فصل: تفسير الآية رقم (41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (41):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)}
{عَلِيمًا ياأيها الذين ءامَنُواْ اذكروا الله} بما هو جل وعلا أهله من التعليل والتحميد والتمجيد والتقديس {ذِكْرًا كَثِيرًا} يعم أغلب الأوقات والأحوال كما قال غير واحد، وعن ابن عباس الذكر الكثير أن لا ينسى جل شأنه، وروي ذلك عن مجاهد أيضًا، وقيل: أن يذكر سبحانه بصفاته العلي وأسمائه الحسنى وينزه عما لا يليق به، وعن مقاتل هو أن يقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر على كل حال. وعن العترة الطاهرة رضي الله تعالى عنهم من قال ذلك ثلاثين مرة فقد ذكر الله تعالى ذكرًا كثيرًا، وفي مجمع البيان عن الواحدي بسنده إلى الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عدد ما علم وزنة ما علم وملء ما علم فإنه من قالها كتب له بها ست خصال كتب من الذاكرين الله تعالى كثيرًا وكان أفضل من ذكره بالليل والنهار وكن له غرسًا في الجنة وتحاتت عنه خطاياه كما تحات ورق الشجرة اليابسة وينظر الله تعالى إليه ومن نظر الله تعالى إليه لم يعذبه كذا رأيته في مدونة فلا تغفل، وقال بعضهم: مرجع الكثرة العرف.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}
{وَسَبّحُوهُ} ونزهوه سبحانه عما لا يليق به {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} أي أول النهار وآخره، وتخصيصهما بالذكر ليس لقصر التسبيح عليهما دون سائر الأوقات بل لا نافة ففضلهما على سائر الأوقات لكونهما تحضرهما ملائكة الليل والنهار وتلتقي فيهما كإفراد التسبيح من بين الأذكار مع إندراجه فيها لكونه العمدة بينها، وقيل: كلا الأمرين متوجه إليهما كقولك: صم وصل يوم الجمعة، وبتفسير الذكر الكثير بما يعم أغلب الأوقات لا تبقى حاجة إلى تعلقهما بالأول وعن ابن عباس أن المراد بالتسبيح الصلاة أي بإطلاق الجزء على الكل والتسبيح بكرة صلاة الفجر والتسبيح أصيلًا صلاة العشاء، وعن قتادة نحو ما روي عن ابن عباس إلا أنه قال: أشار بهذين الوقتين إلى صلاة الغداة وصلاة العصر وهو أظهر مما روي عن الحبر. وتعقب ما روي عنهما بأن فيه تجوزًا من غير ضرورة، وقد يقال: إن التسبيح على حقيقته لكن التسبيح بكرة بالصلاة فيها والتسبيح أصيلًا بالصلاة فيه فتأمل.
وجوز أن يكون المراد بالذكر المأمور به تكثير الطاعات والإقبال عليها فإن كل طاعة من جملة الذكر ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلًا أي الصلاة في جميع أوقاتها أو صلاة الفجر والعصر أو الفجر والعشاء لفضل الصلاة على غيرها من الطاعات البدنية، ولا يخفى بعده.

.تفسير الآية رقم (43):

{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)}
{هُوَ الذي يُصَلّى عَلَيْكُمْ} إلخ استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من الأمرين {وَمَلَئِكَتُهُ} عطف على الضمير في {يُصَلّى} لمكان الفصل المغنى عن التأكيد بالمنصل لا على {هُوَ} والصلاة في المشهور وروي ذلك عن ابن عباس من الله تعالى رحمة ومن الملائكة استغفار ومن مؤمني الإنس والجن دعاء، ويجوز على رأي من يجوز استعمال اللفظ في معنيين أن يراد بالصلاة هنا المعنيان الأولان فيراد بها أولًا الرحمة وثانيًا الاستغفار، ومن لا يجوز كأصحابنا يقول بعموم المجاز بأن يراد يالصلاة معنى مجازي عام يكون كلا المعنيين فردًا حقيقيًا له وهو إما الاعتناء بما فيه خير المخاطبين وصلاح أمرهم فإن كلا من الرحمة والاستغفار فرد حقيقي له وهذا المجاز من الصلاة عنى الدعاء وهو إما استعارة لأن الاعتناء يشبه الدعاء لمقارنة كل منهما لإرادة الخير والأمر المحبوب أو مجاز مرسل لأن الدعاء مسبب عن الاعتناء وأما الترحم والانعطاف المعنوي المأخوذ من الصلاة المعروفة المشتملة على الانعطاف الصوري الذي هو الركوع والسجود، ولا ريب في أن استغفار الملائكة عليهما السلام ودعاءهم للمؤمنين ترحم عليهم، وأما أن ذلك سبب للرحمة لكونهم مجابي الدعوة كما قيل ففيه بحث، ورجح جعل المعنى العام ما ذكر بأنه أقرب لما بعد فإنه نص عليه فيه بقوله تعالى: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيمًا} فدل على أن المراد بالصلاة الرحمة. واعترض بأن رحم متعد وصلى قاصر فلا يحسن تفسيره به، وبأنه يستلزم جواز رحم عليه، وبأنه تعالى غاير بينهما بقوله سبحانه: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلوات مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] للعطف الظاهر في المغايرة. وأجيب بأنه ليس المراد بتفسير صلى برحم إلا بيان أن المعنى الموضوع له صلى هو الموضوع له رحم مع قطع النظر عن معنى التعدي واللزوم فإن الرديفين قد يختلفان في ذلك وهو غير ضار فزعم أن ذلك لا يحسن وأنه يلزم جواز رحم عليه ليس في محله على أنه يحسن تعدية صلى بعلي دون رحم لما في الأول من ظهور معنى التحنن والتعطف والعطف لأن الصلاة رحمة خاصة ويكفي هذا القدر من المغايرة، وقيل: إن تعدد الفاعل صير الفعل كالمتعدد فكأن الرحمة مرادة من لفظ والاستغفار مراد من آخر فلا حاجة إلى القول بعموم المجاز وليس هناك استعمال لفظ واحد حقيقة وحكمًا في معنيين وهو كما ترى، ومثله كون {ملائكته} مبتدأ خبره محذوف لدلالة ما قبل عليه كأنه قيل هو الذي يصلي عليكم وملائكته يصلون عليكم فهناك لفظان حقيقة كل منهما عنى، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يزيدك علمًا بأمر الصلاة، وسبب نزول الآية ما أخرجه عبد بن حميد.
وابن المنذر قال: لما نزلت {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى} [الأحزاب: 56] قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: ما أنزل الله تعالى عليك خيرًا إلا أشركنا فيه فنزلت: {هُوَ الذي يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ الظلمات إِلَى النور} أي من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة، وقال الطبرسي: من الجهل بالله تعالى إلى معرفته عز وجل فإن الجهل أشبه شيء بالظلمة والمعرفة أشبه شيء بالنور؛ وقال ابن زيد: أي من الضلالة إلى الهدى، وقال مقاتل: من الكفر إلى الإيمان، وقيل: من النار إلى الجنة حكاه الماوردي، وقيل: من القبور إلى البعث حكاه أبو حيان وليس بشيء، واللام متعلقة بيصلي أي يعتني بكم هو سبحانه وملائكته ليخرجكم أو يترحم هو عز وجل وملائكته ليخرجكم بذلك من الظلمات إلى النور {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيمًا} اعتراض مقرر لمضمون ما قبله أي كان سبحانه بكافة المؤمنين الذين أنتم من زمرتهم كامل الرحمة ولذا يفعل بكم ما يفعل بالذات وبالواسطة أو كان بكم رحيمًا على أن المؤمنين مظهر وضع موضع المضمر مدحًا لهم وإشعارًا بعلة الرحمة، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (44):

{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)}
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سلام} بيان للأحكام الآجلة لرحمته تعالى بهم بعد بيان آثارها العاجلة من الإخراج المذكور، والتحية أن يقال: حياك الله أي جعل لك حياة وذلك إخبار ثم يجعل دعاء، ويقال حيا فلان تحية إذا قال له ذلك، وأصل هذا اللفظ من الحياة ثم جعل كل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة أو سبب حياة إما لدنيا أو لآخرة.
وهو هنا مصدر مضاف إلى المفعول وقع مبتدأ و{سلام} مرادًا به لفظه خبره، والمراد ما يحييهم الله تعالى به ويقوله لهم يوم يلقونه سبحانه ويدخلون دار كرامته سلام أي هذا اللفظ. روي أن الله تعالى يقول: سلام عليكم عبادي أنا عنكم راض فهل أنتم عني راضون فيقولون: بأجمعهم يا ربنا إنا راضون كل الرضا. وورد أن الله تعالى يقول: السلام عليكم مرحبًا بعبادي المؤمنين الذين أرضوني في دار الدنيا باتباع أمري، وقيل: تحييهم الملائكة عليهم السلام بذلك إذا دخلوا الجنة كما قال تعالى: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ} [الرعد: 23و24].
وقيل: تحييهم عند الخروج من القبور فيسلمون عليهم ويبشرونهم بالجنة، وقيل عند الموت.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام، قيل: فعلى هذا الهاء في {يَلْقَوْنَهُ} كناية عن غير مذكور وهو ملك الموت، ولا ضرورة تدعو لذلك إذ لا مانع من أن يكون الضمير لله تعالى عليه كما هو كذلك على الأقوال الأخر جميعها. ولقاء الله تعالى على ما أشار إليه الإمام عبارة عن الإقبال عليه تعالى بالكلية بحيث لا يعرض للشخص ما يشغله ويلهيه أو يوجب غفلته عنه عز وجل ويكون ذلك عند دخول الجنة وفيها وعند البعث وعند الموت.
وقال الراغب: ملاقاة الله تعالى عبارة عن القيامة وعن المصير إليه عز وجل، وقال الطبرسي: هي ملاقاة ثوابه تعالى وهو غير ظاهر على جميع الأقوال السابقة بل ظاهر على بعضها كما لا يخفى، وعن قتادة في الآية أنهم يوم دخولهم الجنة يحيى بعضهم بعضًا بالسلام أي سلمنا وسلمت من كل مخوف، والتحية عليه على ما قال الخفاجي مصدر مضاف للفاعل. وفي البحر هي عليه مصدر مضاف للمحيي والمحيي لا على جهة العمل لأن الضمير الواحد لا يكون فاعلًا مفعولًا ولكنه كقوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهدين} [الأنبياء: 78] أي للحكم الذي جرى بينهم.
وكذا يقال هنا التحية الجارية بينهم هي سلام، وقول المحيي في ذلك اليوم سلام اخبار لادعاء لأنه أبلغ على ما قيل فتدبر، وأخرى الأقوال بالقبول عندي أن الله تعالى يسلم عليهما يوم يلقونه إكرامًا لهم وتعظيمًا.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} أي وهيأ عز وجل لهم ثوابًا حسنًا، والظاهر أن التهيئة واقعة قبل دخول الجنة والتحية ولذا لم تخرج الجملة مخرج ما قبلها بأن يقال وأجرهم أجر كريم أي ولهم أجر كريم، وقيل: هي بعد الدخول والتحية فالكلام بيان لآثار رحمته تعالى الفائضة عليهم بعد دخول الجنة عقيب بيان آثار رحمته الواصلة إليهم قبل ذلك، ولعل إيثار الجملة الفعلية على الاسمية المناسبة لما قبلها للمبالغة في الترغيب والتشويق إلى الموعود ببيان أن الأمر الذي هو المقصد الأقصى من بين سائر آثار الرحمة موجود بالفعل مهيأ لهم مع ما فيه من مراعاة الفواصل.

.تفسير الآية رقم (45):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)}
{ياأيها النبى إِنَّا أرسلناك شاهدا} على من بعثت إليهم تراقب أحوالهم وتشاهد اعمالهم وتتحمل عنهم الشهادة بما صدر عنهم من التصديق والتكذيب وسائر ما هم عليه من الهدى والضلال وتؤديها يوم القيامة أداء مقبولًا فيما لهم وما عليهم، وهو حال مقدرة وإن اعتبر الإرسال أمرًا ممتدًا لاعتبار التحمل والآداء في الشهادة، والإرسال بذلك الاعتبار وإن قارن التحمل إلا أنه غير مقارن للإداء وإن اعتبر الامتداد.
وقيل: بإطلاق الشهادة على التحمل فقط تكون الحال مقارنة والأحوال المذكورة بعد على اعتبار الامتداد مقارنة، ولك أن لا تعتبره أصلًا فتكون الأحوال كلها مقدرة، ثم أن تحمل الشهادة على من عاصره صلى الله عليه وسلم واطلع على عمله أمر ظاهر، وأما تحملها على من بعده باعيانهم فإن كان مرادًا أيضًا ففيه خفاء لأن ظاهر الأخبار أنه عليه الصلاة والسلام لا يعرف أعمال من بعده بأعيانهم، وروي أبو بكر. وأنس. وحذيفة. وسمرة. وأبو الدرداء عنه صلى الله عليه وسلم ليردن على ناس من أصحابي الحوض حتى إذا رأيتهم وعرفتهم اختلجوا دوني فأقول: يا رب أصيحابي أصيحابي فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. نعم قد يقال: إنه عليه الصلاة والسلام يعلم بطاعات ومعاص تقع بعده من أمته لكن لا يعلم أعيان الطائعين والعاصين، وبهذا يجمع بين الحديث المذكور وحديث عرض الأعمال عليه صلى الله عليه وسلم كل أسبوع أو أكثر أو أقل، وقيل: يجمع بانه عليه الصلاة والسلام يعلم الأعيان أيضًا إلا أنه نسى فقال: أصيحابي، ولتعظيم قبح ما أحدثوا قيل له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، وقيل: يعرض ما عدا الكفر وهو كما ترى، وأما زعم أن التحمل على من بعده إلى يوم القيامة لما أنه صلى الله عليه وسلم حي بروحه وجسده يسير حيث شاء في أقطار الأرض والملكوت فمبني على ما علمت حاله، ولعل في هذين الخبرين ما يأباه كما لا يخفى على المتدبر، وأشار بعض السادة الصوفية إلى أن الله تعالى قد أطلعه صلى الله عليه وسلم على أعمال العباد فنظر إليها ولذلك أطلق عليه عليه الصلاة والسلام شاهد. قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره العزيز في مثنويه:
در نظر بودش مقامات العباد ** زان سبب نامش خدا شاهد نهاد

فتأمل ولا تغفل، وقيل: المراد شاهدًا على جميع الأمم يوم القيامة بأن أنبيائهم قد بلغوهم الرسالة ودعوهم إلى الله تعالى، وشهادته بذلك لما علمه من كتابه المجيد، وقيل: المراد شاهدًا بأن لا إله إلا الله {وَمُبَشّرًا} تبشر الطائعين بالجنة {وَنَذِيرًا} تنذر الكافرين والعاصين بالنار، ولعموم الإنذار وخصوص التبشير قيل: مبشرًا ونذيرًا على صيغة المبالغة دون ومنذرًا مع أن ظاهر عطفه على {مُبَشّرًا} يقتضي ذلك وقدم التبشير لشرف المبشرين ولأنه المقصود الأصلي إذ هو صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وكأنه لهذا جبر ما فاته من المبالغة بقوله تعالى: {وَبَشّرِ المؤمنين} [الأحزاب: 47].