فصل: باب النفقة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب النفقة

‏(‏قوله هي لغة إلخ‏)‏ النفقة مشتقة من النفوق‏:‏ وهو الهلاك، نفقت الدابة نفوقا‏:‏ هلكت، أو من النفاق وهو الرواج، نفقت السلعة نفاقا‏:‏ راجت، ذكر الزمخشري أن كل ما فاؤه نون وعينه فاء يدل على معنى الخروج والذهاب مثل نفق ونفر ونفخ ونفس ونفى ونفد‏.‏ وفي الشرع‏:‏ الإدرار على شيء بما فيه بقاؤه، كذا في الفتح‏.‏ قلت‏:‏ ولا يخفى أن ما ذكره بيان لأصل مادتها ومأخذ اشتقاقها ووجه تسميتها فإن بها هلاك المال ورواج الحال، فلا ينافي قولهم أيضا إنها في اللغة ما ينفقه الإنسان على عياله ونحوهم، فإنه بيان لحقيقة مدلولها وأنها اسم عين لا حدث‏.‏

مطلب‏:‏ اللفظ جامد ومشتق

وعن هذا قالوا‏:‏ إن اللفظ قسمان‏:‏ جامد وهو ما لم يوافق مصدرا بحروفه الأصول ومعناه كرجل وأسد، ومشتق وهو خلافه‏.‏ وهو قسمان‏:‏ مطرد وغيره‏.‏ فالأول كاسم الفاعل والمفعول وبقية المشتقات السبعة، فضارب مثلا يطرد إطلاقه على كل من اتصف بمعنى المشتق هو منه‏.‏ والثاني ما كان معنى المشتق منه مرجحا للتسمية غير داخل فيها كقارورة حتى لا يطرد في كل ما وجد فيه ذلك المعنى، فلا يصح إطلاق قارورة على نحو البئر وإن وجد فيه قرار الماء فالنفقة من هذا القبيل لا من المطرد ولا من الجامد غير المشتق، وبهذا التقرير اندفع ما أورده في البحر فافهم‏.‏ ‏(‏قوله وشرعا هي الطعام إلخ‏)‏ كذا فسرها محمد بالثلاثة لما سأله هشام عنها كما في البحر عن الخلاصة ‏(‏قوله وعرفا‏)‏ أي في العرف الطارئ في لسان أهل الشرع هي الطعام فقط، ولذا يعطفون عليه الكسوة والسكنى والعطف يقتضي المغايرة رحمتي، وعبارة المتون كالكنز والملتقى وغيرهما على هذا ‏(‏قوله وملك‏)‏ شامل لنفقة المملوك من بني آدم والحيوانات والعقار كما في الدر المنتقى، لكن في الأخير لا يجبر قضاء، وفي الثاني خلاف كما سيأتي آخر الباب ‏(‏قوله لمناسبة ما مر‏)‏ أي من النكاح والطلاق والعدة بحر ‏(‏قوله أو؛ لأنها أصل الولد‏)‏ أي؛ لأن القرابة لا تكون إلا بالتوالد، والولد الذي تكون ابنا أو أبا أو أخا أو عما لا يحصل إلا بالزوجية فقدم الكلام عليها لتقدمها فافهم‏.‏ ‏(‏قوله بنكاح صحيح‏)‏ فلا نفقة على مسلم في نكاح فاسد لانعدام سبب الوجوب وهو حق الحبس الثابت للزوج عليها بالنكاح وكذا في عدته؛ لأن حق الحبس وإن ثبت لكنه لم يثبت بالنكاح بل لتحصين الماء، ولأن حال العدة لا يكون أقوى من حال النكاح بدائع ‏(‏قوله فلو بان فساده أو بطلانه إلخ‏)‏ لم يذكر في البحر البطلان، وقدمنا في العدة عن الفتح وغيره عدم الفرق بين الفاسد والباطل في النكاح، بخلاف البيع‏.‏ وفي الهندية عن الذخيرة‏:‏ ولو كان النكاح صحيحا من حيث الظاهر ففرض لها القاضي النفقة وأخذتها شهرا ثم ظهر فساد النكاح بأن شهدوا أنها أخته رضاعا وفرق بينهما رجع عليها بما أخذت؛ ولو أنفق بلا فرض القاضي لم يرجع بشيء‏.‏ ا هـ‏.‏ ونحوه في الفتح‏.‏ وفي الهندية أيضا عن الخلاصة‏:‏ وأجمعوا أن في النكاح بلا شهود تستحق النفقة‏.‏ ا هـ‏.‏ قال ط‏:‏ ونظر فيه الحموي بأنه من أفراد الفاسد‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومثله في النهر‏.‏ والظاهر أن الصواب لا تستحق بلا النافية إذ لا احتباس فيه ‏(‏قوله على زوجها‏)‏ أي ولو عبدا حتى يباع في نفقتها ‏(‏قوله وكل محبوس إلخ‏)‏ هذه كبرى قياس من الشكل الأول طويت صغراه للعلم بها من التعليل السابق، والتقدير‏:‏ الزوجة محبوسة لمنفعة الزوج إلخ، وينتج لزوم نفقتها عليه فافهم‏.‏ ‏(‏قوله كمفت وقاض‏)‏ أي ووال، فلهم قدر ما يكفيهم ويكفي من تلزمهم نفقتهم من بيت المال لاحتباسهم في مصلحة المسلمين رحمتي ‏(‏قوله ووصي‏)‏ فله الأقل من نفقته وأجر عمله في مال الميت‏.‏ رحمتي وظاهره ولو غنيا أو وصي الميت وفيه كلام سيأتي - إن شاء الله تعالى - في بابه آخر الكتاب ‏(‏قوله زيلعي‏)‏ يوهم أن الزيلعي ذكر هذه الثلاثة فقط مع أنه ذكر الستة وزاد عليهم الوالي ح ‏(‏قوله وعامل‏)‏ أي في الصدقات زيلعي ‏(‏قوله قاموا بدفع العدو‏)‏ أي نصبوا أنفسهم لذلك وترقبوا غرته فتجب النفقة لهم ولذريتهم ‏(‏قوله ومضارب‏)‏ فنفقته في مال المضاربة ما دام مسافرا لاحتباسه لها، فلو كان مضاربا بالرجلين أو أكثر فنفقته على حسب المال رحمتي ‏(‏قوله ولا يرد الرهن‏)‏ قال في البحر‏.‏ واعترض بأن الرهن محبوس لحق المرتهن وهو الاستيفاء، ولذا كان أحق به من سائر الغرماء مع أن نفقته على الراهن‏.‏ وأجيب بأنه محبوس بحق الراهن أيضا، وهو وفاء دينه عنه عند الهلاك مع كونه ملكا له‏.‏ ا هـ‏.‏ فقوله مع كونه ملكا له ترجيح لجانب الراهن في وجوب النفقة عليه وحده مع كونه محبوسا لحقهما والشارح أخل به ح‏.‏ قلت‏:‏ لا إخلال بتركه، فإن المحقق ابن الهمام لم يذكره؛ لأن منفعة الحبس إذا كانت غير مختصة بالغير لا تجب النفقة على الغير، فهو كالأجير إذا عمل في المشترك لا يستحق أجرا؛ لأنه عامل لنفسه من وجه فافهم‏.‏

مطلب لا تجب على الأب نفقة زوجة ابنه الصغير

‏(‏قوله في ماله لا على أبيه إلخ‏)‏ كذا في كافي الحاكم الشهيد، حيث قال‏:‏ فإن كان صغيرا لا مال له لم يؤخذ أبوه بنفقة زوجته إلا أن يكون ضمنها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخانية‏:‏ وإن كانت كبيرة وليس للصغير مال لا تجب على الأب نفقتها، ويستدين الأب عليه ثم يرجع على الابن إذا أيسر‏.‏ ا هـ‏.‏ وعزاه في البحر والنهر إلى الخلاصة أيضا‏.‏ قال الرملي‏:‏ ومثله في الزيلعي وكثير من الكتب‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وبه جزم المصنف والشارح في باب المهر‏.‏ وأنت خبير أن الكافي هو نص المذهب ولا سيما وأكثر الكتب عليه، فيقدم على ما سيذكره الشارح في الفروع عن المختار والملتقى من وجوبها على أبيه إلا أن يحمل على وجوب الاستدانة ليرجع تأمل‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في الشرنبلالية بعد نقله ما في الخانية أقول‏:‏ هذا إذا كان في تزويج الصغير مصلحة، ولا مصلحة في تزويج قاصر مرضع بالغة حد الشهوة وطاقة الوطء بمهر كثير ولزوم نفقة يقررها القاضي فتستغرق ماله إن كان أو يصير ذا دين كثير ونص المذهب أنه إذا عرف الأب بسوء الاختيار مجانة أو فسقا فالعقد باطل اتفاقا صرح به في البحر وغيره وقدمه المصنف في باب الولي‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ المصرح به في المتون والشروح أن للأب تزويج الصغير والصغيرة غير كفء وبدون مهر المثل بغبن فاحش؛ لأن كمال شفقة الأب دليل على وجود المصلحة ما لم يكن سكران أو معروفا بسوء الاختيار؛ لأن ذلك دليل على عدم تأمله في المصلحة؛ وأنت خبير بأن الشرط أن لا يكون معروفا بسوء الاختيار قبل العقد فلا يثبت سوء اختياره بمجرد العقد المذكور، وإلا لزم أن لا يتصور صحة عقده بالغبن الفاحش ولغير الكفء كما مر تقريره في باب الولي‏.‏ فظهر أنه إذا لم يكن معروفا بذلك وزوج طفله امرأة صح ذلك مطلقا كما هو المنصوص في عامة كتب المذهب إقامة لشفقته مقام المصلحة فافهم ‏(‏قوله؛ لأن المانع من قبله‏)‏ دخل في هذا المجبوب والعنين والمريض الذي لا يقدر على الجماع كما صرح به في الهندية ‏(‏قوله أو فقيرا‏)‏ ليس عنده قدر النفقة لزوجته منح، فتستدين عليه بأمر القاضي ط وسيأتي ‏(‏قوله ولو مسلمة أو كافرة‏)‏ الأولى إسقاط مسلمة ‏(‏قوله تطيق الوطء‏)‏ أي منه أو من غيره كما يفيده كلام الفتح وأشار إلى ما في الزيلعي من تصحيح عدم تقديره بالسن، فإن السمينة الضخمة تحتمل الجماع ولو صغيرة السن ‏(‏قوله أو تشتهي للوطء فيما دون الفرج‏)‏؛ لأن الظاهر أن من كانت كذلك فهي مطيقة للجماع في الجلة وإن لم تطقه من خصوص زوج مثلا فتح ‏(‏قوله فلا نفقة‏)‏ أي ما لم يمسكها في بيته للخدمة أو الاستئناس كما يأتي قريبا ‏(‏قوله كما لو كانا صغيرين‏)‏؛ لأن المانع من الوطء وجد منها ووجوده منه أيضا لا يضر بعد عدم وجود التسليم الموجب، للنفقة منها ‏(‏قوله موطوءة أو لا‏)‏ أي سواء دخل بها أم لا ‏(‏قوله كأن كان الزوج إلخ‏)‏ تمثيل لقوله أو لا أفاد به أن عدم وطئها لا فرق فيه بين أن يكون لا مانع منه أصلا أو له مانع من جهته أو من جهتها وهي مشتهاة كالقرناء ونحوها؛ لأن المعتبر في إيجاب النفقة الاحتباس لانتفاع مقصود من وطء أو من دواعيه، ولذا وجبت لصغيرة تشتهي للجماع فيما دون الفرج كما مر فافهم ‏(‏قوله أو معتوهة‏)‏ في التتارخانية‏:‏ المجنونة لها النفقة إذا لم تمنع نفسها بغير حق ‏(‏قوله وكذا صغيرة‏)‏ أي لا تشتهي أصلا ولو للجماع فيما دون الفرج وإلا لزمه نفقتها أمسكها أو لا كما مر آنفا‏.‏ ‏(‏قوله إن أمسكها في بيته‏)‏ وإن ردها فلا نفقة لها بدائع‏.‏ وحاصله أنه مخير‏.‏ أما في مسألة المشتهاة فلا تخيير بل يلزمه نفقتها مطلقا كما علمته فافهم ‏(‏قوله ولو منعت نفسها للمهر‏)‏ أي الذي تعورف تقديمه؛ لأنه منع يحق لتقصير من جهته فلا تسقط النفقة به زيلعي ‏(‏قوله دخل بها أو لا‏)‏ تعميم للمنع‏:‏ أي لها النفقة بالمنع المذكور سواء كان قبل الدخول أو بعده، لكن عند أبي يوسف يسقط حقها في المنع إذا دخل بها برضاها ‏(‏قوله وعليه الفتوى‏)‏ أي استحسانا؛ لأنه لما طلب تأجيله كله فقد رضي بإسقاط حقه في الاستمتاع‏.‏ وفي الخلاصة أن الأستاذ ظهير الدين كان يفتي بأنه ليس لها الامتناع والصدر الشهيد كان يفتي بأن لها ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد اختلف الإفتاء بحر من باب المهر، وقدمنا هناك أن الاستحسان مقدم، فلذا جزم به الشارح‏.‏ وفي البحر عن الفتح وهذا كله إذا لم يشترط الدخول قبل حلول الأجل، فلو شرطه ورضيت به ليس لها الامتناع على قول الثاني‏.‏ ا هـ‏.‏ وتمام الكلام قدمناه هناك ‏(‏قوله فتستحق النفقة‏)‏ أي وإن لم يكن لها المطالبة بالمهر ‏(‏قوله به يفتي‏)‏ كذا في الهداية، وهو قول الخصاف‏.‏ وفي الولوالجية‏:‏ وهو الصحيح وعليه الفتوى‏.‏ وظاهر الرواية اعتبار حاله فقط، وبه قال جمع كثير من المشايخ، ونص عليه محمد‏.‏ وفي التحفة والبدائع أنه الصحيح بحر، لكن المتون والشروح على الأول‏.‏ وفي الخانية‏:‏ وقال بعض الناس يعتبر حال المرأة‏.‏ قال في البحر‏:‏ واتفقوا على وجوب نفقة الموسرين إذا كانا موسرين، وعلى نفقة المعسرين إذا كانا معسرين، وإنما الاختلاف فيما إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا، فعلى ظاهر الرواية الاعتبار لحال الرجل، فإن كان موسرا وهي معسرة فعليه نفقة الموسرين، وفي عكسه نفقة المعسرين‏.‏ وأما على المفتى به فتجب نفقة الوسط في المسألتين وهو فوق نفقة المعسرة ودون نفقة الموسرة‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

صرحوا ببيان اليسار والإعسار في نفقة الأقارب ولم أر من عرفهما في نفقة الزوجة، ولعلهم وكلوا ذلك إلى العرف والنظر إلى الحال من التوسع في الإنفاق وعدمه، ويؤيده قول البدائع‏:‏ حتى لو كان الرجل مفرطا في اليسار يأكل خبز الحوارى ولحم الدجاج والمرأة مفرطة في الفقر تأكل في بيت أهلها خبز الشعير يطعمها خبز الحنطة ولحم الشاة ‏(‏قوله ويخاطب إلخ‏)‏ صرح به في الهداية، وقد غفل عنه في غاية البيان فقال‏:‏ إذا كان معسرا وهي موسرة وأوجبنا الوسط فقط كلفناه بما ليس في وسعه ‏(‏قوله والباقي‏)‏ أي ما يكمل نفقة الوسط‏.‏

‏(‏قوله ولو هي في بيت أبيها‏)‏ تعميم لقوله فتجب للزوجة، وهذا ظاهر الرواية، فتجب النفقة من حين العقد الصحيح وإن لم تنتقل إلى منزل الزوج إذا لم يطلبها‏.‏ وقال بعض المتأخرين‏:‏ لا تجب ما لم تزف إلى منزله، وهو رواية عن أبي يوسف واختاره القدوري وليس الفتوى عليه، وتمامه في الفتح ‏(‏قوله إذا لم يطالبها إلخ‏)‏ الأخصر والأظهر أن يقول به يفتى إذا لم تمتنع من النقلة بغير حق ‏(‏قوله لقيام الاحتباس‏)‏ فإنه يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت، والمانع لعارض فأشبه الحيض هداية ‏(‏قوله وكذا لو مرضت إلخ‏)‏ هذا خلاف المفهوم من قول المصنف أو مرضت في بيت الزوج‏:‏ أي بعدما سلمت نفسها صحيحة، فإن مفهومه أنها لو سلمت نفسها مريضة لا نفقة لها؛ لأن التسليم لم يصح كما في الهداية، لكن حقق في الفتح أن هذا مبني على قول البعض من اشتراط التسليم لوجوب النفقة، وقد علمت أنه خلاف المفتى به من تعلقها بالعقد الصحيح لا بالتسليم فالمختار وجوب النفقة لقيام الاحتباس ‏(‏قوله وإلا لا‏)‏ أي وإن أمكن نقلها إلى بيت الزوج بمحفة ونحوها فلم تنتقل لا نفقة لها كما في البحر لمنعها نفسها عن النقلة مع القدرة، بخلاف ما إذا لم تقدر أصلا، لكن سيأتي أنها لا تجب لمريضة لم تزف إذا لم يمكنها الانتقال معه أصلا، فقد جعل عدم إمكان الانتقال مانعا من وجوب النفقة وهنا جعل موجبا لها‏.‏ وقد يجاب بالفرق، وهو أنها هنا لما انتقلت إلى بيته فقد تحقق التسليم ولا تصير بعده ناشزة إلا إذا أمكنها الانتقال إليه وامتنعت، بخلاف ما إذا لم يوجد تسليم أصلا ومرضت بحيث لا يمكنها الانتقال فلا نفقة لها لعدم التسليم أصلا لا حقيقة ولا حكما وسيأتي ما يؤيده ‏(‏قوله كما لا يلزمه مداواتها‏)‏ أي إتيانه لها بدواء المرض ولا أجرة الطبيب ولا الفصد ولا الحجامة هندية عن السراج‏.‏ والظاهر أن منها ما تستعمله النفساء مما يزيل الكلف ونحوه، وأما أجرة القابلة فسيأتي الكلام عليها‏.‏

‏(‏قوله لا نفقة لأحد عشر‏)‏ أي بعد المنكوحة فاسدا وعدتها أمرا واحدا، وذكر العدد لعدم التمييز‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وقد ذكر المصنف منها هنا خمسة، وذكر الشارح ستة، لكن ما زاده الشارح سيذكره المصنف مفرقا سوى منكوحة فاسد وعدته؛ لأنها غير زوجة وسنتكلم عليها في محالها‏.‏ وينبغي أن يذكر الموطوءة بشبهة، لما في الخلاصة‏:‏ كل من وطئت بشبهة فلا نفقة لها‏.‏ ا هـ‏.‏؛ لأن زوجها ممنوع عنها بمعنى من جهتها، ويمكن إدخالها في الناشزة تأمل ‏(‏قوله ومنكوحة فاسدا وعدته‏)‏ الأولى ومعتدته، وتقدم الكلام على المنكوحة فاسدا‏.‏ وفي الخانية‏:‏ غاب عنها فتزوجت بآخر ودخل بها وفرق بينهما بعد عود الأول فلا نفقة لها في عدتها لا على الأول ولا على الثاني، بخلاف المدخولة إذا طلقت ثلاثا فتزوجت في العدة ودخل بها الثاني فلها النفقة والسكنى على الأول‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لأنها معتدة من طلاق بائن من الأول، أما في الأولى فإنها معتدة من وطء الثاني بعقد فاسد فلا نفقة لها عليه ولا على زوجها؛ لأنها منعت نفسها بمعنى من جهتها‏.‏ وفي الهندية‏:‏ اتهم بامرأة فتزوجها وأنكر أن حبلها منه لا نفقة عليه؛ لأنه ممنوع من استمتاعها بمعنى من قبلها وإن أقر به لزمته‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

تزوج معتدة البائن إنما لا يسقط نفقتها ما دامت في بيت العدة وإلا صارت ناشزة كما في الذخيرة ‏(‏قوله صغيرة لا توطأ‏)‏ وكذا إن صلحت للخدمة أو الاستئناس ولم يمسكها في بيته كما مر فافهم ‏(‏قوله بغير حق‏)‏ ذكر محترزه بقوله بخلاف ما لو خرجت إلخ، وكذا هو احتراز عما لو خرجت حتى يدفع لها المهر ولها الخروج في مواضع مرت في المهر وسيأتي بعضها عند قوله ولا يمنعها من الخروج إلى الوالدين ‏(‏قوله وهي الناشزة‏)‏ أي بالمعنى الشرعي أما في اللغة فهي العاصية على الزوج المبغضة له ‏(‏قوله ولو بعد سفره‏)‏ أي لو عادت إلى بيت الزوج بعدما سافر خرجت عن كونها ناشزة بحر عن الخلاصة بأي فتستحق النفقة فتكتب إليه لينفق عليها أو ترفع أمرها للقاضي ليفرض لها عليه نفقة، أما لو أنفقت على نفسها بدون ذلك فلا رجوع لها؛ لما سيأتي أنها تسقط بالمضي بدون قضاء ولا تراض‏.‏ ‏(‏قوله والقول لها إلخ‏)‏ أي حيث لا بينة له، وهذا أخذه في البحر مما في الخلاصة‏:‏ لو قال هي ناشزة فلا نفقة لها، فإن شهدوا أنه أوفاها المعجل وهي لم تكن في بيته سقطت النفقة، وإن شهدوا أنها ليست في طاعته للجماع لم تقبل لاحتمال كونها في بيته ولا تسقط؛ لأن الزوج يغلب عليها‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويؤخذ منه أيضا تقييد كون القول لها بما إذا كانت في بيته، وهذا ظاهر لو كان الاختلاف في نشوز في الحال‏.‏ أما لو ادعى عليها سقوط النفقة المفروضة في شهر ماض مثلا لنشوزها فيه فالظاهر أن القول لها أيضا لإنكارها موجب الرجوع عليها تأمل‏.‏ ولو ادعت أن خروجها إلى بيت أهلها كان بإذنه وأنكر أو ثبت نشوزها ثم ادعت أنه بعده بشهر مثلا أذن لها بالمكث هناك هل يكون القول لها أم لا لم أره والظاهر الثاني لتحقق المسقط تأمل‏.‏ ‏(‏قوله وتسقط به‏)‏ أي بالنشوز النفقة المفروضة، يعني إذا كان لها عليه نفقة أشهر مفروضة ثم نشزت سقطت تلك الأشهر الماضية، بخلاف ما إذا أمرها بالاستدانة فاستدانت عليه فإنها لا تسقط كما سيأتي في مسألة الموت‏.‏ ا هـ‏.‏ ح قلت‏:‏ وسقوط المفروضة منصوص عليه في الجامع، أما المستدانة فذكر في الذخيرة أنه يجب أن يكون على الروايتين في سقوطها بالموت والأصح منهما عدم السقوط‏.‏ ا هـ‏.‏ ومقتضى هذا أنها لو عادت إلى بيته لا يعود ما سقط، وهل يبطل الفرض فيحتاج إلى تجديده بعد العود إلى بيته أم لا‏؟‏ لم أره، ويظهر عدم بطلانه؛ لأن كلامهم في سقوط المفروض لا الفرض فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله لو مانعته من الوطء إلخ‏)‏ قيده في السراج بمنزل الزوج وبقدرته على وطئها كرها‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ لا نفقة لها؛ لأنها ناشزة‏.‏ ا هـ‏.‏ والثاني وجيه في حق من يستحي، وهذا يشير إلى أن هذا المنع في منزلها نشوز بالاتفاق سائحاني‏.‏ ‏(‏قوله لها‏)‏ أي ملكا أو إجارة ‏(‏قوله ما لم تكن سألته النقلة‏)‏ بأن قالت له حولني إلى منزلك أو اكتر لي منزلا فإني محتاجة إلى منزلي هذا آخذ كراءه فلها النفقة بحر ‏(‏قوله لعدم اعتبار الشبهة في زماننا‏)‏ نقله صاحب الهداية في التجنيس وصاحب المحيط في الذخيرة ‏(‏قوله بخلاف إلخ‏)‏؛ لأن السكنى في المغصوب حرام والامتناع عن الحرام واجب، بخلاف الامتناع عن الشبهة، فإنه مندوب فيقدم عليه حق الزوج الواجب‏.‏ وسئلت عن امرأة أسكنها زوجها في بلاد الدروز الملحدين ثم امتنعت وطلبت منه السكنى في بلاد الإسلام خوفا على دينها، ويظهر لي أن لها ذلك؛ لأن بلاد الدروز في زماننا شبيهة بدار الحرب‏.‏ ‏(‏قوله أو السفر معه‏)‏ أي بناء على المفتى به من أنه ليس له السفر بها لفساد الزمان فامتناعها بحق ‏(‏قوله أو مع أجنبي إلخ‏)‏ هذا مفهوم بالأولى؛ لأنها إذا استحقت النفقة عند امتناعها عن السفر معه فمع الأجنبي بالأولى، أو هو مبني على أصل المذهب من أن للزوج السفر بها لكنه لما بعث إليها أجنبيا ليأتيه بها كان امتناعها من السفر معه بحق ولذا قيد بالأجنبي، إذ لو كان محرما لها لم يكن لها نفقة؛ لأنه ليس لها الامتناع، ومسألة السفر فيها كلام بسطناه في باب المهر ‏(‏قوله وقيل تكون ناشزة‏)‏ أشار إلى ضعفه، وبه صرح في البحر، لكن قواه الرحمتي وغيره بأنه قائم بمصالحها وله منعها من الغزل ونحوه، وعن كل ما يتأذى برائحته كالحناء والنقش، والإرضاع أولى؛ لأنه يهزلها ويلحقه عار به إذا كان من الأشراف‏.‏ أقول‏:‏ وأنت خبير بأن هذا كله لا يدل للقول بأنها تصير بذلك ناشزة؛ لأنها الخارجة بغير حق كما مر، وإلا لزم أنها تصير ناشزة إذا خالفته في الغزل والنقش والحناء ونحو ذلك مما تخالف به أمره وهي في بيته، وفساده لا يخفى نعم يفيد أن له منعها من هذا الإيجار، بل ذكر الخير الرملي أن له أن يمنعها من إرضاع ولدها من غيره وتربيته أخذا مما في التتارخانية عن الكافي في إجارة الظئر، وللزوج أن يمنع امرأته عما يوجب خللا في حقه وما فيها أيضا عن السغناقي ولأنها في الإرضاع والسهر تتعب وذلك ينقص جمالها وجمالها حق الزوج فكان له أن يمنعها‏.‏ ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله قال في النهر وفيه نظر‏)‏ وجهه أنها معذورة لاشتغالها بمصالحها، بخلاف المسألة المقيس عليها فإنها لا عذر لها فنقص التسليم منسوب إليها أفاده ح، وفيه أن المحبوسة ظلما والمغصوبة وحاجة الفرض مع غيره معذورة وقد سقطت نفقتها‏.‏ وفي الهندية في الأمة إذا سلمها السيد لزوجها ليلا فقط فعليه نفقة النهار، وعلى الزوج نفقة الليل وقياسه هنا كذلك ط‏.‏ قلت‏:‏ وسيذكر الشارح قبيل قوله وتفرض لزوجة الغائب عن البحر أن له منعها من الغزل وكل عمل ولو قابلة ومغسلة‏.‏ ا هـ‏.‏ وأنت خبير بأنه إذا كان له منعها من ذلك، فإن عصته وخرجت بلا إذنه كانت ناشزة ما دامت خارجة، وإن لم يمنعها لم تكن ناشزة، والله تعالى أعلم‏.‏

‏(‏قوله ومحبوسة ولو ظلما‏)‏ شمل حبسها بدين تقدر على إيفائه أو لا قبل النفقة إليه أو بعدها، وعليه الاعتماد زيلعي وعليه الفتوى فتح؛ لأن المعتبر في سقوط نفقتها فوات الاحتباس لا من جهة الزوج بحر ‏(‏قوله صيرفية‏)‏ كذا نقله عنها في المنح وأقره، ونقله في الشرنبلالية عن الخانية ‏(‏قوله كحبسه‏)‏ مصدر مضاف لمفعوله أي ككونه محبوسا فافهم ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي ولو ظلما أو حبسته هي لدين عليه أو أجنبي ‏(‏قوله لكن إلخ‏)‏ قال في النهر‏:‏ قيد بحبسها؛ لأن حبسه مطلقا غير مسقط لنفقتها كذا في غير كتاب، إلا أنه في تصحيح القدوري نقل عن قاضي خان أنه لو حبس في سجن السلطان ظلما اختلفوا فيه والصحيح أنها لا تستحق النفقة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ونقل المقدسي عبارة الخانية كذلك، وقال كذا في نسخة المؤيدية ونسخ جديدة لعلها كتبت منها‏.‏ وفي نسختي العتيقة التي عليها خط بعض المشايخ حذف لا، فليحرر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهكذا رأيته بدون لا في نسخة عتيقة عندي من الخانية وكذا نقله في الهندية عن الخانية، فلعل صاحب تصحيح القدوري نقل ذلك من نسخة المدرسة المؤيدية أيضا أو مما نقل عنها فتكون لا زائدة، ليوافق ما في بقية النسخ القديمة وما في غير كتاب، والمعنى يساعده أيضا؛ لأن الاحتباس جاء لمعنى من جهته لا من جهتها كما لو كان مريضا أو صغيرا جدا أو مجبوبا أو عنينا ‏(‏قوله وفي البحر إلخ‏)‏ عبارته‏:‏ وفي الخلاصة أنها إذا حبسته وطلب أن تحبس معه فإنها لا تحبس‏.‏ وذكر في مآل الفتاوى إلخ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا إذا كان في الحبس موضع خال كما في التتارخانية؛ ثم لا يخفى أن تقييده بما لو خيف عليها الفساد ظاهر في أن فرض المسألة فيما إذا ظهر للقاضي أن قصدها بحبسه أن تفعل ما تريد حيث كانت من أهل التهمة والفساد لا بمجرد دعوى الزوج ذلك، فينبغي للقاضي أن يتحرى في ذلك، فقد وقع في زماننا أن امرأة حبست زوجها بدين لها عليه فطلب حبسها معه لأجل أن تخرجه من الحبس ويأكل مالها، ولا يخفى أن حبسها له غير قيد، بل لو حبسه غيرها وخاف عليها الفساد فالحكم كذلك؛ لأن العلة خوف الفساد ‏(‏قوله لم تزف‏)‏ أي لم تنتقل إلى بيت زوجها ‏(‏قوله أي لا يمكنها إلخ‏)‏ اعلم أن المذهب المصحح الذي عليه الفتوى وجوب النفقة للمريضة قبل النقلة أو بعدها أمكنه جماعها أو لا، معها زوجها أو لا حيث لم تمنع نفسها إذا طلب نقلتها، فلا فرق حينئذ بينها وبين الصحيحة لوجود التمكين من الاستمتاع كما في الحائض والنفساء، وحينئذ فلا ينبغي إدخالها فيمن لا نفقة لهن‏.‏ لكن ظاهر التجنيس أنه إذا كان مرضا مانعا من النقلة فلا نفقة لها وإن لم تمنع نفسها لعدم التسليم بالكلية فهذا مراد من فرق بين المريضة والصحيحة، وعليه يحمل كلام المصنف، هذا حاصل ما حرره في البحر، ومشى عليه الشارح حيث ذكر فيما مر أن لها النفقة إذا مرضت بعد النقلة في بيت الزوج أو قبل النقلة ثم انتقلت إلى بيته أو لم تنتقل ولم تمنع نفسها، ثم ذكر هنا أن التي لا نفقة لها هي التي مرضت قبل النقلة مرضا لا يمكنها الانتقال معه، وقدمنا الفرق بين هذه وبين التي مرضت عند الزوج ثم عادت إلى دار أبيها ولا يمكنها الانتقال‏.‏ ‏(‏قوله ومغصوبة‏)‏ أي من أخذها رجل وذهب بها، وهذا ظاهر الرواية‏.‏ وعن أبي يوسف‏:‏ لها النفقة والفتوى على الأول؛ لأن فوات الاحتباس ليس منه ليجعل باقيا تقديرا هداية، وقيد بقوله كرها؛ لأنه لو ذهب بها على صورة الغصب لكن برضاها فلا خلاف فيها إذ لا شك في أنها ناشزة فافهم ‏(‏قوله ولو نفلا‏)‏ المناسب ولو فرضا فيفهم عدم الوجوب في النفل بالأولى؛ لأنه متفق عليه‏.‏ أما الفرض ففي البحر عن الذخيرة عن أبي يوسف أنه عذر فلها نفقة الحضر‏.‏ وفي رواية عنه‏:‏ يؤمر بالخروج معها والإنفاق عليها ‏(‏قوله لا معه‏)‏ عطف على مقدر‏:‏ أي حاجة وحدها أو مع غير الزوج لا معه‏.‏ ‏(‏قوله لفوات الاحتباس‏)‏ علة لقوله لا نفقة لأحد عشر إلخ ‏(‏قوله ولو معه‏)‏ أي ولو حجت مع الزوج ولو كان الحج نفلا كما في الهندية ط‏.‏ قلت‏:‏ وكذا لو خرجت معه لعمرة أو تجارة لقيام الاحتباس لكونها معه ‏(‏قوله لا نفقة السفر والكراء‏)‏ فينظر إلى قيمة الطعام في الحضر لا في السفر بحر قلت‏:‏ لا يخفى أن هذا إذا خرج معها لأجلها، أما لو أخرجها هو يلزمه جميع ذلك ‏(‏قوله من الطحن والخبز‏)‏ عبارة الهندية من الطبخ والخبز ‏(‏قوله فعليه أن يأتيها بطعام مهيإ‏)‏ أو يأتيها بمن يكفيها عمل الطبخ والخبز هندية ‏(‏قوله لا يجب عليه‏)‏ وفي بعض المواضع‏:‏ تجبر على ذلك‏.‏ قال السرخسي‏:‏ لا تجبر، ولكن إذا لم تطبخ لا يعطيها الإدام وهو الصحيح، كذا في الفتح‏.‏ وما نقله عن بعض المواضع عزاه في البدائع إلى أبي الليث، ومقتضى ما صححه السرخسي أنه لا يلزمه سوى الخبز تأمل، لكن رأيت صاحب النهر قال بعد قوله لا يعطيها الإدام، أي إدام هو طعام لا مطلقا كما لا يخفى ‏(‏قوله على ذلك‏)‏ أي على الطحن والخبز ‏(‏قوله لوجوبه عليها ديانة‏)‏ فتفتى به، ولكنها لا تجبر عليه إن أبت بدائع ‏(‏قوله ولو شريفة‏)‏ كذا قاله في البحر أخذا من التعليل، وهو مخالف لما قبله من أنها إذا كانت ممن لا تخدم فعليه أن يأتيها بطعام وإلا لا، فلو وجب عليها ديانة لم يبق فرق بين الصورتين، اللهم إلا أن يقال‏:‏ إن الشريفة قد تكون ممن تخدم نفسها وقد لا تكون‏.‏ والذي يظهر اعتبار حالها في الغنى والفقر لا في الشرف وعدمه فإن الشريفة الفقيرة تخدم نفسها، وحاله عليه الصلاة والسلام وحال أهل بيته في غاية من التقلل من الدنيا فلا يقاس عليه حال أهل التوسع تأمل‏.‏ وعبارة صاحب الهداية في مختارات النوازل تؤيده حيث قال‏:‏ وإن كانت تخدم نفسها فعليها الطبخ والخبز؛ لأنه عليه الصلاة والسلام إلخ ‏(‏قوله ولبد‏)‏ كجلد واحد اللبود والطنفسة مثلثا البساط ‏(‏قوله وتمامه في الجوهرة‏)‏ حيث قال ويجب عليه ما تنظف به وتزيل الوسخ كالمشط والدهن والسدر والخطمي والأشنان والصابون على عادة أهل البلد، أما الخضاب والكحل فلا يلزمه بل هو على اختياره، وأما الطيب فيجب عليه ما يقطع به السهوكة لا غير، وعليه ما تقطع به الصنان لا الدواء للمرض ولا أجرة الطبيب ولا الفصاد ولا الحجام، وعليه من الماء ما تغسل به ثيابها وبدنها لا شراء ماء الغسل من الجنابة بل ينقله إليها أو يأذن لها بنقله وإن كانت موسرة استأجرت من ينقله إليها وعليه ماء الوضوء‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن في الهندية أن ثمن ماء الاغتسال على الزوج وكذا ماء الوضوء، وعليه فتوى مشايخ بلخ والصدر الشهيد، وهو اختيار قاضي خان‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البزازية‏:‏ ولا تفرض لها الفاكهة، والسهك بالتحريك‏:‏ ريح العرق، والصنان‏:‏ دفر الإبط بالدال المهملة‏:‏ أي نتنه كما في المصباح‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قد علم مما ذكر أنه لا يلزمه لها القهوة والدخان وإن تضررت بتركهما؛ لأن ذلك إن كان من قبيل الدواء أو من قبيل التفكه فكل من الدواء والتفكه لا يلزمه كما علمت ‏(‏قوله قيل عليه إلخ‏)‏ عبارة البحر عن الخلاصة‏:‏ فلقائل أن يقول عليه؛ لأنه مؤنة الجماع، ولقائل أن يقول عليها كأجرة الطبيب ا هـ‏.‏ وكذا ذكر غيره، ومقتضاه أنه قياس ذو وجهين لم يجزم أحد من المشايخ بأحدهما خلاف ما يفهمه كلام الشارح، ويظهر لي ترجيح الأول؛ لأن نفع القابلة معظمه يعود إلى الولد فيكون على أبيه تأمل‏.‏

‏(‏قوله وتفرض لها الكسوة‏)‏ كان على المصنف أن يصل الكلام على الكسوة بعضه ببعض، بأن يقدم قوله وتزاد في الشتاء إلخ هنا أو يؤخر هذه الجملة هناك ط‏.‏ واعلم أن تقدير الكسوة مما يختلف باختلاف الأماكن والعادات فيجب على القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف في كل وقت ومكان، فإن شاء فرضها أصنافا، وإن شاء قومها وقضى بالقيمة، كذا في المجتبى‏.‏ وفي البدائع‏:‏ الكسوة على الاختلاف كالنفقة من اعتبار حاله فقط أو حالهما بحر ‏(‏قوله في كل نصف حول مرة‏)‏ إلا إذا تزوج وبنى بها ولم يبعث لها كسوة فتطالبه بها قبل نصف الحول، والكسوة كالنفقة في أنه لا يشترط مضي المدة بحر عن الخلاصة‏.‏ وحاصله أنها تجب لها معجلة لا بعد تمام المدة‏.‏ واعلم أنه لا يجدد لها الكسوة ما لم يتخرق ما عندها أو يبلغ الوقت الذي يكسوها كافي الحاكم وفيه تفصيل سيأتي قبيل قوله ولخادمها‏.‏ ‏(‏قوله وللزوج الإنفاق عليها بنفسه‏)‏ لكونه قواما عليها لا ليأخذ ما فضل، فإن المفروضة أو المدفوعة لها ملك لها، فلها الإطعام منها والتصدق، ومقتضاه أنها لو أمرته بإنفاق بعض المقرر لها فالباقي لها أو بشراء طعام ليس له أكل ما فضل عنها‏.‏ وفي الخانية‏:‏ لو أكلت من مالها أو من المسألة لها الرجوع عليه بالمفروض بحر ملخصا ‏(‏قوله ولو بعد فرض القاضي‏)‏ لا محل له هنا؛ لأن من شروط فرض القاضي أن يظهر له مطله وعدم إنفاقه كما تعرفه ‏(‏قوله فيفرض إلخ‏)‏ تفريع على الاستثناء وبيان نتيجته لكنه غير مفيد، فكان عليه أن يبدله بقوله فيأمره ليعطيها‏:‏ أي ليس له أن ينفق عليها، بل يدفع لها ما تنفقه على نفسها، وقد صلح الشارح عبارة المصنف حيث عطف قوله ويأمره إلخ على قوله فيفرض لكن كان عليه حذف قوله إن شكت مطله؛ لأنه يغني عنه قول المصنف أن يظهر للقاضي عدم إنفاقه مع إيهامه الاكتفاء بمجرد الشكاية، ويوضح ما قلناه ما في البحر عن الخلاصة والذخيرة الزوج هو الذي يلي الإنفاق إلا إذا ظهر عند القاضي مطله، فحينئذ يفرض النفقة ويأمره ليعطيها لتنفق على نفسها نظرا لها، فإن لم يعط حبسه ولا تسقط عنه النفقة‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله بطلبها مع حضرته بيان لشرطين لجواز فرض القاضي النفقة ذكرهما في البدائع، لكن سيأتي في المتن فرضها على الغائب لو له مال عند من يقر به وبالزوجية ومطلقا على قول زفر المفتى به‏.‏ ويؤخذ من كلام الذخيرة والخلاصة شرط ثالث‏:‏ وهو ظهور مطله، وقوله ولم يكن صاحب مائدة بيان لشرط رابع ذكره في غاية البيان حيث قال‏:‏ إذا كان له طعام كثير وهو صاحب مائدة يمكن المرأة من تناول مقدار كفايتها فليس لها أن تطالبه بفرض النفقة؛ وإن لم يكن بهذه الصفة، فإن رضيت أن تأكل معه فبها ونعمت، وإن خاصمته يفرض لها بالمعروف‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو كالصريح في أن المراد بصاحب المائدة من يمكنها تناول كفايتها من طعامه سواء كان ينفق على من لا تجب عليه نفقته أو لا فافهم‏.‏ ‏(‏قوله؛ لأن لها إلخ‏)‏ تعليل لما فهم من الشرط الرابع، أي لكونها يحل لها تناول كفايتها ولو بدون إذنه لا يفرض لها إذا أمكنها ذلك فافهم ‏(‏قوله فإن لم يعط إلخ‏)‏ تفريع على قوله ليعطيها‏:‏ وفي الفتح‏:‏ امتنع عن الإنفاق عليها مع اليسر لم يفرق بينهما ويبيع الحاكم ماله عليه ويصرفه في نفقتها، فإن لم يجد ماله يحبسه حتى ينفق عليها ولا يفسخ ولا يباع مسكنه وخادمه؛ لأنه من أصول حوائجه وهي مقدمة على ديونه، وقيل يبيع ما سوى الإزار إلا في البرد، وقيل ما سوى دست من الثياب وإليه مال الحلواني، وقيل دستين وإليه مال السرخسي، ولا تباع عمامته قهستاني عن المحيط در منتقى‏.‏ والدست من الثياب‏:‏ ما يلبسه الإنسان ويكفيه لتردده في حوائجه جمعه دسوت مصباح‏.‏ ‏(‏قوله أي كل مدة تناسبه إلخ‏)‏ قالوا‏:‏ يعتبر في الفرض الأصلح، والأيسر ففي المحترف يوما بيوم؛ لأنه قد لا يقدر على تحصيل نفقة شهر دفعة، وهذا بناء على أنه يعطيها معجلا، ويعطيها كل يوم عند المساء عن اليوم الذي يلي ذلك المساء لتتمكن من الصرف في حاجتها في ذلك اليوم، وإن كان تاجرا فنفقة شهر بشهر، أو من الدهاقين فنفقة سنة بسنة أو من الصناع الذين لا ينقضي عملهم إلا بانقضاء الأسبوع كذلك فتح وغيره‏.‏ قلت‏:‏ ومشى في الاختيار وغيره على ما ذكره المصنف من التقدير بشهر؛ لأنه وسط وهو الذي ذكره محمد، نعم في الذخيرة عن السرخسي أنه ليس بتقدير لازم وأن بعض المتأخرين اعتبر ما مر من التفصيل في حال الزوج ‏(‏قوله وله الدفع كل يوم‏)‏ ذكره في البحر بحثا حيث ذكر التفصيل المذكور، ثم قال‏:‏ وينبغي أن يكون محله ما إذا رضي الزوج، وإلا فلو قال أنا أدفع نفقة كل يوم معجلا لا يجيز على غيره؛ لأنه إنما اعتبر ما ذكر تخفيفا عليه فإذا كان يضره لا يفعل، وظاهر كلامهم أن كل مدة ناسبت حال الزوج أنه يعجل نفقتها كما صرحوا به في اليوم‏.‏ ا هـ‏.‏ فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله كما لها الطلب إلخ‏)‏ ذكر في الذخيرة ما مر عن محمد من التقدير بشهر؛ لأنه أقل الآجال المعتادة ثم قال وفرع على هذا أنه لو لم يدفع لها فأرادت أن تطلب كل يوم فإنما تطلب عند المساء؛ لأن حصة كل يوم معلومة فيمكن طلبها بخلاف ما دون اليوم؛ لأنه مقدر بالساعات فلا يمكن اعتباره‏.‏ ا هـ‏.‏ فأفاد أن الخيار لها في طلب كل يوم إذا لم يدفع لها نفقة الشهر، فلا ينافي ما بحثه في البحر من جعل الخيار له في الدفع كل يوم فافهم، نعم جعل الخيار له قد يكون فيه إضرار بها كما هو مشاهد حيث يحوجها إلى الخروج من بيتها في كل يوم وإلى المخاصمة والمنازعة، وربما لا تجده وإن وجدته لا يعطيها، فالأولى في زماننا ما نقلناه عن الذخيرة من التقدير بالشهر وجعل الخيار لها في الأخذ كل يوم، لكن إذا ماطلها كما ذكرناه لا مطلقا؛ لأنه إذا دفع لها نفقة كل شهر فامتنعت وطلبت الأخذ كل يوم تكون متعنتة قاصدة لإضراره ومخاصمته في كل يوم، فينبغي التعويل على هذا التفصيل الموافق لقواعد الشرع المعلومة من قطع المنازعة والخصومة‏.‏

مطلب في أخذ المرأة كفيلا بالنفقة

‏(‏قوله ولها أخذ كفيل إلخ‏)‏ عبارة الفتح‏:‏ امرأة قالت‏:‏ إن زوجي يطيل الغيبة عني فطلبت كفيلا بالنفقة‏.‏ قال أبو حنيفة‏:‏ ليس لها ذلك‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ تأخذ كفيلا بنفقة شهر واحد استحسانا وعليه الفتوى، فلو علم أنه يمكث في السفر أكثر من شهر أخذ عند أبي يوسف الكفيل بأكثر من شهر‏.‏ ا هـ‏.‏ فظهر أن محل أخذ الكفيل بنفقة شهر هو عدم العلم بقدر غيبته، فيخاف أن يمكث أقل أو أكثر فيقتصر على الشهر؛ لأنه أقل الآجال المعتادة كما مر، ومحل الأكثر لو علم أنه يغيب أكثر كما لو خرج للحج مثلا فيؤخذ بقدرها فافهم، نعم في عبارة الشرح اختصار يوهم خلاف المراد، وما أفاده كلامه من أن خلاف أبي يوسف في المحلين لا في الأول فقط هو صريح عبارة الفتح المذكورة فافهم ‏(‏قوله وقس سائر الديون عليه‏)‏ أي على دين النفقة‏.‏ قال في ‏[‏نور العين‏]‏ وفي آخر كفالة المحيط‏:‏ والفتوى في مسألة النفقة على قول أبي يوسف‏.‏ وفي سائر الديون‏:‏ لو أفتى مفت بذلك كان حسنا رفقا بالناس، وفي الأقضية أجمعوا أن في الدين المؤجل إذا قرب حلول الأجل وأراد المديون السفر لا يجب عليه إعطاء الكفيل، وفي الصغرى المديون إذا أراد أن يغيب ليس لرب الدين أن يطالبه بإعطاء الكفيل‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ لو قال قائل بأن له أن يطالبه قياسا على نفقة شهر لا يبعد‏.‏ وفي المنتقى‏:‏ رب الدين لو قال للقاضي إن مديوني فلانا يريد أن يغيب عني فإنه يطالبه بإعطاء الكفيل وإن كان الدين مؤجلا‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم لا يخفى أنه لا يتأتى هنا التقييد بالشهر، بل المراد الكفالة بكل الدين؛ لأنه شيء مقدر ثابت في ذمة المديون، بخلاف النفقة فإنها تزداد بزيادة المدة فتتقيد الكفالة بقدر مدة الغيبة، نعم لو كان الدين مقسطا يظهر التقييد بأخذ الكفيل بأقساط مدة الغيبة فافهم‏.‏

‏(‏قوله ولو كفل لها كل شهر كذا إلخ‏)‏ اعلم أن ما مر إنما هو في الخلاف في جواز أخذها الكفيل منه جبرا عند خوف الغيبة، والكلام الآن في قدر المدة التي تصح بها الكفالة، فإن كفل لها كل شهر عشرة دراهم، فإن قال أبدا أو ما دمتما زوجين وقع على الأبد اتفاقا، وإلا وقع على شهر واحد عند أبي حنيفة، وعلى الأبد عند أبي يوسف، وهو أرفق وعليه الفتوى كما في البحر‏.‏ ومفاده أنها لا تصح قبل الفرض أو التراضي على شيء معين، وصرح به في البحر عن الذخيرة في شرح قوله ولا تجب نفقة مضت إلا بالقضاء أو الرضا، لكن نقل بعده عن الواقعات لو قالت‏:‏ إنه يريد الغيبة وطلبت منه كفيلا ليس لها ذلك؛ لأن النفقة لم تجب‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ أستحسن أخذ كفيل بنفقة شهر وعليه الفتوى؛ لأنها إن لم تجب للحال تجب بعده فيصير كأنه كفل بما ذاب لها على الزوج فيجبر استحسانا رفقا بالناس‏.‏ قال‏:‏ وزاد في الذخيرة‏:‏ إنه لا فرق بين كونها مفروضة أو لا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا مخالف لما قبله من أنها لا تصح قبل الفرض أو التراضي، ووفق الرملي بحمل ما قبله على حال الحضور وحمل هذا على حال إرادة الغيبة فيصح في الغيبة مطلقا استحسانا، وعليه فما مر من أن الأب لا يطالب بنفقة زوجة ابنه إلا إذا ضمنها مقيد بالمفروضة أو المقضية توفيقا بين كلامهم قلت‏:‏ وفي الذخيرة عن كتاب الأقضية‏:‏ إذا ضمن النفقة والمهر عن زوجها فضمان النفقة باطل إلا أن يسمي شيئا بأن يصطلحا على شيء مقدر لنفقة كل شهر ثم يضمنه رجل، فيجوز لوجوب النفقة بهذا الاصطلاح فيصح الضمان ولكن لا يلزمه أكثر من نفقة شهر‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أن هذا هو القياس، إذ لا يصح الضمان بما لم يجب؛ لأن النفقة لا تجب قبل الاصطلاح على قدر معين بالقضاء أو الرضا ولذا تسقط بالمضي عند عدم ذلك، لكن علمت مما مر أن الاستحسان الجواز وإن لم تجب للحال وأنه يصير كأنه كفل لها بما ذاب لها على الزوج، أي بما ثبت لها عليه بعد، والكفالة بذلك جائزة في غير النفقة فكذا في النفقة‏.‏ ولا يخفى أن علة الاستحسان جارية في مسألتي الحضرة والغيبة، ويدل عليه إطلاقهم مسألة ضمان الأب نفقة زوجة الابن، وكذا قوله في فتح القدير ولو ضمن لها نفقة سنة جاز وإن لم تكن واجبة، هذا ما ظهر لي من التوفيق، وهو بالقبول حقيق فاغتنمه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

هذه الكفالة تتضمن زمان العدة أيضا؛ لأنه كفيل ما دام النكاح، وهو في العدة باق من وجه كما في الذخيرة ونحوه في الفتح‏.‏ ولو كفل لها بنفقة ولدها أبدا أو بنفقة خادمها ما عاش لم يصح لسقوط النفقة عنه إذا أيسر الولد أو بلغ أو استغنت المرأة عن الخادم فكان الوقت مجهولا، بخلاف نفقة المرأة لوجوبها ما بقي النكاح كما في الذخيرة‏.‏ ثم اعلم أن الكفالة بالمال يشترط لصحتها أن يكون المال دينا صحيحا وهو ما لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء، ودين النفقة يسقط بالموت والطلاق، فالقياس أن لا تصح فيه الكفالة، وكأنهم أخذوا بالاستحسان كما ذكره الشارح في كتاب الكفالة فافهم ‏(‏قوله لسقوطه‏)‏ أي لسقوط دين النفقة بموت أحدهما، وكذا بالطلاق على ما فيه من الخلاف على ما سيأتي، فكان أضعف من دين الزوج فلا بد من رضاه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله بخلاف سائر الديون‏)‏ أي فإنه يقع التقاص فيها تقاصا أو لا بشرط التساوي، فلو اختلفا كما إذا كان أحدهما جيدا والآخر رديئا فلا بد من رضا صاحب الجيد كما في البحر ح ‏(‏قوله وفيه‏)‏ أي في البحر عند قول الكنز والسكنى في بيت خال إلخ، لكن هذا يوجد في بعض نسخ البحر ‏(‏قوله لا أجر عليه‏)‏؛ لأن منفعة سكنى الدار تعود إليها، لكن سيأتي في الإجارات أن الفتوى على الصحة لتبعيتها له في السكنى أفاده ح ‏(‏قوله ومفهومه إلخ‏)‏ من كلام البحر ‏(‏قوله فالأجرة عليه‏)‏؛ لأن هذه الثلاثة تضمن بالغصب، وهي تابعة للزوج في السكنى ولم يوجد العقد منها‏.‏ واعترضه ط بأن سكناه عارضة بعد تحقق الغصب منها ولا اعتبار لنسبة السكنى العارضة إليه بعد تحقق الفعل منها‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد يجاب بأنها لما كانت تابعة له في السكنى صارت اليد له فصار كغاصب الغاصب، لكن مقتضى هذا جواز تضمينها وتضمينه الأجرة كما هو الحكم في الغاصب وغاصب الغاصب ‏(‏قوله بقدر الغلاء والرخص‏)‏ أي يراعى كل وقت أو مكان بما يناسبه‏.‏ وفي البزازية إذا فرض القاضي النفقة ثم رخص تسقط الزيادة ولا يبطل القضاء وبالعكس لها طلب الزيادة ا هـ‏.‏ وكذا لو صالحته على شيء معلوم ثم غلا السعر أو رخص كما سيذكره المصنف والشارح ‏(‏قوله ولا تقدر بدراهم ودنانير‏)‏ أي لا تقدر بشيء معين بحيث لا تزيد ولا تنقص في كل مكان وزمان، وما ذكره محمد من تقديرها على المعسر بأربعة دراهم في كل شهر فليس بلازم وإنما هو على ما شاهد في زمانه، وإنما على القاضي في زماننا اعتبار الكفاية بالمعروف كما في الذخيرة ‏(‏قوله لكن في البحر إلخ‏)‏ حيث قال‏:‏ فالحاصل أنه ينبغي للقاضي إذا أراد فرض النفقة أن ينظر في سعر البلد وينظر ما يكفيها بحسب عرف تلك البلدة ويقوم الأصناف بالدراهم ثم يقدر بالدراهم كما في المحيط، إما باعتبار حاله أو باعتبار حالهما كما مر‏.‏ ثم قال‏:‏ وفي المجتبى إن شاء فرض لها أصنافا وإن شاء قومها وفرض لها بالقيمة‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن هذا لا ينافي ما عزاه إلى الاختيار والمجمع من عدم تقديرها بدراهم‏:‏ أي بشيء معين لا يزيد ولا ينقص بل هو مؤكد له ومفسر، فلا وجه للاستدراك عليه؛ فالأولى جعل قوله لكن إلخ استدراكا على قوله ويقدرها بقدر الغلاء والرخص، فإن ما ذكره في البحر يفيد أن القاضي مخير بين ذلك وبين فرضها أصنافا‏:‏ أي من خبز وإدام ودهن وصابون ونحو ذلك، فإذا ظهر للقاضي عدم إنفاقه بنفسه يأمره بدفع ذلك أو بقيمته بقدر كفايتها، وحينئذ فالاستدراك صحيح فافهم‏.‏ ‏(‏قوله وفيه‏)‏ أي في البحر بحثا ‏(‏قوله كما له أن يرفعها‏)‏ الأولى أن يقول بدليل أن له أن يرفعها إلخ ليفيد أنه بحث، فإن صاحب البحر ذكر هذه المسألة عن الخلاصة، ثم قال وهو يدل على أن له إلخ‏.‏ ‏(‏قوله وتزاد في الشتاء إلخ‏)‏ أي تزاد على ما قدره محمد في الكسوة بدرعين وخمارين وملحفة في كل سنة‏.‏ قال في الظهيرية‏:‏ إن هذا في عرفهم، أما في عرفنا فيجب السراويل والجبة والفراش واللحاف وما تدفع به أذى الحر والبرد، وفي الشتاء درع خزرجية قز وخمار إبريسم‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة ما ذكره محمد على عادتهم، وذلك يختلف باختلاف الأماكن حرا وبردا والعادات، فعلى القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف في كل وقت ومكان، وكل جواب عرفته في النفقة من اعتبار حاله أو حالهما فهو الجواب في الكسوة‏.‏ ‏(‏قوله وما يدفع إلخ‏)‏ مفعول لفعل مقدر دل عليه المذكور، إذ عطفه على جبة لا يناسبه تقييد الفعل بالشتاء، وما يدفع أذى الحر يناسب الصيف ‏(‏قوله إن طلبته‏)‏ راجع لقوله ويقدرها وقوله وتزاد ‏(‏قوله ويختلف ذلك إلخ‏)‏ هو معنى ما ذكرناه آنفا عن الظهيرية وعن الذخيرة، وقوله وحالا‏:‏ أي حال الزوجين في اليسار والإعسار، فهو عطف مرادف تأمل، ولو قال بدله ووقتا لكان أولى ‏(‏قوله وليس عليه خفها إلخ‏)‏ قال في البزازية‏:‏ ولم يذكر الخف والإزار في كسوة المرأة وذكرهما في كسوة الخادم وذلك في ديارهم بحكم العرف وفي ديارنا يفرض الإزار والمكعب وما تنام عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال السرخسي‏:‏ ولم يوجب محمد الإزار؛ لأنه إنما يحتاج للخروج والمرأة منهية عنه، قال في الذخيرة‏:‏ هذا التعليل إشارة إلى أنه لا يفرض للمرأة الإزار في ديارنا أيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أنه اختلف التعليل لعدم ذكر الإزار، فقيل للعرف ولذا أوجبه الخصاف لاختلاف العرف في زمانه وقيل لحرمة الخروج، ولعل الأول أوجه؛ لأنها يحل لها الخروج في مواضع فلا بد لها من ساتر، وتقدم أنه يجب لها مداس رجلها والظاهر أنه لا خلاف فيه إن كان المراد به ما تلبسه في البيت، وكذا الخف أو الجورب في الشتاء لدفع البرد الشديد ‏(‏قوله وفي البحر إلخ‏)‏ وعبارته‏:‏ والحاصل أن المرأة ليس عليها إلا تسليم نفسها في بيته، وعليه لها جميع ما يكفيها بحسب حالها من أكل وشرب ولبس وفرش، ولا يلزمها أن تتمتع بما هو ملكها ولا أن تفرش له شيئا من فرشها إلخ‏.‏ قلت‏:‏ ومفاده أنه يلزمه كسوتها من حين عقده عليها أو دخوله بها؛ ومر التصريح به عن الخلاصة فتجب حالة لا مؤجلة إلى مضي نصف الحول، وإن زفت إليه بثياب فلا يلزمها استعمالها، كما لو مضت المدة ولم تلبس ما دفعه لها فلها عليه غيره كما مر ويأتي، وكما لو كانت تملك طعاما يكفيها أو قترت على نفسها وبقي معها دراهم مما فرض لها عليه فيجب لها غيره عليه‏.‏

مطلب فيما لو زفت إليه بلا جهاز

‏(‏قوله بلا جهاز يليق به‏)‏ الضمير في عبارة البحر عن المبتغى عائد إلى ما بعثه الزوج إلى الأب من الدراهم والدنانير؛ ثم قال‏:‏ والمعتبر ما يتخذ للزوج لا ما يتخذ لها‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدمنا في باب المهر أن هذا المبعوث إلى الأب يسمى في عرف الأعاجم بالدستيمان وأنه في الكافي وغيره فسره بالمهر المعجل، وأن غيره فصل، وقال‏:‏ إن أدرج في العقد فهو المهر المعجل حتى ملكت المرأة منع نفسها لاستيفائه فلا يملك الزوج طلب الجهاز؛ لأن الشيء لا يقابله عوضان وإن لم يدرج فيه ولم يعقد عليه فهو كالهبة بشرط العوض، فله طلب الجهاز على قدر العرف والعادة أو طلب الدستيمان، وبذلك يحصل التوفيق بين القولين ‏(‏قوله فله مطالبة الأب بالنقد‏)‏ أي المنقود، وهو ما بعثه إلى الأب لا على كونه من المهر، بل على كونه بمقابلة ما يتخذ للزوج في الجهاز لما علمت من أنه هبة بشرط العوض فله الرجوع بها عند عدم المعوض فافهم ‏(‏قوله إلا إذا سكت‏)‏ أي زمانا يعرف به رضاه ‏(‏قوله وعليه‏)‏ أي يبتني على ما ذكر من أن له المطالبة به؛ لأنه يصير ملكه حين تسلمه بعد الزفاف ‏(‏قوله فينبغي العمل بما مر‏)‏ أي من أنه لا يحرم الانتفاع به بلا إذنها‏.‏ وأما ما ذكره صاحب النهر هناك عن البزازية من أن الصحيح أنه لا يرجع على الأب بشيء؛ لأن المال في النكاح غير مقصود‏.‏ ا هـ‏.‏ فهو مبني على أن ذلك المعجل أدرك في العقد بدليل التعليل بأن المال وهو الجهاز غير مقصود في النكاح؛ لأن المهر يجعل بدلا عن البضع وحده‏.‏ لا يقال‏:‏ إنه وإن أدرج في العقد يعتبر بدلا عن الجهاز أيضا بحكم العرف فصار المعقود عليه كلا منهما‏.‏؛ لأنا نقول يلزم منه فساد التسمية لعدم العلم بما يخص كل واحد منهما‏.‏ وأيضا حيث صرح بجعله مهرا وهو بدل البضع لا يعتبر المعنى، على أن هذا العرف غير معروف في زماننا، فإن كل أحد يعلم أن الجهاز ملك المرأة وأنه إذا طلقها تأخذه كله، وإذا ماتت يورث عنها ولا يختص بشيء منه وإنما المعروف أنه يزيد في المهر لتأتي بجهاز كثير ليزين به بيته وينتفع به بإذنها ويرثه هو وأولاده إذا ماتت، كما يزيد في مهر الغنية لأجل ذلك لا ليكون الجهاز كله أو بعضه ملكا له ولا ليملك الانتفاع به وإن لم تأذن فافهم ‏(‏قوله هل تقدير القاضي‏)‏ أي من غير قوله حكمت بذلك ط‏.‏ والظاهر أنه بالدال هنا وفيما بعده من المواضع ويصح بالراء، وكان ينبغي ذكر هذه المسائل عند قول المصنف الآتي والنفقة لا تصير دينا إلا بالقضاء أو الرضا ‏(‏قوله بشرطه‏)‏ هو شكوى المطل‏.‏ وحضور الزوج، وكونه غير صاحب مائدة ط ‏(‏قوله فلا تسقط‏)‏ أي النفقة، وهذا تفريع على كونه حكما ح ‏(‏قوله هل يكون قضاء إلخ‏)‏ قال في البحر‏:‏ ومسألة الإبراء أي الآتية قريبا تدل على أن الفرض في الشهر الأول منجز وفيما بعده مضاف فيتنجز بدخوله وهكذا‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إلا لمانع‏)‏ كنشوزها فتسقط في مدته كما مر، وكتغير السعر غلاء أو رخصا فتنقص أو تزاد ‏(‏قوله ولذا‏)‏ أي لما علم مما سبق أن النفقة تصير دينا بالقضاء ولا تسقط بمضي المدة ط ‏(‏قوله قبل الفرض‏)‏ يشمل الفرض بالقضاء أو بالرضا، وقوله باطل؛ لأنها لا تصير دينا بدون الفرض المذكور، فليس في كلامه قصور فافهم‏.‏

مطلب في الإبراء عن النفقة

‏[‏تنبيه‏]‏

يستثنى من ذلك ما لو خالعها على أن تبرئه من نفقة العدة كما قدمناه في بابه؛ لأنه إبراء بعوض وهو استيفاء قبل الوجوب فيجوز، أما الأول فهو إسقاط للشيء قبل وجوبه فلا يجوز كما في الفتح ‏(‏قوله ومن شهر مستقبل‏)‏ أي إذا كانت مفروضة بالأشهر، فلو بالأيام يبرأ من نفقة يوم مستقبل، وكذا لو بالسنين يبرأ عن نفقة سنة مستقبلة كما هو ظاهر‏.‏ والظاهر أن المراد بالمستقبل ما دخل أوله؛ لأنه إنما يتنجز بدخوله كما علمته آنفا، وقبل دخول حكمه حكم ما بعده من الأشهر المستقبلة، ويؤيده ما في البحر‏:‏ وكذا لو قالت أبرأتك عن نفقة سنة لم يبرأ إلا من نفقة شهر واحد؛ لأن القاضي لما فرض نفقة كل شهر فإنما فرض لمعنى يتجدد بتجدد الشهر؛ فما لم يتجدد الشهر لا يتجدد الفرض وما لم يتجدد الفرض لا تصير نفقة الشهر الثاني واجبة إلخ‏.‏ وحاصله أن النفقة تفرض لمعنى الحاجة المتجددة، فإذا فرضت كل شهر كذا صارت الحاجة متجددة بتجدد كل شهر، فقبل تجدده لا يتجدد الفرض فلم تجب النفقة قبله، ولا يصح الإبراء عما لم يجب، ومقتضاه أنه لو فرضها كل سنة كذا صح الإبراء عن سنة دخلت لا عن أكثر ولا عن سنة لم تدخل، هذا ما ظهر لي فتدبر‏.‏ه ‏(‏قوله حتى لو شرط‏)‏ تفريع على مفهوم كون تقدير القاضي النفقة حكما منه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح، والمفهوم هو كونها بدون تقدير القاضي لا تكون لازمة، وفيه أنها تلزم بالتراضي على قدر معلوم وتصير به دينا في ذمة الزوج فيتعين كونه تفريعا على مفهوم قوله الإبراء قبل الفرض باطل، وقد علمت أن الفرض شامل للقضاء والرضا؛ لأن الفرض معناه التقدير وهو حاصل بكل منهما، ومفهوم أنها قبل الفرض المذكور لا تكون لازمة؛ لأن الشرط المذكور ليس فيه تقدير كما يظهر قريبا فافهم ‏(‏قوله تكون من غير تقدير‏)‏ كذا في بعض النسخ، وفي بعضها تموين بدل تكون، فقوله من غير تقدير تفسير للتموين ‏(‏قوله والكسوة كسوة الشتاء والصيف‏)‏ أي يأتيها بالكسوة الواجبة في كل نصف حول، بأن يأتيها بها ثيابا بلا تقويم وتقدير بدراهم بدل الثياب فافهم‏.‏ ‏(‏قوله لم يلزم إلخ‏)‏ كذا ذكره في البحر بحثا‏.‏ ووجهه أن ذلك الشرط وعدمه سواء؛ لأن ذلك هو الواجب عليه بنفس العقد سواء شرطه أو لا، وإنما يعدل إلى التقدير بشيء معين بالصلح والتراضي أو بقضاء القاضي إذا ظهر له مطله، فتصير النفقة بذلك لازمة عليه ودينا بذمته حتى لا تسقط بمضي المدة ويصح الإبراء عنها وقبل ذلك لا تصير كذلك كما علمت ‏(‏قوله فلها بعد ذلك إلخ‏)‏ أي بعد ما ذكر من الشرط طلب التقدير في النفقة والكسوة من الزوج أو القاضي بشرطه المار ‏(‏قوله ولو حكم بموجب العقد مالكي إلخ‏)‏ أي لو ترافعا إلى مالكي بعد المنازعة في صحة العقد فقال حكمت بصحته وصحة شروطه وبموجبه‏:‏ أي بما يستوجبه العقد ويقتضيه من لزوم المهر ولزم تسليمها نفسها ونحوه صح الحكم، لكن للحنفي تقدير النفقة دراهم وإن كان مذهب المالكي لزوم الشرط بالتموين؛ لأن ذلك لم يصح حكم المالكي فيه إذ لا بد في صحة الحكم من الدعوى والحادثة‏:‏ أي ترافعهما لديه في الحادثة التي يحكم بها، ولم يقع بينهما تنازع في صحة اشتراط التموين حتى يصح حكمه به وإن قال حكمت بشروطه وموجبه، إذ ليس لزوم اشتراط التموين من موجبات العقد اللازمة له فللحنفي الحكم بخلافه‏.‏ ‏(‏قوله بقي لو حكم الحنفي‏)‏ أي حكما مستوفيا شرائطه كما مر ‏(‏قوله لا‏)‏ أي ليس للشافعي الحكم بالتموين؛ لأن فيه إبطال قضاء الحنفي ط ‏(‏قوله وعليه إلخ‏)‏ هذا بحث لصاحب النهر ط ‏(‏قوله فلو حكم الشافعي بالتموين‏)‏ بأن ترافعا إليه وطلبت منه التقدير وأبى ولم يظهر للقاضي مطله فحكم لها بالتموين لم يكن للحنفي نقضه‏.‏ قلت‏:‏ إلا أن يظهر بعد ذلك مطله، فيفرضها دراهم لكون ذلك حادثة أخرى غير التي حكم بها الشافعي ‏(‏قوله بطل الفرض السابق‏)‏ أي الفرض الحاصل بالقضاء أو بالرضا ‏(‏قوله لرضاها بذلك‏)‏؛ لأن الفرض كان حقها لكونه أنفع لها فإن النفقة تصير به دينا في ذمته فلا تسقط بالمضي، فإذا اتفقا على التموين في المستقبل يكون إعراضا عن الفرض السابق، وهذه المسألة ذكرها في البحر بحثا وقال إنها كثيرة الوقوع‏.‏ وقد أخذها مما في الذخيرة‏:‏ لو صالحته على ثلاثة دراهم كل شهر قبل التقدير بالقضاء أو الرضا أو بعده كان تقديرا للنفقة، فتجوز الزيادة عليه لو قالت لا يكفيني، والنقصان عنه لو قال لا أطيقه وعلم القاضي صدقه بالسؤال عنه وإلا لا؛ لأن التزامه ذلك باختياره دليل قدرته عليه ولو صالحته على نحو ثوب أو عبد مما لا يصح للقاضي أن يفرضه في النفقة، فإن كان قبل التقدير بالقضاء أو الرضا كان تقديرا أيضا، وإن كان بعده كان معاوضة فلا تجوز الزيادة عليه ولا النقصان‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قال في البحر‏:‏ وعلم منه أن تراضيهما على ما يصلح للنفقة مبطل لفرض القاضي، فيستفاد منه أنهما لو اتفقا إلخ ‏(‏قوله وفي السراجية إلخ‏)‏ أي فتاوى سراج الدين قارئ الهداية وهذا مخالف لما قاله الشيخ قاسم، وكون ذاك مفروضا في النفقة وهذا في الكسوة لا يجدي نفعا في الفرق تأمل‏.‏ وقد يجاب بأن ذاك في فرض القاضي وهذا في التراضي بدليل قوله ورضيت، وقوله وقضى به لم يرد به القضاء الحقيقي بل الصوري؛ لأن التقدير صح بتراضيهما قبل القضاء، وأيضا فإن شرط القضاء ظهور المطل وبمجرد التراضي لم يظهر مطل، وحينئذ فرجوعها وطلب الكسوة قماشا ليس فيه إبطال قضاء سابق بل فيه إعراض عن حقها لكون التقدير برضاهما أنفع لها كما مر في فرض القاضي، ويظهر من هذا أن قوله السابق لو اتفقا إلخ غير قيد بل يكفي طلبها‏.‏ ويظهر منه أيضا أنه لا فرق بين كون طلبها بعد الفرض والتقدير بالقضاء أو الرضا ولذا ذكر ما في السراجية عقب قوله لو اتفقا إلخ، لكن يشكل على هذا ما مر عن الشيخ قاسم فإنه إذا لم يصح حكم الشافعي بالتموين بعد حكم الحنفي بالتقدير بالدراهم فعدم صحة طلبها بدون حكم يكون بالأولى فليتأمل‏.‏ ‏(‏قوله وقالوا إلخ‏)‏ الأصل أن القاضي إذا ظهر له الخطأ في التقدير يرده وإلا فلا فلو قدر لها عشرة دراهم نفقة شهر فمضى الشهر وبقي منها شيء يفرض لها عشرة أخرى إذا لم يظهر خطؤه في التقدير بيقين لجواز أنها قترت على نفسها فيبقى التقدير معتبرا فيقضي لها بأخرى، بخلاف ما إذا أسرفت فيها أو سرقت أو هلكت قبل مضي الوقت لا يقضي بأخرى ما لم يمض الوقت لعدم ظهور الخطأ، بخلاف نفقة المحرم وكذا كسوته فإنه إذا مضى الوقت وبقي شيء لا يقضي بأخرى؛ لأنها في حقه باعتبار الحاجة، ولذا لو ضاعت منه يفرض له أخرى، وفي حق المرأة معاوضة عن الاحتباس‏.‏ وبخلاف كسوة المرأة فإنها لا يقضى لها بأخرى إلا إذا تخرقت قبل مضي المدة بالاستعمال المعتاد فيقضي لها بأخرى قبل تمام المدة لظهور خطئه في التقدير حيث وقت وقتا لا تبقى معه الكسوة، وإلا إذا مضت المدة وهي باقية لكونها استعملت أخرى معها فيقضي لها بأخرى أيضا لعدم ظهور الخطأ، ومثله ما إذا لم تستعملها أصلا وسكت عنه الشارح لعلمه بالأولى‏.‏ وفهم من كلامه أنها إذا تخرقت قبل مضي المدة باستعمال غير معتاد لا يقضي بأخرى ما لم تمض المدة لعدم ظهور الخطأ في التقدير، وأنها إذا بقيت في المدة مع استعمالها وحدها فكذلك لا يقضي لها بأخرى ما لم تتخرق لظهور خطئه حيث وقت وقتا تبقى الكسوة بعده، وتمام الكلام في البحر عن الذخيرة‏.‏

مطلب في نفقة خادم المرأة

‏(‏قوله وتجب لخادمها المملوك لها‏)‏؛ لأن كفايتها واجبة عليه وهذا من تمامها إذ لا بد منه هداية، ويعلم منه أنها إذا مرضت وجب عليه إخدامها ولو كانت أمة، وبه صرح الشافعية، وهو مقتضى قواعد مذهبنا؛ ولم أره صريحا وإن علم من كلامهم رملي‏.‏ قلت‏:‏ هذا ظاهر على خلاف الظاهر‏.‏ ففي البحر‏:‏ قيل هو أي الخادم كل من يخدمها حرا كان أو عبدا ملكا لها أو له أو لهما أو لغيرهما وظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة كما في الذخيرة أنه مملوكها، فلو لم يكن لها خادم لا يفرض عليه نفقة خادم؛ لأنها بسبب الملك، فإذا لم يكن في ملكها لا تلزمه نفقته‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم قال‏:‏ وبهذا علم أنه إذا لم يكن لها خادم مملوك لا يلزمه كراء غلام يخدمها، لكن يلزمه أن يشتري لها ما تحتاجه من السوق كما صرح به في السراجية‏.‏ ا هـ‏.‏ إلا أن يقال‏:‏ هذا في غير المريضة؛ لأنه إذا اشترى لها ما تحتاجه تستغني عنه، بخلاف المريضة إذا لم تجد من يمرضها فيكون من تمام الكفاية الواجبة على الزوج‏.‏ نعم إذا طلبته ليقوم عنها في الطبخ ونحوه، فقد مر أنها إذا لم تفعل يأتيها بمن يكفيها ذلك إذا كانت ممن لا يخدم أو لا تقدر، وكذا إذا كان لخدمة أولاده كما يأتي ‏(‏قوله على الظاهر‏)‏ أي ظاهر الرواية كما علمت ‏(‏قوله ملكا تاما‏)‏ احترز به عن الزوجة المكاتبة إذا كان لها مملوك فإن نفقته لا تجب على زوجها كما في المنح أخذا من تقييد الزيلعي وغيره بالحرة، بقي لو كانت الزوجة حرة وكاتبت أمتها فالظاهر أن نفقتها على الزوج إن لم تشتغل عن خدمتها؛ لأن التقييد بالحرة لا يلزم منه إخراج أمتها المكاتبة فافهم‏.‏ ‏(‏قوله بالفعل‏)‏ ليس المراد أنه إنما يستحق النفقة في حال تلبسه بالخدمة دون ما قبل الشروع فيها أو بعد الفراغ منها إذ لا يتوهمه أحد، وإنما المراد الاحتراز عما إذا لم يخدمها وإن كان لا شغل له غير خدمتها ولذا قال في الدر المنتقى‏:‏ فلو لم يكن في ملكها أو كان له شغل غير خدمتها أو لم يكن له شغل لكن لم يخدمها فلا نفقة له‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد فرع على القيود الثلاثة‏.‏ وفي البحر عن الذخيرة‏:‏ نفقة الخادم إنما تجب عليه بإزاء الخدمة، فإذا امتنعت عن الطبخ والخبز وأعمال البيت لم تجب، بخلاف نفقة المرأة فإنها بمقابلة الاحتباس‏.‏ ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله ولو جاءها بخادم إلخ‏)‏ أي قاصدا إخراج خادمها من بيته فلا يملك ذلك في الصحيح خانية؛ لأنها قد لا تتهيأ لها الخدمة بخادم الزوج ولوالجية‏.‏ قال في النهر‏:‏ وينبغي أن يقيد بما إذا لم يتضرر من خادمها أما إذا تضرر منه بأن كان يختلس من ثمن ما يشتريه كما هو دأب صغار العبيد في ديارنا ولم تستبدل به غيره وجاءها بخادم أمين فإنه لا يتوقف على رضاها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه أنه يمكن الزوج تعاطي الشراء بخادمة؛ لأنه من الواجب عليه وليس ذلك من خدمتها الخاصة بها والكلام فيما يتعلق بها ط، نعم لو كان خادمها يختلس أمتعة بيته يمكن أن يكون عذرا للزوج في إخراجه ‏(‏قوله بحر بحثا‏)‏ راجع لقوله بل ما زاد‏.‏ وعبارته‏:‏ وظاهره أي ظاهر قولهم لا يملك إخراج خادمها أنه يملك إخراج ما عدا خادم واحد من بيته؛ لأنه زائد على قولهما‏.‏ ا هـ‏.‏ أما على قول أبي يوسف الآتي فلا‏.‏ ‏(‏قوله لو حرة‏)‏ لا حاجة إليه بعد قول المتن المملوك كما صرح به المصنف في المنح أفاده ح وأشار إليه الشارح بقوله لعدم ملكها ‏(‏قوله موسرا‏)‏ منصوب على أنه خبر كان المقدرة بعد لو، وعلى حل‏.‏ الشارح صار منصوبا على الحالية من الزوج في قول المصنف أول الباب فتجب للزوجة على زوجها فإن قوله هنا ولخادمها معطوف على قوله للزوجة فافهم‏.‏ قال في البحر‏:‏ وفي غاية البيان‏:‏ واليسار مقدر بنصاب حرمان الصدقة لا بنصاب وجوب الزكاة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة‏:‏ ولا تقدر نفقة الخادم بالدراهم على ما ذكرنا في نفقة المرأة بل يفرض له ما يكفيه بالمعروف ولكن لا تبلغ نفقته نفقتها؛ لأنه تبع لها فتنقص نفقته عنها في الإدام، وما ذكره محمد في الكتاب من ثياب الخادم فهو بناء على عاداتهم وذلك يختلف في كل وقت؛ فعلى القاضي اعتبار الكفاية فيما يفرض له في كل وقت ومكان‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ خلافا لما يقوله محمد من أنه يفرض لخادمها ولو كان الزوج معسرا، وتمامه في الفتح والبحر ‏(‏قوله والقول له في العسار‏)‏؛ لأنه متمسك بالأصل منح ‏"‏ ولأنه منكر لسبب الوجوب‏.‏ قال في البحر‏:‏ إلا أن تقيم المرأة البينة، ويشترط في هذا الخبر العدد والعدالة لا لفظ الشهادة‏.‏ وفي القهستاني‏:‏ العسار اسم من الإعسار أي الافتقار يستعمله بعض أهل العلم إلا أنه غير مسموع كما في الطلبة، وقال المطرزي‏.‏ إنه خطأ محض، وكأنهم ارتكبوها لمزاوجة اليسار ‏(‏قوله لا يكفيه‏)‏ عبارة الفتح لا يكفيهم ‏(‏قوله فرض عليه لخادمين أو أكثر‏)‏ ظاهره أن الخدم لها أي لا يلزمه نفقة أكثر من خادم لها إلا إذا احتاجهم لأولاده؛ لأنها لو لم يكن لها خدم واحتاج أولاده إلى أكثر من خادم يلزمه؛ لأن ذلك من جملة نفقتهم كما لا يخفى ‏(‏قوله وعن الثاني‏)‏ أي أبي يوسف، أشار إلى أن هذا رواية عن أبي يوسف؛ لأن المنقول عنه في الهداية وغيرها أنه يفرض لخادمين لاحتياج أحدهما لمصالح الداخل والآخر لمصالح الخارج ‏(‏قوله زفت إليه‏)‏ أشار إلى أن المعتبر حالها في بيت أبيها لا حالها الطارئ عليها في بيت الزوج تأمل، رملي ‏(‏قوله ثم قال وفي البحر إلخ‏)‏ عبارة البحر هكذا قال الطحاوي‏.‏ وروى صاحب الإملاء عن أبي يوسف أن المرأة إذا كانت ممن يجل مقدارها عن خدمة خادم واحد أنفق على من لا بد لها منه من الخدم ممن هو أكثر من الخادم الواحد أو الاثنين أو أكثر من ذلك، قال وبه نأخذ، كذا في غاية البيان‏.‏ وفي الظهيرية والولوالجية‏:‏ المرأة إذا كانت من بنات الأشراف ولها خدم يجبر الزوج على نفقة خادمين ا هـ‏.‏ فالحاصل أن المذهب الاقتصار على واحد مطلقا‏.‏ والمأخوذ به عند المشايخ قول أبي يوسف‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في فسخ النكاح بالعجز عن النفقة وبالغيبة

‏(‏قوله ولا يفرق بينهما بعجزه عنها‏)‏ أي غائبا كان أو حاضرا ‏(‏قوله بأنواعها‏)‏ وهي مأكول وملبوس ومسكن ح ‏(‏قوله حقها‏)‏ أي من النفقة وهو منصوب مفعول المصدر وهو إيفاء ‏(‏قوله ولو موسرا‏)‏ المناسب ولو معسرا؛ لأنه إشارة إلى خلاف الشافعي رحمه الله والأصح عنده عدم الفسخ بمنع الموسر حقها كمذهبنا ‏(‏قوله بإعسار الزوج‏)‏ مقابل قوله ولا يفرق بينهما بعجزه ط ‏(‏قوله وبتضررها بغيبته‏)‏ أي تضرر المرأة بعدم وصول النفقة بسبب غيبته‏.‏ وفي بعض النسخ‏:‏ وبتعذرها بغيبته‏:‏ أي تعذر النفقة وهي أظهر، وهذا مقابل قوله ولا بعدم إيفائه حقها‏.‏ والحاصل أن عند الشافعي إذا أعسر الزوج بالنفقة فلها الفسخ، وكذا إذا غاب وتعذر تحصيلها منه على ما اختاره كثيرون منهم، لكن الأصح المعتمد عندهم أن لا فسخ ما دام موسرا وإن انقطع خبره وتعذر استيفاء النفقة من ماله كما صرح به في الأم‏.‏ قال في التحفة بعد نقله ذلك‏:‏ فجزم شيخنا في شرح منهجه بالفسخ في منقطع خبر لا مال له حاضر مخالف للمنقول كما علمت‏.‏ ولا فسخ بغيبة من جهل حاله يسارا وإعسارا بل لو شهدت بينة أنه غاب معسرا فلا فسخ ما لم تشهد بإعساره الآن وإن علم استنادها للاستصحاب أو ذكرته تقوية لا شكا كما يأتي‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله نعم لو أمر شافعيا‏)‏ أي بشرط أن يكون مأذونا له بالاستنابة خانية‏.‏ قال في غرر الأذكار‏:‏ ثم اعلم أن مشايخنا استحسنوا أن ينصب القاضي الحنفي نائبا ممن مذهبه التفريق بينهما إذا كان الزوج حاضرا وأبى عن الطلاق؛ لأن دفع الحاجة الدائمة لا يتيسر بالاستدانة، إذ الظاهر أنها لا تجد من يقرضها وغنى الزوج مآلا أمر متوهم، فالتفريق ضروري إذا طلبته، وإن كان غائبا لا يفرق؛ لأن عجزه غير معلوم حال غيبته، وإن قضي بالتفريق لا ينفذ قضاؤه؛ لأنه ليس في مجتهد فيه؛ لأن العجز لم يثبت‏.‏ ا هـ‏.‏ ونقل في البحر اختلاف المشايخ وأن الصحيح كما في الذخيرة عدم النفاذ لظهور مجازفة الشهود كما في العمادية والفتح‏.‏ وذكر في قضاء الأشباه في المسائل التي لا ينفذ فيها قضاء القاضي أن منها التفريق للعجز عن الإنفاق غائبا على الصحيح لا حاضرا‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أن التفريق بالعجز عن النفقة جائز عند الشافعي حال حضرة الزوج وكذا حال غيبته مطلقا أو ما لم تشهد بينة بإعساره الآن كما علمت مما نقلناه عن التحفة، والحالة الأولى جعلها مشايخنا حكما مجتهدا فيه فينفذ فيه القضاء دون الثانية، وبه تعلم ما في كلام الشارح حيث جزم بالنفاذ فيهما فإنه مبني على خلاف الصحيح المار عن الذخيرة‏.‏ وذكر في الفتح أنه يمكن الفسخ بغير طريق إثبات عجزه بل بمعنى فقده، وهو أن تتعذر النفقة عليها‏.‏ ورده في البحر بأنه ليس مذهب الشافعي‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده ما قدمناه عن التحفة حيث رد على شرح المنهج بأنه خلاف المنقول، فعلى هذا ما يقع في زماننا من فسخ القاضي الشافعي بالغيبة لا يصح، وليس للحنفي تنفيذه سواء بنى على إثبات الفقر أو على عجز المرأة عن تحصيل النفقة منه بسبب غيبته، فليتنبه لذلك، نعم يصح الثاني عند أحمد كما ذكر في كتب مذهبه، وعليه يحمل ما في فتاوى قارئ الهداية حيث سأل عمن غاب زوجها ولم يترك لها نفقة‏.‏ فأجاب‏:‏ إذا أقامت بينة على ذلك وطلبت فسخ النكاح من قاض يراه ففسخ نفذ وهو قضاء على الغائب، وفي نفاذ القضاء على الغائب روايتان عندنا، فعلى القول بنفاذه يسوغ للحنفي أن يزوجها من الغير بعد العدة، وإذا حضر الزوج الأول وبرهن على خلاف ما ادعت من تركها بلا نفقة لا تقبل بينته؛ لأن البينة الأولى ترجحت بالقضاء فلا تبطل بالثانية‏.‏ ا هـ‏.‏ وأجاب عن نظيره في موضع آخر بأنه إذا فسخ النكاح حاكم يرى ذلك ونفذ فسخه قاض آخر وتزوجت غيره صح الفسخ والتنفيذ والتزوج بالغير، ولا يرتفع بحضور الزوج وادعائه أنه ترك عندها نفقة في مدة غيبته‏.‏ إلخ، فقوله من قاض يراه لا يصح أن يراد به الشافعي فضلا عن الحنفي، بل يراد به الحنبلي فافهم ‏(‏قوله إذا لم يرتش الآمر والمأمور‏)‏ أما الأول فلأن نصب القاضي بالرشوة لا يصح، وأما الثاني فلأن حكمه بها لا يصح، ولو صح نصبه، وعليه فالمناسب العطف بأو‏.‏

مطلب في الأمر بالاستدانة على الزوج

‏(‏قوله وبعد الفرض‏)‏ أشار إلى أن في عبارة المصنف كلاما مطويا بعد قوله ولا يفرق بينهما بعجزه عنها إلخ تقديره بل يفرض لها النفقة عليه ويأمرها بالاستدانة، لكن الفرض يظهر فيما لو كان المعسر عن النفقة حاضرا؛ لأن الغائب إذا لم يكن له مال حاضر لا يفرض لها نفقة عليه كما في الحاكم، وسيذكره المصنف بعد، نعم سيذكر أن المفتى به قول زفر فافهم ‏(‏قوله بالاستدانة‏)‏ ذكر الخصاف وتبعه الشارحون أنها الشراء بالنسيئة لتقضي الثمن من مال الزوج‏.‏ وفي المجتبى أنها الاستقراض بحر‏.‏ ونقل القهستاني عن صدر الشريعة‏.‏ قال‏:‏ وإليه يشير كلام المغرب‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي اليعقوبية أنه الأولى كما لا يخفى‏.‏ قال في الدر المنتقى، لكن التوكيل بالاستقراض لا يصح على الأصح فالأصح الأول‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في الحموي عن البرجندي‏.‏ قلت‏:‏ الثاني أيسر على المرأة؛ لأنها قد لا تجد من يبيعها بالنسيئة ما تحتاجه في كل يوم، بخلاف الاستقراض لنفقة شهر مثلا، ويأتي قريبا الجواب عن الإيراد‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في قضاء الحاوي الزاهدي‏:‏ فإن لم تجد من تستدين منه عليه اكتسبت وأنفقت وجعلته دينا عليه بأمر القاضي، وإن لم تقدر على الاكتساب لها السؤال ليومها وتجعل مسئولها دينا عليه أيضا بأمره به ‏(‏قوله لتحيل عليه إلخ‏)‏ اعلم أنهم قالوا‏:‏ إن للمرأة حق الرجوع على الزوج بالنفقة بعد فرض القاضي سواء أكلت من مالها أو استدانتها بأمر القاضي أو بدونه، ولكن فائدة الأمر بالاستدانة عدم سقوطها بموت أحدهما كما سيذكره المصنف بقوله‏:‏ وبموت أحدهما وطلاقها يسقط المفروض إلا إذا استدانت بأمر قاض، وأشار الشارح إلى فائدة أخرى وهي ما في تجريد القدوري والهداية‏:‏ من أن فائدة الأمر بها أن تحيل الغريم على الزوج وإن لم يرض الزوج وبدون الأمر ليس لها ذلك‏.‏ وذكر في الفتح عن التحفة أن فائدته رجوع الغريم على الزوج أو على المرأة قال في البحر وظاهره أن للغريم الرجوع عليه بلا حوالة منها، وعلى ما في التجريد لا رجوع له بلا حوالة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر عدم المخالفة، وأن المراد بالإحالة دلالتها الغريم على زوجها ليطالبه، بأن تقول له‏:‏ إن زوجي فلان فطالبه بالدين، إذ لا يمكن إرادة حقيقة الحوالة هنا بدليل تصريحهم بأن للغريم مطالبة المرأة بها أيضا، وأنه لا يشترط رضا الزوج بالحوالة، هذا وقد صرحوا أيضا بأن الاستدانة بأمر القاضي إيجاب الدين على الزوج؛ لأن للقاضي ولاية كاملة عليه فلذا كان للغريم أن يرجع عليه وبدون الأمر بها لا يرجع عليه بل عليها وهي ترجع على الزوج، فقد ظهر من هذا أن الاستدانة بالأمر تقع لها، ويجب بها الدين على الزوج بسبب ولاية القاضي عليه لا بطريق الوكالة عن الزوج، وبه اندفع ما مر من أن التوكل بالاستقراض لا يصح فافهم‏.‏ ‏(‏قوله إن صرحت إلخ‏)‏ لا يصح جعله قيدا لقوله وهي عليه؛ لأن رجوع المرأة على الزوج ثابت لها قبل الأمر بالاستدانة كما علمته، بل هو قيد لقوله لتحيل عليه‏.‏ وعبارة المجتبى‏:‏ فإذا استدانت هل تصرح بأني أستدين على زوجي أو تنوي‏؟‏ أما إذا صرحت فظاهر، وكذا إذا نوت، وإذا لم تصرح ولم تنو لا يكون استدانة عليه؛ ولو ادعت أنها نوت الاستدانة عليه وأنكر الزوج فالقول له‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفائدة إنكاره عدم رجوع الغريم عليه بل يرجع عليها وهي ترجع عليه وأنها تسقط بموت أحدهما أو طلاقها كما علم مما مر‏.‏ والظاهر أنه لا يمين على الزوج إذ كيف يحلف على عدم نيتها ولذا لم يقيد باليمين، خلافا لما نقله الرحمتي من التقييد به فإني لم أره في المجتبى ولا في البحر‏.‏ ‏(‏قوله وتجب الإدانة إلخ‏)‏ قال في الاختيار‏:‏ المعسرة إذا كان زوجها معسرا ولها ابن من غيره موسر أو أخ موسر فنفقتها على زوجها، ويؤمر الابن أو الأخ بالإنفاق عليها ويرجع به على الزوج إذا أيسر، ويحبس الابن أو الأخ إذا امتنع؛ لأن هذا من المعروف‏.‏ قال الزيلعي‏:‏ فتبين بهذا أن الإدانة لنفقتها إذا كان الزوج معسرا وهي معسرة تجب على من كانت تجب عليه نفقتها لولا الزوج، وعلى هذا لو كان للمعسر أولاد صغار ولم يقدر على إنفاقهم تجب نفقتهم على من تجب عليه لولا الأب كالأم والأخ والعم ثم يرجع به على الأب إذا أيسر، بخلاف نفقة أولاده الكبار حيث لا يرجع عليه بعد اليسار؛ لأنها لا تجب مع الإعسار فكان كالميت‏.‏ ا هـ‏.‏ وأقره عليه في فتح القدير بحر‏.‏ قلت‏:‏ ومقتضاه أنه لا فرق بين الأم وغيرها في ثبوت الرجوع على الأب مع أنه سيذكر قبيل الفروع أنه لا رجوع في الصحيح إلا للأم، وفيه كلام سنذكره هناك ‏(‏قوله كأخ وعم‏)‏ يصح رجوعه لكل من الزوجة والصغار‏.‏ ا هـ‏.‏ ح أي كأن يكون لها أخ أو عم ولأولادها أخ من غيرها أو عم فتستدين لنفسها من أخيها أو عمها ولأولادها من أخيهم أو عمهم، وظاهره أنه لا يقدم الأخ على العم هنا تأمل ‏(‏قوله وسيتضح‏)‏ أي في الفروع ‏(‏قوله ثم أيسر‏)‏ أي الزوج كما فسره في المنح‏.‏ والأولى أن يقول ثم أيسر أحدهما ح‏.‏ قلت‏:‏ ومثله ما لو أيسرا ‏(‏قوله فخاصمته‏)‏ إذ لا تقدير بدون طلبها ‏(‏قوله تمم‏)‏ أي القاضي نفقة يساره‏:‏ أي يسار الزوج الذي امرأته فقيرة وهي الوسط‏.‏ ولو قال وجب الوسط كما قال فيما بعده لكان أوضح ح ‏(‏قوله في المستقبل‏)‏ أما الماضي قبل المخاصمة فقد رضيت به ولو بعد عروض اليسار ‏(‏قوله وبالعكس‏)‏ بأن قضى بنفقة اليسار لكونهما موسرين ثم أعسر الزوج على ما قال أو ثم أعسر أحدهما على ما هو الأولى؛ ولو قال قضى بنفقة الإعسار ثم أيسر أحدهما أو بالعكس وجب الوسط لكان أوضح وأخصر‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله كما مر‏)‏ في قوله بقدر حالهما ح‏.‏

مطلب في الصلح عن النفقة

‏(‏قوله صالحت زوجها إلخ‏)‏ قدمنا عند قوله لرضاها بذلك عن الذخيرة أن الصلح على النفقة تارة يكون تقديرا للنفقة كالصلح على نحو الدراهم قبل تقدير النفقة بالقضاء أو الرضا أو بعده، فتجوز الزيادة عليه والنقصان عنه‏:‏ أي بالغلاء أو الرخص، وتارة يكون معاوضة كالصلح على نحو عبد إن كان بعد تقديرها بما ذكر فلا تجوز الزيادة ولا النقصان، ولو قبل التقدير فهو تقدير فكلامه هنا محمول على ما إذا لم يكن معاوضة، ولذا قيد بقوله على دراهم ‏(‏قوله زيدت‏)‏ أي يسمع القاضي دعواها ويزيد لها إذا كانت لا تكفيها؛ لما في كافي الحاكم‏:‏ صالحت المرأة زوجها على نفقة لا تكفيها فلها أن ترجع عنه وتطالب بالكفاية‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فلا التفات لمقالته‏)‏ فإنه التزمه باختياره وذلك دليل على كونه قادرا على أداء ما التزم فيلزمه جميع ذلك إلا أن يتعرف القاضي عن حاله بالسؤال من الناس فإذا أخبروه أنه لا يطيق ذلك نقص عنه وأوجب على قدر طاقته ذخيرة‏.‏ وحاصله أنه لا يقبل قوله لتناقضه ما لم يظهر للقاضي حاله، بخلاف المرأة فإنه لا تناقض منها فإنها غير ملتزمة؛ لأن لها الرجوع عن الصلح كما مر الكلام فيه، فحيث لم تكن متناقضة تسمع دعواها على الزوج بعدم الكفاية فإن أقر بذلك ألزمه بالزيادة، وإن أنكر حلفه أو طلب منها بينة ولا يفعل كذلك في دعوى الزوج لعدم سماعها هذا ما ظهر لي في بيانه فافهم‏.‏ هذا، وأما ما في الذخيرة من أن القاضي لو فرض لها مالا يكفيها فلها أن ترجع؛ لأنه ظهر خطؤه فعليه التدارك بالقضاء بما يكفيها، وكذلك لو فرض على الزوج زيادة على الكفاية فله الامتناع عنها‏.‏ ا هـ‏.‏ فلا يرد على ما مر؛ لأن هذا في القضاء بطريق الإلزام على الزوج فلم يظهر فيه التناقض منه، بخلاف الصلح برضاه، وقد خفي هذا على غير واحد فافهم ‏(‏قوله بكل حال‏)‏ تابع فيه المصنف في شرحه، ولم أره لغيره مع عدم ظهور وجهه، فالمناسب إسقاطه تأمل ‏(‏قوله إلا إذا تغير سعر الطعام إلخ‏)‏؛ لأن ذلك عارض فلا يكون به متناقضا؛ لأنه لم يدع أن ذلك كان وقت الصلح بل عرض بعده، وكذلك الحكم في دعوى المرأة بالأولى وكالصلح القضاء‏.‏ ففي البحر عن الظهيرية‏:‏ إذا فرض القاضي للمرأة النفقة فغلا الطعام أو رخص فإن القاضي يغير ذلك الحكم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إلا أن يتعرف إلخ‏)‏ أي يطلب المعرفة، وهذا استثناء من قوله فلا التفات لمقالته كما علمته فكان المناسب ذكره عقبه ‏(‏قوله لم يلزمه إلا نفقة مثلها‏)‏ لظهور أن المائة لكل شهر على الفقير المحتاج شيء كثير في زمانهم لا يتغابن فيه، قال في الخلاصة‏:‏ لو صالحته على أكثر من حقوقها في النفقة والكسوة، إن كان قدر ما يتغابن الناس في مثله جاز وإلا فالزيادة مردودة ولا يبطل القضاء‏.‏ ا هـ‏.‏ وعليه فلو مضت مدة لا تسقط النفقة، إذ لو بطل أصل القضاء لسقطت بالمضي وتمامه في البحر، وكأنه أراد بالقضاء التقدير تأمل‏.‏

مطلب لا تصير النفقة دينا إلا بالقضاء أو الرضا

‏(‏قوله والنفقة لا تصير دينا إلخ‏)‏ أي إذا لم ينفق عليها بأن غاب عنها أو كان حاضرا فامتنع فلا يطالب بها بل تسقط بمضي المدة‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وذكر في الغاية معزوا إلى الذخيرة أن نفقة ما دون الشهر لا تسقط فكأنه جعل القليل مما لا يمكن الاحتراز عنه، إذ لو سقطت بمضي يسير من الزمان لما تمكنت من الأخذ أصلا‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في البحر، وكذا في الشرنبلالية عن البرهان ووجهه في غاية الظهور لمن تدبر فافهم‏.‏ ثم اعلم أن المراد بالنفقة نفقة الزوجة، بخلاف نفقة القريب فإنها لا تصير دينا ولو بعد القضاء والرضا، حتى لو مضت مدة بعدهما تسقط كما يأتي وسيأتي أن الزيلعي استثنى نفقة الصغير ويأتي تمام الكلام عليه عند قول المصنف قضى بنفقة غير الزوجة إلخ ‏(‏قوله إلا بالقضاء‏)‏ بأن يفرضها القاضي عليه أصنافا أو دراهم أو دنانير نهر ‏(‏قوله فقبل ذلك لا يلزمه شيء‏)‏ أي لا يلزمه عما مضى قبل القرض بالقضاء أو الرضا ولا عما يستقبل؛ لأنه لم يجب بعد، ولذا لا يصح الإبراء عنها قبل الفرض وبعده يصح مما مضى، ومن شهر مستقبل كما تقدم قبل قوله ولخادمها وأما الكفالة بها شهرا أو أكثر فصرح في البحر هنا عن الذخيرة أنها لا تصح قبل الفرض والتراضي، ونقل بعده عن الذخيرة أيضا ما يخالفه، وقدمنا الكلام عليه والتوفيق بين كلاميه ‏(‏قوله وبعده‏)‏ أي وبعد القضاء أو الرضا ترجع؛ لأنها بعده صارت ملكا لها كما قدمناه، ولذا قال في الخانية‏:‏ لو أكلت من مالها أو من المسألة، لها الرجوع بالمفروض‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا لو تراضيا على شيء ثم مضت مدة ترجع بها ولا تسقط‏.‏ قال في البحر‏:‏ فهذا هو المراد بقولهم أو الرضا، فأما ما توهمه بعض حنفية العصر من أن المراد به أنه إذا مضت مدة بغير فرض ولا رضا ثم رضي الزوج بشيء فإنه يلزمه فخطأ ظاهر لا يفهمه من له أدنى تأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ ومقتضاه أنه لا يلزمه شيء بهذا الرضا لكون ما مضى قبله لم يجب عليه فهو التزام ما لم يلزم، وإنما يلزمه ما يمضي بعد الرضا؛ لأنه صار واجبا به كالقضاء، وأطلق في الرجوع فشمل ما إذا شرط الرجوع لها أو لا كما هو ظاهر المتون والشروح‏.‏ وأما ما في الخانية والظهيرية من أن القاضي إذا فرض لها النفقة فقال الزوج استقرضي كل شهر كذا وأنفقي لا ترجع ما لم يقل وترجعي بذلك علي فلعل المراد لا ترجع بما استقرضت بل بالمفروض فقط وإلا فهو غلط محض أفاده في البحر‏.‏ وأجاب المقدسي بأن التوكيل في القرض لا يصح، وإذا شرط الرجوع يكون كالاصطلاح على هذا المقدار فترجع به، وكذا أجاب الخير الرملي بأنه لما لم يصح الأمر بالاستقراض عليه صارت مستقرضة على نفسها متبرعة إن لم يشترط الرجوع عليه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

أطلق النفقة فشمل نفقة العدة إذا لم تقبضها حتى انقضت العدة‏:‏ ففي الفتح أن المختار عند الحلواني أنها لا تسقط، وسنذكر عن البحر أن الصحيح السقوط وأنه لا بد من إصلاح المتون هنا لإطلاقها عدم السقوط، وأن هذا كله في غير المستدانة وسيأتي تمام الكلام فيه ‏(‏قوله ولو اختلفا في المدة‏)‏ أي في قدر ما مضى منها من وقت القضاء أو الرضا، وكذا لو اختلفا في قدر النفقة أو جنسها كما في البزازية ‏(‏قوله فالقول له‏)‏؛ لأنها تدعي زيادة دين وهو ينكر، فالقول له مع يمينه ذخيرة‏.‏ ‏(‏قوله وبموت أحدهما وطلاقها‏)‏ وكذا بنشوزها كما قدمه الشارح بقوله وتسقط به‏:‏ أي بالنشوز المفروضة لا المستدانة في الأصح كالموت‏.‏ ا هـ‏.‏ وموت أحدهما غير قيد فكذا موتهما بالأولى كما لا يخفى‏.‏ قال الخير الرملي‏:‏ وقيد السقوط بالطلاق شيخنا الشيخ محمد بن سراج الدين الحانوتي بما إذا مضى شهر يعني فأزيد، وهو قيد لا بد منه تأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله واعتمد في البحر بحثا إلخ‏)‏ فإنه أولا نقل السقوط بالطلاق عن النقاية والجوهرة والخانية والظهيرية والمجتبى والذخيرة، وأن القاضي أبا علي النسفي نص على أن ذلك مروي، وأنه أفتى به الصدر الشهيد والإمام ظهير الدين المرغيناني، وشبهه بالذمي إذا اجتمع عليه خراج رأسه ثم أسلم يسقط عنه ما اجتمع عليه‏.‏ ثم قال‏:‏ فقد ظهر من هذا أن الراجح عندهم سقوطها بالطلاق كالموت‏.‏ ثم قال بعده قال العبد الضعيف‏:‏ ينبغي ضعف القول بسقوطها بالطلاق ولو بائنا لأمور، وذكر ثلاثة اثنان منها ضعيفان، وقال الثالث وهو أقواها ما في البدائع من الخلع لو قال‏:‏ خالعتك ونوى الطلاق يقع الطلاق ولا يسقط شيء من المهر والنفقة‏.‏ قال فهذا صريح في المسألة، وفي البدائع أيضا‏:‏ ولا خلاف بينهم في الطلاق على مال أنه لا يبرأ به عن سائر الحقوق التي وجبت لها بسبب النكاح‏.‏ ا هـ‏.‏ فالذي يتعين المصير إليه على كل مفت وقاض اعتماد عدم السقوط خصوصا ما تضمنه القول بالسقوط من الإضرار بالنساء ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ ورد عليه العلامة المقدسي والخير الرملي بإمكان حمل ما في البدائع من الحقوق التي لا تسقط على المهر ونفقة ما دون الشهر والنفقة المستدانة بأمر، وبأن هذه الرواية قد أفتى بها من تقدم وذكرت في المتون كالوقاية والنقاية والإصلاح والغرر وغيرها، قال المقدسي‏:‏ ولهذا توقفت كثيرا في الفتوى بالسقوط وظفرت بنقل صريح في تصحيح عدم السقوط في خزانة المفتين‏.‏ وفي الجواهر أنه لا ينبغي أن يفتى بسقوطها بالطلاق الرجعي لئلا يتخذها الناس وسيلة لقطع حق النساء‏.‏ ا هـ‏.‏ والذي يتعين المصير إليه أن يقال‏:‏ يتأمل عند الفتوى كما جرت به عادة المشايخ في هذا المقام‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا ‏(‏قوله لكن إلخ‏)‏ استدراك على إطلاق الطلاق الشامل للبائن والرجعي بتخصيص السقوط بالبائن وعدمه بالرجعي ‏(‏قوله والفتوى إلخ‏)‏ هذه عبارة جواهر الفتاوى كما في المنح فيكون بدلا من ما‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ وفي هذه العبارة مخالفة لما نقله المقدسي عنها ‏(‏قوله وبالأول‏)‏ أي بالسقوط بالطلاق مطلقا ح ‏(‏قوله أفتى شيخنا‏)‏ يعني الخير الرملي‏:‏ قال في الخيرية بعد عزوه إلى الخلاصة والبزازية وكثير من الكتب وأفتى به الشيخ زين الدين بن نجيم ووالد شيخنا الشيخ أمين الدين، وهي في فتاويهما ‏(‏قوله لكن صحح الشرنبلالي إلخ‏)‏ وعبارته‏:‏ المرأة إذا طلقت وقد تجمد لها نفقة مفروضة، قيل تسقط وهو غير المختار‏.‏ وأشار إليه المصنف‏:‏ أي ابن وهبان بصيغة قيل‏.‏ والأصح عدم السقوط ولو كان الطلاق بائنا لئلا يتخذ حيلة لسقوط حقوق النساء، وما ذكره الشارح أي ابن الشحنة غير التحقيق في المسألة‏.‏ ا هـ‏.‏ ويوافقه ما في القهستاني عن خزانة المفتين أن المفروضة لا تسقط بالطلاق على الأصح‏.‏ ا هـ‏.‏ ط ‏(‏قوله فيتأمل عند الفتوى‏)‏ بأن ينظر في حال الرجل هل فعل ذلك تخلصا من النفقة أو لسوء أخلاقها مثلا، فإن كان الأول يلزم بها، وإن كان الثاني لا يلزم، وهذا ما قاله المقدسي وينبغي التعويل عليه ط‏.‏ ‏(‏قوله لأنها صلة‏)‏ أي والصلات تبطل بالموت قبل القبض هداية، وهذا التعليل لا يظهر في الطلاق وتعليله ما قدمناه من أنها كخراج رأس الذمي ‏(‏قوله في الصحيح‏)‏ كذا في الزيلعي عن النهاية والبحر والنهر وغيرها ومقابله قول الخصاف بسقوطها ولو مع الأمر بالاستدانة، وهو ظاهر الهداية‏.‏ قال في الفتح‏:‏ والصحيح ما ذكره الحاكم الشهيد أنها مع الأمر بالاستدانة لا تسقط بالموت؛ لأن الاستدانة بأمر من له ولاية تامة عليه كالاستدانة بنفسه فلا تسقط بالموت، وعلى هذا الخلاف سقوطها بعد الأمر بالاستدانة بالطلاق والصحيح لا تسقط‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لما مر إلخ‏)‏ لم يمر هذا في كلامه ط ‏(‏قوله فليحرر‏)‏ أنت خبير بأنه مخالف للمتون والشروح فلا يعول عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وقد علمت قول الخصاف بسقوط المفروضة مع الأمر بالاستدانة فكيف بدونه‏؟‏ والظاهر أن ما ذكره ابن كمال سبق قلم ‏(‏قوله بموت أو طلاق‏)‏ هذا عندهما‏.‏ وقال محمد‏:‏ يرفع عنها حصة ما مضى، ويجب رد الباقي إن كان قائما، وقيمته إن كان مستهلكا ذخيرة‏.‏ قال في الفتح والموت والطلاق قبل الدخول سواء‏.‏ وفي نفقة المطلقة إذا مات الزوج اختلفوا فيه، قيل ترد وقيل لا تسترد بالاتفاق،؛ لأن العدة قائمة في موته، كذا في الأقضية‏.‏ ا هـ‏.‏ قال الخير الرملي‏:‏ واستفيد منه ومما في الذخيرة جواب حادثة الفتوى‏:‏ طلقها بائنا وعجل لها نفقة تسعة أشهر فأسقطت سقطا بعد عشرة أيام فانقضت بذلك عدتها هل يرجع عليها بما زاد على حصة العشرة أم لا‏؟‏ الجواب لا يرجع عندهما لا عند محمد، وهو القياس ‏(‏قوله عجلها الزوج أو أبوه‏)‏ لما في الولوالجية وغيرها أبو الزوج إذا دفع نفقة امرأة ابنه مائة ثم طلقها الزوج ليس للأب أن يسترد ما دفع؛ لأنه لو أعطاها الزوج والمسألة بحالها لم يكن له ذلك عند أبي يوسف وعليه الفتوى فكذا إذا أعطاها أبوه‏.‏ ا هـ‏.‏ ووجهه أنها صلة لزوجته، ولا رجوع فيما يهبه لزوجته، والعبرة لوقت الهبة لا لوقت الرجوع، فالزوجية من الموانع من الرجوع كالموت، ودفع الأب كدفع الابن، فلا إشكال بحر‏.‏ قلت‏:‏ وظاهره أن دفع الأجنبي ليس كذلك، ولعل وجهه أن الأب يدفع بطريق النيابة عن ابنه عادة فكان هبة من الابن فلا رجوع، بخلاف دفع الأجنبي فتأمل‏.‏

مطلب في بيع العبد لنفقة زوجته

‏(‏قوله يباع القن‏)‏ أي يبيعه سيده؛ لأنه دين تعلق في رقبته بإذن المولى فيؤمر ببيعه، فإن امتنع باعه القاضي بحضرته كما قدمناه عن النهر في نكاح الرقيق‏.‏ والقن عند الفقهاء من لا حرية فيه بوجه‏.‏ وفي اللغة‏:‏ من ملك هو وأبوه بحر ‏(‏قوله ويسعى مدبر ومكاتب‏)‏ لعدم صحة بيعهما، ومثلهما ولد أم الولد، وقوله في البحر والنهر وأم الولد فيه سقط، ومعتق البعض عند الإمام بمنزلة المكاتب هندية عن المحيط، ولو اختارت استسعاء القن دون بيعه ينبغي أن لها ذلك كما قالوا في المأذون المديون إذا اختار الغرماء استسعاءه بحر، وأقره أخوه والمقدسي ‏(‏قوله لم يعجز‏)‏ أما لو عجز نفسه عاد إلى الرق فيجري عليه حكم القن ‏(‏قوله وبدونه إلخ‏)‏ يعني إذا تزوج القن أو المدبر ونحوه بلا إذن السيد يطالب بالنفقة بعد العتق‏:‏ أي بالنفقة المستقبلة لا التي في حال رقه لعدم كونها زوجة وقته‏.‏ قال في الفتاوى الهندية‏:‏ فإن تزوج هؤلاء بغير إذن المولى فلا نفقة عليهم ولا مهر، كذا في الكافي، وإن أعتق واحد منهم جاز نكاحه حين عتق وعليه المهر والنفقة في المستقبل‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله المفروضة‏)‏ كذا قيد به في النهر وعزاه إلى الفتح وغيره أي؛ لأنها بدون الفرض تسقط بالمضي كنفقة زوجة الحر‏.‏ والذي في الفتح فرضها بقضاء القاضي وهل بالتراضي كذلك لم أره، وذكرت في باب نكاح الرقيق بحثا أنه ينبغي أن لا يصح فرضها بتراضيهما لحجر العبد عن التصرف ولاتهامه بقصد الزيادة لإضرار المولى تأمل‏.‏ ‏(‏قوله إذا اجتمع عليه إلخ‏)‏ أفاد أنه لا يباع بالقدر اليسير كنفقة كل يوم وأنه لا يلزمها أن تصير إلى أن يجتمع لها من النفقة قدر قيمته، لما في الأول من الإضرار بالمولى، وما في الثاني من الإضرار بها، أفاده في البحر‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أن الخيار للمولى، إن شاء باعه جميعه أو باع منه بقدر مالها عليه، ثم إذا تجمد لها عليه نفقة أخرى يباع من حصة كل من السيد والمشتري بقدر ما يخصه؛ لأنه عبد مشترك لزمه دين فيغرم كل منهما بقدر ما يملكه وهكذا لو بيع منه لثالث ورابع تأمل‏.‏ ‏(‏قوله ولم يفده‏)‏ فلو اختار المولى فداءه لا يباع؛ لأن حقها في النفقة لا في رقبة العبد ‏(‏قوله ولو بنت المولى‏)‏ تعميم للزوجة، فإن لها النفقة على عبد أبيها؛ لأن البنت تستحق الدين على الأب فكذا على عبده بحر عن الذخيرة ‏(‏قوله لا أمته‏)‏ أي أمة مولاه أي لا يجب على العبد نفقة زوجته التي هي أمة مولاه، سواء بوأها أو لا؛ لأنهما جميعا ملك المولى ونفقة المملوك على المالك بحر، وينظر ما لو كان مكاتبا للمولى ولعلها عليه شرنبلالية ‏(‏قوله ولا نفقة ولده إلخ‏)‏؛ لأنه إذا كانت زوجته حرة فأولادها أحرار تبعا لها، ونفقتهم عليها لو قادرة وإلا فعلى الأقرب فالأقرب ممن يرثهم؛ وإذا كانت مكاتبة فأولادها تبع لها في الكتابة فنفقتهم عليها‏.‏ وإذا كانت الزوجة قنة أو مدبرة أو أم ولد فأولادها تبع لها في الرق والتدبير والاستيلاد، ونفقتهم على مولاهم؛ لأنهم ملكه، وهذا معنى قوله لتبعية الأم‏:‏ أي لا تلزم العبد نفقة ولده سواء كانت زوجته حرة أو غيرها لتبعية الولد لأمه في الحرية لو حرة، والكتابة لو مكاتبة، والرق لو قنة، والتدبير أو الاستيلاد لو مدبرة أو أم ولد فافهم ‏(‏قوله ولو مكاتبين إلخ‏)‏ في البحر عن كافي الحاكم وشرحه للنسفي وشرح الطحاوي والشامل، وكذا في الفتح، المكاتب لا تجب عليه نفقة ولده سواء كانت امرأته حرة أو أمة لهذا المعنى‏.‏ وإذا كانت امرأة المكاتب مكاتبة وهما لمولى واحد فنفقة الولد على الأم؛ لأن الولد تابع للأم في كتابتها، ولهذا كان كسب الولد لها وأرش الجناية عليه لها وميراثه لها فكذلك النفقة تكون عليها‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه ظهر أن الضمير في قوله سعى، وكذا ما بعده عائد على الولد؛ لأنه معنى كون كسبه لأمه ولا ضرورة لإرجاعه للزوج؛ لأن الكلام في نفقة ولد المكاتب، أما نفقة زوجته فعلم حكمها من قوله ومكاتب لم يعجز فافهم، نعم قوله ونفقته على أبيه الظاهر أنه سبق قلم من صاحب الجوهرة، لما علمت من صريح هذه الكتب المعتمدة من أن نفقته على أمه ونحوه في ح عن الذخيرة ‏(‏قوله ثم علم فرضي‏)‏ أما إذا لم يعلم المشتري بحاله أو علم بعد الشراء ولم يرض فله رده؛ لأنه عيب اطلع عليه فتح ‏(‏قوله؛ لأنه دين حادث‏)‏ أي عند المشتري؛ لأن النفقة تتجدد شيئا فشيئا على حسب تجدد الزمان على وجه يظهر في حق السيد، فهو في الحقيقة دين حادث عند المشتري فتح ‏(‏قوله فما في الدرر إلخ‏)‏ تفريع على قوله بعدما اشتراه، وقوله؛ لأنه دين حادث فإن معناه أنه إنما يباع ثانيا بما يجتمع عليه من النفقة عند المشتري لا بما بقي عليه من عند الأول، كما إذا بيع فلم يف ثمنه بما عليه لا يباع ثانيا بما بقي بل بما يحدث عند الثاني، ولهذا رد تبعا لغيره على ما في الدرر تبعا لصدر الشريعة، حيث قالا‏:‏ صورته عبد تزوج امرأة بإذن المولى ففرض القاضي النفقة عليه فاجتمع عليه ألف درهم فبيع بخمسمائة وهي قيمته والمشتري عالم أن عليه دين النفقة يباع مرة أخرى، بخلاف ما إذا كان عليه ألف بسبب آخر فبيع بخمسمائة لا يباع مرة أخرى‏.‏ ا هـ‏.‏ وأجاب ح بأن قوله يباع مرة أخرى يحتمل أن يكون المراد به يباع فيما تجدد لا في الخمسمائة الباقية فالأحسن قول الشرنبلالية فيه تساهل؛ لأنه يوهم أنه يباع فيما بقي عليه من الألف وليس كذلك، بل فيما يتجدد عليه من النفقة عند المشتري كما هو منقول في المذهب ا هـ‏.‏ لكن قوله بخلاف إلخ يمنع من هذا التأويل كما لا يخفى ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ وقيل لا تسقط بالقتل؛ لأنه أخلف القيمة فتنتقل إليه كسائر الديون، وليس بشيء؛ لأن الدين إنما ينتقل إلى القيمة إذا كان دينا لا يسقط بالموت وهذا يسقط بالموت زيلعي ‏(‏قوله ويباع في دين غيرها‏)‏ بتنوين دين وجر غيرها على أنه صفة له أي غير النفقة كالمهر، وما لزمه بتجارة بإذن أو بضمان متلف‏.‏ قال ح‏:‏ وفيه أنه لا يظهر فرق بين النفقة وغيرها فإن الدين الحادث في ملك مولى إذا بيع فيه لا يباع في بقيته عند مولى آخر نفقة كان أو غيرها‏.‏ إلا أن يقال‏:‏ إن سبب النفقة لما كان أمرا واحدا مستمرا يقال إنه بيع فيه مرارا عند موال متعددة بخلاف غيره ‏(‏قوله ومفاده أن لها استسعاءه‏)‏ لكونها من جملة الغرماء ولذا تحاصصهم ط ‏(‏قوله قال‏)‏ أي صاحب البحر، وأقره أخوه والمقدسي، وذكر الرملي أنه سئل عن ذلك فأجاب كذلك قبل وقوفه على ما في البحر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ورأيته مصرحا في الذخيرة عن أبي يوسف ‏(‏قوله على قول الثاني‏)‏ أي من أن مؤنة تجهيزها على الزوج وإن تركت مالا؛ لأن الكفن كالكسوة حال الحياة‏.‏

‏(‏قوله المنكوحة‏)‏ أي التي زوجها سيدها لرجل، أما غير المنكوحة فنفقتها على سيدها مطلقا ‏(‏قوله أما المكاتبة فكالحرة‏)‏ لملكها منافعها، فلم يبق للمولى عليها ولاية الاستخدام، فلها النفقة بمجرد التمكين من نفسها وإن لم تنتقل، وتسقط بالنشوز كالحرة ط ‏(‏قوله ولو عبدا‏)‏ أي لغير سيد الأمة‏:‏ إذ لو كان عبده فنفقتها على السيد بوأها أو لا ط عن الزيلعي ‏(‏قوله بأن يدفعها إليه إلخ‏)‏ أي بأن يخلي المولى بين الأمة وزوجها في منزل الزوج ولا يستخدمها، كذا في كافي الحاكم الشهيد بحر؛ لأن الاحتباس لا يتحقق إلا بالتبوئة؛ لأن المعتبر في استحقاق النفقة تفريغها لمصالح الزوج وذلك يحصل بالتبوئة، وإن استخدمها بعد التبوئة سقطت نفقتها لزوال الموجب زيلعي‏.‏ أي لزوال الاحتباس الموجب للنفقة، ومقتضاه أنه استخدمها في غير بيت الزوج، ويدل عليه قوله في الهداية إذا بوأها معه أي مع الزوج منزلا فعليه النفقة؛ لأنه تحقق الاحتباس ولو استخدمها بعد التبوئة سقطت النفقة؛ لأنه فات الاحتباس، وفسر التبوئة بما مر، فعلم أن النفقة لا تجب إلا بالتبوئة؛ لأن بها يحصل الاحتباس الموجب، فلو استخدمها وهي في بيت الزوج بخياطة أو غزل مثلا لم تسقط النفقة لبقاء الاحتباس في بيت الزوج‏.‏ ولا ينافيه قولهم لو استخدمها سقطت النفقة فإن المراد استخدامها في غير بيت الزوج كما دل عليه كلام الزيلعي والهداية، خلافا لما فهمه في البحر بناء على ما فهمه من أن قولهم ولا يستخدمها في تعريف التبوئة شرط آخر لها، وليس كذلك بل هو عطف تفسير، فمعناه التخلية بينها وبين الزوج، ويدل عليه قوله في الذخيرة‏:‏ ثم إذا استخدمها المولى بعد ذلك ولم يخل بينها وبين الزوج فلا نفقة لها لفوات موجب النفقة وهو التبوئة من جهة من له الحق، فشابهت الحرة الناشزة، فهذا كالصريح في أن الاستخدام بدون فوات التخلية لا يضر، إذ لا تشبه الناشزة إلا بالخروج من بيت الزوج فافهم ‏(‏قوله فلو استخدمها المولى‏)‏ أي في غير بيت الزوج كما علمت فافهم، وقيد بالاستخدام؛ لأنها لو كانت تأتي إلى المولى في بعض الأوقات وتخدمه من غير أن يستخدمها لم تسقط نفقتها؛ لأن النفقة حق المولى فلا تسقط بصنع غيره ذخيرة‏.‏