فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (18):

{قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)}
{قُلْ نَعَمْ} أي تبعثون أنتم وآباؤكم الأولون والخطاب في قوله سبحانه: {وَأَنتُمْ داخرون} لهم ولآبائهم بطريق التغليب، والجملة في موضع الحال من فاعل ما دل عليه {نِعْمَ} أي تبعثون كلكم والحال إنكم صاغرون أذلاء، وهذه الحال زيادة في الجواب نظير ما وقع في جوابه عليه الصلاة والسلام لأبي بن خلف حين جاء بعظم قد رم وجعل يفته بيده ويقول: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما رم فقال صلى الله عليه وسلم له على ما في بعض الروايات «نعم ويبعثك ويدخلك جهنم» وقال غير واحد: إن ذلك من الأسلوب الحكيم. وتعقب بأن عد الزيادة منه لا توافق ما قرر في المعاني وإن كان ذلك اصطلاحًا جديدًا فلا مشاحة في الاصطلاح واكتفى في جواب عن إنكارهم البعث على هذا المقدار ولم يقم دليل عليه اكتفاء بسبق ما يدل على جواز في قوله سبحانه: {فاستفتهم} [الصافات: 11] إلخ مع أن المخبر قد علم صدقه عجزاته الواقعة في الخارج التي دل عليها قوله سبحانه: {وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً} [الصافات: 41] الآية. وهزؤهم وتسميتهم لها سحرًا لا يضر طالب الحق، والقول بأن ذلك للاكتفاء بقيام الحجة عليهم في القيامة ليس بشيء. وقرأ ابن وثاب. والكسائي {نِعْمَ} بكسر العين وهي لغة فيه. وقرئ {قَالَ} أي الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (19):

{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)}
{فَإِنَّمَا هي زَجْرَةٌ واحدة} الضمير راجع إلى البعثة المفهومة مما قبل، وقيل للبعث والتأنيث باعتبار الخبر. والزجرة الصيحة من زجر الراعي غنمه صاح عليها. والمراد بها النفخة الثانية في الصور ولما كانت بعثتهم ناشئة عن الزجرة جعلت إياها مجازًا. والفاء واقعة في جواب شرط مقدر أو تعليلية لنهي مقدر أي إذا كان كذلك فإنما البعثة زجرة واحدة أو لا تستصعبوها فإنما هي زجرة. وجوز الزجاج أن تكون للتفسير والتفصيل وما بعدها مفسر للبعث. وتعقب بأن تفسير البعث الذي في كلامهم لا وجه له والذي في الجواب غير مصرح به. وتفسير ما كني عنه بنعم مما لم يعهد. والظاهر أنه تفسير لما كني عنه بنعم وهو نزلة المذكور لاسيما وقد ذكر ما يقوى إحضاره من الجملة الحالية. وعدم عهد التفسير في مثل ذلك مما لا جزم لي به.
وأبو حيان نازع في تقدير الشرط فقال: لا ضرورة تدعو إليه ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق عليه أنه جواب الأمر والنهي وما ذكر معهما على قول بعضهم أما ابتداء فلا يجوز حذفه والجمهور على خلافه والحق معهم، وهذه الجلمة اما من تتمة المقول وإما ابتداء كلام من قبله عز وجل.
{فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} أي فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون كما كانوا في الدنيا أو ينتظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)}
{وَقَالُواْ} أي المبعوثون، وصيغة الماضي لتحقق الوقوع {يَا وَيْلَنَا} أي يا هلاكنا احضر فهذا أوان حضورك {وَقَالُواْ ياويلنا هذا يَوْمُ الدين} استئناف منهم لتعليل دعائهم الويل.
والدين عنى الجزاء كما في كما تدين تدان أي هذا اليوم الذي نجازي فيه بأعمالنا، وإنما علموا ذلك لأنهم كانوا يسمعون في الدنيا أنهم يبعثون ويحاسبون ويجزون بأعمالهم فلما شاهدوا البعث أيقنوا بما بعده أيضًا وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (21):

{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)}
{هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} كلام الملائكة جوابًا لهم بطريق التوبيخ والتقريع، وقيل: هو من كلام بعضهم لبعض أيضًا، ووقف أبو حاتم على {يا ويلنا} وجعل ما بعده كلام الله تعالى أو كلام الملائكة عليهم السلام لهم كأنهمأجابوهم بأنه لا تنفع الولولة والتلهف، والفصل القضاء أو الفرق بين المحسن والمسيء وتمييز كل عن الآخر بدون قضاء.

.تفسير الآية رقم (22):

{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)}
{بِهِ تُكَذّبُونَ احشروا الذين ظَلَمُواْ} خطاب من الله تعالى للملائكة أو من الملائكة بعضهم لبعض.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تقول الملائكة للزبانية: احشروا إلخ، وهو أمر بحشر الظالمين من أماكنهم المخلتلفة إلى موقف الحساب؛ وقيل من الموقف إلى الجحيم، والسباق والسياق يؤيدان الأول {وأزواجهم} أخرج عبد الرزاق. وابن أبي شيبة. وابن منيع في مسنده. والحاكم وصححه. وجماعة من طريق النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: أزواجهم أمثالهم الذين هم مثلهم يحشر أصحاب الربا من أصحاب الربا وأصحاب الزنا مع أصحاب الزنا وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر. وأخرج جماعة عن ابن عباس في لفظ أشباههم وفي آخر نظراءهم. وروي تفسير الأزواج بذلك أيضًا عن ابن جبير. ومجاهد. وعكرمة، وأصل الزوج المقارن كزوجي النعل فأطلق على لازمه وهو المماثل. وجاء في رواية عن ابن عباس أنه قال: أي نساءهم الكافرات ورجحه الرماني. وقيل قرناءهم من الشياطين وروي هذا عن الضحاك. والواو للعطف وجوز أن تكون للمعية. وقرأ عيسى بن سليمان الحجازي {وأزواجهم} بالرفع عطفًا على ضمير {ظَلَمُواْ} عل ما في البحر أي وظلم أزواجهم.
وأنت تعلم ضعف العطف على الضمير المرفوع في مقله، والقراءة شاذة {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ}.

.تفسير الآية رقم (23):

{مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)}
{مِن دُونِ الله} من الأصنام ونحوها، وحشرهم معهم لزيادة التحسير والتخجيل، و{مَا} قيل عام في كل معبود حتى الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام لكن خص منه البعض بقوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} [الأنبياء: 101] الآية.
وقيل {مَا} كناية عن الأصنام والأوثان فهي لما لا يعقل فقط لأن الكلام في المشركين عبدة ذلك، وقيل {مَا} على عمومها والأصنام ونحوها غير داخلة لأن جميع المشركين إنما عبدوا الشياطين التي حملتهم على عبادتها، ولا يناسب هذا تفسير {أزواجهم} [الصافات: 22] بقرنائهم من الشياطين، ومع هذا التخصيص أقرب، وفي هذا العطف دلالة على أن الذين ظلموا المشركون وهم الأحقاء بهذا الوصف فإن الشركح لظلم عظيم {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} فعرفوهم طريقها وأروهم إياه، والمراد بالجحيم النار ويطلق على طبقة من طبقاتها وهو من الجحمة شدة تأجج النار، والتعبير بالصراط والهداية للتهكم بهم.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)}
{وَقِفُوهُمْ} أي احبسوهم في الموقف {أَنَّهُمْ} عن عقائدهم وأعمالهم، وفي الحديث {لا تزول قدما عبد حتى يسئل عن خمس عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به وعن ابن مسعود يسألون عن لا إله إلا الله، وعنه أيضًا يسألون عن شرب الماء البارد على طريق الهزء بهم. وروي بعض الأمامية عن ابن جبير عن ابن عباس يسألون عن ولاية علي كرم الله تعالى وجهه، ورووه أيضًا عن أبي سعيد الخدري وأولي هذه الأقوال أن السؤال عن العقائد والأعمال. ورأس ذلك لا إله إلا الله، ومن أجله ولاية علي كرم الله تعالى وجهه وكذا ولاية إخوانه الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وظاهر الآية أن الحبس للسؤال بعد هدايتهم إلى صراط الجحيم عنى تعريفهم إياه ودلالتهم عليه لا عنى إدخالهم فيه وإيصالهم إليه، وجوز أن يكون صراط الجحيم طريقهم له من قبورهم إلى مقرهم وهو ممتد فيجوز كون الوقف في بعض منه مؤخرًا عن بعض، وفيه من البعد ما فيه، وقيل: إن الوقف للسؤال قبل الأمر المذكور والواو لا تقتضي الترتيب، وقيل الوقف بعد الأمر عند مجيئهم النار والسؤال عما ينطق به قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (25):

{مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)}
{مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ تناصرون} أي لا ينصر بعضكم بعضًا، والخطاب لهم وآلهتهم أو لهم فقط أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضًا كما كنتم تزعمون في الدنيا، فقد روي أن أبا جهل قال يوم بدر: نحن جميع منتصر، وتأخير هذا السؤال إلى ذلك الوقت لأنه وقت تنجيز العذاب وشدة الحاجة إلى النصرة وحالة انقطاع الرجال والتقريع والتوبيخ حينئذ أشد وقعًا وتأثيرًا، وقيل: السؤال عن هذا في موقف المحاسبة بعد استيفاء حسابهم والأمر بهدايتهم إلى الجحيم كأن الملائكة عليهم السلام لما أمروا بهدايتهم إلى النار وتوجيههم إليها سارعوا إلى ما أمروا به فقيل لهم قفوهم أنهم مسؤولولن، والذي يترجح عندي أن الأمر بهدايتهم إلى الجحيم إنما هو بعد إقامة الحجة عليهم وقطع أعذارهم وذلك بعد محاسبتهم، وعطف {اهدوهم} [الصافات: 23] على {احشروا} [الصافات: 22] بالفاء إشارة إلى سرعة وقوع حسابهم، وسؤالهم ما لكم لا تناصرون الأليق أن يكون بعد تحقق ما يقتضي التناصر وليس ذلك إلا بعد الحساب والأمر بهم إلى النار فلعل الوقف لهذا السؤال في ابتداء توجههم إلى النار والله تعالى أعلم. وقرأ عيسى {أَنَّهُمْ} بفتح الهمزة بتقدير لأنهم، وقرأ البزي عن ابن كثير {لا} بتاءين بلا إدغام إحداهما في الأخرى.

.تفسير الآية رقم (26):

{بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)}
{تناصرون بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} منقادون لعجزهم وانسداد الحيل عليهم، وأصل الاستسلام طلب السلامة والانقياد لازم لذلك عرفًا فلذا استعمل فيه أو متسالمون كأنه يسلم بعضهم بعضًا للهلاك ويخذله، وجوز في الإضراب أن يكون عن مضمون ما قبله أي لا ينازعون في الوقوف وغيره بل ينقادون أو يخدلون أو عن قوله سبحانه: {لاَ تناصرون} [الصافات: 25] أي لا يقدر بعضهم على نصر بعض بل هم منقادون للعذاب أو مخذولون.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)}
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} هم الأتباع والرؤساء المضلون أو الكفرة من الإنس وقرناؤهم من الجن، وروى هذا عن مجاهد. وقتادة. وابن زيد {يَتَسَاءلُونَ} يسأل بعضهم بعضًا سؤال تقريع بطريق الخصومة والجدال.

.تفسير الآية رقم (28):

{قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)}
{قَالُواْ} استئناف بياني كأنه قيل: كيف يتساءلون؟ فقيل: قالوا أي الأتباع للرؤساء أو الكفرة مطلقًا للقرناء {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا} في الدنيا {عَنِ اليمين} أي من جهة الخير وناحيته فتنهونا عنه وتصدونا قاله قتادة، ولشرف اليمين جاهلية وإسلامًا دنيا وأخرى استعيرت لجهة الخير استعارة تصريحية تحقيقية، وجعلت اليمين مجازًا عن جهة الخير مع أنه مجاز في نفسه فيكون ذلك مجازًا على المجاز لأن جهة الخير لشهرة استعماله التحق بالحقيقة فيجوز فيه المجاز على المجاز كما قالوا في المسافة فإنها موضع الشم في الأصل لأنه من ساف التراب إذا شمه فإن الدليل إذا اشتبه عليه الطريق أخذ ترابًا فشمه ليعرف أنه مسلوك أولًا ثم جعل عبارة عن البعد بين المكانين ثم استعير لفرق ما بين الكلامين ولا بعد هناك، واستظهر بعضهم حمل الكلام على الاستعارة التمثيلية واعتبار التجوز في مجموع {تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} لمعنى تمنعوننا وتصدوننا عن الخير فيسلم الكلام من دعوى المجاز على المجاز؛ وكأن المراد بالخير الايمان بما يجب الايمان به، وجوز أن يكون المراد به الخير الذي يزعمه المضلون خيرًا وأن المعنى تأتوننا من جهة الخير وتزعمون ما أنتم عليه خيرًا ودين حق فتخدعوننا وتضلوننا وحكى هذا عن الزجاج.
وقال الجبائي: المعنى كنتم تأتوننا من جهة النصيحة واليمن والبركة فترغبوننا بما أنتم عليه فتضلوننا وهو قريب مما قبله، وجوزوا أن تكون اليمين مجازًا مرسلًا عن القوة والقهر فإنها موصوفة بالقوة وبها يقع البطش فكأنه أطلق المحل على الحال أو السبب على المسبب، ويمكن أن يكون ذلك بطريق الاستعارة وتشبيه القوة بالجانب الأيمن في التقدم ونحوه، والمعنى إنكم كنتم تأتوننا عن القوة والقهر وتقصدوننا عن السلطان والغلبة حتى تحملونا على الضلال وتقسرونا عليه وإليه ذهب الفراء، وأن يكون اليمين حقيقة عنى القسم ومعنى إتيانهم عنه أنهم يأتونهم مقسمين لهم على حقية ما هم عليه من الباطل، والجار والمجرور في موضع الحال، وعن عنى الباء كما في قوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} [النجم: 3] أو هو ظرف لغو، وفيه بعد، وأبعد منه أن يفسر اليمين بالشهوة والهوى لأن جهة اليمين موضع الكبد، وهو مخالف لما حكى عن بعض من أن من أتاه الشيطان من جهة اليمين أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق ومن أتاه من جهة الشمال أتاه من قبل الشهوات ومن أتاه من بين يديه أتاه من قبل التكذيب بالقيامة والثواب والعقاب ومن أتاه من خلفه خوفه الفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده فلم يصل رحمًا ولم يؤد زكاة.