فصل: تفسير الآية رقم (52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (52):

{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)}
{وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف} أي على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم أو قاصرات طرف أزواجهن عليهن فلا ينظرون إلى غيرهن لشدة حسنهن، وتمام الكلام قد مر وحلا {أَتْرَابٌ} أي لذات على سن واحدة تشبيهًا في التساوي والتماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر أو لسقوطهن معا على الأرض حين الولادة ومسهن ترابها فكأن الترب عنى المتارب كالمثل عنى المماثل، والظاهر أن هذا الوصف بينهن فيكون في ذلك إشارة إلى محبة بعضهن لبعض وتصادقهن فيما بينهن فإن النساء الأتراب يتحابين ويتصادقن وفي ذلك راحة عظيمة لأزواجهن كما أن في تباغض الضرائر نصبًا عظيمًا وخطبًا جسيمًا لهم، وقد جرب ذلك وصح نسأل الله تعالى العفو والعافية.
وقيل: إن ذلك بينهن وبين أزواجهن أي أن اسنانهن كأسنانهم ليحصل كمال التحاب، ورجح بأن اهتمام الرجل بحصول المحبة بينه وبين زوجته أشد من اهتمامه بحصولها بين زوجاته، وفيه توقف، ثم أن الوصف الأول على المعنى الأول متكفل بالدلالة على محبتهن لأزواجهن وعلى المعنى الثاني متكفل بالدلالة على محبة أزواجهن لهن وإذا حصلت المحبة من طرف فالغالب حصولها من الطرف الآخر، وقد قيل: من القلب إلى القلب سبيل والأمر في الشاهد أن كون الزوجات أصغر من الأزواج أحب لهم لا التساوي، واختار بعضهم كون ذلك بينهن وبين أزواجهن ويلزم منه مساواة بعضهن لبعض وهذا إذا كان المراد بقوله تعالى: {وَعِندَهُ} إلخ وعند كل واحد منهم ولو كان المراد وعند مجموعهم وكان الجمع موزعًا بأن يكون لكل واحد واحد من أهل الجنة واحدة واحدة من قصارات الطرف الأتراب كان اعتبار كون الوصف بينهن وبين الأزواج كالمتعين لكن هذا الفرض خلاف ما نطقت به الأخبار سواء قلنا بما روي عن ابن عباس من أن الآية في الآدميات أو قلنا بما قاله صاحب الفينان من أنها في الحور، وقيل بناء على ما هو الظاهر في الوصف إن التساوي في الأعمار بين الحور وبين نساء الجنة فالآية فيهما.

.تفسير الآية رقم (53):

{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53)}
{هذا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحساب} أي لأجل يوم الحساب فإن ما وعدوه لأجل طاعتهم وأعمالهم الصالحة وهي تظهر بالحساب فجعل كأنه علة لتوقف إنجاز الوعد فالنسبة لليوم والحساب مجازية، وجوز أن يكون اللام عنى بعد كما في كتب لخمس خلون من جمادي الآخرة مثلًا وهو أقل مؤونة.
وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو {يُوعَدُونَ} بياء الغيبة وعلى قراءة الجمهور بتاء الخطاب فيها التفات.

.تفسير الآية رقم (54):

{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)}
{إِنَّ هَذَا} أي ما ذكر من ألوان النعم والكرامات {لَرِزْقُنَا} أعطيناكموه {مَالَهُ مِنْ} انقطاع أبدا.

.تفسير الآية رقم (55):

{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55)}
{قَبْلَ هذا} قال الزجاج: أي الأمر هذا على أنه خبر مبتدأ محذوف، وقال أبو علي: أي هذا للمؤمنين على أنه مبتدأ خبره محذوف وقدره بعضهم كما ذكر.
وجوز أبو البقاء احتمال كونه مبتدأ محذوف الخبر واحتمال كونه خبرًا محذوف المبتدأ، وجوز بعضهم كونه فاعل فعل محذوف أي مضي هذا وكونه مفعولًا للفعل محذوف أي خذ هذا، وجوز أيضًا كون ها اسم فعل عنى خذ وذا مفعوله من غير تقدير ورسمه متصلًا يبعده والتقدير أسهل منه، وقوله تعالى: {هذا وَإِنَّ للطاغين لَشَرَّ} عطف على ما قبله، ولزوم عطف الخبر على الإنشاء على بعض الاحتمالات جوابه سهل، وأشار الخفاجي إلى الحالية هنا أيضًا ولعل أمرها على بعض الأقوال المذكورة هين، والطاغون هنا الكفار كام يدل عليه كلام ابن عباس حيث قال: أي الذين طغوا علي وكذبوا رسلي، وقال الجبائي: أصحاب الكبائر كفارًا كانوا أو لم يكونوا، وإضافة {شَرُّ} إلى {مَئَابٍ} كإضافة {حُسْنُ} [ص: 49] إليه فيما تقدم، وظاهر المقابلة يقتضي أن يقال: لقبح مآب هنا أو لبخير مآب فيما مضى لكن مثله لا يلتفت إليه إذا تقابلت المعاني لأنه من تكلف الصنعة البديعية كما صرح به المرزوفي في شرح الحماسة كذا قيل، وقيل إنه من الاحتباك وأصله إن للمتقين لخير مآب وحسن مآب وإن للطاغين لقبح مآب وشر مآب واستحسنه الخفاجي وفيه نوع بعد وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (56):

{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)}
{جَهَنَّمَ} يعلم إعرابه مما سلف؛ وقوله سبحانه: {يَصْلَوْنَهَا} أي يدخلونها ويقاسون حرها حال من جهنم نفسها أو من الضمير المستتر في خبر إن الراجع لشر مآب المراد به هي والحال مقدرة {فَبِئْسَ المهاد} أي هي يعني جهنم فالمخصوص بالذم محذوف، والمهاد كالفراش لفظًا ومعنى وقد استعير مما يفترشه النائم، والمهد كالمهاد وقد يخص قر الطفل.

.تفسير الآية رقم (57):

{هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)}
{هذا} خبر مبتدأ محذوف أي العذاب هذا، وقوله تعالى: {فَلْيَذُوقُوهُ} جملة مرتبة على الجملة قبلها فهي نزلة جزاء شرط محذوف، وقوله تعالى: {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} خبر مبتدأ محذوف أي هو حميم وغساق وذا قد يشاربه للمتعدد أو مبتدأ محذوف الخبر أي منه حميم ومنه غساق كما في قوله:
حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس ** وغودر البقل ملوى ومحصود

أي منه ملوى ومنه محصود أو {هذا} مبتدأ خبره {حَمِيمٍ} وجملة {فليذوقوع} معترضة كقولك زيد فافهم رجل صالح أو هذا مبتدأ خبره {هذا فَلْيَذُوقُوهُ} على مذهب الأخفش في إجازته زيد فاضربه مستدلًا بقوله:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم

أو {هذا} في محل نصب بفعل مضمر يفسره {فَلْيَذُوقُوهُ} أي ليذوقوا هذا فليذوقوه، ولعلك تختار القول بأن {هذا} مبتدأ وحميم خبره وما في البين اعتراض وقد قدمه في الكشاف والفاء تفسيرية تعقيبية وتشعر بأن لهم إذاقة بعد إذاقة، وفي حميم وغساق على هذين الوجهين الاحتمالان المذكوران أولًا والحميم الماء الشديد الحرارة.
والغساق بالتشديد كما قرأ به ابن أبي اسحاق. وقتادة. وابن وثاب. وطلحة. وحمزة. والكسائي. وحفص والفضل. وابن سعدان. وهارون عن أبي عمرو، وبالتخفيف كما قرأ به باقي السبعة اسم لما يجري من صديد أهل النار كما روي عن عطاء. وقتادة. وابن زيد، وعن السدى ما يسيل من دموعهم. وأخرج ابن جرير عن كعب أنه عين في جهنم تسيل إليها حمة كل ذي حمة من حية وعقرب وغيرهما يغمس فيها الكافر فيتساقط جلده ولحمه وأخرج ابن جرير. وابن المنذر عن ابن عباس أنه الزمهرير، وقيل: هو مشددًا ومخففًا وصف من غسق كضرب وسمع عنى سال يقال غسقت العين إذا سال دمعها فيكون على ما في البحر صفة حذف موصوفها أي ومذوق غساق ويراد به سائل من جلود أهل النار مثلا، والوصيفة في المشدد أظهر لأن فعالا بالتشديد قليل في الأسماء، ومنه الغياد ذكر البوم والخطار دهن يتخذ من الزيت والعقار ما يتداوي به من النبات، ومن الغريب ما قاله الجواليقي. والواسطي أن الغساق هو البارد المنتن بلسان الترك والحق أنه عربي نعم النتونة وصف له في الواقع وليست مأخوذة في المفهوم، فقد أخرج أحمد. والترمذي. وابن حبان. وجماعة وصححه الحاكم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولو أن دلو من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا» وقيل الغساق عذاب لا يعلمه إلا الله عز وجل ويبعده هذا الخبر.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)}
{وَأَخَّرَ} أي ومذوق آخر وفسره ابن مسعود كما رواه عنه جمع بالزمهرير أو وعذاب آخر.
وقرأ الحسن. ومجاهد. والجحدري. وابن جبير. وعيسى. وأبو عمرو و{ءاخَرَ} على الجمع أي ومذوقات أو أنواع عذاب آخر {مِن شَكْلِهِ} أي من مثل هذا المذوق أو العذاب في الشدة والفظاعة، وتوحيد الضمير دون تثنيته نظرًا للحميم والغساق على أنه لما ذكر أو للشراب الشامل للحميم والغساق أو للغساق. وقرأ مجاهد {شَكْلِهِ} بكسر الشين وهي لغة فيه كمثل وإذا كان عنى الغنج فهو بالكسر لا غير {أزواج} أي أجناس و{ءاخَرَ} على القراءتين يحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي وهذا مذوق أو عذاب آخر أو هذه مذوقات أو أنواع عذاب آخر، والجلمة معطوفة على هذا حميم، وإن شئت فقدر هو أو هي واعطف الجملة على هو حميم، وأن يكون مبتدأ خبره محذوف أي ومنه مذوق أو عذاب آخر أو ومنه مذوقات أو أنواع عذاب أخر والعطف على منه حميم وجوز أن يقدر الخبر لهم أي ولهم مذوق أو عذاب آخر أو ولهم مذوقات أو أنواع عذاب أخر والعطف على {هذا فَلْيَذُوقُوهُ} [ص: 57] ومن شكله وأزواج في جميع ذلك صفتاه لآخر أو أخر. و{ءاخَرَ} وإن كان مفردًا في اللفظ فهو جمع وصادق على متعدد في المعنى.
ويحتمل أن يكون آخر أو أخر مبتدأ و{مِن شَكْلِهِ} صفته و{أزواج} خبر والجواب عن عدم المطابقة على قراءة الأفراد ما سمعت، وأن يكون ذلك عطفًا على حميم عطف المفرد على المفرد ومن شكله صفته وأزواج صفة للثلاثة المتعاطفة، وجوز أن يكون آخر مبتدأ ومن شكله خبره وأزواج فاعل الظرف، وأن يكون الأول مبتدأ ومن شكله خبر مقدم وأزواج مبتدأ والجملة خبر المبتدأ الأول أعني آخر، وصح الابتداء به لأنه من باب ضعيف عاذ بقرملة فالمبتدأ في الحقيقة الموصوف المحذوف أي نوع آخر أو مذوف آخر، وقيل لأنه جيء به للتفصيل، ومما ذكروا من المسوغات أن تكون النكرة للتفصيل نحو الناس رجلان رجل أكرمته ورجل أهنته وبحث فيه ابن هشام في المغنى، وجعلوا ضمير شكله على الوجهين عائدًا على آخر وهما لا يكادات يتسنيان على القراءة بالجمع فتدبر ولا تغفل.

.تفسير الآية رقم (59):

{هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59)}
{هذا فَوْجٌ} جمع كثير من أتباعكم في الضلال.
{مُّقْتَحِمٌ} راكب الشدة داخل فيها أو متوسط شدة مخيفة {مَّعَكُمْ} والمراد هذا فوج داخل معكم النار مقاس فيها ما تقاسونه، وهذا حكاية ما تقوله ملائكة العذاب لرؤساء الضلال عند دخول النار تقريعًا لهم فهو بتقدير فيقال لهم عند الدخول هذا إلخ.
وفي الكشاف واستظهره أبو حيان أنه حكابة كلام الطاغين بعضهم مع بعض يخاطب بعضهم بعضًا في شأن أتباعهم يقول هذا فوج مقتحم معكم، والظرف متعلق قتحم، وجوز فيه أن يكون نعتًا ثانيًا لفوج أو حالا منه لأنه قد وصف أو من الضمير المستتر فيه، ومنع أبو البقاء جواز كونه طرفًا قائلًا: إنه يلزم عليه فساد المعنى وتبعه الكواشي وصاحب الأنوار. وتعقبه صاحب الكشف بأنه إن كان الفساد لانبائه عن تزاحمهم في الدخول وليس المعنى على المزاحمة بين الفريقين الأتباع والمتبوعين ونهم بعد الدخول يقولون ذلك لا عند المزاحمة غير لازم لأن الاقتحام لا ينبئ عن التزاحم ولا هو لازم له وإنما مثل ضربت معه زيدًا ينبئ عن المشاركة في الضرب والمقارنة فكذلك اقتحام المتبوعين النار مع الأتباع ينبئ عن المشاركة في ركوب كل من الطائفتين قحمة النار ومقاساة شدتها في زمان متقارب عرفًا، ولو قيل هذا فوج معكم مقتحمون لم يفد أن المخاطبين أيضًا كذلك وفسد المعنى المقصود، والعجب ممن جوز أن يكون حالًا من ضمير {مُّقْتَحِمٌ} ولم يجوز أن يكون ظرفًا وإن كان بغير ذلك فليفد أولًا ثم ليعترض انتهى، وقال بعضهم: إن وجه فساد الظرفية دون الحالية أنه ليس المراد أنهم اقتحموا في الصحبة ودخلوا فيها بل اقتحموا في النار مصاحبين لكم ومقارنين إياكم، وهو كلام فاسد لا محصل له لأن مدلول مع المعبر عنه بالصحبة معناه الاجتماع في التلبس دلول متعلقها فيفيد اشتراك الطائفتين في الاقتحام لا في الصبحة كما توهمه ولا يدل على اتحاد زمانيهما كما صرح به في المغنى، ولو سلم فهو لتقاربه عد متحدا كما أشير في عبارة الكشف إليه فالحق أنه لا فساد، وقوله تعالى: {لاَ مَرْحَبًا بِهِمْ} دعاء من المتبوعين على أتباعهم سواء كان قائل ما تقدم الملائكة عليهم السلام أو بعض الرؤساء لبعض أو صفة لفوج أو حال منه لوصفه أو من ضميره، وأيًا ما كان يؤول قول لهم لا مرحبًا لأنه دعاء فهو إنشاء لا يوصف به، وكذا لا يكون حالًا بدون تأويل، والمعنى على استحقاقهم أن يقال لهم ذل لا أنهم قيل لهم ذلك بالفعل، وهو على الوصفية والحالية من كلام الملائكة عليهم السلام إن كانوا هم القائلين أو من كلام بعض الرؤساء، وجوز كونه ابتداء كلام منهم و{مَرْحَبًا} من الرهب بضم الراء وهو السعة ومنه الرحبة للفضاء الواسع وهو مفعول به لفعل واجب الإضمار و{بِهِمُ} بيان للمدعو عليهم، وتكون الباء للبيان كاللام في نحو سقيًا له، وكون اللام دون الباء كذلك دعوى من غير دليل أي ما أتوا بهم رحبًا وسعة، وقيل: الباء للتعدية فمجرورها مفعول ثان لأتوا وهو مبني على زعم أن اللام لا تكون للبيان، وكفى بكلام الزمخشري وأبي حيان دليلًا على خلافه، ويقال: مرحبًا بك على معنى رحبت بلادك رحبًا كما يقال على معنى أتيت رحبًا من البلاد لا ضيقًا؛ ويفهم من كلام بعضهم جواز أن يكون {مَرْحَبًا} مفعولًا مطلقًا لمحذوف أي لارحبت بهم الدار مرحبًا، والجمهور على الأول، وأيًا ما كان فالمراد بذلك مثبتًا الدعاء بالخير ومنفيًا الدعاء بالسوء. {إِنَّهُمْ صَالُو النار} تعليل من جهة الملائكة لاستحقاقهم الدعاء عليهم أو وصفهم بما ذكر أو تعليل من الرؤساء لذلك، والكلام عليه يتضمن الإشارة إلى عدم انتفاعهم بهم كأنه قيل: إنهم داخلون النار بأعمالهم مثلنا فأي نفع لنا فلا مرحبًا بهم.