فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (24):

{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)}
{أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء العذاب يَوْمَ القيامة} استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من تباين حال المهتدي والضال، والكلام في الهمزة والفاء والخبر كالذي مر في نظائره، ويقال هنا على أحد القولين: التقدير أكل الناس سواء فمن شأنه أن يتقي بوجهه الذي هو أشرف أعضائه يوم القيامة العذاب السيء الشديد لكون يده التي بها كان يتقي المكاره مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه مكروه ولا حتاج إلى الاتقاء بوجه من الوجوه فالوجه على حقيقته وقد يحمل على ذلك من غير حاجة إلى حديث كون اليد مغلولة تصويرًا لكمال اتقائه وجده فيه وهو أبلغ، وفي هذا المضمار يجري قول الشاعر:
يلقى السيوف بوجهه وبنحره ** ويقيم هامته مقام المغفر

وجوز أن يكون الوجه عنى الجملة والمبالغة عليه دون المبالغة فيما قبله. وقيل: الاتقاء بالوجه كناية عن عدم ما يتقي به إذ الاتقاء بالوجه لا وجه له لأنه مما لا يتقي به، ولا يخلو عن خدش، وإضافة سوء إلى العذاب من إضافة الصفة إلى الموصوف و{يَوْمُ القيامة} معمول يتقي كما أشرنا إلى ذلك. وجوز أن يكون من تتمة سوء العذاب، والمعنى أفمن يتقي عذاب يوم القيامة كالمصر على كفره، وهو وجه حسن والوجه حينئذ كما في الوجه السابق إما الجملة مبالغة في تقواه وإما على الحقيقة تصويرًا لكمال تقواه وجده فيها وهو أبلغ. والمتبادر إلى الذهن المعنى السابق، والآية قيل نزلت في أبي جهل {وَقِيلَ لِلظَّلِمِينَ} عطف على يتقي أي ويقال لهم من جهة خزنة النار، وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق والتفرر؛ وقيل الواو للحال والجملة حال من ضمير {يَتَّقِى} بإضمار قد أو بدونه، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والإشعار بعلة الأمر في قوله تعالى: {ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} أي وبال ما كنتم تكسبون في الدنيا على الدوام من الكفر والمعاصي.

.تفسير الآية رقم (25):

{كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)}
{كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} استئناف مسوق لبيان ما أصاب بعض الكفرة من العذاب الدنيوي إثر بيان ما يصيب الكل من العذاب الأخروي أي كذب الذين من قبلهم من الأمم السالفة {فأتاهم العذاب} المقدر لكل أمة منهم {مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} من الجهة التي لا يحتسبون ولا يخطر ببالهم إتيانه منها لأن ذلك أشد على النفس.

.تفسير الآية رقم (26):

{فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26)}
{فَأَذَاقَهُمُ الله الخزى} أي الذل والصغار {وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم} كالمسخ والخسف والقتل والسبي والإجلاء وغير ذلك من فنون النكال، والفاء تفسيرية مثلها في قوله تعالى: {فاستجبنا لَهُ فنجيناه} [الأنبياء: 76] {وَلَعَذَابُ الاخرة} المعد لهم {أَكْبَرَ} لشدته وسرمديته {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} أي لو كانوا من شأنهم أن يعلموا شيئًا لعلموا ذلك واعتبروا به.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)}
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرءان} العظيم الشأن {مِن كُلّ مَثَلٍ} يحتاج إليه الناظر في أمور دينه {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي كي يتذكروا ويتعظوا أو مرجوا تذكرهم واتعاظهم، والرجاء بالنسبة إلى غيره تعالى والتعليل أظهر.

.تفسير الآية رقم (28):

{قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)}
{قُرْءانًا عَرَبِيًّا} حال من هذا والاعتماد فيها على السفة أعني عربيًا وإلا فقرآنًا جامدًا لا يصلح للحالية وهو أيضًا عين ذي الحال فلا يظهر حاله فالحال في الحقيقة {عَرَبِيًّا} وقررنًا للتمهيد ونظيره جاء زيد رجلًا صالحًا، قيل وذلك نزلة عربيًا محققًا.
وجوز أن يكون منصوبًا قدر تقديره أعني أو أخص أو أمدح ونحوه، وأن يكون مفعول {يَتَذَكَّرُونَ} وهو كما ترى {غَيْرَ ذِى عِوَجٍ} لا اختلال فيه بوجه من الوجوه وهو أبلغ من مستقيم لأن عوجًا نكرة وقعت في سياق النفي لما في غير من معناه، والاستقامة يجوز أن تكون من وجه دون وجه ونفي مصاحبة العوج عنه يقتضي نفي اتصافه به بالطريق الأولى فهو أبلغ من غير معوج، والعوج بالكسر يقال فيما يدرك بفكر وبصيرة والعوج بالفتح يقال فيما يدرك بالحس، وعبر بالأول ليدل على أنه بلغ إلى حد لا يدرك العقل فيه عوجًا فضلًا عن الحسن، وتمام الكلام مر في الكهف. وقيل المراد بالعوج الشك واللبس، وروى ذلك عن مجاهد وأنشدوا قول الشاعر:
وقد أتاك يقين غير ذي عوج ** من الإله وقول غير مكذوب

ولا استدلال به على أن العوج عنى الشك لأن عوج اليقين هو الشك لا محالة، والقول في وجه الاستدلال أن الشاعر فهم هذا المعنى من الآية لأنه اقتباس وإذا فهمه الفصيح مع صحة التجوز كان محملًا تعسف ظاهر لأنه لم يتبين أنه اقتبسه منها ولو سلم يكون محتملًا لما يحتمله العوج في النظم الذي لا عوج فيه، وقد يقال: مراد من قال أي لا لبس فيه ولا شك نفي بعض أنواع الاختلال، وعلى ذلك ما روى عن عثمان بن عفان من أنه قال: أي غير مضطرب ولا متناقض وما قيل أي غير ذي لحن. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: غير ذي عوج غير مخلوق ولعله إن صح الخبر تفسير باللازم فتأمل.
{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} علة أخرى مترتبة على الأولى.

.تفسير الآية رقم (29):

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)}
{ضَرَبَ الله مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون} إيراد لمثل من الأمثال القرآنية بعد بيان أن الحكمة في ضربها هو التذكر والاتعاظ بها وتحصيل التقوى، والمراد بضرب المثل هاهنا تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها وجعلها مثلها، و{مَثَلًا} مفعول ثان لضرب و{رَجُلًا} مفعوله الأول أخر عن الثاني للتشويق إليه وليتصل به ما هو من تتمته التي هي العمدة في التمثيل أو {مَثَلًا} مفعول ضرب و{رَجُلًا} إلخ بدل منه بدل منه بدل كل من كل.
وقال الكسائي: انتصب {رَجُلًا} على إسقاط الخافض أي مثل في رجل وقيل غير ذلك وقد تقدم الكلام في نظيره. و{فِيهِ} خبر مقدم و{شُرَكَاء} مبتدأ و{متشاكسون} صفته والنكرة وإن وصفت يحسن تقديم خبرها. والجملة صفة {رَجُلًا} والرابط الهاء أو الجار والمجرور في موضع الصفة له و{شُرَكَاء} مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على الموصوف، وقيل {فِيهِ} صلة شركاء وهو مبتدأ خبره متشاكسون، وفيه أنه ليس لتقديمه نكتة ظاهرة.
والمعنى ضرب الله تعالى مثلًا للمشرك حسا يقول إليه مذهبه من ادعاء كل من معبوديه عبوديته عبدًا يتشارك فيه جماعة متشاجرون لشكاسة أخلاقهم وسوء طبائعهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المتباينة في تحيره وتوزع قلبه {وَرَجُلًا} أي وضرب للموحد مثلًا رجلًا {سلاما} أي خالصًا {لِرَجُلٍ} فرد ليس لغيره سبيل إليه أصلًا فهو في راحة عن التحير وتوزع القلب وضرب الرجل مثلًا لأنه أفطن لما شقى به أو سعد فإن الصبي والمرأة قد يغفلان عن ذلك.
وقرأ عبد الله. وابن عباس. وعكرمة. ومجاهد. وقتادة. الزهري. والحسن بخلاف عنه. والجحدري. وابن كثير. وأبو عمرو {سالمًا} اسم فاعل من سلم أي خالصًا له من الشركة. وقرأ ابن جبير {قِيلًا سلاما} بكسر السين وسكون اللام، وقرئ {سلاما} بفتح فسكون وهما مصدران وصف بهما مبالغة في الخلوص من الشركة.
وقرئ {ورجل سالم} برفعهما أي وهناك رجل سالم، وجوز أن لا يقدر شيء ويكون رجل مبتدأ وسالم خبره لأنه موضع تفصيل إذ قد تقدم ما يدل عليه فيكون كقول امرئ القيس:
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له ** بشق وشق عندنا لم يحول

وقوله تعالى: {والبصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} إنكار واستبعاد لاستوائهما ونفي له على أبلغ وجه وآكده وإيذان بأن ذلك من الجلاء والظهور بحيث لا يقدر أحد أن يتفوه باستوائهما أو يتلعثم في الحكم بتباينهما ضرورة أن أحدهما في لوم وعناء والآخر في راحة بال ورضاء، وقيل ضرورة أن أحدهما في أعلى عليين والآخر في أسفل سافلين، وأيًا ما كان فالسر في إبهام الفاضل والمفضول الإشارة إلى كمال الظهور عند من له أدنى شعور.
وانتصاب {مَثَلًا} على التمييز المحول عن الفاعل إذ التقدير هل يستوي مثلهما وحالهما، والاقتصار في التمييز على الواحد لبيان الجنس والاقتصار عليه أولًا في قوله تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلًا} وقرئ {مثلين} أي هل يستوي مثلاهما وحالاهما، وثني مع أن المقصود من التمييز حاصل بالإفراد من غير لبس لقصد الإشعار عنى زائد وهو اختلاف النوع، وجوز أن يكون ضمير يستويان للمثلين لأن التقدير فيما سبق مثل رجل ومثل رجل أي هل يستوي المثلان مثلين وهو على نحو كفى بهما رجلين وهو من باب لله تعالى دره فارسًا ويرجع ذلك إلى هل يستويان رجلين فيما ضرب من المثال ولما كان المثل عنى الصفة العجيبة التي هي كالمثل كان المعنى هل يستويان فيما يرجع إلى الوصفية، وقوله تعالى: {وَقَالُواْ الحمد للَّهِ} تقرير لما قبله من نفي الاستواء بطريق الاعتراض وتنبيه للموحدين على أن مالهم من المزية بتوفيق الله تعالى وأنها نعمة جليلة تقتضي الدوام على حمده تعالى وعبادته أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل أن لهم المثل الأعلى وللمشركين مثل السوء صنع جميل ولطف تام منه عز وجل مستوجب لحمده تعالى وعبادته، وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور إلى بيان أن أكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره أو ليسوا من ذوي العلم فلا يعلمون ذلك فيبقون في ورطة الشرك والضلال، وقيل المراد أنهم لا يعلمون أن الكل منه تعالى وأن المحامد إنما هي له عز وجل فيشركون به غيره سبحانه فالكلام من تتمة {الحمد للَّهِ} ولا اعتراض، ولا يخفى أن بناء الكلام على الاعتراض كما سمعت أولى وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (30):

{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)}
{إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} تمهيد لما يعقبه من الاختصام يوم القيامة. وفي البحر أنه لما لم يلتفتوا إلى الحق ولم ينتفعوا بضرب المثل أخبر سبحانه بأن مصير الجميع بالموت إلى الله تعالى وأنهم يختصمون يوم القيامة بين يديه وهو عز وجل الحكم العدل فيتميز هناك المحق والمبطل.
وقال بعض الأجلة: إنه لما ذكرت من أول السورة إلى هنا البراهين القاطعة لعرق الشركة المسجلة لفرط جهل المشركين وعدم رجوعهم مع جهده صلى الله عليه وسلم في ردهم إلى الحق وحرصه على هدايتهم اتجه السؤال منه عليه الصلاة والسلام بعد ما قاساه منهم بأن يقول ما حالي وحالهم؟ فأجيب بأنك ميت وإنهم ميتون الآية.
وقرأ ابن الزبير. وابن أبي إسحاق. وابن محيصن. وعيسى. واليماني. وابن أبي غوث. وابن أبي عبلة {إِنَّكَ} والفرق بين ميت ومائت أن الأول: صفة مشبهة وهي تدل على الثبوت ففيها إشعار بأن حياتهم عين الموت وأن الموت طوق في العنق لازم والثاني: اسم فاعل وهو يدل على الحدوث فلا يفيد هنا مع القرينة أكثر من أنهم سيحدث لهم الموت، وضمير الخطاب على ما سمعت للرسول صلى الله عليه وسلم قال أبو حيان: ويدخل معه عليه الصلاة والسلام مؤمنو أمته، وضمير الجمع الغائب للكفار وتأكيد الجملة في {أَنَّهُمْ مَّيّتُونَ} للإشعار بأنهم في غفلة عظيمة كأنهم ينكرون الموت وتأكيد الأولى دفعًا لاستبعاد موته عليه الصلاة والسلام، وقيل للمشاكلة، وقيل إن الموت مما تكرهه النفوس وتكره سماع خبره طبعًا فكان مظنة أن لا يلتفت إلى الإخبار به أو أن ينكر وقوعه ولو مكابرة فأكد الحكم بوقوعه لذلك ولا يضر في ذلك عدم الكراهة في بعض لخصوصية فيه كسيد العالمين صلى الله عليه وسلم.