فصل: تفسير الآية رقم (37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (37):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)}
{وَمِنْ ءاياته} الدالة على شؤنه الجليلة جل شأنه: {وَسَخَّر لَكُمُ} في حدوثهما وتعاقبهما وإيلاج كل منهما في الآخر {والشمس والقمر} في استنارتهما واختلافهما في قوة النور والعظم والآثار والحركات مثلًا، وقدم ذكر الليل قيل: تنبيهًا على تقدمه مع كون الظلمة عدمًا، وناسب ذكر الشمس بعد النهار لأنها آيته وسبب تنويره ولأنها أصل لنور القمر بناء على ما قالوا من أنه مستفاد من ضياء الشمس، وأما ضياؤها فالمشهور أنه غير طارئ عليها من جرم آخر، وقيل: هو من العرش، والفلاسفة اليوم يظنون أنه من جرم آخر وادعوا أنهم يرون في طرف من جرم الشمس ظلمة قليلة {لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ} لأنها من جملة مخلوقاته سبحانه وتعالى المسخرة على وفق إرادته تعالى مثلكم {واسجدوا لِلَّهِ الذي خَلَقَهُنَّ} الضمير قيل للأربعة المذكورة والمقصود تعليق الفعل بالشمس والقمر لكن نظم معهما الليل والنهار إشعارًا بأنهما منم عداد ما لا يعلم ولا يختار ضرورة أن الليل والنهار كذلك ولو ثنى الضمير لم يكن فيه أشعار بذلك.
وحكم جماعة ما لا يعقل على ما قال الزمخشري حكم الأنثى فيقال: الأقلام بريتها وبريتهن فلا يتوهم أن الضمير لما كان لليل والنهار والشمس والقمر كان المناسب تغليب الذكور، والجواب بأنه لما كن من الآيات عدت كالأناث تكلف عنه غني بالقاعدة المذكورة. نعم قال أبوحيان: ينبغي أن يفرق بين جمع القلة من ذلك وجمع الكثرة فإن الأفصح في الأول أن يكون بضمير الواحدة تقول الأجذاع انكسرت على الأفصح والأفصح في الثاني أن يكون بضمير الأناث تقول الجذوع انكسرن وما في الآية ليس بجمع قلة بلفظ واحد لكنه منزل منزلة المعبر عنه به، وقيل: الضمير للشمس والقمر والأثنان جمع وجمع ما لا يعقل يؤنث، ومن حيث يقال شموس وأقمار لاختلافهما بالأيام والليالي ساغ أن يعود الضمير إليهما جمعًا، وقيل: الضمير للآيات المتقدم ذكرها في قوله تعالى: {وَمِنْ ءاياته} {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} فإن السجود أقصى مراتب العبادة فلابد من تخصيصه به عز وجل، وكان علي كرم الله تعالى وجهه. وابن مسعود يسجدان عند {تَعْبُدُونَ} ونسب القول بأنه موضع السجدة للشافعي، وسجد عند {لاَ يَسْئَمُونَ} ابن عباس. وابن عمر. وأبو وائل. وبكر بن عبد الله، وكذلك روى عن ابن وهب. ومسروق. والسلمي. والنخعي. وأبي صالح. وابن وثاب. والحسن. وابن سيرين. وأبي حنيفة رضي الله تعالى عنهم، ونقله في التحرير عن الشافعي رضي الله تعالى عنه. وفي الكشف أصح الوجهين عند أصحابنا يعني الشافعية أن موضع السجدة {لاَ يَسْئَمُونَ} كما هو مذهب الإمام أبي حنيفة، ووجهه أنها تمام المعنى على أسلوب اسجد فإن الاستكبار عنه مذموم، وعلله بعضهم بالاحتياط لأنها إن كانت عند {تَعْبُدُونَ} جاز التأخير لقصر الفصل، وإن كانت عند {يَسْئَمُونَ} لم يجز تعجيلها.

.تفسير الآية رقم (38):

{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)}
{فَإِنِ استكبروا} تعاظموا عن اجتناب ما نهوا عنه من السجود لتلك المخلوقات وامتثال ما أمروا به من السجود لخالقهن فلا يعبأ بهم أو فلا يخل ذلك بعظمة ربك {فالذين عِندَ رَبّكَ} أي في حضرة قدسه عز وجل من الملائكة عليهم السلام الذين هم خير منهم {يُسَبّحُونَ لَهُ بالليل والنهار} أي دائمًا وإن لم يكن عندهم ليل ونهار {وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ} لا يملكون ذلك، وجواب الشرط في الحقيقة ما أشرنا إليه أو نحوه وما ذكر قائم مقامه، ويجوز أن يكون الكلام على معنى الاخبار كما قيل في نحو إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس إنه على معنى فأخبرك إني قد أكرمتك أمس.
وقرئ {لاَ يَسْئَمُونَ} بكسر الياء، والظاهر أن الآية في أناس من الكفرة كانوا يسجدون للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله تعالى فنهوا عن هذه الواسطة وأمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله تعالى خالصًا. واستدل الشيخ أبو إسحق في المهذب بالآية على صلاتي الكسوف والخسوف قال: لأنه لا صلاة تتعلق بالشمس والقمر غيرهما وأخذ من ذلك تفضيلهما على صلاة الاستسقاء لكونهما في القرآن بخلافها.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)}
{وَمِنْ ءاياته أَنَّكَ تَرَى} يا من تصح منه الرؤية {الأرض خاشعة} يابسة متطامنة مستعار من الخشوع عنى التذلل {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء} أي المطر {اهتزت وَرَبَتْ} أي تحركت بالنبات وانتفخت لأن النبت إذا دنا أن يظهر ارتفعت له الأرض وانتفخت ثم تصدعت عن النبات، ويجوز أن يكون في الكلام استعارة تمثيلية شبه حال جدوبة الأرض وخلوها عن النبات ثم إحياء الله تعالى إياها بالمطر وانقلابها من الجدوبة إلى الخصب وإنبات كل زوج بهيج بحال شخص كئيب كاسف البال رث الهيئة لا يؤبه به ثم إذا أصابه شيء من متاع الدنيا وزينتها تكلف بأنواع الزينة والزخارف فيختال في مشيه زهوًا فيهتز بالإعطاف خيلاء وكبرًا فحذف المشبه واستعمل الخشوع والاهتزاز دلالة على مكانه ورجح اعتبار التمثيل. وقرئ {ربأت} أي زادت، وقال الزجاج: معنى ربت عظمت وربأت بالهمز ارتفعت ومنه الربيئة وهي طليعة على الموضع المرتفع {وَرَبَتْ إِنَّ الذي أحياها} بما ذكر بعد موتها {يُحْيِىَ الموتى} بالبعث {أَنَّهُ على كُلّ شَيْء} من الأشياء التي من جملتها الإحياء {قَدِيرٌ} مبالغة في القدرة.

.تفسير الآية رقم (40):

{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)}
{إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ فِي ءاياتنا} ينحرفون في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة فيحملونها على المحامل الباطلة، وهو مراد ابن عباس بقوله: يضعون الكلام في غير موضعه، وأصله من ألحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق ويقال لحد. وقرئ {يُلْحِدُونَ} باللغتين، وقال قتادة: هنا الإلحاد التكذيب، وق لمجاهد: المكاء والصفير واللغو فالمعنى يميلون عما ينبغي ويليق في شأن آياتنا فيكذبون القرآن أو فيلغون ويصفرون عند قراته، وجوز أن يراد بالآيات ما يشمل جميع الكتب المنزلة وبالإلحاد ما يشمل تغيير اللفظ وتبديله لكن ذلك بالنسبة إلى غير القرآن لأنه لم يقع فيه كما وقع في غيره من الكتب على ما هو الشائع.
وعن أبي مالك تفسير الآيات بالأدلة فالإلحاد في شأنها الطعن في دلالتها والإعراض عنها، وهذا أوفق بقوله تعالى: {وَمِنْ ءاياته اليل والنهار والشمس والقمر} [فصلت: 37] {وَمِنْ ءاياته أَنَّكَ تَرَى الأرض خاشعة} [فصلت: 39] إلخ، وما تقدم أوفق بقوله سبحانه: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ} [فصلت: 26] وا بعد، والآية على تفسير مجاهد أوفق وأوفق.
والمراد بقوله تعالى: {لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} مجازاتهم على الإلحاد فالآية وعيد لهم وتهديد، وقوله تعالى: {أَفَمَن يلقى فِي النار خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى ءامِنًا يَوْمَ القيامة} تنبيه على كيفية الجزاء، وكان الظاهر أن يقابل الإلقاء في النار بدخول الجنة لكنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل اعتناء بشأن المؤمنين لأن الأمن من العذاب أعم وأهم ولذا عبر في الأول بالإلقاء الدال على القسر والقهر وفيه بالإتيان الدال على أنه بالاختيار والرضا مع الامن ودخول الجنة لا ينفي أن يبدل حالهم من بعد خوفهم أمنًا، وجوز أن تكون الآية من الاحتبارك بتقدير من يأتي خائفًا ويلقى في النار ومن يأتي آمنًا ويدخل الجنة فحذف من الأول مقابل الثاني ومن الثاني مقابل الأول وفيه بعد. والآية كما قال ابن بحر عامة في كل كافر ومؤمن.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {أَفَمَن يلقى فِي النار} أبو جهل {مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ ا} أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وأخرج عبد الرزاق. وغيره عن بشير بن تميم من يلقى في النار أبو جهل ومن يأتي آمنا عمار. والآية نزلت فيهما، وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل وعثمان بن عفان، وقيل: فيه وفي عمر، وقيل: فيه وفي حمزة، وقال الكلبي: فيه وفي الرسول صلى الله عليه وسلم {اعملوا مَا شِئْتُمْ} تهديد شديد للكفرة الملحدين الذين يلقون في النار وليس المقصود حقيقة الأمر {إِنَّهُ بما تَعْلَمُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكم بحسب أعمالكم.

.تفسير الآية رقم (41):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)}
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر} وهو القرآن {لَمَّا جَاءهُمْ} من غير أن يمضي عليهم زمان يتأملون فيه ويتفكرون {وَإِنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ} لا يوجد نظيره أو منيع لا تتأتى معارضته، وأصل العز حالة مانعة للإنسان عن أن يغلب، وإطلاقه على عدم النظير مجاز مشهور وكذا كونه منيعًا، وقيل: غالب للكتب لنسخه إياها. وعن ابن عباس أي كريم على الله تعالى؛ والجملة حالية مفيدة لغاية شناعة الكفر به، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (42):

{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)}
{لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} صفة أخرى لكتاب، وما بين يديه وما خلفه كناية عن جميع الجهات كالصباح والمساء كناية عن الزمان كله أي لا يتطرق إليه الباطل من جميع جهاته، وفيه تمثيل لتشبيهه بشخص حمى من جميع جهاته فلا يمكن أعداءه الوصول إليه لأنه في حصن حصين من حماية الحق المبين، وجوز أن يكون المعنى لا يأتيه الباطل من جهة ما أخبر به من الأخبار الماضية والأمور الآتية.
وقيل: الباطل عنى المبطل كوارس عنى مورس أو هو مصدر كالعافية عنى مبطل أيضًا؛ وقوله تعالى: {تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} أي محمود على ما أسدي من النعم التي منها تنزيل الكتاب، وحمده سبحانه: بلسان الحال متحقق من كل منعم عليه وبلسان القال متحقق ممن وفق لذلك خبر مبتدأ محذوف أو صفة أخرى لكتاب مفيدة لفخامته الإضافية كما أن الصفتين السابقتين مفيدتان لفخامته الذاتية.
وقوله تعالى: {لاَّ يَأْتِيهِ} إلخ اعتراض عند من لا يجوز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح كل ذلك لتأكيد بطلان الكفر بالقرآن، واختلفوا في خبر {ءانٍ} أمذكور هو أو محذوف فقيل: مذكور وهو قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44] وهو قول أبي عمرو بن العلاء في حكاية جرت بينه وبين بلال بن أبي بردة سئل بلال في مجلسه عن هذا فقال: لم أجد لها نفاذًا فقال له أبو عمرو: إنه منك لقريب {أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} وذهب إليه الحوفي وهو في مكان بعيد، وذهب أبو حيان إلى أنه قوله تعالى: {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل} بحذف العائد أي الكافرون وحاله أنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل منهم أي متى راموا أبطالًا له لم يصلوا إليه أو يجعل أل في الباطل عوضًا من الضمير به على قول الكوفيين أي لا يأتيه باطلهم أو قوله سبحانه: {مَّا يُقَالُ لَكَ} [فصلت: 43] إلخ والعائد أيضًا محذوف أي ما يقال لك في شأنهم أو فيهم إلا ما قد قيل للرسل من قبلك أي أوحى إليك في شأن هؤلاء المكذبين لك ولما جئت به مثل ما أوحي إلى من قبلك من الرسل وهو أنهم عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك وفي الآخرة بالعذاب الدائم ثم قال: وغاية ما في هذين التوجيهين حذف الضمير العائد وهو موجود نحو السمن منوان بدرهم والبركر بدرهم أي منه.
ونقل عن بعض نحاة الكوفة أن الخبر في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ} [فصلت: 41] وتعقبه بأنه لا يتعقل، وقيل: هو محذوف وخبر {ءانٍ} يحذف لفهم المعنى، وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن ذلك فقال عمرو: معناه في التفسير أن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به وأنه لكتاب عزيز فقال عيسى: أجدت يا أبا عثمان.
وقال قوم: تقديره معاندون أو هالكون، وقال الكسائي؛ قد سد مسده ما تقدم من الكلام قبل وهو قوله تعالى: {أَفَمَن يلقى} [فصلت: 40] وكأنه يريد أنه محذوف دل عليه ما قبله فيمكن أن يقدر يخلدون في النار، ويقدر الخبر على ما استحسنه ابن عطية بعد {حَمِيدٌ} وفي الكشاف أن قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر} [فصلت: 41] بدل من قوله تعالى: {إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ فِي ءاياتنا} [فصلت: 40] قال في البحر: ولم يتعرض بصريح الكلام إلى خبر {ءانٍ} أمذكور هو أو محذوف لكنه قد يدعى أنه أشار إلى ذلك فإن المحكوم به على المبدل منه هو المحكوم به على البدل فيكون التقديران الذين يلحدون في آياتنا أن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم لا يخفون علينا. وفي الكشف فائدة هذا الإبدال التنبيه على أنه ما يحملهم على الإلحاد إلا مجرد الكفر، وفيه إمداد التحذير من وجوه ما ذكر من التنبيه؛ ووضع الذكر موضع الضمير الراجع إلى الآيات زيادة تحسير لهم، وما في {لَّمًّا} من معنى مفاجأتهم بالكفر أول ما جاء، وما فيه من التعظيم لشأن الآيات والتمهيد للحديث عن كمال الكتاب الدال على سوء مغبة الملحد فيه، ثم الأشبه أن يحمل كلام الكشاف على أن الخبر محذوف لدلالة السابق عليه ولزيادة التهويل لذهاب الوهم كل مذهب وتكون الجملة بدلًا عن الجملة لأن البدل بتكرير العالم إنما جوز في المجرور لشدة الاتصال انتهى فتأمل والله تعالى الموفق.