فصل: تفسير الآية رقم (20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (20):

{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)}
{يَحْسَبُونَ الاحزاب لَمْ يَذْهَبُواْ} أي هم من الجزع والدهشة لمزيد جبنهم وخوفهم بحيث هزم الله تعالى الأحزاب فرحلوا وهم يظنون أنه لم يرحلوا، وقيل: المراد هؤلاء لجبنهم يحسبون الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا فانصرفوا عن الخندق راجعين إلى المدينة لذلك، وهذا إن صحت فيه رواية فذاك وإلا فالظاهر أنه مأخوذ من قوله تعالى: {والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18] لدلالته ظاهرًا على أنهم خارجون عن معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثون إخوانهم على اللحاق بهم، وكون المراد هلموا إلى رأينا أو إلى مكاننا الذي هو في طرف لا يصل إليه السهم خلاف الظاهر، وكذا من قوله سبحانه: {وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ} على ما هو الظاهر أيضًا إذ يبعد حمله على اتحاد المكان ولو في الخندق {وَإِن يَأْتِ الاحزاب} كرة ثانية {يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الاعراب} تمنوا أنهم خارجون إلى البد وحاصلون مع الأعراب وهم أهل العمود، وقرأ عبد الله. وابن عباس. وابن يعمر. وطلحة {بدي} جمع باد كغاز وغزى وليس بقياس في معتل اللام وقيام فعلة كقاض وقضاة؛ وفي رواية أخرى عن ابن عباس {بدوا} فعلًا ماضيًا، وفي رواية صاحب الإقليد {بدي} بوزن عدي {وَهُمْ يُسْئَلُونَ} أي كل قادم من جانب المدينة {عَنْ أَنبَائِكُمْ} عما جرى عليكم من الأحزاب يتعرفون أحوالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة فرقًا وجبنًا، واختيار البداوة ليكونوا سالمين من القتال، والجملة في موضع الحال من فاعل بادون، وحكى ابن عطية أن أبا عمرو. وعاصمًا. والأعمش {قرؤا} يسلون بغير همز نحو قوله تعالى: {الامور سَلْ بَنِى إسراءيل} [البقرة: 211] ولم يعرف ذلك عن أبي عمرو وعاصم، ولعل ذلك في شاذهما ونقلها صاحب اللوامح عن الحسن. والأعمش، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما. وقتادة. والجحدري. والحسن. ويعقوب بخلاف عنهما {يساءلون} بتشديد السين والمد وأصله يتساءلون فأدغمت التاء في السين أي يسأل بعضهم بعضًا أي قول بعضهم لبعض: ماذا سمعت وماذا بغلك؟ أو يتساءلون الإعراب أي يسألونهم كما تقول: رأيت الهلال وتراءيته وأبصرت زيدًا وتباصرته {أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ} أي في هذه الكرة المفروضة بقوله تعالى: {وَإِن يَأْتِ الاحزاب أَوْ لَّوْ كَانُواْ فيكُمْ} في الكرة الأولى السابقة ولم يرجعوا إلى داخل المدينة وكانت محاربة بالسيوف ومبارزة الصفوف {مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلًا} رياء وسمعة وخوفًا من التعبير قال مقاتل والجياني والبعلبكي: هو قليل من حيث هو رياء ولو كان الله تعالى كان كثيرًا.

.تفسير الآية رقم (21):

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الظاهر أن الخطاب للمؤمنين الخلص المخاطبين من قبل في قوله تعالى: {عَنْ أَنبَائِكُمْ} وقوله سبحانه: {وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ}.
والأسوة بكسر الهمزة كما قرأ الجمهور وبضمها كما قرأ عاصم الخصلة، وقال الراغب: الحالة التي يكون عليها الإنسان وهي اسم كان و{لَكُمْ} الخبر و{فِى رَسُولِ الله} متعلق بما تعلق به {لَكُمْ} أو في موضع من {أُسْوَةٌ} لأنه لو تأخر جاز أن يكون نعتًا لها أو متعلق بكان على مذهب من أجاز فيها ناقصة وفي أخواتها أن تعمل في الظرف، وجوز أن يكون في رسول الله الخبر ولكن تبيين أي أعني لكم أي والله لقد كان لكم في رسول الله خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد؛ ويجوز أن يراد بالأسوة القدوة عنى المقتدى على معنى هو صلى الله عليه وسلم في نفسه قدوة يحسن التأسي به، وفي الكلام صنعة التجريد وهو أن ينتزع من ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في الاتصاف نحو لقيت منه أسدًا وهو كما يكون عنى من يكون عنى في كقوله:
أراقت بنو مروان ظلمًا دماءنا ** وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل

وكقوله: في البيضة عشرون منا حديد أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد، والآية وإن سيقت للاقتداء به عليه الصلاة والسلام في أمر الحرب من الثبات ونحوه فهي عامة في كل أفعاله صلى الله عليه وسلم إذا لم يعلم أنها من خصوصياته كنكاح ما فوق أربع نسوة؛ أخرج ابن ماجه. وابن أبي حاتم عن حفص بن عاصم قال: قلت لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما رأيتك في السفر لا تصلي قبل الصلاة ولا بعدها فقال يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فلم أره يصلي قبل الصلاة ولا بعدها ويقول الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة قال: هم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن ينهى عن الحبرة فقال رجل: أليس قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها؟ قال عمر: بلى قال الرجل: ألم يقل الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فترك ذلك عمر رضي الله تعالى عنه.
وأخرج الشيخان. والنسائي. وابن ماجه. وغيرهم عن ابن عمر أنه سئل عن رجل معتمر طاف بالبيت أيقع على امرأته قبل أن يطوف بين الصفا والمروة فقال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين وسعى بين الصفا والمروة ثم قرأ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
وأخرج الشيخان. وغيرهما عن ابن عباس قال: إذا حرم الرجل عليه امرأته فهو يمين يكفرها، وقال: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إلى غير ذلك من الاخبار، وتمام الكلام في كتب الأصول.
{لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الاخر} أي يؤمل الله تعالى وثوابه كما يرمز إليه أثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وعليه يكون قد وضع {اليوم الاخر} عنى يوم القيامة موضع الثواب لأن ثوابه تعالى يقع فيه فهو على ما قال الطيبي من إطلاق اسم المحل على الحال، والكلام نحو قولك: أرجو زيدًا وكرمه مما يكون ذكر المعطوف عليه فيه توطئة للمعطوف وهو المقصود وفيه من الحسن والبلاغة ما ليس في قولك: أرجو زيدًا كرمه على البدلية: وقال «صاحب الفرائد»، يمكن أن يكون التقدير يرجو رحمة الله أو رضا الله وثواب اليوم الآخر ففي الكلام مضا فإن مقدران، وعن مقاتل أي يخشى الله تعالى ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال على أنه وضع اليوم الآخر موضع البعث لأنه يكون فيه، والرجاء عليه عنى الخوف، ومتعلق الرجاء بأي معنى كان أمر من جنس المعاني لأنه لا يتعلق بالذوات، وقدر بعضهم المضاف إلى الاسم الجليل لفظ أيام مرادًا بها الوقائع فإن اليوم يطلق على ما يقع فيه من الحروب والحوادث واشتهر في هذا حتى صار نزلة الحقيقة وجعل قرينة هذا التقدير المعطوف وجعل العف من عطف الخاص على العام، والظاهر أن الرجاء على هذا عنى الخوف، وجوز أن يكون الكلام عليه كقوله: أرجو زيدًا وكرمه. وأن يكون الرجاء فيه عنى الأمل إن أريد ما في اليوم من النصر والثواب، وأن يكون عنى الخوف والأمل معًا بناء على جواز استعمال اللفظ في معنييه أو في حقيقته ومجازه وإرادة ما يقع فيه من الملائم والمنافر، وعندي أن تقدير أيام غير متبادر إلى الفهم، وفسر بعضهم {اليوم الاخر} بيوم السياق والمتبادر منه يوم القيامة و{مِنْ} على ما قيل بدل من ضمير الخطاب في {لَكُمْ} وأعيد العامل للتأكيد وهو بدل كل من كل والفائدة فيه الحث على التأسي، وإبدال الاسم الظاهر من ضمير المخاطب هذا الإبدال جائز عند الكوفيين. والأخفش، ويدل عليه قوله:
بكم قريش كفينا كل معضلة ** وام نهج الهدى من كان ضليلًا

ومنع ذلك جمهور البصريين: ومن هنا قال صاحب التقريب، هو بدل اشتمال أو بدل بعض من كل، ولا يتسنى إلا على القول بأن الخطاب عام وهو مخالف للظاهر كما سمعت، ومع هذا يحتاج إلى تقدير منكم، وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون لمن متعلقًا بحسنة أو حذوف وقع صفة لها لأنه وقع بعد نكرة، وقيل: يجوز أن يكون صفة لأسوة.
وتعقب بأن المصدر الموصوف لا يعمل فيما بعد وصفه، وكذا تعدد الوصف بدون العطف لا يصح، وقد صرح نع ذلك الإمام الواحدي، ولا يخفى أن المسألة خلافية فلا تغفل.
{وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} أي ذكرًا كثيرًا وقرن سبحانه بالرجاء كثرة الذكر لأن المثابرة على كثرة ذكره عز وجل تؤدى إلى ملازمة الطاعة وبها يتحقق الائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومما ينبغي أن يعلم أنه قد صرح بعض الأجلة كالنووي إن ذكر الله تعالى المعتبر شرعًا ما يكون في ضمن جملة مفيدة كسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ونحو ذلك وما لا يكون فرد لا يعد شرعًا ذكرًا نحو الله أو قادر أو سميع أو بصير إذا لم يقدر هناك ما يصير به اللفظ كلامًا، والناس عن هذا غافلون، وأنهم أجمعوا على أن الذكر المتبعد عناه لا يثاب صاحبه ما لم يستحضر معناه فالمتلفظ بنحو سبحان الله ولا إله إلا الله إذا كان غافلًا عن المعنى غير ملاحظ له ومستحضرًا إياه لا يثاب إجماعًا، والناس أيضًا عن هذا غافلون فإنا لله وإنا إليه راجعون.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)}
{وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الاحزاب} بيان لما صدر عن خلص المؤمنين عند اشتباه الشؤن واختلاط الظنون بعد حكاية ما صدر عن غيرهم أي لما شاهدوهم حسا وصفوا لهم {قَالُواْ هذا} إشارة عند المحققين إلى ما شاهدوه من غير أن يخطر ببالهم لفظ يدل عليه فضلًا عن تذكيره وتأنيثه فإنهما من أحكام اللفظ نعم يجوز التذكير باعتبار الخبر الذي هو {مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} فإن ذلك العنوان أول ما يخظر ببالهم عند المشاهدة. وعند الأكثر إشارة إلى الخطب والبلاء، و{مَا} موصولة عائدها محذوف وهو المفعول الثاني لوعد أي الذي وعدناه الله، وجوز أن تكون مصدرية أي هذا وعد الله تعالى ورسوله إيانًا وأرادوا بذلك ما تضمنه قوله تعالى في سورة البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البأساء والضراء} [البقرة: 214] كما أخرج ذلك ابن جرير. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأخرجه جماعة عن قتادة أيضًا ونزلت آية البقرة قبل الواقعة بحول على ما أخرجه جويبر عن الضحاك عن الحبر رضي الله تعالى عنه.
وفي البحر عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن الأحزاب سائرون إليكم تسعًا أو عشرًا أي في آخر تسع ليال أو عشر أي من وقت الأخبار أو من غرة الشهر فلما رأوهم قد اقبلوا للميعاد قالوا ذلك فمرادهم بذلك ما وعد بهذا الخبر. وتعقبه ابن حجر بأنه لم يوجد في كتب الحديث. وقرئ بإمالة الراء من {رَأْىَ} نحو الكسرة وفتح الهمزة وعدم امالتها، وروي إمالتهما وإمالة الهمزة دون الراء على تفصيل فيه في النشر فليراجع {وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} الظاهر أنه داخل في حيز القول فجوز أن يكون عطفًا على جملة {هذا مَا وَعَدَنَا} إلخ أو على صلة الموصول وهو كما ترى، وأن يكون في موضع الحال بتقدير قد أو بدونه.
وأيًا ما كان فالمراد ظهر صدق خبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الصدق محقق قبل ذلك والمترتب على رؤية الأحزاب ظهوره، وجوز أن يكون المعنى وصدق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام في النصرة والثواب كما صدق الله تعالى ورسوله في البلاء، والإظهار مع سبق الذكر للتعظيم ولأنه لو اضمر وقيل وصدق جاء الجمع بين الله تعالى وغيره في ضمير واحد والأول تركه أو قيل وصدق هو ورسوله بقي الإظهار في مقام الإضمار فلا يندفع السؤال كذا قيل، وحديث الجمع قد مر ما فيه {وَمَا زَادَهُمْ} أي ما رأوا المفهوم من قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى المؤمنون} إلخ ورجوع الضمير إلى المصدر المفهوم من {رَأْىَ} يعكر عليه التذكير، وأرجعه بعضهم إلى الشهود المفهوم من ذلك، وجوز رجوعه إلى الوعد أو الخطب والبلاء المفهومين من السياق أو الإشارة.
وقرأ ابن أبي هبلة {وَمَا زَادُوهُمْ} بضمير الجمع العائد على الأحزاب {إِلاَّ إِيمَانًا} بالله تعالى وواعيده عز وجل: {وَتَسْلِيمًا} لأوامره جل شأنه وإقداره سبحانه، واستدل بالآية على جواز زيادة الإيمان ونقصه. ومن أنكر قال: إن الزيادة فيما يؤمن به لا في نفس الإيمان والبحث في ذلك مشهور وفي كتب الكلام على أبسط وجه مسطور.