فصل: سورة السجدة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.سورة السجدة:

وتسمى المضاجع أيضا كما في الإتقان وفي مجمع البيان إنها كما تسمى سورة السجدة تسمى سجدة لقمان لئلا تلتبس بحم السجدة وأطلق القول بمكيتها أخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس إنها نزلت بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن عبدالله بن الزبير مثله.
وجاء في رواية أخرى عن الحبر استثناء أخرج النحاس عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال: نزلت سورة السجدة بمكة سوى ثلاث آيات أفمن كان مؤمنا إلى تمام الآيات الثلاث وروى مثله عن مجاهد والكلبي وأستثنى بعضهم أيضا آيتين أخريين وهما قوله تعالى: {تتجافى جنوبهم} إلخ واستدل عليه ببعض الروايات في سبب النزول وستطلع على ذلك إن شاء الله تعالى واستبعد استثناؤهما لشدة ارتباطهما بما قبلهما.
وهي تسع وعشرون آية في البصري وثلاثون في الباقية.
ووجه مناسبتها لما قبلها اشتمال كل على دلائل الألوهية وفي البحر لما ذكر سبحانه فيما قبل دلائل التوحيد وهو الأصل الأول ثم ذكر جل وعلا المعاد وهو الأصل الثاني وختم جل شأنه به السورة ذكر تعالى في بدء هذه السورة الأصل الثالث وهو النبوة.
وقال الجلال السيوطي في وجه الاتصال بما قبلها: إنها شرح لمفاتح الغيب الخمسة التي ذكرت في خاتمة ما قبل فقوله تعالى: {ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} شرح قوله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة} ولذلك عقب بقوله سبحانه: {عالم الغيب والشهادة} وقوله تعالى: {أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز} شرح قوله سبحانه: {وينزل الغيث} وقوله تبارك وتعالى: {الذي أحسن كل شيء خلقه} الآيات شرح قوله جل جلاله: {ويعلم ما في الأرحام} وقوله عز وجل: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض}، {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} شرح قوله تعالى: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا} وقوله جل وعلا: {أئذا ضللنا في الأرض} إلى قوله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} شرح قوله سبحانه: {وما تدري نفس بأي أرض تموت} ولا يخلو عن نظر.
وجاء في فضلها أخبار كثيرة أخرج أبو عبيد وابن الضريس من مرسل المسيب بن رافع أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «تجيء {الم تنزيل}- وفي رواية: {الم} السجدة- يوم القيامة لها جناحان تظل صاحبها وتقول: لا سبيل عليه لا سبيل عليه».
وأخرج الدارمي والترمذي وابن مردويه عن طاوس قال: الم السجدة وتبارك الذي بيده الملك تفضلان على كل سورة في القرآن بستين حسنة وفي رواية عن ابن عمر تفضلان ستين درجة على غيرهما من سور القرآن.
وأخرج أبو عبيد في فضائله وأحمد وعبد بن حميد والدارمي والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر قال: كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ {ألم تنزيل} السجدة و{تبارك الذي بيده الملك}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «من قرأ: {تبارك الذي بيده الملك}، و{الم تنزيل} السجدة بين المغرب والعشاء الآخرة فكأنما قام ليلة القدر».
وروى نحوه هو والثعلبي والواحدي من حديث أبي بن كعب والثعلبي دونهم من حديث ابن عباس وتعقب ذلك الشيخ ولي الدين قائلا: لم أقف عليه وهذه الروايات كلها موضوعة لكن رأيت في الدر المنثور أن الخرائطي أخرج في مكارم الأخلاق من طريق حاتم بن محمد عن طاوس أنه قال ما على الأرض رجل يقرأ: {الم تنزيل} السجدة، و{تبارك الذي بيده الملك} في ليلة إلا كتب له مثل أجر ليلة القدر قال حاتم: فذكرت ذلك لعطاء فقال: صدق طاوس والله ما تركتهن منذ سمعت بهن إلا أن أكون مريضا ولم أقف على ما قيل في هذا الخبر صحة وضعفا ووضعا وفيه أخبار كثيرة في فضلها غير هذا الله تعالى أعلم بحالها وكان عليه الصلاة والسلام يقرؤها وهل أتى في صلاة فجر الجمعة وهو مشعر بفضلها والحديث في ذلك صحيح لا مقال فيه.
أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة {الم تنزيل} السجدة، و{هل أتى على الإنسان}.
وأخرج أبو داود وهؤلاء إلا البخاري نحوه عن ابن عباس.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{الم (1)}
{الم} إن جعل اسمًا للسورة أو القرآن فمحله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذا الم، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (2):

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
{تَنزِيلُ الكتاب} خبر بعد خبر على أنه مصدر باق على معناه لقصد المبالغة أو بتقدير مضاف أو هو مؤول باسم المفعول أي منزل وإضافته إلى الكتاب من إضافة الصفة إلى الموصوف أو بيانية عنى من، وقوله سبحانه: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} خبر ثالث، وقوله تعالى: {مِن رَّبّ العالمين} خبر رابع، وجوز أن يكون {الم} مبتدأ وما بعده أخبار له أي المسمى بالم الكتاب المنزل لا ريب فيه كائن من رب العالمين، وتعقب بأن ما يجعل عنوانًا للموضوع حقه أن يكون قبل ذلك معلوم الانتساب إليه وإذ لا عهد بالنسبة قبل فحقها الإخبار بها.
وقال أبو البقاء: {الم} يجوز أن يكون مبتدأ و{تَنزِيلَ} عنى منزل خبره و{لاَ رَيْبَ فِيهِ} حال من {الكتاب} والعامل فيها المضاف وهي حال مؤكدة و{مَن رَّبُّ} متعلق بتنزيل، ويجوز أن يكون متعلقًا حذوف هو حال من الضمير المجرور في {فِيهِ} والعامل فيها الظرف {لاَ رَيْبَ} لأنه هنا مبني وفيه ما سمعت، وهذا التعلق يجوز أيضًا على تقدير أن يكون {الم} خبر مبتدأ محذوف وما بعده أخبارًا لذلك المحذوف، وإن جعل {الم} مسرودًا على نمط التعديد فلا محل له من الإعراب، وفي إعراب ما بعد عدة أوجه، قال أبو البقاء: يجوز أن يكون {تَنزِيلَ} مبتدأ و{لاَ رَيْبَ فِيهِ} الخبر و{مَن رَّبُّ} حال كما تقدم، ولا يجوز على هذا أن يتعلق بتنزيل لأن المصدر قد أخبر عنه، ويجوز أن يكون الخبر {مَن رَّبُّ} و{لاَ رَيْبَ} حالًا من {الكتاب} وأن يكون خبرًا بعد خبر انتهى.
ووجه منع التعلق بالمصدر بعدما أخبر عنه أنه عامل ضعيف فلا يتعدى عمله لما بعد الخبر وعن التزام حديث التوسع في الظرف سعة هنا أو أن المتعلق من تمامه والاسم لا يخبر عنه قبل تمامه، وجوز ابن عطية تعلق {مَن رَّبُّ} بريب وفيه أنه بعيد عن المعنى المقصود، وجوز الحوفي كون {تَنزِيلَ} خبر مبتدأ محذوف أي المؤلف من جنس ما ذكر تنزيل الكتاب، وقال أبو حيان: الذي اختاره أن يكون {تَنزِيلَ} مبتدأ {وَلاَ رَيْبَ فِيهِ} اعتراض لا محل له من الإعراب و{مِن رَّبّ العالمين} الخبر وضمير {فِيهِ} راجع لمضمون الجملة أعني كونه منزلًا من رب العالمين لا للتنزيل ولا للكتاب كأنه قيل: لا ريب في ذلك أي في كونه منزلًا من رب العالمين وهذا ما اعتمد عليه الزمخشري وذكر أنه الوجه ويشهد لوجاهته قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (3):

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)}
{أَمْ يَقُولُونَ افتراه} فإن قولهم هذا مفترى إنكار لأن يكون من رب العالمين أي فالأنسب أن يكون نفي الريب عما أنكروه وهو كونه من رب العالمين جل شأنه، وقيل: أي فلابد من أن يكون مورده حكمًا مقصودًا بالإفادة لا قيدًا للحكم بنفي الريب عنه، وفيه بحث، وكذا قوله سبحانه: {بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبّكَ} فإنه تقرير لما قبله فيكون مثله في الشهادة ثم قال في نظم الكلام على ذلك: إنه أسلوب صحيح محكم أثبت سبحانه أولًا أن تنزيله من رب العالمين وأن ذلك مما لا ريب فيه أي لا مدخل للريب في أنه تنزيل الله تعالى وهو أبعد شيء منه لأن نافي الريب ومميطه معه لا ينفك أصلًا عنه وهو كونه معجزًا للبشر، ثم أضرب جل وعلا عن ذلك إلى قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه} لأن {أَمْ} هي المنقطعة الكائنة عنى بل والهمزة إنكارًا لقولهم وتعجيبًا منه لظهور عجز بلغائهم عن مثل أقصر سورة منه فهو إما قول متعنت مكابر أو جاهل عميت منه النواظر، ثم أضرب سبحانه عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك، وفي الكشف أن الزمخشري بين وجاهة كون {تَنزِيلُ الكتاب} مبتدأ و{لاَ رَيْبَ فِيهِ} اعتراضًا و{مِن رَّبّ العالمين} خبرًا بحسن موقع الاعتراض إذ ذاك ثم حسن الإنكار على الزاعم أنه مفترى مع وجود نافي الريب ومميطه ثم إثبات ما هو المقصود وعدم الالتفات إلى شغب هؤلاء المكابرة بعد التلخيص البليغ بقوله تعالى: {بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبّكَ} وما في إيثار لفظ {الحق} وتعريفه تعريف الجنس من الحسن؛ ويقرب عندي من هذا الوجه جعل {تَنزِيلَ} مبتدأ وجملة {لاَ رَيْبَ فِيهِ} في موضع الحال من {الكتاب} و{مَن رَّبُّ} خبرًا فتدبر ولا تغفل، وزعم أبو عبيدة أن {أَمْ} عنى بل الانتقالية وقال: إن هذا خروج من حديث إلى حديث وليس بشيء.
والظاهر أن {مِن رَبّكَ} في موضع الحال أي كائنًا من ربك، وقيل: يجوز جعله خبرًا ثانيًا وإضافة الرب إلى العالمين أولًا ثم إلى ضمير سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ثانيًا بعدما فيه من حسن التخلص إلى إثبات النبوة وتعظيم شأنه علا شأنه فيه أنه عليه الصلاة والسلام العبد الجامع الذي جمع فيه ما فرق في العالم بالأسر، ووروده على أسلوب الترقي دل على أن جمعيته صلى الله عليه وسلم أتم مما لكل العالم وحق له ذلك صلوات الله تعالى وسلامه عليه {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ} بيان للمقصود من تنزيله فقيل لهو متعلق بتنزيل، وقيل: حذوف أي أنزله لتنذر إلخ، وقيل: بما تعلق به {مِن رَبّكَ} {وقوما} مفعول أول لتنذر والمفعول الثاني محذوف أي العقاب و{فِى مَا} نافية كما هو الظاهر و{مِنْ} الأولى صلة {وَنَذِيرٌ} فاعل {ءاتاهم} ويطلق على الرسول وهو المشهور وعلى ما يعمه والعالم الذي ينذر عنه عز وجل قيل: وهو المراد هنا كما في قوله تعالى: {وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24].
وجوز أن يكون النذير هاهنا مصدرًا عنى الإنذار و{مِن قَبْلِكَ} أي من قبل إنذارك أو من قبل زمانك متعلق بأتى والجملة في موضع الصفة لقوما، والمراد بهم قريش على ما ذهب إليه غير واحد، قال في الكشف: الظاهر أنه لم يبعث إليهم رسول منهم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ملزمين بشرائع الرسل من قبل وإن كانوا مقصرين في البحث عنها لاسيما دين إبراهيم. وإسماعيل عليهما السلام إن قلنا: إن دعوتي موسى. وعيسى عليهما السلام لم تعما وهو الأظهر، وقد تقدم لك القول بانقطاع حكم نبوة كل نبي ما عدا نبينا صلى الله عليه وسلم بعد موته فلا يكلف أحد مطلقًا يجيء بعده باتباعه والقول بالانقطاع إلا بالنسبة لمن كان من ذريته، والظاهر أن قريشًا كانوا ملزمين لة إبراهيم. وإسماعيل عليهما السلام وإنهم لم يزالوا على ذلك إلى أن فشت في العرب عبادة الأصنام التي أحدثها فيهم عمرو الخزاعي لعنه الله تعالى فلم يبق منهم على الملة الحنيفية إلا قليل بل أقل من القليل فهم داخلون في عموم قوله تعالى: {وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] فإنه عام للرسول وللعالم الذي ينذر كذا قيل. واستشكل مع ما هنا، وأجيب بأن المراد هنا ما أتاهم نذير منهم من قبلك وإليه يشير كلام الكشف وهناك {إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} منها أو من غيرها أو يحمل النذير فيه على الرسول، وفي تلك الآية على الأعم قال أبو حيان: في تفسير سورة الملائكة إن الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة إما باشرة من أنبيائهم وإما بنقل إلى وقت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشًا ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم وآباءهم الأقربين وإما أن النذارة انقطعت فلا. نعم لما شرعت آثارها تندرس بعث محمد صلى الله عليه وسلم. وما ذكره أهل علم الكلام من حال أهل الفترات فإن ذلك على حسب الفرض لا أنه واقع فلا توجد أمة على وجه الأرض إلا وقد علمت الدعوة إلى الله عز وجل وعبادته انتهى.
وفي القلب منه شيء، ومقتضاه أن المنفي هاهنا إتيان نذير مباشر أي نبي من الأنبياء عليهم السلام قريشًا الذين كانوا في عصره عليه الصلاة والسلام قبله صلى الله عليه وسلم وأنه كان فيهم من ينذرهم ويدعوهم إلى عبادة الله تعالى وحده بالنقل أي عن نبي كان يدعو إلى ذلك، والأول: مما لا ينبغي أن يختلف فيه اثنان بل لا ينبغي أن يتوقف فيه إنسان، والثاني: مظنون التحقق في زيد بن عمرو بن نفيل العدوي والد سعيد أحد العشرة فإنه عاصر النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع وآمن به قبل بعثته عليه الصلاة والسلام ولم يدركها إذ قد مات وقريش تبني الكعبة وكان ذلك قبل البعثة بخمس سنين، وكان على ملة إبراهيم.
وإسماعيل عليهما السلام، فقد صح عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والذي نفسي بيده ما أصبح أحد منكم على دين إبراهيم غيري، وفي بعض طرق الخبر عنه أيضًا بزيادة، وكان يقول: اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم ثم يسجد على راحلته، وذكر موسى بن عقبة في «المغازي» سمعت من أرضي يحدث أن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبحهم لغير الله تعالى وصح أنه لم يأكل من ذبائح المشركين التي أهل بها لغير الله، وأخرج الطيالسي في مسنده عن ابنه سعيد أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن أبي كان كما رأيت وكما بلغك أفاستغفر له: قال، نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده» ولا يبعد ممن كان هذا شأنه الإنذار والدعوة إلى عبادة الله تعالى بل من أنصف يرى تضمن كلامه الذي حكته أسماء وإنكاره على قريش الذبح لغير الله تعالى الذي ذكره الطيالسي الدعوة إلى دين إبراهيم عليه السلام وعبادة الله سبحانه وحده، وكذا تضمن كلامه النقل أيضًا، ويعلم مما نقلناه أن الرجل رضي الله تعالى عنه لم يكن نبيًا وهو ظاهر، وزعم بعضهم أنه كان نبيًا، واستدل على ذلك بأنه كان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول: هلموا إلي فإنه لم يبق على دين الخليل غيري؛ وصحة ذلك ممنوعة، وعلى فرض التسليم لا دليل فيه على المقصود كما لا يخفى على من له أدنى ذوق، ومثل زيد رضي الله تعالى عنه قس بن ساعدة الأيادي فإنه رضي الله تعالى عنه كان مؤمنًا بالله عز وجل داعيًا إلى عبادته سبحانه وحده وعاصر النبي صلى الله عليه وسلم ومات قبل البعثة على الملة الحنيفية وكان من المعمرين، ذكر السجستاني أنه عاش ثلاثمائة وثمانين سنة، وقال المرزباني: ذكر كثير من أهل العلم أنه عاش ستمائة سنة وذكروا في شأنه أخبارًا كثيرة لكن قال الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة قد أفرد بعض الرواة طريق قس وفيه شعره وخطبته وهو في الطوالات للطبراني وغيرها وطرقه كلها ضعيفة وعد منها ما عد فليراجع، ثم إن الإشكال إنما يتوهم لو أريد بقريش جميع أولاد قصي أو فهر أو النضر أو الياس أو مضر أما إذا أريد من كان منهم حين بعث صلى الله عليه وسلم فلا كما لا يخفى على المتأمل فتأمل، وقيل: المراد بهم العرب قريش وغيرهم ولم يأت المعاصرين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نذير من الأنبياء عليهم السلام غيره صلى الله عليه وسلم وكان فيهم من ينذر ويدعو إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وحده وليس بنبي على ما سمعت آنفًا، وأما العرب غير المعاصرين فلم يأتهم من عهد إسماعيل عليه السلام نبي منهم بل لم يرسل إليهم نبي مطلقًا، وموسى.
وعيسى. وغيرهما من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام لم يبعثوا إليهم على الأظهر، وخالد بن سنان العبسي عند الأكثرين ليس بنبي، وخبر ورود بنت له عجوز على النبي صلى الله عليه وسلم وقوله صلى الله عليه وسلم لها: مرحبًا بابنة نبي ضيعه قومه ونحوه من الإخبار مما للحفاظ فيه مقال لا يصلح معه للاستدلال، وفي شروح الشفاء والإصابة للحافظ ابن حجر بعض الكلام في ذلك، وقيل: المراد بهم أهل الفترة من العرب وغيرهم حتى أهل الكتاب، والمعنى ما أتاهم نذير من قبلك بعد الضلال الذي حدث فيهم.
هذا وكأني بك تحمل النذير هنا على الرسول الذي ينذر عن الله عز وجل وكذا في قوله تعالى: {وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] ليوافق قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعبدوا الله} [النحل: 36] وأظن أنك تجعل التنوين في أمة للتعظيم أي وإن من أمة جليلة معتنى بأمرها إلا خلا فيها نذير ولقد بعثنا في كل أمة جليلة معتنى بأمرها رسولًا أو تعتبر العرب أمة وبني إسرائيل أمة ونحو ذلك أمة دون أهل عصر واحد وتحمل من لم يأتهم نذير على جماعة من أمة لم يأتهم بخصوصهم نذير، ومما يستأنس به في ذلك أنه حين ينفي إتيان النذير ينفي عن قوم ونحوه لا عن أمة فليتأمل، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام، وجوز كون {مَا} موصولة وقعت مفعولًا ثانيًا لتنذر و{مّن نَّذِيرٍ} عليه متعلق بأتاهم أي لتنذر قومًا العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك أي على لسان نذير من قبلك واختاره أبو حيان، وعليه لا مجال لتوهم الأشكال لكن لا يخفي أنه خلاف المتبادر الذي عليه أكثر المفسرين، والاقتصار على الإنذار في بيان الحكمة لأنه الذي يقتضيه قولهم: {افتراه} دون التبشير {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي لأجل أن يهتدوا بإنذارك إياهم أو راجيًا لاهتدائهم، وجعل الترجي مستعارًا للإرادة منسوبًا إليه عز وجل نزغة اعتزالية: