فصل: تفسير الآية رقم (46):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (46):

{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)}
{إِنَّا أخلصناهم بِخَالِصَةٍ} تعليل لما وصفوا به، والباء للسببية وخالصة اسم فاعل وتنوينها للتفخيم، وقوله تعالى: {ذِكْرَى الدار} بيان لها بعد إبهامها للتفخيم، وجوز أن يكون خبرًا عن ضميرها المقدر أي هي ذكرى الدار، وأيًا ما كان فذكرى مصدر مضاف لمفعوله وتعريف الدار للعهد أي الدار الأخرة، وفيه إشعار بأنها الدار في الحقيقة وإنما الدنيا مجاز أي جعلناهم خالصين لنا بسبب خصلة خالصة جليلة الشأن لا شوب فيها هي نذكرهم دائمًا الدار الآخرة فإن خلوصهم في الطاعة بسبب تذكرهم إياها وذلك لأن مطمح انظارهم ومطرح أفكارهم في كل ما يأتون ويدرون جواز الله عز وجل والفوز بلقائه ولا يتسنى ذلك إلا في الآخرة.
وقيل أخلصناهم بتوفيقهم لها واللطف بهم في اختيارها والباء كما في الوجه الأول للسببية والكلام نحو قولك: أكرمته بالعلم أي بسبب أنه عالم أكرمته أو أكرمته بسبب أنك جعلته عالمًا، وقد يتخيل في الثاني أنه صلة، ويعضد الوجه الأول قراءة الأعمش. وطلحة {بخالصتهم}.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك أن ذكرى الدار تذكيرهم الناس الآخرة وترغيبهم إياهم فيها وتزهيدهم إياهم فيها على وجه خالص من الحظوظ النفسانية كما هو شأن الأنبياء عليهم السلام، وقيل المراد بالدار الدار الدنيا وبذكراها الثناء الجميل ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم. وحكى ذلك عن الجبائي. وأبي مسلم وذكره ابن عطية احتمالًا، وحاصل الآية عليه كما قال الطبرسي إنا خصصناهم بالذكر الجميل في الأعقاب.
وقرأ أبو جعفر. وشيبة. والأعرج. ونافع. وهشام بإضافة {الانعام خَالِصَةٌ} إلى {ذِكْرِى} للبيان أي بما خلص من ذكرى الدار على معنى أنهم لا يشوبون ذكراها بهم آخر أصلًا أو على غير ذلك من المعاني، وجوز على هذه القراءة أن تكون {خَالِصَةٌ} مصدرًا كالعاقبة والكاذبة مضافًا إلى الفاعل أي أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار. وظاهر كلام أبي حيان أن احتمال المصدرية ممكن في القراءة الأولى أيضًا لكنه قال: الأظهر أن تكون اسم فاعل.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)}
{وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين} أي المختارين من بين أبناء جنسهم، وفيه إعلال معروف.
وعندنا يجوز فيه أن يكون من صلة الخبر وإن يكون من صلة محذوف دل عليه {لَمِنَ المصطفين} أي وإنهم مصطفون عندنا، ولم يجوزوا أن يكون من صلة {المصطفين} المذكور لأن أل فيه موصولة ومصطفين صلة وما في حيز الصلة لا يتقدم معمولة على الموصول لئلا يلزم تقدم الصلة على الموصول. واعترض بأنا لا نسلم أن أل فيه موصولة إذ لم يرد منه الحدوث ولو سلم فالمتقدم ظرف وهو يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره، والظاهر أن الجملة عطف على ما قبلها، وتأكيدها لمزيد الاعتناء بكونهم عنده تعالى من المصطفين من الناس. {الاخيار} الفاضلين أن لا يجمع على أفعال لكنه للزوم تخفيفه حتى أنه لا يقال أخير إلا شذوذًا أو في ضرورة جعل كأنه بنية أصلية؛ وقيل جمع خير المشدد أو خير المخف منه كأموات في جمع ميت بالتشديد أو ميت بالتخفيف.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)}
{واذكر إسماعيل} فصل ذكره عن ذكر أبيه وأخيه اعتنار بشأنه من حيث أنه لا يشرك العرب فيه غيرهم أو للأشعار بعراقته في الصبر الذي هو المقصود بالذكر {واليسع} قال ابن جرير هو ابن أخطوب بن العجوز، وذكر أنه استخلفه إلياس على بني إسرائيل ثم استنبئ، واللام فيه زائدة لازمة لمقارنتها للوضع، ولا ينافي كونه غير عربي فإنها قد لزمت في بعض الأعلام الأعجمية كالاسكندر فقد لحن التبريزي من قال اسكندر مجردًا له منها، والأولى عندي أنه إذا كان اسما أجميًا وأل فيه مقار نة للوضع أن لا يقال بزيادتها فيه، وقيل هو اسم عربي منقول من يسع مضارع وسع حكاه الجلال السيوطي في الاتقان. وفي القاموس يسع كيضع اسم أعجمي أدخل عليه أل ولا تدخل على نظائره كيزيد.
وقرأ حمزة. والكسائي {والليسع} بلامين والتشديد كان أصله ليس بوزن فيعل من اللسع دخل عليه أل تشبيهًا بالمنقول الذي تدخله للمح أصله، وجزم بعضهم بأنه على هذه القراءة أيضًا علم أعجمي دخل عليه اللام.
{وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل} قيل هو ابن أيوب، وعن وهب أن الله تعالى بعث بعد أيوب شرف بن أيوب نبيًا وسماه الكفل وأمره بالدعاء إلى توحيده وكان مقيمًا بالشام عمره حتى مات وعمره خمس وسبعون سنة.
وفي العجائب للكرماني قيل هو الياس، وقيل هو يوشع بن نون، وقيل هو نبي اسمه ذو الكفل، وقيل كان رجلًا صالحًا تكفل بأمور فوفي بها، وقيل هو زكريا من قوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] اه، وقال ابن عساكر: هو نبي تكفل الله تعالى له في عمله بضعف عمل غيره من الأنبياء، وقيل لم يكن نبيًا وان البسع استخلفه فتكفل له أن يصوم النهار ويقوم الليل، وقيل أن يصلي كل يوم مائة ركعة، وقيل: كان رجلًا من الصالحين كان في زمانه أربعمائة نبي من بني إسرائيل فقتلهم ملك جبار إلا مائة منهم فروا من القتل فآواهم وأخفاهم وقام ونتهم فسماه الله تعالى ذا الكفل، وقيل هو اليسع وأن له اسمين ويأباه ظاهر النظم {وَكُلٌّ} أي ولكهم {مّنَ الاخيار} المشهورين بالخيرية.

.تفسير الآية رقم (49):

{هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49)}
{هذا} إشارة إلى ما تقدم من الآيات الناطقة حاسنهم {ذُكِرَ} أي شرف لهم وشاع الذكر بهذا المعنى لأن الشرف يلزمه الشهرة والذكر بين الناس فتجوز به عنه بعلاقة اللزوم، والمراد في ذكر قصصهم وتنويه الله تعالى بهم شرف عظيم لهم أو المعنى هذا المذكور من الآيات نوع من الذكر الذي هو القرآن، وذكر ذلك للانتقال من نوع من الكلام إلى آخر كما يقول الجاحظ في كتبه: فهذا باب ثم شرع في باب آخر ويقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر: هذا وكان كيت وكيت، ويحذف على ما قيل الخبر في مثل ذلك كثيرًا وعليه {هذا وَإِنَّ للطاغين لَشَرَّ مَئَابٍ} [ص: 55] وستسمع إن شاء الله تعالى الكلام فيه فلا يقال: إنه لا فائدة فيه لأنه معلوم أنه من القرآن. وقال ابن عباس: هذا ذكر من مضي من الأنبياء عليهم السلام، وقوله تعالى: {هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} أي مرجع شروع في بيان أجرهم الجزيل في الآجل بعد بيان ذكرهم الجميل في العاجل، والمراد بالمتقين إما الجنس وهم داخلون فيه دخولًا أوليًا وإما نفس المذكورين عبر عنهم بذلك مدحًا لهم بالتقوى التي هي الغاية القصوى في الكمال، والجلمة فيما أرى عطف على الجملة قبلها كأنه قيل: هذا شرف لهم في الدنيا وإن لهم ولأضرابهم أو إن لهم في الآخرة لحسن مآب أو هي من قبيل عطف القصة على القصة، وقال الشهاب الخفاجي عليه الرحمة: هي حالية ولم يبين صاحب الحال، ويبعد أن يكون {ذِكْرًا} لأنه نكرة متقدمة وأن يكون {هذا} لأنه مبتدأ ومع ذلك في المعنى على تقدير الحالية خفاء، وقال بعض أجلة المعاصرين. إنه أراد أن الكلام على معنى والحال كذا أي الأمر والشأن كذا ولم يرد أن الجملة حال بالمعنى المعروف الذي يقتضي ذا حال وعاملا في الحال إلى غير ذلك وادعى أن الأمر كذلك في كل جملة يقال إنها حال وليس فيها ضمير يعود على ما قبلها نحو جاء زيد والشمس طالعة وقال: إنه الذي ينبغي أن يعول عليه وإن لم يذكره النحويون اه، والحال لا يخفي على ذي تمييز، وإضافة {حُسْنُ} إلى {مَئَابٍ} من إضافة الصفة إلى الموصوف إما بتأويل مآب ذي حسن أو حسن وأما بدونه قصدًا للمبالغة. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (50):

{جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)}
{جنات عَدْنٍ} بدل اشتمال، وجوز أن يكون نصبًا على المدح، وجعله الزمخشري عطف بيان لحسن مآب، وعدن قيل من الإعلام الغالبة غلبة تقديرية ولزوم الإضافة فيها أو تعريفها باللام أغلبي كما صرح به ابن مالك في التسهيل، وجنات عدن كمدينة طيبة لا كإنسان زيد فإنه قبيح، وقيل العلم مجموع {جنات عَدْنٍ} وهو أيضًا من غير الغالب لأن المراد من الإضافة التي تعوضها العلم بالغلبة إضافة تفيده تعريفًا، وعلى القولين هو معين فيصلح للسان لكن تعقب ذلك أبو حيان بأن للنحويين في عطف البيان مذهبين، أحدهما أن ذلك لا يكون إلا في المعارف فلا يكون عطف البيان إلا تابعًا لمعرفة وهو مذهب البصريين، والثاني أنه يجوز أن يكون في النكرات فيكون عطف البيان تابعًا لنكرة كما تكون المعرفة فيه تابعة لمعرفة وهذا مذهب الكوفيين وتبعهم الفارسي؛ وأما تخالفهما في التنكير والتعريف فلم يذهب إليه أحد سوى الزمخشري كما قد صرح به ابن مالك في التسهيل فهو بناء للأمر على مذهبه.
وذهب آخرون أن عدنا مصدر عدن كان كذا استقر، ومنه المعدن لمستقر الجواهر ولا علمية ولا نقل هناك ومعنى {جنات عَدْنٍ} جنات استقرار وثبات فإن كان عطف بيان فهو على مذهب الكوفيين والفارسي.
ومن الغريب ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: سألت كعبًا عن قوله تعالى: {جنات عَدْنٍ} فقال: جنات كروم وأعناب بالسريانية، وفي تفسير ابن جرير أنه بالرومية، وقوله تعالى: {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الابواب} إما صفة لجنات عدن وإليه ذهب ابن اسحق وتبعه ابن عطية أو حال من ضميرها المستتر في خبر إن والعامل فيه الاستقرار المقدر أو نفس الظرف لتضمنه معناه ونيابته عنه وإليه ذهب الزمخشري ومختصر وكلامه أو حال من ضميرها المحذوف مع العامل لدلالة المعنى عليه والتقدير يدخلونها مفتحة وإليه ذهب الحوفي، و{الابواب} نائب فاعل {مُّفَتَّحَةً} عند الجمهور والرابط العائد على الجنات محذوف تقديره الأبواب منها، واكتفى الكوفيون عن ذلك بأل لقيامها مقام الضمير فكأنه قيل: مفتحة لهم أبوابها، وذهب أبو على إلى أن نائب فاعل {مُّفَتَّحَةً} ضمير الجنات والأبواب بدل منه بدل اشتمال كما هو ظاهر كلام الزمخشري، ولا يصح أن يكون بدل بعض من كل لأن أبواب الجنات ليست بعضًا من الجنات على ما قال أبو حيان. وقرأ زيد بن علي، وعبد الله بن رفيع. وأبو حيوة {جنات عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً} برفعهما على أنهما خبران لمحذوف أي هو أي المآب جنات عدن مفتحة لهم أبوابه أو هو جنات عدن هي مفتحة لهم أبوابها أو على أنهما مبتدأ وخبر.
ووجه ارتباط الجملة بما قبلها انها مفسرة لحسن المآب لأن محصلها جنات أبوابها فتحت أكرامًا لهم أو هي معترضة. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (51):

{مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)}
{مُّتَّكِئِينَ فِيهَا} وقوله سبحانه: {يَدْعُونَ فِيهَا بفاكهة كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} قيل حالان من ضمير {لَهُمْ} وهما حالان مقدران لأن الاتكاء وما بعده ليس في حال تفتيح الأبواب بل بعده، وقيل: الأول حال مقدرة من الضمير المذكور الثاني حال من ضمير متكئين، وجوز جعلهما حالين من المتقين، ولا يصح إلا إن قلنا بأن الفاصل ليس بأجنبي والظاهر أنه أجنبي، وقال بعض الأجلة: الأظهر ان {مُتَّكِئِينَ} حال من ضمير {يَدَّعُونَ} قدم رعاية للفاصلة ويدعون استئناف لبيان حالهم كأنه قيل ما حالهم بعد دخولها؟ فقيل: يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب متكئين فيها، والاقتصار على الفاكهة للإيذان بأن مطاعمهم لمحض التفكه والتلذذ دون التعدي فإنه لتحصيل بدل ولا تحلل ثمت ولما كانت الفاكهة تتنوع وصفها سبحانه بالكثرة وكثرتها باختلاف أنواعها وكثرة كل نوع منها، ولما كان الشراب نوعًا واحدًا وهو الخمر افرد، وقيل: وصفت الفاكهة بالكثرة ولم يوصف الشراب للإيذان بأنه يكون على الشراب نقل كثير سواء تعددت أنواعه أم اتحدت، ويمكن أن يقال والله تعالى أعلم: التقدير وشراب كثير لكن حذفت كثير لدلالة ما قبل ورعاية للفاصلة.