فصل: تفسير الآية رقم (220):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (220):

{فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
{فِى الدنيا والاخرة} أي في أمورهما فتأخذون بالأصلح منهما وتجتنبون عما يضركم ولا ينفعكم أو يضركم أكثر مما ينفعكم، والجار بعد تقدير المضاف متعلق بـ {تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 219] بعد تقييده بالأول، وقيل: يجوز أن يتعلق بـ {يُبِينُ} [البقرة: 219] أي يبين لكم الآيات فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون وقدم التفكر للاهتمام، وفيه أنه خلاف ظاهر النظم مع أن ترجى أصل التفكر ليس غاية لعموم التبيين فلابد من عموم التفكر فيكون المراد لعلكم تتفكرون في أمور الدنيا والآخرة وفي التكرار ركاكة، وقيل: متعلق حذوف وقع حالًا من الآيات أي يبينها لكم كائنة فيهما أي مبينة لأحوالكم المتعلقة بهما ولا يخفى ما فيه، ومن الناس من لم يقدر ليتفكرون متعلقًا وجعل المذكور متعلقًا بها أي بين الله لكم الآيات لتتفكروا في الدنيا وزوالها والآخرة وبقائها فتعلموا فضل الآخرة على الدنيا وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وقتادة والحسن.
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اليتامى} عطف على ما قبله من نظيره، أخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لما أنزل الله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] و{إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى} [النساء: 10] الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فيرمى به فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت، والمعنى يسألونك عن القيام بأمر اليتامى، أو التصرف في أموالهم، أو عن أمرهم وكيف يكونون معهم {قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} أي مداخلتهم مداخلة يترتب عليها إصلاحهم أو إصلاح أموالهم بالتنمية والحفظ خير من مجانبتهم، وفي الاحتمال الأول إقامة غاية الشيء مقامه.
{وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم} عطف على سابقه والمقصود الحث على المخالطة المشروطة بالإصلاح مطلقًا أي إن تخالطوهم في الطعام والشراب والمسكن والمصاهرة تؤدوا اللائق بكم لأنهم إخوانكم أي في الدين؛ وبذلك قرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وأخرج عبد بن حميد عنه المخالطة أن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه ويأكل من في قصعتك وتأكل في قصعته ويأكل من تمرتك وتأكل من تمرته، واختار أبو مسلم الأصفهاني أن المراد بالمخالطة المصاهرة، وأيد بما نقله الزجاج أنهم كانوا يظلمون اليتامى فيتزوجون منهم العشرة ويأكلون أموالهم فشدد عليهم في أمر اليتامى تشديدًا خافوا معه التزوج بهم فنزلت هذه الآية فأعلمهم سبحانه أن الإصلاح لهم خير الأشياء وأن مخالطتهم في التزويج مع تحري الإصلاح جائزة وبأن فيه على هذا الوجه تأسيسًا إذ المخالطة بالشركة فهمت مما قبل وبأن المصاهرة مخالطة مع اليتيم نفسه بخلاف ما عداها وبأن المناسبة حينئذٍ لقوله تعالى: {فَإِخوَانُكُمْ} ظاهرة لأنها المشروطة بالإسلام فإن اليتيم إذا كان مشركًا يجب تحري الإصلاح في مخالطته فيما عدا المصاهرة وبأنه ينتظم على ذلك النهي الآتي بما قبله كأنه قيل: المخالطة المندوبة إنما هي في اليتامى الذين هم إخوانكم فإن كان اليتيم من المشركات فلا تفعلوا ذلك، ولا يخفى أن ما نقله الزجاج أضعف من الزجاج إذ لم يثبت ذلك في أسباب النزول في كتاب يعول عليه، والزجاج وأمثاله ليسوا من فرسان هذا الشأن وبأن التأسيس لا ينافي الحث على المخالطة لما أن القوم تجنبوا عنها كل التجنب وأن إطلاق المخالطة أظهر من تخصيصها بخلط نفسه وأن المناسبة والانتظام حاصلان بدخول المصاهرة في مطلق المخالطة.
{والله يَعْلَمُ المفسد} في أمورهم بالمخالطة {مِنَ المصلح} لها بها فيجازى كلًا حسب فعله أو نيته ففي الآية وعيد ووعدهم، وقدم المفسد اهتمامًا بإدخال الروع عليه وأل في الموضعين للعهد، وقيل: للاستغراق ويدخل المعهود دخولًا أوليًا، وكلمة {مِنْ} للفضل وضمن {يعلم} معنى يميز فلذا عداه بها {وَلَوْ شَاء الله لاعْنَتَكُمْ} أي لضيق عليكم ولم يجوز لكم مخالطتهم، أو لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقًا قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأصل الإعنات الحمل على مشقة لا تطاق ثقلًا، ويقال: عنت العظم عنتًا إذا أصابه وهن أو كسر بعد جبر، وحذف مفعول المشيئة لدلالة الجواب عليه، وفي ذلك إشعار بكمال لطفه سبحانه ورحمته حيث لم يعلق مشيئته بما يشق علينا في اللفظ أيضًا، وفي الجملة تذكير بإحسانه تعالى على أوصياء اليتامى.
{أَنَّ الله عَزِيزٌ} غالب على أمره لا يعجزه أمر من الأمور التي من جملتها إعناتكم {حَكِيمٌ} فاعل لأفعاله حسا تقتضيه الحكمة وتتسع له الطاقة التي هي أساس التكليف، وهذه الجملة تذييل وتأكيد لما تقدم من حكم النفي والإثبات أي ولو شاء لأعنتكم لكون غالبًا لكنه لم يشأ لكونه حكيمًا. وفي الآية كما قال إلكيا دليل لمن جوز خلط مال الولي ال اليتيم والتصرف فيه بالبيع والشراء ودفعه مضاربة إذا وافق الإصلاح، وفيها دلالة على جواز الاجتهاد في أحكام الحوادث لأن الإصلاح الذي تضمنته الآية إنما يعلم من الاجتهاد وغلبة الظن وفيها دلالة على أنه لا بأس بتأديب اليتيم وضربه بالرفق لإصلاحه ووجه مناسبتها لما قبلها أنه سبحانه لما ذكر السؤال عن الخمر والميسر وكان في تركها مراعاة لتنمية المال ناسب ذلك النظر في حال اليتيم فالجامع بين الآيتين أن في ترك الخمر والميسر إصلاح أحوالهم أنفسهم، وفي النظر في أحوال اليتامى إصلاحًا لغيرهم ممن هو عاجز أن يصلح نفسه فمن ترك ذلك وفعل هذا فقد جمع بين النفع لنفسه ولغيره.

.تفسير الآية رقم (221):

{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
{وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} روى الواحدي وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا من غنى يقال له مرثد بن أبي مرثد حليفًا لبني هاشم إلى مكة ليخرج أناسًا من المسلمين بها أسرى فلما قدمها سمعت به امرأة يقال لها عناق وكانت خليلة له في الجاهلية فلما أسلم أعرض عنها فأتته فقالت: ويحك يا مرثد ألا تخلو فقال لها: إن الإسلام قد حال بيني وبينك وحرمه علينا ولكن إن شئت تزوجتك فقالت: نعم فقال: إذا رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنته في ذلك ثم تزوجتك فقالت له: أبي تتبرم؟ ثم استعانت عليه فضربوه ضربًا وجيعًا ثم خلوا سبيله فلما قضى حاجته كة انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا وأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق وما لقي بسببها فقال: يا رسول الله أيحل أن أتزوجها وفي رواية أنها تعجبني فنزلت» وتعقب ذلك السيوطي بأن هذا ليس سببًا لنزول هذه الآية وإنما هو سبب في نزول آية النور (3): {الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} وروى السدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما طأن هذه نزلت في عبد الله بن رواحة وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها ثم إنه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هي يا عبد الله؟» فقال: هي يا رسول الله تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله فقال: «يا عبد الله هي مؤمنة» قال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق نبيًا لأعتقنها ولأتزوجنها ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين فقالوا: أنكح أمة وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أنسابهم فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ} الآية وقرئ بفتح التاء وبضمها وهو المروي عن الأعمش أي لا تتزوجوهن أو لا تزوجوهن من المسلمين وحمل كثير من أهل العلم المشركات على ما عدا الكتابيات فيجوز نكاح الكتابيات عنده لقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين} [البينة: 1] و{مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلاَ المشركين} [البقرة: 105] والعطف يقتضي المغايرة؛ وأخرج ابن حميد عن قتادة المراد بالمشركات مشركات العرب التي ليس لهن كتاب، وعن حماد قال: سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية. فقال: لا بأس به فقلت: أليس الله تعالى يقول: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات}؟ فقال: إنما ذلك المجوسيات وأهل الأوثان، وذهب البعض إلى أنها تعم الكتابيات قيل: لأن من جحد نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام فقد أنكر معجزته وأضافها إلى غيره تعالى وهذا هو الشرك بعينه ولأن الشرك وقع في مقابلة الإيمان فيما بعد ولأنه تعالى أطلق الشرك على أهل الكتاب لقوله: {وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتِ النصارى المسيح ابن الله} إلى قوله سبحانه: {عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 30، 31] وأخرج البخاري والنحاس في «ناسخه» عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال: حرم الله تعالى المشركات على المسلمين ولا أعرف شيئًا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله تعالى، وإلى هذا ذهب الإمامية وبعض الزيدية، وجعلوا آية المائدة (5): {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} منسوخة بهذه الآية نسخ الخاص بالعام وتلك وإن تأخرت تلاوة مقدمة نزولًا والإطباق على أن سورة المائدة لم ينسخ منها شيء ممنوع ففي «الإتقان» ومن المائدة (2) قوله تعالى: {وَلاَ الشهر الحرام} منسوخ بإباحة القتال فيه وقوله تعالى: {فَإِن جَاءوكَ فاحكم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 24] منسوخ بقوله سبحانه: {وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بما أَنزَلَ الله} [المائدة: 94] وقوله تعالى: {ءاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] منسوخ بقوله عز شأنه: {وَأَشْهِدُواْ ذَوِى عَدْلٍ مّنْكُمْ} [الطلاق: 2] والمشهور الذي عليه العمل أن هذه الآية قد نسخت بما في المائدة على ما يقتضيه الظاهر، فقد أخرج أبو داود في «ناسخه» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات} نسخ من ذلك نكاح نساء أهل الكتاب أحلهن للمسلمين وحرم المسلمات على رجالهم، وعن الحسن ومجاهد مثل ذلك وهو الذي ذهب إليه الحنفية والشافعية يقولون بالتخصيص دون النسخ، ومبنى الخلاف أن قصر العام بكلام مستقل تخصيص عند الشافعي رضي الله تعالى عنه ونسخ عندنا.
{وَلامَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ} تعليل للنهي وترغيب في مواصلة المؤمنات صدر بلام الابتداء الشبيهة بلام القسم في إفادة التأكيد مبالغة في الحمل على الانزجار، وأصل أمة أمو حذفت لامها على غير قياس وعوض عنها هاء التأنيث ويدل على أن لامها واو رجوعها في الجمع كقوله:
أما الإماء فلا يدعونني ولدا ** إذا تداعى بنو الأموان بالعار

وظهورها في المصدر يقال: هي أمة بينة الأموّة وأقرّت له بالأموّة، وهل وزنها فعلة بسكون العين أو فعلة بفتحها؟ قولان اختار الأكثرون ثانيهما، وتجمع على آم وهو في الاستعمال دون إماء وأصله أأمو بهمزتين الأولى: مفتوحة زائدة، والثانية: ساكنة هي فاء الكلمة، فوقعت الواو طرفًا مضمومًا ما قبلها في اسم معرب ولا نظير له فقلبت ياءًا والضمة قبلها كسرة لتصح الياء فصار الاسم من قبيل غاز وقاض ثم قلبت الهمزة الثانية ألفًا لسكونها بعد همزة أخرى مفتوحة فصارا آم وإعرابه كقاض، والظاهر أن المراد بالأمة ما تقابل الحرة، وسبب النزول يؤيد ذلك لأنه العيب على من تزوّج الأمة والترغيب في نكاح حرّة مشركة، ففي الآية تفضيل الأمة المؤمنة على المشركة مطلقًا ولو حرّة ويعلم منه تفضيل الحرّة عليها بالطريق الأولى، ثم إنّ التفضيل يقتضي أنّ في الشركة خيرًا، فإما أن يراد بالخير الانتفاع الدنيوي وهو مشترك بينهما، أو يكون على حد: {أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] وقيل: المراد بالأمة المرأة حرّة كانت أو مملوكة فإن الناس كلهم عبيد الله تعالى وإماؤه، ولا تحمل على الرقيقة لأنه لابد من تقدير الموصوف في {مشركة} فإنّ قدر {أمة} بقرينة السياق لم يفد خيرية الأمة المؤمنة على الحرّة المشركة، وإن قدر حرّة أو امرأة كان خلاف الظاهر، والمذكور في سبب النزول التزوّج بالأمة بعد عتقها. والأمة بعد العتق حرّة. ولا يطلق عليها أمة إلا باعتبار مجاز الكون. والحق أن الأمة عنى الرقيقة كما هو المتبادر، وأن الموصوف المقدر لـ {مشركة} عام. وكونه خلاف الظاهر خلاف الظاهر. وعلى تقدير التسليم هو مشترك الإلزام، ولعل ارتكاب ذلك آخرًا أهون من ارتكابه أوّل وهلة إذ هو من قبيل نزع الخف قبل الوصول إلى الماء وما في سبب النزول مؤيد لا دليل عليه وقد قيل فيه: إنّ عبد الله نكح أمة إن حقًا وإن كذبًا فالمعنى: ولأمة مؤمنة مع ما فيها من خساسة الرق وقلة الخطر خير مما اتصفت بالشرك مع ما لها من شرف الحرّية ورفعة الشأن.
{وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} لجمالها ومالها وسائر ما يوجب الرغبة فيها، أخرج سعيد بن منصور وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكحوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهنّ أن يرديهن، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهنّ أن تطغيهن، وانكحوهنّ على الدين فلأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل» وأخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» والواو للحال ولو لمجرّد الفرض مجرّدة عن معنى الشرط ولذا لا تحتاج إلى الجزاء والتقدير مفروضًا إعجابها لكن بالحسن ونحوه، وقال الجرمي: الواو للعطف على مقدّر أي لم تعجبكم ولو أعجبتكم وجواب الشرط محذوف دل عليه الجملة السابقة، وقال الرضي: إنها اعتراضية تقع في وسط الكلام وآخره، وعلى التقادير إثبات الحكم في نقيض الشرط بطريق الأولى ليثبت في جميع التقادير، واستدل بعضهم بالآية على جواز نكاح الأمة المؤمنة مع وجود طول الحرّة، واعترضه الكيا بأنه ليس في الآية نكاح الإماء وإنما ذلك للتنفير عن نكاح الحرّة المشركة لأنّ العرب كانوا بطباعهم نافرين عن نكاح الأمة فقيل لهم: إذا نفرتم عن الأمة فالمشركة أولى وفيه تأمّل وفي البحر أن مفهوم الصفة يقتضي أن لا يجوز نكاح الأمة الكافرة كتابية أو غيرها؛ وأمّا وطؤها لك اليمين فيجوز مطلقًا.
{وَلاَ تُنكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ} أي لا تزوّجوا الكفار من المؤمنات سواء كان الكافر كتابيًا أو غيره وسواء كانت المؤمنة أمة أو حرّة، فـ {تَنكِحُواْ} بضم التاء لا غير، ولا يمكن الفتح وإلا لوجب ولا ينكحن المشركين، واستدل بها على اعتبار الولي في النكاح مطلقًا وهو خلاف مذهبنا، وفي دلالة الآية على ذلك خفاء لأنّ المراد النهي عن إيقاع هذا الفعل والتمكين منه، وكل المسلمين أولياء في ذلك.
{وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ} مع ما فيه من ذل المملوكية. {خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ} مع ما ينسب إليه من عز المالكية {وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} بما فيه من دواعي الرغبة {أولئك} أي المذكورون من المشركين والمشركات {يَدْعُونَ إِلَى النار} أي الكفر المؤدي إليها إما بالقول أو بالمحبة والمخالطة فلا تليق مناكحتهم، فإن قيل: كما أن الكفار يدعون المؤمنين إلى النار كذلك المؤمنون يدعونهم إلى الجنة بأحد الأمرين، أجيب بأنّ المقصود من الآية أنّ المؤمن يجب أن يكون حذرًا عما يضره في الآخرة وأن لا يحوم حول حمى ذلك ويجتنب عما فيه الاحتمال مع أن النفس والشيطان يعاونان على ما يؤدّي إلى النار، وقد ألفت الطباع في الجاهلية ذلك قاله بعض المحققين والجملة إلخ معللة لخيرية المؤمنين والمؤمنات من المشركين والمشركات {والله يَدْعُو} بواسطة المؤمنين من يقاربهم {إِلَى الجنة والمغفرة} أي إلى الاعتقاد الحق والعمل الصالح الموصلين إليهما وتقديم الجنة على المغفرة مع قولهم: التخلية أولى بالتقديم على التحلية لرعاية مقابلة النار ابتداءًا {بِإِذْنِهِ} متعلق بـ {يَدْعُو} أي: يدعو إلى ذلك متلبسًا بتوفيقه الذي من جملته إرشاد المؤمنين لمقاربيهم إلى الخير فهم أحقاء بالمواصلة.
{وَيُبَيِنُ آياته لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكي يتعظوا أو يستحضروا معلوماتهم بناءًا على أنّ معرفة الله تعالى مركوزة في العقول، والجملة تذييل للنصح والإرشاد، والواو اعتراضية أو عاطفة، وفصلت الآية السابقة بـ {يَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 219] لأنها كانت لبيان الأحكام والمصالح والمنافع والرغبة فيها التي هي محل تصرف العقل والتبيين للمؤمنين فناسب التفكر، وهذه الآية بـ {يَتَذَكَّرُونَ} لأنها تذييل للإخبار بالدعوة إلى الجنة والنار التي لا سبيل إلى معرفتها إلا النقل والتبيين لجميع الناس فناسب التذكر.
ومن الناس من قدّر في الآية مضافًا أي فريق الله أو أولياؤه وهم المؤمنون فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه تشريفًا لهم، واعترض بأن الضمير في المعطوف على الخبر لله تعالى فيلزم التفكيك مع عدم الداعي لذلك، وأجيب بأن الداعي كون هذه الجملة معللة للخيرية السابقة ولا يظهر التعليل بدون التقدير، وكذا لا تظهر الملائمة لقوله سبحانه: {بِإِذْنِهِ} بدون ذلك فإن تقييد دعوته تعالى: {بإذنه} ليس فيه حينئذ كثير فائدة بأي تفسير فسر الإذن وأمر التفكيك سهل لأنه بعد إقامة المضاف إليه مقام المضاف للتشريف بجعل فعل الأوّل فعلا للثاني صورة فتتناسب الضمائر كما في الكشف ولا يخفى ما فيه وعلى العلات هو أولى مما قيل: إن المراد: والله يدعو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فتجب إجابته بتزويج أوليائه لأنه وإن كان مستدعيًا لاتحاد المرجع في الجملتين المتعاطفتين الواقعتين خبرًا، لكن يفوت التعليل وحسن المقابلة بينه وبين {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النار} وكذا لطافة التقييد كما لا يخفى.