فصل: تفسير الآية رقم (43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (43):

{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)}
{مَّا يُقَالُ لَكَ} إلى آخره تسلية له صلى الله عليه وسلم عما يصيبه من أذية الكفار من طعنهم في كتابه وغير ذلك فالقائل الكفار أي ما يقول كفار قومك في شأنك وشأن ما أنزل إليك من القرآن {إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ} أي مثل ما قد قال الكفرة السابقون {لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} من الكلام المؤذي المتضمن للطعن فيما أنزل إليهم، وهذا نظير قوله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ ساحر أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: 52]
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} قيل: تعليل لما يستفاد من السياق من الأمر بالصبر كأنه قيل: ما يقال لك إلا نحو ما قيل لأمثالك من الرسل فاصبر كما صبروا إن ربك لذو مغفرة عظيمة لأوليائه وذو عقاب أليم لأعدائهم فينصر أولياءه وينتقم من أعدائهم، أو جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ثم ماذا؟ فقيل: إن ربك لذو مغفرة لأوليائه وذو عقاب أليم لأعدائهم وقد نصر لذلك من قبلك من الرسل عليهم السلام وانتقم من أعدائهم وسيفعل ذلك بك وبأعدائك أيضًا، وجوز أن يكون القائل هو الله تعالى والمعنى على ما سمعت عن أبي حيان وقد جعل هذه الجملة خبر {ءانٍ} أي ما يوحي الله تعالى إليك في شأن الكفار المؤذين لك إلا مثل ما أوحى للرسل من قبلك في شأن الكفار المؤذين لهم من أن عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك وفي الآخرة بالعذاب الأليم فاصبر إن ربك إلخ، وقد يجعل {إِنَّ رَبَّكَ} إلخ باعتبار مضمونه تفسيرًا للمقول فحاصل المعنى ما أوحى إليك وإلى الرسل إلا وعد المؤمنين بالمغفرة والكافرين بالعقوبة دون العكس الذي يزعمه الكفرة بلسان حالهم فاصبر فسينجز الله تعالى وعده، وقيل: المقول هو الشرائع أي ما يوحي إليك إلا مثل ما أوحي إلى الرسل من الشرائع دون أمور الدنيا وقد جرت عادة الكفار بتكذيب ذلك فما عليك إذا كذب كفار قومك واصبر على ذلك، وجعل {إِنَّ رَبَّكَ} إلخ تعليلًا لما يستفاد من السياق أيضًا، وجعله بعضهم تفسيرًا لذلك المقول أعني الشرائع لأنها الأوامر والنواهي الإلهية وهي مجملة فيه، وفيه من البعد ما فيه، وإلى نحو ما ذكرناه أولًا ذهب قتادة.
أخرح ابن أبي حاتم عنه أنه قال في الآية: {مَّا يُقَالُ لَكَ} من التكذيب {إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} فكما كذبوا كذبت وكما صبروا على أذى قومهم لهم فاصبر على أذى قومك لك، واختيار {أَلِيمٌ} على شديد مع أنه أنسب بالفواصل للإيماء إلى أن نظم القرآن ليس كالأسجاع والخطب وأن حسنه ذاتي والنظر فيه إلى المعاني دون الألفاظ، ويحسن وصف العقاب به هنا كون العقاب جزاء التكذيب المؤلم.

.تفسير الآية رقم (44):

{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)}
{وَلَوْ جعلناه قُرْءانًا أعْجَمِيًّا} جواب لقولهم: هلا أنزل القرآن بلغة العجم، والضمير للذكر {لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصّلَتْ ءاياته} أي بينت لنا وأوضحت بلسان نفقهه، وقوله تعالى: {ءاعْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ} بهمزتين الأولى للاستفهام والثانية همزة أعجمي والجمهور يقرؤون بهمزة استفهام بعدها مدة هي همزة أعجمي إنكار مقرر للتحضيض أي أكلام أعجمي ورسول أو مرسل إليه عربي، وحاصله أنه لو نزل كما يريدون لأنكروا أيضًا وقالوا مالك وللعجمة أو مالنا وللعجمة، والأعجمي أصله أعجم بلا ياء ومعناه من لا يفهم كلامه للكنته أو لغرابة لغته وزيدت الياء للمبالغة كما في أحمري ودواري وأطلق على كلامه مجازًا لكنه اشتهر حتى التحق بالحقيقة، وزعم صاحب اللوامح أن الياء فيه نزلة ياء كرسي وهو وهم، وقيل: {عَرَبِىٌّ} على احتمال أن يكون المراد ومرسل إليه عربي مع أن المرسل إليهم جمع فحقه أن يقال: عربية أو عربيون لأن المراد بيان التنافي والتنافر بين الكلام وبين المخاطب به لا بيان كون المخاطب به واحدًا أو جمعًا، ومن حق البليغ أن يجرد الكلام للدلالة على ما ساقه له ولا يأتي بزائد عليه إلا ما يشد من عضده فإذا رأى لباسًا طويلًا على امرأة قصيرة قال: اللباس طويل واللابس قصير دون واللابسة قصيرة لأن الكلام لم يقع في ذكورة اللابس وأنوثته فلو قال لخيل إن لذلك مدخلًا فيما سيق له الكلام، وهذا أصل من الأصول يجب أن يكون على ذكر، ويبنى عليه الحذف والإثبات والتقييد والإطلاق إلى غير ذلك في كلام الله تعالى وكل كلام بليغ. وقرأ عمرو بن ميمون {أَعْجَمِىٌّ} بهمزة استفهام بفتح العين أي أكلام منسوب إلى العجم وهم من عدا العرب وقد يخص بأهل فارس ولغتهم العجمية أيضًا فبين الأعجمي والعجمي عموم وخصوص من وجه، والظاهر أن المراد بالعربي مقابل الأعجمي في القراءة المشهورة ومقابله العجمي في القراءة الأخرى.
وقرأ الحسن. وأبو الأسود. والجحدري. وسلام. والضحاك. وابن عباس. وابن عامر بخلاف عنهما {أَعْجَمِىٌّ} بلا استفهام وبسكون العين على أن الكلام إخبار بأن القرآن أعجمي والمتكلم به أو المخاطب عربي.
وجوز أن يكون المراد هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجميًا لإفهام العجم وبعضها عربيًا لإفهام العرب وروي هذا عن ابن جبير فالكلام بتقدير مبتدأ هو بعض أي بعضها أعجمي وبعضها عربي، والمقصود به من الجملة الشرطية إبطال مقترحهم وهو كونه بلغة العجم باستلزامه المحذور وهو فوات الغرض منه إذ لا معنى لإنزاله أعجميًا على من لا يفهمه أو الدلالة على أنهم لا ينفكون عن التعنت فإذا وجدت الأعجمية طلبوا أمرًا آخر وهكذا.
{قُلْ} ردًا عليهم {هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى} يهدي إلى الحق {وَشِفَاء} لما في الصدور من شك وشبهة {والذين لاَ يُؤْمِنُونَ} مبتدأ خبره {فِى ءاذَانِهِمْ} على أن {يَرْجِعُونَ أَوْ كَصَيّبٍ} و{وَقْرٌ} فاعل الظرف، أي مستقر في آذانهم وقر أي صمم منه فلا يسمعونه، وقيل: خبر الموصول {فِى ءاذَانِهِمْ} و{وَقْرٌ} فاعل الظرف، وقيل: {وَقْرٌ} خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أي القرآن و{أَوْ كَصَيّبٍ} متعلق حذوف وقع حالًا من {وَقْرٌ}.
ورجح بأنه أوفق بقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} ومن جوز العطف على معمولي عاملين عطف الموصول على الموصول الأول و{وَقْرٌ} على {هُدًى} على معنى هو للذين آمنوا هدى وللذين لا يؤمنون وقر، وقوله تعالى: {فِى ءاذَانِهِمْ} ذكر بيانًا لمحل الوقر أو حال من الضمير في الظرف الراجع إلى {وَقْرٌ} والأول أبلغ؛ ويرد عليه بعد الإغماض عما في جواز العطف المذكور من الخلاف أن فيه تنافرًا بجعل القرآن نفس الوقر لاسيما وقد ذكر محله وليس كجعله نفس العمى لأنه يقابل جعله نفس الهدى فروعي الطباق ولذا لم يبين محله، وأما الوقر إذا جعل نفس الكتاب فهو كالدخيل ولم يطابق ما ورد في سائر المواضع من التنزيل، وهذا يرد على الوجه الذي قبله أيضًا، وجوز ابن الحاجب في الأمالي أن يكون {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} مرتبطًا بقوله سبحانه: {هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء} والتقدير هو للذين آمنوا هدى وعلى الذين لا يؤمنون عمى، وقوله تعالى: {والذين لاَ يُؤْمِنُونَ فِي ءاذَانِهِمْ وَقْرٌ} جملة معترضة على الدعاء، وتعقب بأن هذا وإن جاز من جهة الإعراب لكنه من جهة المعاني مردود لفك النظم، وزعم بعضهم أن ضمير {هُوَ} عائد على الوقر وهو من العمى كما ترى.
وأولى الأوجه ما تقدم وجيء بعلى في {عَلَيْهِمْ عَمًى} للدلالة على استيلاء العمى عليهم، ولم يذكر حال القلب لما علم من التعريض في قوله سبحانه: {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء} بأنه لغيرهم مرض فظيع {أولئك} إشارة إلى الموصول الثاني باعتبار اتصافه بما في حيز صلته وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته في الشر مع ما فيه من كمال المناسبة للنداء من مكان بعيد أي أولئك البعداء الموصوفون بما ذكر من التصام عن الحق الذي يسمعونه والتعامي عن الآيات التي يشاهدونها {يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} تمثيل لهم في عدم فهمهم وانتفاعهم بما دعوا له بمن ينادي من مسافة نائية فهو يسمع الصوت ولا يفهم تفاصيله ولا معانيه أو لا يسمع ولا يفهم، فقد حكى أهل اللغة أنه يقال للذي لا يفهم: أنت تنادي من بعيد، وإرادة هذا المعنى مروية عن علي كرم الله تعالى وجهه.
ومجاهد، وعن الضحاك أن الكلام على حقيقته وأنهم يوم القيامة ينادون بكفرهم وقبيح أعمالهم بأقبح أسمائهم من بعد حتى يسمع ذلك أهل الموقف فتعظم السمعة عليهم وتحل المصائب بهم، وحاصل الرد أنه هاد للمؤمنين شاف لما في صدورهم كاف في دفع الشبه فلذا ورد بلسانهم معجزًا بينًا في نفسه مبينًا لغيره والذين لا يؤمنون عزل عن الانتفاع به على أي حال جاءهم، وقرأ ابن عمر. وابن عباس. وابن الزبير. ومعاوية. وعمرو بن العاص. وابن هرمز {عَمَّ} بكسر الميم وتنوينه، وقال يعقوب القاري. وأبو حاتم: لا ندري نونوا أم فتحوا الياء على أنه فعل ماض، وبغير تنوين رواها عمرو بن دينار. وسليمان بن قتيبة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45)}
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب فاختلف فِيهِ} كلام مستأنف مسوق لبيان أن الاختلاف في شأن الكتب عادة قديمة للأمم غير مختص بقومك على منهاج قوله تعالى: {مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} [فصلت: 43] على ما سمعت أولًا أي وبالله لقد آتينا موسى التوراة فاختلف فيها فمن مصدق لها ومكذب وهكذا حال قومك في شأن ما آتيناك من القرآن فمن مؤمن به وكافر {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} في حق أمتك المكذبة وهي العدة بتأخير عذابهم وفصل ما بينهم وبين المؤمنين من الخصومة إلى يوم القيامة بنحو قوله تعالى: {بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} [القمر: 46] وقوله سبحانه: {ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى} [النحل: 61] {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} باستئصال المكذبين كما فعل كذبي الأمم السالفة {وَإِنَّهُمْ} أي كفار قومك {لَفِى شَكّ مّنْهُ} أي من القرآن {مُرِيبٍ} موجب للقلق والاضطراب، وقيل: الضمير الثاني للتوراة والأول لليهود بقرينة السياق لأنهم الذين اختلفوا في كتاب موسى عليه السلام وليس بشيء.

.تفسير الآية رقم (46):

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)}
{مَّنْ عَمِلَ صالحا} بأن آمن بالكتب وعمل وجبها {فَلِنَفْسِهِ} أي فلنفسه يعمله أو فلنفسه نفعه لا لغيره، و{مِنْ} يصح فيها الشرطية والموصولية وكذا في قوله تعالى: {وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} ضره لا على الغير {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله مبني على تنزيل ترك إثابة المحسن بعمله أو إثابة الغير بعمله وتنزيل التعذيب بغير إساءة أو بإساءة غيره منزلة الظلم الذي يستحيل صدوره عنه تعالى ولم يحتج بعضهم إلى التنزيل، وقد مر الكلام في ذلك وفي توجيه النفي والمبالغة فتذكر.

.تفسير الآية رقم (47):

{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)}
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} أي إذا سئل عنها قيل الله تعالى يعلم أو لا يعلمها إلا الله عز وجل فالمقصود من هذا الكلام إرشاد المؤمنين في التقصي عن هذا السؤال وكلا الجوابين يلزمه اختصاص علمها به تعالى.
أما الثاني فظاهر، وأما الأول فلأنك إذا سئلت عن مسألة وقلت. فلان يعلمه كان فيه نفي عنك كناية وتنبيه على أن فلانًا أهل أن يسئل عنه دونك {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثمرات مّنْ أَكْمَامِهَا} أي من أوعيتها جمع كم بالكسر وهو وعاء الثمرة كجف الطلعة من كمه إذا ستره وقد يضم وكم القميص بالضم وقرأ الحسن في رواية والأعمش. وطلحة. وغير واحد من السبعة {مِن ثَمَرَةٍ} على إرادة الجنس والجمع لاختلاف الأنواع. وقرئ {مِن ثمرات} من أكمامهن، بجميع الضمير أيضًا وما نافية ومن الأولى مزيدة لتأكيد الاستغراق والنص عليه ومن الثانية ابتدائية وكذا {مَا} في قوله تعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ} أي حملها، وقوله تعالى: {إِلاَّ بِعِلْمِهِ} في موضع الحال والباء للملابسة أو المصاحبة والاستثناء من أعم الأحوال أي ما يحدث شيء من خروج ثمرة ولا حمل حامل ولا وضع واضع ملابسًا أو مصاحبًا بشيء من الأشياء إلا مصاحبًا أو ملابسًا بعلمه المحيط سبحانه واقعًا حسب تعلقه به، وجوز في الأولى أن تكون موصولة معطوفة على الساعة أي إليه يرد علم الساعة وعلم ما يخرج ومن الأولى بيانية والجار والمجرور في موضع الحال ومن الثانية على حاله، وتأنيث {تُخْرِجُ} باعتبار المعنى لأن ما عنى ثمرة قيل: ولا يجوز في ما الثانية ذلك لمكان الاستثناء المفرغ وأجاز بعضهم، ويكفي لصحة التفريغ النفي في قوله تعالى: {وَلاَ تَضَعُ} وجملة لا تضع إما حال أو معطوفة على جملة {إِلَيْهِ} إلخ، ولا يخفى عليك أن المتبادر في الموضعين النفي ثم إن الاستثناء متعلق بالكل وتبيين القدر المشترك بين الأفعال الثلاثة وجعله الأصل في تعلق المفرغ كما سمعت لإظهار المعنى والايماء إلى أنه لا يحتاج في مثله إلى حذف من الأولين أعني ما تخرج وما تحمل وهو قريب من أسلوب:
وقد حيل بين العير والنزوان

لأن خرج زيد معناه حدث خروجه كما أن معنى ذلك فعل الحيلولة وليس ذاك من باب الاستثناء المتعقب لجمل والخلاف في متعلقه في شيء لأن ذلك في غير المفرغ فقد ذكر النحويون في باب التنازع وإن كان منفيًا بالا فالحذف ليس إلا ولو كان منه لم يكن من المختلف فيه لاتحاد الجمل في المقصود وظهور قرينة الرجوع إلى الكل، والكلام على ما في شرح التأويلات متصل بأمر الساعة والبعث فإنه لا يعلم هذا كله إلا الله تعالى فذكر هذه الأمور لمناسبتها لعلم الساعة وإن الكل إيجاد بعد العدم بقدرته عز وجل فيكون كالبرهان على الحشر، وجوز أن يكون متصلًا بقوله تعالى: {وَمِنْ ءاياته اليل والنهار} [فصلت: 37] إلخ وبقوله سبحانه: {وَمِنْ ءاياته أَنَّكَ تَرَى الأرض خاشعة} [فصلت: 39] إلخ؛ فالمعنى من آيات ألوهيته تعالى وقدرته أن تخرج الثمرات وتحمل الحوامل وتضع حسب علمه جل وعلا، والأول أقرب.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِى} أي بزعمكم كما نص عليه بقوله سبحانه: {أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62] وفيه تهكم بهم وتفريع لهم، و{يَوْمٍ} منصوب باذكر أو ظرف لمضمر مؤخر قد ترك إيذانًا بقصور البيان عنه كما في قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} [المائدة: 109] وضمير {يُنَادِيهِمْ} عام في كل من عبد غير الله تعالى فيندرج فيه عبدة الأوثان.
{قَالُواْ} أي أولئك المنادون {ءاذَنَّاكَ} أي أعلمناك والمراد بالإعلام هنا الإخبار لأنه تعالى عالم فلا يصح إعلامه بما هو سبحانه عالم به بخلاف الأخبار فإنه يكون للعالم فكأنه قيل أخبرناك {مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} أي بأنه ليس منا أحد يشهد لهم بالشركة فالجملة في محل نصب مفعول {آنذاك} وقد علق عنها وفي تعليق باب أعمل وأنبأ خلاف والصحيح أنه مسموع في الفصيح، و{شَيْء شَهِيدٌ} فعيل من الشهادة ونفي الشهادة كناية عن التبرؤ منهم لأن الكفرة يوم القيامة أنكروا عبادة غيره تعالى مرة وأقروا بها وتبرؤا عنها مرة أخرى وفسره السمرقندي بالانكار لعبادتهم غير الله تعالى وشركهم كذبًا منهم وافتراء كقوله تعالى حكاية عنهم: {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] وظاهر {ءاذَنَّاكَ} يقتضي سبق الإيذان في جواب أين شركائي وإنما سئلوا ثانيًا حتى أجابوا بأنه قد سبق الجواب لأنه توبيخ وفي إعادة التوبيخ من تأكيد أمر الجناية وتقبيح حال من يرتكبها ما لا يخفى، واستظهر أبو حيان أن المراد إحداث إيذان لا إخبار عن إيذان سابق على نحو طلقت وأمثاله، وجوز أن يقال: إنه إخبار باعلام سابق وذلك الإعلام السابق ما علمه تعالى من بواطنهم يوم القيامة أنهم لم يبقوا على الشرك وعلى تلك الشهادة وكأنه إعلام منهم بلسان الحال وهذا لا يقتضي سبق سؤال ولا جواب وفيه حسن أدب كأنهم يقولون أنت أعلم به ثم يأخذون في الجواب.
قال في الكشف: وهذا الوجه هو المختار لاشتماله على النكتة المذكورة وما في الآخرين من سوء الأدب؛ ويحتمل أن يكون المعنى آذناك بأنه ليس منا أحد يشاهدهم فشهيد من الشهود عنى الحضور والمشاهدة ونفي مشاهدتهم الظاهر أنه على الحقيقة وذلك في موقف وجعل بعض العبدة مقرين عبوداتهم في آخر فلا تنافي بينهما، وقيل: هو كناية عن نفي أن يكون له تعالى شريك نحو قولك: لا نرى لك مثلًا تريد لا مثل لك لنراه، والكلام في {ءاذَنَّاكَ} على ما آذناك، وقيل: ضمير {قَالُواْ} للشركاء أي قال الشركاء: ليس من أحد يشهد لهم بأنهم كانوا محقين فشهيد من الشهادة لا غير، والمراد التبرؤ منهم وفيه تفكيك الضمائر.