فصل: تفسير الآية رقم (12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (12):

{وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)}
{وَأُمِرْتُ لاِنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين} أي وأمرت بذلك لأجل أن أكون مقدم المسلمين في الدنيا والآخرة لأن إحراز قصب السبق في الدين بالإخلاص فيه وإخلاصه عليه الصلاة والسلام أتم من إخلاص كل مخلص فالمراد بالأولية الأولية في الشرف والرتبة، والعطف لمغايرة الثاني الأول بتقييده بالعلة والإشعار بأن العبادة المذكورة كما تقتضي الأمر بها لذاتها تقتضيه لما يلزمها من السبق في الدين، وإلى حذف متعلق الأمر وكون اللام تعليلية ذهب البصريون في هذه الآية ونحوها؛ وذهب غيرهم إلى أنها زائدة، واستدل له بتركها في قوله تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} [النمل: 91] {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المؤمنين} [يونس: 104] {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} [الأنعام: 14] وكل ذلك محتمل لتقدير اللام فلا تغفل؛ ولا تزاد إلا مع أن لفظًا أو تقديرًا دون الاسم الصريح وذلك لأن الأصل في المفعول به أن يكون اسمًا صريحًا فكأنها زيدت عوضًا من ترك الأصل إلى ما يقول مقامه كما يعوض السين في اسطاع عوضًا من ترك الأصل الذي هو أطوع، وهذه الزيادة وإن كانت شاذة قياسًا إلا أنها لما كثرت استعمالًا جاز استعمالها في القرآن والكلام الفصيح، ومثل هذا يقال في زيادتها مع فعل الإرادة نحو أردت لأن أفعل. وجعل الزمخشري وجه زيادتها معه أنها لما كان فيها معنى الإرادة زيدت تأكيدًا لها وجعل وجهًا في زيادتها مع فعل الأمر أيضًا لاسيما والطلب والإرادة عندهم من باب واحد، وفي المعنى أوجه أن أكون أول من أسلم في زماني ومن قومي أي إسلامًا على وفق الأمر، وأن أكون أول الذين دعوتهم إلى الإسلام إسلامًا، وأن أكون أول من دعا نفسه إلى ما دعا إليه غيره لأكون مقتدى بي قولي وفعلي جميعًا ولا تكون صفتي صفة الملوك الذين يأمرون بما لا يفعلون، وأن أفعل ما أستحق به الأولية والشرف من أعمال السابقين دلالة على السبب وهي الأعمال التي يستحق بها الشرف بالمسبب وهو الأولية والشرف المذكور في النظم الجليل ذكر ذلك الزمخشري. وفي الكشف المختار من الأوجه الأربعة الوجه الثاني فإنه المكرر الشائع في القرآن الكريم وفيه سائر المعاني الأخر من موافقة القول الفعل ولزوم أولية الشرف من أولية التأسيس مع أنه ليس فيه أنه أمر بأن يكون أشرف وأسبق فافهم.

.تفسير الآية رقم (13):

{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)}
{قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ إِنَّهُ رَبّى} بترك الإخلاص والميل إلى ما أنتم عليه من الشرك، وجوز العموم أي أخاف إن عصيته بشيء من المعاصي {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} هو يوم القيامة، ووصفه بالعظمة لعظمة ما فيه من الدواهي والأهوال، وهو مجاز في الظرف أو الإسناد وهو أبلغ ولذا عدل عن توصيف العذاب بذاك والمقصود من قول ذلك لهم تهديدهم والتعريض لهم بأنه عليه الصلاة والسلام مع عظمته لو عصى الله تعالى ما أمن العذاب فكيف بهم.

.تفسير الآية رقم (14):

{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)}
{قُلِ الله أَعْبُدُ} لا غيره سبحانه لا استقلالًا ولا اشتراكًا {مُخْلِصًا لَّهُ دِينِى} حال من فاعل {أَعْبُدُ} فقيل مؤكدة لما أن تقديم المفعول قد أفاد الحصر وهو يدل على إخلاصه عن الشرك الظاهر والخفي، وقيل: مؤسسة وفسر إخلاص الدين له تعالى بعبادته سبحانه لذاته من غير طلب شيء كقول رابعة: سبحانك ما عبدتك خوفًا من عقابك ولا رجاء ثوابك أو يفسر بتجريده عن الشرك بقسميه وأن يكون معه ما يشينه من غير ذلك كما أشير إليه آنفًا؛ والفرق بين هذا وقوله سبحانه: {قُلْ إِنّى أُمِرْتُ} [الزمر: 11] إلخ أن ذاك أمر ببيان كونه عليه الصلاة والسلام مأمورًا بعبادته تعالى مخلصًا له الدين وهذا أمر بالإخبار بامتثاله بالأمر على أبلغ وجه وآكده إظهارًا لتصلته صلى الله عليه وسلم في الدين وحسمًا لأطماعهم الفارغة حيث أن كفار قريش دعوه صلى الله عليه وسلم إلى دينهم فنزلت لذلك وتمهيدًا لتهديدهم بقوله عز وجل:

.تفسير الآية رقم (15):

{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)}
{فاعبدوا مَا شِئْتُمْ} أن تعبدوه {مِن دُونِهِ} عز وجل، وفيه من الدلالة على شدة الغضب عليهم ما لا يخفى كأنهم لما لم ينتهوا عما نهوا عنه أمروا به كي يحل بهم العقاب {قُلْ إِنَّ الخاسرين} أي الكاملين في الخسران وهو إضاعة ما بهم وإتلاف ما لابد منه لجمعهم أعاظم أنواع الخسران {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ} باختيارهم الكفر لهما فالمراد بالأهل أتباعهم الذين أضلوهم أي أضاعوا أنفسهم وأضاعوا أهليهم وأتلفوهما {يَوْمُ القيامة} حين يدخلون النار حيث عرضوهما للعذاب السرمدي وأوقعوهما في هلكة ما وراءها هلكة؛ ولو أبقى يوم القيامة على ظاهره لأنه يتبين فيه أمرهم ويتحقق مبدأ خسرانهم صح على ما قيل، وقيل: المراد بالأهل الاتباع مطلقًا وخسرانهم إياهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروا هم كما خسروا أنفسهم وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابًا لا إياب بعده، وتعقب بأن المحذور ذهاب من لو آب لانتفع به الخاسر وذلك غير متصور في الشق الأخير، وقيل: المراد بالأهل ما أعده الله تعالى لمن يدخل الجنة من الخاصة أي وخسروا أهليهم الذين كانوا يكونون لهم في الجنة لو آمنوا، أخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد عن قتادة قال: ليس أحد إلا قد أعد الله تعالى له أهلًا في الجنة إن أطاعه، وأخرج نحوه عن مجاهد، وروي أيضًا عن ميمون بن مهران وكلهم ذكروا ذلك في الآية، وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال فيها أيضًا: خسروا أهليهم من أهل الجنة كانوا أعدوا لهم لو عملوا بطاعة الله تعالى فغبنوهم، وهو الذي يقتضيه كلام الحسن فقد روي عنه أنه فسر الأهل بالحور العين، ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك لا يخلو عن بعد.
وأيًا ما كان فليس المراد مجرد تعريف الكاملين في الخسران بما ذكر بل بيان أنهم المخاطبون بما تقدم إما بجعل الموصول عبارة عنهم أو بجعله عبارة عما هم مندرجون فيه اندراجًا أوليًا، وما في قوله تعالى: {أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخسران المبين} من استئناف الجملة، وتصديرها بحرف التنبيه والإشارة بذلك إلى بعد منزلة المشار إليه في الشر وأنه لعظمه نزلة المحسوس وتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخسران والإتيان به على فعلان الأبلغ من فعل ووصفه بالمبين من الدلالة على كمال هوله وفظاعته وأنه لا نوع من الخسر وراءه ما لا يخفى.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (16):

{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)}
{لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النار} إلى آخره نوع بيان لخسرانهم بعد تهويله بطريق الإبهام على أن {لَهُمْ} خبر لظلل و{مِنْ} فوقهم متعلق حذوف حال من ضميرها في الظرف المقدم لا منها نفسها لضعف الحال من المبتدأ، وجعلها فاعل الظرف حينئذٍ اتباع لنظر الأخفش وهو ضعيف، و{مِنَ النار} صفة لظلل.
والكلام جار مجرى التهكم بهم ولذا قيل لهم وعبر عما علاهم من النار بالظلل أي لهم كائنة من فوقهم ظلل كثيرة متراكمة بعضها فوق بعض كائنة من النار {وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} كائنة من النار أيضًا، والمراد أطباق كثيرة منها وتسميتها ظللًا من باب المشاكلة. وقيل هي ظلل لمن تحتهم في طبقة أخرى من طبقات النار ولا يطرد في أهل الطبقة الأخيرة من هؤلاء الخاسرين إلا أن يقال: إنها للشياطين ونحوهم مما لا ذكر لهم هنا، وقيل: إن ما تحتهم يلتهب ويتصاعد منه شيء حتى يكون ظلة فسمي ظلة باعتبار ما آل إليه أخيرًا وليس بذاك، والمراد أن النار محيطة بهم {ذلك} العذاب الفظيع {يُخَوّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} يذكره سبحانه لهم بآيات الوعيد ليخافوا فيجتنبوا ما يوقعهم فيه، وخص بعضهم العباد بالمؤمنين لأنهم المنفعون بالتخويف وعمم آخرون.
وكذا في قوله سبحانه: {قَلِيلًا وإياى فاتقون} ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي، ويختلف المراد بالأمر على الوجهين كما لا يخفى، وهذه عظة من الله جل جلاله وعم نواله منطوية على غاية اللطف والرحمة. وقرئ {فِى عِبَادِى} بالياء.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)}
{والذين اجتنبوا الطاغوت} إلخ قال ابن زيد: نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله. زيد بن عمرو بن نفيل، وسلمان، وأبي ذر. وقال ابن إسحاق: أشير بها إلى عبد الرحمن بن عوف. وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد. والزبير وذلك أنه لما أسلم أبو بكر سمعوا ذلك فجاءوه وقالوا: أسلمت قال نعم وذكرهم بالله تعالى فآمنوا بأجمعهم فنزلت فيهم وهي محكمة في الناس إلى يوم القيامة، والطاغوت فعلوت من الطغيان كما قالوا لا فاعول كما قيل بتقديم اللام على العين نحو صاعقة وصاقعة، ويدل على ذلك الاشتقاق وأن طوغ وطيغ مهملان.
وأصله طغيوت أو طغووت من الياء أو الواو لأن طغى يطغى ويطغو كلاهما ثابتان في العربية نقله الجوهري، ونقل أن الطغيان والطغوان عنى وكذا الراغب، وجمعه على الطواغيت يدل على أن الجمع بني على الواو، وقولهم: من الطغيان لا يريدون به خصوص الياء بل أرادوا المعنى وهو على ما في الصحاح الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال، وقال الراغب: هو عبارة عن كل متعد وكل معبود من دون الله تعالى وسمي به الساحر والكاهن والمارد من الجن والصارف عن الخير ويستعمل في الواحد والجمع.
وقال الزمخشري في هذه السورة: لا يطلق على غير الشيطان، وذكر أن فيه مبالغات من حيث البناء فإن صيغة فعلوت للمبالغة ولذا قالوا الرحموت الرحمة الواسعة، ومن حيث التسمية بالمصدر، ومن حيث القلب فإنه للاختصاص كما في الجاه، وقد أطلقه في النساء على كعب بن الأشرف وقال: سمي طاغوتًا لإفراطه في الطغيان وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على التشبيه بالشيطان فلعله أراد لا يطلق على غير الشيطان على الحقيقة، وكأنه جعل كعبًا على الأول من الوجهين من شياطين الإنس، وفي الكشف كأنه لما رآه مصدرًا في الأصل منقولًا إلى العين كثير الاستعمال في الشيطان حكم بأنه حقيقة فيه بعد النقل مجاز في الباقي لظهور العلاقة إما استعارة وإما نظر إلى تناسب المعنى، والذي يغلب على الظن أن الطاغوت في الأصل مصدر نقل إلى البالغ الغاية في الطغيان وتجاوز الحد، واستعماله في فرد من هذا المفهوم العام شيطانًا كان أو غيره يكون حقيقة ويكون مجازًا على ما قرروا في استعمال العام في فرد من أفراده كاستعمال الإنسان في زيد، وشيوعه في الشيطان ليس إلا لكونه رأس الطاغين، وفسره هنا بالشيطان مجاهد، ويجوز تفسيرها بالشياطين جمعًا على ما سمعت عن الراغب ويؤيده قراءة الحسن {اجتنبوا} {الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا} بدل اشتمال من الطاغوت وعبادة غير الله تعالى عبادة للشيطان إذ هو الآمر بها والمزين لها، وإذا فسر الطاغوت بالأصنام فالأمر ظاهر {وَأَنَابُواْ إِلَى الله} وأقبلوا إليه سبحانه معرضين عما سواه إقبالًا كليًا {لَهُمُ البشرى} بالثواب من الله تعالى على ألسنة الرسل عليهم السلام أو الملائكة عند حضور الموت وحين يحشرون وبعد ذلك.
{فَبَشّرْ عِبَادِ}.

.تفسير الآية رقم (18):

{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)}
{الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} مدح لهم بأنهم نقاد في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل فإذا اعترضهم أمران واجب وندب اختاروا الواجب وكذلك المباح والندب.
وقيل يستمعون أوامر الله تعالى فيتبعون أحسنها نحو القصاص والعفو والانتصار والإغضاء والإبداء والإخفاء لقوله تعالى: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237]. {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقراء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 271] والفرق بين الوجهين أن هذا أخص لأنه مخصوص بأوامر فيها تخيير بين راجح وأرجح كالعفو والقصاص مثلًا كأنه قيل يتبعون أحسن القولين الواردين في معين وفي الأول يتبعون الأحسن من القولين مطلقًا كالإيجاب بالنسبة إلى الندب مثلًا.
وعن الزجاج يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. وقيل يستمعون القول ممن كان فيتبعون أولاه بالقبول وأرشده إلى الحق ويلزم من وصفهم بذلك أنهم يميزون القبيح من الحسن ويجتنبون القبيح، وأريد بهؤلاء العباد الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم لئلا ينفك النظم فإن قوله تعالى: {فَبَشّرْ} مرتب على قوله سبحانه: {لَهُمُ البشرى} ووضع الظاهر موضع الضمير ليشرفهم تعالى بالإضافة إليه ولتكرير بيان الاستحقاق وليدل على أنهم نفادون حرصًا على إثار الطاعة ومزيد القرب عند الله تعالى وفيه تحقيق للإنابة وتتميم حسن، وقيل الوقف على {عِبَادِى} فيكون الذين مبتدأ خبره جملة قوله تعالى: {أولئك الذين عَبْدُ الله} أي لدينه، والكلام استئناف بإعادة صفة من استؤنف عنه الحديث؛ وما تقدم أرجح لما سلف من الفوائد من إقامة الظاهر مقام المضمر والتتميم فإن ذلك دون الوصف لا يتم، ولأن محرك السؤال المجاب بالجملة بعد قوله تعالى: {يَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أقوى وذلك الأصل في حسن الاستئناف {وَأُوْلَئِكَ هُمُ أُوْلُواْ الالباب} أي هم أصحاب العقول السليمة عن معارضة الوهم ومنازعة الهوى المستحقون للهداية لا غيرهم، وفي الآية دلالة على حط قدر التقليد المحض ولذا قيل:
شمر وكن في أمور الدين مجتهدا ** ولا تكن مثل عير قيد فانقاد

واستدل بها على أن الهداية تحصل بفعل الله تعالى وقبول النفس لها كما ذهب إليه الأشاعرة وقوله تعالى: