فصل: تفسير الآية رقم (27):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (27):

{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)}
{فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ} عطف على قوله سبحانه وتعالى: {أَنَزلَ} إلخ، والمراد بأرضهم مزارعهم، وقدمت لكثرة المنفعة بها من النخل والزروع.
وفي قوله عز وجل: {أورثكم} إشعار بأنه انتقل إليهم ذلك بعد موت أولئك المقتولين وأن ملكهم إياه ملك قوي ليس بعقد يقبل الفسخ أو الإقالة {أَرْضَهُمْ وديارهم} أي حصونهم {وأموالهم} نقودهم ومواشيهم وأثاثهم التي اشتملت عليها أرضهم وديارهم. أخرج ابن أبي شيبة. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن قتادة من خبر طويل أن سعدًا رضي الله تعالى عنه حكم كما حكم بقتل مقاتلهم وسبي ذراريهم بأن أعقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقال قومه: أتؤثر المهاجرين بالإعقار علينا؟ فقال: إنكم ذوو أعقار وإن المهاجرين لا أعقار لهم، وأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه.
وفي الكشاف روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقالت الأنصار في ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: إنكم في منازلكم، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: أما تخمس كما خمست يوم بدر؟ قال: لا إنما جعلت هذه لي طعمة دون الناس قال: رضينا بما صنع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وذكر الجلال السيوطي أن الخبر رواه الواقدي من رواية خارجة بن زيد عن أم العلاء قالت: لما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير جعل الحديث، ومن طريق المسور بن رفاعة قال: فقال عمر يا رسول الله ألا تخمس ما أصيب من بني النضير الحديث اه، وعليه لا يحسن من الزمخشري ذكره هاهنا مع أن الآيات عنده في شأن بني قريظة، وسيأتي الكلام فيما وقع لبني النضير في تفسير سورة الحشر إن شاء الله تعالى: {وَأَرْضًا لَّمْ} قال مقاتل، ويزيد بن رومان. وابن زيد: هي خيبر فتحت بعد بني قريظة، وقال قتادة: كان يتحدث أنها مكة، وقال الحسن: هي أرض الروم وفارس، وقيل: اليمن، وقال عكرمة: هي ما ظهر عليها المسلمون إلى يوم القيامة واختاره في البحر، وقال عروة: لا أحسبها إلآ كل أرض فتحها الله تعالى على المسلمين أو هو عز وجل فاتحها إلى يوم القيامة، والظاهر أن العطف على {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ} واستشكل بأن الإرث ماض حقيقة بالنسبة إلى المعطوف عليه ومجازًا بالنسبة إلى هذا المعطوف. وأجيب بأنه يراد بأورثكم أورثكم في علمه وتقديره وذلك متحقق فيما وقع من الإرث كأرضهم وديارهم وأموالهم وفيما لم يقع بعد كارث ما لم يكن مفتوحًا وقت نزول الآية. وقدر بعضهم أورثكم في جانب المعطوف مرادًا به يورثكم إلا أنه عبر بالماضي لتحقق الوقوع والدليل المذكور، واستبعد دلالة المذكور عليه لتخالفهما حقيقة ومجازًا.
وقيل: الدليل ما بعد من قوله تعالى: {وَكَانَ الله} إلخ، ثم إذا جعلت الأرض شاملة لما فتح على أيدي الحاضرين ولما فتح على أيدي غيرهم ممن جاء بعدهم لا يخص الخطاب الحاضرين كما لا يخفى. ومن بدع التفاسير أنه أريد بهذه الأرض نساؤهم، وعليه لا يتوهم أشكال في العطف. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {لَمْ} بحذف الهمزة أبدل همزة تطأ ألفًا على حد قوله:
إن السباع لتهدي في مرابضها ** والناس لا يهتدي من شرهم أبدًا

فالتقت ساكنة مع الواو فحذفت كقولك لم تروها {تَطَئُوهَا وَكَانَ الله على كُلّ شَيْء قَدِيرًا} فهو سبحانه قادر على أن يملككم ما شاء.

.تفسير الآية رقم (28):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)}
{شَيْء قَدِيرًا ياأيها النبى قُل لازواجك إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة} أي السعة والتنعم فيها {وَزِينَتَهَا} أي زخرفها وهو تخصيص بعد تعميم {فَتَعَالَيْنَ} أي أقبلن بإرادتكن واختياركن لإحدى الخصلتين كما يقال أقبل يخاصمني وذهب يكلمني وقام يهددني، واصل تعالى أمر بالصعود لمكان عال ثم غلب في الأمر بالمجيء مطلقًا والمراد به هاهنا ما سمعت، وقال الراغب: قال بعضهم إن أصله من العلو وهو ارتفاع المنزلة فكأنه دعاء إلى ما فيه رفعة كقولك: افعل كذا غير صاغر تشريفًا للمقول له، وهذا المعنى غير مراد هنا كما لا يخفى {أُمَتّعْكُنَّ} أي اعطكن متعة الطلاق، والمتعة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها في العقد واجبة عند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأصحابه، ولسائر المطلقات مستحبة، وعن الزهري متعتان إحداهما يقضي بها السلطان ويجبر عليها من طلق قبل أن يفرض ويدخل بها والثانية حق على المتقين من طلق بعدما فرض ودخل. وخاصمت امرأة إلى شريح في المتعة فقال: متعها إن كنت من المتقين ولم يجبره، وعن سعيد بن جبير المتعة حق مفروض، وعن الحسن لكل مطلقة متعة إلا المختلعة والملاعنة، والمتعة درع وحمار وملحفة على حسب السعة والإقتار إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك فيجب لها الأقل منهما ولا ينقص من خمسة دراهم لأن أقل المهر عشرة دراهم فلا ينقص من نصفها كذا في الكشاف، وتمام الكلام في الفروع، والفعل مجزوم على أنه جواب الأمر وكذا قوله تعالى: {وَأُسَرّحْكُنَّ} وجوز أن يكون الجزم على أنه جواب الشرط ويكون {فَتَعَالَيْنَ} اعتراضًا بين الشرط وجزائه، والجملة الاعتراضية قد تقترن بالفاء كما في قوله:
واعلم فعلم المرء ينفعه ** أن سوف يأتي كل ما قدرا

وقرأ حميد الخراز {أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ} بالرفع على الاستئناف، وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {أُمَتّعْكُنَّ} بالتخفيف من أمتع، والتسريح في الأصل مطلق الإرسال ثم كني به عن الطلاق أي وأطلقكن {سَرَاحًا} أي طلاقًا {جَمِيلًا} أي ذا حسن كثير بأن يكون سنيًا لا ضرار فيه كما في الطلاق البدعي المعروف عند الفقهاء. وفي مجمع البيان تفسير السراح الجميل بالطلاق الخالي عن الخصومة والمشاجرة، وكان الظاهر تأخير التمتيع عن التسريح لما أنه مسبب عنه إلا أنه قدم عليه إيناسًا لهن وقطعًا لمعاذيرهن من أول الأمر، وهو نظير قوله تعالى: {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] مروجه ولأنه مناسب لما قبله من الدنيا: وجوز أن يكون في محله بناءً على أن إرادة الدنيا نزلة الطلاق والسراح الإخراج من البيوت فكأنه قيل: إن أردتن الدنيا وطلقتن فتعالين أعطكن المتعة وأخرجكن من البيوت إخراجًا جميلًا بلا مشاجرة ولا إيذاء، ولا يخفى بعده وسبب نزول الآية على ما قيل: إن أزواجه عليه الصلاة والسلام سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة.
وأخرج أحمد. ومسلم. والنسائي. وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر قال: أقبل أبو بكر رضي الله تعالى عنه والناس ببابه جلوس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر: لأكلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يضحك فقال: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد يعني امرأته رضي الله تعالى عنه سألتني النفقة آنفًا فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه وقال: «هن حولي يسألنني النفقة» فقام أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى عائشة ليضربها وقام عمر رضي الله تعالى عنه إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نساؤه: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده. وأنزل الله تعالى الخيار فبدأ بعائشة فقال عليه الصلاة والسلام: إني ذاكر لك أمرًا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت: ما هو؟ فتلا عليها {قَدِيرًا ياأيها النبى قُل لازواجك} الآية قالت عائشة: أفيك أستأمر أبوي؟ بل اختار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله تعالى لم يبعثني متعنتًا ولكن بعثني معلمًا مبشرًا لا تسألني امرأة منهن عما أخبرتني إلا أخبرتها، وفي خبر رواه ابن جرير. وابن أبي حاتم عن قتادة. والحسن أنه لما نزلت آية التخيير كان تحته عليه الصلاة والسلام تسع نسوة خمس من قريش: عائشة. وحفصة. وأم حبيبة بنت أبي سفيان. وسودة بنت زمعة. وأم سلمة بنت أبي أمية وكان تحته صفية بنت حي الخيبرية. وميمونة بنت الحرث الهلالية. وزينب بنت جحش الأسدية. وجويرية بنت الحرث من بني المصطلق وبدأ بعائشة فلما اختارت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والدار الآخرة رؤى الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتتابعن كلهن على ذلك فلما خيرهن واخترن الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام والدار الآخرة شكرهن الله جل شأنه على ذلك إذ قال سبحانه: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب: 25] فقصره الله تعالى عليهن وهن التسع اللاتي اخترن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن سعد عن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترن جميعًا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام غير العامرية اختارت قومها فكانت بعد تقول: أنا الشقية وكانت تلقط البعر وتبيعه وتستأذن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: أنا الشقية.
وأخرج أيضًا عن ابن جناح قال: اخترنه جميعًا غير العامرية كانت ذاهبة العقل حتى ماتت. وجاء في بعض الروايات عن ابن جبير غير الحميرية وهي العامرية، وكان هذا التخيير كما روي عن عائشة. وأبي جعفر بعد أن هجرهن عليه الصلاة والسلام شهرًا تسعة وعشرين يومًا. وفي البحر أنه لما نصر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ورد عنه الأحزاب وفتح عليه النضير وقريظة ظن أزواجه عليه الصلاة والسلام أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم فقعدن حوله وقلن: يا رسول الله بنات كسرى. وقيصر في الحلى والحلل والإماء والخول ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق وآلمن قلبه الشريف عليه الصلاة والسلام طالبتهن له بتوسعة الحال وأن يعاملهن بما تعامل به الملوك وأبناء الدنيا أزواجهم فأمره الله تعالى بأن يتلو عليهن ما نزل في أمرهن؛ وما أحسن موقع هذه الآيات على هذا بعد انتهاء قصة الأحزاب وبني قريظة كما لا يخفى، ويفهم من كلام الإمام أنها متعلقة بأول السورة؛ وذلك أن مكارم الأخلاق منحصرة في شيئين التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلقه عز وجل فبدأ سبحانه بإرشاد حبيبه عليه الصلاة والسلام إلى ما يتعلق بجانب التعظيم له تعالى فقال سبحانه: {مُّنتَظِرُونَ ياأيها النبى اتق الله} [الأحزاب: 1] إلخ ثم أرشده سبحانه إلى ما يتعلق بجانب الشفقة، وبدأ بالزوجات لأنهن أولى الناس بذلك، وقدم سبحانه الشرطية المذكورة على قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (29):

{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}
{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ} إلخ لأن سبب النزول ما سمعت.
وقال الإمام: إن التقديم إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم غير ملتفت إلى الدنيا ولذاتها غاية الالتفات، وذكر أن في وصف السراح بالجميل إشارة إلى ذلك أيضًا، ومعنى {إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولُهُ} إن كنتن تردن رسول الله وإنما ذكر الله عز وجل للإيذان بجلالة محله عليه الصلاة والسلام عنده تعالى: {والدار الاخرة} أي نعيمها الباقي الذي لا قدر عنده للدنيا وما فيها {فَإِنَّ الله أَعَدَّ} أي هيأ ويسر {للمحسنات مِنكُنَّ} قابلة إحسانهن {أَجْرًا} لا تحصى كثرته {عَظِيمًا} لا تستقصى عظمته، و{مِنْ} للتبيين لأن كلهن كن محسنات.
وقيل: ويجوز فيه التبعيض على أن المحسنات المختارات لله ورسوله صلى الله عليه وسلم واختيار الجميع لم يعلم وقت النزول، وهو على ما قال الخفاجي عليه الرحمة بعيد، وجواب {ءانٍ} في الظاهر ما قرن بالفاء إلا أنه قيل الماضي فيه عنى المضارع الدال على الاستقبال والتعبير به دونه لتحقق الوقوع، وقيل: الجواب محذوف نحو تثبن أو تنلن خيرًا وما ذكر دليله، وتجريد الشرطية الأولى عن الوعيد للمبالغة في تحقيق معنى التخيير والاحتراز عن شائبة الإكراه، قيل: وهو السر في تقديم التمتيع على التسريح ووصف التسريح بالجميل.
هذا واختلف فيما وقع من التخيير هل كان تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الطلاق بنفس الاختيار أولًا فذهب الحسن. وقتادة وأكثر أهل العلم على ما في إرشاد العقل السليم وهو الظاهر إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما كان تخييرًا لهن بين الإرادتين على أنهن إن أردن الدنيا فارقهن النبي صلى الله عليه وسلم كما ينبئ عنه قوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ} [الأحزاب: 28] وذهب آخرون إلى أنه كان تفويضًا للطلاق إليهن حتى لو أنهن اخترن أنفسهن كان ذلك طلاقًا، وكذا اختلف في حكم التخيير بأن يقول الرجل لزوجته اختاري فتقول اخترت نفسي أو اختاري نفسك فتقول اخترت فعن زيد بن ثابت أنه يقع الطلاق الثلاث وبه أخذ مالك في المدخول بها وفي غيرها يقبل من الزوج دعوى الواحدة، وعن عمر. وابن عباس. وابن مسعود أنه يقع واحدة رجعية وهو قول عمر بن عبد العزيز. وابن أبي ليلى. وسفيان. وبه أخذ الشافعي. وأحمد.
وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه يقع واحدة بائنة، وروى ذلك الترمذي عن ابن مسعود، وأيضًا عن عمر رضي الله تعالى عنهما، وبذلك أخذ أبو حنيفة عليه الرحمة، فإن اختارت زوجها فعن زيد بن ثابت أنه تقع طلقة واحدة وعن علي كرم الله تعالى وجهه روايتان إحداهما أنه تقع واحدة رجعية والأخرى أنه لا يقع شيء أصلًا وعليه فقهاء الأمصار.
وذكر الطبرسي أن المروي عن أئمة أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم أجمعين اختصاص التخيير بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما غيره عليه الصلاة والسلام فلا يصح له ذلك. واختلف في مدة ملك الزوجة الاختيار إذا قال لها الزوج ذلك فقيل: تملكه ما دامت في المجلس وروي هذا عن عمر. وعثمان. وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم. وبه قال جابر بن عبد الله. وجابر بن زيد. وعطاء. ومجاهد. والشعبي. والنخعي. ومالك. وسفيان. والأوزاعي. وأبو حنيفة. والشافعي. وأبو ثور، وقيل: تملكه في المجلس وفي غيره وهو قول الزهري. وقتادة. وأبي عبيدة. وابن نصر وحكاه صاحب المغني عن علي كرم الله تعالى وجهه.
وفي بلاغات محمد بن الحسن أنه كرم الله تعالى وجهه قائل بالاقتصار على المجلس كقول الجماعة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وتمام الكلام في هذه المسألة وما لكل من هذه الأقوال وما عليه يطلب من كتب الفروع كشروح الهداية وما يتعلق بها بيد أني أقول: كون ما في الآية هو المسألة المذكورة في الفروع التي وقع الاختلاف فيها مما لا يكاد يتسنى، وتأول الخفاجي استدلال من استدل بها في هذا المقام بما لا يخلو عن كلام عند ذوي الأفهام. هذا وذكر الإمام في الكلام على تفسير هذه الآية عدة مسائل. الأولى: أن التخيير منه صلى الله عليه وسلم قولًا كان واجبًا عليه عليه الصلاة والسلام بلا شك لأنه إبلاغ الرسالة، وأما معنى فكذلك على القول بأن الأمر للوجوب. الثانية: أنه لو أردن كلهن أو إحداهن الدنيا فالظاهر نظرًا إلى منصب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجب عليه التمتيع والتسريح لأن الخلف في الوعد منه عليه الصلاة والسلام غير جائز. الثالثة: أن الظاهر أنه لا تحرم المختارة بعد البينونة على غيره عليه الصلاة والسلام وإلا لا يكون التخيير ممكنًا من التمتع بزينة الدنيا. الرابعة: أن الظاهر أن من اختارت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم نظرًا إلى منصبه الشريف طلاقها والله تعالى أعلم.