فصل: سبب النزول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام



.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
حرّمت الشريعة الإسلامية الغراء نكاح المشركات، وحظرت على المسلم أن يُبقي في عصمته امرأة لا تؤمن بالله، ولا تعتقد بكتاب أو رسول، وتنكر البعث والنشور، وذلك لما يترتب على هذا الزواج من مخاطر دينية، واجتماعية، وأضرار عظيمة، تلحق بالزوج والأولاد، وبالتالي تهدّد حياة الأسرة التي هي النواة لبناء المجتمع الأكبر.
وقد قضت السنة الإلهية أن تمتزج الأرواح بالأرواح، وتتلاءم الأنفس مع الأنفس عند الزواج، لينعم الزوجان في حياة آمنةٍ سعيدة، يرفرف عليها الحب، وتظلِّلها السعادة، ويخيِّم عليها التعاون والتفاهم والوئام.
ولمّا كان هذا الانسجام والتفاهم، لا يكاد يوجد بين قلبين متنافرين ونفسين مختلفين، نفسٍ مؤمنةٍ خيّرة، ونفسٍ مشركةٍ فاجرة، وكان هذا يؤدي بدوره إلى التنافر، والخصام، والنزاع، لذلك حرّم الإسلام الزواج بالوثنية المشركة، وعدّه زواجاً باطلاً لا يستقيم مع شريعة الله.
فالمشركة التي ليس لها دين يزجرها عن الشرّ، ويأمرها بالخير، ويحرّم عليها الخيانة، ويوجب عليها الأمانة، هذه الزوجة لا يمكن أن يسعد المرء في حياته معها، ولا تصلح أن تكون (رفيقة الحياة) لرجلٍ يؤمن بالله واليوم الآخر مع الفارق الكبير بين نفسيهما.
والزوجية حالة امتزاج واندماج واستقرار، ولا يمكن أن تقوم الحياة بدون هذا الامتزاج، والإيمان هو قوام الحياة السعيدة الذي لا تقوم مقامه عاطفة أخرى، فإذا خوى منه قلب لم يستطع قلب مؤمن أن يتجاوب معه، ولا أن يأنس به، ولا أن يسكن إليه ويطمئن في جواره، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «الأرواح جنود مجنّدة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».

.سورة الجمعة:

.تفسير الآيات (9- 11):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}
سورة الجمعة:
[1] صلاة الجمعة وأحكامها:

.التحليل اللفظي:

{نُودِيَ}: النداء: الدعاء بأرفع الصوت تقول: ناديته نداءً ومناداة، وفي الحديث: «فإنه أندى صوتاً منك» أي أحسن وأعذب، وقيل: أرفع وأعلى، والمرادُ بالنداء هنا: الأذانُ والإعلام لصلاة الجمعة.
{الجمعة}: هو اليوم المعروف، وهو يوم عيد المسلمين الأسبوعي قال الفراء: يقال (الجُمْعة) بسكون الميم، و(الجُمُعة) بضم الميم، و(الجُمَعة) بفتح الميم فيكون صفة اليوم، أي تجمع الناس، كما يقال: ضُحَكة للذي يضحك الناس، ففيها ثلاث لغات.
والأفصح الأشهر (الجمُعة) بضم الميم، قال ابن عباس: نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم فاقرؤها جُمُعة.
وقد صار يوم الجمعة عَلَماً على اليوم المعروف من أيام الأسبوع، وسميت جمعة لاجتماع الناس فيها للصلاة، وكان العرب تسمي يوم الجمعة (عَروبة) وأول من سمّاها جمعة (كعب بن لؤي).
قال السهيلي: ومعنى العروبة: الرحمة فيما بلغنا عن بعض أهل العلم.
{فاسعوا}: السعي: العَدْوُ في المشي والإسراع فيه، والمراد منه في الآية: امشوا إلى الصلاة بدون إفراط في السّرعة لقوله عليه السلام: «إذا أُقيمت الصلاةُ فلا تأتوها وأنتم تَسْعَوْن، وأتُوها وأنتم تَمْشُون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا».
قال الفراء: المضيّ، والسعي، والذهاب، بمعنى واحد واحتج بقولهم: هو يسعى في البلاد يطلب فضل الله، معناه يمضي بجد واجتهاد، وليس معناه: العدو والركض.
واحتج أبو عبيدة: بقول الشاعر:
أسعى على جُلّ بني مالك ** كلّ امرئ في شأنه ساعي

وكان ابن مسعود: يقرؤها: (فامضوا إلى ذكر الله) ويقول: لو كانت من السعي لسعيتُ حتى يسقط ردائي.
قال القرطبي: وقراءةُ ابن مسعود تفسير منه، لا قراءة قرآن منزل، وجائزٌ قراءة القرآن بالتفسير، في معرض التفسير.
{ذِكْرِ الله}: المراد بذكر الله صلاةُ الجمعة، بدليل قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاوة فانتشروا فِي الأرض} وقيل: المراد به الخطبة.
والصحيح الراجح: أن المراد به (الصلاة، والخطبة) جميعاً لاشتمالهما على ذكر الله.
{وَذَرُواْ البيع}: أي اتركوا البيع، والمعاملة، وسائر أمور التجارة والأعمال.
قال الألوسي: أي اتركوا المعاملة، فيعمّ البيع، والشراء، والإجارة وغيرها من المعاملات.
وقال القرطبي: وخصّ البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق.
{قُضِيَتِ الصلاوة}: أي أديتم الصلاة وفرغتم منها، يقال: قضى الرجل عمله أي أدّاه ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أي أديتموها، وقضى دينه أي وفَّاه، وليس من قضاء الفائتة في الصلاة، وقد استدل الفقهاء بهذه الآية الكريمة على أن لفظ (القضاء) يطلق على (الأداء) وهو استدلال لطيف.
{فانتشروا}: أي تفرقوا في الأرض لإقامة مصالحكم، والانتشار معناه التفرق، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا} [الأحزاب: 53].
{وابتغوا}: أي اطلبوا من الابتغاء بمعنى الطلب، قال تعالى: {وابتغ فِيمَآ آتَاكَ الله الدار الآخرة وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} [القصص: 77].
{فَضْلِ الله}: المراد به الرزق والتجارة، والكسبُ الحلال.
وعن ابن عباس: لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا، وإنما هو عيادة المرضى، وحضور الجنائز وزيارة الأخ في الله.
{انفضوا إِلَيْهَا}: بمعنى انصرفوا إليها، وتفرقوا عنك، والانفضاض معناه: التفرق والانصراف، قال ذو الرُمّة:
تكاد تنقضّ منهنّ الحيازيم

وأعاد الضمير إلى التجارة، لأنها كانت أهمّ إليهم، وقال الزجّاج: المعنى: وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها، أو لهواً انفضوا إليه، فحذف الثاني لدلالة الأول عليه مثل قوله تعالى: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون: 33]، وكما قال الشاعر:
نحنُ بما عندنا وأنت بما ** عندكَ راضٍ والرأيُ مختلف

{وَتَرَكُوكَ قَآئِماً}: أي على المنبر تخطب، قال بعض العلماء: وفيه دلالة على مشروعية القيام في الخطبة.
{خَيْرُ الرازقين}: لأنه يرزق من يؤمن به ويعبده، ومن يكفر به ويجحده، فهو يعطي من سأل سواءً كان مؤمناً أم كافراً.
قال الطبري: {والله خَيْرُ الرازقين}: يقول: والله خير رازق، فإليه فارغبوا في طلب أرزاقكم، وإيّاه فاسألوا أن يوسّع عليكم من فضله دون غيره.

.المعنى الإجمالي:

يقول الله تعالى ما معناه: يا أيها المؤمنون يا من صدّقتم بالله ورسوله، إذا سمتعتم المؤذّن، ينادي لصلاة الجمعة ويؤذّن لها، فاتركوا أعمالكم وأشغالكم، ودَعُوا البيع والشراء وامضوا سراعاً إلى ذكر الله وعبادته، وإلى أداء صلاة الجمعة مع إخوانكم المسلمين، فإنّ ذلك خير لكم وأفضل، وأرجى لكم عند الله، وأعود عليكم بالخيرات والبركات، إن كنتم من أهل العلم والفهم السليم، فإذا أدّيتم الصلاة وفرغتم منها، فانبثّوا في الأرض لقضاء مصالحكم، واطلبوا من فضل الله، فإن الرزق بيده، وهو المنعم المتفضّل، الذي لا يخيّب أمل السائل، ولا يضيع عمل العامل، ولا يمنع أحداً من فضله وإحسانه، واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون.
ثم أخبر تعالى أنّ هناك فريقاً من الناس يؤثرون الدنيا الفانية، على الآخرة الباقية، فإذا سمعوا بتجارة رابحة، أو صفقة قادمة، أو شيء من لهو الدنيا، وزينتها وبهرجها، تفرّقوا عن رسول الله عليه السلام، وانصرفوا إلى متاع الحياة، وتركوا الرسول قائماً يخطب، ولو عقلوا لعلموا أنّ ما عند الله خير وأبقى، وأن ثوابه خير من اللهو والتجارة، وأن الله- جلّ وعلا- هو خير الرازقين، يرزق من يشاء بغير حساب، وما عند الله خير للأبرار.
وصدق الله حيث يقول: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 96].

.سبب النزول:

أ- أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً، إذ قدمت عير إلى المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلاّ اثنا عشر رجلاً أنا فيهم، وأبو بكر وعمر، فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا} إلى آخر السورة.
ب- وروى ابن كثير عن أبي يعلى بسنده إلى جابر بن عبد الله أنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقدمت عيرٌ إلى المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي ناراً»ونزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة...}.
ج- وروى أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط) في سبب هذا الانصراف أنَّ أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر، فقدم (دحية) بعيرٍ تحمل ميرةً وكان من عُرْفهم أن يدخل بالطبل والمعازف من درى بها. فدخلت بها فانفضوا إلى رؤية ذلك وسماعه، وتركوه صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر في اثني عشر رجلاً، قال جابر: أنا أحدهم، فنزلت: {وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة...}.

.وجوه القراءات:

1- قرأ الجمهور: {من يوم الجُمُعة} بضم الجيم والميم، وقرأ الزهري والأعمش بضم الجيم وسكون الميم: {الجُمْعة} وهي لغة تميم، وقرأ أبو العالية والنخعي: {الجُمَعة} بضم الجيم مع فتح الميم، وهي ثلاث لغات.
قال الزجاج: من قرأ بتسكين الميم فهو تخفيف الجمعة لثقل الضمتين، وأمّا فتح الميم فمعناها: الذي يجمع الناس، كما تقول: رجلٌ لُعَنَة: يُكثر لعنة الناس، وضُحَكَة: يكثر الضحك.
2- قرأ الجمهور: {انفضّوا إليها} بضمير المؤنث عائداً إلى التجارة، وقرأ ابن أبي عَبْلة بضمير المذكّر: {انفضّوا إليه} عائداً إلى اللهو.
قال الأخفش: وكلاهما جائز عند العرب، وقرئ: {انفضُّوا إليهما} بضمير التثنية عائداً إلى التجارة واللهو.
3- قرأ الجمهور: {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} وروي عن ابن مسعود وعمر أنهما كانا يقرآنها: {فامضوا إلى ذكر الله} وقراءتهما محمولة على أنها وجه من وجوه التفسير، لا أنها قراءة من القراءات وقد مرّ معك كلام القرطبي فتدبره.

.وجوه الإعراب:

1- قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ للصلاوة مِن يَوْمِ الجمعة} (إذا) شرطية و(نودي) مبني للمجهول، و(مِنْ) بمعنى (في) أي في يوم الجمعة كقوله تعالى: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} [فاطر: 40] أي في الأرض.
وجوّز أبو البقاء كون (مِنْ) للتبعيض.
وفي (الكشاف): هي بيان ل (إذا) وتفسير له، وقد اعترض عليه في هذا، والصحيح أنها بمعنى (في).
2- قوله تعالى: {واذكروا الله كَثِيراً...}. (اذكروا) فعل أمر مبني على حذف النون لأنّ مضارعه من الأفعال الخمسة، والواو فاعل، ولفظ الجلالة منصوب على التعظيم تأدباً، و(كثيراً) صفة لمفعول مطلق محذوف تقديره: (ذكراً كثيراً)، وقد صرح به في سورة الأحزاب في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب: 41- 42].
3- قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَآئِماً}، قائماً منصوب على الحال، وصاحب الحال هو النبي صلى الله عليه وسلم المشار إليه ب (تركوك) أيها النبيّ حال كونك قائماً.
4- قوله تعالى: {قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة...} (ما) اسم موصول مبتدأ، و(خير) خبره، والجملة (ما عند الله خير) مقول القول.