فصل: تفسير الآية رقم (19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (19):

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)}
{وَمَا يَسْتَوِى الاعمى والبصير} عطف على قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِى البحران} [فاطر: 12] والأعمى والبصير مثلان للكافر والمؤمن كما قال قتادة. والسدى. وغيرهما.
وقيل: هما مثلان للصنم عز وجل فهو من تتمة قوله تعالى: {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك} [فاطر: 13] والمعنى لا يستوي الله تعالى مع ما عبدتم.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20)}
{وَلاَ الظلمات وَلاَ النور} أي ولا الباطل ولا الحق.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)}
{وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} ولا الثواب ولا العقاب، وقيل: ولا الجنة ولا النار، والحرور فعول من الحر وأطلق كما حكى عن الفراء على شدة الحر ليلًا أو نهارًا، وقال أبو البقاء: هو شدة حر الشمس، وفي الكشاف الحرور السموم إلا أن السموم يكون بالنهار والحرور بالليل والنهار، وقيل: بالليل.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ سْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)}
{وَمَا يَسْتَوِى الاحياء وَلاَ الاموات} تمثيل آخر للمؤمنين الذين دخلوا في الدين بعد البعثة والكافرين الذين أصروا واستكبروا فالتعريف كما قال الطيبي للعهد، وقيل: للعلماء والجهلاء.
والثعالبي جعل الأعمى والبصير مثلين لهما وليس بذاك {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاء} أي يسمعه ويجعله مدركاف لللأصوات، وقال الخفاجي: وغيره: ولعل في الآية ما يقتضي أن المراد يسمع من يشاء سماع تدبر وقبول لآياته عز وجل: {وَمَا أَنتَ سْمِعٍ مَّن فِي القبور} ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات واشباع في إقناطه عليه الصلاة والسلام من إيمانهم، والباء مزيدة للتأكيد أي وما أنت مسمع، والمراد بالسماع هنا ما أريد به في سابقه، ولا يأبى إرادة السماع المعروف ما ورد في حديث القليب لأن المراد نفي الإسماع بطريق العادة وما في الحديث من باب {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] وإلى هذا ذهب البعض، وقد مر الكلام في ذلك فلا تغفل.
وما ألطف نظم هذه التمثيلات فقد شبه المؤمن والكافر أولا بالبحرين وفضل البحر الأجاج على الكافر لخلوه من النفع ثم بالأعمى والبصير مستتبعًا بالظلمات والنور والظل والحرور فلم يكتف بفقدان نور البصر حتى ضم إليه فقدان ما يمده من النور الخارجي وقرن إليه نتيجة ذلك العمى والفقدان فكان فيه ترق من التشبيه الأول إليه ثم بالأحياء والأموات ترقيًا ثانيًا وأردف قوله سبحانه: {وَمَا أَنتَ سْمِعٍ مَّن فِي القبور} [فاطر: 22].
وذكر الطيبي أن إخلاء الثاني من لا المؤكدة لأنه كالتهيد لقوله تعالى: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} [فاطر: 22] ولهذا كرر {وما يستوي} وأما ذكرها في التمثيلين بعده فلأنهما مقصودان في أنفسهما إذ ما فيهما مثلان للحق والباطل وما يؤديان إليه من الثواب والعقاب دون المؤمن والكافر كما في غيرهما، وإنما حملت على أنها زائدة للتأكيد إذ ليس المراد أن الطلمات في نفسها لا تستوي بل تتفاوت فمن ظلمة هي أشد من أخرى مثلًا وكذا يقال فيما بعد بل المراد أن الظلمات لا تساوي النور والظل لا يساوي الحرور والأحياء لا تساوي الأموات.
وزعم ابن عطية أن دخول لا على نية التكرار كأنه قيل: ولا الظلمات والنور ولا النور والظلمات وهكذا فاستغنى بذكر الأوائل عن الثواني ودل مذكور الكلام على متروكه، والقول بأنها مزيد لتأكيد النفي يغني عن اعتبار هذا الحذف الذي لا فائدة فيه.
وقال الإمام: كررت لا فيما كررت لتأكيد المنافاة فالظلمات تنافي النور وتضاده والظل والحرور كذلك لأن المراد من الظل عدم الحر والبرد بخلاف الأعمى والبصير فإن الشخص الواحد قد يكون بصيرًا. ثم يعرض له العمى فلا منافاة إلا من حيث الوصف، وأما الأحياء والأموات فيهما وإن كانا كالأعمى والبصير من حيث أن الجسم الواحد قد يكون حيًا ثم يعرض له الموت لكن المنافاة بين الحي والميت أتم من المنافاة بين الأعمى والبصير فإنهما قد يشتركان في إدراك أشياء ولا كذلك الحي والميت كيف والميت مخالف الحي في الحقيقة على ما تبين في الحكمة الإلهية، وقيل لم تكرر قبل وكررت بعد لأن المخاطب في أول الكلام لا يقصر في فهم المراد، وقيل كررت فيما عدا الأخير لأنه لو قيل وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات والنور مثلًا لتوهم نفي الاستواء بين مجموع الأعمى والبصير ومجموع الظلمات والنور، وفي الأخير للاعتناء وإدخال {لا} على المتقابلين لتذكير نفي الاستواء، وقدم الأعمى على البصير مع أن البصير أشرف لأنه إشارة إلى الكافر وهو موجود قبل البعثة والدعوة إلى الإيمان، ولنحو هذا قدم الظلمات على النور فإن الباطل كان موجودًا فدمغه الحق ببعثته عليه الصلاة والسلام، ولم يقدم الحرور على الظل ليكون على طرز ما سبق من تقديم غير الأشرف بل قدم الظل رعاية لمناسبته للعمى والظلمة من وجه أو لسبق الرحمة مع ما في ذلك من رعاية الفاصلة.
وقدم الأحياء على الأموات ولم يعكس الأمر ليوافق الأولين في تقديم غير الأشرف لأن الأحياء إشارة إلى المؤمنين بعد الدعوة والأموات إشارة إلى المصرين على الكفر بعدها ولذا قيل بعد {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاء} إلخ ووجود المصرين بوصف الأصرار بعد وجود المؤمنين، وقيل قدم ما قدم فيما عدا الأخير لأنه عدم وله مرتبة السبق وفي الأخير لأن المراد بالأموات. فاقدو الحياة بعد الاتصاف بها كما يشعر به إرداف ذلك بقوله تعالى: {وَمَا أَنتَ سْمِعٍ مَّن فِي القبور} فيكون للحياة مع أنها وجوديّة رتبة السبق أيضًا، وقيل إن تقديم غير الأشرف مع انفهام أنه غير أشرف على الأشرف للإشارة إلى أن التقديم صورة لا يخل بشرف الأشرف.
فالنار يعلوها الدخان وربما ** يعلو الغبار عمائم الفرسان

وجمع الظلمات مع إفراد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق، وقيل لأن الظلمة قد تتعدد فتكون في محال قد تخلل بينهما نور والنور في هذا العالم وإن تعدد إلا أنه يتحد وراء محل تعدده، وجمع الأحياء والأموات على بابه لتعدد المشبه بهما ولم يجمع الأعمى والبصير لذلك لأن القصد إلى الجنس والمفرد أظهر فيه مع أن في البصراء ترك رعاية الفاصلة وهو على الذوق السليم دون البصير، فتدبر جميع ذلك والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وهو العليم الخبير.
وقرأ الأشهب. والحسن {سْمِعٍ مَّن} بالإضافة.

.تفسير الآية رقم (23):

{إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)}
{إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} أي ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر فإن كان المنذر ممن أراد الله تعالى هدايته سمع واهتدى وإن كان ممن أراد سبحانه ضلاله وطبع على قلبه فما عليك منه تبعة.

.تفسير الآية رقم (24):

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)}
{إِنَّا أرسلناك بالحق} أي محقين على أنه حال من الفاعل أو محقًا على أنه حال من المفعول أو إرسالًا مصحوبًا بالحق على أنه صفة لمصدر محذوف، وجوز الزمخشري تعلقه بقوله سبحانه: {بَشِيرًا} ومتعلق قوله تعالى: {وَنَذِيرًا} محذوف لدلالة المقابل على مقابله أي بشيرًا بالوعد الحق ونذيرًا بالوعيد الحق.
{وَإِن مّنْ أُمَّةٍ} أي ما من جماعة كثيرة أهل عصر وأمة من الأمم الدارجة في الأزمنة الماضية {إِلاَّ خَلاَ} مضى {فِيهَا نَذِيرٌ} من نبي أو عالم ينذرها، والاكتفاء بذكره للعلم بأن النذارة قريبة البشارة لاسيما وقد اقترنا آنفًا مع أن الإنذار أنسب بالمقام، وقيل خص النذير بالذكر لأن البشارة لا تكون إلا بالسمع فهو من خصائص الأنبياء عليهم السلام فالبشير نبي أو ناقل عنه بخلاف النذارة فإنها تكون سمعًا وعقلًا فلذا وجه النذير في كل أمة، وفيه بحث.
واستدل بعض الناس بهذه الآية مع قوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم} [الأنعام: 38] على في البهائم وسائر الحيوانات أنبياء أو علماء ينذرون، والاستدلال بذلك باطل لا يكاد ينفي بطلانه على أحد حتى على البهائم، ولم نسمع القول بنبوة فرد من البهائم ونحوها إلا عن الشيخ محيي الدين ومن تابعه قدس الله سره، ورأيت في بعض الكتب أن القول بذلك كفر والعياذ بالله تعالى.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)}
{وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم العاتية فلا تحزن من تكذيب هؤلاء إياك.
{جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} في موضع الحال على ما قال أبو البقاء إما بدون تقدير قد أو بتقديرها أي كذب الذين من قبلهم وقد جاءتهم رسلهم {بالبينات} أي بالمعجزات الظاهرة الدالة على صدقهم فيما يدعون {وبالزبر} كصحف إبراهيم عليه السلام {وبالكتاب المنير} كالتوراة والإنجيل على إرادة التفصيل يعني أن بعضهم جاء بهذا وبعضهم جاء بهذا لا على إرادة الجمع وأن كل رسول جاء بجميع ما ذكر حتى يلزم أن يكون لكل رسول كتاب وعدد الرسل أكثر بكثير من عدد الكتب كما هو معروف، ومآل هذا إلى منع الخلو، ويجوز أن يراد بالزبر والكتاب واحد والعطف لتغاير العنوانين لكن فيه بعد.

.تفسير الآية رقم (26):

{ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)}
{ثُمَّ أَخَذْتُ الذين كَفَرُواْ} وضع الظاهر موضع ضميرهم لذمهم بما حيز الصلة والإشعار بعلة الأخذ {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إنكاري عليهم بالعقوبة، وفيه مزيد تشديد وتهويل وقد تقدم الكلام في نظير هذا في سبأ (45) فتذكر.
وفي الآية من تسليته صلى الله عليه وسلم ما فيها.

.تفسير الآية رقم (27):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)}
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} إلخ استئناف مسوق على ما يخطر بالبال لتقرير ما أشعر به قوله تعالى: {ثُمَّ أَخَذْتُ الذين كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [فاطر: 26] من عظيم قدرته عز وجل. وقال شيخ الإسلام: هو لتقرير ما قبله من اختلاف الناس ببيان أن الاختلاف والتفاوت أمر مطرد في جميع المخلوقات من النبات والجماد والحيوان.
وقال أبو حيان: تقرير لوحدانيته تعالى بأدلة سماوية وأرضية أثر تقريرها بأمثال ضربها جل شأنه، وهذا كما ترى، والاستفهام للتقرير والرؤية قلبية لأن إنزال المطر وإن كان مدركًا بالبصر لكن إنزال الله تعالى إياه ليس كذلك، والخطاب عام أي ألم تعلم أن الله تعالى أنزل من جهة العلو ماء {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} أي بذلك الماء على أنه سبب عادي للإخراج، وقيل أي أخرجنا عنده، والالتفات لإظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة {ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} أي أنواعها من التفاح والرمان والعنب والتين وغيرها مما لا يحصر، وهذا كما يقال فلان أتى بألوان من الأحاديث وقدم كذا لونًا من الطعام، واختلاف كل نوع بتعدد أصنافه كما في التفاح فإن له أصنافًا متغايرة لذة وهيئة وكذا في سائر الثمرات ولا يكاد يوجد نوع منها إلا وهو ذو أصناف متغايرة، ويجوز أن يراد اختلاف كل نوع باختلاف أفراده.
وأخرج عبد بن حميد. وابن جرير عن قتادة أنه حمل الألوان على معناها المعروف واختلافها بالصفرة والحمرة والخضرة وغيرها، وروي ذلك عن ابن عباس أيضًا وهو الأوفق لما في قوله تعالى: {وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ} وهو إما عطف على ما قبله بحسب المعنى أو حال وكونه استئنافًا مع ارتباطه بما قبله غير ظاهر، و{جُدَدٌ} جمع جدة بالضم وهي الطريقة من جده إذا قطعه.
وقال أبو الفضل: هي من الطرائق ما يخالف لونه لون ما يليه ومنه جدة الحمار للخط الذي في وسط ظهره يخالف لونه، وسأل ابن الأزرق ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الجدد فقال طرائق طريقة بيضاء وطريقة خضراء، وأنشد قول الشاعر:
قد غادر السبع في صفحاتها جددا ** كأنها طرق لاحت على أكم

والكلام على تقدير مضاف إن لم تقصد المبالغة لأن الجبال ليست نفس الطرائق أي ذو جدد. وقرأ الزهري {جُدَدٌ} بضمتين جمع جديدة كسفينة وسفن وهي عنى جدة. وقال صاحب اللوامح هو جمع جديد عنى آثار جديدة واضحة الألوان. وقال أبو عبيدة: لا مدخل لمعنى الجديدة في هذه الآية. ولعل من يقول بتجدد حدوث الجبال وتكونها من مياه تنبع من الأرض وتتحجر أولًا فأولًا ثم تنبع من موضع قريب مما تحجر فتتحجر أيضًا وهكذا حتى يحصل جبل لا يأبى حمل الآية على هذه القراءة على ما ذكر، والظاهر من الآيات والأخبار أن الجبال أحدثها الله تعالى بعيد خلق الأرض لئلا تميد بسكانها، والفلاسفة يزعمون أنها كانت طينًا في بحار انحسرت ثم تحجرت، وقد أطال الإمام الكلام على ذلك في كتابه المباحث المشرقية واستدل على ذلك بوجود أشياء بحرية كالصدف بين أجزائها، وهذا عند تدقيق النظر هباء وأكثر الأدلة مثله، ومن أراد الاطلاع على ما قالوا فليرجع إلى كتبهم.
وروي عنه أيضًا أنه قرأ {جُدَدٌ} بفتحتين ولم يجز ذلك أبو حاتم وقال: إن هذه القراءة لا تصح من حيث المعنى وصححها غيره وقال: الجدد الطريق الواضح المبين إلا أنه وضع المفرد موضع الجمع ولذا وصف بالجمع، وقيل هو من باب نطفة أمشاج وثوب أخلاق لاشتمال الطريق على قطع.

وتعب بأنه غير ظاهر ولا مناسب لجمع الجبال {مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} أي أصنافها بالشدة والضعف لأنها مقولة بالتشكيك فمختلف صفة بيض وحمر، و{أَلْوَانُهَا} فاعل له وليس بتدأ، و{مُّخْتَلِفٍ} خبره لوجوب مختلفة حينئذٍ، وجوز أن يكون صفة {جُدَدٌ} {وَغَرَابِيبُ} عطف على {بَيْضٌ} فهو من تفاصيل الجدد والصفات القائمة بها أي ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر، وغرابيب والغربيب هو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه ومنه الغراب، وكثر في كلامهم اتباعه للأسود على أنه صفة له أو تأكيد لفظي فقالوا أسود غربيب كما قالوا أبيض يقق وأصفر فاقع وأحمر قاني.
وظاهر كلام الزمخشري أن {غرابيب} هنا تأكيد لمحذوف والأصل وسود غرابيب أي شديدة السواد.
وتعقب بأنه لا يصح إلا على مذهب من يجوز حذف المؤكد ومن النحاة من منع ذلك وهو اختيار ابن مالك لأن التأكيد يقتضي الاعتناء والتقوية وقصد التطويل والحذف يقتضي خلافه. ورده الصفار كما في شرح التسهيل لأن المحذوف لدليل كالمذكور فلا ينافي تأكيده، وفي بعض شروح المفصل أنه صفة لذلك المحذوف أقيم مقامه بعد حذفه، وقوله تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} بدل منه أو عطف بيان له وهو مفسر للمحذوف، ونظير ذلك قول النابغة:
والمؤمن العائذات الطير يمسحها ** ركبان مكة بين الغيل والسند

وفيه التفسير بعد الإبهام ومزيد الاعتناء بوصف السواد حيث دل عليه من طريق الإضمار والإظهار.
ويجوز أن يكون العطف على {جُدَدٌ} على معنى ومن الجبال ذو جدد مختلف اللون ومنها غرابيب متحدة اللون كما يؤذن به المقابلة وإخراج التركيب على الأسلوب الذي سمعته، وكأنه لما اعتنى بأمر السواد بإفادة أنه في غاية الشدة لم يذكر بعده الاختلاف بالشدة والضعف.
وقال الفراء: الكلام على التقديم والتأخير أي سود غرابيب، وقيل ليس هناك مؤكد ولا موصوف محذوف وإنما {غرابيب} معطوف على {الجبال جُدَدٌ} أو على بيض من أول الأمر و{سُودٌ} بدل منه، قال في البحر: وهذا حسن ويحسنه كون غربيب لم يلزم فيه أن يستعمل تأكيدًا، ومنه ما جاء في الحديث إن الله تعالى يبغض الشيخ الغربيب وهو الذي يخضب بالسواد، وفسره ابن الأثير بالذي لا يشيب أي لسفاهته أو لعدم اهتمامه بأمر آخرته، وحكي ما في البحر بصيغة قيل، وقول الشاعر:
العين طامحة واليد شامخة ** والرجل لائحة والوجه غربيب