فصل: تفسير الآية رقم (70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (70):

{لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)}
{لّيُنذِرَ} أي القرآن أو الرسول عليه الصلاة والسلام، ويؤيده قراءة نافع. وابن عارم {لّتُنذِرَ} بتاء الخطاب. وقرأ اليماني {لّيُنذِرَ} مبنيًا للمفعول ونقلها ابن خالويه عن الجحدري وقال: عن أبي السمال. واليماني أنهما قرءا {ليذنر} بفتح الياء والذال مضارع نذر بالشيء بكسر الذال إذا علم به.
{لّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} أي عاقلًا كما أخرج ذلك ابن جرير. والبيهقي في شعب الإيمان عن الضحاك، وفيه استعارة مصرحة بتشبيه العقل بالحياة أو مؤمنًا بقرينة مقابلته بالكافرين، وفيه أيضًا استعارة مصرحة لتشبيه الإيمان بالحياة، ويجوز كونه مجازًا مرسلًا لأنه سبب للحياة الحقيقية الأبدية، والمضي في {كَانَ} باعتبار ما في علمه عز وجل لتحققه، وقيل كان عنى يكون، وقيل في الكلام مجاز المشارفة ونزلت منزلة المضي وهو كما ترى، وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع بذلك {وَيَحِقَّ القول} أي تجب كلمة العذاب {عَلَى الكافرين} الموسومين بهذا الوسم المصرين على الكفر، وفي إيرادهم قابلة من كان حيًا إشعار بأنهم لخلوهم عن آثار الحياة وأحكامها كالمعرفة أموات في الحقيقة، وجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية قرينتها استعارة أخرى. وكأنه جيء بقوله سبحانه: {لّيُنذِرَ} إلخ رجوعًا إلى ما بدئ به السورة من قوله عز وجل: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ} [يس: 6] ولو نظرت إلى هذا التخلص من حديث المعاد إلى حديث القرآن والإنذار لقضيت العجب من حسن موقعه.

.تفسير الآية رقم (71):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)}
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} الهمزة للإنكار والتعجيب والواو للعطف على جملة منفية مقدرة مستتبعة للمعطوف أي ألم يتفكروا أو ألم يلاحظوا أو ألم يعلموا علمًا يقينيًا مشابهًا للمعاينة زعم بعضهم أن هذا عطف على قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا} [يس: 31] إلخ والأول للحث على التوحيد بالتحذير من النقم وهذا بالتذكير بالنعم المشار إليها بقوله تعالى: {أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم} أي لأجلهم وانتفاعهم {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} أي مما تولينا إحداثه بالذات من غير مدخل لغيرنا فيه لا خلقًا ولا كسبًا.
والكلام استعارة تمثيلية فيما ذكر، وجوز أن يكون قد كني عن الإيجاد بعمل الأيدي فيمن له ذلك ثم بعد الشيوع أريد به ما أريد مجازًا متفرعًا على الكناية، وقال بعضهم: المراد بالعمل الإحداث وبالأيدي القدرة مجازًا، وأوثرت صيغة التعظيم والأيدي مجموعة تعظيمًا لشأن الأثر وإنه أمر عجيب وصنع غريب وليس بذاك، وقيل الأيدي مجاز عن الملائكة المأمورين باشرة الأعمال حسا يريده عز وجل في عامل الكون والفساد كملائكة التصوير وملائكة نفخ الأرواح في الأبدان بعد إكمال تصويرها ونحوهم، ولا يخفى ما فيه.
ونحوه ما قيل الأيدي مجاز عن الأسماء فإن كل أثر في العالم بواسطة اسم خاص من أسمائه عز وجل.
وأنت تعلم أن الآية من المتشابه عند السلف وهم لا يجعلون اليد مضافة إليه تعالى عنى القدرة أفردت كـ {يد الله فوق أيديهم} [الفتح: 10] أو ثنيت كـ {خلقت بيدي} [ص: 75] أو جمعت كما هنا بل يثبتون اليد له عز وجل كما أثبتها لنفسه مع التنزيه الناطق به قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى: 11] وارتضاه كثير ممن وفقه الله تعالى من الخلق، ولا أرى الطاعنين عليهم إلا جهلة {أنعاما} مفعول {خَلَقْنَا} وأخر عن الجارين المتعلقين به اعتناء بالمقدم وتشويقًا إلى المؤخر وجمعًا بينه وبين ما يتعلق به من أحكامه المتفرعة عليه، والمراد بالأنعام الأزواج الثمانية وخصها بالذكر لما فيها من بدائع القطرة وكثرة المنافع، وهذا كقوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} [الغاشية: 17] {فَهُمْ لَهَا مالكون} أي متملكون لها بتمليكنا إياها لهم، والفاء قيل للتفريع على مقدر أي خلقنا لهم أنعامًا وملكناها لهم فهم بسبب ذلك مالكون لها، وقيل للتفريع على خلقها لهم وفيه خفاء. وجوز أن يكون الملك عنى القدرة والقهر من ملكت العجيب إذا أجدت عجنه، ومنه قول الربيع بن منيع الفزاري وقد سئل عن حاله بعد إذ كبر:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ** أملك رأس البعير إن نفرا

والأول أظهر ليكون ما بعد تأسيسًا لا تأكيدًا، وأيًا ما كان فلها متعلق الكون واللام مقوية للعمل وقدم لرعاية الفواصل مع الاهتمام، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها.

.تفسير الآية رقم (72):

{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)}
{وذللناها لَهُمْ} أي وصيرناها سهلة غير مستعصية عليهم في شيء مما يريدون بها حتى الذبح حسا ينطق به قوله تعالى: {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} فإن الفاء فيه لتفريع أحكام التذليل عليه وتفصيلها أي فبعض منها مركوبهم فركوب فعول عنى مفعول كحصور وحلوب وقزوع وهو مما لا ينقاس. وقرأ أبي. وعائشة {ركوبتهم} بالتاء وهي فعولة عنى مفعولة كحلوبة، وقيل جمع ركوب، وتعقب بأنه لم يسمع فعولة بفتح الفاء في الجموع ولا في أسمائها. وقرأ الحسن. والأعمش. وأبو البرهسم {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} بضم الراء وبغير تاء وهو مصدر كالقعود والدخول فإما أن يؤول بالمفعول أو يقدر مضاف في الكلام إما في جانب المسند إليه أي ذو ركوبهم أو في جانب المسند أي فمن منافعها ركوبهم {وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} أي وبعض منها يأكلون لحمه، والتبعيض هنا باعتبار الأجزاء وفيما قيل باعتبار الجزئيات والجملة معطوفة على ما قبلها، وغير الأسلوب لأن الأكل عام في الأنعام جميعها وكثير مستمر بخلاف الركوب كذا قيل، وقيل الفعل موضوع موضع المصدر وهو عنى المفعول للفاصلة.

.تفسير الآية رقم (73):

{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)}
{وَلَهُمْ فِيهَا} أي في الأنعام بكلا قسميها {منافع} جمع مشرب مصدر عنى المفعول والمراد به اللبن، وخص مع دخوله في المنافع لشرفه واعتناء العرب به، وجمع باعتبار أصنافه ولا ريب في تعددها، وتعميم المشارب للزبد والسمن والجبن والأقط لا يصح إلا بالتغليب أو التجوز لأنها غير مشروبة ولا حاجة إليه مع دخولها في المنافع، وجوز أن تكون المشارب جمع مشرب موضع الشرب.
قال الإمام: وهو الآنية فإن من الجلود يتخذ أواني الشرب من القرب ونحوها، وقال الخفاجي: إذا كان موضعًا فالمشارب هي نفسها لقوله سبحانه: {فِيهَا} فإنها مقرة، ولعله أظهر من قول الإمام {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} أي يشاهدون هذه النعم فلا يشكرون المنعم بها ويخصونه سبحانه بالعبادة.

.تفسير الآية رقم (74):

{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)}
{واتخذوا مِن دُونِ الله} أي متجاوزين الله تعالى الذي رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم الظاهرة وعلموا أنه سبحانه المتفرد بها {ءالِهَةً} من الأصنام وأشركوها به عز وجل في العبادة {لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} رجاء أن ينصروا أو لأجل أن ينصروا من جهتهم فيما نزل بهم وأصابهم من الشدائد أو يشفعوا لهم في الآخرة وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (75):

{لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)}
{لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} إلخ استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم وخيبة رجائهم وانعكاس تدبيرهم أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم، وقول ابن عطية، يحتمل أن يكون ضمير {يَسْتَطِيعُونَ} للمشركين وضمير {نَصَرَهُمُ} للأصنام ليس بشيء أصلًا {وَهُمْ} أي أولئك المتخذون المشركون {لَهُمْ} أي لآلهتهم {جُندٌ مٌّحْضَرُونَ} أي معدون لحفظهم والذب عنهم في الدنيا.
أخرجه ابن أبي حاتم. وابن المنذر. عن الحسن. وقتادة، وقيل: المعنى أن المشركين جند لآلهتهم في الدنيا محضرون للنار في الآخرة، وجاء بذلك في رواية أخرجها ابن أبي حاتم عن الحسن، واختار بعض الأجلة أن المعنى والمشركون لآلهتهم جند محضرون يوم القيامة أثرهم في النار وجعلهم جندًا من باب التهكم والاستهزاء.
وكذلك لام لهم الدالة على النفع، وقيل {هُمْ} للآلهة وضمير {لَهُمْ} للمشركين أي وإن الآلهة معدون محضرون لعذاب أولئك المشركين يوم القيامة لأنهم يجعلون وقود النار أو محضرون عند حساب الكفرة إظهارًا لعجزهم وإقناطًا للمشركين عن شفاعتهم وجعلهم جندًا، والتعبير باللام في الوجهين على ما مر آنفًا، واختلاف مراجع الضمائر في الآية ليس من التفكيك المحظور، والواو في قوله سبحانه: {وَهُمْ} إلخ على جميع ما مر إما عاطفة أو حالية إلا أن الحال مقدرة في بعض الأوجه كما لا يخفى. والفاء في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (76):

{فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)}
{فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} فصيحة أي إذا كان هذا حالهم مع ربهم عز وجل فلا تحزن بسبب قولهم عليك هو شاعر أو إذا كان حالهم يوم القيامة ما سمعت فلا تحزن بسبب قولهم على الله سبحانه إن له شركاء تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا أو عليك هو شاعر أو على الله تعالى وعليك ما لا يليق بشأنه عز وجل وشأنك، والاقتصار في بيان قولهم عليه صلى الله عليه وسلم بأنه وحاشاه شاعر لأنه الأوفق بما تقدم من قوله تعالى: {وَمَا علمناه الشعر وَمَا يَنبَغِى لَهُ} [يس: 69] وقد يعمم فيشمل جميع ما لا يليق بشأنه عليه الصلاة والسلام من الأقوال، وتفسير الشرط الذي أفصحت عنه الفاء بما ذكرنا أولًا هو المناسب لما روي عن الحسن. وقتادة. في معنى قوله تعالى: {وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ} [يس: 75] وا ذكرنا ثانيًا هو المناسب لما ذكر بعد في معنى ذلك، وقيل التقدير على الأول إذا كانوا في هذه المرتبة من سخافة العقول حيث اتخذوا رجاء النصر آلهة من دون الله عز وجل لا يقدرون على نصرهم والذب عنهم بل هم يذبون عن تلك الآلهة فلا تحزن بسبب قولهم عليك ما قالوا ولعل الأول أولى، وأيًا ما كان فالنهي وإن كان بحسب الظاهر متوجهًا إلى قولهم لكنه في الحقيقة كما أشرنا إليه متوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد نهيه عليه الصلاة والسلام عن التأثر من الحزن بطريق الكناية على أبلغ وجه وأكده كما لا يخفى.
وقرأ نافع {فَلاَ يَحْزُنكَ} بضم الياء وكسر الزاي من أحزن المنقول من حزن اللازم وجاء حزنه وأحزنه.
{إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} تعليل صريح للنهي بطريق الاستئناف بعد تعليلة بطريق الإشعار بناءً على التقدير الثاني في الشرط فإنّ العلم بما ذكر مجاز عن مجازاتهم عليه أو كناية عنها للزومها إياه إذ علم الملك القادر الحكيم بما جرى من عدوه الذي تقتضي الحكمة الانتقام منه مقتض لمجازاته والانتقام منه، وهو على التقدير الأول قيل استئناف بياني وقع جواب سؤال مقدر كأنه قيل: يا رب فإذا كان حالهم معك ومع نبيك ذلك فماذا تصنع بهم؟ فقيل: {إِنَّا نَعْلَمُ} إلخ أي نجازيهم بجميع جناياتهم، وقيل هو تعليل لترتيب النهي على الشرط فتأمل، وما موصلة والعائد محذوف أي نعلم الذي يسرونه من العقائد الزائغة والعداوة لك ونحو ذلك والذي يعلنونه من كلمات الإشراك والتكذيب ونحوها، وجوز أن تكون مصدرية أي نعلم إسرارهم وإعلانهم والمفعول محذوف أو الفعلان منزلان منزلة اللازم والمتبادر الأول وهو الأولى.
وتقديم السر على العلن لبيان إحاطة علمه سبحانه بحيث أن علم السر عنده تعالى كأنه أقدم من علم العلن، وقيل: لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شيء يعلن إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب قبل ذلك فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية حقيقة، وقيل: للإشارة إلى الاهتمام بإصلاح الباطن فإنه ملاك الأمر ولأنه محل الاشتباه المحتاج للبيان، وشاع أن الوقف على {قَوْلُهُمْ} متعين، وقيل: ليس به لأنه جوز في {إِنَّا نَعْلَمُ} إلخ كونه مقول القول على أن ذلك من باب الإلهاب والتعريض كقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [الأنعام: 14] أو على أن المراد فلا يحزنك قولهم على سبيل السخرية والاستهزاء إنا نعلم إلخ، ومنه يعلم أنه لو قرأ قارئ أنا نعلم بالفتح وجعل ذلك بدلًا من {قَوْلُهُمْ} لا تنتقض صلاته ولا يكفر لو اعتقد ما يعطيه من المعنى كما لو جعله تعليلًا على حذف حرف التعليل، والحق أن مثل هذا التوجيه لا بأس بقبوله في درء الكفر، وأما أمر الوقف فالذي ينبغي أن يقال فيه أنه على قولهم كالمتعين.