل شعرة أي من الربع لا من الكل وإلا ناقض ما بعده، وقوله‏:‏ وجوبا قيد لقدر الأنملة فلا يتكرر مع قوله‏:‏ والربع واجب والأنملة بفتح الهمزة والميم وضم الميم لغة مشهورة، ومن خطأ راويها فقد أخطأ واحدة الأنامل بحر‏.‏ وفي تهذيب اللغات للنووي الأنامل أطراف الأصابع‏.‏ وقال أبو عمر الشيباني والسجستاني والجري لكل أصبع ثلاث أنملات ‏(‏قوله ويجب إجراء الموسى على الأقرع‏)‏ هو المختار كما في الزيلعي والبحر واللباب وغيرها، وقيل استحبابا قال في شرح اللباب وقيل استنانا وهو الأظهر‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وإلا سقط‏)‏ أي وإن لم يمكن إجراء الموسى عليه ولا يصل إلى تقصيره سقط عنه وحل بمنزلة من حلق، والأحسن له أن يؤخر الإحلال إلى آخر الوقت من أيام النحر، ولا شيء عليه إن لم يؤخر، ولو لم يكن به قروح لكنه خرج إلى البادية فلم يجد آلة أو من يحلقه لا يجزئه إلا الحلق أو التقصير، وليس هذا بعذر فتح لأن إصابة الآلة مرجوة في كل ساعة بخلاف برء القروح ولأن الإزالة لا تختص بالموسى أفاده في البحر ‏(‏قوله ومتى تعذر أحدهما‏)‏ أي الحلق والتقصير قال ط‏:‏ والأحسن تأخير هذه الجملة عن قوله وحلقه أفضل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فلو لبده إلخ‏)‏ مثال لتعذر التقصير ومثله ما لو كان الشعر قصيرا فيتعين الحلق، وكذا لو كان معقوصا أو مضفورا كما عزي إلى المبسوط‏.‏ ووجهه أنه إذا نقضه تناثر بعض الشعر، فيكون جناية على إحرامه قبل أن يحل منه فيتعين الحلق، لكن قد يقال إن هذا التناثر غير جناية لأنه في وقت جواز إزالة الشعر بحلق أو غيره، ولو نتفا منه أو من غيره كما يأتي فبقي ما في المبسوط مشكلا تأمل‏.‏ ومثال تعذر الحلق يمنع إمكان التقصير أن يفقد آلة الحلق أو من يحلقه أو يضره الحلق لنحو صداع أو قروح برأسه وتقدم مثال تعذرهما جميعا في الأقرع وذي قروح شعره قصير ‏(‏قوله وحلقه أفضل‏)‏ أي هو مسنون وهذا في حق الرجل، ويكره لمرأة لأنه مثلة في حقها كحلق الرجل لحيته وأشار إلى أنه لو اقتصر على حلق الربع جاز‏.‏ كما في التقصير، لكن مع الكراهة لتركه السنة فإن السنة حلق جميع الرأس أو تقصير جميعه كما في شرح اللباب والقهستاني، قال في النهر‏:‏ وإطلاقه أي إطلاق قول الكنز والحلق أحب يفيد أن حلق النصف أولى من التقصير ولم أره‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ إن أراد أنه أولى من تقصير الكل فهو ممنوع لما علمت أو من تقصير النصف أو الربع فهو ممكن‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

هذا في غير المحصر، أما المحصر فلا حلق عليه كما سيأتي بدائع ‏(‏قوله بنحو نورة‏)‏ كحلق ونتف، وكذا لو قاتل غيره فنتفه أجزأ عن الحلق قصدا فتح‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قالوا يندب البداءة بيمين الحالق لا المحلوق إلا ما في الصحيحين يفيد العكس، وذلك «أنه صلى الله عليه وسلم قال للحلاق خذ وأشار إلى الجنب الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس» قال في الفتح‏:‏ وهو الصواب وإن كان خلاف المذهب‏.‏ ا هـ‏.‏ وأقول‏:‏ يوافقه ما في الملتقط عن الإمام‏:‏ حلقت رأسي فخطأني الحلاق في ثلاثة أشياء‏:‏ لما أن جلست قال استقبل القبلة وناولته الجانب الأيسر فقال ابدأ بالأيمن، فلما أردت أن أذهب قال ادفن شعرك فرجعت فدفنته‏.‏ ا هـ‏.‏ نهر أي فهذا يفيد رجوع الإمام إلى قول الحجام، ولذا قال في اللباب هو المختار‏.‏ قال شارحه كما في منسك ابن العجمي والبحر، وقال في النخبة‏:‏ وهو الصحيح، وقد روي رجوع الإمام عما نقل عنه الأصحاب فصح تصحيح قوله الأخير واندفع ما هو المشهور عنه عند المشايخ‏.‏ وقال السروجي وعند الشافعي يبدأ بيمين المحلوق وذكر كذلك بعض أصحابنا، ولم يعزه إلى أحد والسنة أولى، وقد صح بداءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشق رأسه الكريم من الجانب الأيمن وليس لأحد بعده كلام، وقد أخذ الإمام بقول الحجام ولم ينكره ولو كان مذهبه خلافه لما وافقه ا هـ‏.‏ ملخصا ومثله في المعراج وغاية البيان ‏(‏قوله وحل له كل شيء‏)‏ أي من محظورات الإحرام كلبس المخيط وقص الأظفار ط وأفاد أنه لا يحل له بالرمي قبل الحلق شيء وهو المذهب عندنا كما في شرح اللباب للقاري عن الفارسي، وفي شرحه على النقاية والرمي غير محلل من الإحرام عندنا في المشهور، ومحلل عند مالك والشافعي وفي غير المشهور عندنا فقد نص على التحلل بالرمي عندنا في شرح المبسوط لخواهر زاده‏.‏ وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان بقوله‏:‏ وبعد الرمي قبل الحلق حل له كل شيء إلا النساء والطيب‏.‏ وعن أبي يوسف أنه يحل له الطيب أيضا ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إلا النساء‏)‏ أي جماعهن ودواعيه ‏(‏قوله وقيل والطيب والصيد‏)‏ تبع في ذلك صاحب النهر فقد عزا إلى الخانية استثناء النساء والطيب وإلى أبي الليث استثناء الصيد، وهو غير صحيح قاضي خان قال في فتاواه‏:‏ فإذا حلق أو قصر حل له كل شيء إلا النساء وبعد الرمي قبل الحلق يحل له كل شيء إلا الطيب والنساء إلخ ومثله ما قدمناه عنه في شرحه عن الجامع الصغير، فقد استثنى الطيب من الإحلال بالرمي لا من الإحلال بالحلق، وهو مبني على خلاف المشهور كما علمته آنفا، وقد ذكر الشرنبلالي عبارة الخانية ثم قال‏:‏ وبهذا يعلم بطلان ما ينسب لقاضي خان من أن الحلق لا يحل به الطيب‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده قوله في البدائع‏:‏ وأما حكم الحلق فهو صيرورته حلالا يباح له جميع ما حظر عليه إلا النساء، وهذا قول أصحابنا‏.‏ وقال مالك‏:‏ إلا النساء والطيب، وقال الليث إلا النساء والصيد ا هـ‏.‏ ومثله في المعراج والسراج وغاية البيان فقد عزوا الأول إلى الإمام مالك فقط والثاني إلى الليث بن سعد أحد الأئمة المجتهدين، فما في النهر من عزوه إلى أبي الليث وهو السمرقندي أحد مشايخ مذهبنا فهو تصحيف فافهم‏.‏

مطلب في طواف الزيارة

‏(‏قوله ثم طاف للزيارة‏)‏ أي لفعل طواف الزيارة الذي هو ثاني ركني الحج قال في السراج‏:‏ ويسمى طواف الإفاضة وطواف يوم النحر والطواف المفروض ا هـ‏.‏ وشرائط صحته‏:‏ الإسلام وتقديم الإحرام، والوقوف، والنية، وإتيان أكثره، والزمان، وهو يوم النحر وما بعده والمكان وهو حول البيت داخل المسجد، وكونه بنفسه ولو محمولا فلا تجوز النيابة إلا لمغمى عليه‏.‏ وواجباته المشي للقادر والتيامن وإتمام السبعة والطهارة عن الحدث وستر العورة وفعله أيام النحر، وأما الترتيب بينه وبين الرمي والحلق فسنة ولا مفسد له ولا فوات قبل الممات، ولا يجزي عنه البدل إلا إذا مات بعد الوقوف بعرفة وأوصى بإتمام الحج تجب البدنة لطواف الزيارة وجاز حجة لباب ‏(‏قوله سبعة‏)‏ أي سبعة أشواط كما مر بيانه قوله بيان للأكمل‏)‏ أي الطواف الكامل المشتمل على الركن والواجب، نبه على ذلك لئلا يتوهم أن السبعة ركن كما يقوله الأئمة الثلاثة وإن وافقهم المحقق ابن الهمام بحثا فإنه خلاف المذهب فلا يتابع عليه ‏(‏قوله وإن كان سعى قبل‏)‏ لم يقل إن كان رمل وسعى قبل إشارة إلى أنه لو كان سعى قبل ولم يرمل لا يرمل هنا لأن الرمل إنما يشرع في طواف بعده سعي كما مر ولا سعي هاهنا كما في العناية وكذا في اللباب وفيه وأما الاضطباع فساقط مطلقا في هذا الطواف ا هـ‏.‏ سواء سعى قبله أو لا ‏(‏قوله وإلا فعلهما‏)‏ أي وإن لم يكن سعى قبل رمل وسعى وإن رمل قهستاني أي لأن رمله السابق بلا سعي غير مشروع كما علمته فلا يعتبر‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال الخير الرملي‏:‏ ولو لم يفعلها في طواف القدوم وطواف الزيارة فعلهما في طواف الصدر لأن السعي غير مؤقت كما سيصرح به في الجنايات وصرحوا بأن الرمل بعد كل طواف يعقبه سعي فيه يعلم أنه يأتي بهما في الصدر لو لم يقدمهما ولم أره صريحا وإن علم من إطلاقهم ‏(‏قوله لأن تكرارهما‏)‏ علة لقوله بلا رمل سعى إلخ ط‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في الشرنبلالية قدمنا أن الأفضل تأخير السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة، وكذلك الرمل ليصيرا تبعا للفرض دون السنة كما في البحر، وقدمنا أيضا أنه لا يعتد بالسعي بعد طواف القدوم إلا أن يكون في أشهر الحج فليتنبه له فإنه مهم‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وكذا لا يعتد بالسعي إلا بعد طواف كامل، فلو طاف للقدوم جنبا أو محدثا، ورمل فيه وسعى بعده، فعليه إعادتهما في الحدث ندبا وفي الجنابة إعادة السعي حتما والرمل سنة لباب‏.‏

‏(‏قوله بعد طلوع الفجر‏)‏ فلا يصح قبله لباب ‏(‏قوله ويمتد وقته‏)‏ أي وقت صحته إلى آخر العمر، فلو مات قبل فعله فقد ذكر بعض المحشين عن شرح اللباب للقاضي محمد عيد عن البحر العميق أنهم قالوا إن عليه الوصية ببدنة لأنه جاء العذر من قبل من له الحق وإن كان آثما بالتأخير ا هـ‏.‏ تأمل ‏(‏قوله وحل له النساء‏)‏ أي بعد الركن منه وهو أربعة أشواط بحر ولو لم يطف أصلا لا يحل له النساء وإن طال ومضت سنون بإجماع كذا في الهندية ط ‏(‏قوله بالحلق السابق‏)‏ أي لا بالطواف لأن الحلق هو المحلل دون الطواف غير أنه أخر عمله في حق النساء إلى ما بعد الطواف، فإذا طاف عمل الحلق عمله كالطلاق الرجعي أخر عمله الإبانة إلى انقضاء العدة لحاجته إلى الاسترداد زيلعي، فتسمية بعضهم الطواف محللا آخر مجاز باعتبار أنه شرط فافهم ‏(‏قوله قبل الحلق‏)‏ أي ولو بعد الرمي على المشهور عندنا كما مر تقريره ‏(‏قوله كان جناية‏)‏ أي ولو قصد به التحليل ط ‏(‏قوله لأنه لا يخرج إلخ‏)‏ تصريح بما فهم من التفريع لقصد الرد على القول بأن الرمي محلل كما مر ‏(‏قوله ولياليها منها‏)‏ مبتدأ وخبر والمراد بليلة كل يوم من أيام النحر الليلة التي تعقب ذلك اليوم في الوجود كما أن ليلة يوم عرفة الليلة التي تعقبه في الوجود ح‏.‏ قلت‏:‏ وهذا على إطلاقه ظاهر في حق الرمي فإنه إذا لم يرم نهارا من أيام النحر يرمي في الليلة التي تعقب ذلك، ويقع أداء، بخلاف ما إذا أخره إلى النهار الثاني فإنه يقع قضاء ويلزمه دم كما سنذكره، وأما في حق الطواف فالمراد به الليالي المتخللة بين أيام النحر لأنه إذا غربت الشمس من اليوم الثالث الذي هو آخر أيام النحر ولم يطف لزمه دم كما يأتي في مسألة الحائض فالليلة التي تعقب الثالث ليست تابعة له في حق الطواف وإلا لكان فيها أداء بلا لزوم دم كما في الرمي فتدبر‏.‏

‏(‏قوله كره تحريما إلخ‏)‏ أي ولو أخره إلى اليوم الرابع الذي هو آخر أيام التشريق وهو الصحيح كما في الغاية وإيضاح الطريق‏.‏ وفي بعض الحواشي وبه يفتى وهو المذكور في المبسوط وقاضي خان والكافي والبدائع وغيرها، خلافا لما ذكره القدوري في شرح مختصر الكرخي من أن آخره آخر أيام التشريق، وتبعه الكرماني وصاحب المنافع والمستصفي شرح اللباب‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في السراج وكذلك إن أخر الحلق عن أيام النحر لزمه دم أيضا عند أبي حنيفة لأن الحلق يختص عنده بزمان وهو أيام النحر وبمكان وهو الحرم ‏(‏قوله وهذا‏)‏ أي الكراهة ووجوب الدم بالتأخير ط ‏(‏قوله إن قدر أربعة أشواط‏)‏ أي إن بقي إلى غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام النحر ما يسع طواف أربعة أشواط، والظاهر أنه يشترط مع ذلك زمن يسع خلع ثيابها واغتسالها ويراجع‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وعلى قياس بحثه ينبغي أن يشترط زمن قطع المسافة أن لو كانت في بيتها ط‏.‏ قلت‏:‏ وبالأخير صرح في شرح اللباب وذلك كله مفهوم من قول البحر عن المحيط إذا طهرت في آخر أيام النحر فإن أمكنها الطواف قبل الغروب ولم تفعل فعليها دم للتأخير وإن لم يمكنها طواف أربعة أشواط فلا شيء عليها ا هـ‏.‏ فإن إمكان الطواف لا يكون إلا بعد الاغتسال وقطع المسافة‏.‏ وفي البحر أيضا‏:‏ ولو حاضت بعدما قدرت على الطواف فلم تطف حتى مضى الوقت لزمها الدم لأنها مقصرة بتفريطها ا هـ‏.‏ أي بعدما قدرت على أربعة أشواط‏.‏ زاد في اللباب فقولهم لا شيء عليها لتأخير الطواف مقيد بما إذا حاضت في وقت لم تقدر على أكثر الطواف أو حاضت قبل أيام النحر ولم تطهر إلا بعد مضيها، لكن إيجاب الدم فيما لو حاضت في وقته بعد ما قدرت عليه مشكل‏.‏ لأنه لا يلزمها فعله في أول الوقت، نعم يظهر ذلك فيما لو علمت وقت حيضها فأخرته عنه تأمل‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

نقل بعض المحشين عن منسك ابن أمير حاج‏:‏ لو هم الركب على القفول ولم تطهر فاستفتت هل تطوف أم لا‏؟‏ قالوا يقال لها لا يحل لك دخول المسجد وإن دخلت وطفت أثمت وصح طوافك وعليك ذبح بدنة وهذه مسألة كثيرة الوقوع يتحير فيها النساء‏.‏ ا هـ‏.‏ وتقدم حكم طواف المتحيرة في باب الحيض فراجعه‏.‏

‏(‏قوله ثم أتى منى‏)‏ أي بعد ما صلى ركعتي الطواف وكان ينبغي التصريح به كما فعل صاحب الهداية وابن الكمال شرنبلالية‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر في اللباب أنه يصلي الظهر بعدما يرجع إلى منى وهو في صحيح مسلم، لكن في الكتب الستة «أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة» ومال إليه في الفتح وقال في شرح اللباب إنه أظهر نقلا وعقلا وتمامه فيه، وأما صلاة الجمعة فقال في اللباب‏:‏ ويجمع بمنى إذا كان فيه أمير مكة أو الحجاز أو الخليفة، وأما أمير الموسم فليس له ذلك إلا إذا استعمل على مكة‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما صلاة العيد ففي شرح مناسك الكنز للمرشدي عن المحيط والذخيرة وغيرهما أنه لا يصليها بها بخلاف الجمعة وفي شرح المنية للحلبي أنه لا يصليها بها اتفاقا للاشتغال فيه بأمور الحج ا هـ‏.‏ أي لأن وقت العيد وقت معظم أفعال الحج، بخلاف وقت الجمعة ولأن الجمعة لا تقع في ذلك اليوم إلا نادرا بخلاف العيد قال في شرح اللباب‏:‏ وأراد بالاتفاق الإجماع إذ لا خلاف في المسألة بين علماء الأمة‏.‏ ا هـ‏.‏مطلب في حكم صلاة العيد والجمعة في منى

وفي شرح الأشباه للبيري من كتاب الصيد أن منى موضع تجوز فيه صلاة العيد إلا أنها سقطت عن الحاج، ولم نر في ذلك نقلا مع كثرة المراجعة ولا صلاة العيد بمكة يوم الأضحى لأنا ومن أدركناه من المشايخ لم نصلها بمكة والله تعالى أعلم‏.‏ ما السبب في ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ أما عدم صلاتها بمنى فقد علمت نقله وأما بمكة فلعل سببه أن من له إقامة العيد يكون بمنى حاجا والله تعالى أعلم‏.‏‏(‏قوله فيبيت بها للرمي‏)‏ أي ليالي أيام الرمي هو السنة فلو بات بغيرها كره ولا يلزمه شيء لباب ‏(‏قوله وبعد زوال ثاني النحر‏)‏ قال في اللباب‏:‏ ثم إذا كان اليوم الحادي عشر وهو ثاني أيام النحر خطب الإمام خطبة واحدة بعد الظهر لا يجلس فيها كخطبة اليوم السابع يعلم الناس أحكام الرمي وما بقي من أمور المناسك وهذه الخطبة سنة وتركها غفلة عظيمة‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في رمي الجمرات الثلاث

‏(‏قوله يبدأ استنانا إلخ‏)‏ حاصله أن هذا الترتيب مسنون لا متعين وبه صرح في المجمع وغيره، واختاره في الفتح‏.‏ وقال في اللباب‏:‏ والأكثر على أنه سنة وعزاه شارحه إلى البدائع والكرماني والمحيط والسراجية، ونقل في البحر كلام المحيط ثم قال‏:‏ وهو صريح في الخلاف وفي اختيار السنية ا هـ‏.‏ وكذا اختاره أصحاب المتون في مسائل منثورة آخر الحج كما سيأتي، وما في النهر من أن صريح ما في المحيط اختيار التعيين فيه نظر، بل جعل التعيين رواية عن محمد فتدبر‏.‏ قال في اللباب‏:‏ فلو بدأ بجمرة العقبة ثم بالوسطى ثم بالأولى، ثم تذكر ذلك في يومه فإنه يعيد الوسطى والعقبة حتما أو سنة وكذا لو ترك الأولى ورمى الآخرتين فإنه يرمي الأولى ويستقبل الباقي، ولو رمى كل جمرة بثلاث أتم الأولى بأربع ثم أعاد الوسطى بسبع ثم القصوى بسبع، وإن رمى كل واحدة بأربع أتم كل واحدة بثلاث ثلاث ولا يعيد ا هـ‏.‏ أي لأن للأكثر حكم الكل فكأنه رمى الثانية والثالثة بعد الأولى ‏(‏قوله بما يلي مسجد الخيف‏)‏ وحدها من باب مسجد الخيف الكبير إليها بذراع الحديد عدد ‏(‏1254‏)‏ وسدس ذراع ومنها، إلى الجمرة الوسطى عدد ‏(‏875‏)‏، ومن الوسطى إلى جمرة العقبة عدد ‏(‏208‏)‏ كما نقله القسطلاني في شرح البخاري عن القرافي المالكي ونحوه في كتب الشافعية فما في القهستاني سبق قلم فافهم‏.‏ ‏(‏قوله الوسطى‏)‏ بدل من ما ح ‏(‏قوله ويكبر بكل حصاة‏)‏ أي قائلا باسم الله الله أكبر كما مر ‏(‏قوله قدر قراءة البقرة‏)‏ زاد في اللباب أو ثلاثة أحزاب‏:‏ أي ثلاثة أرباع من الجزء أو عشرين آية قال شارحه‏:‏ وهو أقل المواقيت واختاره صاحب الحاوي والمضمرات ‏(‏قوله بعد تمام كل رمي‏)‏ لا عند كل حصاة لباب ‏(‏قوله فلا يقف بعد الثالثة‏)‏ أي جمرة العقبة لأنها ليس بعدها رمي في كل يوم قال في اللباب والوقوف عند الأوليين سنة في الأيام كلها وقوله‏:‏ ولا بعد رمي يوم النحر أتى فيه بالواو عطفا على ما ذكره في التفريع إشارة إلى ما في عبارة المتن من القصور ‏(‏قوله ودعا‏)‏ عطف على قوله ووقف حامدا ‏(‏قوله نحو السماء أو القبلة‏)‏ حكاية لقولين قال في شرح اللباب‏:‏ يرفع يديه حذو منكبيه، ويجعل باطن كفيه نحو القبلة في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف نحو السماء واختاره قاضي خان وغيره والظاهر الأول‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ثم رمى غدا‏)‏ أي في اليوم الثالث من أيام النحر، وهو الملقب بيوم النفر الأول، فإنه يجوز له أن ينفر فيه بعد الرمي، واليوم الرابع آخر أيام التشريق يسمى يوم النفر الثاني فتح ‏(‏قوله كذلك‏)‏ أي مثل الرمي في اليوم الذي قبله بمراعاة جميع ما ذكر فيه‏.‏ ‏(‏قوله إن مكث‏)‏ قيد في قوله ثم بعده كذلك فقط لا في قوله‏:‏ ثم غدا كذلك أيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ ح قال في النهر‏:‏ أي إن مكث إلى طلوع فجر الرابع في الظاهر، عن الإمام وعنه إلى الغروب من اليوم الثالث ‏(‏قوله وهو أحب‏)‏ اقتداء به لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه‏}‏ الآية فالتخيير بين الفاضل والأفضل كالمسافر في رمضان حيث خير بين الصوم والإفطار والأول أفضل إن لم يضره اتفاقا نهر ‏(‏قوله جاز‏)‏ أي صح عند الإمام استحسانا مع الكراهة التنزيهية، وقال لا يصح اعتبارا بسائر الأيام نهر ‏(‏قوله فإن وقت الرمي فيه‏)‏ أي في اليوم الرابع من الفجر للغروب أي غروب شمسه، ولا يتبعه ما بعده من الليل، بخلاف ما قبله من الأيام والمراد وقت جوازه في الجملة، فإن ما قبل الزوال وقت مكروه، وما بعده مسنون؛ وبغروب الشمس من هذا اليوم يفوت وقت الأداء والقضاء اتفاقا شرح اللباب ‏(‏قوله فمن الزوال لطلوع ذكاء‏)‏ أي إلى طلوع الشمس من اليوم الرابع، والمراد أنه وقت الجواز في الجملة قال في اللباب‏:‏ وقت رمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني والثالث من أيام النحر بعد الزوال، فلا يجوز قبله في المشهور‏.‏ وقيل يجوز‏.‏ والوقت المسنون فيهما يمتد من الزوال إلى غروب الشمس، ومن الغروب إلى الطلوع وقت مكروه، وإذا طلع الفجر‏:‏ أي فجر الرابع فقد فات وقت الأداء وبقي وقت القضاء إلى آخر أيام التشريق، فلو أخره عن وقته أي المعين له في كل يوم فعليه القضاء والجزاء، ويفوت وقت القضاء بغروب الشمس في الرابع ا هـ‏.‏‏:‏ ثم قال‏:‏ ولو لم يرم يوم النحر أو الثاني أو الثالث رماه في الليلة المقبلة أي الآتية لكل من الأيام الماضية، ولا شيء عليه سوى الإساءة ما لم يكن بعذر، ولو رمى ليلة الحادي عشر أو غيرها من غدها لم يصح لأن الليالي في الحج في حكم الأيام الماضية لا المستقبلة، ولو لم يرم في الليل رماه في النهار قضاء وعليه الكفارة، ولو أخر رمي الأيام كلها إلى الرابع مثلا قضاها كلها فيه وعليه الجزاء، وإن لم يقض حتى غربت الشمس منه فات وقت القضاء، وليست هذه الليلة تابعة لما قبلها ا هـ‏.‏ والحاصل أنه لو أخر الرمي في غير اليوم الرابع يرمي في الليلة التي تلي ذلك اليوم الذي أخر رميه وكان أداء لأنها تابعة له، وكره لتركه السنة، وإن أخره إلى اليوم الثاني كان قضاء ولزمه الجزاء، وكذا لو أخر الكل إلى الرابع ما لم تغرب شمسه، فلو غربت سقط الرمي ولزمه دم، وقد ظهر بما قررناه أن ما ذكره الشارح تبعا للبحر وغيره من أن انتهاءه إلى طلوع الشمس ليس بيانا لوقت الأداء فقط، بل يشمل وقت القضاء لأن ما بعد فجر الرابع وقت لرمي الرابع أداء، ولرمي غيره من الأيام الثلاثة قضاء فافهم‏.‏

‏(‏قوله وله النفر‏)‏ بسكون الفاء‏:‏ أي الرجوع سراج ‏(‏قوله قبل طلوع فجر الرابع‏)‏ ولكن ينفر قبل غروب الشمس‏:‏ أي شمس الثالث، فإن لم ينفر حتى غربت الشمس يكره له أن ينفر حتى يرمي في الرابع، ولو نفر من الليل قبل الرابع لا شيء عليه وقد أساء، وقيل ليس له أن ينفر بعد الغروب، فإن نفر لزمه دم، ولو نفر بعد طلوع الفجر قبل الرمي لزمه الدم اتفاقا لباب، ولا فرق في ذلك بين المكي والآفاقي كما في البحر ‏(‏قوله وجاز الرمي راكبا إلخ‏)‏ عبارة المنتقى أخصر، وهي‏:‏ وجاز الرمي راكبا وغير راكب أفضل في جمرة العقبة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي اللباب‏:‏ والأفضل أن يرمي جمرة العقبة راكبا وغيرها ماشيا في جميع أيام الرمي ا هـ‏.‏ وقوله لأنه يقف‏:‏ أي للدعاء بعد رمي الأوليين في الأيام الثلاثة بخلاف العقبة في اليوم الأول وفي الثلاثة بعده، فإنه لا دعاء بعدها‏.‏ والضابط أن كل رمي يقف بعده فإنه يرميه ماشيا وهو كل رمي بعده رمي كما مر، وما لا فلا ثم هذا التفصيل قول أبي يوسف، وله حكاية مشهورة ذكرها ط وغيره، وهو مختار كثير من المشايخ كصاحب الهداية والكافي والبدائع وغيرهم‏.‏ وأما قولهما فذكر في البحر أن الأفضل الركوب في الكل على ما في الخانية والمشي في الكل على ما في الظهيرية، وقال‏:‏ فتحصل أن في المسألة ثلاثة أقوال ‏(‏قوله ورجحه الكمال‏)‏ أي بأن أداءها ماشيا أقرب إلى التواضع والخشوع وخصوصا في هذا الزمان، فإن عامة المسلمين مشاة في جميع الرمي فلا يؤمن من الأذى بالركوب بينهم بالزحمة، ورميه عليه الصلاة والسلام راكبا إنما هو ليظهر فعله ليقتدى به كطوافه به راكبا‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ ولو قيل بأنه ماشيا أفضل إلا في رمي جمرة العقبة في اليوم الأخير لكان له وجه لأنه ذاهب إلى مكة في هذه الساعة كما هو العادة، وغالب الناس راكب فلا إيذاء في ركوبه مع تحصيل فضيلة الاتباع له عليه الصلاة والسلام‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن في هذا الزمان يعسر ركوبه بعد رمي العقبة، وربما ضل عنه محمله لكثرة الزحام، فلو قيل إنه في اليوم الأخير يرمي الكل راكبا لكان له وجه أيضا مع تحصيل فضيلة الاتباع في الكل بلا ضرر عليه ولا على غيره لأن العادة أن الكل يركبون من منازلهم سائرين إلى مكة، وأما في غير اليوم الأخير فيرمي الكل ماشيا ‏(‏قوله بفتحتين إلخ‏)‏ وبكسر الثاء وفتح القاف المصدر وبسكونها واحد الأثقال نهر ‏(‏قوله أو ذهب لعرفة‏)‏ في بعض النسخ بالواو بدل أو وهو تحريف، والأوضح أن يقول أو تركه فيها وذهب لعرفة إذ لا يصلح تسليط قدم هنا إلا بتأويل ‏(‏قوله كره‏)‏ لأثر ابن شيبة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ‏"‏ من قدم ثقله قبل النفر فلا حج له ‏"‏ أي كاملا ولأنه يوجب شغل قبله وهو في العبادة فيكره، والظاهر أنها تنزيهية بحر‏.‏ واعترضه في النهر بأن عمر رضي الله تعالى عنه كان يمنع منه ويؤدب عليه، وهذا يؤذن بأنها تحريمية، وفيه نظر فإنه كان يؤدب على ترك خلاف الأولى تأمل ‏(‏قوله لا إن أمن‏)‏ بحث لصاحب البحر، وتبعه أخوه أخذا من مفهوم التعليل بشغل القلب ط ‏(‏قوله وكذا إلخ‏)‏ قال في السراج، وكذا يكره للإنسان أن يجعل شيئا من حوائجه خلفه ويصلي مثل النعل وشبهه لأنه يشغل خاطره فلا يتفرغ للعبادة على وجهها ا هـ‏.‏

‏(‏قوله ولو ساعة‏)‏ يقف فيه على راحلته يدعوا سراج، فيحصل بذلك أصل السنة‏.‏ وأما الكمال فما ذكره الكمال من أنه يصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويهجع هجعة ثم يدخل مكة بحر‏.‏ وفي شرح النقاية للقاري‏:‏ والأظهر أن يقال إنه سنة كفاية لأن ذلك لا يسع الحاج جميعهم، وينبغي لأمراء الحج وكذا غيرهم أن ينزلوا فيه ولو ساعة إظهارا للطاعة ‏(‏قوله الأبطح‏)‏ ويقال له أيضا البطحاء والخيف قاري‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وهو فناء مكة، حده ما بين الجبلين المتصلين بالمقابر إلى الجبال المقابلة لذلك مصعدا في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى مرتفعا عن بطن الوادي

‏(‏قوله ثم إذا أراد السفر‏)‏ أتى بثم وما بعدها إشارة إلى ما في النهر وغيره من أن أول وقته بعد طواف الزيارة إذا كان على عزم السفر، حتى لو طاف كذلك ثم أطال الإقامة بمكة ولم يتخذها دارا جاز طوافه ولا آخر له وهو مقيم، بل لو أقام عاما لا ينوي الإقامة فله أن يطوف، ويقع أداء، نعم المستحب إيقاعه عند إرادة السفر‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي اللباب أنه لا يسقط بنية الإقامة ولو سنين، ويسقط بنية الاستيطان بمكة أو بما حولها قبل حل النفر الأول‏:‏ أي قبل ثالث أيام النحر، ولو نوى الاستيطان بعده لا يسقط، وإن نواه قبل النفر ثم بدا له الخروج لم يجب كالمكي إذا خرج‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في طواف الصدر

‏(‏قوله أي الوداع‏)‏ بفتح الواو، وهو اسم لهذا الطواف أيضا، ويسمى أيضا طواف آخر العهد وأما الصدر فهو بفتحتين‏:‏ رجوع المسافر من مقصده والشارب من مورده كما في القهستاني ‏(‏قوله بلا رمل وسعي‏)‏ أي إن كان فعلهما في طواف القدوم أو الصدر كما مر عن الخير الرملي ‏(‏قوله وهو واجب‏)‏ فلو نفر ولم يطف وجب عليه الرجوع ليطوف ما لم يجاوز الميقات فيخير بين إراقة الدم والرجوع بإحرام جديد بعمرة مبتدئا بطوافها ثم بالصدر، ولا شيء عليه لتأخيره، والأول أولى تيسيرا عليه ونفعا للفقراء نهر ولباب ‏(‏قوله إلا على أهل مكة‏)‏ أفاد وجوبه على كل حاج آفاقي مفرد أو متمتع أو قارن بشرط كونه مدركا مكلفا غير معذور فلا يجب على المكي، ولا على المعتمر مطلقا، وفائت الحج والمحصر والمجنون والصبي والحائض والنفساء كما في اللباب وغيره ‏(‏قوله ومن في حكمهم‏)‏ أي ممن كان داخل المواقيت، وكذا من نوى الاستيطان قبل حل النفر كما مر ‏(‏قوله فلا يجب إلخ‏)‏ قال في النهر‏:‏ والمنفي عنهم إنما هو وجوبه لا ندبه‏.‏ وقد قال الثاني أحب إلي أن يطوف المكي طواف الصدر لأنه وضع لختم أفعال الحج، وهذا المعنى موجود في حقهم ‏(‏قوله كمن مكث بعده‏)‏ لأن المستحب إيقاعه عند إرادة السفر كما مر ‏(‏قوله فلو طاف‏)‏ أي دار حول البيت ولم تحضره النية أصلا ‏(‏قوله أو طالبا‏)‏ أي لغريم ونحوه ‏(‏قوله لكن يكفي أصلها‏)‏ أي أصل نية الطواف بلا لزوم تعيين كونه للصدر أو غيره ولا تعيين وجوب أو فرضية ‏(‏قوله فلو طاف إلخ‏)‏ الحاصل كما في الفتح وغيره أن من طاف طوافا في وقته وقع عنه، نواه بعينه أولا أو نوى طوافا آخر، ومن فروعه لو قدم معتمرا وطاف وقع عن العمرة، أو حاجا وطاف قبل يوم النحر وقع للقدوم، أو قارنا وطاف طوافين وقع الأول عن العمرة والثاني للقدوم، ولو كان في يوم النحر وقع للزيارة أو بعدما حل النفر بعدما طاف للزيارة فهو للصدر، وإن نواه للتطوع فلا تعمل النية في التقديم والتأخير إلا إذا كان الثاني أقوى، كما لو ترك طواف الصدر ثم عاد بإحرام عمرة فيبدأ بطواف العمرة ثم الصدر، وتمامه في اللباب ‏(‏قوله ثم بعد ركعتيه‏)‏ أي بعد صلاة ركعتي الطواف وتقدم الكلام عليهما، وتقدم أيضا أنه قيل إنه يلتزم الملتزم أولا ثم يصلي الركعتين ثم يأتي زمزم، وأنه الأسهل والأفضل وعليه العمل وأن ما ذكره هنا من الترتيب هو الأصح المشهور، ومشى عليه في الفتح هناك‏.‏ وعبر عن الآخر بقيل لكن جزم بالقيل هنا ‏(‏قوله شرب من ماء زمزم‏)‏ أي قائما مستقبلا القبلة متضلعا منه متنفسا فيه مرارا ناظرا في كل مرة إلى البيت ماسحا به وجهه ورأسه وجسده صابا منه على جسده إن أمكن كما في البحر وغيره وقد عقد في الفتح لذلك فصلا مستقلا فارجع إليه وسيأتي بعض الكلام على زمزم آخر الحج ‏(‏قوله وقبل العتبة‏)‏ أي ثم قبل العتبة المرتفعة عن الأرض قهستاني ‏(‏قوله ووضع‏)‏ أي ثم وضع قهستاني ‏(‏قوله ووجهه‏)‏ أي خده الأيمن ويرفع يده اليمنى إلى عتبة الباب ‏(‏قوله وتشبث‏)‏ أي تعلق كما يتعلق عبد ذليل بطرف ثوب لمولى جليل قهستاني ‏(‏قوله ودعا‏)‏ أي حال تشبثه بالأستار متضرعا متخشعا مكبرا مهللا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏قوله ويرجع قهقرى‏)‏ كذا في الهداية والمجمع والنقاية وغيرها‏.‏ وفي مناسك النووي أن ذلك مكروه لأنه ليس فيه سنة مروية ولا أثر محكي، وما لا أثر له لا يعرج عليه ا هـ‏.‏ وتبعه ابن الكمال والطرابلسي في مناسكه، لكنه قال وقد فعله الأصحاب يعني أصحاب مذهبنا‏.‏ وقال الزيلعي‏:‏ والعادة به جارية في تعظيم الأكابر، والمنكر لذلك مكابر‏.‏ قال في البحر‏:‏ لكنه يفعله على وجه لا يحصل منه صدم أو وطء لأحد‏.‏

مطلب في حكم المجاورة بمكة والمدينة

‏[‏تنبيه‏]‏

في كلامه إشارة إلى أنه لا يجاور بمكة، ولهذا قال في المجمع، ثم يعود إلى أهله، والمجاورة بمكة مكروهة أي عنده خلافا لهما، وبقوله قال الخائفون المحتاطون من العلماء كما في الإحياء، قال ولا يظن أن كراهة القيام تناقض فضل البقعة لأن هذه الكراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع‏.‏ قال في الفتح‏.‏ وعلى هذا فيجب كون الجوار في المدينة المشرفة كذلك يعني مكروها عنده، فإن تضاعف السيئات أو تعاظمها إن فقد فيها فمخافة السآمة وقلة الأدب المفضي إلى الإخلال بوجوب التوقير والإجلال قائم‏.‏ ا هـ‏.‏ نهر‏.‏

مطلب في مضاعفة الصلاة بمكة

‏[‏تتمة‏]‏

قال السيد الفاسي في شفاء الغرام‏:‏ يتحصل من طرق حديث ابن الزبير ثلاث روايات‏:‏ إحداها «أن الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة بمسجد المدينة بمائة صلاة»‏.‏ الثانية «بألف صلاة»‏.‏ الثالثة ‏{‏بمائة ألف صلاة» كما في مسند الطيالسي وإتحاف ابن عساكر، وعلى الثالثة حسب النقاش المفسر الصلاة بالمسجد الحرام فبلغت صلاة واحدة فيه عمر مائتي سنة وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة، والصلوات الخمس عمر مائتي سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال‏.‏ قال السيد‏:‏ ورأيت لشيخنا بدر الدين بن الصاحب المصري أن الصلاة فيه فرادى بمائة ألف، وجماعة بألفي ألف وسبعمائة ألف، والصلوات الخمس فيه بثلاثة عشر ألف ألف وخمسمائة صلاة، وصلاة الرجل منفردا في وطنه غير المسجدين المعظمين كل مائة سنة شمسية بمائة ألف وثمانين ألف صلاة، وكل ألف سنة بألف ألف صلاة وثمانمائة ألف صلاة‏.‏ فتلخص أن صلاة واحدة جماعة في المسجد الحرام يفضل ثوابها على ثواب من صلى في بلده فرادى حتى بلغ عمر نوح عليه السلام بنحو الضعف ا هـ‏.‏ ثم ذكر أن للعلماء خلافا في هذا الفضل هل يعم الفرض والنفل، أو يختص بالفرض‏؟‏ وهو مقتضى مشهور مذهبنا‏:‏ أي المالكية ومذهب الحنفية، والتعميم مذهب الشافعية‏.‏ واختلف في المراد بالمسجد الحرام، قيل مسجد الجماعة وأيده المحب الطبري، وقيل الحرم كله، وقيل الكعبة خاصة، وجاءت أحاديث تدل على تفضيل ثواب الصوم وغيره من القربات بمكة إلا أنها في الثبوت ليست كأحاديث الصلاة فيها ا هـ‏.‏ باختصار‏.‏ وذكر ابن حجر في التحفة أنه صح في الأحاديث بتكرار الألف ثلاثا، كذا كتبه بعض المحشين‏.‏ وذكر البيري في شرح الأشباه في أحكام المسجد أن المشهور عند أصحابنا أن التضعيف يعم جميع مكة بل جميع حرم مكة الذي يحرم صيده كما صححه النووي‏.‏

‏(‏قوله وسقط طواف القدوم إلخ‏)‏ هذه مسائل شتى عنون لها في الهداية والكنز بفصل‏.‏ وذكر في البحر أن حقيقة السقوط لا تكون إلا في اللازم، فهو هنا مجاز عن عدم سنيته في حقه‏.‏ إما لأنه ما شرع إلا في ابتداء الأفعال فلا يكون سنة عند التأخير، ولا شيء عليه بتركه لأنه سنة، وإما لأن طواف الزيارة أغنى عنه كالفرض يغني عن تحية المسجد، ولذا لم يكن للعمرة طواف قدوم لأن طوافها أغنى عنه، قيد بطواف القدوم لأن القارن إذا لم يدخل مكة ووقف بعرفات صار رافضا لعمرته فيلزمه دم لرفضها وقضاؤها كما سيأتي في آخر القران ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وأساء‏)‏ أي لتركه السنة وقدمنا أن الإساءة دون الكراهة أي التحريمية ‏(‏قوله عرفية‏)‏ أي في عرف اللغة والأوضح أن يقول لغوية أو شرعية كما عبر في شرح اللباب ‏(‏قوله وهو اليسير‏)‏ ذكر الضمير مراعاة لتذكير الخبر ‏(‏قوله من زوال إلخ‏)‏ متعلق بمحذوف صفة لساعة لا بوقف لفساد المعنى باعتبار الغاية فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله أو اجتاز‏)‏ أي مر‏.‏ وقوله مسرعا حال أشار به إلى أن هذه الساعة اليسيرة يكفي منها هذا المقدار من الوقوف، فإن المسرع لا يخلو عن وقوف يسير على قدم عند نقل الأخرى، ولذا صح اعتكافه كما مر في بابه ‏(‏قوله أو نائما أو مغمى عليه‏)‏ يشير إلى أن الوقوف بعرفة يصح بلا نية كما سيصرح به، بخلاف الطواف‏.‏ قال في البحر‏:‏ والفرق أن الطواف عبادة مقصودة، ولهذا يتنفل به فلا بد من اشتراط أصل النية وإن كان غير محتاج إلى تعيينه كما مر‏.‏ وأما الوقوف فليس بعبادة مقصودة، ولذا لا يتنفل به فوجود النية في أصل العبادة وهو الإحرام يغني عن اشتراطه في الوقوف ا هـ‏.‏ لكن أورد عليه في النهر القراءة في الصلاة فإنها عبادة مستقلة بدليل أنه يتنفل بها مع أنه لا يشترط لها النية‏.‏ قال‏:‏ ولم أره لأحد، ولم يظهر لي عنه جواب‏.‏ قلت‏:‏ قد يمنع كون القراءة عبادة مستقلة والتنفل بها لا يدل على ذلك كالوضوء فإنه يتنفل به مع كونه ليس عبادة مستقلة‏:‏ ولذا لم يصح نذره وكذا القراءة ففي القهستاني من الاعتكاف أن النذر بها لا يصح لأنها فرضت تبعا للصلاة لا لعينها فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله وكذا لو أهل عنه رفيقه‏)‏ أي عن المغمى عليه أو النائم المريض كما في شرح اللباب لأن الإحرام شرط عندنا كالوضوء في الصلاة فصحت النيابة بعد وجود نية العبادة منه، وهو خروجه للحج معراج‏.‏ وفي النهر‏:‏ ومعنى الإهلال عنه أن ينوي عنه ويلبي فيصير المغمى عليه محرما بذلك لانتقال إحرام الرفيق إليه وليس معناه أن يجرده وأن يلبسه الإزار‏.‏ لأن هذا كف عن بعض محظورات الإحرام لا عن الإحرام لما مر ا هـ‏.‏ ويجزيه ذلك عن حجة الإسلام‏.‏ ولو ارتكب محظورا لزمه موجبه لا الرفيق لباب، ويصح إحرامه عنه سواء أحرم عن نفسه أو لا ولا يلزمه التجرد عن المخيط لأجل إحرامه عنه‏.‏ ولو أحرم عنه وعن نفسه وارتكب محظورا لزمه جزاء واحد، بخلاف القارن لأنه محرم بإحرامين بحر‏.‏ ولا يشترط كون الإحرام عنه بأمره كما في اللباب‏:‏ أي خلافا لهما حيث اشترطا الأمر، وقيده في البحر بالمغمى عليه‏.‏ أما النائم فيشترط منه صريح الإذن لما في المحيط أن المريض الذي لا يستطيع الطواف إذا طاف به رفيقه وهو نائم إن كان بأمره جاز وإلا فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وقيد الجواز في اللباب في فصل طواف المغمى عليه والنائم بالفور حيث قال ولو طافوا بمريض وهو نائم من غير إغماء إن كان بأمره وحملوه على فوره يجوز وإلا فلا‏.‏ وفي الفتح بعد كلام‏:‏ والحاصل الفرق بين النائم والمغمى عليه في اشتراط صريح الإذن وعدمه‏.‏ قال شارح اللباب‏:‏ وقد أطلقوا الإجزاء بين حالتي النوم والإغماء في الوقوف، ولعل الفرق أن النية شرط في الطواف عند الجمهور بخلاف الوقوف ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ والكلام في الإحرام عن النائم‏.‏ لكن إذا كان الطوف عنه لا يجوز إلا بأمره فالإحرام بالأولى ‏(‏قوله وكذا غير رفيقه‏)‏ هذا أحد قولين، وبه جزم في السراج‏.‏ ورجحه في الفتح والبحر لوجود الإذن للكل دلالة كما لو ذبح أضحية غيره في أيامها بلا إذنه‏.‏ وتمامه في البحر ‏(‏قوله أي بالحج‏)‏ قال في البحر‏:‏ وشمل إحرام الرفيق عنه ما إذا أحرم عنه رفيقه بحجة أو عمرة أو بهما من الميقات أو بمكة ولم أره صريحا ا هـ‏.‏ قال في الشرنبلالية‏:‏ وفيه تأمل لأن المسافر من بلاد بعيدة ولم يكن حج الفرض كيف يصح أن يحرم عنه بعمرة وليست واجبة عليه‏؟‏ وقد يمتد الإغماء ولا يحصل إحرامه عنه بالحج فيفوت مقصده ظاهرا‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهر الفتح يدل على أنه لا بد من العلم بقصده، وحينئذ فإن علم فلا كلام، وإلا فينبغي تعيين الحج ‏(‏قوله مع إحرامه عن نفسه‏)‏ أو بدونه كما قدمناه ‏(‏قوله إذا انتبه أو أفاق‏)‏ الأول للنائم والثاني للمغمى عليه ‏(‏قوله جاز‏)‏ لأنه تبين أن عجزه كان في الإحرام فقط فصحت النيابة فيه ثم يجري هو على موجبه بحر أي موجب إحرام الرفيق عنه، وفيه إشارة إلى لزوم إتيان الأفعال بنفسه لعدم العجز، وبه صرح في اللباب ‏(‏قوله إن الإغماء بعد إحرامه‏)‏ أي بنفسه وفيه أن فرض المسألة في إحرام الرفيق عنه، فكان الأظهر والأخصر أن يقول ولو بقي الإغماء اكتفي بمباشرتهم ولو بقي الإغماء بعد إحرامه طيف به المناسك‏:‏ أي أحضر المشاهد من وقوف وطواف ونحوهما‏.‏ قال في البحر‏.‏ وتشترط نيتهم الطواف إذا حملوه كما تشترط نيته ‏(‏قوله اكتفي بمباشرتهم‏)‏ أي من غير أن يشهدوا به المشاهد من الطواف والسعي والوقوف وهو الأصح نعم ذلك أولى نهر، وانظر هل يكتفي المباشر بطواف واحد عنه وعن المغمى عليه كما لو حمله وطاف به أو لا‏؟‏ لم أره أبو السعود‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر الثاني لأنه إذا أحضر الموقف كان هو الواقف، وإذا طيف به كان بمنزلة الطائف راكبا كما صرحوا به، فلا يقاس عليه ما إذا لم يحضر فلا بد من نية وقوف عنه وإنشاء طواف وسعي عنه غير ما يفعله المباشر عن نفسه تأمل ‏(‏قوله ولم أر ما لو جن قبل الإحرام‏)‏ البحث لصاحب النهر‏.‏ وقدمنا قبيل فروض الحج أن صاحب البحر توقف فيه وقال إن إحرام وليه عنه يحتاج إلى نقل، وقدمنا هناك عن شرح المقدسي عن البحر العميق أنه لا حج على مجنون مسلم، ولا يصح منه إذا حج بنفسه ولكن يحرم عنه وليه ا هـ‏.‏ فمن خرج عاقلا يريد الحج ثم جن قبل إحرامه يحرم عنه وليه بالأولى، ولعل التوقف في إحرام رفيقه عنه وكلام الفتح هو ما نقله عن المنتقى عن محمد أحرم وهو صحيح ثم أصابه عته فقضى به أصحابه المناسك ووقفوا به فمكث كذلك سنين ثم أفاق أجزأه ذلك عن حجة الإسلام‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في النهر‏:‏ وهذا ربما يومئ إلى الجواز ا هـ‏.‏ وإنما قال يومئ إلى الجواز لا من حيث إن كلام الفتح في المعتوه وكلامنا في المجنون، بل من حيث إن كلام الفتح فيما لو أحرم عن نفسه ثم أصابه العته، وكلامنا فيما إذا جن قبل أن يحرم عن نفسه، وإيماء الفتح إلى الجواز في ذلك في غاية الخفاء فافهم‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

الصبي الغير المميز لا يصح إحرامه ولا أداؤه، بل يصحان من وليه له، فيحرم عنه من كان أقرب إليه، فلو اجتمع والد وأخ يحرم الوالد ومثله المجنون، إلا أنه إذا جن بعد الإحرام يلزمه الجزاء ويصح منه الأداء وتمامه في اللباب‏.‏

‏(‏قوله لحديث‏:‏ «الحج عرفة»‏)‏ أي معظم ركنيه الوقوف بها باعتبار الأمن من البطلان عند فعله لا من كل وجه، فلا ينافي أن الطواف أفضل ط ‏(‏قوله فطاف إلخ‏)‏ عطف تحلل على طاف وسعى عطف تفسير والأولى الإتيان في الثلاثة بصيغة المضارع، بل الأولى قول الكنز في باب الفوات فليحلل بعمرة ليفيد الوجوب وبه صرح في البدائع، لكن المراد أنه يفعل مثل أفعال العمرة لأن ذلك ليس بعمرة حقيقة كما صرح به في باب الفوات من اللباب وغيره‏.‏ وفي الكلام إشارة إلى أن إحرام الحج باق وهذا عندهما‏.‏ وقال الثاني‏:‏ انقلب إحرامه إحرام عمرة‏.‏ وثمرة الخلاف تظهر فيما لو أحرم بحجة أخرى صح عند الإمام، ويرفضها لئلا يصير جامعا بين إحرامي حج، وعليه دم وحجتان وعمرة من قابل‏.‏ وقال الثاني‏:‏ يمضي فيها لانقلاب إحرام الأولى‏.‏ وقال محمد‏:‏ لا يصح إحرامه أصلا نهر ‏(‏قوله ولو حجة نذرا أو تطوعا‏)‏ وكذا لو فاسدا سواء طرأ فساده أو انعقد فاسدا كما إذا أحرم مجامعا نهر

‏(‏قوله فيما مر‏)‏ أي من أحكام الحج ط ‏(‏قوله لكنها تكشف وجهها لا رأسها‏)‏ كذا عبر في الكنز‏.‏ واعترضه الزيلعي بأنه تطويل بلا فائدة لأنها لا تخالف الرجل في كشف الوجه، فلو اقتصر على قوله لا تكشف رأسها لكان أولى‏.‏ وأجاب في البحر بأنه لما كان كشف وجهها خفيا لأن المتبادر إلى الفهم أنها لا تكشفه لأنه محل الفتنة نص عليه وإن كانا سواء فيه، والمراد بكشف الوجه عدم مماسة شيء له، فلذلك يكره لها أن تلبس البرقع لأن ذلك يماس وجهها كذا في المبسوط‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لو عطف قوله والمراد بأو لكان جوابا آخر أحسن من الأول تأمل ‏(‏قوله وجافته‏)‏ أي باعدته عنه‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وقد جعلوا لذلك أعوادا كالقبة توضع على الوجه ويسدل من فوقها الثوب ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله جاز‏)‏ أي من حيث الإحرام، بمعنى أنه لم يكن محظورا لأنه ليس بستر وقوله بل يندب‏:‏ أي خوفا من رؤية الأجانب‏.‏ وعبر في الفتح بالاستحباب، لكن صرح في النهاية بالوجوب وفي المحيط‏:‏ ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للأجانب بلا ضرورة لأنها منهية عن تغطيته لحق النسك لولا ذلك، وإلا لم يكن لهذا الإرخاء فائدة ا هـ‏.‏ ونحوه في الخانية‏.‏ وفق في البحر بما حاصله أن محمل الاستحباب عند عدم الأجانب‏.‏ وأما عند وجودهم فالإرخاء واجب عليها عند الإمكان، وعند عدمه يجب على الأجانب غض البصر، ثم استدرك على ذلك بأن النووي نقل أن العلماء قالوا لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها، بل يجب على الرجال الغض‏.‏ قال‏:‏ وظاهره نقل الإجماع‏.‏ واعترضه في النهر بأن المراد علماء مذهبه‏.‏ قلت‏:‏ يؤيده ما سمعته من تصريح علمائنا بالوجوب والنهي‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

علمت مما تقرر عدم صحة ما في شرح الهداية لابن الكمال من أن المرأة غير منهية عن ستر الوجه مطلقا إلا بشيء فصل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع كما قدمناه أول الباب ‏(‏قوله دفعا للفتنة‏)‏ أي فتنة الرجال بسماع صوتها ‏(‏قوله وما قيل‏)‏ رد على العيني ‏(‏قوله ولا ترمل إلخ‏)‏ لأن أصل مشروعيته لإظهار الجلد وهو للرجال ولأنه يخل بالستر، وكذا السعي‏:‏ أي الهرولة بين الميلين في السعي والاضطباع سنة الرمل ‏(‏قوله ولا تحلق‏)‏ لأنه مثلة كحلق الرجل لحيته بحر ‏(‏قوله من ربع شعرها‏)‏ أي كالرجل والكل أفضل قهستاني، خلافا لما قيل إنه لا يتقدر في حقها بالربع بخلاف الرجل بحر ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي عند قوله ثم قصر من بيان قدره وكيفيته ‏(‏قوله وتلبس المخيط‏)‏ أي المحرم على الرجال غير المصبوغ بورس أو زعفران أو عصفر إلا أن يكون غسيلا لا ينفض شرح اللباب ‏(‏قوله والخفين‏)‏ زاد في البحر وغيره القفازين‏.‏ قال في البدائع‏:‏ لأن لبس القفازين ليس إلا تغطية يديها وأنها غير ممنوعة عن ذلك، وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ولا تلبس القفازين» نهي ندب حملناه عليه جمعا بين الأدلة شرح اللباب ‏(‏قوله ولا تقرب الحجر في الزحام إلخ‏)‏ أشار إلى ما في اللباب من أنها عند الزحمة لا تصعد الصفا ولا تصلي عند المقام‏.‏

‏(‏قوله لا يمنع نسكا‏)‏ أي شيئا من أعمال الحج ‏(‏قوله إلا الطواف‏)‏ فهو حرام من وجهين دخولها المسجد وترك واجب الطهارة‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قدمنا عن المحيط أن تقديم الطواف شرط صحة السعي، فعن هذا قال القهستاني‏:‏ فلو حاضت قبل الإحرام اغتسلت وأحرمت وشهدت جميع المناسك إلا الطواف والسعي ا هـ‏.‏ أي لأن سعيها بدون طواف غير صحيح فافهم ‏(‏قوله فلو طهرت فيها إلخ‏)‏ تقدمت المسألة قبيل قوله ثم أتى منى ‏(‏قوله وهو‏)‏ أي الحيض بعد حصول ركنيه‏:‏ أي ركني الحج، وهو وإن كان فيه تشتيت الضمائر لكنه ظاهر ‏(‏قوله يسقط طواف الصدر‏)‏ أي يسقط وجوبه عنها كما قدمناه ولا دم عليها كما في اللباب ‏(‏قوله والبدن إلخ‏)‏ ذكره في الكنز هنا لمناسبة قوله ومن قلد بدنة تطوع أو نذر أو جزاء صيد ثم توجه معه يريد الحج فقد أحرم إلخ‏.‏ وقد ذكر المصنف مسألة التقليد أول باب الإحرام لأنه محلها فكان الأولى له ذكر هذه المسألة هناك أيضا ‏(‏قوله كما سيجيء‏)‏ أي في باب الهدي، والله الهادي إلى الصواب، وإليه المرجع والمآب‏.‏