فصل: تفسير الآية رقم (57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (57):

{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)}
{إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} أريد بالايذاء إما ارتكاب ما لا يرضيانه من الكفر وكبائر المعاصي مجازًا لأنه سبب أو لازم له وإن كان ذلك بالنظر إليه تعالى بالنسبة إلى غيره سبحانه فإنه كاف في العلاقة، وقيل في إيذائه تعالى: هو قول اليهود والنصارى والمشركين يد الله مغلولة والمسيح ابن الله والملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وقيل قول الذين يلحدون في آياته سبحانه، وقيل تصوير التصاوير وروي عن كعب ما يقتضيه، وقيل في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم هو قولهم: شاعر ساحر كاهن مجنون وحاشاه عليه الصلاة والسلام، وقيل هو كسر رباعيته وشج وجهه الشريف وكان ذلك في غزوة أحد، وقيل طعنهم في نكاح صفية بنت حيي؛ والحق هو العموم فيهما، وإما إيذاؤه عليه الصلاة والسلام خاصة بطريق الحقيقة وذكر الله عز وجل لتعظيمه صلى الله عليه وسلم ببيان قربه وكونه حبيبه المختص به حتى كان ما يؤذيه يؤذيه سبحانه كما أن من يطيعه يطيع الله تعالى.
وجوز أن يكون الإيذاء على حقيقته والكلام على حذف مضاف أي يؤذون أولياء الله ورسوله وليس بشيء، وقيل يجوز أن يراد منه المعنى المجازي بالنسبة إليه تعالى والمعنى الحقيقي بالنسبة إلى رسوله عليه الصلاة والسلام وتعدد المعمول نزلة تكرر لفظ العامل فيخف أمر الجمع بين المعنيين حتى ادعى بعضهم أنه ليس من الجمع الممنوع وليس بشيء {لَّعَنَهُمُ الله} طردهم وأبعدهم من رحمته {فِى الدنيا والاخرة} بحيث لا يكادون ينالون فيها شيئًا منها، وذلك في الآخرة ظاهر، وأما في الدنيا فقيل نعهم زيادة الهدى {وَأَعَدَّ لَهُمْ} مع ذلك {عَذَابًا مُّهِينًا} يصيبهم في الآخرة خاصة.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}
{والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات} يفعلون بهم ما يتأذون به من قول أو فعل، وتقييده بقوله تعالى: {بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} أي بغير جناية يستحقون بها الأذية شرعًا بعد إطلاقه فيما قبله للإيذان بأن أذى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا في غير حق وأما أذى هؤلاى فمنه ومنه.
وروي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال يومًا لأبي: يا أبا المنذر قرأت البارحة آية من كتاب الله تعالى فوقعت منى كل موقع {والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات} والله إني لأعاقبهم وأضربهم فقال: إنك لست منهم إنما أنت معلم ومقوم وقوله تعالى: {الذين} مبتدأ وقوله سبحانه: {فَقَدِ احتملوا بهتانا} أي فعلًا شنيعًا وقيل ما هو كالبهتان أي الكذب الذي يبهت الشخص لفظاعته في الاثم، وقيل احتمل بهتانًا أي كذبًا فظيعًا إذا كان الإيذان بالقول: {وَإِثْمًا مُّبِينًا} أي ظاهر ابينا خبره، ودخلت الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط، والآية قيل نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليًا كرم الله تعالى وجهه ويسمعونه ما لا خير فيه.
وأخرج ابن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: أنزلت في عبد الله بن أبي وناس معه قذفوا عائشة رضي الله تعالى عنها فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «من يعذرني من رجل يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني فنزلت».
وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنها انها نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم في أخذ صفية بنت حي رضي الله تعالى عنها، وعن الضحاك. والسدى. والكلبي أنها نزلت في زاناة كانوا يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن وكانوا لا يتعرضون إلا للإماء ولكن را يقع منهم التعرض للحرائر جهلًا أو تجاهلًا لاتحاد الكل في الزي واللباس، والظاهر عموم الآية لكل ما ذكر ولكل ما سيأتي من أراجيف المرجفين، وفيها من الدلالة على حرمة المؤمنين والمؤمنات ما فيها، وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهدفي هذه الآية قال: يلقي الجرب على أهل النار فيحكون حتى تبدو العظام فيقولون ربنا اذا أصابنا هذا فيقال: بأذاكم المسلمين، وأخرج غير واحد عن قتادة قال: إياكم وأذى المؤمن فإن الله تعالى يحوطه ويغضب له.
وأخرج ابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أي الربا أربى عند الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم ثم قرأ صلى الله عليه وسلم والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا الآية».

.تفسير الآية رقم (59):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)}
{يأَيُّهَا النبى} بعد ما بين سبحانه سوء حال المؤذين زجرًا لهم عن الإيذاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يأمر بعض المتأذين منهم بما يدفع إيذاءهم في الجملة من التستر والتميز عن مواقع الإيذاء فقال عز وجل: {قُل لازواجك وبناتك وَنِسَاء المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} روي عن غير واحد أنه كانت الحرة والأمة تخرجان ليلًا لقضاء الحاجة في الغيظان وبين النخيل من غير امتياز بين الحرائر والإماء وكان في المدينة فساق يتعرضون للإماء ورا تعرضوا للحرائر فإذا قيل لهم يقولون حسبناهن اماء فأمرت الحراير أن يخالفن الإماء بالزي والتستر ليحتشمن ويهبن فلا يطمع فيهن، والجلابيب جمع جلباب وهو على ما روي عن ابن عباس الذي يستر من فوق إلى أسفل، وقال ابن جبير: المقنعة، وقيل: الملحفة، وقيل: كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، وقيل: كل ما تتستر به من كساء أو غيره، وأنشدوا:
تجلببت من سواد الليل جلبابا

وقيل هو ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء، والادناء التقريب يقال أدناني أي قربني وضمن معنى الارخاء أو السدل ولذا عدي بعلى على ما يظهر لي، ولعل نكتة التضمين الإشارة إلى أن المطلوب تستر يتأتى معه رؤية الطريق إذا مشين فتأمل.
ونقل أبو حيان عن الكسائي أنه قال: أي يتقنعن لاحفهن منضمة عليهن ثم قال: أراد بالانضمام معنى الأدناء، وفي الكشاف معنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} يرخين عليهن يقال إذا زل الثوب عن وجه المرأة أدنى ثوبك على وجهك.
وفسر ذلك سعيد بن جبير بيسدلن عليهن، وعندي أن كل ذلك بيان لحاصل المعنى، والظاهر أن المراد بعليهن على جميع أجسادهن، وقيل: على رؤوسهن أو على وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه.
واختلف في كيفية هذا التستر فأخرج ابن جرير. وابن المنذر. وغيرهما عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن هذه الآية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} فرفع ملحفة كانت عليه فتقنع بها وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطى وجهه وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر، وقال السدى: تغطى إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين، وقال ابن عباس. وقتادة: تلوى الجلباب فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الألف وإن ظهرت عيناها لكن تستر الصدر ومعظم الوجه، وفي رواية أخرى عن الحبر رواها ابن جرير. وابن أبي حاتم. وابن مردويه تغطى وجهها من فوق رأسها بالجلباب وتبدي عينا واحدة.
وأخرج عبد الرزاق. وجماعة عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} خرج نساء الأنصار كان على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: رحم الله تعالى نساء الأنصار لما نزلت {مُّبِينًا يأَيُّهَا النبى قُل لازواجك وبناتك} الآية شققن مروطهن فاعتجرن بها فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهن الغربان.
ومن للتبعيض ويحتمل ذلك على ما في الكشاف وجهين، أحدهما أن يكون المراد بالبعض واحدًا من الجلابيب وإدناء ذلك عليهن أن يلبسنه على البدن كله، وثانيهما أن يكون المراد بالبعض جزأ منه وإدناء ذلك عليهن أن يتقنعن فيسترن الرأس والوجه بجزء من الجلباب مع إرخاء الباقي على بقية البدن، والنساء مختصات بحكم العرف بالحرائر وسبب النزول يقتضيه وما بعد ظاهر فيه فإماء المؤمنين غير داخلات في حكم الآية.
وعن عمر رضي الله تعالى عنه أن غير الحرة لا تتقنع. أخرج ابن أبي شيبة. عن قلابة قال: كان عمر بن الخطاب لا يدع في خلافته أمة تتقنع ويقول: القناع للحرائر لكيلا يؤذين؛ وأخرج هو وعبد بن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأي عمر رضي الله تعالى عنه جارية مقنعة فضربها بدرته وقال: القي القناع لا تتشبهي بالحرائر، وجاء في بعض الروايات أنه رضي الله تعالى عنه قال لأمة رآها مقنعة: يالكعاء أتشبهين بالحرائر؟ وقال أبو حيان: نساء المؤمنين يشمل الحرائر والاماء والفتنة بالاماء أكثر لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح انتهى، وأنت تعلم أن وجه الحرة عندنا ليس بعورة فلا يجب ستر ويجوز النظر من الأجنبي إليه إن أمن الشهوة مطلقًا وإلا فيحرم، وقال القهستاني: منع النظر من الشابة في زماننا ولو بلا شهوة وإما حكم أمة الغير ولو مدبرة أو أم ولد فكحكم المحرم فيحل النظر إلى رأسها ووجهها وساقها وصدرها وعضدها إن أمن شهوته وشهوتها. وظاهر الآية لا يساعد على ما ذكر في الحرائر فلعلها محمولة على طلب تستر تمتاز به الحرائر عن الإماء أو العفائف مطلقًا عن غيرهن فتأمل؛ و{يُدْنِينَ} يحتمل أن يكون مقول القول وهو خبر عنى الأمر وأن يكون جواب الأمر على حد {قُل لّعِبَادِىَ الذين ءامَنُواْ يُقِيمُواْ الصلاة} [إبراهيم: 31] وفي الآية رد على من زعم من الشيعة أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن له من البنات إلا فاطمة صلى الله عليه وسلم على أبيها وعليها وسلم وأما رقية. وأما كلثوم فربيبتاه عليه الصلاة والسلام {ذلك} أي ما ذكر من الإدناء والتستر {أدنى} أي أقرب {أَن يُعْرَفْنَ} أي يميزن عن الاماء اللاتي هن مواقع تعرضهم وإيذائهم.
ويجوز إبقاء المعرفة على معناها أي أدنى أن يعرفن أنهن حرائر {فَلاَ يُؤْذَيْنَ} من جهة أهل الريبة بالتعرض لهن بناء عن أنهن إماء.
وقال أبو حيان: أي ذلك أولى أن يعرفن لتسترهن بالعفة فلا يتعرض لهن ولا يلقين بما يكرهن لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة فإنها مطموع فيها، وهو تفسير مبني على رأيه في النساء، وأيًا ما كان فقد قال السبكي في طبقاته: إن أحمد بن عيسى من فقهاء الشافعية استنبط من هذه الآية أن ما يفعله العلماء والسادات من تغيير لباسهم وعمائمهم أمر حسن وإن لم يفعله السلف لأن فيه تمييزًا لهم حتى يعرفوا فيعمل بأقوالهم وهو استنباط لطيف {وَكَانَ الله غَفُورًا} كثير المغفرة فيغفر سبحانه ما عسى يصدر من الاخلال بالتستر، وقيل: يغفر ما سلف منهن من التفريط. وتعقب بأنه إن أريد التفريط في أمر التستر قبل نزول الآية فلا ذنب قبل الورود في الشرع وإن أريد التفريط في غير ذلك ليكون وكان الله كثير المغفرة فيغفر ما سلف من ذنوبهن وارتكابهن ما نهى عنه مطلقًا فهو غير مناسب للمقام، وجوز أن يراد التفريط في أمر التستر والأمر به معلوم من آية الحجاب التزامًا وهو كما ترى {رَّحِيمًا} كثير الرحمة فيثيب من امتثل أمره منهن بما هو سبحانه أهله، وقيل: رحيمًا بهن بعد التوبة عن الاخلال بالتستر بعد نزول الآية، وقبل: رحيمًا بعباده حيث راعى سبحانه في مصالحهم أمثال هذه الجزئيات.

.تفسير الآية رقم (60):

{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)}
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون} عما هم عليه من النفاق وأحكامه الموجبة للإيذاء {والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} وهم قوم كان فيهم ضعف إيمان وقلة ثبات عليه عما هم عليه من التزلزل وما يستتبعه مما لا خير فيه {والمرجفون فِي المدينة} من اليهود المجاورين لها عما هم عليه من نشر أخبار السوء عن سرايا المسلمين وغير ذلك من الأراجيف الملفقة المستتبعة للأذية، وأصل الأرجاف التحريك من الرجفة التي هي الزلزلة وصفت به الأخبار الكاذبة لكونها في نفسها متزلزلة غير ثابتة أو لتزلزل قلوب المؤمنين واضطرابها منها، والغاير بين المتعاطفات على ما ذكرنا بالذات وهو الذي يقتضيه ظاهر العطف.
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن مالك بن دينار قال: سالت عكرمة عن الذين في قلوبهم مرض فقال: هم أصحاب الفواحش، وعن عطاء أنه فسرهم بذلك أيضًا، وفي رواية أخرى عنه أنه قال: هو قوم مؤمنون كان في أنفسهم أن يزنوا فالمرض حب الزنا، وإذا فسر المرجفون على ذلك بما سمعت يكون التغاير بين المتعاطفات بالذات أيضًا.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب أن الذين في قلوبهم مرض هم المنافقون وهو المعروف في وصفهم.
وأخرج هو أيضًا عن عبيد بن حنين أن الذين في قلوبهم مرض والمرجفون جميعًا هم المنافقون فيكون العطف مع الاتحاد بالذات لتغاير الصفات على حد:
هو الملك القرم وابن الهمام

فكأنه قيل: لئن لم ينته الجامعون بين هذه الصفات القبيحة عن الاتصاف بها المفضي إلى الإيذاء {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي لندعونك إلى قتالهم وإجلائهم أو فعل ما يضطرهم إلى الجلاء ونحرضك على ذلك يقال: أغراه بكذا إذا دعاه إلى تناوله بالتحريض عليه، وقال الراغب: غرى بكذا أي لهج به ولصق، وأصل ذلك من الغراء وهو ما يلصق به وقد أغريت فلانًا بكذا ألهجت به، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي لنسلطنك عليهم {ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ} عطف على جواب القسم وثم للتفاوت الرتبي والدلالة على أن الجلاء ومفارقة جوار الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم ما يصيبهم وأشده عندهم {فِيهَا} أي في المدينة {إِلاَّ قَلِيلًا} أي زمانًا أو جوارًا قليلًا ريثما يتبين حالهم من الانتهاء وعدمه أو يتلقطون عيالاتهم وأنفسهم.
وفي الآية عليه كما في الانتصاف إشارة إلى أن من توجه عليه إخلاء منزل مملوك للغير بوجه شرعي يمهل ريثما ينتقل بنفسه ومتاعه وعياله برهة من الزمان حتى يتيسر له منزل آخر على حسب الاجتهاد، ونصب {قَلِيلًا} على ما أشرنا إليه على الظرفية أو المصدري، وجوز أن يكون نصبًا على الحال أي إلا قليلين أطلاء، ولا يخفى حاله على ذي تمييز.
وقوله تعالى: