فصل: الأحكام الشرعية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام



.الأحكام الشرعية:

الحكم الأول: هل كان عقد الصلح يشمل الرجال والنساء؟
كان صلح الحديبية الذي تمّ بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، قد نصّ على أنّ من أتى محمداً من قريش ردّه عليهم، ومن جاء قريشاً من عند محمد لم يردّوه عليه، وقد جاءت (أم كلثوم بنت عقبة) بعد أن كُتب عقد الصلح مهاجرةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء أهلها يطلبونها فقالت يا رسول الله: أنا امرأة، وحالُ النساء إلى الضعف ما قد علمت، فتردّني إلى الكفّار يفتنوني عن ديني، ولا صبر لي؟! فقال صلى الله عليه وسلم لأهلها: كان الشرط في الرجال لا في النساء، فأنزل الله هذه الآية فامتحنها صلى الله عليه وسلم ولم يردّها إليهم.
قال القرطبي: وقد اختلف العلماء هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظاً، أو عموماً؟
فقالت طائفة: قد كان شرط ردّهن في عقد المهادنة لفظاً صريحاً، فنسخ الله ردّهن من العقد، ومنع منه، وبقّاه في الرجال على ما كان.
وقالت طائفة: لم يشترط ردّهن في العقد لفظاً، وإنما أُطلق العقد في ردّ من أسلم، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن من الرجال، فبيّن الله تعالى خروجهن عن عمومه، وفرّق بينهنّ وبين الرجال لأمرين:
أحدهما: أنهن ذوات فروج يُحَرّمن عليهم.
الثاني: أنهنّ أرقّ قلوباً، وأسرع تقلباً منهم، فأما المقيمة على شركها فمردوده عليهم.
ثم قال: وأكثر العلماء على أنْ هذا ناسخ لما كان عليه الصلاة والسلام عاهد عليه قريشاً، من أنه يردُ إليهم من جاء منهم مسلماً، فنسخ من ذلك النساء، وهذا مذهب من يرى نسخ السنّة بالقرآن.
أقول: ذكر الإمام الفخر نقلاً عن (الضحّاك) أن العهد كان على غير الصيغة المتقدمة، وأنه كان يشتمل على نص خاص بالنساء صورته كالتالي:
(لا تأتيك منا امرأة ليست على دينك إلاّ رددتها إلينا، فإن دخلت في دينك ولها زوج رددتَ على زوجها ما أنفق عليها، وللنبي صلى الله عليه وسلم من الشرط مثل ذلك).
وعلى هذا الرأي تكون الآية موافقة للعهد، مقرّرة له، وهذا الذي تطمئن إليه النفس وترتاح، وما عداه من الأقوال فيحتاج إلى تمحيض وتدقيق، لأنها تنافي روح التشريع الإسلامي، من جهة أن الوفاء بالعهد واجب على المسلمين، ولا ينبغي لأحد الطرفين أن يستبدّ بتخصيص نصوصه إو إلغائها دون موافقة الطرف الثاني، فما ذهب إليه الضحّاك هو الأولى.
يقول سيد قطب رحمه الله: ويظهر أن النص لم يكن قاطعاً في موضوع النساء، فنزلت هاتان الآيتان تمنعان ردّ المهاجرات المؤمنات إلى الكفار، خشية أن يُفتنّ في دينهن وهنّ ضعاف، ونزلت أحكام هذه الحالة الدولية معها، تنظّم التعامل فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته، دون تأثر بسلوك الفريق الآخر، وما فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته، دون تأثر بسلوك الفريق الآخر، وما فيها من شطط وجور، على طريقة الإسلام في كل معاملاته الداخلية والدولية.
الحكم الثاني: ما هو حكم المشركة إذا خرجت إلينا مسلمة؟
دلّ قوله تعالى: {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} على أن المرأة إذا أسلمت وقعت الفرقة بينها وبين زوجها، فلا تحلّ له، ولا يحلّ لها.
وقد اختلف الفقهاء هل تحصل الفرقة بالإسلام، أم باختلاف الدارين؟ على مذهبين:
أ- مذهب أبي حنيفة: أن الفرقة تقع باختلاف الدارين.
ب- مذهب الجمهور (الشافعية والمالكية والحنابلة): أنّ الفرقة تقع بالإسلام وذلك عند انتهاء عدتها، فإن أسلم الزوج قبل انتهاء عدتها فهي امرأته.
دليل الحنفية:
أ- قوله تعالى: {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار} فلو كانت الزوجية باقية لكان الزوج أولى بها بأن تكون معه حيث أراد.
ب- قوله تعالى: {وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ} قالوا: ولو كانت الزوجية باقية لما استحقَّ الزوج ردّ المهر، لأنه لا يجوز أن يستحق البُضع وبدله.
ج- قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ} ولو كان النكاح الأول باقياً لما جاز لأحدٍ أن يتزوج بها.
د- قوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} لأن معناه عندهم: لا تتمسكوا بعصمة الكافرة، ولا تعتدوا بها، ولا تمنعكم من التزوج بها.
هـ- وقالوا أيضاً: لقد اتفق الفقهاء على جواز وطء (المسبيّة) بعد الاستبراء، وإن كان لها زوج في دار الحرب، ولا سبب يبيح هذا إلاّ اختلافُ الدار، وقد قال صلى الله عليه وسلم في السبايا: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تُستبرأ بحيضه».
أدلة الجمهور:
أ- قالوا: إنّ سبب الفرقة هو الإسلام، لأنها لم تعد صالحة لأن تكون فراشاً لكافر، ولو كان اختلاف الدار هو سبب الفرقة، لوجب أن تحصل الفرقة بمجيء المشركة إلينا ودخولها بعهد أمان ولو لم تسلم، ولم يقل به أحد.
ب- ما روي عن مجاهد أنه قال: «إذا أسلم الكافر وهي في العدّة فهي امرأته، وإن لم يسلم فُرّق بينهما».
ج- ما روي عن ابن عباس أنه قال: ردّ النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على (أبي العاص بن الربيع) بالنكاح الأول، وقد كانت زينب هاجرت إلى المدينة وبقي زوجها بمكة مشركاً، ثمّ ردّها عليه بعد إسلامه.
قال القرطبي: قوله تعالى: {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} أي لم يُحلّ الله مؤمنة لكافر، ولا نكاح مؤمن لمشركة.
وهذا أدلّ دليل على أنّ الذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها إسلامُها لا هجرُتها، فبيّن أن العلة عدم الحلّ بالإسلام، وليس باختلاف الدار.
والخلاصة: فإن الحنفيَّة يقولون: إن أحد الزوجين إذا خرج من دار الحرب مسلماً وبقي الآخر حربياً فقد وقعت الفرقة بينهما، ولا يرون العدّة على المهاجرة، ويبيحون نكاحها من غير عدّة إلاّ أن تكون حاملاً، عملاً بالآية الكريمة: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ} حيث لم تلزمها العدة، وقد بانت من زوجها بمجرد الهجرة.
والجمهور يقولون: لا تقع الفرقة إلاّ بإسلامها، وأمّا بمجرد الخروج فلا، فإن أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها تنجّزت الفرقة وبانت منه لأنه لا عدة عليها، وإن أسلمت بعد الدخول بها توقفت إلى انقضاء العدّة، فإن أسلم قبل انقضاء العدة فهي زوجته، وإلاّ بانت منه.
وحجتهم في ذلك: الأدلة التي سبقت وما روي أنّ (أبا سفيان) أسلم قبل زوجته (هند بنت عتبة) ثمّ أسلمت بعده بأيام فاستقرّا على نكاحهما لأن عدَّتها لم تكن قد انقضت.
وقد بسطنا لك أدلة القريقين بإيجاز، وتتمة البحث بالتفصيل يُرجع إليها في كتب الفقه والله الموفق والهادي.
الحكم الثالث: هل يجوز الزواج بالمشركة الوثنيَّة؟
دلّ قوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} على حرمة النكاح بالكافرة المشركة، لأن معنى الآية: ولا تمسكوا بعصم نسائكم المشركات أي لا تعتدوا بنكاحهنّ فإنه باطل.
كما دلّ قوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] على حرمة نكاح المشركة، وقد اتفق العلماء على أن هذه الآيات خاصة بالمشركات من غير أهل الكتاب، لأن الكتابيات يجوز الزواج بهن لقوله تعالى: {والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ...} [المائدة: 5] الآية.
قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحدٍ من الأوائل أنه حرم نكاح الكتابيات.
أقول: أجمع الفقهاء على حرمة الزواج بالمشركة- وهي التي لا تدين بدينٍ سماوي- وعلى جواز النكاح بالنصرانية أو اليهودية من أهل الكتاب للنصّ السابق، اللهم إلاّ ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا سئل عن زواج الرجل بالنصرانية أو اليهودية قال: حرّم الله المشركات على المؤمنين، وأعرف شيئاً من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة: ربّها عيسى، أو عبدٌ من عباد الله.
وهذا القول: من عبد الله بن عمر محمول على (الكراهة) لا على (التحريم)، لأن النصّ صريح بالحلّ، ولعلَّه خشي الفتنة على الرجل في دينه، أو خشي على الأولاد من التنصُّر فكرهه لذلك والله أعلم.
الحكم الرابع: كيف كانت بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء؟
بايع النبي صلى الله عليه وسلم النّساء بعد أن فتح مكة، وكانت بيعته لهن بالشرائط المذكورة في هذه الآية: {يا أيها النبي إِذَا جَآءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً...}.
وقد صحّ في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح في البيعة امرأة، وإنما بايعهنّ بالكلام، ودلّ ذلك على حرمة مصافحة النساء.
وقد كانت بيعة الرجال أن يضع الرجل يده في يد الرسول صلى الله عليه وسلم ويبايعه على الإسلام والجهاد، والسمع والطاعة، وأما النساء فلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صافح امرأة، ولا وضع يده في يدها، إنما كانت البيعة بالكلام فقط، ويدل عليه ما يلي:
النصوص الشرعية الدَّالة على حرمة المصافحة:
أولاً: روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية، بقول الله تعالى: {يا أيها النبي إِذَا جَآءَكَ المؤمنات...} إلى قوله: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا الشرط من المؤمنات، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد بايعتُكِ كلاماً، والله ما مَسّت يده يد امرأة قطّ في المبايعة، ما يبايعهنّ إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك».
ثانياً: روي الإمام أحمد عن (أميمة بنت رقيقة) قالت: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن: أن لا نشرك بالله شيئاً... الآية وقال: «فيما استطعتُنّ وأطقتُن» قلنا: اللَّهُ ورسولُه أرحم بنا من أنفسنا.
قلنا يا رسول الله: ألا تصافحنا؟ قال: «إني لا أصافح النساء، إنما قول لامرأة واحدة قولي لمائة امرأة».
ثالثاً: وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها بعد أن ذكرت البيعة قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهنّ: «انطلقن فقد بايعتُكنّ»ولا والله ما مَسّت يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن: «قد بايعتكُنّ كلاماً».
قال الحافظ ابن حجر: قوله: قد بايعتكِ كلاماً أي يقول ذلك كلاماً فقط، لا مصافحة باليد، كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة.
أقول: الروايات كلها تشير إلى أن البيعة كانت بالكلام، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صافح النساء في بيعة أو غيرها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يمتنع عن مصافحة النساء مع أنَّه المعصوم فإنما هو تعليم للأمة وإرشاد لها لسلوك طريق الاستقامة، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الطاهر، الفاضل، الشريف، الذي لا يشك إنسان في نزاهته وطهارته، وسلامة قلبه، لا يصافح النساء، ويكتفي بالكلام في مبايعتهنّ، مع أن أمر البَيْعة أمر عظيم الشأن، فكيف يباح لغيره من الرجال مصافحة النساء، مع أن الشهوة فيهم غالبة؟ والفتنة غير مأمونة، والشيطان يجري فيهم مجرى الدم؟!
وكيف يزعم بعض النَّاس أن مصافحة النساء غير محرَّمة في الشريعة الإسلامية؟!
{سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]!
الحكم الخامس: ما المراد من قوله تعالى: {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}؟
اختلف العلماء في المراد من الآية الكريمة على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المراد به النوح على الميّت، قاله ابن عباس، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً.
والثاني: أن المراد: أن لا يدعون ويلاً، ولا يخدشن وجهاً، ولا يقطعن شعراً، ولا يشققن ثوباً، قاله زيد بن أسلم.
والثالث: جميع ما يأمرهن به رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرائع الإسلام وآدابه وهذا هو الأرجح.
قال العلامة القرطبي: والصحيح أنه عام في جميع ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وينهى عنه، فيدخل فيه النّوح، وتخريق الثياب، وجزّ الشعر، والخلوة بغير محرم، إلى غير ذلك، وهذه كلها كبائر، ومن أفعال الجاهلية، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية... وذكر منها النياحة».

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولاً: امتحان المهاجرات المؤمنات للتعرف على سبب الهجرة.
ثانياً: نحن نحكم بالظاهر، والله جلّ وعلا يتولى السرائر.
ثالثاً: حرمة نكاح المشركات اللواتي لا يؤمنّ بالله تعالى.
رابعاً: إسلام المرأة يقطع الصلة بينها وبين زوجها المشرك وتحرم عليه.
خامساً: البيعة للنساء تكون بالشرائط التي ذكرها القرآن الكريم.
سادساً: الطاعة لأولي الأمر تكون في حدود ما شرع الله تبارك وتعالى.
سابعاً: جواز نكاح الكتابيات اللاتي يؤمنّ بكتاب منزل من عند الله.