فصل: تفسير الآية رقم (12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (12):

{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)}
{وَإِذْ يَقُولُ المنافقون} عطف على {إِذْ زَاغَتِ} وصيغة المضارع لما مر من الدلالة على استمرار القول واستحضار صورته.
{والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ظاهر العطف أنهم قوم لم يكونوا منافقين فقيل: هم قوم كان المنافقون يستميلونهم بإدخال الشبهة عليهم، وقيل: قوم كانوا ضعفاء الاعتقاد لقرب عهدهم بالإسلام. وجوز أن يكون المراد بهم المنافقين أنفسهم والعطف لتغاير الوصف كقوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام

{مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} من الظفر وإعلاء الدين {إِلاَّ غُرُورًا} أي وعد غرور، وقيل: أي قولًا باطلًا وفي البحر أي أمرًا يغرنا ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به روي أن الصحابة بينما يحفرون الخندق عرضت لهم صخرة بيضاء مدورة شديدة جدًا لا تدخل فيها المعاول فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول من سلمان رضي الله تعالى عنه فضربها ضربة دعها وبرقت منها برقة أضاء منها ما بين لابتي المدينة حتى لكأن مصباحًا في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون ثم ضربها الثانية فصدعها وبرقت منها برقة أضاء منها ما بين لابتيها فكبر عليه الصلاة والسلام وكبر المسلمون ثم ضربها الثالثة فكسرها وبرقت برقة أضاء منها ما بين لابتيها فكبر صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون فسئل عن ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها وأضاء لي الثانية قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا بالنصر فاستبشر المسلمون وقال رجل من الأنصار يدعى معتب بن قشير وكان منافقًا: أيعدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتح لنا مدائن اليمن وبيض المدائن وقصور الروم وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل هذا والله الغرور فأنزل الله تعالى في هذا {وَإِذْ يَقُولُ المنافقون} إلخ.
وفي رواية قال المنافقون حين سمعوا ذلك ألا تعجبون يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا فأنزل الله تعالى قوله سبحانه: {وَإِذْ يَقُولُ المنافقون} ووجه الجمع على القول بأن القائل واحد أن الباقين راضون بذلك قابلوه منه، والظاهر أن نسبة الوعد إلى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة من المنافقين الذين لا يعتقدون اتصافه صلى الله عليه وسلم بالرسالة ولا أن الوعد وعد الله تعالى شأنه كانت من باب المماشاة أو الاستهزاء وإن كانت قد وقعت من غيرهم فهي بالتبعية لهم.
ويجوز أن يكون وقوع ما ذكر في الحكاية لا في كلامهم ويستأنس له بما وقع في بعض الآثار وبعضهم بحث عن إطلاق الرسول عليه صلى الله عليه وسلم فقال إنه في الحكاية لا في كلامهم كما يشهد بذلك ما روي عن معتب أو هو تقية لا استهزاء لأنه لا يصح بالنسبة لغير المنافقين فتأمل ولا تغفل.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)}
{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ} قال السدي: هم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه، وقال مقاتل: هم بنو سلمة، وقال أوس بن رومان. هم أوس بن قيظي وأصحابه بنو حارثة وضمير {مِنْهُمْ} للمنافقين أو للجميع {مّنْهُمْ ياأهل. يَثْرِبَ} هو اسم المدينة المنورة، وقال أبو عبيدة اسم بقعة وقعت المدينة في ناحية منها، وقيل: اسم أرضها وهو عليها ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل أو التأنيث ولا ينبغي تسمية المدينة بذلك أخرج أحمد. وابن أبي حاتم، وابن مردويه. عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله تعالى هي طابة هي طابة هي طابة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن رسول الله عليه الصلاة والسلام لا تدعونها يثرب فإنها طيبة يعني المدينة ومن قال يثرب فليستغفر الله تعالى ثلاث مرات هي طيبة هي طيبة هي طيبة، وفي «الحواشي الخفاجية» أن تسميتها به مكروها كراهة تنزيهه، وذكر في وجه ذلك أن هذا الاسم يشعر بالتثريب وهو اللوم والتعيير.
وقال الراغب: التثريب التقريع بالذنب والثرب شحمة رقيقة، ويثرب يصح أن يكون أصله من هذا الباب والياء تكون فيه زائدة انتهى، وقيل: يثرب اسم رجل من العمالقة وبه سميت المدينة وكان يقال لها أثرب أيضًا، ونقل الطبرسي عن الشريف المرتضى أن للمدينة أسماء منها يثرب وطيبة وطابة والدار والسكينة وجائزة والمحبورة والمحبة والمحبوبة والعذاء والمرحومة والقاصمة ويندد انتهى، وكأن القائلين اختاروا يثرب من بين الأسماء مخالفة له صلى الله عليه وسلم لما علموا من كراهيته عليه الصلاة والسلام لهذا الاسم من بينها، ونداؤهم أهل المدينة بعنوان أهليتهم لها ترشيح لما بعد من الأمر بالرجوع إليها {لاَ مُقَامَ لَكُمْ} أي لا مكان إقامة أو لا إقامة لكم أي لا ينبغي أو لا يمكن لكم الإقامة هاهنا.
وقرأ أبو جعفر. وشيبة. وأبو رجاء. والحسن. وقتادة. والنخعي. وعبد الله بن مسلم. وطلحة. وأكثر السبعة {لاَ مُقَامَ} بفتح الميم وهو يحتمل أيضًا المكان أي لا مكان قيام والمصدر أي لا قيام لكم، والمعنى على نحو ما تقدم {فارجعوا} أي إلى منازلكم بالمدينة ليكون ذلك أسلم لكم من القتل أو ليكون لكم عند هذه الأحزاب يد، قيل: ومرادهم أمرهم بالفرار على ما يشعر به ما بعد لكنهم عبروا عنه بالرجوع ترويجًا لمقالتهم وأيذانًا بأنه ليس من قبيل الفرار المذموم، وقيل: المعنى لا مقام لكم في دين محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا إلى ما كنتم عليه من الشرك أو فارجعوا عما بايعتموه عليه وأسلموه إلى أعدائه عليه الصلاة والسلام، أو لا مقام لكم بعد اليوم في يثرب أو نواحيها لغلبة الأعداء فارجعوا كفارًا ليتسنى لكم المقام فيها لارتفاع العداوة حينئذٍ.
وقيل: يجوز أن يكونوا خافوا من قتل النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بعد غلبته عليه الصلاة والسلام حيث ظهر أنهم منافقون فقالوا: {لاَ مُقَامَ لَكُمْ} على معنى لا مقام لكم مع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إن غلب قتلكم فارجعوا عما بايعتموه عليه وأسلموه عليه الصلاة والسلام أن فارجعوا عن الإسلام واتفقوا مع الأحزاب أو ليس لكم محل إقامة في الدنيا أصلًا إن بقيتم على ما أنتم عليه فارجعوا عما بايعتموه عليه عليه الصلاة والسلام إلى آخره، والأول أظهر وأنسب بما بعده، وبعض هذه الأوجه بعيد جدًا كما لا يخفى.
{وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ النبى} عطف على {قَالَتْ} وصيغة المضارع لما مر من استحضار الصورة، والمستأذن على ما روي عن ابن عباس. وجابر بن عبد الله بنو حارثة بن الحرث، قيل: أرسلوا أوس بن قيظى أحدهم للاستئذان، وقال السدي: جاء هو ورجل آخر منهم يدعى أبا عرابة بن أوس، وقيل: المستأذن بنو حارثة. وبنو سلمة استأذنوه عليه الصلاة والسلام في الرجوع ممتثلين بأمر أولئك القائلين يا أهل يثرب.
وقوله تعالى: {يَقُولُونَ} بدل من {يستأذن} أو حال من فاعله أو استئناف مبني على السؤال عن كيفية الاستئذان {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي ذليلة الحيطان يخاف عليها السراق كما نقل عن السدي، وقال الراغب: أي متخرقة ممكنة لمن أرادها، وقال الكلبي: أي خالية من الرجال ضائعة، وقال قتادة: قاصية يخشى عليها العدو؛ وأصلها على ما قيل مصدر عنى الخلل ووصف بها مبالغة وتكون صفة للمؤنث والمذكر والمفرد وغيره كما هو شأن المصدر، وجوز أن تكون صفة مشبهة على أنها مخفف عورة بكسر الواو كما قرأ بذلك هنا وفيما بعد ابن عباس. وأبو يعمر. وقتادة. وأبو رجاء. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة. وأبو طالوت. وابن مقسم. وإسماعيل بن سليمان عن ابن كثير من عورت الدار إذا اختلت، قال ابن جني: صحة الواو على هذا شاذة والقياس قلبها ألفًا فيقال عارة كما يقال كبش صاف ونعجة صافة ويوم راح ورجل مال والأصل صوف وصوفة وروح ومول. وتعقب بأن القياس إنما يقتضي القلب إذا وقع القلب في الفعل وعور هنا قد صحت عينه حملًا على أعور المشدد، ورجح كونها مصدرًا وصف به للمبالغة بأنه الأنسب قام الاعتذار كما يفصح عنه تصدير مقالتهم بحرف التحقيق، لكن ينبغي أن يقال في قوله تعالى: {وَمَا هي بِعَوْرَةٍ} إذا أجرى فيه هذا اللفظ كما أجرى فيما قبله أن المراد المبالغة في النفي على نحو ما قيل قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] والواو فيه للحال أي يقولون ذلك والحال أنها ليست كذلك {إِن يُرِيدُونَ} أي ما يريدون بالاستئذان {إِلاَّ فِرَارًا} أي هربًا من القتال ونصرة المؤمنين قاله جماعة، وقيل: فرارًا من الدين.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)}
{وَلَوْ دُخِلَتْ} أي البيوت كما هو الظاهر {عَلَيْهِمْ} أي على هؤلاء القائلين، وأسند الدخول إلى بيوتهم وأوقع عليهم لما أن المراد فرض دخولها وهم فيها لا فرض دخولها مطلقًا كما هو المفهوم لو لم يذكر الجار والمجرور ولا فرض الدخول عليهم مطلقًا كما هو المفهوم لو أسند إلى الجار والمجرور وفاعل الدخول الداخل من أهل الفساد من كان أي لو دخل كل من أراد الدخول من أهل الدعاءة والفساد بيوتهم وهم فيها {مّنْ أَقْطَارِهَا} جمع قطر عنى الناحية والجانب ويقال قتر بالتاء لغة فيه أي من جميع جوانبها وذلك بأن تكون مختلة بالكلية وهذا داخل في المفروض فلا يخالف قوله تعالى: {وَمَا هي بِعَوْرَةٍ} [الأحزاب: 13] {ثُمَّ سُئِلُواْ} أي طلب منهم من جهة طائفة أخرى عند تلك النازلة والرجفة الهائلة {الْفتنْنَةَ} أي القتال كما قال الضحاك {الفتنة لاَتَوْهَا} أي لأعطوها أولئك السائلين كأنه شبه الفتنة المطلوب اتباعهم فيها بأمر نفيس يطلب منهم بذله ونزل إطاعتهم واتباعهم نزلة بذلك ما سئلوه وإعطائه. وقرأ نافع. وابن كثير {لاَتَوْهَا} بالقصر أي لفعلوها {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا} أي بالفتنة، والباء للتعدية أي ما لبثوها وما أخروها {إِلاَّ يَسِيرًا} أي إلا تلبثًا يسير أو إلا زمانًا يسير وهو مقدار ما يأخذون فيه سلاحهم على ماقيل، وقيل: مقدار ما يجيبون السؤال فيه، وكلاهما عندي من باب التمثيل، والمراد أنهم لو سألهم غيرك القتال وهم في أشد حال وأعظم بلبال لأسرعوا جدًا فضلًا عن التعلل باختلال البيوت مع سلامتها كما فعلوا الآن. والحاصل أن طلبهم الإذن في الرجوع ليس لاختلال بيوتهم بل لنفاقهم وكراهتهم نصرتك، وقال ابن عظية: المعنى ولو دخلت المدينة من أقطارها واشتد الحرب الحقيقي ثم سئلوا الفتنة والحرب لمحمد صلى الله عليه وسلم لطاروا إليها ولم يتلبثوا في بيوتهم لحفظها إلا يسيرًا قيل قدر ما يأخذون سلاحهم انتهى، فضمير {دَخَلَتْ} عنده عائد على المدينة وباء {بِهَا} للظرفية كما هو ظاهر كلامه، وجوز أن تكون سببية والمعنى على تقدير مضاف أي ولم يتلبثوا بسبب حفظها. وقيل: يجوز أن تكون للملابسة أيضًا، والضمير على كل تقدير للبيوت وفيه تفكيك الضمائر.
وعن الحسن. ومجاهد. وقتادة {الفتنة} الشرك. وفي معناه ما قيل: هي الردة والرجوع إلى إظهار الكفر، وجعل بعضهم ضميري {دَخَلَتْ} للمدينة وزعم أن المعنى ولو دخلت المدينة عليهم من جميع جوانبها ثم سئلوا الرجوع إلى إظهار الكفر والشرك لفعلوا وما لبثوا بالمدينة بعد إظهار كفرهم إلا يسيرًا فإن الله تعالى يهلكهم أو يخرجهم بالمؤمنين، وقيل: ضمير {كُلَّمَا دَخَلَتْ} للبيوت أو للمدينة وضمير {بِهَا} للفتنة عنى الشرك والباء للتعدية، والمعنى ولو دخلت عليهم ثم سئلوا الشرك لأشركوا وما أخروه إلا يسيرًا، وقريب منه قول قتادة أي لو دخلت عليهم ثم سئلوا الشرك لأعطوه طيبة به أنفسهم وما تحبسوا به إلا يسيرًا، وجوز أن تكون الباء لغير ذلك، وقيل: فاعل الدخول أولئك العساكر المتحزبة، والوجوه المحتملة في الآية كثيرة كما لا يخفى على من له أدنى تأمل، وما ذكرناه أولًا هو الأظهر فيما أرى.
وقرأ الحسن {سولوا} بواو ساكنة بعد السين المضمومة قالوا: وهي من سال يسال كخاف يخاف لغة في سأل المهموز العني، وحكى أبو زيد هما يتساولان، وقال أبو حيان: ويجوز أن يكون أصلها الهمزة لأنه يجوز أن يكون سولوا على قول من يقول في ضرب مبنيًا للمفعول ضرب ثم سهل الهمزة بإبدالها واوًا على قول من قال في بؤس بوس بإبدال الهمزة واوًا لضم ما قبلها. وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو. والأعمش {سيلوا} بكسر السين من غير همزة نحو قيل: وقرأ مجاهد {سيلوا} بواو ساكنة بعد السين المضمومة وياء مكسورة بدلًا من الهمزة.