فصل: باب القران

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب القران

أخره عن الإفراد وإن كان أفضل لتوقف معرفته على معرفة الإفراد ‏(‏قوله هو أفضل‏)‏ أي من التمتع وكذا من الإفراد بالأولى، وهذا عند الطرفين‏.‏ وعند الثاني هو والتمتع سواء قهستاني، والكلام في الآفاقي، وإلا فالإفراد أفضل كما سيأتي، وعند مالك التمتع أفضل‏.‏ وعند الشافعي الإفراد أي إفراد كل واحد من الحج والعمرة بإحرام على حدة كما جزم به في النهاية والعناية والفتح خلافا للزيلعي‏.‏ قال في الفتح أما مع الاقتصار على أحدهما فلا شك أن القران أفضل بلا خلاف‏.‏ وفي البحر‏:‏ وما روي عن محمد أنه قال‏:‏ حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل عندي من القران فليس بموافق لمذهب الشافعي فإنه يفضل الإفراد مطلقا ومحمد إنما فضله إذا اشتمل على سفرين، خلافا لما فهمه الزيلعي من أنه موافق للشافعي ثم منشأ الخلاف اختلاف الصحابة في حجته عليه الصلاة والسلام‏.‏ قال في البحر‏:‏ وقد أكثر الناس الكلام وأوسعهم نفسا في ذلك الإمام الطحاوي، فإنه تكلم في ذلك زيادة على ألف ورقة ا هـ‏.‏ ورجح علماؤنا أنه عليه الصلاة والسلام كان قارنا، إذ بتقديره يمكن الجمع بين الروايات، بأن من روى الإفراد سمعه يلبي بالحج وحده، ومن روى التمتع سمعه يلبي بالعمرة وحدها، ومن روى القران سمعه يلبي بهما، والأمر الآتي له عليه الصلاة والسلام فإنه لا بد له من امتثال ما أمر به الذي هو وحي، وقد أطال في الفتح في بيان تقديم أحاديث القران فارجع إليه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

اختار العلامة الشيخ عبد الرحمن العمادي في منسكه التمتع لأنه أفضل من الإفراد وأسهل من القران، لما على القارن من المشقة في أداء النسكين، لما يلزمه بالجناية من الدمين، وهو أحرى لأمثالنا لإمكان المحافظة على صيانة إحرام الحج من الرفث ونحوه فيرجى دخوله في الحج المبرور المفسر بما لا رفث ولا فسوق ولا جدال فيه، وذلك لأن القارن والمفرد يبقيان محرمين أكثر من عشرة أيام، وقلما يقدر الإنسان على الاحتراز فيها من هذه المحظورات سيما الجدال مع الخدم والجمال، والمتمتع إنما يحرم بالحج يوم التروية من الحرم فيمكنه الاحتراز في ذينك اليومين فيسلم حجه إن شاء الله تعالى‏.‏ قال شيخ مشايخنا الشهاب أحمد المنيني في مناسكه‏:‏ وهو كلام نفيس يريد به أن القران في حد ذاته أفضل من التمتع، لكن قد يقترن به ما يجعله مرجوحا، فإذا دار الأمر بين أن يقرن ولا يسلم عن المحظورات وبين أن يتمتع ويسلم عنها، فالأولى التمتع ليسلم حجه ويكون مبرورا لأنه وظيفة العمر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ونظيره ما قدمناه عن المحقق ابن أمير حاج من تفضيله تأخير الإحرام إلى آخر المواقيت لمثل هذه العلة وهذا كله بناء على أن المراد من حديث‏:‏ «من حج فلم يرفث» إلخ من ابتداء الإحرام لأنه قبله لا يكون حاجا كما قدمنا التصريح به عن النهر عند قوله فاتق الرفث والله تعالى أعلم‏.‏‏(‏قوله لحديث إلخ‏)‏ لم أر من ذكر الحديث بهذا اللفظ، نعم قال في الهداية‏:‏ ولنا قول عليه الصلاة والسلام‏:‏ «يا آل محمد أهلوا بحجة وعمرة معا» وأسنده في الفتح إلى الطحاوي في شرح الآثار‏.‏ وقال‏:‏ وروى أحمد من حديث أم سلمة قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج» وفي صحيح البخاري عن عمر قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول‏:‏ «أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فقال‏:‏ صل في هذا الوادي المبارك ركعتين، وقل حجة في عمرة»‏.‏ قلت‏:‏ وهو في شرح الآثار كذلك، فإن كان ما ذكره الشارح مخرجا فيها، وإلا فهو ملفق من هذين الحديثين وضمير فقال يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى الآتي ‏(‏قوله ولأنه أشق‏)‏ لكونه أدوم إحراما وأسرع إلى العبادة، وفيه جمع بين النسكين ط عن المنح ‏(‏قوله والصواب إلخ‏)‏ نقله في البحر عن النووي في شرح المهذب ط ‏(‏قوله لبيان الجواز‏)‏ إنما قال ذلك لأنه مكروه كما يأتي ط وكذا هو مكروه عند الشافعية كما في البحر عن النووي ‏(‏قوله ثم التمتع‏)‏ أي بقسميه‏:‏ أي سواء ساق الهدي أم لا ط ‏(‏قوله ثم الإفراد‏)‏ أي بالحج أفضل من العمرة وحدها، كذا في النهر ط ‏(‏قوله لغة الجمع بين شيئين‏)‏ أي بين حج وعمرة أو غيرهما‏.‏ قال في الصحاح‏:‏ قرن بين الحج والعمرة قرانا بالكسر، وقرنت البعيرين أقرنهما قرانا‏:‏ إذا جمعتهما في حبل واحد وذلك الحبل يسمى القران، وقرنت الشيء بالشيء‏:‏ وصلته، وقرنته صاحبته ومنه قران الكواكب ‏(‏قوله أي يرفع صوته بالتلبية‏)‏ تفسير لحقيقة الإهلال، وإلا فالمراد هنا التلبية مع النية، وإنما عبر عن ذلك بالإهلال للإشارة إلى أن رفع الصوت بها مستحب بحر ‏(‏قوله معا حقيقة‏)‏ بأن يجمع بينهما إحراما في زمان واحد، أو حكما بأن يؤخر إحرام إحداهما عن إحرام الأخرى ويجمع بينهما أفعالا، فهو قران بين الإحرامين حكما‏.‏ وقد عد في اللباب للقران سبعة شروط‏.‏ الأول‏:‏ أن يحرم بالحج قبل طواف العمرة كله أو أكثره، فلو أحرم به بعد أكثر طوافها لم يكن قارنا‏.‏ الثاني‏:‏ أن يحرم بالحج قبل إفساد العمرة‏.‏ الثالث‏:‏ أن يطوف للعمرة كله أو أكثره قبل الوقوف بعرفة، فلو لم يطف لها حتى وقف بعرفة بعد الزوال ارتفعت عمرته وبطل قرانه وسقط عنه دمه، ولو طاف أكثره ثم وقف أتم الباقي منه قبل طواف الزيارة‏.‏ الرابع‏:‏ أن يصونهما عن الفساد، فلو جامع قبل الوقوف وقبل أكثر طواف العمرة بطل قرانه وسقط عنه الدم، وإن ساقه معه يصنع به ما شاء‏.‏ الخامس‏:‏ أن يطوف للعمرة كله أو أكثره في أشهر الحج، فإن طاف الأكثر قبل الأشهر لم يصر قارنا‏.‏ السادس‏:‏ أن يكون آفاقيا ولو حكما، فلا قران لمكي إلا إذا خرج إلى الآفاق قبل أشهر الحج‏.‏ السابع عدم فوات الحج، فلو فاته لم يكن قارنا وسقط الدم، ولا يشترط لصحة القران عدم الإلمام بأهله، فيصح من كوفي رجع إلى أهله بعد طواف العمرة، وتمامه فيه ‏(‏قوله قبل أن يطوف لها أربعة أشواط‏)‏ فلو طاف الأربعة ثم أحرم بالحج لم يكن قارنا كما ذكرناه، بل يكون متمتعا إن كان طوافه في أشهر الحج، فلو قبلها لا يكون قارنا ولا متمتعا كما في شرح اللباب ‏(‏قوله وإن أساء‏)‏ أي وعليه دم شكر لقلة إساءته، ولعدم وجوب رفض عمرته، شرح اللباب ‏(‏قوله أو بعده‏)‏ أي بعدما شرع فيه ولو قليلا أو بعد إتمامه، سواء كان الإدخال قبل الحلق أو بعده ولو في أيام التشريق ولو بعد الطواف لأنه بقي عليه بعض واجبات الحج فيكون جامعا بينهما فعلا‏.‏ والأصح وجوب رفضها وعليه الدم والقضاء، وإن لم يرفض فدم جبر لجمعه بينهما كما في شرح اللباب وسيأتي تفصيل المسألة في آخر الجنايات ‏(‏قوله إذ القارن لا يكون إلا آفاقيا‏)‏ أي والآفاقي إنما يحرم من الميقات أو قبله، ولا تحل مجاوزته بغير إحرام؛ حتى لو جاوزه ثم أحرم لزمه دم ما لم يعد إليه محرما كما سيأتي في باب مجاوزة الميقات بغير إحرام ح‏.‏ والحاصل أنه يصح من الميقات وقبله وبعده، لكن قيد به لبيان أن القارن لا يكون إلا آفاقيا‏.‏ قال في البحر وهذا أحسن مما في الزيلعي من أن التقييد بالميقات اتفاقي ‏(‏قوله أو قبله‏)‏ أي ولو من دويرة أهله، وهو الأفضل لمن قدر عليه، وإلا فيكره كما مر، وقوله أو قبلها‏:‏ أي قبل أشهر الحج، لكن تقديمه على الميقات الزماني مكروه مطلقا كما مر أيضا، وهذا في الإحرام؛ وأما الأفعال فلا بد من أدائها في أشهر الحج كما قدمناه آنفا، بأن يؤدي أكثر طواف العمرة وجميع سعيها وسعي الحج فيها، لكن ذكر في المحيط أنه لا يشترط في القران فعل أكثر أشواط العمرة في أشهر الحج، وكأن مسنده ما روي عن محمد‏:‏ أنه لو طاف لعمرته في رمضان فهو قارن، ولا دم عليه إن لم يطف لعمرته في أشهر الحج، وأجاب في الفتح بأن القران في هذه الرواية بمعنى الجمع لا القران الشرعي، بدليل أنه نفى لازم القران بالمعنى الشرعي وهو لزوم الدم شكرا، ونفي اللازم الشرعي نفي لملزومه، وتمامه في البحر، لكن قال في شرح اللباب‏:‏ ويظهر لي أنه قارن بالمعنى الشرعي كما هو المتبادر من إطلاق محمد وغيره أنه قارن، بدليل أنه إذا ارتكب محظورا يتعدد عليه الجزاء، وغايته أنه ليس عليه هدي شكر لأنه لم يقع على الوجه المسنون ا هـ‏.‏ تأمل‏.‏ ‏(‏قوله إما بالنصب إلخ‏)‏ حاصله كما في البحر أن قوله ويقول إن كان منصوبا عطفا على يهل يكون من تمام الحد فيراد بالقول النية لا التلفظ لأنه غير شرط، وإن كان مرفوعا مستأنفا يكون بيانا للسنة، فإن السنة للقارن التلفظ بذلك، وتكفيه النية بقلبه‏.‏ وأورد في النهر على الأول أن الإرادة غير النية، فالحق أنه ليس من الحد في شيء ا هـ‏.‏ يعني أن قوله إني أريد إلخ ليس نية وإنما هو مجرد دعاء، وإنما النية هي العزم على الشيء والعزم غير الإرادة، وهو ما يكون بعد ذلك عند التلبية كما مر تقريره في باب الإحرام تأمل‏.‏ على أنه لو أريد به النية فلا ينبغي إدخالها في الحد لأنها شرط خارج عن الماهية‏.‏ وقد يجاب بأن الماهية الشرعية هنا لا وجود لها بدون النية تأمل، وقدمنا هناك الكلام على حكم التلفظ بالنية فافهم ‏(‏قوله ويستحب إلخ‏)‏ وإنما أخرها المصنف إشعارا بأنها تابعة للحج في حق القارن، ولذلك لا يتحلل عن إحرامها بمجرد الحلق بعد سعيها قهستاني‏.‏

‏(‏قوله وجوبا لقوله تعالى‏)‏ ‏{‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج‏}‏ جعل الحج غاية وهو في معنى المتعة بالإطلاق القرآني وعرف الصحابة من شمول المتعة للمتعة والقران بالمعنى الشرعي كما حققه في الفتح ‏(‏قوله لا يقع إلا لها‏)‏ لما قدمناه من أن من طاف طوافا في وقته وقع عنه نواه له أو لا وسيأتي أيضا في كلام الشارح آخر الباب ‏(‏قوله سبعة أشواط‏)‏ بشرط وقوعها أو أكثرها في أشهر الحج على ما قدمناه آنفا ‏(‏قوله يرمل في الثلاثة الأول‏)‏ أي ويضطبع في جميع طوافه ثم يصلي ركعتيه لباب وشرحه ‏(‏قوله بلا حلق‏)‏ لأنه وإن أتى بأفعال العمرة بكمالها إلا أنه ممنوع من التحلل عنها لكونه محرما بالحج، فيتوقف تحلله على فراغه من أفعاله أيضا شرح اللباب ‏(‏قوله ولزمه دمان‏)‏ لجنايته على إحرامين بحر وهو الظاهر، خلافا لما في الهداية من أنه جناية على إحرام الحج كما أوضحه في النهر ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي في حج المفرد ‏(‏قوله ويسعى بعده إن شاء‏)‏ أي وإن شاء يسعى بعد طواف الإفاضة، والأول أفضل للقارن أو يسن، بخلاف غيره فإن تأخير سعيه أفضل، وفيه خلاف كما قدمناه فافهم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

أفاد أنه يضطبع ويرمل في طواف القدوم إن قدم السعي كما صرح به في اللباب‏.‏ قال شارحه القاري‏:‏ وهذا ما عليه الجمهور من أن كل طواف بعده سعي فالرمل فيه سنة، وقد نص عليه الكرماني حيث قال في باب القران‏:‏ يطوف طواف القدوم ويرمل فيه أيضا لأنه طواف بعده سعي، وكذا في خزانة الأكمل، وإنما يرمل في طواف العمرة وطواف القدوم مفردا كان أو قارنا‏.‏ وأما ما نقله الزيلعي عن الغاية للسروجي من أنه إذا كان قارنا لم يرمل في طواف القدوم إن كان رمل في طواف العمرة فخلاف ما عليه الأكثر ا هـ‏.‏ فافهم‏.‏

‏(‏قوله جاز‏)‏ أطلقه فشمل ما إذا نوى أول الطوافين للعمرة والثاني للحج أي للقدوم، أو نوى على العكس، أو نوى مطلق الطواف ولم يعين، أو نوى طوافا آخر تطوعا أو غيره فيكون الأول للعمرة والثاني للقدوم كما في اللباب ‏(‏قوله وأساء‏)‏ أي بتأخير سعي العمرة وتقديم طواف التحية عليه هداية ‏(‏قوله ولا دم عليه‏)‏ أما عندهما فظاهر لأن التقديم والتأخير في المناسك لا يوجب الدم عندهما وعنده طواف التحية سنة، وتركه لا يوجب الدم فتقديمه أولى، والسعي بتأخيره بالاشتغال بعمل آخر لا يوجب الدم فكذا بالاشتغال بالطواف هداية ‏(‏قوله وذبح‏)‏ أي شاة أو بدنة أو سبعها، ولا بد من إرادة الكل للقربة وإن اختلفت جهتها، حتى لو أراد أحدهم اللحم لم يجز كما سيأتي في الأضحية؛ والجزور أفضل من البقر، والبقر أفضل من الشاة كذا في الخانية وغيرها نهر‏.‏ زاد في البحر‏:‏ والاشتراك في البقر أفضل من الشاة‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيده في الشرنبلالية تبعا للوهبانية بما إذا كانت حصته من البقرة أكثر من قيمة الشاة‏.‏ ا هـ‏.‏ وأفاد إطلاقهم الاشتراك هنا جوازه في دم الجناية والشكر بلا فرق، خلافا لما في البحر حيث خصه بالثاني كما يأتي بيانه في أول الجنايات‏.‏ قال في اللباب‏:‏ وشرائط وجوب الذبح‏:‏ القدرة عليه، وصحة القران، والعقل، والبلوغ، والحرية؛ فيجب على المملوك الصوم لا الهدي، ويختص بالمكان وهو الحرم والزمان وهو أيام للنحر ‏(‏قوله وهو دم شكر‏)‏ أي لما وفقه الله تعالى للجمع بين النسكين في أشهر الحج بسفر واحد لباب ‏(‏قوله فيأكل منه‏)‏ أي بخلاف دم الجناية كما سيأتي، ولا يجب التصدق بشيء منه، ويستحب له أن يتصدق بالثلث، ويطعم الثلث، ويدخر الثلث، ويهدي الثلث لباب‏.‏ قال شارحه‏:‏ والأخير بدل الثاني وإن كان ظاهر البدائع أنه بدل الثالث ‏(‏قوله بعد رمي يوم النحر‏)‏ أي بعد رمي جمرة العقبة وقبل الحلق لما مر‏.‏ وعبارة اللباب‏:‏ ويجب أن يكون بين الرمي والحلق ‏(‏قوله لوجوب الترتيب‏)‏ أي ترتيب الثلاثة‏:‏ الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق على ترتيب حروف قولك رذح، أما الطواف فلا يجب ترتيبه على شيء منها، والمفرد لا دم عليه فيجب عليه الترتيب بين الرمي والحلق كما قدمنا ذلك في واجبات الحج ‏(‏قوله وإن عجز‏)‏ أي بأن لم يكن في ملكه فضل عن كفاف قدر ما يشتري به الدم، ولا هو‏:‏ أي الدم في ملكه لباب، ومنه يعلم حد الغني المعتبر هنا، وفيه أقوال أخر، ويعلم من كلام الظهيرية أن المعتبر في اليسار والإعسار مكة لأنها مكان الدم كما نقله بعضهم عن المنسك الكبير للسندي ‏(‏قوله ولو متفرقة‏)‏ أشار إلى عدم لزوم التتابع ومثله في السبعة، وإلى أن التتابع أفضل فيهما كما في اللباب ‏(‏قوله آخرها يوم عرفة‏)‏ بأن يصوم السابع والثامن والتاسع‏.‏ قال في شرح اللباب‏:‏ لكن إن كان يضعفه ذلك عن الخروج إلى عرفات والوقوف والدعوات فالمستحب تقديمه على هذه الأيام، حتى قيل يكره الصوم فيها إن أضعفه عن القيام بحقها‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وهي كراهة تنزيه إلا أن يسيء خلقه فيوقعه في محظور ‏(‏قوله ندبا رجاء القدرة على الأصل‏)‏ لأنه لو صام الثلاثة قبل السابع وتالييه احتمل قدرته على الأصل فيجب ذبحه ويلغو صومه، فلذا ندب تأخير الصوم إليها، وهذه الجملة سقطت من بعض النسخ ‏(‏قوله فبعده لا يجزيه‏)‏ أي لا يجزيه الصوم لو أخره عن يوم النحر ويتعين الأصل، والأولى إسقاط هذا لأن المصنف ذكره بقوله فإن فاتت الثلاثة تعين الدم ‏(‏قوله فيه كلام‏)‏ تبع في ذلك صاحب النهر وفيه كلام لأن قول المصنف آخرها يوم عرفة دل على شيئين‏:‏ الأول أنه لا يصومها قبل السابع وتالييه‏.‏ والثاني أنه لا يؤخر الصوم عن يوم النحر، الأول مندوب، والثاني واجب‏.‏ ولما صرح المصنف بالثاني حيث قال فإن فاتت الثلاثة إلخ اقتصر في المنح تبعا للبحر على أن قوله آخرها يوم عرفة لبيان المندوب دون الواجب، لكن قد يقال‏:‏ إن قوله فإن فاتت إلخ بفاء التفريع يدل على أن المقصود من قوله آخرها يوم النحر بيان الواجب وهو عدم التأخير مع أنه الأهم، وزاد الشارح التنبيه على المندوب فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله بعد تمام أيام حجه‏)‏ الأولى إبدال الأيام بالأعمال كما فعل في البحر ليحسن قوله فرضا أو واجبا فإنه تعميم للأعمال من طواف الزيارة والرمي والذبح والحلق، وليناسب ما حمل عليه الآية من الفراغ من الأعمال ‏(‏قوله وهو‏)‏ أي التمام المذكور بمعنى أيام التشريق لأن اليوم الثالث منها وقت للرمي لمن أقام فيه بمنى ‏(‏قوله أين شاء‏)‏ متعلق بصام‏:‏ أي وصام سبعة في أي مكان شاء من مكة أو غيرها ‏(‏قوله لكن إلخ‏)‏ لا يحسن هذا الاستدراك بعد قوله وهو بمضي أيام التشريق ح ولعل وجهه دفع ما يتوهم من أن قوله وهو إلخ ليس شرطا للصحة بل شرط لنفي الكراهة كما في المنذور ونحوه‏:‏ فإنه لو صامه فيها صح مع الكراهة تأمل ‏(‏قوله لقوله تعالى إلخ‏)‏ علة لقوله أين شاء بقرينة التفريع، ويجوز جعله علة للاستدراك لأنه تعالى جعل وقت الصوم بعد الفراغ ولا فراغ إلا بمضي أيام التشريق، وهذا كله بناء على تفسير علمائنا الرجوع بالفراغ عن الأفعال لأنه سبب الرجوع فذكر المسبب وأريد السبب مجازا، فليس المراد حقيقة الرجوع إلى وطنه كما قال الشافعي، فلم يجز صومها بمكة، وإنما حملناه على المجاز لفرع مجمع عليه، وهو أنه لو لم يكن له وطن أصلا وجب عليه صومها بهذا النص، وتمامه في الفتح وحاصله أن تفسير الشافعي لا يطرد فتعين المجاز‏.‏ وادعى ابن كمال في شرح الهداية أن الأقرب الحمل على معنى حقيقي، وهو الرجوع من منى بالفراغ عن أفعال الحج لتقدم ذكر الحج‏.‏ واعترضه في النهر بأنه لا يطرد أيضا إذ الحكم يعم المقيم بمنى أيضا، ولا رجوع منه إلا بالفراغ، فما قاله المشايخ أولى ا هـ‏.‏ وإلى هذا أشار الشارح بقوله فعم من وطنه منى إلخ‏.‏ قلت‏:‏ لكن قال في الفتح إن صوم السبعة لا يجوز تقديمه على الرجوع من منى بعد إتمام الأعمال الواجبات لأنه معلق في الآية بالرجوع، والمعلق بالشرط عدم قبل وجوده ا هـ‏.‏ فليتأمل ‏(‏قوله فإن فاتت الثلاثة‏)‏ بأن لم يصمها حتى دخل يوم النحر تعين الدم لأن الصوم بدل عنه، والنص خصه بوقت الحج بحر ‏(‏قوله فلو لم يقدر‏)‏ أي على الدم تحلل‏:‏ أي بالحلق أو التقصير ‏(‏قوله وعليه دمان‏)‏ أي دم التمتع ودم التحلل قبل أوانه بحر عن الهداية، وتمامه فيه وفيما علقناه عليه ‏(‏قوله ولو قدر عليه‏)‏ أي على الدم، وقوله بطل صومه‏:‏ أي حكم صومه وهو خلفيته عن الهدي في إباحة التحلل بالحلق والتقصير في وقته فإن الهدي أصل في ذلك لعدم جواز التحلل قبله لوجوب الترتيب بينهما كما مر، والصوم‏:‏ أي الثلاثة فقط خلف عن الهدي في ذلك عند العجز عنه، فصار المقصود بالصوم إباحة التحلل بالحلق أو التقصير، فإذا قدر على الأصل قبل التحلل وجب الأصل لقدرته عليه قبل حصول المقصود بخلفه كما لو قدر المتيمم على الماء في الوقت قبل صلاته بالتيمم، بخلاف ما لو قدر على الهدي بعد الحلق أو قبله لكن بعد أيام النحر‏.‏ وعن هذا قال في فتح القدير‏:‏ فإن قدر على الهدي في خلال الثلاثة أو بعدها قبل يوم النحر لزمه الهدي وسقط الصوم لأنه خلف، وإذا قدر على الأصل قبل تأدي الحكم بالخلف بطل الخلف، وإن قدر عليه قبل الحلق قبل أن يصوم السبعة في أيام الذبح أو بعدها لم يلزمه الهدي لأن التحلل قد حصل بالحلق، فوجود الأصل بعده لا ينقض الخلف كرؤية المتيمم الماء بعد الصلاة بالتيمم، وكذا لو لم يجد حتى مضت أيام الذبح ثم وجد الهدي لأن الذبح مؤقت بأيام النحر، فإذا مضت فقد حصل المقصود، وهو إباحة التحلل بلا هدي وكأنه تحلل ثم وجده، ولو صام في وقته مع وجود الهدي ينظر، فإن بقي الهدي إلى يوم النحر لم يجزه للقدرة على الأصل، وإن هلك قبل الذبح جاز للعجز عن الأصل فكان المعتبر وقت التحلل ا هـ‏.‏ ونحوه في شرح الجامع لقاضي خان والمحيط والزيلعي والبحر وغيرها من كتب المذهب المعتبرة وللشرنبلالي رسالة سماها بديعة الهدي لما استيسر من الهدي خالف فيها ما في هذه الكتب، وادعى وجوب الهدي بوجوده في أيام النحر سواء حلق أو لا متمسكا بقولهم العبرة لأيام النحر في العجز والقدرة، وترك اشتراطهم بعد ذلك عدم الحلق لإقامة الصوم مقام الهدي، وادعى أيضا أن كلام الفتح وغيره يدل على أنه يتحلل بالهدي أصلا وبالحلق خلفا، وأن الحلق خلف عن الهدي‏.‏ ولا يخفى عليك أنه ليس في كلام الفتح ذلك، وأن اتباع المنقول واجب فلا يعول على هذه الرسالة، وقد كتبت على هامشها في عدة مواضع بيان ما فيها من الخلل، والله تعالى أعلم‏.‏

‏(‏قوله فإن وقف‏)‏ أي بعد الزوال إذ الوقوف قبله لا اعتبار به، وقيد بالوقوف لأنه لا يكون رافضا لعمرته بمجرد التوجه إلى عرفات هو الصحيح، وتمامه في البحر ‏(‏قوله بطلت عمرته‏)‏ لأنه تعذر عليه أداؤها لأنه يصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج وذلك خلاف المشروع بحر ‏(‏قوله فلو أتى إلخ‏)‏ محترز قوله قبل أكثر طواف العمرة ‏(‏قوله لم تبطل‏)‏ لأنه أتى بركنها ولم يبق إلا واجباتها من الأقل والسعي بحر ‏(‏قوله ويتمها يوم النحر‏)‏ أي قبل طواف الزيارة لباب ‏(‏قوله والأصل أن المأتي به‏)‏ أي كالطواف الذي نوى به القدوم أو التطوع ‏"‏ ومن جنس ‏"‏ حال منه، وما بمعنى نسك، وضمير به هو للشخص الآتي، وضمير به وله عائد على ما، وفي وقت متعلق بالمأتي، وقدمنا فروع هذا الأصل عند طواف الصدر ‏(‏قوله وقضيت‏)‏ أي بعد أيام التشريق شرح اللباب، وتقدم أن المكروه إنشاء العمرة في هذه الأيام لا فعلها فيها بإحرام سابق تأمل ‏(‏قوله بشروعه فيها‏)‏ فإنه ملزم كالنذر بحر ‏(‏قوله ووجب دم الرفض‏)‏ لأن كل من تحلل بغير طواف يجب عليه دم كالمحصر بحر ‏(‏قوله لأنه لم يوفق للنسكين‏)‏ أي للجمع بينهما لبطلان عمرته كما علمت، فلم يبق قارنا والله تعالى أعلم‏.‏