فصل: تفسير الآية رقم (50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (50):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)}
{ياأيها النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك اللاتى ءاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهن كما قال مجاهد، وغيره وأطلق الأجر على المهر لأنه أجر على الاستمتاع بالبضع وغيره مما يجوز به الاستمتاع وتقييد الإحلال له بإعطائها معجلة كما يفهم من معنى {ءاتَيْتَ} ظاهرًا ليس لتوقف الحل عليه بل لإيثار الأفضل له صلى الله عليه وسلم فإن في للتعجيل براءة الذمة وطيب النفس ولذا كان سنة السلف لا يعرف منهم غيره، وقال الإمام: من الناس من قال بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجب عليه إعطاء المهر أولًا وذلك لأن المرأة لها الامتناع من تسليم نفسها إلى أن تأخذ المهر والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يستوفي ما لا يجب له والوطء قبل إيتاء الصداق غير مستحق وإن كان حلالًا وكيف والنبي عليه الصلاة والسلام إذا طلب شيئًا حرم الامتناع فلو طلب التمكين قبل إيتاء المهر لزم أن يجب وأن لا يجب وهو محال ولا كذلك أحدنا اه، وفيه بحث لا يخفى، وحمل الإيتاء على الإعطاء وما في حكمه كالتسمية في العقد، وجعل التقييد لإيثار الأفضل أيضًا فإن التسمية أولى من تركها وإن جاز العقد بدونها ولزم مهر المثل خلاف الظاهر.
واستدل أبو الحسن الكرخي من أصحابنا بقوله تعالى: {ياأيها النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك اللاتى} على أن النكاح ينعقد بلفظ الإجارة كما ينعقد بلفظ التزويج ويكون لفظ الإجارة مجازًا عنه لأن الثابت بكل منهما ملك منفعة فوجد المشترك ورد بأنه لا يلزم من تسمية المهر أجرًا صحة النكاح بلفظ الإجارة وما ذكر من التجوز ليس بشيء لأن الإجارة ليست سببًا لملك المنفعة حتى يتجوز بها عنه قاله في الهداية، وقال بعضهم: إن الإجارة لا تنعقد إلا مؤقتة والنكاح يشترط فيه نفيه فيتضادان فلا يستعار أحدهما للآخر. وتعقب بأنه إن كان المتضادان هما العرضين اللذين لا يجتمعان في محل واحد لزمكم مثله في البيع من كونه لا يجامع النكاح مع جواز العقد به عند الأصحاب، على أن التحقيق أن التوقيت ليس مفهوم لفظ الإجارة ولا جزا منه بل شرط لاعتباره فيكون خارجًا عنه فهو مجرد تمليك المنافع بعوض غير أنه إذا وقع مجردًا لا يعتبر شرعًا على مثال الصلاة فإنها الأقوال والأفعال المعروفة ولو وجدت من غير طهارة لا تعتبر، ولا يقال: إن الطهارة جزء مفهوم الصلاة هذا ومثل تقييد إحلال الأزواج بما ذكر على ما قيل تقييد إحلال المملوكة بكونها ممن باشر سباءها وشاهده في قوله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكَ} فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليه الجواز كون السبي ليس في محله، ولذا نكح بعض المتورعين الجواري بعقد بعد الشراء مع القول بعدم صحة العقد على الإماء.
واستشكل ذلك ارية بنت شمعون القبطية رضي الله تعالى عنها فإنها لم تكن مسبية بل أهداها له صلى الله عليه وسلم أمير القبط جريج بن مينا صاحب الإسكندرية ومصر. وأجيب بأن هذا غير وارد لأن هدايا أهل الحرب للإمام لها حكم الفيء، وقد يقال: إنه يستشكل بسرية له صلى الله عليه وسلم أخرى وهي جارية وهبتها له عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها وكان هجرها عليه الصلاة والسلام في شأن صفية بنت حيي ذا الحجة والمحرم وصفر فلما كان شهر ربيع الأول الذي قبض فيه رضي الله تعالى عنها ودخل عليها فقالت ما أدري ما أجزيك فوهبتها له وقد عدوها من سراريه صلى الله عليه وسلم والجواب المذكور لا يتسنى فيها، ولعل الجواب عن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام تسراها بيانًا للجواز ولا يبعد أنه كان متحققًا بدء أمرها وما جرى عليها بحيث كأنه باشر سبيها وشاهده، ويحتمل أنها كانت مما أفاء الله تعالى عليه عليه الصلاة والسلام فملكتها زينب بعض أسباب الملك ثم وهبتها له صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك قد أطلق عليه الصلاة والسلام حل المملوكة بعد ولم يقيد بحسب الظاهر بكونها مما أفاء الله عليه في قوله تعالى: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب: 52].
ثم إن هبة هذه الجارية كانت شهر وفاته صلى الله عليه وسلم والآية نزلت قبل لأنها نزلت أما سنة الأحزاب وهي السنة الخامسة من الهجرة وإما بعيد الفتح وهو السنة الثامنة منها وعلى هذا يكون ما وقع من أمر مارية متقدمًا على نزول الآية لأنها أهديت له صلى الله عليه وسلم السنة السابعة من الهجرة فإنه عليه الصلاة والسلام فيها أرسل رسله إلى الملوك ومنهم حاطب بن أبي بلتعة اللخمي أرسله إلى المقوقس أمير القبط المتقدم ذكره فقدم منه ارية وبأختها شيرين وبأخ أو بابن عم لها خصي يقال له مابور وببغلة تسمى دلدلا وبحمار يسمى يعفورا أو عفيرًا وبألف مثقال ذهبًا وبغير ذلك فتدبر، ومثل ما ذكر على ما قيل تقييد القرائب بكونها مهاجرات معه صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه.
{وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتى هاجرن مَعَكَ} فهن أفضل من غيرهن، والمعية للتشريك في الهجرة لا للمقارنة في الزمان كأسلمت مع سليمان، قال أبو حيان: يقال دخل فلان معي وخرج معي أي كان عمله كعملي وإن لم يقترنا في الزمان، ولو قلت: خرجنا معًا اقتضى المعنيين الاشتراك في الفعل والاقتران في الزمان وهو كلام حسن، وحكى الماوردي قولًا بأن الهجرة شرط في إحلال الأزواج على الإطلاق وهو ضعيف جدًا.
وقولًا آخر بأنها شرط في إحلال قراباته عليه الصلاة والسلام المذكورات واستدل له بما أخرجه بن سعد. وعبد بن حميد. والترمذي وحسنه. وابن جرير. وابن أبي حاتم. والطبراني. والحاكم وصححه. وابن مردويه. والبيهقي عن أم هانئ فاخته بنت أبي طالب قالت: «خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني فأنزل الله تعالى: {جَمِيلًا ياأيها النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك} إلى قوله سبحانه: {هاجرن مَعَكَ} قالت فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر معه كنت من الطلقاء» وأجيب بأن عدم الحل لفقد الهجرة إنما فهم من قول أم هانئ فلعلها إنما قالت ذلك حسب فهمها إياه من الآية وهو لا ينتهض حجة علينا إلاإذا جاءت به رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقال: إنه أخرج ابن سعد عن أبي صالح مولى أم هانئ قال: «خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هانئ بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله إني مؤتمة وبنى صغار فلما أدرك بنوها عرضت نفسها عليه عليه الصلاة والسلام فقال: أما الآن فلا إن الله تعالى أنزل على {وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتى هاجرن مَعَكَ}» ولم تكن من المهاجرات وهو يدل على أنه نفسه صلى الله عليه وسلم فهم الحرمة وإلا لتزوجها لأنا نقول بعد تسليم صحة الخبر؛ لا نسلم أنه صلى الله عليه وسلم فهم الحرمة وعدم التزوج يحوز أن يكون لكونه خلاف الأفضل، ويدل خبر أم هانئ على أن هذه الآية نزلت بعد الفتح فلا تغفل. وادعى بعضهم أن تحريم نكاح غير المهاجرة عليه صلى الله عليه وسلم كان أولًا ثم نسخ، وعن قتادة أن معنى {هاجرن مَعَكَ} أسلمن معك، قيل: وعلى هذا لا يحرم عليه عليه الصلاة والسلام إلا الكافرات وهو في غاية البعد كما لا يخفى، والظاهر أن المراد بأزواجك اللاتي آتيت مهورهن نساؤه صلى الله عليه وسلم اللاتي كن في عصمته وقد آتاهن مهورهن كعائشة. وحفصة. وسودة وا ملكت يمينك مما أفاء الله عليك نحو ريحانة بناء على ما قاله محمد ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح قريظة اصطفاها لنفسه فكانت عنده حتى توفيت عنده وهي في ملكه ووافقه في ذلك غيره أخرج الواقدي بسنده إلى أيوب بن بشير قال إنه عليه الصلاة والسلام أرسل بها إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر فكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضها فجاءت أم المنذر فأخبرته صلى الله عليه وسلم فجاءها في منزل أم المنذر فقال لها: إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطأك بالملك فعلت فقالت: يا رسول الله أحب أن أخف عليك وأن أكون في ملكك فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطؤها حتى ماتت.
وذهب بعضهم إلى أنه عليه الصلاة والسلام أعتقها وتزوجها، وأخرج ذلك الواقدي أيضًا عن ابن أبي ذئب عن الزهري ثم قال: وهذا الحديث أثبت عندنا: وروى عنها أنها قالت: لما سبيت بنو قريظة عرض السبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت فيمن عرض عليه فأمر بي فعزلت وكان له صفي كل غنيمة فلما عزلت خار الله تعالى لي فأرسل بي إلى منزل أم المنذر بنت قيس أيامًا حتى قتل الأسرى وفرق السبي فدخل على صلى الله عليه وسلم فتجنبت منه حياء فدعاني فأجلسني بين يديه فقال: إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فقلت: إني أختار الله تعالى ورسوله فلما أسلمت أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ذهبًا كما كان يصدق نساءه وأعرس بي في بيت أم النذر وكان يقسم لي كما يقسم لنسائه وضرب على الحجاب، ولم يذكر ابن الأثير غير القول باعتاقها وتزوجها. ومنهم من ذهب إلى أنها أسلمت فأعتقها عليه الصلاة والسلام فلحقت بأهلها وكانت تحتجب عندهم وتقول: لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى لحوقها بأهلها عن الزهري. وادعى بعضهم بقاءها حية بعده عليه الصلاة والسلام وأنها توفيت سنة ست عشرة أيام خلافة عمر رضي الله تعالى عنه. وذكر ابن كمال في «تفسيره لبيان الموصول» صفية وجويرية. والمذكور في أكثر المعتبرات في أمرهما أن صفية لما جمع سبي خيبر أخذها دحية وقد قال له صلى الله عليه وسلم: اذهب فخذ جارية ثم أخبر عليه الصلاة والسلام أنها لا تصلح إلا له لكونها بنت سيد قومه فقال لدحية: خذ غيرها وأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقها وتزوجها وكان صداقها نفسها، وأن جويرية في غزوة بني المصطلق وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري فكاتبته على نفسها ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحرث وكان من أمري ما لا يخفى عليك ووقعت في سهم ثابت بن قيس وإني كاتبت نفسي فجئت أسألك في كتابتي فقال عليه الصلاة والسلام فهل لك إلى ما هو خير: قالت؟ وما هو يا رسول الله؟ قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك قالت: قد فعلت، وقال ابن هشام ويقال اشتراها صلى الله عليه وسلم من ثابت وأعتقها وتزوجها وأصدقها أربعمائة درهم، ولا يخفى عليك أنه إذا كان المراد إحلال ما ملكت يمينه صلى الله عليه وسلم حين الملك من حيث أنه ملك له وإن لم يحصل وطء بالفعل يدخل جميع ما ملكه عليه الصلاة والسلام من الجواري حين الملك ولا يضر الاعتاق والتزوج بعد ذلك وحل الوطء بسبب النكاح لا الملك وإن كان المراد إحلال ذلك مع وقوع الوطء بالفعل ووصف الملك قائم لا يصح بيان الموصول إلا ملوكة وطئها عليه الصلاة والسلام وهي ملكه كريحانة في قول وجارية أصابها في بعض السبي وعدوها من سراريه صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المعظم اسمها وعد الجلبي من سراريه عليه الصلاة والسلام جارية سماها زليخة القرظية فلعلها هي التي لم تسم وكمارية القبطية والجارية التي وهبتها له عليه الصلاة والسلام زينب، وقد سمعت الكلام فيهما آنفًا والمراد ببنات عمه وبنات عماته بنات القرشيين وبنات القرشيات فإنه يقال للقرشيين قربوا أو بعدوا أعمامه صلى الله عليه وسلم وللقرشيات قربن أو بعدن عماته عليه الصلاة والسلام، والمراد ببنات خاله وبنات خالاته بنات بني زهرة ذكورهم وأناثهم وإلى هذا ذهب الطبرسي في مجمع البيان ولم يذكر غيره، وإطلاق الأعمام والعمات على أقارب الشخص من جهة أبيه ذكورًا وإناثًا قربوا أو بعدوا والأخوال والخالات على أقاربه من جهة أمه كذلك شائع في العرف كثير في الاستعمال.
واللاتي نكحن ودخل بهن صلى الله عليه وسلم من القرشيات ست وكان نكاحه بعضهن قبل نزول الآية بيقين ونكاحه بعضهن الآخر محتمل للقبلية والبعدية كما لا يخفى على من راجع كتب السير وسمع ما قيل في وقت نزول الآية، ولم نقف على أنه عليه الصلاة والسلام نكح أحدًا من الزهريات أصلًا فالمراد بإحلال نكاح أولئك مجرد جوازه وهو لا يستدعي الوقوع، وإذا حمل العم على أخي الأب والعمة على أخته والخال على أخي الأم والخالة على أختها اقتضى ظاهر الآية أن يكون له صلى الله عليه وسلم عم وعمة وخال وخالة كذلك وأن يكون لهم بنات وذلك مشهور في شأن العم والعمة وبناتهما فقد ذكر معظم أهل السير عدة أعمام له صلى الله عليه وسلم وعدة بنات لهم كالعباس ومن بناته أم حبيبة تزوجها أسود المخزومي وكان قد خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قيل فوجد أباها أخاه من الرضاعة كان قد أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب، وكأبي طالب ومن بناته أم هانئ وقد سمعت ما قيل في شأنها وجمانة كانت إحدى المبايعات له صلى الله عليه وسلم وكانت تحت أبي سفيان بن الحرث عمها، وكأبي لهب ومن بناته خالدة تزوجها عثمان بن أبي العاص الثقفي وولدت له، ودرة أسلمت وهاجرت وكانت تحت الحرث بن نوفل ثم تحت دحية الكلبي، وعزة تزوجها أوفى بن أمية، وكالزبير ومن بناته ضباعة زوجة المقداد بن الأسود وأم الحكم ويقال أنها أخته عليه الصلاة والسلام من الرضاعة وكان يزورها بالمدينة وكحمزة ومن بناته أمامة لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء أتى بها من مكة وزوجها سلمة بن أم سلمة ومقتضى قول القسطلاني أن حمزة أخوه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أرضعتهما ثويبة بلبن ابنها مسروح أنها لا تحل له عليه الصلاة والسلام بل ذكر هو أيضًا أنها عرضت عليه فقال هي ابنة أخي من الرضاعة وكالحرث ومن بناته أروى زوجة أبي وداعة وكالمقوم ومن بناته من اسمها أروى أيضًا زوجة ابن عمها أبي سفيان بن الحرث وذكروا أيضًا له صلى الله عليه وسلم عدة عمات وعدة بنات لهن، منهن أميمة ومن بناتها زينب أم المؤمنين وهي التي نزل فيها قوله تعالى: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَرًا زوجناكها} [الأحزاب: 37] وأم حبيبة وكانت زوجة عبد الرحمن بن عوف، وحمنة وكانت عند مصعب بن عمير ثم عند طلحة أحد العشرة، ومنهن البيضاء ومن بناتها أروى أم عثمان رضي الله تعالى عنه. وأم طلحة بنتًا كريز بن ربيعة؛ ومنهن عاتكة ومن بناتها قريبة بنت زاد الراكب أبي أمية بن المغيرة، ومنهن صفية ومن بناتها صفية بنت الحرث بن حارثة وأم حبيبة بنت العوام بن خويلد، وأما الخال والخالة فلم يشتهر ذكرهما، نعم ذكر في الإصابة فريعة بنت وهب الزهرية رفعها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «من أراد أن ينظر إلى خالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذه»، وفيها أيضًا فاختة بنت عمرو والزهرية خالة النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرج الطبراني من طريق عبد الرحمن بن عثمان الوقاصي عن ابن المنكدر عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وهبت خالتي فاختة بنت عمرو وغلامًا وأمرتها أن لا تجعله جازرًا ولا صائغًا ولا حجامًا، والوقاصي ضعيف. وقال: في صفية بنت عبد المطلب هي شقيقة حمزة أمهما هالة خالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي هالة بنت وهب كما في «المواهب» ولم نقف لهذه الخالة على بنت غير صفية عمته عليه الصلاة والسلام، وكذا لم نقف على بنات لمن ذكرنا قبلها، ووقفنا على خال واحد له عليه الصلاة والسلام وهو عبد يغوث بن وهب ولم نقف على بنت له وإنما وقفنا على ابنين أحدهما الأرقم وله ابن يسمى عبد الله وهو صحابي كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولصاحبيه وكان على بيت المال في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وكان أثيرًا عنده حتى أن حفصة روت عنه أنه قال لها: لولا أن ينكر على قومك لاستخلفت عبد الله بن الأرقم، وقيل: هو ابن عبد يغوث والأرقم هو عبد يغوث، والبخاري على ما قلنا وقد أسلم يوم الفتح، وقال بعضهم فيه: خال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الناس من ذكر لعبد الله هذا أخًا سماه عبد الرحمن بن الأرقم وأثبت له الصحبة وفي ذلك مقال، وثانيهما: الأسود وأطلق عليه النبي عليه الصلاة والسلام اسم الخال، فقد روى أنه كان أحد المستهزئين به صلى الله عليه وسلم فقصد جبريل عليه السلام إهلاكه فقال صلى الله عليه وسلم: يا جبريل خالي فقال: دعه عنك، وله ابن هو عبد الرحمن وبنت هي خالدة وكانت من المهاجرات الصالحات وقد أطلق عليها أيضًا الخالة.
أخرج المستغفري من طريق أبي عمير الجرمي عن معمر عن الزهري عن عبيد الله مرسلًا قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم منزله فرأى عند عائشة امرأة فقال: من هذه يا عائشة قالت: هذه إحدى خالاتك فقال: إن خالاتي بهذه البلدة لغرائب فقالت: هذه خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث فقال: سبحان الذي يخرج الحي من الميت قرأها مثقلة.
وأخرج موسى بن إبراهيم عن أبيه عن أبي سلمة عن عائشة موصولًا نحوه، وفي هذا الخبر وما قبله إطلاق الخال والخالة على قرابة الأم وإن لم يكن الخال أخاها والخالة أختها، وبذلك يتأيد ما ذكرناه سابقًا فاحفظ ذاك والله تعالى يتول هداك، وإياك أن تظن الأمر فرضيًا أو أن الخطاب وإن كان خاصًا في الظاهر عام في الحقيقة فيكفي وجود بنات خال وبنات خالات لغيره عليه الصلاة والسلام كما يظن ذلك من يشهد العم بجهله ويصدق الخال بقلة عقله، هذا وقد كثر السؤال عن حكمة أفراد العم والخال وجمع العمة والخالة حتى أن السبكي على ماقيل صنف جزأ فيه سماه الهمة في إفراد العم وجمع العمة.
قال الخفاجي: وقد رأيت لهم فيه كلمات ضعيفة كقول الرازي إن العم والخال على زنة المصدر ولذا لم يجمعا بخلاف العمة والخالة، وقيل لم يجمعا ليعما إذا أضيفا، والعمة والخالة لا يعمان لتاء الوحدة وهي إن لم تمنع العموم حقيقة تأباه ظاهرًا، ولا يأبى ذلك قوله تعالى: في سورة النور: {بُيُوتِ أعمامكم أَوْ بُيُوتِ عماتكم} [النور: 61] لأنه على الأصل، ثم قال: وأحسن منه ما قيل إن أعمامه صلى الله عليه وسلم العباس وحمزة رضي الله تعالى عنهما أخواه من الرضاع لا تحل له بناتهما، وأبو طالب ابنته أم هانئ لم تكن مهاجرة اه، وما ادعى ضعفه فهو كما قال وما زعم أنه أحسن منه إن كان كما نقلناه بهذا المقدار خاليًا عن إسقاط شيء حسا وجدناه في نسختنا فهو مما لا حسن فيه فضلًا عن كونه أحسن، وإن كان له تتمة فالنظر فيه بعد الإطلاع عليها إليك وأظنه على العلات ليس بشيء.
وقال بعض الأجلة المعاصرين من العلماء المحققين لا زال سعيد زمانه سابقًا بالفضل على أقرانه: يحتمل أن يكون إفراد العم لأنه نزلة الأب بل قد يطلق عليه الأب ومنه في قول: {وَإِذْ قَالَ إبراهيم لاِبِيهِ ءازَرَ} [الأنعام: 74] والأب لا يكون إلا واحدًا فكان الإفراد أنسب بمن ينزل منزلته ويكون جمع العمة على الأصل وإفراد الخال ليكون على وفق العلم وجمع الخالة وإن كانت نزلة الأم لتكون على وفق العمات، ويحتمل أن يكون إفراد المذكر وجمع المؤنث لقلة الذكور وكثرة الإناث، وقد ورد في الآثار ما يدل على أن النساء أكثر من الرجال.
وقال آخر من أولئك الأجلة لا زالت مدارس العلم تزهو به وتشكر فضله: إن ذلك لما فيه من الحسن اللفظي فإن بين العم والعمات والخال والخالات نوعًا من الجناس ولأن أعمامه عليه الصلاة والسلام كانوا على ما ذكره صاحب ذخائر العقبى اثني عشر عمًا وعماته كن ستًا فلو قيل أعمامك لتوهم أنهم أقل من اثني عشر لأنه جمع قلة وغاية ما يصدق هو عليه تسعة أو عشرة على قول ولو قيل: عمتك لم تتحقق الإشارة إلى قلتهن فلذا أفرد العم وجمعت العمة وقيل: خالك وخالاتك ليوافق ما قيل: وأنا أقول: الذي يغلب على ظني في ذلك ما حكاه أبو حيان عن القاضي أبي بكر بن العربي من أن ما ذكر عرف لغوي على معنى أنه جرى عرف اللغويين في مثل ذلك على إفراد العم والخال وجمع العمة والخالة، ونحن قد تتبعنا كثيرًا من أشعار العرب فلم نر العم مضافًا إليه ابن أو بنت بالإفراد أو الجمع إلا مفردًا نحو قوله:
جاء شقيق عارضًا رمحه ** إن بني عمك فيهم رماح

وقوله:
فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى ** بصاحبه يومًا دمًا فهو آكله

وقوله:
قالت بنات العم يا سلمى وإن ** كان فقيرًا معدمًا قالت وإن

وقوله:
يا بنت عما لا تلومي واهجعي ** فليس يخلو عنك يومًا مضجعي

إلى ما لا يحصى كثرة، وأما اطراد إفراد الخال وجمع العمة والخالة إذا أضيف إليها ما ذكر فلست على ثقة من أمره، فإذا كان الأمر في المذكورات كالأمر في العم فليس فوق هذا الجواب جواب، والظن بالقاضي أنه لم يحكم بما حكم إلا عن بينة مع أني لا أطلق القول بعدم قبول حكم القاضي بعلمه ولا أفتى به، نعم لهذا القاضي حكم مشهور في أمر الحسين رضي الله تعالى عنه ولعن من رضي بقتله لا يرتضيه إلا يزيد زاد الله عز وجل عليه عذابه الشديد، وعلى تقدير كون الأمر في العم ومن معه كما قال يحتمل أن يكون الداعي لإفراد العم والخال الرجوع إلى أصل واحد مع ما بين الذكور من جهة العمومة والخؤلة في حق الشخص المدلى بهما من التناصر والتساعد فلذلك ترى الشخص يهرع لدفع بليته إلى ذكور عمومته وخؤلته، وذلك التعاضد يجعل المتعدد في حكم الواحد، ويقوى هذا الاعتبار هنالك إضافة الفرع كالبنين والبنات إلى ذلك، ولعل في الإفراد مع جمع المضاف المذكور إشارة إلى أن البنين والبنات وإن كانوا بنين وبنات لمتعددين في نفس الأمر إلا أنهم في حكم البنين والبنات لواحد وأن كل واحد من الأعمام والأخوال لمزيد شفقته على أبناء وبنات كل كأنه أب لأبناء وبنات كل، وهذا الذي ذكرناه لا يوجد في العمات والخالات.
ولا يرد عليه جمع العم والخال في آية النور كما لا يخفى على من له أدنى نور يهتدى به إذا أشكلت الأمور، ويمكن أن يقال في الحكمة هاهنا خاصة: أنه لما كان المفرد أصلًا والمجموع فرعه والمذكر أصلًا والمؤنث فرعه أتى بالعم والخال المذكرين مفردين وبالعمة والخالة المؤنثين مجموعين فاجتمع في الأولين أصلان وفي الأخيرين فرعان بحكم شبيه الشيء منجذب إليه وإن الطيور على أشباهها تقع، وما ألطف هذا الاجتماع في منصة مقام النكاح لما فيه من الإشارة إلى الكفاءة وأن المناسب ضم الجنس إلى جنسه كما يقتضيه بعض الآيات وهو لعمري ألطف من جمع المذكر وإفراد المؤنث ليجتمع في كل أصل وفرع فيوافق ما في النكاح من اجتماع ذكر هو أصل وأنثى هي فرع لخلوه عن الإشارة إلى ذلك الضم المناسب المستحسن عند كل ذي رأي صائب على أن في جمع أصلين في العم موافقة لما في النكاح من جمع الزوجين الذين هما أصلان لما يتولد منهما وإذا اعتبر جمعهما في الخال الذي قاربته من جهة الأم التي لا تعتبر في النسب وافق الجملة ما في النكاح من اجتماع أصل وفرع فلا يفوت ذلك بالكلية على ما في النظم الجليل.
وأيضًا في الانتقال من الأفراد إلى الجمع في جانبي العمومة والخؤولة إشارة إلى ما في النكاح من انتقال كل من الزوج والزوجة من حال الانفراد إلى حال الاجتماع فلله تعالى در التنزيل، هذا ما عندي وهو زهرة ربيع لا تتحمل الفرك ومع هذا قسه إلى ما سمعت عن ساداتنا المعاصرين واختر لنفسك ما يحلو والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
{وامرأة مُّؤْمِنَةً} بالنصب عطفًا على مفعول أحللنا عند جمع وليس معنى {أَحْلَلْنَا} إنشاء لإحلال الناجز ولا الإخبار عن إحلال ماض بل إعلام طلق الإحلال المنتظم لما سبق ولحق فلا يعكر على ذلك الشرط وهذا كما تقول أبحت لك أن تكلم فلانًا إن سلم عليك، ولما فيه من البحث قال بعضهم: إنه نصب بفعل يفسره ما قبل أي ويحل لك امرأة أو وأحللنا لك امرأة وهو مستقبل لمكان الشرط.
وقرأ أبو حيوة بالرفع على أنه مبتدأ والخبر محذوف أي وامرأة مؤمنة أحللناها لك أيضًا {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ} أي ملكته المتعة بها بأي عبارة كانت بلا مهر.
وقرأ أبي. والحسن. والشعبي. وعيسى. وسلام {إِن وَهَبَتْ} بفتح الهمزة أي لأن وهبت وقيل: أي وقت أن وهبت أو مدة أن وهبت فتكون أن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب على الظرفية؛ وأكثر النحاة لا يجيزونه في غير المصدر الصريح كآتيك خفوق النجم وغير ما المصدرية، وجوز أن يكون المصدر بدلًا من {امرأت} وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {إِذْ وَهَبَتْ} وإذ ظرف لما مضى وقيل: هي مثلها في قوله تعالى: {وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] {إِنْ أَرَادَ النبى أَن يَسْتَنكِحَهَا} أي يتملك المتعة بها بأي عبارة كانت بلا مهر وهذا شرط للشرط الأول في استيجاب الحل فهبتها نفسها منه صلى الله عليه وسلم لا يوجب له حلها إلا بإرادته نكاحها وهذه الإرادة جارية مجرى قبول بالهبة، وقال ابن كمال: الإرادة المذكورة عبارة عن القبول ولا وجه لحملها على الحقيقة لأن قوله تعالى: {يَسْتَنكِحَهَا} يغني عن الإرادة عناه الوضعي وهو يشير إلى أن السين للطلب، وكلام بعض الأجلة على هذا حيث قال: إرادة طلب النكاح كناية عن القبول.
وقيل: استفعل هنا عنى فعل فالاستنكاح عنى النكاح لئلا يتوهم التكرار وفيه نظر، واستظهر صاحب هذا القيل حمل الإرادة على الإرادة المتقدمة على الهبة بناءً على أن التركيب يقتضي تقدم هذا الشرط فقد قالوا: إذا اجتمع شرطان فالثاني شرط في الأول متأخر في اللفظ متقدم في الوقوع وهو نزلة الحال، ومن هنا قال: الفقهاء: لو قال: إن ركبت إن أكلت فأنت طالق لا تطلق ما لم يتقدم الأكل على الركوب ليتحقق تقييد الحالية.
واستشكل السمين هذه القاعدة بما هنا بناءً على أنهم جعلوا ذلك الشرط نزلة القبول لاقتضاء الواقع ذلك، ثم ذكر أنه عرضه على علماء عصره فلم يجدوا مخلصًا منه إلا بأن هذه القاعدة ليست بكلية بل مخصوصة بما لم تقم قرينة على تأخر الثاني كما في نحو إن تزوجتك إن طلقتك فعبدي حرفان الطلاق لا يتقدم التزوج وما نحن فيه من هذا القبيل ثم قال: فمن جعل الشرط الثاني هنا مقدمًا لم يصب ورأيت في الفن السابع من الأشباه والنظائر النحوية للجلال السيوطي عليه الرحمة كلامًا لابن هشام ذكر فيه أن جعل الآية كالمثال ونظمهما في سلك مسألة اعتراض الشرط على الشرط هو ما ذهب إليه جماعة منهم ابن مالك، وذهب هو إلى أن المثال من مسألة الاعتراض المذكور دون الآية واحتج عليه بما احتج، ثم ذكر الخلاف في صحة تركيب ما وقع فيه الاعتراض كالمثال وأن الجمهور على جوازه وهو الصحيح وأن المجيزين اختلفوا في تحقيق ما يقع به مضمون الجواب الواقع بعد الشرطين على ثلاثة مذاهب، أحدهما: أنه إنما يقع جموع أمرين، أحدهما: حصول كل من الشرطين، والآخر: كون الشرط الثاني واقعًا قبل وقوع الأول ففي المثال لا يقع الطلاق إلا بوقوع الركوب والأكل من تقدم وقوع الأكل على الركوب، وذكر أن هذا مذهب الجمهور.
وثانيها: أنه يقع بحصول الشرطين مطلقًا وذكر أنه حكاه له بعض العلماء عن إمام الحرمين وأنه رآه محكيًا عن غيره بعد. وثالثها: أنه يقع بوقوع الشرطين على الترتيب فإنما تطلق في المثال إذا ركبت أولًا ثم أكلت وأبطل كلًا من المذهبين الأخيرين وذكر في توجيه التركيب على المذهب الأول مذهبين. الأول: مذهب الجمهور أن الجواب المذكور للشرط الأول وجواب الثاني محذوف لدلالة الأول وجوابه عليه ولإغناء ذلك عنه وقيامه مقامه لزم في وقوع المعلق على ذلك أن يكون الثاني واقعًا قبل الأول ضرورة أن الجواب لابد من تأخره عن الشرط فكذا الأمر في القائم مقام الشرط، والثاني: مذهب ابن مالك أن الجواب المذكور للأول والثاني لا جواب له لا مذكور ولا مقدر لأنه مقيد للأول تقييده بحال واقعة موقعه فالمعنى في المثال إن ركبت آكلة فأنت طالق، وفيه أنه خارج عن القياس وأنه لا يطرد في إن قمت إن قعدت فأنت طالق وأن الشرط بعيد عن مذهب الحال لمكان الاستقبال.
وبالجملة قد أطال الكلام في هذه المسألة وهي مسألة شهيرة ذكرها الأصوليون وغيرهم وفيما ذكرنا فيها اكتفاء بأقل اللازم هاهنا فتأمل.
وأكثر العلماء على وقوع الهبة واختلفوا في تعيين الواهبة فعن ابن عباس. وقتادة. وعكرمة هي ميمونة بنت الحرث الهلالية؛ وفي المواهب يقال: إن ميمونة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن خطبته عليه الصلاة والسلام انتهت إليهاوهي على بعيرها فقالت: البعير وما عليه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك سنة سبع بعد غزوة خيبر وبنى عليها عليه الصلاة والسلام بسرف على عشرة أميال من مكة، وعليه تكون إرادة النكاح سابقة على الهبة فيضعف به قول السمين: وعن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما. والضحاك. ومقاتل هي أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية، قال في الصفوة: والأكثرون على أنها هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت. وفي الدر المنثور عن منير بن عبد الله الدوسي أنه عليه الصلاة والسلام قبلها، وعن عروة. والشعبي هي زينب بنت خزيمة من الأنصار كانت تدعى في الجاهلية أم المساكين لإطعامها إياهم وكان ذلك في سنة ثلاث ولم تلبث عنده صلى الله عليه وسلم إلا قليلًا حتى توفيت رضي الله تعالى عنها.
وأخرج ابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي في السنن عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم وقد أرجأها عليه الصلاة والسلام فتزوجها عثمان بن مظعون بإذنه صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: يجوز تعدد الواهبات فقد أخرج الشيخان. وغيرهما عن عروة بن الزبير قال: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت: {تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] قالت عائشة: يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك فقوله: من اللاتي وهبن أنفسهن صريح في تعددهن، وأنكر بعضهم وقوع الهبة وقيل: إن قوله تعالى: {إِن وَهَبَتْ} يشير إلى عدم وقوعها وأنها أمر مفروض وكذا تنكير {امرأت} فالمراد الإعلام بالإحلال في هذه الصورة إن اتفقت وأنكر بعضهم القبول.
أخرج ابن سعد عن ابن أبي عون أن ليلى بنت الحطيم وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ووهبن نساء أنفسهن فلم نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل منهن أحدًا، وما أخرجه ابن جرير. وابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له يحتمل نفي القبول ويحتمل نفي الهبة، وإيراده صلى الله عليه وسلم في الموضعين بعنوان النبوة بطريق الالتفات للتكرمة والإيذان بأنها المناط لثبوت الحكم فيختص به عليه الصلاة والسلام حسب اختصاصها به كما ينطق به قوله تعالى: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين} ويتضمن ذلك الإشارة إلى أن هبة من تهب لم تكن حرصًا على الرجال وقضاء الوطر بل على الفوز بشرف خدمته صلى الله عليه وسلم والنزول في معدن الفضل، وبذلك يعلم أن قول عائشة: ما في امرأة وهبت نفسها لرجل خير وكذا اعتراضها السابق صادر من شدة غيرتها رضي الله تعالى عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بدع فالمحب غيور وقد قال بعض المحبين:
أغار إذا آنست في الحي أنة ** حذارًا وخوفًا أن تكون لحبه

ونصب {خَالِصَةٌ} على أنه مصدر مؤكد للجملة قبله، وفاعلة في المصادر على ما قال الزمخشري غير عزيز كالعافية والكاذبة، وادعى أبو حيان عزتها، والكثير على تعلق ذلك بإحلال الواهبة أي خلص لك إحلالها خالصة أي خلوصًا، وقال الزجاج: هو حال من {امرأت} لتخصصها بالوصف أي أحللناها خالصة لك لا تحل لأحد غيرك في الدنيا والآخرة.
وقال أبو البقاء: هو حال من ضمير {وَهَبَتْ} أو صفة لمصدر محذوف أي هبة خالصة. وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ذاك خلوص لك وخصوص أو هي أي تلك المرأة أو الهبة خالصة لك لا تتجاوز المؤمنين.
واستدل الشافعية رضي الله تعالى عنهم به على أن النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة لأن اللفظ تابع للمعنى وقد خص عليه الصلاة والسلام بالمعنى فيختص باللفظ، وقال بعض أجلة أصحابنا في ذلك: إن المرادب الهبة في الآية تمليك المتعة بلا عوض بأي لفظ كان لا تمليكها بلفظ وهبت نفسي فحيث لم يكن ذلك نصًا في التمليك بهذا اللفظ لم يصلح لأن يكون مناطًا للخلاف في انعقاد النكاح بلفظ الهبة إيجابًا وسلبًا، ومعنى خلوص الإحلال المذكور له صلى الله عليه وسلم من دون المؤمنين كونه متحققًا في حقه غير متحقق في حقهم إذ لابد في الإحلال لهم من مهر المثل.
وظاهر كلام العلامة ابن الهمام اعتبار لفظ الهبة حيث قال في الفتح: قد ورد النكاح بلفظ الهبة وساق الآية ثم قال: والأصل عدم الخصوصية حتى يقوم دليلها، وقوله تعالى: {خَالِصَةً لَّكَ} يرجع إلى عدم المهر بقرينة إعقابه بالتعليل بنفي الحرج فإن الحرج ليس في ترك لفظ إلى غيره خصوصًا بالنسبة إلى أفصح العرب بل في لزوم المال، وبقرينة وقوعه في مقابلة المؤتى أجورهن فصار الحاصل أحللنا لك الأزواج المؤتى مهورهن والتي وهبت نفسها لك فلم تأخذ مهرًا خالصة هذه الخصلة لك من دون المؤمنين أما هم فقد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم إلخ من المهر وغيره. وأبدى صدر الشريعة جواز كونه متعلقًا بأحللنا قيدًا في إحلال أزواجه له صلى الله عليه وسلم لإفادة عدم حلهن لغيره صلى الله عليه وسلم انتهى، وجوز بعضهم كونه قيدًا في إحلال الإماء أيضًا لإفادة عدم حل إمائه كأزواجه لأحد بعده عليه الصلاة والسلام، وبعض آخر كونه قيدًا لإحلال جميع ما تقدم على القيود المذكورة أي خلص إحلال ما أحللنا لك من المذكورات على القيود المذكورة خلصوها من دون المؤمنين فإن إحلال الجميع على القيود المذكورة غير متحقق في حقهم بل المتحقق فيه إحلال بعض المعدود على الوجه المعهود، واختاره الزمخشري، وأيًا ما كان فقوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أزواجهم وَمَا مَلَكَتْ أيمانهم} اعتراض بين المتعلق والمتعلق، والأول: على جميع الأوجه قوله سبحانه: {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} والثاني: على الوجه الأحير وهو تعلق خالصة بجميع ما سلف من الإحلالات الأربع قوله تعالى: {خَالِصَةٌ} وهو مؤكد معنى اختصاصه عليه الصلاة والسلام بما اختص به بأن كلًا من الاختصاص عن علم وأن هذه الحظوة مما يليق نصب الرسالة فحسب فالمعنى أن الله تعالى قد علم ما ينبغي من حيث الحكمة فرضه على المؤمنين في حق الأزواج والإماء وعلى أي حد وصفة ينبغي أن يفرض عليهم ففرضه واختصك سبحانه بالتنزيه واختيار ما هو أولى وأفضل في دنياك حيث أحل جل شأنه لك أجناس المنكوحات وزاد لك الواهبة نفسها من غير عوض لئلا يكون عليك ضيق في دينك، وهو على الوجه الأول الذي ذكرناه وهو تعلق خالصة بالواهبة خاصة قوله عز وجل: {إِنَّا أَحْلَلْنَا} وهو الذي استظهره أبو حيان وأمر الاعتراض عليه في حاله، وبعضهم يجعل المتعلق خالصة على سائر الأوجه والتعلق به باعتبار ما فيه من معنى ثبوت الإحلال وحصوله له صلى الله عليه وسلم لا باعتبار اختصاصه به عليه الصلاة والسلام لأن مدار انتفاء الحرج هو الأول لا الثاني الذي هو عبارة عن عدم ثبوته لغيره صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عطية: إن {لّكَيْلاَ} إلخ متعلق حذوف أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح لئلا يكون عليك حرج ويظن بك أنك قد أثمت عند ربك عز وجل فلا اعتراض على هذا، ولا يخلو عن اعتراض فتدبر ولا تغفل.
{وَكَانَ الله غَفُورًا} أي كثير المغفرة فيغفر ما يشاء مما يعسر التحرز عنه وغيره {رَّحِيمًا} أي وافر الرحمة، ومن رحمته سبحانه أن وسع الأمر في مواقع الحرج.