فصل: تفسير الآية رقم (20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (20):

{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)}
{وَجَاء مِنْ أَقْصَى المدينة} أي من أبعد مواضعها {رَجُلٌ} أي رجل عند الله تعالى فتنوينه للتعظيم، وجوز أن يكون التنكير لإفادة أن المرسلين لا يعرفونه ليتواطئوا معه واسمه على ما روي عن ابن عباس. وأبي مجلز. وكعب الأحبار. ومجاهد. ومقاتل حبيب وهو ابن إسرائيل على ما قيل، وقيل: ابن مري وكان على المشهور نجارًا، وقيل: كان حراثًا، وقيل: قصارًا، وقيل: إسكافًا، وقيل: نحاتًا للأصنام ويمكن أن يكون جامعًا لهذه الصفات، وذكر بعضهم أنه كان في غار مؤمنًا يعبد ربه عز وجل فلما سمع أن قومه كذبوا الرسل جاء {يسعى} أي يعدو ويسرع في مشيه حرصًا على نصح قومه، وقيل: إنه سمع أن قومه عزموا على قتل الرسل فقصد وجه الله تعالى بالذب عنهم فسعى هنا مثلها في قوله تعالى: {وسعى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] وهو مجاز مشهور وكونه في غار لا ينافي مجيئه من أقصى المدينة لجواز أن يكون في أقصاها غار، نعم هذا القول ظاهر في أنه كان مؤمنًا وهو ينافي أنه كان نحاتًا للأصنام. وأجيب بأن المراد ينحت التماثيل لا للعبادة وكان في تلك الشريعة مباحًا، وحكى القول بإيمانه عن ابن أبي ليلى، ونقل في البحر عنه أنه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا قط طرفة عين. علي بن أبي طالب. وصاحب يس. ومؤمن آل فرعون.
وذكر الزمخشري وجماعة هذا حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا ذكروا أنه ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم كما آمن به تبع الأكبر. وورقة بن نوفل. وغيرهما؛ ولم يؤمن أحد بنبي غيره عليه الصلاة والسلام قبل ظهوره.
وقيل كان مجذومًا وكان منزله أقصى باب من أبواب المدينة عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضره فلم يكشف فلما دعاه الرسل إلى عبادة الله تعالى قال: هل من آية؟ قالوا: نعم ندعوا ربنا القادر يفرج عنك ما بك فقال: إن هذا لعجب لي سبعون سنة أدعو هذه الآلهة فلم تستطع تفريجه فكيف يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا: ربنا على ما يشاء قدير وهذه لا تنفع شيئًا ولا تضر فآمن ودعوا ربهم سبحانه فكشف عز وجل ما به كأن لم يكن به بأس فأقبل على التكسب فإذا أمسى تصدق بنصف كسبه وأنفق النصف الآخر على نفسه وعياله فلما هم قومه بقتل الرسل جاء من أقصى المدينة يسعى، وعلى هذا نحته للأصنام غير مشكل ولا يحتاج إلى ذلك الجواب البعيد، نعم بين هذا وبين خبر سباق الأمم ثلاثة وأنه ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم كما آمن تبع منافاة، وكون إيمانه به عليه الصلاة والسلام إنما كان على يد الرسل وإن كان خلاف الظاهر دافع للمنافاة بينه وبين الأخير فتبقى المنافاة بينه وبين الخبر الأول إلا أن يقال: المراد سباق الأمم إلى الإيمان بعد الدعوة ثلاثة لم يكفروا بعدها قط طرفة عين، ومما يدل بظاهره أن الرجل لم يكن قبل مؤمنًا ما حكى أن المرسلين اللذين أرسلا أولًا لما قربا إلى المدينة رأياه يرعى غنمًا فسألهما فأخبراه فقال: أمعكما آية؟ فقالا: نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص وكان له ولد مريض فمسحاه فبرئ فآمن، وحمل آمن على أظهر الإيمان خلاف الظاهر، والذي يترجح في نظري أنه كان مؤمنًا بالمرسلين قبل مجيئه ونصحه لقومه ولا جزم لي بإيمانه ولا عدمه قبل إرسال الرسل، وظواهر الأخبار في ذلك متعارضة ومع هذا لم يتحقق عندي صحة شيء منها والله أعلم تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وجاء {مِنْ أَقْصَى المدينة} هنا مقدمًا على {رَجُلٌ} عكس ما جاء في القصص وجعله أبو حيان من التفنن في البلاغة.
وقال الخفاجي: قدم الجار والمجرور على الفاعل الذي حقه التقديم بيانًا لفضله إذ هداه الله تعالى مع بعده عنهم وإن بعده لم يمنعه عن ذلك ولذا عبر بالمدينة هنا بعد التعبير بالقرية إشارة إلى السعة وإن الله تعالى يهدي من يشاء سواء قرب أو بعد، وقيل قدم للاهتمام حيث تضمن الإشارة إلى أن إنذارهم قد بلغ أقصى المدينة فيشعر بأنهم أتوا بالبلاغ المبين، وقيل إنه لو أخرتوهم تعلقه بيسعى فلم يفد أنه من أهل المدينة مسكنه في طرفها وهو المقصود، وجملة {يسعى} صفة {رَجُلٌ} وجوز كونها حالًا منه من جوز مجيء الحال من النكرة، وقوله تعالى: {قَالَ} استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال عند مجيئه؟ فقيل: قال: {قَالَ ياقوم اتبعوا المرسلين} وجوز كونه بيانًا للسعي عنى قصد وجه الله عز وجل ولا يخفى ما فيه، والتعرض لعنوان رسالتهم لحثهم على اتباعهم كما أن خطابهم بياقوم لتأليف قلوبهم واستمالتها نحو قبول نصيحته، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (21):

{اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)}
{اتبعوا مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْرًا} تكرير للتأكيد وللتوسل به إلى وصفهم بما يتضمن نفي المانع عن اتباعهم بعد الإشارة إلى تحقق المقتضى، وقوله سبحانه: {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} أي ثابتون على الاهتداء بما هم عليه إلى خير الدنيا والآخرة جملة حالية فيها ما يؤكد كونهم لا يسألون الأجر ولا ما يتبعه من طلب جاه وعلو ولذا جعلت إيغالًا حسنًا نحو قول الخنساء:
وإن صخرًا لتأتم الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار

والظاهر أن الرجل لم يقل ذلك إلا بعد سبق إيمانه، وروي أنه لما بلغته الدعوة جاء يسعى فسمع كلامهم وفهمه ثم قال لهم: أتطلبون أجرًا على دعوتكم هذه؟ قالوا: لا فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم قائلًا {يا قَوْمٌ} إلخ، وللنحويين في مثل هذا التركيب وجهان؛ أحدهما: أن تكون {مِنْ} بدلًا من {المرسلين} بإعادة العامل كما أعيد إذا كان حرف جر نحو قوله تعالى: {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} [الزخرف: 33] وإليه ذهب بعضهم وثانيهما: وإليه ذهب الجمهور أنه ليس ببدل فإنه مخصوص بما إذا كان العامل المعاد حرف جر أما إذا كان رافعًا أو ناصبًا فيسمون ذلك بالتتبيع لا بالبدل، واستدل بالآية على نقص من يأخذ أجرة على شيء من أفعال الشرع والبحث مستوفى في الفروع.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)}
{لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى} تلطف في إرشاد قومه بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراهم أنه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره كما ينبئ عنه قوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب مواجهة وصريحًا ولو قال: وإليه أرجع كان فيه تهديد بطريق التعريض، وعد التعبير بإليه ترجعون بعد التعبير بما لي لا أعبد من باب الالتفات لمكان التعريض بالمخاطبين في {مَالِيَ لاَ أَعْبُدُ} إلخ فيكون المعبر عنه في الأسلوبين واحدًا بناءً على ما ذهب إليه الخطب. والسعد التفتازاني من أن التعريض إما مجاز أو كناية وهو هاهنا مجاز لامتناع إرادة الموضوع له فيكون اللفظ مستعملًا في غير ما وضع له فيتحد المعبر عنه، وحقق السيد السند أن المعنى التعريضي من مستتبعات الترتيب واللفظ ليس ستعمل فيه بل هو بالنسبة إلى المستعمل فيه إما حقيقة أو مجاز أو كناية وعليه فمضير المتكلم في {مَالِيَ} إلخ ليس مستعملًا في المخاطبين فلا يكون المعبر عنه في الأسلوبين واحدًا فلا التفات، وجوز بعضهم كون الآية من الاحتباك والأصل {لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى} وإليه أرجع وما لكم لا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون فحذف من الأول نظير ما ذكر في الثاني وبالعكس وهو مفوت لما سمعت، وظاهر كلام الواحدي أنه لا تعريض في الآية حيث قال: لما قال الرجل {ياقوم اتبعوا المرسلين} [يس: 20] إلخ رفعوه إلى الملك فقال له الملك: أفأنت تتبعهم؟ فقال: {مَالِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى} أي أي شيء لي إذا لم أعبد خالقي {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تردون عند البعث فيجزيكم بكفركم، ورد عليه بأنه إذا رجع الإنكار إليه دون القوم لم يكن لخطابهم بترجعون معنى وكان الظاهر أرجع. وأجيب بأنه يمكن أن يقال: إن الرجل كان في غيظ شديد من تكذيبهم الرسل وتوعدهم إياهم فانتهز الفرصة للانتقام فلما تمكن من تهديدهم أوقع قوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} في البين أي مالي لا أعبد الذي من على بنعمة الإيجاد ونعمة الانتقام منكم والتشفي من غيظكم إذ ترجعون إليه فيجزيكم بكفركم وتكذيبكم الرسل وعنادكم، وأنت تعلم أن النظم الجليل لا يساعد على هذا وهو ظاهر فيما تقدم، وقد عاد إلى المساق الأول من التلطف بالإرشاد فقال:

.تفسير الآية رقم (23):

{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)}
{أَءتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءالِهَةً} إنكار ونفي لاتخاذ جنس الآلهة على الإطلاق وفيه من تحميق من يعبد الأصنام ما فيه.
وقوله تعالى: {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ لاَّ تُغْنِ عَنّى شفاعتهم شَيْئًا} استئناف سيق لتعليل النفي المذكور، وجعله صفة لآلهة كما ذهب إليه البعض را يوهم أن هناك آلهة ليست كذلك، ومعنى {لاَ تُغْنِى} إلخ لا تنفعني شيئًا من النفع، وهو إما على حد.
لا ترى الضب بها ينجحر

أي لا شفاعة لهم حتى تنفعني، وإما على فرض وقوع الشفاعة أي لا تغني عن شفاعتهم لو وقعت شيئًا وَلاَ يُنْقذُون يخلصون من ذلك الضر بالنصر والمظاهرة، وهو ترق من الأدنى إلى الأعلى بدأ أولًا بنفي الجاه وذكر ثانيًا انتفاء القدرة وعبر عنه بانتفاء الإنقاذ لأنه نتيجته، وفتح ياء المتكلم في {يردني} طلحة السمان على ما قال ابن عطية، وقال ابن خالويه: طلحة بن مصرف. وعيسى الهمداني. وأبو جعفر، ورويت عن نافع. وعاصم. وأبي عمرو؛ وقال الزمخشري: وقرئ {ءانٍ يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ} عنى إن يوردني ضرًا أي يجعلني موردًا للضر اه، قال أبو حيان: كأنه والله تعالى أعلم رأي في كتب القراءات {يردني} بفتح الياء فتوهم أنها ياء المضارعة فجعل الفعل متعديًا بالياء المعدية كالهمزة فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ونصب به اثنين، والذي في كتب الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطأ ونطقًا لالتقاء الساكنين، قال في كتابه ابن خالويه: بفتح الياء ياء الإضافة، وقال في اللوامح: {ءانٍ مُّقْتَدِرِ الرحمن} بالفتح وهو أصل الياء البصرية أي المثبتة بالخط الذي يرى بالبصر لكن هذه محذوفة اه كلامه، وحسن الظن بالزمخشري يقتضي خلاف ما ذكره.

.تفسير الآية رقم (24):

{إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)}
{إِنّى إِذًا} أي إذا اتخذت من دونه آلهة {لَفِى ضلال مُّبِينٍ} فإن إشراك ما يصنع وليس من شأنه النفع ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذي لا قادر غيره ولا خير إلا خيره ضلال وخطأ بين لا يخفى على من له أدنى تمييز.

.تفسير الآية رقم (25):

{إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)}
{إِنّى ءامَنتُ بِرَبّكُمْ} الظاهر أن الخطاب لقومه شافههم بذلك وصدع بالحق إظهارًا للتصلب في الدين وعدم المبالاة بما يصدر منهم، والجملة خبرية لفظًا ومعنى، والتأكيد قيل إنهم لم يعلموا من كلامه أنه آمن بل ترددوا في ذلك لما سمعوا منه ما سمعوا.
وإضافة الرب إلى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أربابًا أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم {فاسمعون} أي فاسمعوا قولي فإني لا أبالي بما يكون منكم على ذلك، وقيل: مراده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه، وقيل لم يرد بهذا الكلام إلا أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه لما رآهم لا ينجع فيهم الوعظ وقد عزموا على الإيقاع بهم وليس بشيء، وقدر بعضهم المضاف المحذوف عامًا وفسر السماع بالقبول كما في سمع الله تعالى لمن حمده أي فاسمعوا جميع ما قلته واقبلوه وهو مما يسمع.
وجعل الخطاب للقوم في الجملتين هو المروى عن ابن عباس. وكعب. ووهب. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه قال: لما قال صاحب يس {قَالَ ياقوم اتبعوا المرسلين} [يس: 20] خنقوه ليموت فالتفت إلى الأنبياء فقال: {إِنّى ءامَنتُ بِرَبّكُمْ فاسمعون} أي فاشهدوا فالخطاب فيهما للرسل بطريق التلوين، وأكد الخبر إظهارًا لصدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط، وأضاف الرب إلى ضميرهم روما لزيادة التقرير وإظهارًا للاختصاص والاقتداء بهم كأنه قال: بربكم الذي أرسلكم أو الذي تدعوننا إلى الإيمان به، وطلب السماع منهم ليشهدوا له بالإيمان عند الله عز وجل كما يشير إليه كلام ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقيل الخطاب الأول لقومه والثاني للرسل خاطبهم على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم، وقيل الخطابان للناس جميعًا، وروي عن عاصم أنه قرأ {فاسمعون} بفتح النون، قال أبو حاتم: هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر فإما أن تحذف كما حذفت نون الإعراب ويقال فاسمعوا وإما أن تبقى وتكسر؛ ومن الناس من وجهه بأن الأصل فاسمعونا أي فاسمعوا كلامنا أي كلامي وكلامهم لتشهدوا بما كان مني ومنهم.