فصل: ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام



.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولاً- وجوب الاستئذان عند دخول ببيت الغير.
ثانياً- حرمة الدخول إذا لم يكن في البيت أحد.
ثالثاً- وجوب الرجوع إذا لم يؤذن للداخل.
رابعاً- السلام مشروع للزائر لأنه من شعائر الإسلام.
خامساً- لا يجوز لإنسان أن يطلع على عورات الناس.
سادساً- البيوت إذا لم تكن مسكونة فلا حرج من دخولها.
سابعاً: على المسلم أن يرعى حرمة أخيه المسلم فلا يؤذيه في نفسه أو ماله.
ثامناً- في هذه الآداب التي شرعها الله طهارة للمجتمع والأفراد.

.تفسير الآيات (30- 31):

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}
[6] آيات الحجاب والنظر:

.التحليل اللفظي:

{يَغُضُّواْ}: غضّ بصره بمعنى خفضه ونكّسه قال جرير:
فغضّ الطرف إنك من نمير ** فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا

وأصل الغض: إطباق الجفن على الجفن بحيث تمنع الرؤية، والمراد به في الآية: كف النظر عما لا يحل إليه بخفضه إلى الأرض، أو بصرفه إلى جهة أخرى وعدم النظر بملء العين، قال عنترة:
وأغضُّ طرفي إن بدت لي جارتي ** حتى يواري جارتي مأواها

{وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ}: قال بعض المفسرين: المراد سترها من النظر إليها أي النظر إلى العورات.. وقال آخرون: المراد حفظها من الزنى، والصحيح ما ذكره القرطبي أن الجميع مراد لأن اللفظ عام، فيطلب سترها عن الأبصار، وحفظها من الزنى، قال تعالى: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: 5- 6] وفي الحديث: «إحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قال: الرجل يكون مع الرجل؟ قال: إن استطعت ألاّ يراها فافعل: قلت: فالرجل يكون خالياً؟ فقال: والله أحق أن يستحيا منه».
{أزكى لَهُمْ}: أي أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم، مأخوذ من الزكاة بمعنى الطهارة والنقاء النفسي، قال تعالى: {وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18] وفي الحديث: «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه».
{خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}: الخبرة العلم القوي الذي يصل إلى بواطن الأشياء، ويكشف دخائلها فالله خبير بما يصنعون، عليم علماً تاماً بظواهر الأعمال وبواطنها لا تخفى عليه خافية وهو وعيد شديد لمن يخالف أمر الله أو يعصيه في ارتكاب المحرمات.
{زِينَتَهُنَّ}: الزينة: ما تتزين به المرأة عادة من الثياب والحليّ وغيرها مما يعبر عنه في زماننا بلفظ (التجميل): قال الشاعر:
يأخذ زينتهن أحسن ما ترى ** وإذا عَطِلْنَ فهنّ خير عواطل

قال العلامة القرطبي: الزينة على قسمين: خلقية، ومكتسبة... فالخلقية: وجهُهَا فإنه أصل الزينة وجمال الخِلقة ومعنى الحيوانية لما فيه من المنافع، وأما الزينة المكتسبة: فهي ما تحاول المرأة في تحسين خلقتها كالثياب، والحلي، والكحل، والخضاب، ومنه قوله تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31].
{إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}: قال بعضهم: المراد بقوله: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي ما دعت الحاجة إلى ظهوره كالثياب والخضاب والكحل والخاتم مما لا يمكن إخفاؤه وقيل: بل المراد ما ظهر منها بدون قصد ولا تعمد، وقيل: المراد به الوجه والكفان وسنبين ذلك بالتفصيل عند ذكر الأحكام.
{بِخُمُرِهِنَّ}: قال ابن كثير: الخمُرُ: جمع خمار، وهو ما يخمّر به أي يغطى به الرأس وهي التي تسميها الناس (المقانع) وفي (لسان العرب): الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها وكل مغطى مخمّر ومنه حديث (خمّروا آنيتكم) أي غطوها وخمّرت المرأة رأسها غطته.
ويسمَّى الخمار (النصيف).
قال الشاعر:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ** فتناولته واتقتنا باليد

ويجمع الخمار على (خُمُر) جمع كثرة مثل: كتاب، وكُتُب قال الشاعر:
كرؤوس قطعت فيها الخُمُر

ويجمع على أخمرة جمع قلة أفاده (أبو حيان).
{جُيُوبِهِنَّ}: يعني النحور والصدور، فالمراد بضرب النساء بخمرهن على جيوبهن أن يغطين رؤوسهنَّ وأعناقهنَّ وصدورهن بكل ما فيها من زينة وحلي. والجيوب جمع (جيب) وهو الصدر وأصله الفتحة التي تكون في طوق القميص، قال القرطبي: والجيب هو موضع القطع من الدرع والقميص وهو من (الجَوْب) بمعنى القطع وقد ترجم البخاري رحمه الله (باب جيب القميص من عند الصدر وغيره).
قال الألوسي: وأما إطلاق الجيب على ما يكون في الجنب لوضع الدراهم ونحوها كما هو الشائع بيننا اليوم فليس من كلام العرب كما ذكره (ابن تيمية) ولكنه ليس بخطأ بحسب المعنى، والمراد بالآية كما رواه (ابن أبي حاتم): أمرهن الله بستر نحورهن وصدورهن بخمرهن لئلا يرى منها شيء.
{بُعُولَتِهِنَّ}: قال ابن عباس: لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن.
والبعولة جمع بعل بمعنى الزوج، قال تعالى: {وهذا بَعْلِي شَيْخاً} [هود: 72]. وفي القرطبي: البعل هو الزوج والسيد في كلام العرب، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: «إذا ولدت الأمة بعلها» يعني سيدها إشارة إلى كثرة السراري بكثرة الفتوحات.
{مَلَكَتْ أيمانهن}: يعني الإماء والجواري، وقال بعضهم المراد: العبيد والإماء ذكوراً وإناثاً وروي عن (سعيد بن المسيب) أنه قال: لا تغرنكم هذه الآية: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} إنما عنى بها (الإماء) ولم يعن بها (العبيد) وهو الصحيح.
{الإربة}: الحاجة، والأرَبُ، والإرْبةُ والإربُ ومعناه الحاجة والجمع مآرب قال تعالى: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى} [طه: 18] وقال طرفة:
إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا ** تقدَّم يوماً ثمَّ ضاعت مآربه

والمراد بقوله تعالى: {غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال} أي غير أولي الميل والشهوة أو الحاجة إلى النساء كالبُلْه والحمقى والمغفلين الذين لا يدركون من أمور الجنس شيئاً.
{الطفل}: الصغير الذي لم يبلغ الحلم قال الشاعر:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على ** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطهم

قال الراغب: كلمة طفل تقع على الجمع كما تقع على المفرد كما تقع على المفرد فهي مثل كلمة (ضيف) والدليل أن المراد به الجمع {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ} حيث جاء بواو الجماعة.
{لَمْ يَظْهَرُواْ}: أي لم يطَّلعوا يقال: ظهر على الشيء أي اطَّلع عليه ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} [الكهف: 20] ومعنى الآية أن الأطفال الذين لا يعرفون الشهوة ولا يدركون معاني الجنس لصغرهم لا حرج من إبداء الزينة أمامهم.

.المعنى الإجمالي:

قل يا محمد لأتباعك المؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويكفوها عن النظر إلى الأجنبيات من غير المحارم، ولا ينظروا إلا إلى ما أبيح لهم النظر إليه، وأن يحفظوا فروجهم عن الزنى ويستروا عوراتهم حتى لا يراها أحد، فإن ذلك أطهر لقلوبهم من دنس الريبة، وأنقى لها وأحفظ من الوقوع في الفجور، فالنظرة تزرع في القلب الشهوة، ورب شهوة أورثت حزناً طويلاً، فإن وقع البصر على شيء من المحرمات من غير قصد، فليصرفوا أبصارهم عنه سريعاً ولا يديموا النظر، ولا يرددوه إلى النساء، ولا ينظروا بملء أعينهم فإن الله رقيب عليهم مطلع على أعمالهم، لا تخفى عليه خافية {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِي الصدور} [غافر: 19].
ثم أكد تعالى الأمر للمؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وزادهنّ في التكليف على الرجال بالنهي عن إبداء الزينة إلا للمحارم والأقرباء فإن ذلك أولى بهن وأجمل إلا إذا ظهرت هذه الزينة بدون قصد ولا نية سيئة فلا إثم عليهن فالله غفور رحيم.
وقد كانت المرأة في الجاهلية كما هي اليوم- في الجاهلية الحديثة- تمر بين الرجال مكشوفة الصدر، بادية النحر، حاسرة الذراعين، وربما أظهرت مفاتن جسمها وذوائب شعرها لتغري الرجال، وكنَّ يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى صدورُهنّ مكشوفة عارية فأمرت المؤمنات بأن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها ويدفعن عنهن شر الأشرار، وأمرن بألاّ يضربن بأرجلهن الأرض لئلا يسمع الرجال صوت الخلخال فيطمع الذي في قلبه مرض.
ثم ختم تعالى تلك الأوامر والنواهي بالأمر (للرجال والنساء) جميعاً بالإنابة والرجوع إلى الله لينالوا درجة السعداء، ويكونوا عند الله من الفائزين الأبرار.

.سبب النزول:

أولاً: أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: مر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجاباً به، فبينما الرجل يمشي إلى جانب حائط ينظر إليها إذ استقبله الحائط (صُدم به) فشق أنفه، فقال: والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه أمري؟ فأتاه فقصّ عليه قصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (هذا عقوبة ذنبك) وأنزل الله: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ...} الآية.
ثانياً: وروى ابن كثير رحمه الله، عن مقاتل بن حيان، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: بلغنا- والله أعلم- أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدّث أن أسماء بنت مرثد كانت في نخل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير مؤتزرات فيبدو ما في أرجلهن يعني الخلاخل، ويبدوا صدروهن وذوائبهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا؟ فأنزل الله في ذلك: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...} الآية.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: السر في تقديم غض البصر على حفظ الفروج هو أن النظر بريد الزنى ورائد الفجور وهو مقدمة للوقوع في المخاطر كما قال الحماسي:
وكنتَ إذا أرسلت طرفك رائداً ** لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيتَ الذي لا كلّه أنت قادرٌ ** عليه ولا عن بعضه أنت صابر

ولأنّ البلوى فيه أشد وأكثر، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه وهو الباب الأكبر الذي يوصل إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه ويكثر السقوط من جهته. ولله در شوقي:
نظرة فابتسامة فسلام ** فكلام فموعد فلقاء

وقد قال أحد الأدباء:
وما الحب إلا نظرة إثر نظرةٍ ** تزيد نمواً إن تزده لَجَاجا

اللطيفة الثانية: قوله تعالى: {يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ} المراد غض البصر عما حرم الله، لا غضّ البصر عن كل شيء فحذف ذلك اكتفاء بفهم المخاطبين وهو من باب (الإيجاز بالحذف).
اللطيفة الثالثة: قال العلامة الزمخشري: فإن قلت كيف دخلت (من) التي هي للتبعيض في (غضّ البصر) دون (حفظ الفرج)؟ قلت: لأن أمر النظر أوسع، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن وثُديِّهن، وأما أمر الفرج فمضيّق وكفاك فرقاً أن أبيح النظر إلا ما استثني فيه، وحظر الجماع إلا ما استثني منه.
اللطيفة الرابعة: قوله تعالى: {أزكى لَهُمْ} أفعل التفضيل هنا ليس على بابه وإنما هو (للمبالغة) أي أن غض البصر وحفظ الفرج طهرة للمؤمن من دنس الرذائل أو نقول (المفاضلة) على سبيل الفرض والتقدير.
اللطيفة الخامسة: قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} المراد بالزينة مواقعها من باب (اطلاق اسم الحال على المحل) كقوله تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107] المراد بها الجنة لأنها مكان الرحمة وإذا نهي عن إبداء الزينة فالنهي عن إبداء أماكنها من الجسم يكون من باب أولى.
قال الزمخشري: وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر فإنه ما نهى عن الزينة إلا لملابستها تلك المواقع فكان إبداء المواقع نفسها متمكناً في الحظر ثابت القدم في الحرمة.
اللطيفة السادسة: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} في لفظ الضرب (مبالغة) في الصيانة والتستر وقد عدى اللفظ ب (على) لأنه ضُمِّن معنى الإلقاء ويكون المراد أن تسدل وتلقي بالخمار على صدرها لئلا يبدوا شيء من النحر والصدر.
اللطيفة السابعة: قوله تعالى: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ} قال أبو السعود: مفعول الأمر أمر آخر قد حذف تعويلاً على دلالة جوابه عليه أي قل لهم غضوا يغضوا من أبصارهم وفي هذا التعبير إشارة إلى أن المؤمن يسارع إلى تنفيذ أمر الله فهو لا يحتاج إلا إلى تذكير.
اللطيفة الثامنة: قال بعض العلماء: كما يكون التلذُّذ بالنظر يكون بالسمع أيضاً وقد قيل (والأذن تعشق قبل العين أحياناً) وهذا هو السر في نهي المرأة عن الضرب برجلها على الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال فتتحرك شهوة الرجال.
وقد دل على أن إظهار مواضع الحلي أبلغ وأبلغ في الزجر. وعلى أن كل ما يحرك الشهوة أو يثيرها منهي عنه، كالتعطر، والتطيب، والتبختر في المشية. والتلاين في الكلام {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] وقيل: إذا نهي عن استماع صوت حليهن، فعن استماع صوتهن بالطريق الأولى. وهو استدلال لطيف.
اللطيفة التاسعة: قوله تعالى: {وتوبوا إِلَى الله} هو من باب (الالتفات) وتلوين الخطاب فقد كان الكلام في صدر الآية موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم ثم صرف عن الرسول إلى الجميع بطريق (الالتفات).
اللطيفة العاشرة: قال الإمام (ابن القيم) رحمه الله: في غض البصر فوائد عديدة أحدها: امتثال أمر الله الذي هو غاية السعادة. ثانيها: أنه يمنع وصول أثر السهم لمسموم. ثالثها: أنه يقوي القلب ويفرحه. رابعها: أنه يورث في القلب أنساً في الله واجتماعاً عليه. خامسها: أنه يكسب القلب نوراً. سادسها: أنه يورث الفراسة الصادقة. سابعها: أنه يسد على الشيطان مداخله ثامنها: أنَّ بين العين والقلب منفذاً يوجب انفعال أحدهما بالآخر.
وقد أحسن من قال:
قالوا: جُننتَ بمن تهوى فقلت لهم ** العشقُ أعظم ممَّا بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهرّ صاحبه ** وإنّما يُصرع المجنون في الحين