فصل: تفسير الآية رقم (34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (34):

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)}
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ} من القرى {مّن نَّذِيرٍ} أي نذيرًا من النذر {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا} أي المتوسعون في النعم فيها، والجملة في موضع الحال {إِنَّا بما أُرْسِلْتُمْ بِهِ} بزعمكم من التوحيد وغيره، والجار الثاني متعلق بما عنده والأول متعلق بقوله تعالى: {كافرون} وهو خبر إن، وظاهر الآية أن مترفي كل قرية قالوا لرسولهم ذلك وعليه فالجمع في أرسلتم للتهكم، وقيل: لتغليب المخاطب على جنس الرسل أو على اتباعه المؤمنين به، وقال بعض الأجلة. الكلام من باب مقابلة الجمع بالجمع فقيل الجمع الأول الرسل المدلول عليه بقوله تعالى: {أُرْسِلْتُمْ} والثاني {كافرون} فقد كفر كل برسوله وخاطبه ثله فلا تغليب في الخطاب في أرسلتم، وقيل: الجمع الأول {نَّذِيرٍ} لأنه يفيد العموم في الحكاية لا المحكي لوقوعه في سياق النفي، وليس كل قوم منكرًا لجميع الرسل فحمل على المقابلة، والكلام مسوق لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ابتلى به من مخالفة مترفي قومه وعداوتهم لع عليه الصلاة والسلام، وتخصيص المترفين بالتكذيب لأنهم في الأغلب أول المكذبين للرسل عليهم السلام لما شغلوا به من زخرفة الدنيا وما غلب على قلوبهم منها فهم منهمكون في الشهوات والاستهانة بمن لم يحظ منها بخلاف الفقراء فإن قلوبهم لخلوها من ذلك أقبل للخير ولذلك تراهم أكثر إتباع الأنبياء عليهم السلام كما جاء في حديث هرقل.

.تفسير الآية رقم (35):

{وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ عَذَّبِينَ (35)}
{وَقَالُواْ} الضمير للمترفين الذين تقدم ذكرهم، وقيل: لقريش، والظاهر المتبادر هو الأول، والمراد حكاية ما شجعهم على الكفر بما أرسل به المنذرون أي وقال المترفون: {نَحْنُ أَكْثَرُ أموالا وأولادا} أي أموالنا وأولادنا كثيرة جدًا فأفعل للزيادة المطلقة، وجوز بقاؤه على ما هو الأكثر استعمالًا والمفضل عليه محذوف أي نحن أكثر منكم أموالًا وأولادًا {وَمَا نَحْنُ عَذَّبِينَ} بشيء من أنواع العذاب الذي يكدر علينا لذة كثرة الأموال والأولاد من خوف الملوك وقهر الأعداء وعدم نفوذ الكلمة والكد في تحصيل المقاصد ونحو ذلك، وإيلاء الضمير حرف النفي للإشارة إلى أن المخاطبين أو المؤمنين ليسوا كذلك، وحاصل قولهم نحن في نعمة لا يشوبها نقمة وهو دليل كرامتنا على الله عز وجل ورضاه عنا فلو كان ما نحن عليه من الشرك وغيره مما تدعونا إلى تركه مخالفًا لرضاه لما كنا فيما كنا فيه من النعمة، ويجوز أن يكونوا قد قاسوا أمور الآخرة الموهومة أو المفروضة عندهم على أمور الدنيا وزعموا أن المنعم عليه في الدنيا منعم عليه في الآخرة، وإلى هذا الوجه ذهب جمع وقالوا: نفى كونهم معذبين إما بناء على انتفاء العذاب الأخروي رأسًا وإما بناء على اعتقاد أنه تعالى أكرمهم في الدنيا فلا يهينهم في الآخرة على تقدير وقوعها، وقال الخفاجي في وجه إيلاء الضمير حرف النفي: إنه إشارة إلى أن المؤمنين معذبون استهانة بهم لظنهم أن المال والولد يدفع العذاب عنهم كما قاله بعض المشركين، وأنت تعلم أن الأظهر عليه التفريع، وذهب أبو حيان إلى أن المراد بالعذاب عنهم كما قاله بعض المشركين، وأنت تعلم أن الأظهر عليه التفريع، وذهب أبو حيان إلى أن المراد بالعذاب المنفي أعم من العذاب الأخروي والعذاب الدنيوي الذي قد ينذر به الأنبياء عليهم السلام ويتوعدون به قومهم إن لم يؤمنوا بهم، ولعل ما ذكرناه أولًا أنسب بالمقام فتأمل جدًا.

.تفسير الآية رقم (36):

{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)}
{قُلْ} ردًا لما زعموه من أن ذلك دليل الكرامة والرضا {إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء} أن يبسطه له {وَيَقْدِرُ} على من يشاء أن يقدره عليه فرا يوسع سبحانه على العاصي ويضيق على المطيع ورا يعكس الأمر ورا يوسع عليهما معًا وقد يضيق عليهما معًا وقد يوسع على شخص مطيع أو عاص تارة ويضيق عليه أخرى يفعل كلًا من ذلك حسا تقتضيه مشيئته عز وجل المبنية على الحكم البالغة فلو كان البسط دليل الإكرام والرضا لاختص به المطيع وكذا لو كان التضييق دليل الإهانة والسخط لاختص به العاصي وليس فليس، والحاصل كما قيل منع كون ذلك دليلًا على ما زعموا لاستواء المعادي والموالي فيه، وقال جمع: أريد أنه تعالى يفعل ذلك حسب مشيئته المبنية على الحكم فلا ينقاس عليه أمر الثواب والعقاب اللذين مناطهما الطاعة وعدمها، وقال ناصر الدين: لو كان ذلك لكرامة أو هوان يوجبانه لم يكن شيئته تعالى، وهو مبني على أن الإيجاب ينافي الاختيار والميئة وقد قال به الخفاجي أخذًا من كلام مولانا جلال الدين ورد به على من رد، ولا يخفى أن دعوى المترفين الإيجاب على الله تعالى فيما هم فيه من بسط الرزق وكذا فيما فيه أعداؤهم من تضييقه غير ظاهرة حتى يرد عليهم بإثبات الميئة التي لا تجامع الإيجاب، وقرأ الأعمش {وَيَقْدِرُ} مشدد هنا وفيما بعد {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك فمنهم من يزعم أن مدار البسط الشرق والكرامة ومدار التضييق الهوان والحقارة، ومنهم من تحير واعترض على الله تعالى في البسط على أناس والتضييق على آخرين حتى قال قائلهم:
كم عالم عالم أعيت مذاهبه ** وجاهل جاهل تلقاه مرزوقًا

هذا الذي ترى الأفهام حائرة ** وصير العالم النحرير زنديقا

وعنى هذا القائل بالعالم النحرير نفسه، ولعمري أنه بوصف الجاهل البليد أحق منه بهذا الوصف فالعالم النحرير من يقول:
ومن الدليل على القضاء وحكمه ** بؤس اللبيب وطيب عيشي الأحمق

.تفسير الآية رقم (37):

{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37)}
{وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم بالتى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} كلام مستأنف من جهته عز وجل خوطب به الناس بطريق التلوين والالتفات مبالغة في تحقيق الحق وتقرير ما سبق كذا في «إرشاد العقل السليم»، وجوز أن يكون ما تقدم لنفي أن يكون القرب والكرامة مدارًا وعلة لكثرة الرزق وهذا النفي أن تكون كثرة الرزق سببًا للقرب والكرامة ويكون الخطاب للكفرة، والتي واقع على الأموال والأولاد، وحيث أن الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث وكان المجموع عنى جماعة صح الأفراد والتأنيث أي وما جماعة أموالكم وأولادكم بالجماعة التي تقربكم عندنا قربة، ولا حاجة إلى تقدير مضاف في النظم الكريم، وما ذكر تقدير معنى لا إعراب، وعن الزجاج أن في الكلام حذفًا في أوله لدلالة ما في آخره والتقدير وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ولا أولادكم بالتي إلخ، وأنت تعلم أنه لا حاجة إليه أيضًا، وجوز أن تكون التي صفة لموصوف مفرد مؤنث تقديره بالتقوى أو بالخصلة التي، وجوز الزمخشري أن تكون التي كناية عن التقوى لأن المقرب إلى الله تعالى ليس إلا تلك أي وما أموالكم ولا أولادكم بتلك الموضوعة للتقريب. وقرأ الحسن {باللاتي} جمعًا وهو راجع للأموال والأولاد كالتي على ما سمعت أولًا. وقرئ {ءامَنُواْ بالذى} أي بالشيء الذي يقربكم.
وزلفى مصدر كالقربى وانتصابه على المصدرية من المعنى. وقرأ الضحاك {زلفا} بفتح اللام وتنوين الفاء جمع زلفة وهي القربة {يَعْلَمُونَ وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم بالتى} استثناء من مفعول {تُقَرّبُكُمْ} على ما ذهب إليه جمع وهو استثناء متصل إذا كان الخطاب عامًا للمؤمنين والكفرة ومنقطع إذا كان خاصًا بالكفرة فالموصول في محل نصب أو رفع على أنه مبتدأ ما بعده خبره أو خبره مقدر أي لكن من آمن وعمل صالحًا فإيمانه وعمل يقربانه.
واستظهر أبو حيان الانقطاع، وقال في البحر إن الزجاج ذهب إلى بدليته من المفعول المذكور وغلطه النحاس بأن ضمير المخاطب لا يجوز الإبدال منه فلا يقال رأيتك زيدًا، ومذاهب الأخفش. والكوفيين أنه يجوز أن يبدل من ضميري المخاطب والمتكلم لكن البدل في الآية لا يصح ألا ترى أنه لا يصح تفريغ الفعل الواقع صلة لما بعد إلا فلو قلت ما زيد بالذي يضرب إلا خالدًا لم يصح اه.
وذكر بعض الأجلة أن جعله استثناء من المفعول لا يصح على جعل التي كناية عن التقوى لأنه يلزم أن تكون الأموال والأولاد تقوى في حق غير من آمن وعمل صالحًا لكنها غير مقربة، وقيل لا بأس بذلك إذ يصح أن يقال وما أموالكم ولا أولادكم بتقوى إلا المؤمنين، وحاصله أن المال والولد لا يكونان تقوى ومقربين لأحد إلا للمؤمنين، وإذا كان الاستثناء منقطعًا صح واتضح ذلك، وجوز أن يكون استثناء من {أموالكم وأولادكم} على حذف مضاف أي إلا أموال من آمن وعمل صالحًا وأولادهم، وفي هذا إذا جعل التي كناية عن التقوى مبالغة من حيث أنه جعل مال المؤمن الصالح وولده نفس التقوى.
ثم إن تقريب الأموال المؤمن الصالح بانفاقها فيما يرضى الله تعالى وتقريب الأولاد بتعليمهم الخير وتفقيههم في الدين وترشيحهم للصلاح والطاعة.
{فَأُوْلَئِكَ} إشارة إلى من والجمع باعتبار معناها كما أن الأفراد فيما تقدم باعتبار لفظها، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل أي فأولئك المنعوتون بالايمان والعمل الصالح {لَهُمْ جَزَاء الضعف} أي لهم أن يجازيهم الله تعالى الضعف أي الثواب المضاعف فيجازيهم على الحسنة بعشر أمثالها أو بأكثر إلى سبعمائة فإضافة جزاء إلى الضعف من إضافة المصدر إلى مفعوله. وقرأ قتادة: {جَزَاء الضعف} برفعهما فالضعف بدل، وجوز الزجاج كونه خبر مبتدأ محذوف أي هو الضعف. ويعقوب في رواية بنصب {جَزَاء} ورفع {الضعف} فجزاء تمييز أو حال من فاعل {لَهُمْ} أي يجزون جزاء، وقرئ {جَزَاء} بالرفع والتنوين {الضعف} بالنصب على أعمال المصدر {ا عَمِلُواْ} من الصالحات {وَهُمْ فِي الغرفات} أي في غرفات الجنة ومنازلها العالية {ءامِنُونَ} من جميع المكارم الدنيوية والأخروية. وقرأ الحسن. وعاصم بخلاف عنه. والأعمش. ومحمد بن كعب {فِى الغرفات} بإسكان الراء، وقرأ بعض القراء بفتحها، وابن وثاب. والأعمش. وطلحة. وحمزة وخلف {فِى الغرفة} بالتوحيد وإسكان الراء، وابن وثاب أيضًا بالتوحيد وضم الراء والتوحيد على إرادة الجنس لأن الكل ليسوا في غرفة واحدة والمفرد أخصر مع عدم اللبس فيه.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)}
{والذين يَسْعَوْنَ فِي ءاياتنا} بالرد والطعن فيها {معاجزين} أي بحسب زعمهم الباطل الله عز وجل أو الأنبياء عليهم السلام، وحاصله زاعمين سبقهم وعدم قدرة الله تعالى أو أنبيائه عليهم السلام عليهم، ومعنى المفاعلة غير مقصود هاهنا {أولئك} الذي بعدت منزلتهم في الشر {فِى العذاب مُحْضَرُونَ} لا يجديهم ما عولوا عليه نفعًا، وفي ذكر العذاب دون موضعه ما لا يخفى من المبالغة {قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} أي يوسعه سبحانه عليه تارة ويضيقه عليه أخرى فلا تخشوا الفقر وأنفقوا في سبيل الله تعالى وتقربوا لديه عز وجل بأموالكم وتعرضوا لنفحاته جل وعلا فمساق الآية للوعظ والتزهيد في الدنيا والحض على التقرب إليه تعالى بالانفاق وهذا بخلاف مساق نظيرها المتقدم فإنه للرد على الكفرة كما سمعت، وأيضًا ما سبق عام وما هنا خاص في البسط والتضييق لشخص واحد باعتبار وقتين كما يشعر به قوله تعالى هنا {لَهُ} وعدم قوله هناك، والضمير وإن كان في موضع من المبهم إلا أن سبق النظير خاليًا عن ذلك وذكر هذا بعده مشتملًا عليه كالقرينة على إرادة ما ذكر فلا تغفل.

.تفسير الآية رقم (39):

{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)}
{وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَيْء} يحتمل أن تكون ما شرطية في موضع نصب بأنفقتم وقوله تعالى: {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} جواب الشرط، ويحتمل أن تكون عنى الذي في موضع رفع بالابتداء والجملة بعد خبره ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، و{مِن شَيْء} تبيين على الاحتمالين، ومعنى {يُخْلِفُهُ} يعطى بدله وما يقوم مقامه عوضًا عنه وذلك إما في الدنيا بالمال كما هو الظاهر أو بالقناعة التي هي كنز لا يفنى كما قيل. وإما في الآخرة بالثواب الذي كل خلف دونه وخصه بعضهم بالآخرة، أخرج الفريابي. وعبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: إذا كان لأحدكم شيء فليقتصد ولا يتأول هذه الآية {وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَيْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ} فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل وهو ينفق نفقة الموسع عليه، وأخرج من عدا الفريابي من المذكورين عنه أنه قال في الآية: أي ما كان من خلف فهو منه تعالى ورا أنفق الإنسان ماله كله في الخير ولم يخلف حتى يموت، ومثلها {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} [هود: 6] يقول ما آتاها من رزق فمنه تعالى وربا لم يرزقها حتى تموت، والأول أظهر لأن الآية في الحث على الإنفاق وأن البسط والقدر إذا كانا من عنده عز وجل فلا ينبغي لمن وسع عليه أن يخاف الضيعة بالاتفاق ولا لمن قدر عليه زيادتها، وقوله تعالى: {وَهُوَ خَيْرُ الرزقين} تذييل يؤيد ذلك كأنه قيل: فيرزقه من حيث لا يحتسب. وقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا» وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن جابر بن عبد الله بن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل ما أنفق العبد نفقة فعلى الله تعالى خلفها ضامنًا إلا نفقة في بنيان أو معصية».
وأخرج البخاري. وابن مردويه عن أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «قال الله عز وجل أنفق يا ابن آدم أنفق عليك» وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عنه قال: «قال عليه الصلاة والسلام إن المعونة تنزل من السماء على قدر المؤونة» وفي حديث طويل عن الزبير قال الله تبارك وتعالى: «أنفق أنفق عليك وأوسع أوسع عليك ولا تضيق أضيق عليك ولا تصر فأصر عليك ولا تحزن فاخزن عليك إن باب الرزق مفتوح من فوق سبع سماوات متواصل إلى العرش لا يغلق ليلًا ولا نهارًا ينزل الله تعالى منه الرزق على كل امرئ بقدر نيته وعطيته وصدقته ونفقته فمن أكثر أكثر له ومن أقل أقل له ومن أمسك أمسك عليه يا زبير فكل وأطعم ولا توكي فيوكى عليك ولا تحصى فيحصى عليك ولا تقتر فيقتر عليك ولا تعسر فيعسر عليك».
الحديث، ومعنى الرازقين الموصلين للزرق والموهبين له فيطلق الرازق حقيقة على الله عز وجل وعلى غيره ويشعر بذلك {فارزقوهم مّنْهُ} نعم لا يقال لغيره سبحانه رازق فلا إشكال في قوله تعالى: {وَهُوَ خَيْرُ الرزقين} ووجه الأخيرية في غاية الظهور؛ وقيل إطلاق الرازق على غيره تعالى مجاز باعتبار أنه واسطة في إيصال رزقه تعالى فهو رازق صور فاستشكل أمر التفضيل بأنه لابد من مشاركة المفضل للمفضل عليه في أصل الفعل حقيقة لا صورة.
وأجاب الآمدي بأن المعنى خير من تسمى بهذا الاسم وأطلق عليه حقيقة أو مجازًا وهو ضرب من عموم المجاز.