فصل: تفسير الآية رقم (66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (66):

{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)}
{ا كَانُواْ يَكْسِبُونَ وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} بيان أنهم اليوم في قبضة القدرة ومستحقون للعذاب إلا أنه عز وجل لم يشأ ذلك لحكمته جل وعلا الباهرة، والطمس إزالة الأثر بالمحو، والمعنى لو نشاء الطمس على أعينهم وإزالة ضوئها وصورتها بالكلية بحيث تعود ممسوحة لطمسنا عليها وأذهبنا أثرها.
وجوز أن يراد بالطمس إذهاب الضوء من غير إذهاب العضو وأثره أي ولو نشاء لأعميناهم، وإيثار صيغة الاستقبال وإن كان المعنى على المضي لإفادة أن عدم الطمس على أعينهم لاستمرار عدم المشيئة فإن المضارع المنفي الواقع موقع المضي ليس بنص في إفادة انتفاء استمرار الفعل بل قد يفيد استمرار انتفائه.
وقوله تعالى: {فاستبقوا الصراط} عطف على {لَطَمَسْنَا} على الفرض والصراط منصوب بنزع الخافض أي فأرادوا الاستباق إلى الطريق الواضح المألوف لهم {فأنى يُبْصِرُونَ} أي فكيف يبصرون ذلك الطريق وجهة السلوك والمقصود إنكارًا أبصارهم، وحاصله لو نشاء لأذهبنا أحداقهم وأبصارهم فلو أرادوا الاستبقاق وسلوك الطريق الذي اعتادوا سلوكه لا يقدرون عليه ولا يبصرونه، وتأويل استبقوا بأرادوا الاستباق مما ذهب إليه البعض، وقيل لا حاجة لتأويله فإن الأعمى يجوز شروعه في السابق، ونصب {الصراط} بنزع الخافض ولم ينصب على الظرفية لأنه كالطريق مكان مختص ومثله لا ينتصب على الظرفية، وجوز كونه مفعولًا به لتضمين استبقوا معنى ابتدروا، ونقل عن الأساس في قسم الحقيقة {سَوَاء الصراط} ابتدروه، قال في الكشف: فعليه لا تضمين، وادعى بعضهم توهم دعوى أن ذلك معنى حقيقي وصاحب الأساس إنما ذكره في آخر قسم المجاز والمعنى لو شئنا لفعلنا ما فعلنا في أعينهم فلو أرادوا الاستباق متبدرين الطريق لا يبصرون، وقيل يجوز كونه مفعولًا به على أن استبقوا عنى سبقوا ويجعل الطريق مسبوقًا على التجوز في النسبة أو الاستعارة المكنية أو على أنه عنى جاوزوا، قال في القاموس: استبق الصراط جاوزه وظاهره أنه حقيقة في ذلك، وقال غير واحد: هو مجاز والعلاقة اللزوم، والمعنى ولو نشاء لفعلنا ما فعلنا في أعينهم فلو طلبوا أن يخلفوا الصراط الذي اعتادوا المشي فيه لعجزوا ولم يعرفوا طريقًا يعني أنهم لا يقدرون إلا على سلوك الطريق المعتاد دون ما وراءه من سائر الطرق والمسالك كما ترى العميان يهتدون فيما ألفوا وضربوا به من المقاصد دون غيرها.
وذهب ابن الطراوة إلى أن الصراط والطريق وما أشبههما من الظروف المكانية ليست مختصة فيجوز انتصابها على الظرفية، وهذا خلاف ما صرح به سيبويه وجعل انتصابها على الظرفية من الشذوذ وأنشد:
لدن بهز الكف يعسل متنه ** فيه كما عسل الطريق الثعلب

والمعنى في الآية لو انتصب على الظرفية لو نشاء لفعلنا ما فعلنا في أعينهم فلو أرادوا أن يمشوا مستبقين في الطريق المألوف كما كان ذلك هجيراهم لم يستطيعوا، وحمل الأعين على ما هو الظاهر منها أعني الأعضاء المعروفة والصراط على الطريق المحسوس هو المروى عن الحسن.
وقتادة، وعن ابن عباس حمل الأعين على البصائر والصراط على الطريق المعقول.
أخرج ابن جرير. وجماعة عنه أنه قال: ولو نشاء لطمسنا على أعينهم أعميناهم وأضللناهم عن الهدى فأنى يبصرون فكيف يهتدون وهو خلاف الظاهر. وقرأ عيسى {فَاسْتَبِقُوا} على الأمر وهو على إضمار القول أي فيقال لهم استبقوا وهو أمر تعجيز إذ لا يمكنهم الاستباق مع طمس الأعين.

.تفسير الآية رقم (67):

{وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)}
{وَلَوْ نَشَاء لمسخناهم} أي لحولنا صورهم إلى صور أخرى قبيحة. عن ابن عباس أي لمسخناهم قردة وخنازير، وقيل: لمسخناهم حجارة وروي ذلك عن أبي صالح، ويعلم من هذا الخلاف أن في مسخ الحيوان المخصوص لا يشترط بقاء الصورة الحيوانية، وسمي بعضهم قلب الحيوان جمادًا رسخًا وقلبه نباتًا فسخًا وخص المسخ بقلبه حيوانًا آخر، ومفعول المشيئة على قياس السابق أي ولو نشاء مسخهم على مكانتهم لمسخناهم {على مكانتهم} أي مكانهم كالمقامة والمقام.
وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في معنى الآية لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم.
وقال الحسن. وقتادة. وجماعة المعنى لو نشاء لأقعدناهم وأزمناهم وجعلناهم كسحًا لا يقومون. وقرأ الحسن. وأبو بكر {مكاناتهم} بالجمع لتعددهم {مكانتهم فَمَا استطاعوا} لذلك {مُضِيًّا} أي ذهابًا إلى مقاصدهم {وَلاَ يَرْجِعُونَ} قيل هو عطف على {مُضِيًّا} المفعول به لاستطاعوا وهو من باب تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فيكون التقدير فما استطاعوا مضيًا ولا رجوعًا وإلا فمفعول استطاعوا لا يكون جملة، والتعبير بذلك دون الاسم الصريح قيل للفواصل مع الإيماء إلى مغايرة الرجوع للمضي بناءً على ما قال الإمام من أنه أهون من المضي لأنه ينبئ عن سلوك الطريق من قبل والمضي لا ينبي عنه، وقيل لذلك مع الإيماء إلى استمرار النفي نظرًا إلى ظاهر اللفظ ويكون هناك ترق من جهتين إذا لوحظ ما أومأ إليه الإمام، وقيل له مع الإيماء إلى أن الرجوع المنفي ما كان عن إرادة واختيار فإن اعتبارهما في الفعل المسند إلى الفاعل أقرب إلى التبادر من اعتبارهما في المصدر.
واقتصر بعضهم في النكتة على رعاية الفواصل، والإمام بعد الاقتصار على رعاية الفواصل في بيان نكتة العدول عن الظاهر تقصيرًا؛ وقيل هو عطف على جملة ما استطاعوا، والمراد ولا يرجعون عن تكذيبهم لما أنه قد طبع على قلوبهم، وقيل هو عطف على ما ذكر ما استطاعوا، والمراد ولا يرجعون عن تكذيبهم لما أنه قد طبع على قلوبهم، وقيل هو عطف على ما ذكر إلا أن المعنى ولا يرجعون إلى ما كانوا عليه قبل المسخ وليس بالبعيد.
وعلى القولين المراد بالمضي الذهاب عن المكان ونفي استطاعته مغن عن نفي استطاعة الرجوع، وأيًا ما كان فالظاهر أن هذا وكذا ما قبله لو كان لكان في الدنيا، وقال ابن سلام: هذا التوعد كله يوم القيامة وهو خلاف الظاهر ولا يكاد يصح على بعض الأقوال.
وأصل {مُضِيًّا} مضوي اجتمعت الواو ساكنة مع الياء فقلبت ياء كما هو القاعدة وأدغمت الياء في الياء وقلبت ضمة الضاد كسرة لتخف وتناسب الياء. وقرأ أبو حيوة. وأحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي {مُضِيًّا} بكسر الميم إتباعًا لحركة الضاد كالعتي بضم العين والعتي بكسرها. وقرئ {مُضِيًّا} بفتح الميم فيكون من المصادر التي جاءت على فعيل كالرسيم والوجيف والصئي بفتح الصاد المهملة بعدها همزة مكسورة ثم ياء مشددة مصدر صأى الديك أو الفرخ إذا صاح.

.تفسير الآية رقم (68):

{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)}
{وَمَن نّعَمّرْهُ} أي نطل عمره.
{نُنَكّسْهُ فِي الخلق} نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاص بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء أمره، وفيه تشبيه التنكيس المعنوي بالتنكيس الحسي واستعارة الحسي له، وعن سفيان أن التنكيس في سن ثمانين سنة، والحق أن زمان ابتداء الضعف ونتقاص البنية مختلف لاختلاف الأمزجة والعوارض كما لا يخفى.
والكلام عطف على قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا} [يس: 66] إلخ عطف العلة على المعلول لأنه كالشاهد لذلك.
وقرأ جمع من السبعة {نُنَكّسْهُ} مخففًا من الإنكاس {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أي أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما.

.تفسير الآية رقم (69):

{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69)}
{وَمَا علمناه} بتعليم الكتاب المشتمل على هذا البيان والتلخيص في أمر المبدأ والمعاد {الشعر} إذ لا يخفى على من به أدنى مسكة أن هذا الكتاب الحكيم المتضمن لجميع المنافع الدينية والدنيوية على أسلوب أفحم كل منطيق يباين الشعر ولا مثل الثريا للثرى، أما لفظًا فلعدم وزنه وتقفيته، وأما معنى فلأن الشعر تخيلات مرغبة أو منفرة أو نحو ذلك وهو مقر الأكاذيب، ولذا قيل أعذبه أكذبه، والقرآن حكم وعقائد وشرائع.
والمراد من نفي تعليمه صلى الله عليه وسلم بتعليم الكتاب الشعر نفى أن يكون القرآن شعرًا على سبيل الكناية لأن ما علمه الله تعالى هو القرآن وإذا لم يكن المعلم شعرًا لم يكن القرآن شعرًا البتة، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام ليس بشاعر إدماجًا وليس هناك كناية تلويحية كما قيل، وهذا رد لما كانوا يقولونه من أن القرآن شعر والنبي صلى الله عليه وسلم شاعر وغرضهم من ذلك أن ما جاء به عليه الصلاة والسلام من القرآن افتراء وتخيل وحاشاه ثم حاشاه من ذلك {وَمَا يَنبَغِى لَهُ} اعتراض لتقرير ما أدمج أي لا يليق ولا يصلح له صلى الله عليه وسلم الشعر لأنه يدعو إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ والوزن ولأن أحسنه المبالغة والمجازفة والإغراق في الوصف وأكثره تحسين ما ليس بحسن وتقبيح ما ليس بقبيح وكل ذلك يستدعي الكذب أو يحاكيه الكذب وجل جناب الشارع عن ذلك كذا قيل.
وقال ابن الحاجب: أي لا يستقيم عقلًا أن يقول صلى الله عليه وسلم الشعر لأنه لو كان ممن يقوله لتطرقت التهمة عند كثير من الناس في أن ما جاء به من قبل نفسه وأنه من تلك القوة الشعرية ولذا عقب هذا بقوله تعالى: {وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين} [يس: 70] لأنه إذا انتفت الريبة لم يبق إلا المعاندة فيحق القول عليهم. وتعقب بأن الإيجاز يرفع التهمة وإلا فكونه عليه الصلاة والسلام في المرتبة العليا من الفصاحة والبلاغة في النثر ليس بأضعف من قول الشعر في كونه مظنة تطرق التهمة بل را يتخيل أنه أعظم من قول الشعر في ذلك فلو كانت علة منعه عليه الصلاة والسلام من الشعر ما ذكر لزم أن يمنع من الكلام الفصيح البليغ سدًا لباب الريبة ودحضًا للشبهة وإعظامًا للحجة فحيث لم يكن ذلك اكتفاءً بالإعجاز وأن التهمة والريب معه مما لا ينبغي أن يصدر من عاقل ولذا نفى الريب مع أنه وقع علم أن العلة في أنه عليه الصلاة والسلام لا ينبغي له الشعر شيء آخر، واختار هذا ابن عطية وجعل العلة ما في قول الشعر من التخييل والتزويق للقول وهو قريب مما سمعت أولًا، وهو الذي ينبغي أن يعول عليه، وفي الآية عليه دلالة على غضاضة الشعر وهي ظاهرة في أنه عليه الصلاة والسلام لم يعط طبيعة شعرية اعتناءً بشأنه ورفعًا لقدره وتبعيدًا له صلى الله عليه وسلم من أن يكون فيه مبدأ لما يخل نصبه في الجملة.
وإنما لم يعط صلى الله عليه وسلم القدرة على الشعر مع حفظه عن إنشائه لأن ذلك سلب القدرة عليه في الإبعاد عما يخل نصبه الجليل صلى الله عليه وسلم ونظير ما ذكرنا العصمة والحفظ، ويفهم من كلام المواهب اللدنية أن من الناس من ذهب إلى أنه عليه الصلاة والسلام كان له قدرة على الشعر إلا أنه يحرم عليه أن يشعر وليس بذاك، نعم القول بحرمة إنشاء الشعر مقبول ومعناه على القول السابق على ما قيل حرمة التوصل إليه، وقد يقال: لا حاجة إلى التأويل وحرمة الشيء تجامع عدم القدرة عليه، وهل عدم الشعر خاص به عليه الصلاة والسلام أو عام لنوع الأنبياء قال بعضهم هو عام لهذه الآية إذ لا يظهر للخصوص نكتة، وقيل يجوز أن يكون خاصًا والنكتة زيادة التكريم لما أن مقامه صلى الله عليه وسلم فوق مقام الأنبياء عليهم السلام ويكون الثابت لهم الحفظ عن الإنشاء مع ثبوت القدرة عليه وإن صح خبر إنشاء آدم عليه السلام يوم قتل ولده:
تغيرت البلاد ومن عليها ** ووجه الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي طعم ولون ** وقل بشاشة الوجه الصبيح

اتضح أمر الخصوص وعلم أن لا حفظ من الإنشاء أيضًا، ولعل الحفظ حينئذٍ مما فيه ما يشين ويخل نصب النبوة مطلقًا، والنكتة في الخصوص ظاهرة على ما نقل عن ابن الحاجب لأن أعظم معجزاته عليه الصلاة والسلام القرآن فرا تحصل التهمة فيه لو قال صلى الله عليه وسلم الشعر وكذلك معجزات الأنبياء عليهم السلام فتأمل.
وأيًا ما كان لا يرد أنه عليه الصلاة والسلام قال يوم حنين وهو على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحرث آخذ بزمامها ولم يبق معه عليه الصلاة والسلام من الناس إلا قليل أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب لأنا لا نسلم أنه شعر فقد عرفوه بأنه الكلام المقفى الموزون على سبيل القصد وهذا مما اتفق له عليه الصلاة والسلام من غير قصد لوزنه ومثله يقع كثيرًا في الكلام المنثور ولا يسمى شعرًا ولا قائله شاعرًا، ولا يتوهم من انتسابه صلى الله عليه وسلم فيه إلى جده دون أبيه دليل القصد لأن النسبة إلى الجد شائعة ولأنه هو الذي قام بتربيته حيث توفى أبوه عليه الصلاة والسلام وهو حمل فحين ولقد قام بأمره فوق ما يقوم الوالد بأمر الولد ولأنه كان مشهورًا بينهم بالصدق والشرف والعزة فلذا خصه بالذكر ليكون كالدليل على ما قبل أو كمانع آخر من الانهزام ولأن كثيرًا من الناس كانوا يدعونه عليه الصلاة والسلام بابن عبد المطلب.
ومنه حديث ضمام بن ثعلبة أيكم ابن عبد المطلب على أن منهم من لم يعد الرجز مطلقًا وأصله ما كان على مستفعلن ست مرات شعرًا ولذا يسمى قائله راجزًا لا شاعرًا، وعن الخليل أن المشطور منه وهو ما حذف نصفه فبقي وزنه مستفعلن ثلاث مرات؛ والمنهوك وهو ما حذف ثلثاه فبقي وزنه مستفعلن مرتين ليسا بشعر، وفي رواية أخرى عنه أن المجزو وهو ما حذف من كل مصراع منه جزء فبقي وزنه مستفعلن أربع مرات كذلك فقوله صلى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب إن كان نصف بيت فهو مجزو فليس بشعر على هذه الرواية وأن فرض أن هناك قصدًا وإن كان بيتًا تامًا فهو فليس منهوك بشعر أيضًا على الرواية الأولى وكونه ليس بشعر على قول من لا يرى الرجز مطلقًا شعرًا ظاهر.
وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام حرك الباء من كذب والمطلب فلا يكون ذلك موزونًا فكونه ليس بشعر أظهر وأظهر، والقول بأن ضمير {لَهُ} للقرآن المعلوم من السياق أي وما يصح للقرآن أن يكون شعرًا فيجوز صدور الشعر عنه صلى الله عليه وسلم ولا يحتاج إلى توجيه ليس بشيء فإنه يكفي في نفي الشعر عنه عليه الصلاة والسلام قوله سبحانه: {وَمَا علمناه الشعر} مكع أن الظاهر عود الضمير عليه عليه الصلاة والسلام، وأولى التوجيهات إخراج ذلك من الشعر بانتفاء القصد وبذلك يخرج ما وقع في القرآن من نظائره منه، وقد ذكرنا لك فيما مر كثيرًا منها، وليس في الآية ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغي له التكلم بشعر قاله بعض الشعراء والتمثل به، وفي الأخبار ما يدل على وقوع التكلم بالبيت متزنًا نادرًا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام أنشد بيت ابن رواحة:
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

وإنشاده إياه كذلك مذكور في البحر، وروي أنه صلى الله عليه وسلم أصاب أصبعه الشريفة حجر في بعض غزواته فدميت فتمثل بقول الوليد بن المغيرة: على ما قاله ابن هشام في السيرة أو ابن رواحة على ما صححه ابن الجوزي:
ما أنت إلا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت

وقيل: هو له عليه الصلاة والسلام والكلام فيه كالكلام في قوله صلى الله عليه وسلم أنا النبي إلخ إلا أن هذا يحتمل أن يكون مشطورًا إذا كان كل من شطريه بيتًا وعلى وقوع التكلم بالبيت غير متزن مع إحراز المعنى كثيرًا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام أنشد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ** ويأتيك من لم تزود بالأخبار

فقال أبو بكر. رضي الله تعالى عنه ليس هكذا يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام: «إني والله ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي» وفي خبر أخرجه أحمد. وابن أبي شيبة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استراث الخبر تمثل ببيت طرفة ويأتيك من لم تزود بالأخبار.
وأخرج ابن سعد. وابن أبي حاتم عن الحسن أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت:
كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا

فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله ما علمك الشعر وما ينبغي لك، وأخرج ابن سعيد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس: أرأيت قولك:
أتجعل نهبي ونهب العبيـ ** ـد بين الأقرع وعيينة

فقال له أبو بكر: رضي الله تعالى عنه بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أنت بشاعر ولا رواية ولا ينبغي لك إنما قال بين عيينة والأقرع، وروي أنه قيل له عليه الصلاة والسلام: من أشعر الناس؟ فقال: الذي يقول:
ألم ترياني كلما جئت طارقا ** وجدت بها وإن لم تطيب طيبًا

وأخرج البيهقي في سننه بسند فيه مجهول عن عائشة قالت ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت شعر قط إلا بيتًا واحدًا:
تفاءل بما تهوى يكن فلقلما ** يقال لشيء كان إلا تحقق

قالت عائشة ولم يقل تحققًا لئلا يعربه فيصير شعرًا، ثم إنه عليه الصلاة والسلام مع هذا لم يكن يحب الشعر ففي مسند أحمد بن حنبل عن عائشة قالت: كان أبغض الحديث إليه صلى الله عليه وسلم الشعر، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا» وهذا ظاهر في ذم الإكثار منه، وما روي عن الخليل أنه قال كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام مناف لما سمعت عن المسند، ولعل الجمع بالتفصيل بين شعر وشعر، وقد تقدم الكلام في الشعر مفصلًا في سورة الشعراء فتذكر.
{إِنْ هُوَ} أي ما القرآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} أي عظة من الله عز وجل وإرشاد للثقلين كما قال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين} [يوسف: 104] {الرَ تِلْكَ} أي كتاب سماوي ظاهر أنه ليس من كلام البشر لما فيه من الإعجاز الذي ألقم من تصدى للمعارضة الحجر.