فصل: باب التعليق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب التعليق

ذكره بعد بيان تنجيز الطلاق صريحا وكناية لأنه مركب من ذكر الطلاق والشرط، فأخره عن المفرد نهر‏.‏

مطلب فيما لو حلف لا يحلف فعلق

‏(‏قوله من علقه تعليقا‏)‏ كذا في البحر‏.‏ والأولى أن يقول‏:‏ وهو مصدر علقه جعله معلقا ط‏:‏ أي لأن كلامه يوهم اشتقاق المصدر بيان المادة لإفادة أن المراد به لغة مطلق التعليق الشامل للحسي والمعنوي ‏(‏قوله واصطلاحا ربط إلخ‏)‏ فهو خاص بالمعنوي والمراد بالجملة الأولى في كلامه جملة الجزاء، وبالثانية جملة الشرط، وبالمضمون ما تضمنته الجملة من المعنى، فهو في مثل إن دخلت الدار فأنت طالق ربط حصول طلاقها بحصول دخولها الدار ‏(‏قوله ويسمى يمينا مجازا‏)‏ لما في النهر من أن التعليق في الحقيقة إنما هو شرط وجزاء فإطلاق اليمين عليه مجاز لما فيه من معنى السببية‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه أن هذا بيان للجملة الشرطية المتضمنة للتعليق المعرف بالربط الخاص كما علمت، وهذا الربط يسمى يمينا‏.‏ قال في الفتح‏:‏ إن اليمين في الأصل القوة، وسميت إحدى اليدين باليمين لزيادة قوتها على الأخرى وسمي الحلف بالله تعالى يمينا لإفادته القوة على المحلوف عليه من الفعل أو الترك بعد تردد النفس فيه، ولا شك في أن تعليق المكروه للنفس على أمر بحيث ينزل شرعا عند نزوله يفيد قوة الامتناع عن ذلك الأمر وتعليق المحبوب لها أي للنفس على ذلك يفيد الحمل عليه فكان يمينا ا هـ‏.‏ لكن هذا يحتمل أنه حقيقة أو مجاز في اللغة‏.‏ وفي أيمان البحر‏:‏ ظاهر ما في البدائع أن التعليق يمين في اللغة أيضا، قال‏:‏ لأن محمدا أطلق عليه يمينا وقوله حجة في اللغة ا هـ‏.‏ فأفاد أنه يمين لغة واصطلاحا، ولذا قال في معراج الدراية‏:‏ اليمين يقع على الحلف بالله تعالى وعلى التعليق‏:‏ قلت‏:‏ لكن مقتضى كلام الفتح المار أن المراد به التعليق على أمر اختياري للمعلق ليفيد قوة الامتناع عن الأمر المحلوف عليه أو قوة الحمل عليه، نحو‏:‏ إن بشرتني بكذا فأنت حر فغيره من التعليق لا يسمى يمينا، مثل إن طلعت الشمس أو إن حضت فأنت كذا؛ لكن في تلخيص الجامع وشرحه للفارسي‏:‏ لو حلف لا يحلف بيمين حنث بتعليق الجزاء بما يصلح شرطا، سواء كان الشرط فعل نفسه أم فعل غيره أم مجيء الوقت، كأنت طالق إن دخلت أو إن قدم زيد أو إذا جاء غد وكذا إذا جاء رأس الشهر، أو إذا أهل الهلال والمرأة من ذوات الحيض دون الأشهر لوجود ركن اليمين وهو تعليق الجزاء، ووجود اليمين شرط الحنث فيحنث، إلا أن يعلق بعمل من أعمال القلب كإن شئت أو أردت أو أحببت أو هويت أو رضيت، أو، بمجيء الشهر كإذا جاء رأس الشهر والمرأة من ذوات الأشهر فلا يحنث‏.‏ أما الأول فلأنه مستعمل في التمليك ولذا يقتصر على المجلس فلم يتمحض للتعليق، وأما الثاني فلأنه مستعمل في بيان وقت السنة لأن رأس الشهر في حقها وقت وقوع الطلاق السني فلم يتمحض للتعليق، ولهذا لم يحنث بتعليق الطلاق بالتطليق كأنت طالق إن طلقتك لاحتمال إرادة الحكاية عن الواقع من كونه مالكا لتطليقها فلم يتمحض للتعليق، ولا بقوله لعبده إن أديت إلي ألفا فأنت حر وإن عجزت فأنت رقيق وإن وجد الشرط والجزاء لأنه تفسير الكتابة فلم يتمحض للتعليق، ولا بقوله أنت طالق إن حضت حيضة لأن الحيضة الكاملة لا وجود لها إلا بوجود جزء من الطهر فيقع في الطهر فأمكن جعله تفسيرا لطلاق السنة فلم يتمحض للتعليق وإنما لم نحنثه بما لم يتمحض للتعليق في هذه الصور، لأن الحلف بالطلاق محظور، وحمل كلام العاقل على وجه فيه إعدام المحظور أولى، وقد أمكن حمله هنا على ما يحتمله من التمليك أو التفسير فلا يحمل على الحلف بالطلاق، وإنما حنث في قوله إن حضت فأنت طالق لوجود شرط الحنث وهو اليمين بذكر ركنه وهو الجزاء والشرط وقوله إن حضت لا يصلح تفسيرا للطلاق البدعي لتنوع البدعي إلى أنواع فلم يمكن جعله تفسيرا بخلاف السني فإنه نوع واحد وإنما حنث فيما إذا قال لها أنت طالق إن طلعت الشمس مع أن معنى اليمين وهو الحمل أو المنع مفقود ومع أن طلوع الشمس متحقق الوجود لا يصلح شرطا لأنه لا خطر في وجوده‏.‏ لأنا نقول‏:‏ الحمل والمنع ثمرة اليمين وحكمته، فقد تم الركن في اليمين دون الثمرة والحكمة، إذ الحكم الشرعي في العقود الشرعية يتعلق بالصورة لا بالثمرة والحكمة، ولذا لو حلف لا يبيع فباع فاسدا حنث لوجود ركن البيع وإن كان المطلوب منه وهو انتقال الملك غير ثابت، ولا نسلم عدم الخطر لاحتمال قيام الساعة في كل زمان ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏

مطلب لا يحنث بتعليق الطلاق بالتطليق

وحاصله أن كل تعليق يمين سواء كان تعليقا على فعله أو فعل غيره أو على مجيء الوقت وإن لم توجد فيه ثمرة اليمين وهي الحمل أو المنع فيحنث به في حلفه لا يحلف إلا إذا أمكن صرفه عن صورة التعليق إلى جعله تمليكا أو تفسيرا لطلاق السنة أو لبيان الواقع أو للكتابة كما في هذه المسائل الخمس المستثناة كما سيأتي في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى، وبهذا يتضح ما قاله في البحر من أن تعبير المصنف بالتعليق أولى من قول الهداية باب اليمين بالطلاق لأن التعليق يشمل الصوري كهذه الخمس، وبعضها قد ذكر في هذا الباب مع أنها ليست يمينا كما علمت وقوله في النهر إنه لا يحنث فيها لأنها ليست يمينا عرفا فلا ينافي كونها يمينا في اصطلاح الفقهاء ساقط لما علمت من أن عدم الحنث فيها لعدم تمحضها تعليقا وأنها ليست يمينا عندهم‏.‏ وأيضا لو كان ذلك مبنيا على العرف فما الفرق في العرف بين إن حضت وإن حضت حيضة حتى كان الأول يمينا دون الثاني ‏(‏قوله كون الشرط‏)‏ أي مدلول فعل الشرط ‏(‏قوله على خطر الوجود‏)‏ أي مترددا بين أن يكون وأن لا يكون لا مستحيلا ولا متحققا لا محالة لأن الشرط للحمل والمنع وكل منهما لا يتصور فيهما شرح التحرير ‏(‏قوله فالمحقق‏)‏ محترز قوله معدوما ح ‏(‏قوله تنجيز‏)‏ ليس على إطلاقه بل فيما لبقائه حكم ابتدائه كقوله لعبده إن ملكتك فأنت حر عتق حين سكت، وقوله لها إن أبصرت أو سمعت أو صححت وهي بصيرة أو سميعة أو صحيحة طلقت الساعة لأن ذلك أمر يمتد، فكان لبقائه حكم الابتداء، بخلاف إن حضت أو مرضت وهي حائض أو مريضة فعلى حيضة مستقبلة لأن الحيض والمرض مما لا يمتد أفاده في البحر‏.‏ ووجهه كما في الخانية أن الحيض والمرض وإن كان يمتد إلا أن الشرع لما علق بالجملة أحكاما لا تتعلق بكل جزء منه فقد جعل الكل شيئا واحدا فافهم ‏(‏قوله والمستحيل‏)‏ محترز قوله على خطر الوجود ح ‏(‏قوله لغو‏)‏ فلا يقع أصلا لأن غرضه منه تحقيق النفي حيث علقه بأمر محال، وهذا يرجع إلى قولهما إمكان البر شرط انعقاد اليمين خلافا لأبي يوسف وعلى هذا ظهر ما في الخانية‏:‏ لو قال لها إن لم تردي علي الدينار الذي أخذتيه من كيسي فأنت طالق فإذا الدينار في كيسه لا تطلق بحر، ومنه ما في القنية‏:‏ سكران طرق الباب فلم يفتح له فقال إن لم تفتحي الباب الليلة فأنت طالق ولم يكن في الدار أحد لا تطلق نهر ومنه مسائل ستأتي في الفروع آخر الباب‏.‏

مطلب إن لم تتزوجي بفلان فأنت طالق

‏[‏تنبيه‏]‏

في فتاوى الكازروني عن فتاوى المحقق عبد الرحمن المرشدي أنه سئل عمن قال لزوجته أنت طالق إن لم تتزوجي بفلان فأجاب لا خفاء في أن مراد الزوج بهذا التعليق إنما هو عدم تزوجها بفلان بعد زوال سلطانه عنها بانفصال العصمة وانقضاء العدة وهي حينئذ في غير ملكه فيكون لغوا فيلغو الشرط ويبقى قوله أنت طالق فتطلق منجزا كما اختاره بعض المتأخرين من علماء اليمن، بناء على استحالة وجود الشرط المعلق عليه الطلاق حالة بقائها في عصمة الزوج واختار بعض منهم صحة التعليق وجعله ممكنا وأوقع الطلاق في آخر جزء من حياته أو حياتها لأنه في معنى العدم والعدم متحقق مستمر، لكنه لما علقه بالمستقبل صلح جميع زمان الاستقبال لوجوده فلا يتعين له وقت آخر إلى أن ينتهي إلى آخر جزء من الحياة فيتضيق فيقع‏.‏ ولحظ بعضهم أنه شرط إلزامي فكأنه يريد إلزامها بعدم تزوجها بفلان وهو إلزام ما لا يلزم، فيلغو ويقع الطلاق منجزا‏.‏ أقول‏:‏ ولو قيل بأن مراد الزوج التعليق بعدم إرادتها التزوج بفلان بعد الطلاق صونا لكلام العاقل عن الإلغاء لم يبعد ويكون في ذلك القول قولها مع يمينها كما في نظائره من الأمور القلبية، نحو إن كنت تحبيني، فإن قالت له لم أرد التزوج به بعدك وقع الطلاق وإلا فلا ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ ثم نقل الكازروني هذه المسألة ثانيا عن الحدادي صاحب الجوهرة وأنه أجاب عنها سراج الدين الهاملي رواية عن شيخه علي بن نوح بأنها تطلق وتتزوج من أرادت‏.‏ قال الكازروني‏:‏ وهو الذي ينبغي أن يعول عليه‏:‏ أي بناء على أنه تعليق بمستحيل أو شرط إلزامي، ‏(‏قوله وكونه متصلا إلخ‏)‏ أي بلا فاصل أجنبي وسيأتي الكلام عليه عند قوله قال لها أنت طالق إن شاء الله متصلا‏.‏

مطلب التعليق المراد به المجازاة دون الشرط

‏(‏قوله وأن لا يقصد به المجازاة إلخ‏)‏ قال في البحر‏:‏ فلو سبته بنحو قرطبان وسفلة، فقال‏:‏ إن كنت كما قلت فأنت طالق تنجز، سواء كان الزوج كما قالت أو لم يكن لأن الزوج في الغالب لا يريد إلا إيذاءها بالطلاق، فإن أراد التعليق يدين وفتوى أهل بخارى عليه كما في الفتح ا هـ‏.‏ يعني على أنه للمجازاة دون الشرط كما رأيته في الفتح وكذا في الذخيرة‏.‏ وفيها والمختار والفتوى أنه إن كان في حالة الغضب فهو على المجازاة وإلا فعلى الشرط ا هـ‏.‏ ومثله في التتارخانية عن المحيط‏.‏ وفي الولوالجية‏:‏ إن أراد التعليق لا يقع ما لم يكن سفلة، وتكلموا في معنى السفلة‏.‏ عن أبي حنيفة أن المسلم لا يكون سفلة إنما السفلة الكافر وعن أبي يوسف أنه الذي لا يبالي ما قال وما قيل له‏.‏ وعن محمد أنه الذي يلعب بالحمام ويقامر‏.‏ وقال خلف‏:‏ إنه من إذا دعي لطعام يحمل من هناك شيئا والفتوى على ما روي عن أبي حنيفة لأنه هو السفلة مطلقا‏.‏ ا هـ‏.‏ والقرطبان الذي لا غيرة له ‏(‏قوله تنجيز‏)‏ الأولى تنجز بصيغة الماضي لأنه جواب قوله فلو قال ‏(‏قوله وذكر المشروط‏)‏ أي فعل الشرط لأنه مشروط لوجود الجزاء ‏(‏قوله لغو‏)‏ أي فلا تطلق لأنه ما أرسل الكلام إرسالا وكذا لو قال أنت طالق ثلاثا لولا أو إلا أو إن كان أو إن لم يكن بحر ‏(‏قوله به يفتى‏)‏ هو قول أبي يوسف‏.‏ وقال محمد تطلق للحال بحر ‏(‏قوله ووجود رابط‏)‏ أي كالفاء وإذا الفجائية ح ‏(‏قوله كما يأتي‏)‏ أي عند قوله وألفاظ الشرط ح

‏(‏قوله شرطه الملك‏)‏ أي شرط لزومه فإن التعليق في غير الملك والمضاف إليه صحيح موقوف على إجازة الزوج حتى لو قال أجنبي لزوجة إنسان إن دخلت الدار فأنت طالق توقف على الإجازة، فإن أجازه لزم التعليق فتطلق بالدخول بعد الإجازة لا قبلها وكذا الطلاق المنجز من الأجنبي موقوف على إجازة الزوج، فإذا أجازه وقع مقتصرا على وقت الإجازة بخلاف البيع فإنه بالإجازة يستند إلى وقت البيع والضابط فيه أن ما صح تعليقه بالشرط يقتصر وما لا يصح يستند بحر ‏(‏قوله حقيقة‏)‏ أشار إلى أن المراد ما يشمل تعليق الطلاق والعتق وكذا النذر كإن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بهذا الثوب اشترط ملكه له حالة التعليق أفاده الرحمتي ‏(‏قوله أو حكما‏)‏ أي أو كان الملك حكما كملك النكاح فإنه ملك انتفاع بالبضع لا ملك رقبة‏.‏ ثم إن هذا الحكمي إن كان ملك النكاح قائما فهو حكمي حقيقة وإن كان بعد الطلاق وهي في العدة فهو حكمي حكما وإلى هذا أشار بقوله ولو حكما ط ‏(‏قوله لمنكوحته أو معتدته‏)‏ فيه نشر مرتب‏.‏ قال في البحر‏:‏ وقدمنا آخر الكنايات عند قوله والصريح يلحق الصريح أن تعليق طلاق المعتدة فيها صحيح في جميع الصور إلا إذا كانت معتدة عن بائن وعلق بائنا كما في البدائع اعتبارا للتعليق بالتنجيز ‏(‏قوله أو الإضافة إليه‏)‏ بأن يكون معلقا بالملك كما مثل، وكقوله‏:‏ إن صرت زوجة لي أو بسبب الملك كالنكاح‏:‏ أي التزوج وكالشراء في إن اشتريت عبدا بخلاف قوله لعبد مورثه‏:‏ إن مات سيدك فأنت حر فإنه لا يصح التعليق لأن الموت ليس بموضوع للملك بل لإبطاله ثم اعلم أن المراد هنا بالإضافة معناها اللغوي الشاملة للتعليق المحض وللإضافة الاصطلاحية كأنت طالق يوم أتزوجك كما أشار إليه في الفتح وقد أطال في البحر في بيان الفرق بينهما فراجعه ‏(‏قوله فكذا‏)‏ أي فهو حر أو فأنت حر ‏(‏قوله أو الحكمي‏)‏ عطف على الحقيقي ح ‏(‏قوله كذلك‏)‏ أي عاما أو خاصا، وأشار بذلك إلى خلاف مالك رحمه الله حيث خصه بالخاص بامرأة أو بمصر أو قبيلة أو بكارة أو ثيوبة ككل بكر أو ثيب ‏(‏قوله كإن نكحت امرأة‏)‏ أي فهي طالق، وحذفه لدلالة ما بعده عليه ‏(‏قوله أو إن نكحتك‏)‏ لا فرق بين كونها أجنبية أو معتدة كما في البحر ‏(‏قوله وكذا كل امرأة‏)‏ أي إذا قال‏:‏ كل امرأة أتزوجها طالق، والحيلة فيه ما في البحر من أنه يزوجه فضولي ويجيز بالفعل كسوق الواجب إليها أو يتزوجها بعد ما وقع الطلاق عليها لأن كلمة كل لا تقتضي التكرار‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدمنا قبل فصل المشيئة ما يتعلق بهذا البحث‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

قال‏:‏ كل امرأة أتزوجها فهي طالق إن كلمت فلانا فكلم ثم تزوج لا يقع الطلاق عليها وإن كلم ثم تزوج ثم كلم طلقت المتزوجة بعد الكلام الأول خانية وانظر ما في الفصل العاشر من الذخيرة ‏(‏قوله باسم أو نسب‏)‏ الذي في البحر وغيره‏:‏ ونسب بالواو قال‏:‏ فلو قال فلانة بنت فلان التي أتزوجها طالق فتزوجها لم تطلق ا هـ‏.‏ أي لأنه لما لغا الوصف بالتزوج بقي قوله فلانة بنت فلان طالق وهي أجنبية ولم توجد الإضافة إلى الملك فلا يقع إذا تزوجها ‏(‏قوله أو إشارة‏)‏ التعريف بالإشارة في الحاضرة؛ وبالاسم والنسب في الغائبة، حتى لو كانت المرأة حاضرة عند الحلف لا يحصل التعريف بذكر اسمها ونسبها ولا تلغو الصفة، ويتعلق الطلاق بالتزوج‏.‏ وعليه ما في الجامع‏:‏ رجل اسمه محمد بن عبد الله وله غلام فقال إن كلم غلام محمد بن عبد الله هذا أحد فامرأته طالق وأشار الحالف إلى الغلام لا إلى نفسه ثم كلم الغلام بنفسه تطلق لأن الحالف حاضر، فتعريفه بالإشارة أو بالإضافة ولم يوجد فبقي منكرا فدخل تحت اسم النكرة، أفاده في البحر عن جامع شيخ الإسلام ‏(‏قوله فلغا الوصف‏)‏ أي قوله أتزوجها، فصار كأنه قال هذه طالق كقوله لامرأته هذه المرأة التي تدخل الدار طالق فإنها تطلق للحال دخلت أو لا بحر، وإنما لم تطلق الأجنبية لعدم الملك وعدم الإضافة إليه لإلغاء الوصف، بخلاف امرأته

‏(‏قوله لعدم الملك والإضافة إليه‏)‏ أما في مسألة المتن فظاهر وكذا فيما بعدها لأن الاجتماع في فراش لا يلزم كونه عن نكاح، كما أن وطء الجارية لا يلزم كونه عن ملك؛ ومثل ذلك ما لو قال لوالديه إن زوجتماني امرأة فهي طالق ثلاثا فزوجاه بلا أمره لا تطلق لأنه غير مضاف إلى ملك النكاح لأن تزويجهما له بلا أمره لا يصح بحر عن المحيط‏.‏ ثم قال لا فرق بين كونه بأمره أو بلا أمره كما في المعراج‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن في الخانية في صورة الأمر أن الصحيح أنه يصح اليمين وتطلق ا هـ‏.‏ وهو مشكل لأن الكلام في وجود شرط التعليق وهو الملك أو الإضافة إليه، وتزويج الأبوين غير سبب للملك من كل وجه لأنه قد يكون بأمره وبدونه، اللهم إلا أن يكون مراد الخانية ما إذا قال إن زوجتماني بأمري فحينئذ يصح اليمين وتطلق وإلا فلا وجه للتفصيل المذكور قبل صحة التعليق فالأوجه ما في المعراج ‏(‏قوله وأفاد في البحر إلخ‏)‏ قلت‏:‏ هذا العرف في دمشق الآن غير مطرد بل كان وبان، نعم بقي بين أطراف الناس وقال ط‏:‏ قلت العرف الجاري في مصر الآن أنها تعد زائرة ولو معها شيء غير ما يطبخ ‏(‏قوله كما لغا إلخ‏)‏ أصل ذلك ما في البحر عن المعراج‏:‏ ولو أضافه إلى النكاح لا يقع، كما لو قال أنت طالق مع نكاحك أو في نكاحك ذكره في الجامع بخلاف أنت طالق مع تزوجي إياك فإنه يقع، وهو مشكل‏.‏ وقيل الفرق أنه لما أضاف التزوج إلى فاعله واستوفى مفعوله جعل التزويج مجازا عن الملك لأنه سببه وحمل مع على بعد تصحيحا له وفي نكاحك لم يذكر الفاعل؛ فالكلام ناقص فلا يقدر بعد النكاح فلا يقع ويصح النكاح‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار الشارح إلى هذا الفرق بقوله لتمام الكلام إلخ‏.‏ ومقتضاه أنه لو قال‏:‏ مع نكاحي إياك؛ أو قال مع تزوجك انعكس الحكم لكن قال ح‏:‏ وفي النفس من هذا التعليل شيء فإن قوله مع نكاحك على تقدير مع نكاحي إياك والمقدر كالملفوظ، وإلى هذا الضعف أشار بصيغة التمريض ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ الأظهر الفرق بأنه عند عدم التصريح بالفاعل يحتمل تزوجه أو تزوج غيره لها، لكن مقتضى هذا عدم الفرق بين النكاح والتزوج في أنه إن صرح بذكر الفاعل يقع فيهما وإلا فلا فيهما فتأمل‏.‏ وأقرب من هذا كله ما استنبطه بعض فضلاء الدرس أن التزوج يعقب التزويج، فإذا قارن الطلاق التزوج وجد الملك قبله بالتزويج فيصح وتطلق، بخلاف مع نكاحك لأنه مقارن للملك ‏(‏قوله كمع موتي أو موتك‏)‏ لإضافته لحالة منافية للإيقاع في الأول والوقوع في الثاني كما تقدم في باب الصريح ‏(‏قوله في المجتبى عن محمد في المضافة‏)‏ أي في اليمين المضافة إلى الملك‏.‏ وعبارة المجتبى على ما في البحر‏:‏ وقد ظفرت برواية عن محمد أنه لا يقع، وبه كان يفتي كثير من أئمة خوارزم ا هـ‏.‏ وأما ما في الظهيرية من أنه قول محمد وبه يفتى فذاك غير ما نحن فيه كما يأتي بيانه قريبا فافهم ‏(‏قوله وللحنفي تقليده إلخ‏)‏ أي تقليد الشافعي‏.‏

مطلب في فسخ اليمين المضافة إلى الملك

قال في البحر‏:‏ وللحنفي أن يرفع الأمر إلى شافعي يفسخ اليمين المضافة، فلو قال‏:‏ إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثا فتزوجها فخاصمته إلى قاض شافعي وادعت الطلاق فحكم بأنها امرأته وأن الطلاق ليس بشيء حل له ذلك، ولو وطئها الزوج بعد النكاح قبل الفسخ ثم فسخ يكون الوطء حلالا إذا فسخ، وإذا فسخ لا يحتاج إلى تجديد العقد، ولو قال‏:‏ كل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة وفسخ اليمين ثم تزوج امرأة أخرى لا يحتاج إلى الفسخ في كل امرأة؛ وكذا في الخلاصة‏.‏ وفي الظهيرية أنه قول محمد، وبقوله يفتى ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومفهومه أن عندهما يحتاج إلى الفسخ في كل امرأة، وبه صرح في الظهيرية أيضا، فالخلاف هنا فيما إذا فسخ القاضي الشافعي اليمين في امرأة ثم تزوج الحالف امرأة أخرى، فعندهما لا يكفي الفسخ الأول بل يقع الطلاق على الثانية ما لم يفسخ ثانيا‏.‏ وعند محمد يكفي لأنها يمين واحدة فلا يحتاج إلى فسخها ثانيا، وبقول محمد يفتى‏.‏ ولا يخفى أن هذا مبني على صحة اليمين عنده، وأنه يقع بها الطلاق، فلا ينافي ما مر عن المجتبى من أن عدم الوقوع رواية عنه، فمن زعم أنه في الظهيرية جعل عدم الوقوع قول محمد لا رواية عنه وأنه المفتى به فقد وهم فافهم‏.‏ ثم قال في البحر‏:‏ وإذا عقد أيمانا على امرأة واحدة، فإذا قضى بصحة النكاح بعده ارتفعت الأيمان كلها، وإذا عقد على كل امرأة يمينا على حدة لا شك أنه إذا فسخ على امرأة لا ينفسخ على الأخرى، وإذا عقد يمينه بكلمة كلما فإنه يحتاج إلى تكرار الفسخ في كل يمين ا هـ‏.‏ فهي أربع مسائل في شرح المجمع للمصنف فإن أمضاه قاض حنفي بعد ذلك كان أحوط ا هـ‏.‏ ومحل الفسخ من الشافعي إذا كان قبل أن يطلقها ثلاثا لأنه لو فسخ تطلق ثلاثا بالتنجيز بعد النكاح فلا يفيد كما في الخانية‏.‏ وفيها أيضا أن شرطه أن لا يأخذ القاضي عليه مالا فلو أخذ لا ينفذ عند الكل إلا إن أخذ على الكتابة قدر أجرة المثل، فلو أزيد لا ينفذ والأولى أن لا يأخذ مطلقا‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر في البحر في كتاب القاضي إلى القاضي عن الولوالجية‏:‏ لو قال لها أنت طالق ألبتة فترافعا إلى قاض يراها رجعية وهو يراها بائنة فإنه يتبع رأي القاضي عند محمد، فيحل له المقام معها‏.‏ وقيل إنه قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف لا يحل هذا إن قضى له، فإن قضى عليه بالبينونة والزوج لا يراها يتبع رأي القاضي إجماعا، هذا كله إذا كان الزوج عالما له رأي واجتهاد، فلو عاميا اتبع رأي القاضي سواء قضى له أو عليه وهذا إذا قضى له، أما إن أفتى له فهو على الاختلاف السابق لأن قول المفتي في حق الجاهل بمنزلة رأيه واجتهاده ا هـ‏.‏ أي فيلزم الجاهل اتباع قول المفتي كما يلزم العالم اتباع رأيه واجتهاده، وبهذا علم أنه لا حاجة إلى التقليد مع القضاء لأن القضاء ملزم سواء وافق رأي الزوج أو خالفه، وكذا مع الإفتاء لو الزوج جاهلا ‏(‏قوله بل محكم‏)‏ في الخانية‏:‏ حكم المحكم كالقضاء على الصحيح‏.‏ وفي البزازية وعن الصدر أقول لا يحل لأحد أن يفعل ذلك‏.‏ وقال الحلواني‏:‏ يعلم ولا يفتى به لئلا يتطرق الجهال إلى هدم المذهب ا هـ‏.‏ بحر ‏(‏قوله بل إفتاء عدل إلخ‏)‏ عطف على مجرور الباء وهو فسخ‏.‏ وفي البحر عن البزازية‏:‏ وعن أصحابنا ما هو أوسع من ذلك‏.‏ وهو أنه لو استفتى فقيها عدلا فأفتاه ببطلان اليمين حل له العمل بفتواه وإمساكها‏.‏ وروي أوسع من هذا‏.‏ وهو أنه لو أفتاه مفت بالحل ثم أفتاه آخر بالحرمة بعد ما عمل بالفتوى الأولى فإنه يعمل بفتوى الثاني في حق امرأة أخرى لا في حق الأولى، ويعمل بكلا الفتوتين وفي حادثتين لكن لا يفتى به‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ يعني أن المفتي لا يفتي صاحب الحادث بما يتوصل به إلى فسخ اليمين، فلا يقول له ارفع الأمر إلى شافعي أحكمه في ذلك أو استفته، بل يقول يقع عليك الطلاق لأن عليه أن يجيب بما يعتقده، وليس له أن يدله على ما يهدم مذهبه، وليس المراد أنه لا يفتيه بفسخ اليمين إذا فعل صاحب الحادثة شيئا من ذلك، لما علمت من أن الجاهل يلزمه اتباع رأي القاضي والمفتي‏.‏ على أن قضاء القاضي في محل الاجتهاد يرفع الخلاف، فإذا فعل شيئا من ذلك فعلى الحنفي أن يفتيه بصحة الفسخ‏.‏ لا يقال‏:‏ إذا كان ذلك قول محمد فكيف لا يفتيه به، لما علمت من أن ذلك رواية عن محمد، وأن قوله كقول الشيخين بالوقوع، وأن ما في الظهيرية لا ينافي ذلك كما قررناه آنفا وليس للمفتي الإفتاء بالرواية الضعيفة، وكونها أفتى بها كثير من أئمة خوارزم لا ينافي ضعفها، ولذا تقدم عن الصدر أنه لا يحل لأحد أن يفعل ذلك، وكذا ما تقدم عن الحلواني من أنه يعلم ولا يفتى به، فلو ثبتت هذه الرواية عن محمد أو كانت صحيحة لبنوا الحكم عليها ولم يحتاجوا إلى بنائه على مذهب الشافعي، فهذا يدل على أنها رواية شاذة كما يشير إليه كلام المجتبى المار فافهم‏.‏ هذا، وفي البحر عن البزازية‏:‏ والتزوج فعلا أولى من فسخ اليمين في زماننا، وينبغي أن يجيء إلى عالم ويقول له ما حلف واحتياجه إلى نكاح الفضولي فيزوجه العالم امرأة ويجيز بالفعل فلا يحنث، وكذا إذا قال لجماعة لي حاجة إلى نكاح الفضولي فزوجه واحد منهم، أما إذا قال لرجل اعقد لي عقد فضولي يكون توكيلا ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وبفتوتين‏)‏ صوابه وبفتويين بياءين إحداهما منقلبة عن الألف المقصورة والثانية ياء التثنية كما في تثنية حبلى وقصوى، قال في الألفية‏:‏ آخر مقصور تثني اجعله يا إن كان عن ثلاثة مرتقيا‏.‏

مطلب في معنى قولهم ليس للمقلد الرجوع عن مذهبه

‏(‏قوله في حادثين‏)‏ قيد به لأن المستفتي إذا عمل بقول المفتي في حادثة فأفتاه آخر بخلاف قول الأول ليس له نقض عمله السابق في تلك الحادثة، نعم له العمل به في حادثة أخرى كمن صلى الظهر مثلا مع مس امرأة أجنبية مقلدا لأبي حنيفة فقلد الشافعي ليس له إبطال تلك الظهر، نعم يعمل بقول الشافعي في ظهر آخر، وهذا هو المراد من قول من قال ليس للمقلد الرجوع عن مذهبه وتقدم تمام الكلام على ذلك أول الكتاب في رسم المفتي ‏(‏قوله ولا يفتى به‏)‏ علمت وجهه آنفا‏.‏

‏(‏قوله تعليقه للثلاث‏)‏ هذا خاص بالحرة، وقولهم وما دونها يعم الحرة والأمة، وتقديره في الأمة‏:‏ ويبطل تنجيز الثنتين في الأمة تعليق ما دون الثلاث، وهو صادق بالثنتين وبالواحدة وظاهر عبارة الشارح أن ضمير تعليقه للزوج المعلق، وهو أولى من عوده على الطلاق لأن الأصل إضافة المصدر إلى فاعله كما ذكره في النهر ط ‏(‏قوله إلا المضافة إلى الملك‏)‏ أي في نحو‏:‏ كلما تزوجت امرأة فهي طالق ثلاثا فطلق امرأته ثلاثا ثم تزوجها فإنها تطلق لأن ما نجزه غير ما علقه، فإن المعلق طلاق ملك حادث فلا يبطله تنجيز طلاق ملك قبله ‏(‏قوله كما مر‏)‏ لم يتقدم ذلك في كلامه صريحا‏.‏

ويمكن أن يكون مراده ما قدمه في فصل المشيئة فيما لو قال لها أنت طالق كلما شئت فطلقت بعد زوج آخر لا يقع إن كانت طلقت نفسها ثلاثا متفرقة ‏(‏قوله يبطل بزوال الحل‏)‏ وذلك بوقوع الثلاث، وقوله لا بزوال الملك‏:‏ أي بوقوع ما دونها، فإن الملك وإن زال به عند انقضاء العدة لكن الحل ثابت، فإن له أن يعود إليها بلا زوج آخر محلل، بخلاف الثلاث، فإن وقوعها يزيل الحل بالكلية بحيث لا يعود إلا بمحلل؛ ولما كان المعلق هو طلقات هذا الملك بطل التعليق بزوالها لا بزوال ما دونها‏.‏ ‏(‏قوله بطل التعليق‏)‏ أي لزوال الحل بتنجيز الثلاث ‏(‏قوله لم يبطل‏)‏ لأنه لم يزل الحل بتنجيز ما دون الثلاث وإن زال الملك ‏(‏قوله فيقع المعلق كله‏)‏ لأن بطلان التعليق بزوال الحل ولم يزل فيبقى التعليق، فإذا وجد المعلق عليه وهو دخول الدار يقع المعلق وهو الثلاث، ولا ينافيه قولهم إن المعلق طلقات هذا الملك وقد زال بعضها لأنه مقيد بما إذا كانت الثلاث باقية، فإذا زال بعضها صار المعلق ثلاثا مطلقة، كما أفاده في الفتح وقدمناه قبل هذا الباب ‏(‏قوله بقية الأول‏)‏ أي ما بقي من طلقات النكاح الأول ‏(‏قوله وهي مسألة الهدم الآتية‏)‏ قدمنا قبل هذا الباب الكلام عليها‏.‏ وحاصلها أن الزوج الثاني يهدم الثلاث وما دونها عندهما، وعند محمد يهدم الثلاث فقط ‏(‏قوله وثمرته‏)‏ أي ثمرة الخلاف في مسألة الهدم ‏(‏قوله له رجعتها‏)‏ أي عندهما لأن الزوج الثاني عدم الواحدة الباقية وعادت المرأة إلى الأول بملك جديد فيملك عليها ثلاث طلقات فإذا دخلت الدار تقع واحدة من الثلاث ويبقى منها ثنتان فيملك الرجعة ‏(‏قوله خلافا لمحمد‏)‏ فعنده لا يملك الرجعة لعودها بما بقي من الملك الأول وهي واحدة، وقد وقعت بالدخول ط ‏(‏قوله وكذا يبطل‏)‏ أي التعليق، وهذا عطف على المتن ح ‏(‏قوله بلحاقه‏)‏ بفتح اللام ط عن القاموس ‏(‏قوله خلافا لهما‏)‏ أي للصاحبين، فعندهما لا يبطل التعليق لأن زوال الملك لا يبطله، وله أن بقاء تعليقه باعتبار قيام أهليته وبالارتداد ارتفعت العصمة فلم يبق تعليقه لفوات الأهلية، فإذا عاد إلى الإسلام لم يعد ذلك التعليق الذي حكم بسقوطه بحر عن شرح المجمع للمصنف ‏(‏قوله وبفوت محل البر إلخ‏)‏ نقله في البحر عن الثاني، لكن بلفظ‏:‏ ومما يبطله فوت محل الشرط كفوت محل الجزاء، كما إذا قال إن كلمت فلانا إلخ والتمثيل المذكور لفوات محل الشرط، فإن الشرط هو كلمت ودخلت‏:‏ أي مضمونهما وهو الكلام والدخول، ومحلهما هو فلان والدار المشار إليها، وفوت محل الجزاء كموت المرأة التي هي محل الطلاق، فإن بفوت هذين المحلين يبطل التعليق لأن التعليق لا بد أن يكون على أمر على خطر الوجود وقد تحقق عدمه ولا يقال‏:‏ يمكن حياة زيد بعد موته وإعادة البستان دارا لأن يمينه انعقدت على حياة كانت فيه‏.‏ كما قالوا في ليقتلن فلانا، وما أعيد بعد البناء دار أخرى غير المشار إليها كما صرحوا به أيضا في لا يدخل هذه الدار تأمل‏.‏

مطلب في مسألة الكوز

‏(‏قوله وستجيء مسألة الكوز بفروعها‏)‏ أي في باب اليمين في الأكل والشرب من كتاب الأيمان‏.‏ وحاصلها أن إمكان تصور البر في المستقبل شرط انعقاد اليمين وشرط بقائها خلافا لأبي يوسف، فلو حلف ليشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه أو كان فيه فصب قبل مضي اليوم لا يحنث عندهما لعدم انعقادها في الأول ولبطلانها في الثاني، وإن لم يقل اليوم ولا ماء فيه فكذلك لعدم انعقادها‏.‏ أما إذا كان فيه ماء فصب فإنه يحنث اتفاقا لانعقادها بإمكان البر ثم يحنث بالصب لأن البر يجب عليه كما فرغ، فإذا صب فات البر فيحنث كما لو مات الحالف والماء باق، بخلاف المؤقتة فإنه لا يجب عليه البر إلا في آخر أجزاء الوقت المعين‏.‏ ومن فروعها ليقتلن زيدا اليوم، أو ليأكلن هذا الرغيف اليوم، أو ليقضين دينه غدا فمات زيد أو أكل الرغيف غيره قبل مضي اليوم، أو قضى الدين أو أبرأه فلان قبل الغد لم يحنث، وتمامه في البحر من الأيمان‏.‏ أقول‏:‏ وإنما لم يذكر هذا التفصيل في المسألة السابقة لأن شرط الحنث فيها أمر وجودي وهو الكلام أو الدخول فإذا مات أو جعلت بستانا فقد فات المحل ووقع اليأس من الحنث فلا فائدة في بقاء اليمين، سواء كانت مؤقتة أو مطلقة بخلاف ما إذا كان شرط الحنث أمرا عدميا، مثل‏:‏ إن لم أكلم زيدا أو إن لم أدخل فإنها لا تبطل بفوت المحل بل يتحقق به الحنث لليأس من شرط البر وهذا إذا لم يكن شرط البر مستحيلا، وإلا فهو مسألة الكوز، وقد علمت ما فيها من التفصيل، وليس منها قوله لأصعدن السماء، فإن اليمين فيها منعقدة ويحنث عقبها لأن صعود السماء أمر ممكن في نفسه، وقد وقع لبعض الأنبياء وللملائكة وغيرهم، ولكنه يحنث عقب اليمين أو في آخر الوقت في المؤقتة لتحقق اليأس عادة، وهذا بخلاف مسألة الكوز، فإن شرب ما ليس موجودا في الكوز أو ما أريق منه غير ممكن في نفسه ولا في العادة فلذا تبطل اليمين، ولا يحنث إلا إذا صب منه وكانت اليمين مطلقة كما سيأتي تحقيقه في الأيمان إن شاء الله تعالى، وانظر ما سنذكره آخر الباب ‏(‏قوله له رجعتها‏)‏ لأنه لما علق الثلاثة كانت أمة وهو لا يملك عليها إلا ثنتين فكان معلقا ثنتين ح‏.‏

مطلب في ألفاظ الشرط

‏(‏قوله وألفاظ الشرط‏)‏ عدل عن الأسماء والحروف لاشتمالها عليهما، وهو بسكون الراء مشتق اشتقاقا كبيرا من الشرط محركة‏:‏ بمعنى العلامة؛ سمي بذلك لأنه علامة على ترتيب الثانية على الأولى وسمي الثاني جوابا لأنه لما لزم على القول الأول صار كالكلام الآتي بعد كلام السائل وجزاء تجوزا لأنه لما ترتب على فعل آخر أشبه الجزاء كما في النهر، فإضافة الألفاظ إلى الشرط إضافة المسمى إلى الاسم ح وقدمنا في صدر الكتاب الكلام على الاشتقاق والظاهر أنه اشتقاق هنا إذ لا بد من المغايرة لفظا بل الشرط هنا بمعنى العلامة على شيء خاص تأمل ‏(‏قوله أي علامات وجود الجزاء‏)‏ أي أن هذه الأدوات تدل بالذات على وجود الجزاء كما في النهر‏:‏ أي عند وجود الشرط ح ‏(‏قوله فلو فتحها وقع للحال‏)‏ هو قول الجمهور لأنها للتعليل، ولا يشترط وجود العلة وقت الوقوع بل يقع الطلاق نظرا لظاهر اللفظ‏.‏ وزعم الكسائي مناظرا للشيباني في مجلس الرشيد أنها شرطية بمعنى إذا، وهو مذهب الكوفيين ورجحه في المغني‏.‏ وعلى كل حال إذا نوى التعليق ينبغي أن تصح نيته نهر مختصرا، وإلى ذلك أشار الشارح بقوله فيدين ط‏.‏

مطلب فيما لو حذف الفاء من الجواب

‏(‏قوله وكذا لو حذف الفاء من الجواب‏)‏ يعني يقع للحال ما لم ينو التعليق فيدين‏.‏

وعن أبي يوسف أنه يتعلق حملا لكلامه على الفائدة فتضمر الفاء، والخلاف مبني على جواز حذفها اختيارا، فأجازه أهل الكوفة وعليه فرع أبو يوسف، ومنعه أهل البصرة وعليه تفرع المذهب بحر‏.‏ وذكر قبله عن المغني أن الأخفش قال‏:‏ إن ذلك واقع في النثر الفصيح، وإن منه ‏{‏إن ترك خيرا الوصية للوالدين‏}‏ وقال ابن مالك‏:‏ يجوز في النثر نادرا، ومنه حديث اللقطة «فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها» ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ينبغي في زماننا إذا قال إن دخلت أنت طالق أن يتعلق قضاء لأن العامة لا يفرقون بين دخول الفاء وعدمه عند قصد التعليق، وقد صار ذلك لغتهم ولا سيما مع وقوعه في الكلام الفصيح كما مر، وكما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن أطعتموهم إنكم لمشركون‏}‏ ‏{‏وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم‏}‏ ‏{‏والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون‏}‏ وغير ذلك، وإن ادعى تأويل الأول بأنه على تقدير القسم والثاني والثالث على جعل إذا لمجرد الوقت بلا ملاحظة الشرط فإنه مؤيد لقول الكوفيين والتأويل خلاف الظاهر، وإذا صار ذلك لغة للعامة ينبغي حمل كلامهم عليه كما لو تكلم به من كان من أهل تلك اللغة من العرب وكذا لو كان التعليق بلفظ أعجمي، وقد قال العلامة قاسم إنه يحمل كلام كل عاقد وناذر وحالف على لغته، هذا ما ظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏ثم رأيت بعد كتابتي لهذا في شرح نظم الكنز للعلامة المقدسي أقول‏:‏ ينبغي ترجيح قول أبي يوسف لكثرة حذف الفاء كما سمعت، وقالوا العوام لا يعتبر منهم اللحن في قولهم أنت واحدة بالنصب الذي لم يقل به أحد‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب المواضع التي يجب اقترانها بالفاء

‏[‏تنبيه‏]‏

وجوب اقتران الجواب بالفاء حيث تأخر الجواب كما قدمه الشارح أول الباب، وإذا كانت الأداة إن تقوم إذ الفجائية مقام الفاء في ربط الجواب كما تقرر في محله ‏(‏قوله في نحو طلبية إلخ‏)‏ أي في نحو المواضع السبعة المذكورة في قول الشاعر طلبية إلخ فإنها إذا وقعت جوابا يجب اقترانها بالفاء‏.‏ قال في النهر‏:‏ أي جملة طلبية كالأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض والتحضيض والدعاء، وأراد بالجامد نعم وبئس وعسى وفعل التعجب، وقوله وبما‏:‏ أي وبالجملة الفعلية المقرونة بما النافية، وبقد ظاهرة أو مقدرة كما في التسهيل‏.‏ وعبارة الرضي‏:‏ كل جملة فعلية مصدرة بحرف سوى لا ولم في المضارع سواء كان الفعل المصدر ماضيا أو مضارعا فدخل النفي بأن كما زاده المرادي، وزاد المقرونة بالقسم أو رب، لكن جعل ابن هشام القسمية من الطلبية ا هـ‏.‏ وتمام ذلك في البحر‏.‏ والحاصل أن المزيد أربعة‏:‏ المقرونة بسوف أو إن أو رب أو القسم، فالجملة أحد عشر موضعا أشار إليها الشارح بقوله في نحو طلبية إلخ، ونظمها المحقق ابن الهمام في الفتح بقوله‏:‏ تعلم جواب الشرط حتم قرانه بفاء إذا ما فعله طلبا أتى كذا جامدا أو مقسما كإن أو بقد ورب وسين أو بسوف ادر يا فتى أو اسمية أو كان منفي ما وإن ولن من يحد عما حددناه قد عتا‏.‏

مطلب ما يكون في حكم الشرط

‏(‏قوله وكل‏)‏ لم يذكر النحاة كلا وكلما في أدوات الشرط لأنهما ليسا منها، وإنما ذكرهما الفقهاء لثبوت معنى الشرط معهما وهو التعليق بأمر على خطر الوجود، وهو الفعل الواقع صفة الاسم الذي أضيفا إليه بحر ‏(‏قوله ولم تسمع كلما إلا منصوبة إلخ‏)‏ قال في النهر‏:‏ نقل النحاة أن كلما المقتضية للتكرار منصوبة على الظرفية والعامل فيها محذوف دل عليه جواب الشرط والتقدير‏:‏ أنت طالق كلما كان كذا وكذا، وما التي معها هي المصدرية التوقيتية‏.‏ وزعم ابن عصفور أنها مبتدأ وما نكرة موصوفة والعائد محذوف وجملة الشرط والجزاء في موضع الخبر‏.‏ ورده أبو حيان بأن كلما لم تسمع إلا منصوبة، وأنت خبير بأن هذا بعد تسليمه لا ينافي كونها مبتدأ، إذ الفتحة فيها فتحة بناء وبنيت لإضافتها إلى مبني ا هـ‏.‏ فمراد الشارح بالنصب ما يشمل فتحة الإعراب وفتحة البناء كما هو عرف المتقدمين، وقوله ولو مبتدأ أي كما هو قول ابن عصفور أشار به إلى الرد على أبي حيان، فإن المسموع فيها فتح لامها، ولا ينافي ذلك كونها مبتدأ بجعل الفتحة فتحة بناء لإضافتها إلى مبني فقد أفاد ما في النهر بأوجز عبارة فافهم ‏(‏قوله ونحو ذلك‏)‏ أشار به إلى أنه ليس المراد حصر ألفاظ الشرط بالستة المذكورة فإن منها لو ومن وأين وأيان وأنى وأي وما وفي الفتح فرع قال‏:‏ أنت طالق لولا دخولك أو لولا أبوك أو صهرك لا يقع وكذا في الإخبار بأن قال‏:‏ طلقتك بالأمس لولا كذا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومنها أفاد معناها‏.‏ ففي البحر‏:‏ أنت طالق بدخول الدار أو بحيضك لم تطلق حتى تدخل أو تحيض لأن الباء للوصل والإلصاق وإنما يتصل الطلاق ويلصق بالدخول إذا تعلق به، ولو قال أنت طالق على دخولك الدار إن قبلت يقع وإلا فلا، لأنه استعمل الدخول استعمال الأعواض فكان الشرط قبول العوض لا وجوده كما لو قال على أن تعطيني ألف درهم‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وقد يكون الكلام متضمنا للتعلق بدون تصريح بأداته كما مر في قوله ويكفي معنى الشرط إلخ، ومنه ما في البحر حيث قال‏:‏ وفي المحيط‏:‏ وعن أبي يوسف‏:‏ لو قال أنت طالق لدخلت فهذا يخبر أنه دخل الدار وأكده باليمين فيصير كأنه قال إن لم أكن دخلت الدار، فإن لم يكن دخل طلقت، ولو قال‏:‏ أنت طالق لا دخلت الدار يتعلق بالدخول‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم قال‏:‏ ولو قال‏:‏ أنت طالق ووالله لا أفعل كذا فهو تعليق ويمين، ولو قال‏:‏ أنت طالق والله لا أفعل كذا طلقت للحال ذكرهما في جوامع الفقه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ والفرق أنه إذا لم يعطف القسم تعين ما بعده جوابا له وصار فاصلا، فلم يصح أنت طالق للتعليق فتنجز ومنه أيضا علي الطلاق لا أفعل كذا ‏(‏قوله كلو‏)‏ هذا ما جزم به في البحر من أن المذهب أنها بمعنى الشرط، خلافا لما في الفتح من أنها لتحقيق عدم الشرط فلا تأتي للتعليق على ما فيه خطر الوجود ‏(‏قوله تعلق بدخولها‏)‏ كذا في المحيط وفيه‏:‏ عن أبي يوسف‏:‏ أنت طالق لو دخلت الدار لطلقتك فهذا رجل حلف بطلاق امرأته ليطلقنها إن دخلت الدار فإذا دخلت لزمه أن يطلقها ولا يقع إلا بموت أحدهما كقوله إن لم آت البصرة‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر وقدمنا الكلام في ذلك أوائل باب الصريح ‏(‏قوله فازداد عموما‏)‏ فيه أن الفعل لا عموم له‏.‏ وعبارة الغاية كما في الفتح والبحر‏:‏ لأن الفعل وهو الدخول أضيف إلى جماعة فيراد به عمومه عرفا مرة بعد أخرى ا هـ‏.‏ فمراده بالعموم التكرار ‏(‏قوله وهي غريبة‏)‏ أي لمخالفتها لقول المتون، وفيها تنحل اليمين إذا وجد الشرط مرة إلا في كلما، وجزم بغرابتها في الفتح والبحر، واستشكلها الزيلعي ‏(‏قوله وجعله في البحر أحد القولين‏)‏ ذكر ذلك عند قول الكنز‏:‏ ففيها إن وجد الشرط حيث قال‏:‏ والحق أن ما في الغاية أحد القولين نقل القولين في القنية في مسألة صعود السطح ا هـ‏.‏ ونقل هنا عن المعراج‏.‏ وعن بعض الحنابلة أن متى تقتضي التكرار والصحيح أن غير كلما لا يوجب التكرار ا هـ‏.‏ فأفاد ضعف هذا القول، وضعف ما عن بعض الحنابلة فافهم

‏(‏قوله أي تبطل اليمين‏)‏ أي تنتهي وتتم، وإذا تمت حنث فلا يتصور الحنث ثانيا إلا بيمين أخرى لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار لغة نهر ‏(‏قوله ببطلان التعليق‏)‏ فيه أن اليمين هنا هي التعليق ‏(‏قوله إلا في كلما‏)‏ فإن اليمين لا تنتهي بوجود الشرط مرة، وأفاد حصره أن متى لا تفيد التكرار، وقيل تفيده‏.‏ والحق أنها إنما تفيد عموم الأوقات، ففي متى خرجت فأنت طالق المفاد أن أي وقت تحقق فيه الخروج يقع الطلاق ثم لا يقع بخروج آخر، وإن المقرونة بلفظ أبدا كمتى، فإذا قال إن تزوجت فلانة أبدا فهي كذا فتزوجها فطلقت ثم تزوجها ثانيا لا تطلق لأن التأبيد إنما ينفي التوقيت فيتأبد عدم التزوج ولا يتكرر، وأي كذلك، حتى لو قال‏:‏ أي امرأة أتزوجها فهي طالق لا يقع إلا على امرأة واحدة كما في المحيط وغيره، بخلاف‏:‏ كل امرأة أتزوجها نهر‏.‏ والفرق أن لفظ كل للعموم ولفظ أي إنما يعم بعموم الصفة، لقولهم في‏:‏ أي عبيدي ضربته فهو حر لا يتناول إلا واحدا لأنه أسند إلى خاص، وفي‏:‏ أي عبيدي ضربك يعتق الكل إذا ضربوا لإسناده إلى عام، وفي‏:‏ أي امرأة زوجت نفسها مني فهي طالق يتناول الجميع، وتمام تحقيقه في البحر ‏(‏قوله كاقتضاء كل عموم الأسماء‏)‏ لأن كلما تدخل على الأفعال وكل تدخل على الأسماء، فيفيد كل منهما عموم ما دخلت عليه، فإذا وجد فعل واحد أو اسم واحد فقد وجد المحلوف عليه فانحلت اليمين في حقه وفي حق غيره من الأفعال والأسماء باقية على حالها فيحنث كلما وجد المحلوف عليه غير أن المحلوف عليه طلقات هذا الملك وهي متناهية فالحاصل أن كلما لعموم الأفعال وعموم الأسماء ضروري، فيحنث بكل فعل حتى تنتهي طلقات هذا الملك، وكل لعموم الأسماء وعموم الأفعال ضروري؛ ولو قال المصنف إلا في كل وكلما لكان أولى لأن اليمين في كل وإن انتهت في حق اسم بقيت في حق غيره من الأسماء‏.‏ ومن فروعها، لو كان له أربع نسوة فقال كل امرأة تدخل الدار فهي طالق فدخلت واحدة طلقت ولو دخلن طلقن، فإن دخلت تلك المرأة مرة أخرى لا تطلق؛ ولو قال‏:‏ كلما دخلت فدخلت امرأة طلقت، ولو دخلت ثانيا تطلق وكذا ثالثا، فإن تزوجت بعد الثلاث وعادت إلى الأول ثم دخلت لم تطلق خلافا لزفر‏.‏ ومنها لو قال‏:‏ كلما دخلت فامرأتي طالق وله أربع نسوة فدخل أربع مرات ولم يعن واحدة بعينها يقع بكل دخلة واحدة، إن شاء فرقها عليهن وإن شاء جمعها على واحدة بحر‏.‏ وفي الشرنبلالية‏:‏ فرع يكثر وقوعه‏.‏ قال في السراج نقلا عن المنتقى قال‏:‏ إن تزوجت امرأة فهي طالق ثلاثا وكلما حلت حرمت فتزوجها فبانت بثلاث ثم تزوجها بعد زوج يجوز، وإن عنى بقوله كلما حلت حرمت الطلاق فليس بشيء، وإن لم يكن أراد به طلاقا فهو يمين‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ولعل وجهه أن قوله وكلما حلت حرمت ليس تعليقا بالملك الخاص لأنه لا يلزم أن يكون حلها بالعقد لجواز أن ترتد ثم تسترق فليتأمل ‏(‏قوله فلا يقع‏)‏ تفريع على قوله فإنه ينحل بعد الثلاث، وإنما لم يقع لأن المحلوف عليه طلقات هذا الملك وهي متناهية كما مر‏.‏ أما لو كان الزوج الآخر قبل الثلاث فإنه يقع ما بقي ‏(‏قوله لدخولها على سبب الملك‏)‏ أي التزوج، فكلما وجد هذا الشرط وجد ملك الثلاث فيتبعه جزاؤه بحر، وفيه عن الكافي وغيره‏:‏ لو قال كلما نكحتك فأنت طالق فنكحها في يوم ثلاث مرات ووطئها في كل مرة طلقت طلقتين وعليه مهران ونصف‏.‏ وقال محمد‏:‏ بانت بثلاث، وعليه أربعة مهور ونصف‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ووجهه كما في الولوالجية أنه لما تزوجها أولا وقعت واحدة ووجب نصف مهر، فإذا دخل بها وجب مهر كامل لأنه وطء بشبهة في المحل ووجبت العدة، فإذا تزوجها ثانيا وقعت أخرى وهذا طلاق بعد الدخول معنى، فإن من تزوج المعتدة وطلقها قبل الدخول بها يكون عند أبي حنيفة وأبي يوسف طلاقا بعد الدخول معنى فيجب مهر كامل فصار مهران ونصف، فإذا دخل بها وهي معتدة عن رجعي صار مراجعا ولا يجب بالوطء شيء، فإذا تزوجها ثالثا لم يصح النكاح لأنه تزوجها وهي منكوحته‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏وقوله لتكرار الوقوع‏)‏ إشارة إلى الفرق‏.‏ وحاصله أنه في الأول علق وقوع الطلاق على إيقاعه الطلاق، فإذا طلق مرة يقع الطلاق عليها مرة أخرى، ولا تقع الثالثة لأن الثانية واقعة وليست بموقعة، بخلاف الثاني فإن المعلق عليه فيه وقوع الطلاق الصادق بالإيقاع فإن الإيقاع يستلزم الوقوع، فإذا طلقها مرة وجد الشرط فتقع أخرى، وبوقوع أخرى وجد شرط آخر فتقع أخرى‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏

مطلب المنعقد بكلمة كلما أيمان منعقدة للحال لا يمين واحدة

‏[‏تنبيه‏]‏

المنعقد بكلمة كلما أيمان منعقدة للحال لأن كلما بمنزلة تكرار الشرط والجزاء، وهذه رواية الجامع وعليها الفتوى لأنها أحوط وفي رواية المبسوط‏:‏ المنعقد للحال يمين واحدة ويتجدد انعقادها مرة بعد أخرى كلما حنث‏.‏ ا هـ‏.‏ محيط‏.‏ وينبغي أن تظهر الثمرة فيما إذا قال‏:‏ كلما حلفت فأنت طالق ثم علق بكلمة كلما فيقع الآن ثلاث على الأول وواحدة على الثاني‏.‏ وفي قضاء البزازية قال‏:‏ كلما تزوجتك فأنت كذا ثلاثا فتزوجها وفسخ اليمين شافعي ثم طلقها ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج آخر، فعلى رواية الجامع وهي الأصح يحتاج إلى الحكم بالفسخ ثانيا بحر ملخصا‏.‏

مطلب زوال الملك لا يبطل اليمين

‏(‏قوله وزوال الملك لا يبطل اليمين‏)‏ أي زواله بما دون الثلاث كما في الفتح، وأطلقه اكتفاء بما مر من أن التعليق يبطل بزوال الحل‏:‏ أي بتنجيز الثلاث، نعم يرد عليه أنه يبطل بالردة مع اللحاق خلافا لهما‏.‏ وأجاب في البحر بأن البطلان فيه لخروج المعلق عن الأهلية لا لزوال الملك‏.‏ واعترضه في النهر بأن عتق مدبريه وأمهات أولاده دليل زوال ملكه، وقيد بزوال الملك لأن زوال محل البر مبطل لليمين كما مر فإن قلت‏:‏ قد جعلوا زوال الملك مبطلا لليمين فيما لو حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه فخرجت بعد الطلاق وانقضاء العدة لم يحنث وبطلت اليمين بالبينونة، حتى لو تزوجها ثانيا ثم خرجت بلا إذن لم يحنث‏.‏ قلت‏:‏ اليمين مقيدة بحال ولاية الإذن والمنع بدلالة الحال وذلك حال قيام الزوجية فسقط اليمين بزوال الزوجية كما لو حلف لا يخرج إلا بإذن غريمه فقضى دينه ثم خرج لم يحنث، بخلاف إلا بإذن فلان ولا معاملة بينهما لأنها مطلقة كما في المحيط بحر‏.‏ وحاصله أنها لم تبطل لزوال الملك بل لفقد شرط قيدت به اليمين ونظيره‏:‏ لو حلفه الوالي ليعلمنه بكل مفسد تقيد بحال قيام ولايته كما سيأتي في الأيمان‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

استثنى في البحر من عدم بطلانها بزوال الملك فرعا‏.‏ في القنية‏:‏ إن سكنت في هذه البلدة فامرأته طالق وخرج على الفور وخلع امرأته ثم سكنها قبل انقضاء العدة لا تطلق لأنها ليست امرأته وقت وجود الشرط ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ فقد بطلت اليمين بزوال الملك هنا، فعلى هذا يفرق بين كون الجزاء فأنت طالق وبين كونه فامرأته طالق لأنها بعد البينونة لم تبق امرأته فليحفظ هذا فإنه حسن جدا‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيذكره الشارح في الفروع‏.‏ وحاصله تقييد قولهم زوال الملك لا يبطل اليمين بما إذا لم يكن الجزاء فامرأته طالق، أما لو كان كذلك فإنها تبطل‏.‏ أقول‏:‏ ما في القنية ضعيف لأنه مبني على اعتبار حالة الشرط بدليل التعليل بقوله لأنها وقت وجود الشرط ليست امرأته، وهو خلاف الأظهر‏.‏ ففي القنية أيضا‏:‏ إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ثم قال إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ففعل أحد الفعلين حتى بانت امرأته ثم فعل الآخر، فقيل لا يقع الثاني لأنها ليست امرأته عند وجود الشرط، وقيل يقع وهو الأظهر‏.‏ ا هـ‏.‏ فأفاد أن الأظهر اعتبار حالة التعليق لا حالة وجود الشرط، وهي في حالة التعليق كانت امرأته فلا يضر بينونتها بعده، وهذا هو الموافق لما أطلقه أصحاب المتون هنا، ولما صرحوا به أيضا في الكنايات من أن البائن لا يلحق البائن إلا إذا كان البائن معلقا قبل إيجاد المنجز البائن، كقوله‏:‏ إن دخلت الدار فأنت بائن ثم أبانها ثم دخلت بانت بأخرى وذلك باعتبار حالة التعليق، فإنها كانت امرأة له من كل وجه؛ ولو اعتبر حالة وجود الشرط لزم أن لا يقع المعلق، فقد ظهر أن المرجح اعتبار حالة التعليق‏.‏

مطلب مهم‏:‏ الإضافة للتعريف لا للتقييد

فيما لو قال لا تخرج امرأتي من الدار وعليه ما في البحر عن المحيط‏:‏ لو حلف لا تخرج امرأته من هذه الدار فطلقها وانقضت عدتها وخرجت، أو قال إن قبلت امرأتي فلانة فعبدي حر فقبلها بعد البينونة يحنث فيهما لأن الإضافة للتعريف لا للتقييد ا هـ‏.‏ وكذا ما قدمناه عن البحر‏:‏ لو قال كلما دخلت فامرأتي طالق وله أربع نسوة فدخل أربع مرات إلخ فإن تصريحه بأن له أن يجمعها على واحدة يشمل ما إذا كانت غير موطوءة وذلك بناء على اعتبار حالة التعليق؛ لأنها وقته كانت امرأته فدخلت في الأيمان الثلاث، ولما علمت من ترجيح أن المنعقد بكلمة كلما أيمان منعقدة للحال، وينبغي على القول بأنه كلما حنث ينعقد يمين آخر أنه لا يملك جمعها على واحدة لأنها بعد الحنث لم تبق امرأته فلا تدخل في اليمين المنعقدة بعده، لما قدمناه في آخر الكنايات من أنه إذا قال‏:‏ كل امرأة لي لا تدخل المبانة بالخلع والإيلاء إلا أن يعينها فاغتنم تحقيق هذا المقام وعليك السلام ‏(‏قوله من نكاح أو يمين‏)‏ بيان للملك، وقوله فلو أبانها أو باعه إلخ تفريع عليهما بطريق النشر المرتب ‏(‏قوله فلو أبانها‏)‏ أي بما دون الثلاث

‏(‏قوله وتنحل اليمين إلخ‏)‏ لا تكرار بين هذه وبين قوله فيما سبق وفيها تنحل اليمين إذا وجد الشرط مرة لأن المقصود هناك الانحلال بمرة في غير كلما وهنا مجرد الانحلال ا هـ‏.‏ ح ولأنه هنا بين انحلالها بوجودها في غير الملك بخلاف ما سبق ط ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي سواء وجد الشرط في الملك أو لا كما يدل عليه اللاحق ح ‏(‏قوله لكن إن وجد في الملك طلقت‏)‏ أطلق الملك فشمل ما إذا وجد في العدة والمراد وجود تمامه في الملك لا جميعه، حتى لو قال‏:‏ إن حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت الأولى في غير ملكه والثانية في ملكه طلقت، وتمامه في البحر، وسيأتي عند قول المصنف علق الثلاث بشيئين يقع المعلق إن وجد الثاني في الملك وإلا لا ‏(‏قوله فحيلة إلخ‏)‏ تفريع على قوله وإلا لا‏.‏

مطلب في اختلاف الزوجين في وجود الشرط

‏(‏قوله في وجود الشرط‏)‏ أي أصلا أو تحققا كما في شرح المجمع‏:‏ أي اختلفا في وجود أصل التعليق بالشرط أو في تحقق الشرط بعد التعليق‏.‏ وفي البزازية‏:‏ ادعى الاستثناء أو الشرط فالقول له، ثم قال‏:‏ وذكر النسفي‏:‏ ادعى الزوج الاستثناء وأنكرت فالقول لها ولا يصدق بلا بينة، وإن ادعى تعليق الطلاق بالشرط وادعت الإرسال فالقول له ا هـ‏.‏ وسيذكر المصنف الاختلاف في دعوى الاستثناء‏.‏ وظاهر ما ذكر عن النسفي أن الاختلاف غير جار في دعوى الشرط تأمل‏.‏ وفي البحر عن القنية‏:‏ ادعت أنه طلقها من غير شرط والزوج يقول طلقتها بالشرط ولم يوجد فالبينة فيه للمرأة؛ ولو ادعت عليه أنه حلف لا يضربها وادعى هو أنه لا يضربها من غير ذنب وأقاما البينة فيثبت كلا الأمرين وتطلق بأيهما كان‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ليعم العدمي‏)‏ نحو إن لم تدخلي الدار اليوم ‏(‏قوله فالقول له‏)‏ أي إذا لم يعلم وجوده إلا منها ففيه القول لها في حق نفسها كما يأتي ‏(‏قوله لإنكاره الطلاق‏)‏ أي إنكاره وقوعه؛ وهذا أولى من التعليل بأنه متمسك بالأصل وهو عدم الشرط لأنه لا يشمل مثل‏:‏ إن لم أجامعك في حيضتك فالقول له أنه جامعها مع أن الظاهر شاهد لها من وجهين‏:‏ كون الأصل عدم العارض، وكون الحرمة مانعة له من الجماع ‏(‏قوله ومفاده‏)‏ أي مفاد إطلاق قوله فالقول له ‏(‏قوله إن القول له‏)‏ بكسر الهمزة والجملة جواب لو، وهي وجوابها خبر أن الأولى المفتوحة الهمزة والمصدر المنسبك من المفتوحة وجملتها خبر المبتدأ وهو مفاد‏.‏ قال في البحر‏:‏ ثم اعلم أن ظاهر المتون يقتضي أنه لو علق طلاقها بعدم وصول نفقتها شهرا ثم ادعى الوصول وأنكرت فالقول قوله في عدم وقوع الطلاق، وقولها في عدم وصول المال إلخ ‏(‏قوله فادعى الوصول‏)‏ أي بعد مضي الأيام المعينة كما في القنية والذخيرة ‏(‏قوله وبه جزم في القنية‏)‏ كذا قاله في البحر والنهر، لكن الذي رأيته في القنية رامزا للعيون وللأصل القول للمرأة، ثم رمز للمنتقى على العكس‏:‏ أي القول للرجل ‏(‏قوله وأقره في البحر‏)‏ حيث قال في فصل الأمر باليد، قيل القول له لأنه ينكر الوقوع، لكن لا يثبت وصول النفقة إليها‏.‏ والأصح أن القول قولها في هذا وفي كل موضع يدعي إيفاء حق وهي تنكر‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال هنا‏:‏ وكأنه ثبت في ضمن قبول قولها في عدم وصول المال‏.‏ ا هـ‏.‏ ونقل الخير الرملي أيضا تصحيحه عن الفيض والفصول ثم اعلم أنه ذكر في جامع الفصولين برمز فوائد صدر الإسلام أنه قال في مسألة النفقة‏:‏ لو نشزت حتى مضت المدة ينبغي أن لا تطلق لأنها لما نشزت لم يبق لها نفقة ‏(‏قوله وهو يقتضي تخصيص المتون‏)‏ أي تخصيصها بكون القول له إذا لم يتضمن دعوى إيصال مال حملا للمطلق على المقيد ‏(‏قوله وجزم شيخنا‏)‏ يعني الشيخ زين بن نجيم صاحب البحر، حيث سئل عمن حلف بالطلاق لدائنه أنه يدفع له الدين في وقت معين‏.‏ فأجاب بأنه يصدق في الدفع بيمينه بالنسبة إلى عدم وقوع الطلاق، ولا يبرأ من الدين، ويحلف الدائن على عدم القبض ويستحقه ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا نظير المأمور بدفع الدين إذا ادعى الدفع من مال الآمر فإنه يصدق في حق براءة نفسه لا في حق براءة الآمر‏.‏ هذا، وقد علم مما قدمناه عن القنية وعن صاحب البحر أن في المسألة قولين فقط‏:‏ أحدهما القول بالتفصيل‏.‏ والآخر كون القول للمرأة في حق الطلاق وفي حق عدم وصول المال، وأما كون القول للرجل في الأمرين فلا قائل به خلافا لما توهمه الخير الرملي، وكذا صاحب نور العين من كلام جامع الفصولين، حيث ذكر أن القول للرجل لأنه منكر للحكم‏.‏ ثم ذكر أن القول لها وأنه الأصح، ثم رمز للذخيرة التفصيل، فتوهم منه أن الأقوال ثلاثة مع أنه لا يمكن أن يقال إن القول له في إيفاء المال إليها أو إلى الدائن أصلا، إذ لا وجه له مع ما يلزم عليه من اتخاذ ذلك حيلة لكل مديون أراد منع الحق عن مستحقه حيث يمكنه أن يعلق الطلاق على عدم الأداء في وقت معين ثم يدعي الأداء، وهذا مما لا يقول به أحد فضلا عن أن يكون هو المفاد من المتون والشروح، فعلم أن ما حكاه في جامع الفصولين آخرا هو المراد بالقول الذي ذكره أولا، ويدل عليه التعليل بأنه منكر للحكم‏:‏ أي حكم التعليق وهو الحنث عند وجود الشرط فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله إلا إذا برهنت‏)‏ وكذا لو برهن غيرها لأنه لا يشترط دعوى المرأة للطلاق ولا أن تبرهن لأن الشهادة على عتق الأمة وطلاق المرأة تقبل حسبة بلا دعوى؛ أفاده في البحر؛ ولو برهنا فالظاهر ترجيح برهانها لأنه إذا كان القول له كان برهانه لغوا، ويدل عليه أيضا ما قدمناه عن البحر عن القنية فيما لو ادعت أنه طلقها بلا شرط إلخ ‏(‏قوله وإن كان نفيا‏)‏ لأنها على النفي صورة وعلى إثبات الطلاق حقيقة، والعبرة للمقاصد لا للصورة كما لو شهدا أنه أسلم واستثنى وشهد آخران أنه أسلم ولم يستثن تقبل الثانية ولو كان فيها نفي، إذ غرضهما إثبات إسلامه‏.‏ ويشكل عليه ما سيأتي في الأيمان‏:‏ لو قال عبده حر إن لم يحج العام فشهدا بنحره بالكوفة لم يعتق خلافا لمحمد لأنها شهادة نفي معنى لأنها بمعنى لم يحج العام، فهذا يدل على أن شهادة النفي لا تقبل على الشرط، ولذا قال في الفتح إن قول محمد أوجه، لكن قيل إن علة عدم العتق اشتراط الدعوى في شهادة عتق العبد، وعليه فلو كانت أمة تعتق اتفاقا إذ لا تشترط دعواها، فحينئذ لا إشكال، أفاده في البحر ‏(‏قوله لأنه يملك الإنشاء‏)‏ أي فلا يتهم، أما إن كانت طاهرة فلا يصدق لأنه يريد إبطال حكم واقع في الظاهر لوجود وقت السنة، وقد اعترف بالسبب لأن المضاف سبب للحال زيلعي‏.‏ قلت‏:‏ وهذا مشكل لأن الاعتراف بالسبب إنما يثبت عند ثبوت الشرط وقد أنكر الشرط، نعم هذا يظهر لو قال أنت طالق للسنة بدون تعليق‏.‏ ففي البحر عن الكافي‏:‏ لو قال لامرأته الموطوءة أنت طالق للسنة لا يقع إلا في طهر خال عن الطلاق، والوطء عقيب حيض خال عن الطلاق والوطء، فإذا حاضت وطهرت وادعى الزوج جماعها أو طلاقها في الحيض لا يقبل قوله في منع الطلاق السني لانعقاد المضاف سببا للحال، وإنما يتراخى حكمه فقط، فدعوى الطلاق أو الجماع بعده دعوى المانع، فلا يقبل قوله في منع وقوع الطلاق في الطهر، لكن يقع طلاق آخر بإقراره بالطلاق في الحيض، وإن ادعى الطلاق أو الجماع وهي حائض صدق، ولو قال‏:‏ إن لم أجامعك في حيضتك فأنت طالق فادعى الجماع في الحيض لا تطلق لأنه علق الطلاق بصريح الشرط والمعلق بالشرط إنما ينعقد سببا عند الشرط لما عرف، فإذا أنكر الشرط فقد أنكر السبب، فيقبل قوله‏.‏ وكذا لو قال‏:‏ والله لا أقربك أربعة أشهر فمضت المدة ثم ادعى قربانها في المدة لا يقبل لأن الإيلاء سبب في الحال لكن تراخى وقوع الطلاق إلى مضي المدة وقد مضت المدة ووقع ظاهرا، فدعوى القربان دعوى المانع فلا يقبل؛ ولو ادعى القربان قبل مضي المدة يقبل قوله لأنه لم يقع الطلاق بعد، وقد أخبر عما يملك إنشاءه فيقبل قوله، ولو قال‏:‏ إن لم أقربك في أربعة أشهر فأنت طالق فمضت المدة ثم ادعى القربان في المدة لا يقع لأنه علق الطلاق بصريح الشرط، فمتى أنكر الشرط فقد أنكر السبب فيقبل قوله ا هـ‏.‏ فهذا كما ترى مخالف لما مر عن الزيلعي فليتأمل‏.‏ ‏(‏قوله فالمسألة السابقة‏)‏ هي قوله فإن اختلفا في وجود الشرط إلخ، والآتية هي قوله إن حضت كما بينه الشارح فيها ح‏.‏ والأحسن تفسير الآتية بقوله وما لا يعلم إلا منها إلخ ‏(‏قوله ليستا على إطلاقهما‏)‏ فتقيد الأولى بما إذا كان يملك الإنشاء، وتقيد الآتية بما إذا كان لا يملكه أخذا من هذا التفصيل المذكور هنا وما قاله الشارح تبع فيه ابن كمال في شرح الاصطلاح وفيه بحث‏.‏ أما أولا فلما علمت من مخالفة هذا التفصيل لما ذكرناه عن الكافي، وأما ثانيا فلأن الاختلاف هنا في الجماع لا في الحيض، والجماع ليس مما لا يعلم وجوده إلا منها لأن الرجل يعلمه لكونه فعله‏.‏ وأما ثالثا فلأنه لو سلم هذا التفصيل في هذه المسألة لا يلزم منه تقييد هاتين المسألتين اللتين هما قاعدتان تحتهما مسائل جزئية لهما، قد أطلق بعضها وصرح في بعضها بما يخالف هذا التفصيل كما قدمناه في مسألة النفقة عن الذخيرة والقنية من دعوى الوصول بعد مضي الأيام المعينة وكما قدمناه عن الكافي قريبا في قوله إن لم أقربك في أربعة أشهر من أن الدعوى بعد مضي المدة فقد قبل قوله مع أنه لا يملك الإنشاء فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله وما لا يعلم إلا منها‏)‏ قيد به لأنه لو كان يعلم من غيرها توقف الوقوع على تصديقه أو البينة كالدخول والكلام اتفاقا‏.‏ واختلفوا فيما لو علق بولادتها، فقالا‏:‏ يقع بشهادة القابلة، وعنده لا بد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين جوهرة، ولا يشمل ما لو قال إن شربت مسكرا بغير إذنك فأمرك بيدك وشرب ثم اختلفا فالقول له لأنه ينكر وقوع الطلاق مع أن الإذن لا يستفاد إلا منها لكن يطلع عليه بالقول بخلاف الحيض والمحبة ‏(‏قوله استحسانا‏)‏ والقياس أن يكون القول قوله لأنها تدعي شرط الحنث على الزوج ووقوع الطلاق وهو منكر فيكون القول قوله ولا تصدق إلا بحجة كغيره من الشروط‏.‏ وجه الاستحسان أن هذا الأمر لا يعرف إلا من قبلها؛ وقد ترتب عليه حكم شرعي فيجب عليها أن تخبر كي لا تقع في الحرام، إذ الاجتناب عنه واجب عليهما شرعا فيجب طريقه وهو الإخبار فتعينت له، فيجب قبول قولها لتخرج عن عهدة الواجب زيلعي ‏(‏قوله نهر بحثا‏)‏ أصل البحث لأخيه صاحب البحر، حيث قال‏:‏ وظاهره أنه لا يمين عليها، ويدل عليه قولهم إن الطلاق المعلق بإخبارها وقد وجد، ولا فائدة في التحليف لأنه وقع بقولها والتحليف لرجاء النكول، وهي لو أخبرت ثم قالت كنت كاذبة لا يرتفع الطلاق لتناقضها ا هـ‏.‏ لكن في حواشي مسكين‏:‏ نقل الحموي عن رمز المقدسي أن عليها اليمين بالإجماع، إذ ليس هذا من المواضع المستثناة من قولهم كل من قبل قوله فعليه اليمين‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ولا يخفى ما فيه لما علمت من عدم الفائدة في التحليف، ومن وجه الاستحسان، وعدم ذكرها في المستثنيات لا يدل على عدم كونها منها، فكم من أصل استثني منه أشياء مع بقاء غيرها لكون ذلك بحسب ما خطر في ذهن المستثني ولا سيما مع ظهور الوجه، نعم هذا في القضاء ظاهر‏؟‏ وأما في الديانة فينبغي التفرقة بين الحيض والمحبة لأن تعلق الطلاق بإخبارها قضاء وديانة إنما هو في المحبة، أما في الحيض فلا تطلق ديانة إلا إذا كانت صادقة كما تعرفه قريبا فافهم ‏(‏قوله ومراهقة كبالغة‏)‏ وأما حكم الصغيرة التي لا يحيض مثلها والآيسة؛ فقال في النهر لم أره، وينبغي أن يقبل من الآيسة لا الصغيرة ‏(‏قوله واحتلام كحيض في الأصح‏)‏ قال في النهر‏:‏ واختلف فيما لو قال لعبده إن احتلمت فأنت حر فقال احتلمت، فروى هشام أنه لا يصدق والأصح أنه يصدق لأن الاحتلام لا يعرفه غيره كالحيض كذا في المحيط ‏(‏قوله كقوله إن حضت إلخ‏)‏ اعلم أن التعليق بالمحبة كالتعليق بالحيض إلا في شيئين أحدهما أن التعليق بالمحبة يقتصر على المجلس لكونه تخييرا، حتى لو قامت وقالت أحبك لا تطلق، والتعليق بالحيض لا يبطل بالقيام كسائر التعليقات‏.‏ الثاني أنها إن كانت كاذبة في الإخبار تطلق في التعليق بالمحبة لما قلنا‏.‏ وفي التعليق بالحيض لا تطلق فيما بينه وبين الله تعالى زيلعي، ومثله في الفتح وغيره‏.‏ وفي كافي الحاكم الشهيد‏:‏ ولو قال أنت طالق إن كنت تحبين كذا وكذا لشيء يعرف أنها تحبه أو لا تحبه كالموت والعذاب فقالت أنا أحبه فالقول قولها ما دامت في مجلسها، وكذا إن كنت تبغضين كذا لشيء يعلم أنها تحبه كالحياة والغنى فقالت أنا أبغضه فهي طالق، وإن قال أنت طالق ثلاثا إن كنت تحبين كذا فقالت لست أحبه وهي كاذبة لم يقع، وكذا لو قال أنت طالق ثلاثا إن كنت أنا أحب ذلك ثم قال لست أحبه وهو كاذب فهي امرأته ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن يطأها وكذلك اليمين على البغض وكذلك لو قال‏:‏ إن كنت تحبين الطلاق بقلبك أو تريدينه أو تشتهينه بقلبك دون لسانك فأنت طالق ثلاثا فقالت لا أشاء ولا أحب ولا أهوى ولا أريد ولا أشتهي فهي امرأته، ولا تصدق بعد ذلك على قولها خلافه، وإن كانت في مجلسها ذلك أو سكتت فلم تقل شيئا حتى يقوم فهي امرأته، وإن كان في قلبها خلاف ما أظهرت فإنه يسعها أن تقيم معه فيما بينها وبين الله تعالى في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد‏:‏ لا يسعها المقام معه إن كان ما في قلبها خلاف ما أظهرت على لسانها ا هـ‏.‏ وذكر في البحر مسألة إن كنت أنا أحب كذا إلخ‏.‏ قال شمس الأئمة‏:‏ هذا مشكل لأنه يعرف ما في قلبه حقيقة، وإن كان لا يعرف ما في قلبها لكن الطريق ما قلنا إن الحكم يدار على الظاهر وهو الإخبار وجودا وعدما‏.‏ وذكر قاضي خان قال لامرأته‏:‏ إن سررتك فأنت طالق فضربها فقالت سرني، قالوا لا تطلق لأنا نتيقن بكذبها، قال قاضي خان‏:‏ وفيه إشكال، وهو أن السرور مما لا يوقف عليه فينبغي أن يتعلق الطلاق بخبرها ويقبل قولها في ذلك وإن كنا نتيقن بكذبها، كما لو قال‏:‏ إن كنت تحبين أن يعذبك الله بنار جهنم فأنت طالق فقالت أحب يقع‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ وهو ممنوع لقول الهداية إنه لا يتيقن بكذبها لأنها لشدة بغضها إياه تحب التخلص منه بالعذاب ا هـ‏.‏ وبهذا ظهر أنه لو علق بفعل قلبي وأخبرت به، فإن تيقنا بكذبها لم يقع وإلا وقع‏.‏ وفي البدائع‏:‏ إن كنت تكرهين الجنة تعلق بإخبارها بالكراهة مع أنها لا تصل إلى حالة تكره الجنة، فقد تيقنا بكذبها‏.‏ وقد يقال‏:‏ إنها لشدة محبتها للحياة الدنيا تكره الجنة لأنها لا تتوصل إليها إلا بالموت وهي تكرهه فلم نتيقن بكذبها‏.‏ وظاهر كلامهم هنا أنها لا تكفر بقولها أنا أحب عذاب جهنم وأكره الجنة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفرق في النهر بينه وبين مسألة السرور بأن إيلام الضرب القائم بها دليل ظاهر على كذبها، بخلاف مجرد محبة العذاب فإنه لا دليل فيه على التيقن بكذبها، لما مر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن يبقى الإشكال في مسألة إن كنت أنا أحب كذا إذا أخبر بخلاف ما في قلبه فإنه يتيقن بكذبه‏.‏ وإذا أدير الحكم على الإخبار كما مر عن شمس الأئمة لم يرد هذا، لكن يتوجه إشكال قاضي خان في مسألة السرور إلا أن يجاب بأنه يتعلق الحكم بالإخبار ما لم يتيقن غير المخبر بكذبه‏.‏ وبه يندفع إشكال شمس الأئمة وإشكال قاضي خان فتأمل‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في البحر‏:‏ قيد بمحبتها لأنه لو علقه بمحبة غيرها، فظاهر ما في المحيط أنه لا بد من تصديق الزوج فإنه قال‏:‏ لو قال أنت طالق إن لم تكن أمك تهوى ذلك فقالت الأم أنا لا أهوى وكذبها الزوج لا تطلق، فإن صدقها طلقت لما عرف‏.‏ وروى ابن رستم عن محمد أنه لو قال‏:‏ إن كان فلان مؤمنا فأنت طالق لا تطلق لأن هذا لا يعلمه إلا هو ولا يصدق هو على غيره وإن كان هو من المسلمين يصلي ويحج، ولو قال لآخر لي إليك حاجة فاقضها لي فقال امرأته طالق إن لم أقض حاجتك فقال حاجتي أن تطلق زوجتك فله أن لا يصدقه فيه ولا تطلق زوجته، لأنه محتمل للصدق والكذب فلا يصدق على غيره‏.‏ ا هـ‏.‏ قال الخير الرملي‏:‏ فقد علم من هذه الفروع أنه إن علق بفعل الغير لا يصدق ذلك الغير عليه سواء كان مما لا يعلم إلا منه أم لا، ولا بد من تصديق الزوج فيهما أو البينة فيما يثبت بها من الأمر الذي يعلم ‏(‏قوله لم يقبل قولها‏)‏ لأنه ضروري فيشترط فيه قيام الشرط زيلعي أي لأن قبول قولها ضرورة ترتب حكم شرعي عليه ويأتي تمامه ‏(‏قوله طلقت هي فقط‏)‏ أي دون فلانة لأن المنظور إليه في حقها شرعا الإخبار به لأنها أمينة، وفي حق ضرتها متهمة، وشهادتها على ذلك شهادة فرد، ولا بعد في أن يقبل قول الإنسان في حق نفسه لا في حق غيره كأحد الورثة إذا أقر بدين على الميت اقتصر على نصيبه إذا لم يصدقه الباقون، وتمامه في البحر ‏(‏قوله أو علم وجود الحيض منها‏)‏ لا ينافيه ما تقدم من قوله وما لا يعلم إلا منها إلخ لأن ذاك فيما إذا أشكل أمرها، وذا فيما لم يشكل بأن أخبرت في وقت عدتها المعروفة لزوجها وضرتها وشوهد الدم منها بحيث لم يبق شك تأمل رملي ‏(‏قوله وفي إن حضت إلخ‏)‏ تفصيل وبيان لما أجمله أولا، ومثله التعليق بفي أو مع كأنت طالق في حيضك أو مع حيضك كما في البحر ‏(‏قوله وقع من حين رأت‏)‏ لأنه بالاستمرار تبين أنه حيض من الابتداء فيجب على المفتي أن يعينه فيقول طلقت من حين رأت الدم، وليس هذا من باب الاستناد وإنما هو من باب التبيين، ولذا قال من حين رأت، وتمام بيانه في البحر‏.‏ وفيه عن الكافي في مسألة إن حضت فعبدي حر وضرتك طالق إذا رأت الدم فقالت حضت وصدقها أنه قبل الاستمرار يمنع الزوج عن وطء المرأة واستخدام العبد في الثلاثة لاحتمال الاستمرار ‏(‏قوله وكان بدعيا‏)‏ لوقوعه في الحيض، بخلاف إن حضت حيضة كما يأتي، وهذا بيان لثمرة التبين‏.‏ وتظهر أيضا فيما لو كان المعلق بالحيض عتقا فجنى العبد أو جني عليه بعد رؤية الدم، فبالاستمرار تكون الجناية جناية الأحرار، وفي أنها لا تحتسب هذه الحيضة من العدة لأن الشرط حيث كان هو رؤية الدم لزم أن يكون الوقوع بعد بعضها ولذا قلنا إنه بدعي، وفيما إذا خالعها في الثلاث حيث يبطل الخلع لأنها مطلقة قاله الحدادي ونظر فيه في البحر بأن الخلع يلحق الصريح وأجاب في النهر بأن الظاهر أنه محمول على ما إذا لم تكن مدخولا بها ‏(‏قوله فإن غير مدخولة‏)‏ تفريع على قوله وقع من حين رأت، واحترز عن المدخول بها ولو حكما كالمختلى بها لأنها لا يمكنها التزوج بآخر في الأيام الثلاثة لوجوب العدة عليها من الأول ‏(‏قوله في ثلاثة أيام‏)‏ الأولى في الثلاثة الأيام‏.‏ وعبارة النهر‏:‏ فتزوجت حين رأت الدم ح ‏(‏قوله فإرثها للزوج الأول‏)‏ لأنه لا يدري أكان ذلك حيضا أو لا بحر أي فلم يتحقق شرط وقوع الطلاق، فهي باقية على عصمته، ومقتضاه أن عقد الثاني عليها باطل فلا يلزمه المهر ‏(‏قوله وتصدق في حقها إلخ‏)‏ أي فيما إذا علق طلاقها وطلاق ضرتها على حيضها، وهذا يغني عنه قول المصنف المار طلقت هي فقط‏.‏ وفي البحر عن شرح المجمع‏:‏ فإن قال الزوج انقطع الدم في الثلاثة وأنكرت المرأة والعبد فالقول لهما لأن الزوج أقر بوجود شرط العتق ظاهرا لأن رؤية الدم في وقته تكون حيضا، ولهذا تؤمر بترك الصلاة والصوم، ثم ادعى عارضا يخرج المرئي من أن يكون حيضا فلا يصدق؛ فإن صدقته المرأة وكذبه العبد في الأيام الثلاث فالقول لهما، وإن كان بعدها فالقول للعبد ‏(‏قوله وفي إن حضت حيضة إلخ‏)‏ مثله أنت طالق مع حيضتك أو في حيضتك بالتاء بحر ‏(‏قوله لعدم تجزيها‏)‏ علة لمساواة التعبير بنصفها ونحوه للتعبير بحيضة، فإن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله‏.‏ وفي النهر عن الجوهرة‏:‏ ولو قال إذا حضت نصفها فأنت كذا وإذا حضت نصفها الآخر فأنت كذا لا يقع شيء ما لم تحض وتطهر، فإذا طهرت وقع طلقتان ‏(‏قوله لا يقع حتى تطهر منها‏)‏ إما بانقطاعه لعشرة أو بالاغتسال أو بما يقوم مقامه من صيرورة الصلاة دينا في ذمتها إذا انقطع لما دونها نهر ‏(‏قوله لأن الحيضة‏)‏ بفتح الحاء المرة الواحدة والحيضة بالكسر الاسم والجمع الحيض بحر عن الصحاح ‏(‏قوله اسم للكامل‏)‏ أي ولا تكمل الحيضة إلا بالطهر منها، فلو كانت حائضا لا تطلق حتى تطهر ثم تحيض، فإن نوى ما يحدث من هذه الحيضة فهو على ما نوى وكذا إذا قال إن حبلت إلا أن هنا إذ نوى الحبل الذي هي فيه لا يحنث لأنه ليس له أجزاء متعددة، بخلاف الحيض قاله الحدادي نهر‏.‏ ‏(‏قوله ما لم تر حيضة أخرى‏)‏ وذلك بأن تخبر وهي متلبسة بالحيض أو بعد الطهر منه، أما إذا أخبرت بعد تلبسها بحيضة أخرى لا يقبل قولها إلا إذا طهرت من الحيضة الأخرى، وهذا بخلاف قوله إذا حضت ولم يقل حيضة فإن الشرط إخبارها حال قيام الحيض فلا يقبل بعده كما مر‏.‏ قال في الفتح لأنه ضروري فيشترط قيام الشرط، بخلاف قوله إن حضت حيضة حيث يقبل قولها في الطهر الذي يلي الحيضة لا قبله ولا بعده؛ حتى لو قالت بعد مدة حضت وطهرت وأنا الآن حائض بحيضة أخرى لا يقبل قولها ولا يقع لأنها أخبرت عن الشرط حال عدمه، ولا يقع إلا إذا أخبرت عن الطهر بعد انقضاء هذه الحيضة، فحينئذ يقع لأنها جعلت أمينة شرعا فيما تخبر عن الحيض والطهر ضرورة إقامة الأحكام المتعلقة بها، فلا تكون مؤتمنة حال عدم تلك الأحكام لعدم الحاجة إذا كذبها الزوج ا هـ‏.‏ ومفهومه أنها لا تطلق بمجرد طهرها من الحيضة الأخرى بل لا بد من الإخبار لما مر من أن ما لا يعلم إلا منها يتعلق بإخبارها‏.‏ ويفهم من قوله إذا كذبها الزوج، أنه إذا صدقها يقع وإن لم تطهر من الثانية ‏(‏قوله وفي إن صمت يوما‏)‏ نظيره إن صمت صوما لا يقع إلا بتمام يوم لأنه مقدر بمعيار‏.‏ ا هـ‏.‏ فتح ‏(‏قوله بخلاف إن صمت إلخ‏)‏ أي أنه يتعلق بما يسمى صوما في الشرع وقد وجد بركنه وشرطه بإمساك ساعة فيقع به وإن قطعته بعده، وكذا إذا صمت في يوم أو في شهر لأنه لم يشترط إكماله، وإذا صليت صلاة يقع بركعتين، وفي إذا صليت يقع بركعة

‏(‏قوله فولدتهما‏)‏ أي واحدا بعد واحد نهر، ويأتي محترزه ومحترز قوله ولم يدر الأول ‏(‏قوله وثنتان تنزها‏)‏ أي تباعدا عن الحرمة نهر‏.‏ وفي القهستاني‏:‏ أي ديانة، يعني فيما بينه وبين الله تعالى كما ذكره المصنف وغيره‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومقتضاه أنه إذا وقعت عليه طلقة أخرى يجب عليه ديانة أن يفارقها للاحتياط والتباعد عن الحرمة وإن كان القاضي لا يحكم عليه بذلك بل يفتيه المفتي بذلك، ويدل على الوجوب تعبير المصنف وغيره باللزوم، ولكن في الهداية‏:‏ والأولى أن يأخذ بالثنتين تنزها واحتياطا فتأمل‏.‏ وإنما تلزمه الثنتان في القضاء لأن وقوعهما غير محقق‏.‏ والحل كان ثابتا بيقين فلا يزول بالاحتمال‏.‏ قيل‏:‏ ولو قال وأخرى تنزها لكان أولى لإيهام العبارة أن الثنتين غير الواحدة، وإن سلم فالتنزه إنما هو بواحدة والأخرى قضاء ‏(‏قوله أو مضت العدة بالثاني‏)‏ أشار إلى أنه لا رجعة ولا إرث بحر ‏(‏قوله فلا كلام‏)‏ أي فإنه يقع المعلق بالسابق ولا يقع بالأخرى شيء لما ذكره من أن الطلاق والمقارن إلخ ‏(‏قوله لأنه منكر‏)‏ أي للطلقة الزائدة، وهذا من فروع قوله وإن اختلفا في وجود الشرط إلخ ‏(‏قوله وإن تحقق ولادتهما معا إلخ‏)‏ لم يذكره المصنف لاستحالته عادة نهر، وإن ولدت خنثى وقعت واحدة وتوقفت الأخرى حتى يتبين حاله هندية عن البحر الزاخر ط ‏(‏قوله يقع ثنتان قضاء إلخ‏)‏ لأن الغلام إن كان أولا أو ثانيا تطلق ثلاثا واحدة به وثنتين بالجارية الأولى لأن العدة لا تنقضي ما بقي في البطن ولد، وإن كان آخرا يقع ثنتان بالجارية الأولى ولا يقع بالثانية شيء لأن اليمين بالجارية انحلت بالأولى، ولا يقع بالغلام شيء لأنه حال انقضاء العدة، وتردد بين ثلاث وثنتين فيحكم بالأقل قضاء وبالأكثر تنزها فتح ‏(‏قوله فواحدة قضاء‏)‏ لأنه إن كان الغلامان أولا وقعت واحدة بأولهما، ولا يقع بالثاني شيء ولا بالجارية الأخيرة لانقضاء العدة وإن كانت الجارية أولا أو وسطا وقع ثنتان بها وواحدة بالغلام بعدها أو قبلها فتردد بين ثلاث وواحدة ‏(‏قوله لأن الحمل اسم للكل‏)‏ لأنه اسم جنس مضاف فيعم كله فتح ‏(‏قوله والمسألة بحالها‏)‏ أي وولدت غلاما وجارية ‏(‏قوله لعموم ما‏)‏ أي فينقضي أن شرط وقوع الواحدة أو الثنتين كون جميع ما في بطنها غلاما أو جارية، ومثله ما في الفتح‏:‏ إن كان ما في هذا العدل حنطة فهي طالق أو دقيقا فطالق فإذا فيه حنطة ودقيق لا تطلق ‏(‏قوله لعدم اللفظ العام‏)‏ أي ولصدق اللفظ فإنه يصدق على الجارية والغلام أنهما كانا في البطن ط‏.‏ وفي الجامع‏:‏ لو قال إن ولدت ولدا فأنت طالق، فإن كان الذي تلدينه غلاما فأنت طالق ثنتين فولدت غلاما يقع الثلاث لوجود الشرطين لأن المطلق موجود في المقيد، وهو قول مالك والشافعي فتح ‏(‏قوله لم تطلق حتى تلد إلخ‏)‏ لأنه علقه بحدوث الحبل بعد اليمين وبتوهم حدوث الحبل قبل اليمين إلى سنتين فوقع الشك في الموقع فلا يقع بالشك كذا في المحيط بحر، وتنقضي العدة بالولد كما في كافي الحاكم، وهو صريح في أن الطلاق لم يقع بعد الولادة وإلا لم تنقض العدة بها بل يقع قبلها بالحبل لحادث بعد اليمين لأنه المعلق عليه، فقوله حتى تلد معناه ظهر بالولادة لأكثر من سنتين من وقت اليمين أن الطلاق قد وقع من أول الحبل، وإنما اشترط كون الولادة لأكثر من سنتين من وقت اليمين ليتحقق حدوث الحبل بعد اليمين، إذ لو كان لأقل من ذلك احتمل حدوثه قبل اليمين فلا يقع بالشك، ثم إذا ظهر بالولادة وقوع الطلاق من وقت الحبل فوقت الحبل مجهول فلم يعلم وقت الوقوع، إلا أن يقال بوقوعه قبل الولادة بستة أشهر لتيقن الحبل فيه وما قبله مشكوك فيه فلا يقع بالشك كذا بحثه ح

‏[‏تنبيه‏]‏

هذه اليمين لا تحرم الوطء، لكن يستحب أن لا يطأها إلا بالاستبراء لتصور حدوث الحبل كما في البحر عن المحيط، وإنما لم يجب الاستبراء لأن حل الوطء أصل، وحدوث الحبل موهوم كما أفاده ح ‏(‏قوله تنقضي به العدة‏)‏ في العبارة سقط والأصل عتقت لأنه ولد تنقضي به العدة‏.‏ وعبارة الجوهرة هكذا‏:‏ وإذا قال إن ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا ميتا طلقت، وكذا إذا قال لأمته‏:‏ إذا ولدت ولدا فأنت حرة فهو كذلك لأن الموجود مولود فيكون ولدا حقيقة، ويعتبر ولدا في الشرع حتى تنقضي به العدة والدم بعده نفاس وأمه أم ولد فتحقق الشرط وهو ولادة الولد ا هـ‏.‏ فقوله حتى تنقضي به العدة غاية لقوله ويعتبر ولدا في الشرع وليس معناه ما يفهم من الشرح من أن أم الولد تخرج به من العدة لأن العدة تجب عقب الحرية والحرية معلقة بالولادة فهي واقعة عقبها، فالولادة متقدمة على وجوب العدة بمرتبتين فكيف تنقضي العدة بالولادة كما أفاده ح

مطلب فيما لو تكرر الشرط بعطف أو بدونه

‏(‏قوله بتكرر الشرط‏)‏ وذلك بأن عطف شرطا على آخر وأخر الجزاء، نحو‏:‏ إذا قدم فلان وإذا قدم فلان فأنت طالق فإنه لا يقع حتى يقدما لأنه عطف شرطا محضا على شرط لا حكم له ثم ذكر الجزاء، فيتعلق بهما فصارا شرطا واحدا فلا يقع إلا بوجودهما، فإن نوى الوقوع بأحدهما صحت نيته بتقديم الجزاء على أحدهما وفيه تغليظ‏.‏ أو بأن كرر أداة الشرط بغير عطف كإن أكلت إن لبست فأنت طالق لا تطلق ما لم تلبس ثم تأكل وتقدم المؤخر، والتقديم إن لبست، فإن أكلت فأنت طالق وكذا كل امرأة أتزوجها إن كلمت فلانا فهي طالق يقدم المؤخر، فيصير التقدير، إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها طالق‏.‏ وعلى هذا إذا قال‏:‏ إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لا تطلق حتى تسأله أولا ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية الوعد وفي الوعد السؤال، فكأنه قال‏:‏ إن سألتني إن وعدتك إن أعطيتك كذا في الفتح‏:‏ وهذا إذا لم يكن الشرط الثاني مترتبا على الأول عادة وكان الجزاء متأخرا عن الشرطين أو متقدما عليهما وإلا كان كل شرط في موضعه، كإن أكلت إن شربت فأنت حر، حتى إذا شرب ثم أكل لم يعتق، وكذا إن دعوتني إن أجبتك أو إن ركبت الدابة إن أتيتني يقر كل شرط في موضعه لأنهما إذا كانا مرتبين عرفا أضمرت كلمة ثم، وكذا إن توسط الجزاء بين الشرطين يقر كل شرط في موضعه لأنه تخلل الجزاء بين الشرطين بحرف الوصل وهو الفاء، فيكون الأول شرطا لانعقاد اليمين، والثاني شرط الحنث كإن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت فلانا ويشترط قيام الملك عند الشرط الأول لأنه جعل شرط انعقاد اليمين كأنه قال عند الدخول إن كلمت فلانا فأنت طالق واليمين لا تنعقد إلا في الملك أو مضافة إليه، فإن كانت في ملكه عند دخول الدار صحت اليمين المتعلقة بالكلام فإذا كلمت يقع وإلا بإن دخلت بعد الطلاق والعدة لم يصح وإن كلمت وإذا دخلت الدار في العدة وكلمت فيها طلقت‏.‏

مطلب لو تكررت أداة الشرط بلا عطف فهو على التقديم والتأخير

والحاصل أنه إذا كرر أداة الشرط بلا عطف توقف الوقوع على وجودهما، لكن إن قدم الجزاء عليهما أو أخره فالملك يشترط عند آخرهما وهو الملفوظ به أولا على التقديم والتأخير، وإن وسطه فلا بد من الملك عندهما وإن كان بالعطف توقف على أحدهما قدم الجزاء أو وسطه، فإن أخره توقف عليهما، وإن لم يكرر أداة الشرط فلا بد من وجود الشيئين قدم الجزاء عليهما أو أخره بحر ملخصا، وتمامه فيه ‏(‏قوله أو لا‏)‏ عطف على حقيقة‏.‏ قال في البحر‏:‏ وأما الثاني أعني ما ليسا شرطين حقيقة، وهو أن يكون فعلا متعلقا بشيئين من حيث هو متعلق بهما نحو‏:‏ إن دخلت هذه الدار وهذه، أو إن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف فكذا فإنهما شرط واحد إلا أن ينوي الوقوع بأحدهما فاشترط للوقوع قيام الملك عند آخرهما، وكذا إذا كان فعلا قائما باثنين من حيث هو قائم بهما نحو‏:‏ إن جاء زيد وعمرو فكذا فإن الشرط مجيئهما ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إن وجد الشرط الثاني في الملك‏)‏ احتراز عن الشرط الأول فإنه على التفصيل كما علمت‏.‏ وأما أصل التعليق فشرط صحته الملك أو الإضافة إليه كما مر أول الباب فالكلام فيما بعد صحة التعليق ‏(‏قوله والمسألة رباعية‏)‏ لأنهما إما أن يوجدا في الملك أو خارجه أو الأول فقط في الملك أو العكس فإن كان الثاني في الملك وقع الطلاق سواء كان الأول في الملك أو لا، وإن كان الثاني خارج الملك لا يقع سواء كان الأول في الملك أو لا‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ففي قوله إذا جاء زيد وبكر فأنت طالق إذا جاءا معا وهي في ملكه أو طلقها وانقضت عدتها فجاء زيد ثم تزوجها فجاء عمرو طلقت، وإن جاء بعد العدة قبل التزوج أو جاء زيد في العدة وعمرو بعدها قبل التزوج لا تطلق ‏(‏قوله ولم يجب عليه العقر‏)‏ أشار بنفي العقر فقط إلى ثبوت الحرمة باللبث فإن الواجب عليه النزع للحال‏.‏ والعقر‏:‏ بالضم مهر المرأة إذا وطئت بشبهة وبالفتح‏:‏ الجرح كما في الصحاح بحر وقد مر الكلام عليه في باب المهر‏.‏ ‏(‏قوله باللبث‏)‏ بفتح اللام وسكون الباء‏:‏ المكث، من لبث كسمع، وهو نادر لأن المصدر من فعل بالكسر قياسه التحريك إذا لم يتعد بحر عن القاموس ‏(‏قوله لأن اللبث ليس بوطء‏)‏ لأن الوطء أي الجماع إدخال الفرج في الفرج وليس له دوام حتى يكون لدوامه حكم ابتدائه، كمن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لا يحنث باللبث بحر ‏(‏قوله لم يصر به مراجعا‏)‏ أي عند محمد لأنه فعل واحد فليس لآخره حكم فعل على حدة وقال أبو يوسف يصير مراجعا لوجود المس بشهوة وهو القياس نهر‏.‏ قال في البحر‏:‏ وجزم المصنف بقول محمد دليل على أنه المختار، وقيل ينبغي أن يصير مراجعا عند الكل لوجود المساس بشهوة، كذا في المعراج‏.‏ وينبغي تصحيح قول أبي يوسف لظهور دليله‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله في الطلاق الرجعي‏)‏ أي فيما إذا كان المعلق على الوطء طلاقا رجعيا ‏(‏قوله حقيقة أو حكما إلخ‏)‏ لا يصح جعله تعميما لقوله ثم أولج ثانيا بعد قوله إذا أخرج لأنه بعد الإخراج لا يمكنه تحريك نفسه إلا بعد إيلاج ثان حقيقة فيصير مراجعا بالإيلاج الثاني لا بالتحريك، فيتعين جعله تعميما لمجموع قوله أخرج ثم أولج، وعلى كل فقوله فيصير مراجعا بالحركة الثانية لا وجه لتقييدها بالثانية إلا أن تصور المسألة بما إذا أولج فقال إن جامعتك فأنت طالق فإنه كما قال في البحر‏:‏ إذا لم ينزع ولم يتحرك حتى أنزل لا تطلق، فإن حرك نفسه طلقت ويصير مراجعا بالحركة الثانية ‏(‏قوله ويجب العقر‏)‏ أي فيما إذا علق الثلاث أو عتق الأمة ط لأن البضع المحترم لا يخلو عن عقد أو عقر بحر ‏(‏قوله لاتحاد المجلس‏)‏ أي لا يجب الحد بالإيلاج ثانيا وإن كان جماعا، لما فيه من شبهة أنه جماع واحد بالنظر إلى اتحاد المقصود وهو قضاء الشهوة في المجلس الواحد، وقد كان أوله غير موجب للحد فلا يكون آخره موجبا له وإن قال ظننت أنها علي حرام‏.‏ وبهذا اندفع ما يقال‏:‏ إنه ينبغي أن يجب الحد في العتق لأنه وطء لا في ملك ولا في شبهته وهي العدة، بخلاف الطلاق لوجود العدة، أفاده في المعراج، لكن روي عن محمد‏:‏ لو زنى بامرأة ثم تزوجها في تلك الحالة، فإن لبث على ذلك ولم ينزع وجب مهران‏:‏ مهر بالوطء أي لسقوط الحد بالعقد، ومهر بالعقد وإن لم يستأنف الإدخال لأن دوامه على ذلك فوق الخلوة بعد العقد‏.‏ قال في النهر‏:‏ وهذا يشكل على ما مر، إذ قد جعل لآخر هذا الفعل الواحد حكما على حدة ا هـ‏.‏ وأجاب ح تبعا للحموي بأن هذا مروي عن محمد وذاك قوله فلا تنافي‏.‏ واعترضه ط بما في البحر عقب هذه المسألة من أن تخصيص الرواية بمحمد لا يدل على خلاف بل لأنها رويت عنه دون غيره ا هـ‏.‏ فتأمل‏.‏ قلت‏:‏ والجواب الحاسم للإشكال من أصله أن اعتبار آخر الفعل هنا من جهة كونه لخلوة مقررة للمهر بل فوقها لا من جهة كونه وطئا، ولا يمكن اعتبار ذلك في إيجاب الحد وثبوت الرجعة لأن الخلوة لا توجب ذلك فافهم

‏(‏قوله لأن الشرط إلخ‏)‏ عبارة البحر لأن الشرط لم يوجد لأن التزوج عليها أن يدخل عليها من ينازعها في الفراش ويزاحمها في القسم ولم يوجد ‏(‏قوله وقيده‏)‏ أي قيد الطلاق إذا نكحها في عدة الرجعي بما ذكر أخذا من مفهوم التعليل، وقال إن هذه واردة على المصنف يعني صاحب الكنز‏.‏ قلت وقد يقال‏:‏ إن المزاحمة في القسم موجودة حكما وإن لم يرد مراجعتها وقت الطلاق لاحتمال تغير الإرادة بعده بإرادة المراجعة؛ كما لو تزوجها في حال سفره أو حال نشوز الأولى فإن الذي يظهر الوقوع وإن لم توجد المزاحمة حقيقة وقت التزوج فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي في باب القسم ح‏.‏

مطلب مسائل الاستثناء والمشيئة

‏(‏قوله قال لها إلخ‏)‏ شروع في مسائل الاستثناء، وعقد لها في الهداية فصلا على حدة‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وألحق الاستثناء بالتعليق لاشتراكهما في منع الكلام من إثبات موجبه إلا أن الشرط يمنع الكل والاستثناء البعض، وقدم مسألة إن شاء الله لمشابهتها الشرط في منع الكل، وذكر أداة التعليق ولكنه ليس على طريقة لأنه منع لا إلى غاية والشرط منع إلى غاية يحققه كما يفيده‏:‏ أكرم بني تميم إن دخلوا، ولذا لم يورده في بحث التعليقات، ولفظ الاستثناء اسم توقيفي قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يستثنون‏}‏ أي لا يقولون إن شاء الله‏.‏

مطلب الاستثناء يثبت حكمه في صيغ الإخبار

لا في الأمر والنهي وللمشاركة في الاسم أيضا اتجه ذكره في فصل الاستثناء وإنما يثبت حكمه في صيغ الإخبار وإن كان إنشاء إيجاب لا في الأمر والنهي؛ فلو قال أعتقوا عبدي من بعد موتي إن شاء الله لا يعمل الاستثناء فلهم عتقه؛ ولو قال بع عبدي هذا إن شاء الله كان للمأمور بيعه‏.‏ وعن الحلواني‏:‏ كل ما يختص باللسان يبطله الاستثناء كالطلاق والبيع، بخلاف ما لا يختص به كالصوم لا يرفعه، لو قال نويت صوم غد إن شاء الله تعالى له أداؤه بتلك النية، كذا في الفتح؛ ومعنى قوله توقيفي أنه وارد في اللغة لا اصطلاحي فقط‏.‏

مطلب الاستثناء يطلق على الشرط لغة واستعمالا

وفي حاشية البيضاوي للخفاجي من سورة الكهف‏:‏ الاستثناء يطلق على التقييد بالشرط في اللغة والاستعمال كما نص عليه السيرافي في شرح الكتاب‏.‏ قال الراغب‏:‏ الاستثناء رفع ما يوجبه عموم سابق كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة‏}‏ أو رفع ما يوجبه اللفظ، كقوله امرأتي طالق إن شاء الله‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الحديث‏:‏ «من حلف على شيء فقال إن شاء الله فقد استثنى» ا هـ‏.‏ ويأتي الخلاف في أنه إبطال أو تعليق ‏(‏قوله متصلا‏)‏ احتراز عن المنفصل، بأن وجد بين اللفظين فاصل من سكوت بلا ضرورة تنفس ونحوه أو من كلام لغو كما يأتي وقيد في الفتح السكوت بالكثير‏.‏

مطلب قال أنت طالق وسكت ثم قال ثلاثا تقع واحدة

وفي الخانية قال لزوجته أنت طالق وسكت ثم قال ثلاثا، إن كان سكوته لانقطاع النفس تطلق ثلاثا وإلا تقع واحدة‏.‏ وفي أيمان البزازية‏:‏ أخذه الوالي وقال بالله فقال مثله، ثم قال لتأتين يوم الجمعة فقال الرجل مثله فلم يأت لم يحنث لأنه بالحكاية والسكوت صار فاصلا بين اسم الله تعالى وحلفه، وكذا فيما لو كان الحلف بالطلاق‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إلا لتنفس‏)‏ أي وإن كان له منه بد، بخلاف ما لو سكت قدر النفس ثم استثنى لا يصح الاستثناء للفصل، كذا في الفتح‏.‏ فعلم أن السكوت قدر النفس بلا تنفس كثير وأن السكوت للتنفس ولو بلا ضرورة عفو ‏(‏قوله أو إمساك فم‏)‏ أي إذا أتى بالاستثناء عقب رفع اليد عن فمه ‏(‏قوله لتأكيد‏)‏ نحو أنت طالق طالق إن شاء الله إذا قصد التأكيد فإنه تقدم في الفروع قبيل الكنايات أنه لو كرر لفظ الطلاق وقع الكل، فإن نوى التأكيد دين ا هـ‏.‏ وكذا أنت حر حر إن شاء الله كما في البحر ح ويأتي تمام الكلام على ذلك ‏(‏قوله أو تكميل‏)‏ نحو أنت طالق واحدة وثلاثا إن شاء الله، بخلاف ثلاثا وواحدة إن شاء الله فيقع الثلاث كما في البحر لأن ذكر الواحدة بعد الثلاث لغو، بخلاف العكس ‏(‏قوله كأنت طالق يا زانية أو يا طالق إن شاء الله‏)‏ مثالان‏:‏ المفيد الحد، والطلاق على سبيل النشر المرتب‏.‏ قال في البحر‏:‏ وفي البزازية أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله يقع وصرف الاستثناء إلى الوصف، وكذا أنت طالق يا طالق إن شاء الله، وكذا أنت طالق يا صبية إن شاء الله يصرف الاستثناء إلى الكل ولا يقع الطلاق، كأنه قال يا فلانة، والأصل عنده أن المذكور في آخر الكلام إذا كان يقع به طلاق أو يلزمه حد، كقوله‏:‏ يا طالق يا زانية فالاستثناء على الكل‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ أقول‏:‏ في هذه العبارة تحريف وسقط، فالأول في قوله وكذا أنت طالق يا صبية، فإن صوابه ولو قال أنت طالق يا صبية إلخ كما عبر في الذخيرة لمخالفته حكم ما قبله، والثاني في قوله والأصل إلخ فإن قوله فالاستثناء على الكل مخالف لقوله قبله يقع، وصرف الاستثناء إلى الوصف‏:‏ أي يقع الطلاق بقوله أنت طالق‏.‏ ويصرف الاستثناء إلى الوصف‏:‏ أي ما وصفها به من قوله يا طالق أو يا زانية فلا يقع به طلاق، ولا يلزمه حد‏.‏ فالصواب قوله في الذخيرة والأصل أن المذكور في آخر الكلام إذا كان يقع به طلاق، أو يجب به حد فالاستثناء عليه نحو قوله يا زانية أو يا طالق، وإن كان لا يجب به حد ولا يقع به طلاق فالاستثناء على الكل نحو قوله يا خبيثة‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن هذا التفصيل نقله في الذخيرة بلفظ وفي نوادر أبي الوليد عن أبي يوسف إلخ‏.‏ ونقل قبله عن ظاهر الرواية انصراف الاستثناء إلى الكل بدون تفصيل وقال إنه الصحيح، ومثله في شرح تلخيص الجامع، فما مشى عليه في البزازية خلاف الصحيح كما أوضحناه أول باب طلاق غير المدخول بها، ويوافقه قول الشارح هنا صح الاستثناء، فإن المتبادر منه انصراف الاستثناء إلى الكل أي الطلاق والوصف لا إلى الوصف فقط، وحينئذ فلا يقع الطلاق ولا يلزمه حد ولا لعان، لكن هذا مخالف لما مشى عليه في البزازية كما علمت فلا يناسب عزو الشارح المسألة إلى البزازية فافهم ‏(‏قوله وقع‏)‏ الأولى فإنه يقع، وإنما كان الفاصل هنا لغوا لأنه لا فائدة في ذكر الرجعي لكونه مدلول الصيغة شرعا ط، وانظر لم لم يجعل تأكيدا أو تفسيرا‏؟‏ كما قالوا في‏:‏ حر حر أو حر وعتيق ‏(‏قوله وقواه في النهر‏)‏ اعلم أنه قال في القنية‏:‏ لو قال أنت طالق رجعيا أو بائنا إن شاء الله يسأل عن نيته، فإن عني الرجعي لا يقع، وإن عنى البائن يقع ولا يعمل الاستثناء ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ وصوابه إن عنى الرجعي يقع لعدم صحة الاستثناء للفاصل، وإن عنى البائن لم يقع لصحة الاستثناء‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في النهر‏:‏ أقول بل الصواب ما في القنية، وذلك أن معنى كلامه أنت طالق أحد هذين، وبهذا لا يكون الرجعي لغوا وإن نواه بخلاف ما إذا نوى البائن، وأما البائن فليس لغوا على كل حال‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لا يخفى ما في هذا الكلام من عدم الالتئام والتناقض التام‏.‏ بيانه أن قوله‏:‏ وأما البائن فليس لغوا على كل حال يقتضي عدم الوقوع لصحة الاستثناء ومساواته للرجعي الذي قال فيه إنه لا يكون لغوا وإن نواه، وحينئذ فلا يقع فيهما، وهو خلاف ما في القنية، ومناقض لقوله بخلاف ما إذا نوى البائن فافهم، ولذا قال ح‏:‏ إن الحق ما في البحر لأنه إذا نوى الرجعي فجملة أنت طالق تفيده، فكان قوله رجعيا أو بائنا الذي هو بمعنى أحد هذين لغوا، بخلاف ما إذا نوى البائن فإن تلك الجملة لا تفيده فلم يكن قوله رجعيا أو بائنا لغوا‏.‏ فإن قلت‏:‏ لما نوى البائن كان قوله رجعيا لغوا إذا كان يكفيه أن يقول أنت طالق بائنا‏.‏ قلت‏:‏ هو تركيب صحيح لغة وشرعا، كما في إحدى امرأتي طالق، وحيث كان مقصوده البائن وكان قوله أنت طالق غير مفيد للبائن، فهو مخير بين أن يقول أنت طالق رجعيا أو بائنا وينوي البائن، وبين أن يقول أنت طالق بائنا‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله مسموعا‏)‏ هذا عند الهندواني وهو الصحيح كما في البدائع‏.‏ وعند الكرخي ليس بشرط ‏(‏قوله بحيث إلخ‏)‏ أشار به إلى أن المراد بالمسموع ما شأنه أن يسمع وإن لم يسمعه المنشئ لكثرة أصوات مثلا ط ‏(‏قوله للشك‏)‏ أي للشك في مشيئة الله تعالى الطلاق لعدم الاطلاع عليها ح ‏(‏قوله وإن ماتت قبل قوله إن شاء الله‏)‏ لأن ما جرى تعليق لا تطليق وموتها لا ينافي التعليق لأنه مبطل والموت أيضا مبطل فلا يتنافيان، فيكون الاستثناء صحيحا فلا يقع عليها الطلاق كذا في التبيين ح ‏(‏قوله وإن مات يقع‏)‏ أي إذا مات الزوج وهو يريده يقع لأنه لم يتصل به الاستثناء وتعلم إرادته بأن يذكر لآخر ذلك قبل الطلاق وكذا في النهر ح ‏(‏قوله ولا يشترط فيه القصد‏)‏ هو الظاهر من المذهب لأن الطلاق مع الاستثناء ليس طلاقا‏.‏ قال شداد بن حكيم رحمه الله‏:‏ وهو الذي صلى بوضوء الظهر ظهر اليوم الثاني ستين سنة، خالفني في هذه المسألة خلف بن أيوب الزاهد، فرأيت أبا يوسف في المنام فسألته، فأجاب بمثل قولي وطالبته بالدليل فقال‏:‏ أرأيت لو قال أنت طالق فجرى على لسانه أو غير طالق أيقع‏؟‏ قلت لا، قال‏:‏ هذا كذلك بزازية وفتح ‏(‏وله ولا التلفظ بهما‏)‏ أي بالطلاق والاستثناء ‏(‏قوله أو عكس‏)‏ أي كتب الطلاق وتلفظ بالاستثناء ‏(‏قوله أو أزال الاستثناء إلخ‏)‏ أشار به إلى قسم رابع، وهو ما إذا كتبهما معا فإنه يصح أيضا وإن أزال الاستثناء بعد الكتابة فافهم ‏(‏قوله ولا العلم بمعناه‏)‏ فصار كسكوت البكر إذا زوجها أبوها ولا تدري أن السكوت رضا يمضي به العقد عليها فتح ‏(‏قوله من غير قصد‏)‏ راجع لقوله ولا يشترط القصد، وقوله جاهلا راجع لقوله ولا العلم بمعناه ح‏.‏

مطلب فيما لو حلف وأنشأ له آخر

‏(‏قوله وأفتى الشيخ الرملي الشافعي إلخ‏)‏ اعلم أن هذه المسألة مبنية عند الشافعية على أن من أخذ بقول غيره معتمدا عليه لا يحنث، وفرعوا عليه ما لو فعل المحلوف عليه معتمدا على إفتاء مفت بعدم حنثه به وغلب على ظنه صدقه لم يحنث وإن لم يكن أهلا للإفتاء إذ المدار على غلبة الظن وعدمها لا على الأهلية‏.‏ قالوا‏:‏ ومنه قول غير الحالف له بعد حلفه إلا أن يشاء الله ثم يخبره بأن مشيئة غيره تنفعه فيفعل المحلوف عليه اعتمادا على خبر المخبر ا هـ‏.‏ وبهذا تعلم ما في عبارة الشارح من الخفاء، لأن قوله ظانا صحته حال من الضمير في له وهو مشروط بالإخبار كما علمته، وقوله بعدم الوقوع متعلق بقوله وأفتى ‏(‏قوله قلت إلخ‏)‏ اعلم أن المقرر عندنا أنه يحنث بفعل المحلوف عليه ولو مكرها أو مخطئا أو ذاهلا أو ناسيا أو ساهيا أو مغمى عليه أو مجنونا، فإذا كان يحنث بفعله مكرها ونحوه فكيف لا يحنث بفعله قصدا مع ظن عدم الحنث‏؟‏ نعم صرحوا في الأيمان بأنه لو حلف على ماض أو حال يظن نفسه صادقا لا يؤاخذ فيها إلا في ثلاث‏:‏ طلاق وعتاق ونذر، وقد قال الشارح هناك فيقع الطلاق على غالب الظن إذا تبين خلافه، وقد اشتهر عن الشافعية خلافه‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إن كان بحال إلخ‏)‏ أما لو لم يكن بتلك الحال لا يجوز له الاعتماد عليهما كما في الفتح وغيره‏.‏ قلت‏:‏ ومقتضى هذا الفرع أن من وصل في الغضب إلى حالة لا يدري فيها ما يقول يقع طلاقه وإلا لم يحتج إلى اعتماد قول الشاهدين أنه استثنى مع أنه مر أول الطلاق أنه لا يقع طلاق المدهوش‏.‏ وأفتى به الخير الرملي فيمن طلق وهو مغتاظ مدهوش لأن الدهش من أقسام الجنون‏.‏ ولا يخفى أن من وصل إلى حالة لا يدري فيها ما يقول كان في حكم المجنون، وقدمنا الجواب هناك بأنه ليس المراد بما هنا أنه وصل إلى حالة لا يدري ما يقول بأن لا يقصده ولا يفهم معناه بحيث يكون كالنائم والسكران، بل المراد أنه قد ينسى ما يقول لاشتغال فكره باستيلاء الغضب، والله تعالى أعلم‏.‏

مطلب فيمن لو ادعى الاستثناء وأنكرته الزوجة

‏(‏قوله ويقبل قوله إلخ‏)‏ قال الخير الرملي في حواشي المنح‏:‏ لم يذكر أهو بيمينه وكذلك صاحب البحر والنهر والكمال، ولم أره لأحد، وينبغي على ما هو المعتمد أن يكون بيمينه إذا أنكرته الزوجة، وأما إذا لم تنكره فلا يمين عليه اللهم إلا إذا اتهمه القاضي‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إن ادعاه وأنكرته‏)‏ أي ادعى الاستثناء، ومثله الشرط كما في الفتح وغيره‏.‏ وقيد بإنكارها لأنه محل الخلاف إذ لو لم يكن له منازع فلا إشكال في أن القول قوله كما صرح به في الفتح‏.‏ قلت‏:‏ لكن في التتارخانية عن الملتقط إذا سمعت المرأة الطلاق ولم تسمع الاستثناء لا يسعها أن تمكنه من الوطء ا هـ‏.‏ أي فيلزمها منازعته إذا لم تسمع‏.‏ قال في البحر‏:‏ ولو شهدوا بأنه طلق أو خالع بلا استثناء أو شهدوا بأنه لم يستثن تقبل، وهذا مما تقبل فيه البينة على النفي لأنه في المعنى أمر وجودي لأنه عبارة عن ضم الشفتين عقيب التكلم بالموجب، وإن قالوا طلق ولم نسمع منه غير كلمة الخلع والزوج يدعي الاستثناء فالقول له لجواز أنه قاله ولم يسمعوه والشرط سماعه لا سماعهم على ما عرف في الجامع الصغير‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في النهر عقبه‏:‏ وفي فوائد شمس الإسلام لا يقبل قوله، وفي الفصول وهو الصحيح‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وكذا لا يقبل قوله إذا ظهر منه دليل صحة الخلع كقبض البدل أو نحوه كما في جامع الفصولين‏.‏ قال في التتارخانية‏:‏ والمراد ذكر البدل لا حقيقة الأخذ، فعلى هذا إذا ذكر البدل وقت الطلاق والخلع لا يصدق قضاء في دعوى الاستثناء‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وقيل لا يقبل إلخ‏)‏ قال الخير الرملي أقول‏:‏ حيثما وقع خلاف وترجيح لكل من القولين فالواجب الرجوع إلى ظاهر الرواية لأن ما عداها ليس مذهبا لأصحابنا‏.‏ وأيضا كما غلب الفساد في الرجال غلب في النساء، فقد تكون كارهة له فتطلب الخلاص منه فتفتري عليه فيفتي المفتي بظاهر الرواية الذي هو المذهب ويفوض باطن الأمر إلى الله تعالى، فتأمل‏.‏ وأنصف من نفسك ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ الفساد وإن كان في الفريقين لكن أكثر العوام لا يعرفون أن الاستثناء مبطل لليمين، وإنما يعلمه ذلك حيلة بعض من لا يخاف الله تعالى وأيضا فإن دعوى الزوج خلاف الظاهر فإنه بدعوى الاستثناء يدعي إبطال الموجب بعد الاعتراف به، بخلاف ما مر من أن القول قوله في وجود الشرط كدخولها الدار مثلا، فإنه بعد قوله إن دخلت الدار فأنت طالق لم ينعقد الموجب للطلاق إلا بعد وجود الدخول وهو ينكره والظاهر يشهد له أما هنا فالظاهر خلاف قوله وإذا عم الفساد ينبغي الرجوع إلى الظاهر‏.‏ قال في الفتح‏:‏ نقل نجم الدين النسفي عن شيخ الإسلام أبي الحسن أن مشايخنا أجابوه في دعوى الاستثناء في الطلاق في أن لا يصدق الزوج إلا ببينة لأنه خلاف الظاهر وقد فسد حال الناس‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وقيل إن عرف بالصلاح إلخ‏)‏ قائله صاحب الفتح حيث قال عقب ما نقلناه عنه آنفا، والذي عندي أن ينظر، فإن كان الزوج معروفا بالصلاح والشهود لا يشهدون على النفي ينبغي أن يؤخذ بما في المحيط من عدم الوقوع تصديقا له، وإن عرف بالفسق أو جهل حاله فلا لغلبة الفساد في هذا الزمان ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ولا يخفى أن هذا تحقيق للقول الثاني المفتى به لأن المشايخ عللوه بفساد الزمان‏:‏ أي فيكون الزوج متهما، وإذا كان صالحا تنتفي التهمة فيقبل قوله فلا يكون هذا قولا ثالثا فتدبر‏.‏

‏(‏قوله وحكم من لم يوقف على مشيئته إلخ‏)‏ تعميم بعد تخصيص، فإن الباري عز وجل ممن لا يوقف على مشيئته‏.‏ وأفاد بالتمثيل أن المراد ما يعم من له مشيئة لا يوقف عليها كإن شاء الإنس ومن لا مشيئة له أصلا كإن شاء الجدار أفاده ط ‏(‏قوله فيما ذكر‏)‏ متعلق بحكم والمراد بما ذكر التعليق بالمشيئة ح ‏(‏قوله كذلك‏)‏ أي كالمعلق بمشيئة الله تعالى في عدم الوقوع ح ‏(‏قوله وكذا إن شرك‏)‏ بأن علق بمشيئة الله تعالى مثلا ومشيئة من يوقف على مشيئته ‏(‏قوله لم يقع أصلا‏)‏ أي وإن شاء زيد بحر ‏(‏قوله ومثل إن إلا‏)‏ أي إذا قال إلا أن يشاء الله تعالى فهو مثل إن شاء الله تعالى، ويحتمل أن يراد إلا المركبة من إن الشرطية ولا النافية كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا تفعلوه تكن فتنة‏}‏‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر في الولوالجية‏:‏ رجل قال لا أكلمه إلا ناسيا فكلمه ناسيا ثم كلمه ذاكرا حنث، بخلاف إلا أن أنسى فلا يحنث، والفرق أنه في الأول أطلق واستثنى الكلام ناسيا فقط، وفي الثاني وقت اليمين بالنسيان لأن قوله إلا أن بمعنى حتى فينتهي اليمين بالنسيان ‏(‏قوله وإن لم‏)‏ أي إن لم يشأ الله تعالى، فلو قال أنت طالق واحدة إن شاء الله تعالى وأنت طالق ثنتين إن لم يشأ الله تعالى لا يقع شيء، أما في الأولى فللاستثناء، وأما في الثانية فلأنا لو أوقعناه علمنا أن الله تعالى شاءه لأن الوقوع دليل المشيئة لأن كل واقع بمشيئة الله تعالى وهو علق بعدم مشيئة الله تعالى الطلاق لا بمشيئته جل وعلا فيبطل الإيقاع ضرورة بحر، وتمام الكلام على هذه المسألة في التلويح عند الكلام على في الظرفية ‏(‏قوله وما‏)‏ أي ما شاء الله تعالى فلا يقع، أما على كونها مصدرية ظرفية فظاهر للشك وأما على كونها موصولا اسميا فكذلك لأن المراد أنت طالق الطلاق الذي شاء الله تعالى، ومشيئته لا تعلم فلا يقع، إذ العصمة ثابتة بيقين فلا تزول بالشك، أفاده في النهر ‏(‏قوله وما لم يشأ‏)‏ ومعناه أنت طالق مدة عدم مشيئة الله طلاقك، والوجه في عدم الوقوع ما ذكر في إن لم ط ‏(‏قوله لولا أبوك إلخ‏)‏ إنما كان هذا استثناء لأن لولا تدل على امتناع الجزاء الذي هو الطلاق لوجود الشرط الذي هو وجود الأب أو حسنها ط ‏(‏قوله ذكره ابن الهمام في فتواه‏)‏ كأن الشارح رأى ذلك في فتوى معزوة إلى ابن الهمام لأنا لم نسمع أن له كتاب فتاوى‏.‏ والظاهر أن ذلك غير ثابت عنه لمخالفته لما ذكره في فتح القدير، حيث قال ويتراءى خلاف في الفصل بالذكر القليل، فإنه ذكر في النوازل لو قال‏:‏ والله لا أكلم فلانا أستغفر الله إن شاء الله تعالى هو مستثنى ديانة لا قضاء وفي الفتاوى‏:‏ لو أراد أن يحلف رجلا ويخاف أن يستثني في السر يحلفه ويأمره أن يذكر عقب الحلف موصولا سبحان الله أو غيره من الكلام والأوجه أن لا يصح الاستثناء بالفصل بالذكر ا هـ‏.‏ فهذا كما ترى صريح في أن نحو‏:‏ سبحان الله عقب اليمين فاصل مبطل للاستثناء، أما إنه استثناء فلم يقل به أحد فافهم‏.‏

‏(‏قوله لأنه توكيد‏)‏ راجع لقوله حر حر قال في الفتح‏:‏ وقياسه إذا كرر ثلاثا بلا واو أن يكون مثله ا هـ‏.‏ وقوله وعطف تفسير راجع لقوله حر وعتيق، ففيه لف ونشر مرتب، وإنما لم يجعل‏:‏ حر وحر من عطف التفسير لأنه إنما يكون بغير لفظ الأول كما في الفتح‏.‏

مطلب مهم لفظ إن شاء الله هل هو إبطال أو تعليق

‏(‏قوله فإنه تطليق إلخ‏)‏ اعلم أن التعليق بمشيئة الله تعالى إبطال عندهما‏:‏ أي رفع لحكم الإيجاب السابق وعند أبي يوسف تعليق، ولهذا شرط كونه متصلا كسائر الشروط‏.‏ ولهما أنه لا طريق للوصول إلى معرفة مشيئته تعالى فكان إبطالا، بخلاف بقية الشروط، وعلى كل لا يقع الطلاق في مثل أنت طالق إن شاء الله تعالى، نعم تظهر ثمرة الخلاف في مواضع‏.‏ منها ما إذا قدم الشرط ولم يأت بالفاء في الجواب، كإن شاء الله أنت طالق‏.‏ فعندهما لا يقع لأنه إبطال فلا يختلف‏.‏ وعنده يقع لأن التعليق لا يصح بدون الفاء في موضع وجوبها‏.‏ ومنها ما إذا حلف لا يحلف بالطلاق وقاله حنث على التعليق لا الإبطال كما يأتي، هذا ما قرره الزيلعي وابن الهمام وغيرهما، ومثله في متن مواهب الرحمن حيث قال‏:‏ ويجعل‏:‏ أي أبو يوسف إن شاء الله للتعليق وهما للإبطال وبه يفتي‏.‏ فلو قال‏:‏ إن شاء الله أنت كذا بلا فاء يقع على الأول ويلغو على الثاني ا هـ‏.‏ لكن ذكر في متن المجمع عكس ذلك حيث قال‏:‏ وإن شاء الله أنت طالق يجعله تعليقا وهما تطليقا، وحمله في البحر على ما تقدم وفيه نظر، فإن مقابلة التعليق بالتطليق تقتضي عدم الوقوع على قول أبي يوسف القائل بالتعليق والوقوع على قولهما، على أنه صرح بذلك صاحب المجمع في شرحه ولا يخفى أن صاحب الدار أدرى، وصرح بذلك أيضا في شرح درر البحار حيث ذكر أولا أن أبا يوسف يجعله تعليقا لأن المبطل لما اتصل بالإيجاب أبطل حكمه، ثم قال‏:‏ وجعلاه تنجيزا لما انتفى رابط الجملتين وهو الفاء بقي قوله أنت طالق منجزا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال في التتارخانية‏:‏ وإن قال إن شاء الله أنت طالق بدون حرف الفاء فهذا استثناء صحيح في قول أبي حنيفة وأبي يوسف‏.‏ وفي الولوالجية‏:‏ وبه نأخذ‏.‏ وفي المحيط‏:‏ وقال محمد هذا استثناء منقطع والطلاق واقع في القضاء ويدين إن أراد به الاستثناء، وذكر الخلاف على هذا الوجه في القدوري‏.‏ وفي الخانية لا تطلق في قول أبي يوسف وتطلق في قول محمد والفتوى على قول أبي يوسف ا هـ‏.‏ ومثله وفي الذخيرة‏.‏ وذكر في الخانية قبل هذا أول باب التعليق مثل ما مر عن الزيلعي وغيره‏.‏ والحاصل أن أبا يوسف قائل بأن المشيئة تعليق ولكن اختلف في التخريج على قوله، فقيل تلزم الفاء في الجواب كما في بقية الشروط فيقع بدونها، وقيل لا فلا يقع وإن محمدا قائل بأنها إبطال‏.‏ واختلف في التخريج على قوله، فقيل إنما تكون إبطالا وإن صح الربط بوجود الفاء في الجواب، فلو حذفت في موضع وجوبها وقع منجزا وهو معنى كونها حينئذ للتطليق، وقيل إنها عنده للإبطال مطلقا فلا يقع وإن سقطت الفاء‏.‏ وأما أبو حنيفة فقيل مع أبي يوسف، وقيل مع محمد، وبهذا ظهر أن ما في البحر من أنه على القول بالتعليق لا يقع الطلاق إذا لم يأت بالفاء خلافا لما توهمه في الفتح من أنه يقع فيه نظر لما علمت من اختلاف التخريج وظهر أيضا أن ما في الفتح من أن أبا يوسف قائل بأنها للإبطال وأنه صرح في الخانية بذلك، فهو مخالف لما سمعته على أن الذي رأيته في الخانية التصريح بأنها عنده للتعليق، وكذا ما فيه من أن ما في شرح المجمع غلط، وتبعه في النهر، فهو بعيد لما علمت من موافقته لعدة كتب معتبرة، ولتصريح القدوري به بل هو أحد قولين، وقد خفي هذا على صاحب الفتح والبحر والنهر وغيرهم، فاغتنم تحرير هذا المقام الذي زلت فيه أقدام الأفهام ‏(‏قوله لاتصال المبطل بالإيجاب‏)‏ علة لقوله تعليق كما مر عن شرح درر البحار، والمراد بالمبطل لفظ إن شاء الله فإنه استثناء صحيح وإن سقطت الفاء من جوابه كما مر عن التتارخانية فيلغو الإيجاب وهو قوله أنت طالق، فلا يقع‏.‏ واستشكله في البحر بأن مقتضى التعليق الوقوع عند عدم الفاء لعدم الربط‏.‏ وأجاب الرملي بما في الولوالجية من أن المقصود منه إعدام الحكم لا التعليق، وفي الإعدام لا يحتاج إلى حرف الجزاء، بخلاف قوله إن دخلت الدار فأنت طالق لأن المقصود منه التعليق فافترقا ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا على أحد التخريجين، وهو ما مشى عليه في المجمع وغيره‏.‏ أما على التخريج الآخر من عدم صحة التعليق بدون الفاء وهو ما في الزيلعي وغيره فيقع كما مر فافهم ‏(‏قوله وقيل الخلاف بالعكس‏)‏ يعني الخلاف في أن التعليق بالمشيئة هل هو إبطال أو تعليق لا في مسألة المتن‏:‏ أي فقيل إنه إبطال عند أبي يوسف تعليق عند محمد، ولم يذكر هذا القائل أبا حنيفة، ويحتمل إرادة الخلاف في مسألة المتن‏:‏ أي قيل إنه يقع عند أبي يوسف لا عندهما كما مر عن الزيلعي وغيره فافهم ‏(‏قوله وعلى كل إلخ‏)‏ أي سواء قيل إن التعليق أو الإبطال قول أبي يوسف أو قول غيره‏.‏ فالمفتى به عدم الوقوع، فما مشى عليه المصنف خلاف المفتى به ‏(‏قوله لم يقع اتفاقا‏)‏ إذ لا شك حينئذ في صحة التعليق ‏(‏قوله وثمرته إلخ‏)‏ هذا الضمير لا مرجع له في كلامه لأنه راجع إلى أنه لو أخر الشرط وقال أنت طالق إن شاء الله تعالى أو قدمه، وأتى بالفاء في الجواب، فهو إبطال عندهما تعليق عند أبي يوسف، وقدمنا أن ثمرة الخلاف تظهر في مواضع منها مسألة المتن، وهي ما إذا قدم الشرط ولم يأت بالفاء في الجواب كما قررناه سابقا ومنها هذه، وبيانها ما في الخانية حيث قال‏:‏ ولو قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق إن شاء الله طلقت امرأته في قول أبي يوسف، ولا تطلق في قول محمد لأن على قول أبي يوسف أنت طالق إن شاء الله يمين لوجود الشرط والجزاء، وعلى قول محمد ليس بيمين ا هـ‏.‏ أي لأنه عنده للإبطال وقدمنا أن الفتوى عليه، وبما ذكرناه علم أن الضمير في قوله وقاله راجع إلى ما لو أخر الشرط كأنت طالق إن شاء الله أو قدمه وأتى بالفاء الرابطة كإن شاء الله فأنت طالق ‏(‏قوله أو برضاه‏)‏ الرضا ترك الاعتراض على الفاعل وإن لم يكن معه محبة ط ‏(‏قوله لأن الباء للإلصاق‏)‏ أي هو المعنى الحقيقي لها فيلتصق وقوع الطلاق بأحد هذه الأربعة وهي غيب لا يطلع عليها فلا تطلق بالشك ط ‏(‏قوله وإن أضافه‏)‏ أي بالباء ‏(‏قوله أي المذكور‏)‏ جواب عن المصنف حيث أفرد الضمير ومرجعه متعدد ط ‏(‏قوله فيقتصر على المجلس‏)‏ أي مجلس علمه، فإن شاء فيه طلقت وإلا خرج الأمر من يده ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي في فصل المشيئة ح

‏(‏قوله إذ يراد بمثله التنجيز عرفا‏)‏ أي فلا يصدق في إرادة التعليق والظاهر أنه يصدق ديانة تأمل ‏(‏قوله وإن قال ذلك‏)‏ أي المذكور من الألفاظ العشرة ‏(‏قوله في الوجوه كلها‏)‏ أي سواء أضيفت إلى الله تعالى أو إلى العبد ‏(‏قوله لأنه للتعليل‏)‏ أي تعليل الإيقاع كقوله طالق لدخولك الدار فتح أي والإيقاع لا يتوقف على وجود علته كما مر، فلا يرد أن المشيئة ونحوها غير معلومة؛ ولا كون محبة الله تعالى للطلاق معدومة لكونه أبغض الحلال إليه تعالى ‏(‏قوله لأن في بمعنى الشرط‏)‏ فيكون تعليقا بما لا يوقف عليه فتح قيل وفي قوله بمعنى الشرط إشارة إلى أنه لا يصير شرطا محضا حتى يقع الطلاق بعده، بل يقع معه‏.‏ وتظهر الثمرة فيما لو قال للأجنبية أنت طالق في نكاحك فتزوجها لا تطلق، كما لو قال مع نكاحك، بخلاف إن تزوجتك تلويح‏:‏ أي لأن الطلاق لا يكون إلا متأخرا عن النكاح ‏(‏قوله فإنه يقع في الحال‏)‏ لأنه لا يصح نفيه عن الله تعالى بحال لأنه يعلم ما كان وما لم يكن فكان تعليقا بأمر موجود فيكون إيقاعا زيلعي ‏(‏قوله إن نوى بها ضد العجز‏)‏ أي نوى حقيقتها لأنها صفة منافية للعجز فيكون تعليقا بأمر موجود، أما لو نوى بها التقدير فلا يقع لأنه تعالى قد يقدر شيئا وقد لا يقدره

‏(‏قوله والرؤية‏)‏ الكثير فيها أن تكون مصدر رأى البصرية ومصدر القلبية الرأي ومصدر الحلمية الرؤيا وقد يستعمل كل في الآخر، وهذا منه لأن رؤية طلاقها بالقلب لا بالبصر رحمتي ‏(‏قوله ثم العشرة‏)‏ الأظهر في التركيب أن يقول فالحاصل أن العشرة إلخ كما لا يخفى ح ‏(‏قوله إما أن تكون بباء‏)‏ ترك إن من التقسيم كما ترك المصنف بقية الكلام عليها‏.‏ وحاصل حكمها أنها إبطال أو تعليق في العشرة إن أضيفت إلى الله تعالى، وتمليك فيها إن أضيفت إلى العبد‏.‏ قال في البحر‏:‏ والحاصل أنه إن أتى بإن لم يقع في الكل ا هـ‏.‏ يعني إذا أضيفت إلى الله تعالى فالأقسام حينئذ ثمانون‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ الذي ذكره المصنف كغيره أن الأربعة الأول للتمليك، وهذا وإن ذكره مع الباء وفي لكنهما بمعنى الشرط وأصل أدوات الشرط هو إن فلا تكون الستة الباقية للتمليك أصلا‏.‏ ثم رأيت الزيلعي صرح بذلك حيث قال‏:‏ فالحاصل أن هذه الألفاظ عشرة‏:‏ أربعة منها للتمليك، وهي المشيئة وأخواتها‏.‏ وستة ليست للتمليك وهي الأمر وأخواته إلخ‏.‏ وعلى هذا فإذا أضيفت إلى العبد بإن الشرطية كانت الأربعة الأول للتمليك فتتوقف على المجلس والستة الباقية للتعليق لا تتوقف عليه، فقوله في البحر لم يقع في الكل‏:‏ أي لم يقع أصلا إن أضيفت إلى الله تعالى، ولم يقع في الحال إن أضيفت إلى العبد فافهم، لكن يرد على البحر كما قال ط إن هذا ينافي ما ذكره المصنف في صورة العلم إذا أضيف إليه تعالى فإنه يقع، وعلله بأنه تعليق بأمر موجود فيكون تنجيزا ‏(‏قوله وعلى ما مر عن العمادية‏)‏ أي من قوله‏:‏ فلو تلفظ بالطلاق وكتب الاستثناء موصولا أو عكس أو أزال الاستثناء بعد الكتابة لم يقع ‏(‏قوله فهي مائة وثمانون‏)‏ صوابه مائتان وأربعون لأن ما في البزازية صورة هي كتابة الطلاق والاستثناء معا، وما في العمادية ثلاثة صور وبضرب أربعة في ستين تبلغ مائتين وأربعين وقد تزيد، وذلك أن العشرة إما أن تضاف إلى الله تعالى أو إلى من يوقف على مشيئته من العباد أو من لا يوقف أو إلى الثلاثة أو إلى اثنين منها، فهي سبعة تضرب في العشرة تبلغ سبعين، وعلى كل إما بإن أو الباء أو اللام أو في تبلغ مائتين وثمانين وعلى كل إما أن يتلفظ بالطلاق والاستثناء وما بمعناه أو يكتبهما أو يمحوهما بعد الكتابة أو يمحو الطلاق أو الإنشاء أو يتلفظ بالطلاق ويكتب الآخر أو بالعكس أو يمحو ما كتب‏.‏ فهي ثمانية في مائتين وثمانين تبلغ ألفين ومائتين وأربعين ‏(‏قوله تطلق رجعية‏)‏ لأن المضاف إلى مشيئة الله تعالى حال الطلاق وكيفيته من المفرد والمتعدد والرجعي والبائن لا أصله فيقع أقله لأنه المتيقن وهو الواحدة الرجعية

‏(‏قوله أنت طالق ثلاثا إلا واحدة‏)‏ شروع في استثناء التحصيل بعد الفراغ من استثناء التعطيل كما ذكره القهستاني‏.‏

مطلب أحكام الاستثناء الوضعي

وفي البحر‏:‏ الاستثناء نوعان‏:‏ عرفي وهو ما مر من التعليق بالمشيئة، ووضعي وهو المراد هنا، وهو بيان بإلا أو إحدى أخواتها أن ما بعدها لم يرد بحكم الصدر‏.‏ ويبطل بخمسة‏:‏ بالسكتة اختيارا وبالزيادة على المستثنى منه، وبالمساواة، وباستثناء بعض الطلقة، وبإبطال البعض كأنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثا كما في الخانية ا هـ‏.‏ ملخصا‏:‏ أي لأن إخراج الثلاث من إحدى الثنتين لغو‏.‏ وفي الفتح عن المنتقى أنت طالق ثلاثا وثلاثا إلا أربعا فهي ثلاث عنده لأنه يصير قوله وثلاثا فاصلا لغوا‏.‏ وعندهما يقع ثنتان كأنه قال ستا إلا أربعا؛ ولو قال ثلاثا إلا واحدة أو ثنتين طولب بالبيان، فإن مات قبله طلقت واحدة هو الصحيح، وفي رواية ثنتين ‏(‏قوله وفي الاثنتين واحدة‏)‏ عن أبي يوسف لا يصح، وهو قول طائفة من أهل العربية، وبه قال أحمد، وتحقيق ذلك في الفتح ‏(‏قوله لأن استثناء الكل باطل‏)‏ هذا مقيد بما إذا لم يكن بعده استثناء يكون جبرا للصدر، فإن كان صح، وعلى هذا تفرع ما لو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة حيث يقع واحدة؛ ولو قال إلا ثنتين إلا واحدة وقع ثنتان نهر، وهذا من تعدد الاستثناء ويأتي بيانه، وإنما بطل استثناء الكل لأنه لا يبقى بعده شيء يصير متكلما به والاستثناء لم يوضع إلا للتكلم بالباقي بعد الثنيا لا لأنه رجوع بعد التقرر كما قيل، وإلا لصح فيما يقبل الرجوع؛ كما لو قال‏:‏ أوصيت لفلان بثلث مالي إلا ثلث مالي أفاده في الفتح ‏(‏قوله إن كان بلفظ الصدر‏)‏ أي كما مثل به في المتن وكقوله نسائي طوالق إلا نساء وعبيدي أحرار إلا عبيدي كما في البحر ح وفي الفتح‏:‏ ولو قال واحدة وثنتين إلا ثنتين أو قال ثنتين وواحدة إلا ثنتين يقع الثلاث وكذا ثنتين وواحدة إلا واحدة لأنه في الأوليين إخراج الثنتين من الثنتين أو من الواحدة، وفي الثالثة واحدة من واحدة فلا يصح، بخلاف ما لو قال واحدة وثنتين إلا واحدة حيث تطلق ثنتين لصحة إخراج الواحدة من الثنتين، والأصل أن الاستثناء إنما ينصرف إلى ما يليه، وإذا تعقب جملا فهو قيد للأخيرة منها‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله أو مساويه‏)‏ نحو‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وواحدة وواحدة، وأنت طالق ثلاثا إلا ثنتين وواحدة، ونحو أنتن طوالق إلا زينب وعمرة وهندا وليس له رابعة، وأنتم أحرار إلا سالما وغانما وراشدا وليس له رابع‏.‏ ا هـ‏.‏ ح، ‏(‏قوله صح‏)‏ أي صح الاستثناء في هذه الأمثلة وكذا قوله كل امرأة لي طالق إلا هذه وليس له سواها لا تطلق، لأن المساواة في الوجود لا تمنع صحته إن عم وضعا لأنه تصرف صيغي بحر، يعني أنه ينظر فيه إلى صيغة المستثنى منه، فإن عمت المستثنى وغيره وضعا صح الاستثناء فإن كل امرأة يعم في الوضع هذه وغيرها، وكذا لفظ نسائي يعم المسميات وغيرهن، بخلاف أنتن فإنه لا يعم غير المسميات المخاطبات، وبخلاف ما إذا لم يكن فيه عموم أصلا، ومنه ما في الفتح حيث قال‏:‏ ولو قال طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا ثلاثا بطل الاستثناء اتفاقا لعدم تعدد يصح معه إخراج شيء ا هـ‏.‏ وكذا ما في البحر‏:‏ لو قال للمدخولة أنت طالق أنت طالق أنت طالق إلا واحدة تقع الثلاث، وكذا لو قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة لأنه ذكر كلمات متفرقة فيعتبر كل كلام في حق صحة الاستثناء كأنه ليس معه غيره وكذا هذه طالق وهذه وهذه إلا هذه ولو قال‏:‏ أنتن طوالق إلا هذه صح الاستثناء‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله تقع واحدة‏)‏ ولو كان المعتبر ما يحكم بصحته من العشرة وهو الثلاث لزم استثناء التسعة من الثلاث فيلغو ويقع الثلاث‏.‏

مطلب فيما لو تعدد الاستثناء

‏(‏قوله ومتى تعدد الاستثناء‏)‏ أي وأمكن استثناء بعضه من بعض، بخلاف ما لا يمكن كقاموا إلا زيدا إلا بكرا إلا عمرا ‏"‏ فإن حكم ما بعد الأول كحكمه‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وأصل صحة الاستثناء من الاستثناء قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته‏}‏ ‏(‏قوله بلا واو‏)‏ فإن كان بالواو كان الكل إسقاطا من الصدر، نحو‏:‏ أنت طالق عشرا إلا خمسا وإلا ثلاثا وإلا واحدة تقع واحدة ح ‏(‏قوله كان كل‏)‏ أي كل واحد من المستثنيات إسقاطا مما يليه أي مما قبله، فالضمير المستتر في يليه عائد على كل والبارز على ما فهو صلة جرت على غير من هي له، لكن اللبس مأمون لعدم صحة إسقاط الأكثر من الأقل فلا يجب إبراز الضمير ا هـ‏.‏ ح‏.‏ وبيان ذلك في مسألة الطلاق أن تسقط السبعة من الثمانية يبقى واحد تسقطه من التسعة يبقى ثمانية تسقطها من العشرة يبقى ثنتان ‏(‏قوله أن تأخذ العدد الأول إلخ‏)‏ بيانه أن تعد الأوتار بيمينك أي الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع، وهي تسعة وسبعة وخمسة وثلاثة وواحدة وجملتها خمسة وعشرون، وتعد الأشفاع بيسارك‏:‏ أي الثاني والرابع والسادس والثامن، وهي ثمانية وستة وأربعة واثنان وجملتها عشرون تسقطها مما باليمين يبقى خمسة‏.‏ قلت‏:‏ وله طريقة ثانية، وهي إخراج الأوتار وإدخال الأشفاع، بأن تخرج كل وتر من شفع قبله بيانه أن تخرج التسعة من العشرة يبقى واحد تضمه إلى الثمانية تصير تسعة، أخرج منها سبعة يبقى اثنان تضمها إلى الستة تصير ثمانية، أخرج منها خمسة يبقى ثلاثة، تضمها إلى الأربعة تصير سبعة، أخرج منها ثلاثة يبقى أربعة، تضمها إلى الاثنين تصير ستة أخرج منها الواحد يبقى خمسة‏.‏ والطريقة الثالثة إسقاط كل مما يليه كما مر، بأن تسقط الواحد من الاثنين يبقى واحد أسقطه من الثلاثة يبقى اثنان أسقطهما من الأربعة يبقى اثنان أيضا أسقطهما من الخمسة يبقى ثلاثة أسقطها من الستة يبقى ثلاثة أيضا أسقطها من السبعة يبقى أربعة، أسقطها من الثمانية يبقى أربعة أيضا، أسقطها من التسعة يبقى خمسة، أسقطها من العشرة يبقى خمسة ‏(‏قوله فهو الواقع‏)‏ أي المقر به ط

‏(‏قوله وعن الثاني ثنتان‏)‏ لأن التطليقة لا تتجزأ في الإيقاع فكذا في الاستثناء، فكأنه قال إلا واحدة‏.‏ والجواب أن الإيقاع إنما لا يتجزأ المعنى في الموقع وهو لم يوجد في الاستثناء فيتجزأ فيه، فصار كلامه عبارة عن تطليقتين ونصف فتطلق ثلاثا كذا في الفتح‏.‏ وحاصله أن إيقاع نصف الطلقة مثلا غير متصور شرعا، فكان إيقاعا للكل، بخلاف استثناء النصف فإنه ممكن لكنه يلغو لأن النصف الباقي تقع به طلقة‏.‏ قلت‏:‏ والأقرب في الجواب أنه لما أخرج نصفا له حكم الكل وأبقى نصفا كذلك أوقعنا عليه طلقة بما أبقى ولم يصح إخراجه لأنه لو صح لزم إخراج طلقة حكمية من طلقة حكمية فيلغو ‏(‏قوله فكأنه استثنى من ثلاث مقدر‏)‏ قلت‏:‏ وجهه أن لفظ طالق لا يحتمل الثنتين لأنهما عدد محض، بل يحتمل الفرد الحقيقي أو الجنس أعني الثلاث، والأول لا يصح هنا لأنه يلزم منه إلغاء الاستثناء فتعين الثاني فافهم

‏(‏قوله في أيمان الفتح‏)‏ خبر عن ما وليس نعتا لفروع لأن الفرع الأول فقط في أيمان الفتح ح ‏(‏قوله وقع الثلاث‏)‏ يعني بدخول واحد كما تدل عليه عبارة أيمان الفتح، حيث قال‏:‏ ولو قال لامرأته والله لا أقربك ثم قال والله لا أقربك فقربها مرة لزمه كفارتان‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أنه إن نوى التأكيد يدين ح‏.‏ قلت‏:‏ وتصوير المسألة بما إذا ذكر لكل شرط جزاء، فلو اقتصر على جزء واحد‏.‏ ففي البزازية إن دخلت هذه الدار إن دخلت هذه الدار فعبدي حر وهما واحد فالقياس عدم الحنث حتى تدخل دخلتين فيها، والاستحسان يحنث بدخول واحد ويجعل الباقي تكرارا وإعادة ا هـ‏.‏ ثم ذكر إشكالا وجوابه وذكر عبارته بتمامها في البحر عند قوله والملك يشترط لآخر الشرطين، وقوله وهما واحد‏:‏ أي الداران في الموضعين واحد، بخلاف ما لو أشار إلى دارين فلا بد من دخولين كما هو ظاهر ‏(‏قوله لم تطلق‏)‏ هذا مبني على قول ضعيف كما حققناه عند قوله وزوال الملك لا يبطل اليمين فافهم ‏(‏قوله بخلاف ما لو قدم الجزاء‏)‏ هكذا في بعض النسخ وفي بعضها بخلاف ما لو لم يؤخر الجزاء وكلاهما صحيح، وأما ما في بعض النسخ، بخلاف ما لو أخر الجزاء فقال ح‏:‏ صوابه قدم الجزاء، ومع ذلك فقد ترك ما إذا وسطه‏.‏ قال في النهر وفي المحيط‏:‏ لو قال إن تزوجتك وإن تزوجتك فأنت طالق لم يقع حتى يتزوجها مرتين؛ بخلاف ما إذا قدم الجزاء أو وسطه ا هـ‏.‏ كلام النهر، وفصله في الفتاوى الهندية فقال‏:‏ وإن كرر بحرف العطف فقال إن تزوجتك وإن تزوجتك، أو قال إن تزوجتك، فإن تزوجتك أو إذا تزوجتك أو متى تزوجتك لا يقع الطلاق حتى يتزوجها مرتين، ولو قدم الطلاق فقال أنت طالق إن تزوجتك وإن تزوجتك فهذا على تزوج واحد، ولو قال إن تزوجتك فأنت طالق وإن تزوجتك طلقت بكل واحد من التزويجين ‏(‏قوله إن غبت عنك إلخ‏)‏ أقول‏:‏ المسألة ذكرها في البحر عند قول الكنز وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها‏.‏ ونصه في القنية‏:‏ لو قال لها أمرك بيدك ثم اختلعت منه وتفرقا ثم تزوجها ففي بقاء الأمر بيدها روايتان والصحيح أنه لا يبقى قال‏:‏ إن غبت عنك أربعة أشهر فأمرك بيدك ثم طلقها وانقضت عدتها وتزوجت ثم عادت إلى الأول وغاب عنها أربعة أشهر فلها أن تطلق نفسها‏.‏ ا هـ‏.‏ والفرق بينهما أن الأول تنجيز للتخيير فيبطل بزوال الملك، والثاني تعليق التخيير فكان يمينا فلا يبطل ا هـ‏.‏ كلام البحر، وبه تعلم ما في كلام الشارح من الإيجاز المخل‏.‏ والحاصل أن التخيير يبطل بالطلاق البائن إذا كان التخيير منجزا، بخلاف المعلق وهذا ما وفق به في الفصول العمادية بين كلامهم كما حررناه قبيل فصل المشيئة ‏(‏قوله لا يقع‏)‏ لأن الحنث شرطه أن يطلب منها غدا وتمتنع ولم يطلب بحر، ونحوه في التتارخانية عن المنتقى‏.‏ قلت‏:‏ ومقتضاه أن النسيان لا تأثير له هنا، لكن سيأتي في الأيمان بأن تعليله إمكان البر شرط لبقاء اليمين بعد انعقادها كما هو شرط لانعقادها، خلافا لأبي يوسف، ولا يخفى ما فيه، فإن إمكان البر محقق بالتذكر، على أنه يلزم أن يكون النسيان عذرا في عدم الحنث في غير هذه الصورة أيضا، وهو خلاف المنصوص فافهم ‏(‏قوله إن مستيقظا حنث‏)‏ لأنه يسمى إتيانا منه قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأتوا حرثكم أنى شئتم‏}‏ ‏(‏قوله فعلى إنزالها‏)‏ أي تنعقد اليمين على أن يجامعها حتى تنزل لأن شبعها يراد به كسر شهوتها به ‏(‏قوله فعلى المبالغة لا العدد‏)‏ فلا تقدير لذلك والسبعون كثير خانية‏.‏ والظاهر أن محله ما لم ينو العدد، فإن نواه عملت نيته لأنه شدد على نفسه ط ‏(‏قوله حنث به أيضا‏)‏ أي كما يحنث بالجماع فلا يصح نفيه المعنى المتبادر ويؤاخذ بما نواه لأنه شدد على نفسه فأيهما فعل حنث به‏.‏ بقي لو فعل كلا منهما هل يحنث مرتين‏؟‏ الظاهر نعم، وينبغي أن لا يحنث في الديانة إلا بما نوى‏.‏ قال ط ولو قال إن وطئت من غير ذكر امرأة ولا ضميرها فهو على الدوس بالقدم هو اللغة والعرف وذلك باتفاق أصحابنا ومحله ما لم ينو الجماع وإلا عملت نيته فيما يظهر ‏(‏قوله له امرأة إلخ‏)‏ لا مناسبة لها في هذا الباب إذ ليس فيها تعليق، وقوله طلقت النفساء، لعل وجهه أن الخبيث قد يطلق على المستكره ريحه كالثوم والبصل ودم النفساء منتن لطول مكثه ‏(‏قوله فعلى الحائض‏)‏ لعل وجهه النهي عنه في القرآن نصا أو كثرته وزيادة أوقاته ومنه غبن فاحش‏.‏ ثم رأيت في البحر عن القنية علل له بقوله لأنه نص ‏(‏قوله فله أن لا يصدقه‏)‏ ولا تطلق زوجته لأنه محتمل للصدق والكذب فلا يصدق على غيره بحر عن المحيط‏.‏ ولا يقال إن هذا مما لا يوقف عليه إلا منه، فالقول له كقوله لها إن كنت تحبين فقالت أحب لأن ذاك فيما إذا كان المعلق عليه من جهة الزوجة لا من جهة أجنبي كما قدمناه، وأفاد أنه لو صدقه حنث ‏(‏قوله لا يحنث‏)‏ ينافي ما يأتي قريبا من أن شرط الحنث إن كان عدميا وعجز حنث‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وأصله لصاحب البحر‏.‏ أقول‏:‏ لا إشكال لأنه صدق عليه أنه ذهب فعدم الحنث لوجود البر، ويشهد له ما يأتي متنا في الأيمان‏:‏ لا يخرج أو لا يذهب إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع حنث إذا جاوز عمران مصره على قصدها ا هـ‏.‏ فإن عدم الحنث فيها لوجود المحلوف عليه ط‏.‏ قلت‏:‏ وذكر في الخانية تخريج عدم الحنث في مسألة العسس على قول أبي حنيفة ومحمد فيما إذا حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز اليوم فأهرقه قبل مضي اليوم لا يحنث عندهما ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة ما يدل على أن في المسألة خلافا ‏(‏قوله فخرجت لحريقها لا يحنث‏)‏ وكذا لو خرجت للغرق لأن الشرط الخروج بغير إذنه لغير الغرق والحرق بحر أي لأن ذلك غير مراد عرفا يدخل في اليمين، وكذا يتقيد ببقاء النكاح كما سيأتي في الأيمان وعلله في الفتح هناك بأن الإذن إنما يصح لمن له المنع، وهو مثل السلطان إذا حلف إنسانا ليرفعن إليه خبر كل داعر في المدينة كان على مدة ولايته، فلو أبانها ثم تزوجها فخرجت بلا إذن لا تطلق وإن كان زوال الملك لا يبطل اليمين عندنا لأنها لم تنعقد إلا على بقاء النكاح ا هـ‏.‏ ومثله تحليف رب الدين الغريم أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه تقيد بقيام الدين كما سيأتي هناك إن شاء الله تعالى

‏(‏قوله حلف لا يرجع إلخ‏)‏ في الخانية رجل خرج مع الولي فحلف أن لا يرجع إلا بإذن الوالي فسقط من الحالف شيء فرجع لأجله لا يحنث لأن هذا الرجوع مستثنى من اليمين عادة ا هـ‏.‏ أي لأن المحلوف عليه هو الرجوع بمعنى ترك الذهاب معه، فإذا رجع لحاجة على نية العود لم يتحقق المحلوف عليه‏.‏

مطلب اليمين تتخصص بدلالة العادة والعرف

والحاصل أن هذه المسألة والتي قبلها تخصصت اليمين فيهما بدلالة العادة والعادة مخصصة كما تقرر في كتب الأصول‏.‏ ونظير ذلك ما في الخانية أيضا‏:‏ رجل حلف رجلا أن يطيعه في كل ما يأمره وينهاه عنه ثم نهاه عن جماع امرأته لا يحنث إن لم يكن هناك سبب يدل عليه لأن الناس لا يريدون بهذا النهي عن جماع امرأته عادة، كما لا يراد به النهي عن الأكل والشرب‏.‏ وفيها أيضا‏:‏ اتهمته امرأته بجارية فحلف لا يمسها انصرف إلى المس الذي تكره المرأة وكذا لو قال إن وضعت يدي على جاريتي فهي حرة فضربها ووضع يده عليها لا يحنث إن كان يمينه لأجل المرأة ولأمر يدل على أنه يريد الوضع لغير الضرب‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومثله فيما يظهر ما ذكره بعض محققي الحنابلة فيمن قال لزوجته إن قلت لي كلاما ولم أقل لك مثله فأنت طالق، فقالت له أنت طالق ولم يقل لها مثله من أنها لا تطلق لأن كلام الزوج مخصص بما كان سبا أو دعاء أو نحوه إذ ليس مراده أنها لو قالت اشتر لي ثوبا أن يقول لها مثله بل أراد الكلام الذي كان سبب حلفه‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فاليمين على التلفظ باللسان‏)‏ كذا في القنية والحاوي للزاهدي معزيا للوبري، ولعله محمول على ما إذا كان الحالف عالما وقت الحلف بأنه لا يمكنه إخراجه بالفعل، فينصرف إلى التلفظ بقوله اخرج من داري، ولو حمل على اليمين المؤقتة كما في لأشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه لكان ينبغي عدم الحنث بمضي اليوم وإن لم يقل له اخرج ولعله لم يحمل عليها لإمكان صرف اليمين إلى التلفظ المذكور بقرينة العجز عن الحقيقة‏.‏

مطلب لا يدع فلانا يسكن في هذه الدار

كما لو حلف لا يدع فلانا يسكن في هذه الدار، فقد قالوا‏:‏ إن كانت الدار ملكا للحالف فالمنع بالقول والفعل وإلا فبالقول أي لأنه لا يملك منعه بالفعل؛ ومثله ما لو كان آجره الدار، فقد صرحوا بأنه يبر بقوله اخرج من داري‏.‏ ووجهه أن المستأجر ملك المنافع فصار الحالف كالأجنبي الذي لا ملك له في الدار‏.‏ وأما ما سيذكره الشارح آخر كتاب الأيمان حيث قال لا يدخل فلان داره فيمينه على النهي إن لم يملك منعه وإلا فعلى النهي والمنع جميعا، فهو مخالف لما رأيته في كثير من الكتب من ذكر هذا التفصيل في حلفه لا يدعه أو لا يتركه‏.‏ ففي الولوالجية قال؛ إن أدخلت فلانا بيتي أو قال إن دخل فلان بيتي أو قال إن تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق، فاليمين في الأول على أن يدخل بأمره لأنه متى دخل بأمره فقد أدخله، وفي الثاني على الدخول أمر الحالف أو لم يأمر علم أو لم يعلم لأنه وجد الدخول، وفي الثالث على الدخول بعلم الحالف لأن شرط الحنث الترك للدخول، فمتى علم ولم يمنع فقد ترك ا هـ‏.‏ ومثله في أيمان البحر عن المحيط وغيره، فتعليله للثاني بأنه وجد الدخول صريح في انعقاد اليمين على نفس فعل الغير، ولذا قال الشارح هناك قال لغيره‏:‏ والله لتفعلن كذا فهو حالف، فإذا لم يفعله المخاطب حنث إلخ فعلم أنه في حلفه لا يدخل فلان داره يحنث بدخوله وإن نهاه الحالف لأنه وجد شرط الحنث بخلاف لا يتركه يدخل فإن فيه التفصيل المار؛ ولو جرى هذا التفصيل في الحلف على فعل الغير لزم أنه لو قال إن دخل فلان داري فأنت طالق أنه لو نهاه عن الدخول ثم دخل لا يقع الطلاق، وأنه لو قال والله لتفعلن كذا وأمره بالفعل فلم يفعل لا يحنث‏.‏ وقد يجاب بحمل قول الشاعر في الأيمان‏:‏

فيمينه على النهي إن لم يملك منعه ***

على ما ذكره هنا من كون المحلوف عليه ظالما بقرينة أن فرض المسألة في الحلف على دار الحالف فلا يمكن حمله على التفصيل المذكور فيما إذا كانت الدار ملك الحالف أو ملك غيره وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة تحرير لهذا المحل في الأيمان، وإنما تعرضنا لذكر ذلك هنا لأن بعض محشي الأشباه اغتر بعبارة الشارح المذكورة في الأيمان فأفتى بعدم الحنث بعدم الدخول في قوله لا يدخل فلان داري، وهو ما اشتهر على ألسنة العوام من أنه لا يحنث في الحلف على ما لا يملكه وليس على إطلاقه فتنبه لذلك ‏(‏قوله إن لم تجيئي‏)‏ بفعل المؤنثة المخاطبة ليناسب قوله فأنت طالق ح ‏(‏قوله الساعة‏)‏ راجع إليهما، وقيد بها لأن المطلقة لا يحنث فيها إلا باليأس بنحو موت الحالف أو ضياع الثوب ط ‏(‏قوله لا يحنث‏)‏ لعدم إمكان البر، وقيل يحنث فيهما ط عن البحر‏.‏ قلت‏:‏ وفي الخانية قال لامرأته‏:‏ إن لم تجيئي بمتاع كذا غدا فأنت طالق فبعثت المرأة به على يد إنسان فإن كان نوى وصول المتاع إليه غدا لا يحنث لأنه نوى محتمل لفظه، وإن لم ينو شيئا أو نوى حملها بنفسها حنث ولا يكون اليمين على الوصول إلا بالنية ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله بطل اليمين‏)‏ لأنه بعد إبرائها منه لم يبق لها عليه فلا يمكن دفعه ‏(‏قوله ما يكتب في التعليق‏)‏ أي ما يكتبه الزوج على نفسه عند خوف المرأة من نقلها أو تزوجه عليها ‏(‏قوله متى نقلها إلخ‏)‏ جواب متى محذوف أي فهي طالق، وقوله وأبرأته بالواو العاطفة على قوله نقلها أو تزوج عليها ‏(‏قوله فلو دفع لها الكل‏)‏ أي كل الدين المعبر عنه بقوله من كذا أو كل باقي الصداق ‏(‏قوله هل تبطل‏)‏ أي اليمين المذكور، ووجه التوقف أن الطلاق معلق على شرطين وهما النقل والإبراء أو التزوج والإبراء فإذا وجد أحدهما فلا بد من وجود الآخر وهو الإبراء مع أن المبرأ عنه قد دفعه لها ‏(‏قوله لتصريحهم إلخ‏)‏ قال في الأشباه‏:‏ الإبراء بعد قضاء الدين صحيح لأن الساقط بالقضاء المطالبة لا أصل الدين فيرجع المديون بما أداه إذا أبرأه براءة إسقاط وإذا أبرأه براءة استيفاء فلا رجوع‏.‏ واختلفوا فيما إذا أطلقها‏.‏ وعلى هذا لو علق طلاقها بإبرائها عن المهر ثم دفعه لها لا يبطل التعليق، فإذا أبرأته براءة إسقاط وقع ورجع عليها‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أن الدين وصف في ذمة المديون والدين يقضي بمثله أي إذا أوفى ما عليه لغريمه ثبت له على غريمه مثل ما لغريمه عليه فتسقط المطالبة، فإذا أبرأه غريمه براءة إسقاط سقط ما بذمته لغريمه فتثبت له مطالبة غريمه بما أوفاه، فقد صحت البراءة بعد الدفع، فلا تبطل اليمين بل يتوقف الوقوع على البراءة، بخلاف ما إذا أبرأه براءة استيفاء لأنها بمعنى إقراره باستيفاء دينه وبأنه لا مطالبة له عليه فلا يرجع عليه المديون لعدم سقوط ما بذمته بذلك‏.‏ وأما لو أطلق فينبغي في زماننا حملها على الاستيفاء لعدم فهمهم غيرها‏.‏

‏(‏قوله حلف بالله أنه لم يدخل‏)‏ كذا في بعض النسخ، وفي بعضها لا يدخل‏.‏ والصواب الأول لأنه على الثاني تكون اليمين منعقدة لكونها على المستقبل‏.‏ وفرض المسألة فيما إذا كانت على الماضي لتناقض اليمين الثانية‏.‏ ففي البحر عن المحيط من باب الأيمان التي يكذب بعضها بعضا‏:‏ حلف بالله تعالى أنه لم يدخل هذه الدار اليوم ثم قال عبده حر إن لم يكن دخلها اليوم لا كفارة ولا يعتق عبده لأنه إن كان صادقا في اليمين بالله تعالى لم يحنث ولا كفارة وإن كان كاذبا فهي يمين الغموس فلا توجب الكفارة، واليمين بالله تعالى لا مدخل لها في القضاء فلم يصرفها مكذبا شرعا، فلم يتحقق شرط الحنث في اليمين بالعتق وهو عدم الدخول؛ حتى لو كانت اليمين الأولى بعتق أو طلاق حنث في اليمينين لأن لها مدخلا في القضاء‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله حنث في اليمينين‏)‏ لأنه بكل زعم الحنث في الأخرى كما يأتي في باب عتق البعض‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله ولو ضاع من اللحام إلخ‏)‏ هذا نقله في البحر عن الخانية في اليمين المطلقة عن ذكر اليوم، ثم قال‏:‏ ومفهومه أنه إذا لم يمكن رده فإنه يحنث، فعلم به أن قولهم يشترط لبقاء اليمين إمكان البر إنما هو في المقيدة بالوقت فعدمه مبطل لها أما المطلقة فعدمه موجب للحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله أنه إذا كانت اليمين مقيدة بالوقت يحنث بمضيه إلا إذا عجزت عن رده بأن ضاع أو أذيب أما لو كانت مطلقة فلا يحنث وإن ضاع ما داما حيين لإمكان وجدانه أما لو مات أحدهما أو علم أنه أذيب أو سقط في البحر فإنه يحنث لتعذر الرد، وبه تعلم ما في كلام الشارح ‏(‏قوله إن لم أكن إلخ‏)‏ كذا في البحر عن الصيرفية، وقد راجعت عبارة الصيرفية فرأيت فيها إن أكن بدون لم وهو الصواب ‏(‏قوله يحبس إلخ‏)‏ سواء حبسه القاضي أو الولي لأن الحبس يسمى نفيا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أو ينفوا من الأرض‏}‏ بحر عن الصيرفية أي فإن الآية محمولة عندنا على الحبس‏.‏

مطلب المحبوس ليس في الدنيا

ورأيت في بعض الكتب أن الوزير ابن مقلة لما حبسه الراضي بالله سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة أنشد قوله‏:‏

خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها *** فلسنا من الموتى نعد ولا الأحيا

إذا جاءنا السجان يوما لحاجة *** فرحنا وقلنا جاء هذا من الدنيا

قوله لا يحنث في المختار‏)‏ لأنه مسكن لا ساكن، وشرط الحنث هو السكنى، وإنما تكون السكنى بفعله إذا كان باختياره، بخلاف إن لم أخرج ونحوه لأن شرط الحنث عدم الفعل والعدم يتحقق بدون الاختيار أفاده في الذخيرة وأفاده أيضا أن الخلاف فيما إذا أغلق الباب لا فيما إذا منع بقيد، ومثله في البحر وصرح به في البزازية‏.‏ وحاصله أنه لو كان المنع حسيا لا يحنث بلا خلاف ولو كان بغيره لا يحنث أيضا في المختار، وقيل لا يحنث‏.‏

مطلب الأصل أن شرط الحنث إن كان عدميا وعجز يحنث

‏(‏قوله والأصل إلخ‏)‏ عبارة ابن الشحنة والأصل أن شرط الحنث إن كان عدميا وعجز عن مباشرته فالمختار الحنث، وإن كان وجوديا وعجز فالمختار عدم الحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أن الضمير في قوله مباشرته يعود إلى شرط البر لا شرط الحنث لأن العجز عن الشيء فرع عن تطلبه والحالف إنما يطلب شرط البر فيحصله أو يعجز عنه فكان على الشارح أن يقول متى عجز عن شرط البر فافهم‏.‏ هذا، وقد استشكل في البحر فرعين‏:‏ أحدهما مسألة العسس المارة، والثاني ما في القنية إن لم أعمل هذه السنة في المزارعة بتمامها فمرض ولم يتم حنث، ولو حبسه السلطان لا يحنث ا هـ‏.‏ قال‏:‏ فإن الشرط فيهما العدم وقد أثر فيه الحبس‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ أما مسألة العسس فقد مر الجواب عنها، وأما مسألة القنية فالظاهر أنها مبنية على خلاف المختار، وهو عدم الحنث فيما إذا كان المنع غير حسي، فهذا فرق بين المنع بالمرض والمنع بحبس السلطان لأن الحبس إغلاق لباب الحبس فهو منع غير حسي، بخلاف المرض فإنه كالقيد فهو منع حسي، لكن في أيمان البزازية من الخامس عشر إن لم تحضريني الليلة فكذا فقيدت ومنعت منعا حسيا، ذكر الفضلي أنه يحنث‏.‏ والأصح أنه لا يحنث فقد صحح عدم الحنث في المنع الحسي، لكن ذكر في الذخيرة أن المختار الحنث ولم يقيد بكونها منعت منعا حسيا فالظاهر أنه ترجيح لقول الفضلي، وهو الموافق للأصل المار لأن الشرط هنا عدمي ويكون التفصيل بين المنع الحسي وغيره خاصا فيما إذا كان الشرط وجوديا، ويكون ما في القنية والبزازية مبنيا على إجرائه في العدمي أيضا والله أعلم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

اعلم أنهم صرحوا بأن فوات المحل يبطل اليمين، وبأن العجز عن فعل المحلوف عليه يبطلها أيضا لو مؤقتة لا لو مطلقة، وبأن إمكان تصور البر شرط لانعقادها في الابتداء مطلقا وشرط لبقائها لو مؤقتة، وعلى هذا فقولهم في ليشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه لا يحنث‏.‏ وجهه أنها لم تنعقد لعدم إمكان البر ابتداء، وفيما لو كان فيه ماء فصب تبطل لعدم إمكان البر بعد انعقادها، والعجز فيه ناشئ عن فوات المحل، وفي إن لم أخرج ونحوه فقيد ومنع يحنث لأن العجز لم ينشأ عن فوات المحل لأن المحل فيه هو الحالف أو المرأة ونحو ذلك، وهو موجود، بخلاف الماء الذي صب، فإذا لم يخرج تحقق شرط الحنث لبقاء المحل، وإن عجز حقيقة لإمكان البر عقلا، بأن يطلقه الحابس له كما في قوله إن لم أمس السماء اليوم فإنه يحنث بمضيه لأنه وإن استحال عادة، لكنه في نفسه ممكن لأنه وجد من بعض الأنبياء بخلاف ما لو صب الماء لأن عود الماء المحلوف عليه غير ممكن أصلا وفي لا أسكن فقيد ومنع لا يحنث لأن شرط الحنث وجودي وهو سكناه بنفسه والوجودي يمكن إعدامه بالإكراه والمنع بأن ينسب لغيره وهو المكره بالكسر‏.‏ بخلاف لا يخرج لأن شرط الحنث عدمي وهو لا يمكن إعدامه بالإكراه لتحققه من المكره بالفتح، وهذا معنى قولهم الإكراه يؤثر في الوجودي لا في العدمي، فصار الحاصل أنه إذا كان شرط الحنث عدميا، فإن عجز عن شرط البر بفوات محله لا يحنث وإن مع بقاء المحل حنث سواء كان المانع حسيا أو لا، وكذا لو كان المانع كونه مستحيلا عادة، كمس السماء، وإن كان الشرط وجوديا لا يحنث مطلقا ولو كان المانع غير حسي في المختار، وهذا ما تحرر لي من كلامهم، والله تعالى أعلم‏.‏ فافهم ‏(‏قوله ومفاده إلخ‏)‏ أي لأن شرط الحنث فيه عدمي وهو عدم الأداء والمحل وهو الحالف باق، وإذا كان يحنث في حلفه ليمس السماء اليوم مع كون شرط البر مستحيلا عادة فحنثه هنا بالأولى لأن شرط البر ممكن، بأن يغصب مالا أو يجد من يقرضه أو يرث قريبا له ونحو ذلك، فإن ذلك ليس بأبعد من مس السماء‏.‏ ولا يرد ما قيل إنه يستفاد عدم الحنث من قوله في المنح‏:‏ حلف ليقضين فلانا دينه غدا ومات أحدهما قبل مضي الغد أو قضاه قبله أو أبرأه لم تنعقد‏.‏ ا هـ‏.‏ لأن عدم الحنث فيه لبطلان اليمين بفوات المحل كما لو صب ما في الكوز فإن شرط البر صار مستحيلا عقلا وعادة بخلاف مس السماء فإنه ممكن عقلا وإن استحال عادة، وكذا لا يرد ما في الخانية إن لم آكل هذا الرغيف اليوم فأكله غيره قبل الغروب لا يحنث لأنه من فروع مسألة الكوز كما صرحوا به لفوات المحل وهو الرغيف، وما استشهد به صاحب البحر حيث قال إن قوله في القنية متى عجز عن المحلوف عليه واليمين مؤقتة فإنها تبطل يقتضي بطلانها في الحادثة المذكورة ا هـ‏.‏ فيه نظر لأن مراد القنية العجز الحقيقي كما في مسألة الكوز وإلا ناقضه ما أطبق عليه أصحاب المتون من عدم البطلان في لأصعدن السماء‏.‏ ثم رأيت الرملي نقل عن فتاوى صاحب البحر أنه أفتى بالحنث في مسألتنا مستندا إلى إمكان البر حقيقة وعادة مع الإعسار بهبة أو تصدق أو إرث ا هـ‏.‏ وهو عين ما قلناه أولا، ولله الحمد‏.‏