فصل: تفسير الآية رقم (61):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (61):

{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)}
{مَّلْعُونِينَ} نصب على الذم أي أذم ملعونين أو على الحال من فاعل {لاَ يُجَاوِرُونَكَ} والاستثناء شامل له عند من يرى جواز نحو ذلك، وقد تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى: {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ ناظرين إناه} [الأحزاب: 53] وجعل ابن عطية المعنى على الحالية ينتفون ملعونين، وجوز أن يكون حالًا من ضميرهم في قوله تعالى: {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ} أي حصروا وظفر بهم، وكأنه على معنى أينما ثقفوا متصفين بما هم عليه {أُخِذُواْ} أي أسروا ومنه الأخيذ للأسير {وَقُتّلُواْ تَقْتِيلًا} أي قتلوا أبلغ قتل. وقرئ {قاتلوا} بالتخفيف فيكون {تَقْتِيلًا} مصدرًا على غير الصدر. واعترض على الحالية مما ذكر بأن أداة الشرط لا يعمل ما بعدها فيما قبلها مطلقًا وهذا أحد مذاهب للنحاة في المسألة، ثانيها الجواز مطلقًا، وثالثها جواز تقديم معمول الجواب دون معمول الشرط. وجوز على تقدير كون {قَلِيلًا} حالًا أن يكون {مَّلْعُونِينَ} بدلًا منه. وتعقبه أبو حيان بأن البدل بالمشتق قليل ثم قال: والصحيح أن {مَّلْعُونِينَ} صفة لقليل أي إلا قليلين ملعونين ويكون {قَلِيلًا} مستثنى من الواو في {لاَ يُجَاوِرُونَكَ} والجملة الشرطية صفة أيضًا أي مقهورين مغلوبًا عليهم اه، وهو كما ترى.

.تفسير الآية رقم (62):

{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)}
{سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} مصدر مؤكد أي سن الله تعالى ذلك في الأمم الماضية سنة وهي قتال الذين يسعون بالفساد بين قوم وإجلائهم عن أوطانهم وقهرهم أينما ثقفوا متصفين بذلك.
{وَلَن تَجِدَ} أيها النبي أو يا من يصح منك الوجدان أبدًا {لِسُنَّةِ الله} لعادته عز وجل المستمرة {تَبْدِيلًا} لابتنائها على أساس الحكمة فلا يبدلها هو جل شأنه وهيهات هيهات أن يقدر غيره سبحانه على تبديلها، ومن سبر أخبار الماضين وقف على أمر عظيم في سوء معاملتهم المفسدين فيما بينهم، وكأن الطباع مجبولة على سوء المعاملة معهم وقهرهم، وفي «تفسير الفخر»: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} أي ليست هذه السنة مثل الحكم الذي يتبدل وينسخ فإن النسخ يكون في الأحكام أما الأفعال والأخبار فلا تنسخ. وللسدي كلام غريب في الآية لا أظن أن أحدًا قال به.
أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال فيها: كان النفاس على ثلاثة أوجه: نفاق مثل نفاق عبد الله بن سلول ونظائره كانوا وجوهًا من وجوه الأنصار فكانوا يستحيون بما يأتوا الزنا يصونون بذلك أنفسهم وهم المنافقون في الآية، ونفاق الذين في قلوبهم مرض وهم منافقون إن تيسر لهم الزنا عملوه وإن لم يتيسر لم يتبعوه ويهتموا بأمره، ونفاق المرجفين وهم منافقون يكابرون النساء يقتصون أثرهن فيغلبوهن على أنفسهن فيفجرون بهن، وهؤلاء الذين يكابرون النساء {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} [الأحزاب: 60] يقول سبحانه لنعلمنك بهم ثم قال تعالى: {مَّلْعُونِينَ} ثم فصلت الآية {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ} يعملون هذا العمل مكابرة النساء {أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلًا} ثم قال السدي: هذا حكم في القرآن ليس يعمل به لو أن رجلًا وما فوق اقتصوا أثرا امرأة فغلبوها على نفسها ففجروا بها كان الحكم فيهم غير الجلد والرجم وهو أن يؤخذوا فتضرب أعناقهم سنة الله في الذين خلوا من قبل كذلك كان يفعل بمن مضى من الأمم ولن تجد لسنة الله تبديلًا فمن كابر امرأة على نفسها فغلبها فقتل فليس على قاتله دية لأنه يكابر انتهى، والظاهر أنه قد وقع الانتهاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض عما هو المقصود بالنهي وهو ما يستتبعه حالهم من الإيذاء ولم يقع من المرجفين أعني اليهود فوقع القتال والإجلاء لهم.
وفي البحر الظاهر أن المنافقين يعني جميع من ذكر في الآية انتهوا عما كانوا يؤذون به الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتستر جميعهم وكفوا خوفًا من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه وهو الإغراء والإجلاء والقتل. وحكى ذلك عن الجبائي، وعن أبي مسلم لم ينتهوا وحصل الإغراء بقوله تعالى: {جاهد الكفار والمنافقين} [التوبة: 73] وفيه أن الإجلاء والقتل لم يقعا للمنافقين والجهاد في الآية قولي، وقيل: إنهم لم يتركوا ما هم عليه ونهوا عنه جملة ولا نفذ عليهم الوعيد كاملًا ألا ترى إلى إخراجهم من المسجد ونهيه تعالى عن الصلاة عليهم وما نزل في سورة براءة، وزعم بعضهم أنه لم ينته أحد من المذكورين أصلًا ولم ينفذ الوعيد عليهم ففيه دليل على بطلان القول بوجوب نفاذ الوعيد في الآخرة ويكون هذا الوعيد في الآخرة ويكون هذا الوعيد مشروطًا بالمشيئة وفيه من البعد ما فيه.

.تفسير الآية رقم (63):

{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)}
{يَسْئَلُكَ الناس عَنِ الساعة} أي عن وقت قيامها ووقوعها، كان المشركون يسألونه صلى الله عليه وسلم عن ذلك استعجالًا بطريق الاستهزاء والمنافقون تعنتًا واليهود امتحانًا لما أنهم يعلمون من التوراة أنها مما أخفاه الله تعالى فيسألونه عليه الصلاة والسلام ليمتحنوه هل يوافقها وحيًا أو لا {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} لا يطلع سبحانه عليه ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا {وَمَا يُدْرِيكَ} خطاب مستقل له صلى الله عليه وسلم غير داخل تحت الأمر مسوق لبيان أنها مع كونها غير معلومة مرجوة المجيء عن قريب، وما استفهام في موضع الرفع بالابتداء والجملة بعده خبر أي أي شيء يعلمك بوقت قيامها، والمعنى على النفي أي لا يعلمنك به شيء أصلًا.
{لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا} أي لعلها توجد وتتحق في وقت قريب فقريبًا منصوب على الظرفية واستعماله كذلك كثير، و{تَكُونُ} تامة ويجوز أن تكون ناقصة وإذا كان {قَرِيبًا} الخبر واعتبر وصفًا لا ظرفًا فالتذكير لكونه في الأصل صفة لخبر مذكر يخبر به عن المؤنث وليس هو الخبر أي لعل الساعة تكون شيئًا قريبًا، وجوزأن يكون ذلك رعاية للمعنى من حيث أن الساعة عنى اليوم أو الوقت.
وقال أبو حيان: يجوز أن يكون ذلك لأن التقدير لعل قيام الساعة فلوحظ الساعة في تكون فأنث ولوحظ المضاف المحذوف وهو قيام في {قَرِيبًا} فذكر، ولا يخفى بعده، وقيل إن قريبًا لكونه فعيلًا يستوي فيه المذكر والمؤنث كما في قوله تعالى: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56] وقد تقدم ما في ذلك، وفي الكلام تهديد للمستعجبين المستهزئين وتبكيت للمتعنتين والممتحنين، والإظهار في موضع الإضمار للتهويل وزيادة التقرير وتأكيد استقلال الجملة كما أشير إليه.

.تفسير الآية رقم (64):

{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)}
{إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين} على الإطلاق أي طردهم وأبعدهم عن رحمته العاجلة والآجلة {وَأَعَدَّ} هيأ {لَهُمْ} مع ذلك في الآخرة {سَعِيرًا} نارًا شديدة الاتقاد كما يؤذن بذلك صيغة المبالغة.

.تفسير الآية رقم (65):

{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)}
{خالدين فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا} متوليًا لأمرهم يحفظهم {وَلاَ نَصِيرًا} ناصرًا يخلصهم منها.

.تفسير الآية رقم (66):

{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)}
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النار} ظرف لعدم الوجدان، وقيل لخالدين، وقيل لنصير، وقيل مفعول لا ذكر أي يوم تصرف وجوههم فيها من جهة إلى جهة كاللحم يشوى في النار أو يطبخ في القدر فيدور به الغليان من جهة إلى جهة أو يوم تتغير وجوههم من حال إلى حال فتتوارد عليها الهيئات القبيحة من شدة الأهوال أو يوم يلقون في النار مقلوبين منكوسين، وتخصيص الوجوه بالذكر لما أنها أكرم الأعضاء ففيه مزيد تفظيع للأمر وتهويل للخطب، ويجوز أن تكون عبارة عن كل الجسد. وقرأ الحسن. وعيسى. وأبو جعفر الرواسي. {تَقَلُّبُ} بفتح التاء والأصل تتقلب فحذفت إحدى التاءين، وقرأ ابن أبي عبلة بهما على الأصل، وحكى ابن خالويه عن أبي حيوة أنه قرأ {اسودت وُجُوهُهُمْ} بإسناد الفعل إلى ضمير العظمة ونصب {وُجُوهُهُمْ} على المفعولية.
وقرأ عيسى الكوفة {تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ} بإسناد الفعل إلى ضمير السعير اتساعًا ونصب الوجوه {يَقُولُونَ} استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية حالهم الفيظعة كأنه قيل: فماذا يصنعون عند ذلك فقيل: يقولون متحسرين على ما فاتهم {ياليتنا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا} فلا نبتلي بهذا العذاب أو حال من ضمير {وُجُوهُهُمْ} أو من نفسها.
وجوز أن يكون هو الناصب ليوم.

.تفسير الآية رقم (67):

{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)}
{وَقَالُواْ} عطف على {يَقُولُونَ} والعدول إلى صيغة الماضي للإشعار بأن قولهم هذا ليس مستمرًا كقولهم السابق بل هو ضرب اعتذار أرادوا به ضربًا من التشفي ضاعفة عذاب الذين أوردوهم هذا المورد الوخيم وألقوهم في ذلك العذاب الأليم وإن علموا عدم قبوله في حق خلاصهم بما هم فيه.
{رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا} أي ملوكنا وولاتنا الذين يتولون تدبير السواد الأعظم منا {وَكُبَرَاءنَا} أي رؤساءنا الذين أخذنا عنهم فنون الشر وكان هذا في مقابلة ما تمنوه من إطاعة الله تعالى وإطاعة الرسول فالسادة والكبراء متغايران، والتعبير عنهما بعنوان السيادة والكبر لتقوية الاعتذار والأفهم في مقام التحقير والإهانة.
وقدموا في ذلك إطاعة السادة لما أنه كان لهم قوة البطش بهم لو لم يطيعوهم فكان ذلك أحق بالتقديم في مقام الاعتذار وطلب التشفي، وقيل: باتحاد السادة والكبراء والعطف على حد العطف في قوله:
وألفي قولها كذبًا ومينا

والمراد بهم العلماء الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم، وعن قتادة رؤساؤهم في الشر والشرك.
وقرأ الحسن وأبو رجاء. وقتادة. والسلمي. وابن عامر. والعامة في الجامع بالبصرة {ساداتنا} على جمع الجمع وهو شاذ كبيوتات، وفيه على ما قيل دلالة على الكثرة، ثم إن كون سادة جمعًا هو المشهور، وقيل: اسم جمع فإن كان جمعًا لسيد فهو شاذ أيضًا فقد نصوا على شذوذ فعلة في جمع فعيل وإن كان جمعًا لمفرد مقدر وهو سائد كان ككافر وكفرة لكنه شاذ أيضًا لأن فاعلًا لا يجمع على فعلة إلا في الصحيح {وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا} أي جعلونا ضالين عن الطريق الحق بما دعونا إليه وزينوه لنا من الأباطيل، والألف للإطلاق كما في {وَأَطَعْنَا الرسولا} [الأحزاب: 66].

.تفسير الآية رقم (68):

{رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}
{رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} أي عذابين يضاعف كل واحد منهما الآخر عذابًا على ضلالهم في أنفسهم وعذابًا على إضلالهم لنا {والعنهم لَعْنًا كَبِيرًا} أي شديد عظيمًا فإن الكبر يستعار للعظمة مثل {كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5] ويستفاد التعظيم من التنوين أيضًا، وقرأ الأكثر {كَثِيرًا} بالثاء المثلثة أي كثير العدد، وتصدير الدعاء بالنداء مكررًا للمبالغة في الجؤار واستدعاء الإجابة.

.تفسير الآية رقم (69):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)}
{كَبِيرًا ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين ءاذَوْاْ موسى} قيل نزلت فيما كان من أمر زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها وتزوجه صلى الله عليه وسلم بها وما سمع في ذلك من كلام آذاه عليه الصلاة والسلام {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} أي من قولهم أو الذي قالوه وأيًا ما كان فالقول هنا عنى المقول، والمراد به مدلوله الواقع في الخارج وبتبرئة الله تعالى إياه من ذلك إظهار براءته عليه السلام منه وكذبهم فيما أسندوا إليه لأن المرتب على أذاهم ظهور براءته لا براءته لأنها مقدمة عليه، واستعمال الفعل مجازًا عن إظهاره، والمقول عنى المضمون كثير شائع، فالمعنى فأظهر الله تعالى براءته من الأمر المعيب الذي نسبوه إليه عليه السلام.
وقيل: لا حاجة إلى ما ذكر فإنه تعالى لما أظهر براءته عما افتروه عليه انقطعت كلماتهم فهي فبرئ من قولهم على أن {برأه عنى خلصه من قولهم لقطعه عنه، وتعقب بأنه مع تكلفه لأن قطع قولهم ليس مقصودًا بالذات بل المراد انقطاعه لظهور خلافه لابد من ملاحظة ما ذكر، والمراد بالأمر الذي نسبوه إليه عليه السلام عيب في بدنه.
أخرج الإمام أحمد. والبخاري. والترمذي. وجماعة من طريق أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى عليه السلام كان رجلًا حييًا ستيرًا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل وقالوا ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا وأن موسى عليه السلام خلا يومًا وحده فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وأن الحجر غدا بثوبه فأخذ موسى عليه السلام عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانًا أحسن ما خلق الله تعالى وبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربًا بعصاه فذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأء الله مما قالوا}.
وقيل: إن ذلك ما نسبوه إليه عليه السلام من قتل هارون، أخرج ابن منيع. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والحاكم وصححه عن ابن عباس عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في الآية: صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى أنت قتلته كان أشد حبًا لنا منك وألين فآذوه، من ذلك فأمر الله تعالى الملائكة عليهم فحملوه فمروا به على مجالس بني إسرائيل وتكلمت الملائكة عليهم السلام وته فبرأه الله تعالى فانطلقوا به فدفنوه ولم يعرف قبره إلا الرخم وإن الله تعالى جعله أصم أبكم، وفي رواية عن ابن عباس.
وأناس من الصحابة أن الله تعالى أوحى إلى موسى إني متوف هارون فأت جبل كذا فانطلقا نحو الجبل فأذاهم بشجرة وبيت فيه سرير عليه فرش وريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه فقال يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير قال نم عليه قال نم معي فلما نام أخذ هارون الموت فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له وكان هارون أكف عنهم وألين لهم وكان في موسى بعض الغلظة عليهم فلما بلغه ذلك قال: ويحكم إنه كان أخي أفتروني أقتله فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى فنزل بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه، وقيل: ما نسبوه إليه عليه السلام من الزنا وحاشاه، روى أن قارون أغرى مومسة على قذفه عليه السلام بنفسها ودفع إليها مالًا عظيمًا فأقرت بالمصانعة الجارية بينها وبين قارون وفعل به ما فعل كما فصل في سورة القصص، ويبعد هذا القول تبعيدًا ما جمع الموصول، وقيل: ما نسبوه إليه من السحر والجنون، وقيل: ما حكى عنهم في القرآن من قولهم: {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] وقولهم {لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد} [البقرة: 61] وقولهم: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً} [البقرة: 55] إلى غير ذلك، ويمكن حمل ما قالوا على جميع ما ذكر.
{وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهًا} أي كان ذا جاه ومنزلة عنده عز وجل، وفي معناه قول قطرب: كان رفيع القدر ونحوه قول ابن زيد: كان مقبولًا، وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال وجيهًا مستجاب الدعوة وزاد بعضهم ما سأل شيئًا إلا أعطى إلا الرؤية في الدنيا، ولا يخفى أن استجابة الدعوة من فروع رفعة القدر، وقيل: وجاهته عليه السلام أن الله تعالى كلمه ولقب كليم الله، وقرأ ابن مسعود. والأعمش. وأبو حيوة {عَبْدًا} من العبودة {لِلَّهِ} بلام الجر فيكون عبدًا خر كان ووجيهًا صفة له وهي قراءة شاذة، وفي صحة القراءة الشواذ كلام.
قال ابن خالويه: صليت خلف ابن شنبوذ في شهر رمضان فسمعته يقرأ وكان {عَبْدُ الله} على قراءة ابن مسعود ولعل ابن شنبوذ ممن يرى صحة القراءة بها مطلقًا، ويحتمل مثل ذلك في ابن خالويه وإلا فقد قال الطيبي قال «صاحب الروضة»: وتصح بالقراءة الشاذة إن لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصان، وههنا بين المعنيين بون كما يشير إليه كلام الزمخشري ونحوه عن ابن جني.