فصل: تفسير الآية رقم (33):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (33):

{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)}
{جنات عَدْنٍ} مبتدأ خبره قوله تعالى: {يَدْخُلُونَهَا} ويؤيده قراءة الجحدري وهرون عن عاصم {جنات} بالنصب على الاشتغال أي يدخلون جنات عدن يدخلونها واحتمال جره بدلًا من {الخيرات} بعيد وفيه الفصل بين البدل والمبدل منه بأجنبي فلا يلتفت إليه.
وضمير الجمع للذين اصطفينا أو للثلاثة. وقال الزمخشري: ذلك إشارة إلى السبق بالخيرات {وجنات عَدْنٍ} بدل من الفضل الذي هو السبق ولما كان السبق بالخيرات سببًا لنيل الثواب جعل نفس الثواب إقامة للسبب مقام المسبب ثم أبدل منه وضمير الجمع للسابق لأن القصد إلى الجنس، فخص الوعد بالقسم الأخير مراعاة لمذهب الاعتزال وهو على ما سمعت للأقسام الثلاثة وذلك هو الأظهر في النظم الجليل ليطابقه قوله تعالى بعد: {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} [فاطر: 36] وليناسب حديث التعظيم والاختصاص المدمج في قوله سبحانه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب} [فاطر: 32] وإلا فأي تعظيم في ذلك بعد أن لز أكثر المصطفين في قرن الكافرين وليناسب ذكر الغفور بعد حال الظالم والمقصد والشكور حال السابق ولتعسف ما ذكره من الإعراب وبعده عن الذوق وكيف لا يكون الأظهر وقد فسره كذلك أفضل الرسل ومن أنزل عليه هذا الكتاب المبين على ما مر آنفًا وإليه ذهب الكثير من أصحابه الفخام ونجوم الهداية بين الأنامرضي الله تعالى عنهم وعد منهم في الحبر عمر. وعثمان. وابن مسعود. وأبا الدرداء. وأبا سعيد. وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وقد أخرج سعيد بن منصور. والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب أنه قال بعد أن قرأ الآية: أشهد على الله تعالى أنه يدخلهم الجنة جميعًا، وأخرج غير واحد عن كعب أنه قرأ الآية إلى {لُغُوبٌ} فقال دخلوها ورب الكعبة، وفي كلهم في الجنة ألا ترى على أثره {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جهنم} [فاطر: 36] نعم أن أريد بالظالم لنفسه الكافر يتعذر رجوع الضمير إلى ما ذكر ويتعين رجوعه إلى السابق وإليه وإلى المقتصد لأن المراد بهما الجنس لكن لا ينبغي أن يراد بعد هاتيك الأخبار، وقرأ زر بن حبيش. والزهري {جَنَّةُ عَدْنٍ} بالإفراد والرفع وقرأ أبو عمرو {يَدْخُلُونَهَا} بالناء للمفعول ورويت عن ابن كثير، وقوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا} خبر ثان لجنات أو حال مقدرة، وقيل: إنها لقرب الوقوع بعد الدخول تعد مقارنة وقرئ {يُحَلَّوْنَ} بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف اللام من حليت المرأة فهي حالية إذ لبست الحلى ويقال جيد حال إذا كان عليه الحلي {مِنْ أَسَاوِرَ} جمع سوار على ما في «الإرشاد»، وفي القاموس السوار ككتاب وغراب القلب كالأسوار بالضم جمعه إسورة وأساور وأساورة وسور وسؤور اه، وإطلاق الجمع على جمع الجمع كثير فلا مخالفة، وسوار المرأة معرب كما قال الراغب وأصله دستواره، ومن للتبعيض أي يحلون بعض أساور كأنه بعض له امتياز وتفوق على سائر الإبعاض، وجوز أن تكون للبيان لما أن ذكر التحلية مما ينبئ عن الحلي المبهم، وقيل: زائدة بناء على ما يرى الأخفش من جواز زيادتها في الإثبات، وقيل: نعت لمفعول محذوف ليحلون وأنه عنى يلبسون {وَمِنْ} في قوله تعالى: {مّن ذَهَبٍ} بيانية {وَلُؤْلُؤًا} عطف على محل {مِنْ أَسَاوِرَ} أي ويحلون فيها لؤلؤًا.
أخرج الترمذي. والحاكم. وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية فقال: إن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، وقيل: عطف على المفعول المحذوف أو منصوب بفعل مضمر يدل عليه {يُحَلَّوْنَ} أي ويؤتون لؤلؤًا. وقرأ جمع من السبعة {ولؤلؤ} بالجر عطفًا على {فَإِذَا ذَهَبَ} أي يحلون فيها بعض أساور من مجموع ذهب ولؤلؤ بأن تنظم حبات ذهب مع حبات لؤلؤ ويتخذ من ذلك سوار كما هو معهود اليوم في بلادنا أو بأن يرصع الذهب باللؤلؤ كما يرضع ببعض الأحجار، وقيل: أي من ذهب في صفاء اللؤلؤ، وفيه ما فيه من الكدر.
ولعل من يقول بأنه لا اشتراك بين ذهب الدنيا ولؤلؤها وذهب الآخرة ولؤلؤها إلا بالاسم لا يلتزم النظم ولا الترصيع كما لا يخفى، وقرء {لُؤْلُؤًا} بتخفيف الهمزة الأولى {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} أي إبريسم محض كما في مجمع البيان، وقال الراغب: ما رق من الثياب. وتغيير الأسلوب حيث لم يقل ويلبسون فيها حريرًا قيل للإيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غني عن البيان إذ لا يمكن عراؤهم عنه وإنما المحتاج إلى البيان إن لباسهم ماذا بخلاف الأساور واللؤلؤ فإنها ليست من اللوازم الضرورية ولذا لا يلزم العدل بين الزوجات فيها فجعل بيان تحليتهم مقصورًا بالذات، ولعل هذا هو الباعث على تقديم التحلية على بيان حال اللباس، وقيل: إن ذلك للدلالة على أن الحرير ثيابهم المعتادة مع المحافظة على هيئة الفواصل وليس بذاك.

.تفسير الآية رقم (34):

{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)}
{وَقَالُواْ} أي ويقولون.
وصيغة الماضي للدلالة على التحقق {الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} حزن تقلب القلب وخوف العاقبة على ما روى عن القاسم بن محمد، وقال أبو الدرداء: حزن أهوال القيامة وما يصيب من ظلم نفسه هنالك.
وأخرج الحاكم وصححه: وابن أبي حاتم وغيرهما عن ابن عباس حزن النار. وقال الضحاك حزن الموت يقولون ذلك إذا ذبح الموت، وقال مقاتل: حزن الانتقال يقولون ذلك إذا استقروا فيها، وقال قتادة: حزن أن لا تتقبل أعمالهم، وقال الكلبي: خوف الشيطان، وقال سمرة بن جندب: حزن معيشة الدنيا الخبز ونحوه، وعن ابن عباس حزن الآفات والأعراض وقيل: حزن كراء الدار والأولى أن يراد جنس الحزن المنتظم لجميع أحزان الدين والدنيا والآخرة، وكل ما سمعت من باب التمثيل وقد تقدم في الحديث: «إن الذين ظلموا أنفسهم هم الذين يقولون» أي بعد أن يتلقاهم الله تعالى برحمته {الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} إلخ فلا تغفل وقرئ الحزن بضم الحاء وسكون الزاي ذكره جناح بن حبيش {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ} للمذنبين {شَكُورٍ} للمطيعين.
وأخرج ابن المنذر: وغيره عن ابن عباس أنه قال في ذلك. غفر لنا العظيم من ذنوبنا وشكر لنا القليل من أعمالنا، وفي الكشاف ذكر السكور دليل على أن القوم كثير والحسنات، وكان عليه أن يقول: وذكر الغفور دليل على أنهم كثير والفرطات فينطبق على الفرق ولا ينفك النظم ولكن منعه المذهب.

.تفسير الآية رقم (35):

{الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)}
{الذى أَحَلَّنَا دَارَ المقامة} أي دار الإقامة التي لا انتقال عنها أبدًا وهي الجنة {مِن فَضْلِهِ} من إنعامه سبحانه وتفضله وكرمه فإن العمل وإن كان سببًا لدخول الجنة في الجملة لكن سببيته بفضل الله عز وجل أيضًا إذ ليس هناك استحقاق ذاتي، ومن علم أن العمل متناه زائل وثواب الجنة دائم لا يزول لم يشك في أن الله تعالى ما أحل من أحل دار الإقامة إلا من محض فضله سبحانه وقال الزمخشري: أي من إعطائه تعالى وإفضاله من قولهم لفلان فضول على قومه وفواضل وليس من الفضل الذي هو التفضل لأن الثواب نزلة الأجر المستحق والتفضل كالتبرع وفيه من الاعتزال ما فيه {لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} أي تعب {وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} كلال وفتور وهو نتيجة النصب، وضمه إليه وتكرير الفعل المنفي للمبالغة في بيان انتفاء كل منهما كذا قال جمع من الأجلة، وقال بعضهم: النصب التعب الجسماني واللغوب التعب النفساني.
وأخرج ابن جرير عن قتادة أنه فسر النصب بالوجع والكلام من باب:
لا ترى الضب بها ينجحر

والجملة حال من أحد مفعولي أحل. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي {لُغُوبٌ} بفتح اللام، قال الفراء: هو ما يغب به كالفطور والسحور، وجاز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي لا يمسنا فيها لغوب لغوب نحو شعر شاعر كأنه وصف اللغوب بأنه قد لغب أي أعيى وتعب.
وقال صاحب اللوامح يجوز أن يكون مصدرًا كالقبور وإن شئت جعلته صفة لمضمر أي أمر لغوب.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)}
{والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ} أي لا يحكم عليهم وت ثان {فَيَمُوتُواْ} ليستريحوا بذلك من عذابها بالكلية وإنما فسر لا يقضي بما ذكر دون لا يموتون لئلا يلغوا فيموتوا ويحتاج إلى تأويله بيستريحوا.
ونصب يموتوا في جواب النفي بإضمار أن والمراد انتفاء المسبب لانتفاء السبب أي ما يكون حكم بالموت فكيف يكون الموت. وقرأ عيسى. والحسن {فيموتون} بالنون عطفًا كما قال أبو عثمان المازني على {والله يَقْضِى} كقوله تعالى: {لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36] أي لا يقضي عليهم ولا يموتون {وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا} المعهود لهم بل كلما خبت زيد إسعارها، والمراد دوام العذاب فلا ينافي تعذيبهم بالزمهرير ونحوه، ونائب فاعل يخفف {عَنْهُمْ} ومن عذابها في موضع نصب ويجوز العكس، وجوز أن تكون من زائدة فيتعين رفع مجرورها على أنه النائب عن الفاعل على ما قال أبو البقاء. وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو {وَلاَ يُخَفَّفُ} بإسكان الفاء شبه المنفصل بالمتصل كقوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب

{كذلك} أي مثل ذلك الجزاء الفظيع {نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍ} مبالغ في الكفر أو الكفران لا جزاء أخف وأدنى منه.
وقرأ أبو عمرو. وأبو حاتم عن نافع {يَجْزِى} بالياء مبنيًا للمفعول و{كُلٌّ} بالرفع على النيابة عن الفاعل وقرئ {نجازي} بنون مضمومة وألف بعد الجيم.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)}
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} افتعال من الصراخ وهو شدة الصياح والأصل يصترخون فأبدلت التاء طاء ويستعمل كثيرًا في الاستغاثة لأن المستغيث يصيح غالبًا، وبه فسره هنا قتادة فقال: يستغيثون فيها، واسغاثتهم بالله عز وجل بدليل ما بعده وقيل ببعضهم لحيرتهم وليس بذاك.

{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} بإضمار القول أي ويقولون بالعطف أو يقولون بدونه على أنه تفسير لما قبله أو قائلين على أنه حال من ضميرهم، وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به والإشعار بأن استخراجهم لتلافيه فهو وصف مؤكد ولأنهم كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعًا فكأنهم قالوا: نعمل صالحًا غير الذي كنا نحسبه صالحًا فنعمله فالوصف مقيد.
وذكر أبو البقاء {أَنَّ صالحا وَغَيْرُ الذى} يجوز أن يكونا صفتين لمصدر محذوف أو لمفعول محذوف وأن يكون {صالحا} نعتًا لمصدر و{غَيْرَ الذى} مفعول {نَعْمَلْ} وأيًا ما كان فالمراد أخرجنا من النار وردنا إلى الدنيا نعمل صالحًا وكأنهم أرادوا بالعمل الصالح التوحيد وامتثال أمر الرسول عليه الصلاة والسلام والانقياد له، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: {نَعْمَلْ صالحا} نقل لا إله إلا الله {أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ} جواب من جهته تعالى وتوبيخ لهم في الآخرة حين يقولون {رَبَّنَا} إلخ فهو بتقدير فنقول لهم أو فيقال لهم {أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ} إلخ، وفي بعض الآثار أنهم يجابون بذلك بعد مقدار الدنيا، والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام وما موصولة أو موصوفة أي ألم نمهلكم ونعمركم الذي أي العمر الذي أو عمرًا يتذكر فيه من تذكر أي يتمكن فيه من أراد التذكر وتحققت منه تلك الإرادة من التذكر والتفكر.
وقال أبو حيان: ما مصدرية ظرفية أي ألم نعمركم في مدة تذكر، وتعقب بأن ضمير {فِيهِ} يأباه لأنها لا يعود عليها ضمير إلا على نظر الأخفش فإنه يرى اسميتها وهو ضعيف، ولعله يجعل الضمير للعمر المفهوم من {نعمر} وفيه بعد.
وجعل ما نافية لا يصح كما قال ابن الحاجب لفظًا ومعنى، وهذا العمر على ما روى عن علي كرم الله تعالى وجهه وأخرجه جماعة وصححه الحاكم عن ابن عباس ستون سنة، وقد أخرج الإمام أحمد. والبخاري. والنسائي. وغيرهم عن سهل بن سعد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعذر الله تعالى إلى امرئ أخر عمره حتى بلغ ستين سنة؛ وقيل: هو خمسون سنة» وفي رواية عن ابن عباس أنه ست وأربعون سنة، وأخرج عبد بن حميد.
وابن حاتم عن الحسن أنه أربعون سنة، وفي رواية أخرى عنه أنه سن البلوغ، وقيل: سبع عشرة سنة، وعن قتادة ثمان عشرة سنة، وعن عمر بن عبد العزيز عشرون سنة، وعن مجاهد مابين العشرين إلى الستين، وقرأ الأعمش {مَا يُذْكَرُ فِيهَا مِنْ اذكر} بالإدغام واجتلاب همزة الوصل ملفوظًا بها في الدرج {وَجَاءكُمُ النذير} عطف على معنى الجملة الاستفهامية فكأنه قيل: عمرناكم وجاءكم النذير فليس من عطف الخبر على الإنشاء كما في قوله تعالى: {ألم نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح: 1، 2] وجوز أن يكون عطفًا على {نُعَمّرْكُمْ} ودخول الهمزة عليهما فلا تغفل.
والمراد بالنذير على ما روى عن السدي. وابن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: ما معه من القرآن، وقال أبو حيان: المراد جنس النذير وهم الأنبياء عليهم السلام فكل نبي نذير أمته، ويؤيده أنه قرئ {النذر} جمعًا، وعن ابن عباس. وعكرمة. وسفيان بن عيينة. ووكيع. والحسين بن الفضل. والفراء. والطبرسي هو الشيب، وفي الأثر ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها استعدى فقد قرب الموت، ومن هنا قيل:
رأيت الشيب من نذر المنايا ** لصاحبه وحسبك من نذير

وقائلة تخضب يا حبيبي ** وسود شعر شيبك بالعبير

فقلت لها المشيب نذير عمري ** ولست مسودًا وجه النذير

وقيل: الحمى، وقيل: موت الأهل والأقارب، وقيل: كمال العقل، والاقتصار على النذير لأنه الذي يقتضيه المقام، والفاء في قوله تعالى: {فَذُوقُواْ} لترتيب الأمر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجيء النذير، وفي قوله سبحانه: {فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ} للتعليل، والمراد بالظلم هنا الكفر، قيل كان الظاهر فما لكم لكن عدل إلى المظهر لتقريعهم، والمراد استمرار نفي أن يكون لهم نصير يدفع عنهم العذاب.