فصل: تفسير الآية رقم (68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (68):

{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)}
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ} أي مصيرهم، وقد قرئ كذلك، وقرئ أيضًا {ثُمَّ إِنَّ} {مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} أي إلى مقرهم من النار فإن في جهنم مواضع أعد في كل موضع منها نوع من البلاء فالقوم يخرجون من محل قرارهم حيث تأجج النار ويساقون إلى موضع آخر مما دارت عليه جهنم فيه ذلك الشراب ليردوه ويسقوا منه ثم يردون إلى محلهم كما تخرج الدواب إلى مواضع الماء في البلد مثلًا لترده ثم ترد إلى محلها، وإلى هذا المعنى أشار قتادة ثم تلا قوله تعالى: {هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذّبُ بِهَا المجرمون يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ} [الرحمن: 43، 44] [الرحمن: 34، 44] ويؤيده قراءة ابن مسعود {ثُمَّ إِنَّ} إذ الانقلاب أظهر في الرد أو المراد ثم إن مرجعهم إلى دركات الجحيم فهم يرددون في الجحيم من مكان إلى آخر أدنى منه، وقيل: إن الشراب يقدم إليهم قبل دخول النار فيشربون ويصيرون إلى الجحيم، وهذا يحتاج إلى توقيف وإلا فهو خلاف الظاهر، وكأن بين خروج القوم للشرب وعودهم إلى مساكنهم زمانًا غير يسير يتجرعون فيه ذلك الشراب ولذا جيء بثم، وهذا الشراب في مقابلة ما لأهل الجنة من الشراب المدلول عليه بقوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ بَيْضَاء لَذَّةٍ للشاربين} [الصافات: 45، 46] إلخ كما أن الزقوم في مقابلة ما لهم من الفواكه.
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لو أن قطرة من زقوم جهنم أنزلت إلى الأرض لأفسدت على الناس معايشهم أخرجه ابن أبي شيبة فكيف بمن هو طعامه وشرابه الغساق والصديد مع الحميم، نسأل الله تعالى رضاه والجنة ونعوذ به عز وجل من غضبه والنار وقوله سحبانه:

.تفسير الآيات (69- 70):

{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)}
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءابَاءهُمْ ضَالّينَ فَهُمْ على ءاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} تعليل لاستحقاقهم ما ذكر من فنون العذاب بتقليد الآباء في أصول الدين من غير أن يكون لهم ولا لآبائهم شيء يتمسك به أصلًا أي وجدوهم ضالين في نفس الأمر ليس لهم ما يصلح شبهة فضلًا عن صلاحية كونه دليلًا فهم من غير أن يتدبروا أنهم على الحق أولًا مع ظهور كونهم على الباطل بأدنى تأمل، والإهراع الإسراع الشديد، وقيل: هو إسراع فيه شبه رعدة.
وفي بناء الفعل للمفعول إشارة إلى مزيد رغبتهم في الإسراع على آثارهم كأنهم يزعجون ويحثون حثًا عليه.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71)}
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} أي قبل هؤلاء الظالمين الذين جعلت شجرة الزقوم فتنة لهم وهم قريش {أَكْثَرُ الاولين} من الأمم السابقة، وهو جواب قسم محذوف وكذا قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (72):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)}
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ} أنبياء أنذروهم سوء عاقبة ما هم عليه من الباطل، وتكرير القسم لإبراز كمال الاعتناء بتحقيق مضمون كل من الجملتين.

.تفسير الآية رقم (73):

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)}
{فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} من الهول والفظاعة لما لم يلتفتوا إلى الإنذار ولم يرفعوا إليه رأسًا.
والخطاب إما لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى منه مشاهدة آثارهم، وحيث كان المعنى أنهم أهلكوا إهلاكًا فظيعًا استثنى عنهم المخلصين بقوله عز وجل:

.تفسير الآية رقم (74):

{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)}
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} أي الذين أخلصهم الله تعالى بتوفيقهم للايمان والعمل وجب الإنذار. وقرئ {المخلصين} بكسر اللام أي الذين أخلصوا دينهم لله سبحانه وتعالى، والاستثناء على القراءتين إما منقطع إن خصص المنذرين وإما متصل أن عمم.

.تفسير الآية رقم (75):

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)}
{وَلَقَدْ نَادَيْنَا نُوحٌ} نوع تفصيل لما أجمل فيما قبل ببيان أحوال بعض المرسلين وحسن عاقبتهم متضمن لبيان سوء عاقبة بعض المنذرين كقوم نوح عليه السلام ولبيان حسن عاقبة بعضهم الذين أخلصهم الله تعالى أو أخلصوا دينهم على القراءتين كقوم يونس عليه السلام، وتقديم قصة نوح عليه السلام على سائر القصص غي عن البيان، ونداؤه عليه السلام يتضمن الدعاء على كفار قومه وسؤاله النجاة وطلب النصرة، واللام واقعة في جواب قسم محذوف، وكذا ما في قوله تعالى: {فَلَنِعْمَ المجيبون} والمخصوص بالمدح فيه محذوف والفاء فصيحة أي وتالله لقد دعانا نوح حين أيس من إيمان قومه بعد أن دعاهم أحقابًا ودهورًا فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارًا ونفورًا فأجبناه أحسن الإجابة فوالله لنعم المجيبون نحن فحذف ما حذف ثقة بدلالة ما ذكر عليه، والجمع للعظمة والكبرياء وفيه من تعظيم أمر الإجابة ما فيه؛ وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في بيتي فمر بهذه الآية {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المجيبون} قال: صدقت ربنا أنت أقرب من دعى وأقرب من بغي فنعم المدعو ونعم المعطى ونعم المسؤل ونعم المولى أنت ربنا ونعم النصير.

.تفسير الآية رقم (76):

{وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)}
الغرق على ما روى عن السدي، وقيل: أذى قومه ولا مانع من الجمع، والكرب على ما قال الراغب: الغم الشديد، وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر فالغم يثير النفس إثارة ذلك، ويصح أن يكون من كربت الشمس إذا دنت للمغيب وقولهم إناء كربان نحو قربان أي قريب من الملء أو من الكرب وعو عقد غليظ في رشاء الدلو، وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب.

.تفسير الآية رقم (77):

{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)}
{وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الباقين} فحسب حيث أهلكنا الكفرة وجب دعائه {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّارًا} [نوح: 26] وقد روى أنه مات كل من في السفينة ولم يعقبوا عقبًا باقيًا غير أبنائه الثلاث سام وحام ويافث وأزواجهم فإنهم بقوا متناسلين إلى يوم القيامة.
أخرج الترمذي وحسنة. وابن سعد. وأحمد. وأبو يعلى. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني. والحاكم وصححه عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم» وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه، نعم أخرج البزار. وابن أبي حاتم. والخطيب في تالي التلخيص عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد نوح ثلاثة: سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والسودان» ولا أعرف حال الخبر، والأكثرون على أن الناس كلهم في مشارق الأرض ومغاربها من ذرية نوح عليه السلام ولذا قيل له آدم الثاني. وإن صح أن لكنعان المغرب ولدًا في السفينة لا يبعد إدراجه في الذرية فلا يقتصر على الأولاد الثلاثة، وعلى كون الناس كلهم من ذريته عليه السلام استدل بعضهم بالآية. وقالت فرقة: أبقى الله تعالى ذرية نوح عليه السلام ومد في نسله وليس الناس منحصرين في نسله بل من الأمم من لا يرجع إليه حكاه في البحر، وكأن هذه الفرقة لا تقول بعموم الغرق، ونوح عليه السلام إنما دعا على الكفار وهو لم يرسل إلى أهل الأرض كافة فإن عموم البعثة ابتداء من خواص خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ووصول خبر دعوته وهو في جزيرة العرب إلى جميع الأقطار كقطر الصين وغيره غير معلوم.
والحصر في الآية بالنسبة إلى من في السفينة ممن عدا أولاده وأزواجهم فكأنه قيل: وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية من معه في السفينة وهو لا يستلزم عدم بقاء ذرية من لم يكن معه وكان في بعض الأقطار الشاسعة التي لم تصل إليها الدعوة ولم يستوجب أهلها الغرق كأهل الصين فيما يزعمون، ويجوز أن تكون قائلة بالعموم وتجعل الحصر بالنسبة إلى المغرقين وتلتزم القول بأنه لم يبق عقب لأحد من أهل السفينة هو من ذرية أحد من المغرقين أي وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية أحد غيره من المغرقين، وولد كنعان إن صح وصح بقاء نسله داخل في ذريته والله تعالى أعلم.

.تفسير الآية رقم (78):

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78)}
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاخرين} في الباقين غابر الدهر.

.تفسير الآية رقم (79):

{سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)}
{سلام على نُوحٍ} مبتدأ وخبر وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى الدعاء، والكلام وارد على الحكاية كقولك: قرأت {سُورَةٌ أنزلناها} [النور: 1] وهو على ما قال الفراء وغيره من الكوفيين محكى بترك في موضع نصب بها أي تركنا عليه هذا الكلام بعينه.
وقال آخرون: هو محكي بقول مقدر أي تركنا عليه في الآخرين قولهم سلام على نوح، والمراد أبقينا له دعاء الناس وتسليمهم عليه أمة بعد أمة، وقيل: هذا سلام منه عز وجل لا من الآخرين، ومفعول {تَّرَكْنَا} محذوف أي تركنا عليه الثناء الحسن وأبقيناه له فيمن بعده إلى آخر الدهر، ونسب هذا إلى ابن عباس. ومجاهد. وقتادة. والسدي؛ وجملة {سلام على نُوحٍ} معمول لقول مقدر على ما ذكر الخفاجي أي وقلنا سلام إلخ، وقال أبو حيان: مستأنفة سلم الله تعالى عليه عليه السلام ليقتدي بذلك البشر فلا يذكره أحد بسوء، وقرأ عبد الله {سَلاَمًا} بالنصب على أنه مفعول {تَّرَكْنَا} وقوله تعالى: {فِى العالمين} متعلق بالظرف لنيابته عن عامله أو بما تعلق الظرف به. وجوز كونه حالًا من الضمير المستتر فيه، وأيًا ما كان فهو من تتمة الجملة السابقة وجيء به للدلالة على الاعتناء التام بشأن السلام من حيث أنه أفاد الكلام عليه ثبوته في العالمين من الملائكة والثقلين أو أنه حال كونه في العالمين على نوح. وهذا كما تقول سلام على زيد في جميع الأمكنة وفي جميع الأزمنة. وزعم بعضهم جواز جعله بدلًا من قوله تعالى: {فِى الاخرين} ويوشك أن يكون غلطًا كما لا يخفى. قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (80):

{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)}
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} تعليل لما فعل به مما قصه الله عز وجل بكونه عليه السلام من زمرة المعروفين بالإحسان الراسخين فيه فيكون ما وقع من قبيل مجازاة الإحسان بالإحسان، وإحسانه مجاهدته أعداء الله تعالى بالدعوة إلى دينه والصبر الطويل على أذاهم ونحو ما ذكر وذلك إشارة إلى ما ذكر من الكرامات السنية التي وقعت جزاء له عليه السلام، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الفضل والشرف، والكاف متعلقة بما بعدها أي مثل ذلك الجزاء الكاملين في الإحسان لإجزاء أدنى وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (81):

{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)}
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} تعليل لكونه عليه السلام محسنًا المفهوم من الكلام بخلوص عبودتيه وكمال إيمانه، وفيه من الدلالة على جلالة قدرهما ما لا يخفى وإلا فمنصب الرسالة منصب عظيم والرسول لا ينفك عن الخلوص بالعبودية وكمال الايمان فالمقصود بالصفة مدحها نفسها لا مدح موصوفها.

.تفسير الآية رقم (82):

{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (82)}
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الاخرين} أي المغايرين لنوح عليه السلام وأهله وهم كفار قومه أجمعين، وثم للتراخي الذكري إذ بقاؤه عليه السلام ومن معه متأخر عن الإغراق {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ} أي ممن شايع نوحًا وتابعه في أصول الدين.