فصل: ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام



.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولاً: وجوب التوسعة في المجلس للقادم لأنها من مكارم الأخلاق.
ثانياً: التوسعة للمؤمن في المجلس سببٌ لرحمة الله عز وجلّ وطريقٌ لرضوانه.
ثالثاً: الرفعة عند الله والعزة والكرامة إنما تكون بالعلم والإيمان.
رابعاً: وجوب تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم الإثقال عليه في المناجاة.
خامساً: تقديم الصدقة قبل المناجاة مظهر من مظاهر تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم.
سادساً: نسخ الأحكام الشرعية لمصلحة البشر تخفيف من الله تعالى على عباده.
سابعاً: الصلاة والزكاة أعظم أركان الإسلام ولهذا قرن القرآن الكريم بينهما في كثير من الآيات.

.سورة الممتحنة:

.تفسير الآيات (10- 13):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}
سورة الممتحنة:
[1] التزاوج بين المسلمين والمشركين:
{مهاجرات}: أي من دار الكفر، والهجرةُ في اللغة: الخروج من أرضٍ إلى أرض، وفي الشرع: الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان، وفي الحديث: «لا هجرةَ بعد الفتحِ ولكنْ جهادٌ ونيةٌ» المراد بعد فتح مكة، حيث أصبحت دار إسلام كالمدينة وانقطعت الهجرة.
قال الأزهري: وأصل الهجرة عند العرب خروج البدويّ من باديته إلى المدن، وسُمّي المهاجرون ومهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم ابتغاء مرضاة الله، ولحقوا بدارٍ ليس لهم بها أهل ولا مال.
{فامتحنوهن}: الامتحان في اللغة الاختبار، والمراد اختبارهنّ على الإيمان، بما يغلب على الظنّ، أما حقيقة الإيمان فلا يمكن أن تعلم، لأنه لا يطّلع على القلوب إلاّ علاّم الغيوب، فلنا الظاهر والله سبحانه يتولى السرائر، ويدل عليه قوله: {الله أَعْلَمُ بإيمانهن}.
{وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ}: يعني أعطوا أزواجهنَّ الكفار مثل ما دفعوا إليهنّ من المهور.
قال مقاتل: هذا إذا تزوجها مسلم، فإن لم يتزوجها أحد، فليس لزوجها الكافر شيء.
وقال قتادة: الحكم في ردّ الصداق إنما هو في نساء أهل العهد، فأمّا من لا عهد بينه وبين المسلمين فلا يردّ إليه الصداق، قال القرطبي: والأمر كما قاله.
{أُجُورَهُنَّ}: يعني مهورهن، وسمي المهر أجراً لأنه في الظاهر أجر البضع، وأمّا في الحقيقة فهو بذل وعطيّة لإظهار خطر المحل وشرفه، كما تقدّم.
{بِعِصَمِ الكوافر}: جمع عِصْمة، وهي ما يعتصم به من عهد وسبب، وأصل العصمة: الحبل، وكلّ ما أمسك شيئاً فقد عصمه، والمراد بالعِصْمة هنا النكاح، والكوافر: جمع كافرة.
والمعنى: لا تعتدّوا بنكاح زوجاتكم الكافرات فقد انقطعت العلاقة بينكم وبينهنّ.
قال ابن عباس: من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدّن بها، فليست له امرأة، فقد انقطعت عصمتها لاختلاف الدارين.
قال الزجاج: إنها إذا كفرت فقد زالت العصمة بينها وبين المؤمن أي قد انبتَّ عقد النكاح.
{وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ}: أي إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدّة، فاسألوهم ما أنفقتم من المهر على نسائكم اللاحقات بهم.
{وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ}: يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجن منكم، فليسأل أزواجهن المهر.
والمعنى: عليكم أن تغرموا لهم الصّداق كما يغرمون لكم.
{فَاتَكُمْ}: سبقكم وانفلت من أيديكم.
{فَعَاقَبْتُمْ}: قال الزجاج: أي أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم منهم.
{ببهتان}: البهتانُ: الكذب والباطل، والافتراء الذي يُتحيّر من بطلانه، ومنه حديث (فقد بهتّه) أي افتريت عليه ما لم يقله.
والمراد به في الآية: اللقيط.
قال ابن عباس: لا يُلحِقْن بأزواجهنّ غيرَ أولادهم.
وقال الفراء: كانت المرأة في الجاهلية تلتقط المولود فتقول: هذا ولدي منك، فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن.
وهو قول الجمهور.
{مَعْرُوفٍ}: المعروف: ما يستحسنه الشرع، وترتضيه العقول السليمة وهو ضد المنكر.
{لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً}: أي لا تتخذوهم أصدقاء، وأولياء، تودّوهم من دون المؤمنين، والمراد بالقوم اليهود، أو جميع الكفرة.
{يَئِسُواْ مِنَ الآخرة}: أي يئسوا من ثواب الآخرة، واليأس: انقطاع الأمل من الشيء، وهو ضد الرجاء.

.المعنى الإجمالي:

يقول الله تعالى ما معناه: يا أيها المؤمنون إذا جاءكم المؤمنات المهاجرات من دار الكفر إلى دار الإيمان، فراراً بدينهنّ، وحباً في الله ورسوله، فاختبروهنّ على هذا الإيمان، لتعلموا هل هنّ راغبات في الإسلام حقاً؟ أم أنهنّ هاربات من أزواجهن طمعاً في دنيا، أو حباً لرجل، فإذا علمتم- أيها المؤمنون- بالدلائل والأمارات أنهنّ مؤمنات، فلا يحل لكم ردّهن إلى الكفار، لأن الله تعالى لا يبيح مؤمنة لمشرك، وعليكم أن تدفعوا لأزواجهنّ الكفرة ما أنفقوا عليهن من مهر، ولا حرج عليكم أن تتزوجوا بهنّ بصداقٍ جديد، بعد أن تؤدوا لهنّ حقوقهنّ كاملة.
من كانت له امرأة كافرة لم تهاجر مع زوجها، فلا يعتدّ بهذه الزوجة، فقد زالت عصمة النكاح بينهما بسبب الكفر، وانبتّ عقد النكاح، لأن الإسلام لا يبيح الزواج بالمشركة، ومن ارتدت بعد إسلامها ولحقت بدار الكفر، فعاملوها معاملة المشركة، فقد زال النكاح وانفصمت الروابط الزوجية بالردّة، وأصبحت غير صالحة لأن تبقى في عصمة المؤمن، ولكم أن تطالبوهم بما دفعتم من مهور نساءكم اللاحقات بالكفار، كما يطالبونكم بمهور أزواجهم المهاجرات إليكم.
ذلكم هو حكم الله الذي شرعه لكم، فلا تحيدوا عنه ولا تعتدّوا بغيره، لأن الله عليم حكيم، لا يشرع إلاّ ما تقتضيه الحكمة البالغة.
وإن انفلت منكم- أيها المؤمنون- بعض النساء، ولم يدفع لكم المشركون ما تستحقونه من مهورهن، وأصبتموهم في القتال، وغنمتم منهم، فأعطوا الأزواج من رأس الغنيمة ما أنفقوا منالمهر قصاصاً، واتقوا الله الذي صدّقتم به، وآمنتم بتشريعه الحكيم العادل.
وأمّا أنت- يا محمد- فإذا جاءك المؤمنات للبَيْعة، فبايعهنّ على السمع والطاعة، واشرط عليهن ألاّ يشركن بالله شيئاً، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يئدن أولادهم، كما كان يفعل أهل الجاهلية ولا يلحقن بأزواجهنّ لقيطاً من غير أولادهم، ولا يعصينك في طاعة أو معروف، فإذا وافقن على هذه الشروط فبايعهن على ذلك، وعلى سائر أحكام الإسلام، واطلب لهن من الله الرحمة والمغفرة، إذا وفين بالبيعة، فإن الله غفور رحيم، مبالغ في المغفرة والرحمة لمن استقام وتاب وأناب.

.سبب النزول:

أولاً: روي عن ابن عباس أنه قال: إنّ مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، على أنّ من أتاه من أهل مكة ردّه إليهم، ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم، وكتبوا بذلك الكتاب وختموه، فجاءت (سُبَيْعة بنت الحارث الأسلميّة) بعد الفراغ من الكتاب، والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، فأقبل زوجها- وكان كافراً- فقال يا محمد: أردُدْ عليّ امرأتي، فإنك قد شرطت لنا أن تردّ علينا من أتاك منّا، وهذه طينة الكتاب لم تجفّ بعد، فنزلت هذه الآية الكريمة.
أقول: ذكر في هذه الرواية أنها (سبيعة) والمشهور عند المفسّرين أنها (أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط) كما نبّه عليه القرطبي وابن الجوزي وغيرهما.
ثانياً: وروي أنّ ناساً من فقراء المسلمين، كانوا يخبرون اليهود بأخبار المؤمنين، ويواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم وطعامهم فنزلت الآية: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ...} الآية.

.وجوه القراءات:

أولاً: قوله تعالى: {إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مهاجرات} قرأ الجمهور: {مهاجرات} بالنصب على الحال، وقرئ: {مهاجراتٌ} بالرفع على البدل من المؤمنات، فكأنه قيل: إذا جاءكم مهاجراتٌ.
ثانياً: قوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} قرأ الجمهور: {تُمْسكُوا} بضم التاء والتخفيف من الإمساك، وقرأ أبو عمرو ويعقوب: {تُمَسّكوا} بضم التاء والتشديد من التمسيك، وقرأ عكرمة والحسن: {تَمَسّكوا} بفتح التاء والميم والسين المشدّدة.
ثالثاً: قوله تعالى: {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكفار فَعَاقَبْتُمْ} قرأ الجمهور: {فعاقبتم} وقرأ ابن مسعود والنخعي: {فعقبتم} بغير ألف وبالتخفيف وقرأ ابن عباس والأعمش: {فعقّبتُم} بتشديد القاف.
قال الزجّاج: والمعنى في التشديد والتخفيف واحد، أي كانت العقبى لكم بأن غلبتم، وقرأ مجاهد: {فأعقبتم}.

.وجوه الإعراب:

1- قوله تعالى: {إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مهاجرات}. مهاجراتٍ: حال منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم.
2- قوله تعالى: {الله أَعْلَمُ بإيمانهن} لفظ الجلالة مبتدأ، وأفعل التفضيل (أعلم) خبره، والجملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب.
3- قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ} أنْ: في موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر أي منصوب بنزع الخافض، والتقدير: ولا جناح عليكم في أن تنكحوهنّ.
4- قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان}: يفترينه؛ جملة فعلية وفي موضعها وجهان من الإعراب: النصب على الحال من المضمر في (يأتين) والجر على الوصف ل (بهتان).
5- قوله تعالى: {كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} من أصحاب القبور في موضع نصب لأنه يتعلق ب (يئس) وتقديره: يئسوا من بعث أصحاب القبور، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: ما الفائدة في امتحان المهاجرات مع أنهن مؤمنات؟
الجواب: أن الامتحان إنما هو لمعرفة سبب الهجرة، هل كان حبّاً في الله ورسوله، أم كان من أجل الدنيا؟
قال ابن زيد: وإنما أمرنا بامتحانهن، لأنّ المرأة إذا غضبت على زوجها بمكة قالت: لألحقنّ بمحمد.
وقد روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحلف المرأة فيقول: «بالله الذي لا إله إلا هو، ما خرجتِ من بغض زوج! باللَّهِ ما خرجتِ رغبةً عن أرضٍ إلى أرض! بالله ما خرجت التماس دنيا! بالله ما خرجت إلاّ حباً لله ورسوله! فإذا حلفت على ذلك أعطى زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يرُدّها».
اللطيفة الثانية: السرّ في ذكر هذه الجملة الاعتراضية (الله أعلم بإيمانهن) هو بيان أنه يكفي لنا العلم الظاهر، أمّا العلم الحقيقي الذي تطمئن به النفس وهو الإحاطة بجليّة الأمر، ومعرفة حقيقة الإيمان فإنّ ذلك مما استأثر به علاّم الغيوب، فنحن لنا الظاهر، والله يتولّى السرائر فسبحانه من إله عليم، يعلم السرّ وأخفى!!
اللطيفة الثالثة: الحكمة في عدم ردّ المهاجرات هي أن النساء أرقّ قلوباً، وأسرع تقلباً، وأشدّ فتنةً من الرجال، لأنه لا صبر لهنّ على تحمّل البلاء والأذى في سبيل الله، فرحم الله ضعفهنَّ، ومنع من ردّهن إلى الكفرة المشركين.
اللطيفة الرابعة: أمر الله تعالى بردّ المهر على الزوج الكافر إذا أسلمت زوجته، وذلك من الوفاء بالعهد الذي رعاه الإسلام.
قال القرطبي: وذلك لئلا يقع على الزوج خسران من الوجهين: (الزوجة، والمال)، لأنه لمّا مُنع من أهله بحرمة الإسلام، أمر بردّ المال إليه وذلك من الوفاء بالعهد.
اللطيفة الخامسة: قوله تعالى: {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} فيه إشارة إلى أنه لا صلة بين الإيمان والكفر، فإذا أسلمت الزوجة وزوجها كافر حرمت عليه لعدم التجانس بينهما، فهي مؤمنة وهو كافر، وقد قطعت العلاقة بينهما، وهذا يدل على أن رابطة (العقيدة) أقوى من رابطة (النسب) فتدبره.
اللطيفة السادسة: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أخذ البيعة على النساء كانت (هند بنت عتبة) في النساء المبايعات وهي زوجة (أبي سفيان) وكانت مُنْتقبة خوفاً من أن يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم لما صنعته بحمزة يوم أُحد... فلما قرأ قوله تعالى: {وَلاَ يَسْرِقْنَ} قالت هند: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، وإني أصيب من ماله قوتنا، فقال أبو سفيان: هو لك حلال، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها، وقال أنتِ هند؟ فقالت: عفا الله عمَّا سلف، أعف يا نبي الله عفا الله عنك!!
فلما قرأ: {وَلاَ يَزْنِينَ} قالت هند: أوَتزني الحُرّة؟
فلما قرأ: {وَلاَ يَقْتُلْنَ أولادهن} قالت هند: ربّيناهم صغاراً، وقتلتموهم كباراً، فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى... وكان حنظلة ولدها قُتل يوم بدر.
فلما قرأ: {وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} قالت: والله إنّ البهتان لأمر قبيح، ولا تأمرنا إلاّ بالرَّشَدِ ومكارم الأخلاق.
فلما قرأ: {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء؟!
اللطيفة السابعة: قال الفراء: كانت المرأة في الجاهلية تلتقط المولود فتقول لزوجها: هذا ولدي منك، فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهنّ.
وقال الزمخشري: كَنَى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها، عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذباً، لأنّ (بطنها) الذي تحمله فيه بين اليدين، و(فرجها) الذي تلده به بين الرِّجْلينِ، وقيل: كَنَى بذلك عن الولد الدعيّ (غير الشرعي) فَنُهينَ عن ذلك لأنه من شعار الجاهلية، المنافي لشعار المسلمات.