فصل: تفسير الآية رقم (22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (22):

{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}
{مُشْفِقِينَ} خائفين الخوف الشديد {مِمَّا كَسَبُواْ} في الدنيا من السيآت، والكلام قيل على تقدير مضاف. و{مِنْ} صلة الإشفاق أي مشفقين من وبال ما كسبوا {وَهُوَ} أي الوبال {وَاقِعٌ بِهِمْ} أي حاصل لهم لاحق بهم، واختار بعضهم أن لا تقدير ومن تعليلية لأنه أدخل في الوعيد، والجملة اعتراض للإشارة إلى أن إشفاقهم لا ينفعهم، وإيثار {وَاقِعٍ} على يقع مع أن المعنى على الاستقبال لأن الخوف إنما يكون من المتوقع بخلاف الحزن للدلالة على تحققه وأنه لابد منه، وجوز أن تكون حالًا من ضمير {مُشْفِقِينَ} وظاهر ما سمعت أنه حال مقدرة.
{والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي روضات الجنات} أي مستقرون في أطيب بقاعها وأنزهها.
وقال الراغب: هي محاسنها وملاذها، وأصل الروضة مستنقع الماء والخضرة واللغة الكثيرة في واوها جمعًا التسكين كما في المنزل ولغة هذيل بن مدركة فتحها فيقولون روضات إجراء للمعتل مجرى الصحيح نحو جفنات ولم يقر أحد فيما علمنا بلغتهم {لَهُمْ مَّا يَشَآءونَ عِندَ رَبّهِمْ} أي ما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل لهم عند ربهم فالظرف متعلق تعلق الجار والمجرور الواقع خبرًا لما أوبه واختاره جار الله ونفى أن يكون متعلقًا بيشاؤن مع أنه الظاهر نحوًا، وبين صاحب الكشف ذلك بأنه كلام في معرض المبالغة في وصف ما يكون أهل الجنة فيه من النعيم الدائم فأفيد أنهم في أنزه موضع من الجنة وأطيب مقعد منها بقوله تعالى: {فِى روضات الجنات} لأن روضة الجنة أنزه موضع منها لاسيما والإضافة في هذا المقام تنبئ عن تميزها بالشرف والطيب، والتعقيب بقوله تعالى: {لَهُمْ مَّا} أيضًا ثم أفيد أن لهم ما يشتهون من ربهم ولا خفاء أنك إذا قلت: لي عند فلان ما شئت كان أبلغ في حصول كل مطالبك منه مما إذا قلت: لي ما شئت عند فلان بالنسبة إلى الطالب والمطلوب منه.
أما الأول: فلأنه يفيد أن جميع ما تشاؤه موجود مبذول لك منه، والثاني يفيد إن ما شئت عنده مبذول لا جميع ما تشاؤه، وأما الثاني: فلأنك وصفته بأنه يبذل جميع المرادات، وفي الثاني وصفته بأن ما شئت عنده مبذول لك إما منه وإما من غيره ثم في الأول مبالغة في تحقيق ذلك وثبوته كما تقول: لي عندك وقبلك كذا، فالله تعالى شأنه أخبر بأن ذلك حق لهم ثابت مقضي في ذمة فضله سبحانه ولا كذلك في الثاني، ثم قال: ولعل الأوجه أن يجعل {كُفْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ} خبرًا آخر أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في روضات الجنات لهم فيها ما يشاؤن، وإنما أخر توخيًا لسلوك طريق المبالغة في الترقي من الأدنى إلى الأعلى ومراعاة لترتيب الوجود أيضًا فإن الوافد والضيف ينزل في أنزه موضع ثم يحضر بين يديه الذي يشتهيه؛ وملاك ذلك كله أن يختصه رب المنزل بالقرب والكرامة، وأن جعله حالًا من فاعل يشاؤن أو من المجرور في {لَهُمْ} أفاد هذا المعنى أيضًا لكنه يقصر عما آثرناه لأنه قد أتى به إتيان الفضلة وهو مقصود بذاته عمدة، ولعمري أن ما آثره حسن معنى إلا أبعد لفظًا مما آثره جار الله، ولا يخفى عليك ما هو الأنسب بالتنزيل.
وفي «الخبر» عن أبي ظبية قال: إن السرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول: ماأمطركم؟ فما يدعو داع من القوم إلا أمطرته حتى أن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أتراباف {ذلك} إشارة إلى ما ذكر من حال المؤمنين، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه {هُوَ الفضل الكبير} الذي لا يقدر قدره ولا تبلغ غايته ويصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا.

.تفسير الآية رقم (23):

{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)}
{ذلك} الفضل الكبير أو الثواب المفهوم من السياق هو {الذى يُبَشّرُ الله عِبَادَهُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي يبشر به فحذف الجار ثم العائد إلى الموصول كما هو عادتهم في التدريج في الحذف، ولا مانع كما قال الشهاب من حذفهما دفعة، وجوز كون ذلك إشارة إلى التبشير المفهوم من {يُبَشّرُ} بعد والإشارة قد تكون لما يفهم بعد كما قرروه في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] ونحوه، والعائد إلى الموصول ضمير منصوب بيبشر على أنه مفعول مطلق له لأنه ضمير المصدر أي ذلك التبشير يبشره الله عباده؛ وزعم أبو حيان أنه لا يظهر جعل الإشارة إلى التبشير لعدم تقدم لفظ البشرى ولا ما يدل عليها وهو ناشيء عن الغفلة عما سمعت فلا حاجة في الجواب عنه أن كون ما تقدم تبشيرًا للمؤمنين كاف في صحة ذلك، ثم قال: ومن النحويين من جعل الذي مصدرية حكاه ابن مالك عن يونس وتأول عليه هذه الآية أي ذلك تبشير الله تعالى عباده، وليس بشيء لأنه إثبات للاشتراك بين مختلفين الحد بغير دليل وقد ثبتت اسمية الذي فلا يعدل عن ذلك بشيء لا يقوم به دليل ولا شبهة.
وقرأ عبد الله بن يعمر، وابن أبي إسحق. والجحدري. والأعمش. وطلحة في رواية. والكسائي. وحمزة {يُبَشّرُ} ثلاثيًا. ومجاهد. وحميد بن قيس بضم الياء وتخفيف الشين من أبشر وهو معدي بالهمزة من بشر اللازم المكسور الين وإما بشر بفتحها فمتعد وبشر بالتشديد للتكثير لا للتعدية لأن المعدي إلى واحد وهو مخفف لا يعدي بالتضعيف إليه فالتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي على ما اتعاطاه لكم من التبليغ والبشارة وغيرهما {أَجْرًا} أي نفعًا ما، ويختص في العرف بالمال {إِلاَّ المودة} أي إلا مودتكم أياي {فِى القربى} أي لقرابتي منكم ففي للسببية مثلها في «إن امرأة دخلت النار في هرة» فهي عنى اللام لتقارب السبب والعلة، وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد. وقتادة. وجماعة. والخطاب إما لقريش على ما قيل: إنهم جمعوا له مالًا وأرادوا أن يرشوه على أن يمسك عن سب آلهتهم فلم يفعل ونزلت، وله عليه الصلاة والسلام في جميعهم قرابة. أخرج أحمد والشيخان. والترمذي. وغيرهم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى: {إِلاَّ المودة فِي القربى} فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس: عجلت أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة أو للأنصار بنا على ما قيل: إنهم أتوه ال ليستعين به على ما ينوبه فنزلت فرده، وله عليه الصلاة والسلام قرابة منهم لأنهم أخواله فإن أم عبد المطلب وهي سلمى بنت زيد النجارية منهم وكذا أخوال آمنة أمه عليه الصلاة والسلام كانوا على ما في بعض التواريخ من الأنصار أيضًا أو لجميع العرب لقرابته عليه الصلاة والسلام منهم جميعًا في الجملة كيف لا وهم إما عدنانيون وقريش منهم وإما قحطانيون والأنصار منهم، وقرابته عليه الصلاة والسلام من كل قد علمت وذلك يستلزم قرابته من جميع العرب، وقضاعة من قحطان لا قسم برأسه على ما عليه معظم النسابين، والمعنى أن لم تعرفوا حقي لنبوتي وكوني رحمة عامة ونعمة تامة فلا أقل من مودتي لأجل حق القرابة وصلة الرحم التي تعتنون بحفظها ورعايتها.
وحاصله لا أطلب منكم إلا مودتي ورعاية حقوقي لقرابتي منكم وذلك أمر لازم عليكم، وروى نحو هذا في الصحيحين عن ابن عباس بل جاء ذلك عنه رضي الله تعالى عنه في روايات كثيرة وظاهرها أن الخطاب لقريش منها ما أخرجه سعيد بن منصور. وابن سعد. وعبد بن حميد. والحاكم. وصححه. وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن الشعبي قال: أكثر الناس علينا في هذه الآية {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ} إلخ فكتبنا إلى ابن عباس نسأله فكتب رضي الله تعالى عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وسط النسب في قريش ليس بطن من بطونهم إلا وقد ولدوه قال الله تعالى: {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} على ما أدعوكم عليه {إِلاَّ المودة فِي القربى} تودوني لقرابني منكم وتحفظوني بها. ومنها ما أخرجه ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة من جميع قريش فلما كذبوه وأبوا أن يتابعوه قال: يا قوم إذا أبيتم أن تتابعوني فاحفظوا قرابتي فيكم ولا يكون غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم، والظاهر من هذه الأخبار أن الآية مكية والقول بأنها في الأنصار يقتضي كونها مدنية، والاستثناء متصل بناء على ما سمعت من تعميم الأجر.
وقيل: لا حاجة إلى التعميم. وكون المودة المذكورة من أفراد الأجر إدعاء كاف لاتصال الاستثناء، وقيل: هو منقطع اما بناء على أن المودة له عليه الصلاة والسلام ليست أجرًا أصلًا بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم أو لأنها لازمة لهم ليمدحوا بصلة الرحم فنفعها عائد عليهم والانقطاع اقطع لتوهم المنافاة بين هذه الآية والآيات المتضمنة لنفي سؤال الأجر مطلقًا؛ وذهب جماعة إلى أن المعنى لا أطلب منكم أجرًا إلا محبتكم أهل بيتي وقرابتي. وفي البحر أنه قول ابن جبير. والسدي. وعمرو بن شعيب، و{فِى} عليه للظرفية المجازية و{القربى} عنى الأقرباء، والجار والمجرور في موضع الحال أي إلا المودة ثابتة في أقربائي متمكنة فيهم، ولمكانة هذا المعنى لم يقل: إلا مودة القربى، وذكر أنه على الأول كذلك وأمر اتصال الاستثناء وانقطاعه على ما سبق، والمراد بقرابته عليه الصلاة والسلام في هذا القول قيل: ولد عبد المطلب، وقيل علي.
وفاطمة. وولدها رضي الله تعالى عنه مرفوعًا، أخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه من طريق ابن جبير عن ابن عباس قال: «لما نزلت هذه الآية {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ} إلخ قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت مودتهم؟ قال علي. وفاطمة. وولدها صلى الله عليه وسلم على النبي وعليهم».
وسند هذا الخبر على ما قال السيوطي في الدر المنثور ضعيف، ونص على ضعفه في تخريج أحاديث الكشاف ابن حجر، وأيضًا لو صح لم يقل ابن عباس ما حكى عنه في الصحيحين وغيرهما وقد تقدم إلا أنه روى عن جماعة من أهل البيت ما يؤيد ذلك، أخرج ابن جرير عن أبي الديلم قال: لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أسيرًا فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم فقال له علي رضي الله تعالى عنه: أقرأت القرآن؟ قال: نعم قال: أقرأت آل حم؟ قال: نعم قال: ما قرأت {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المودة فِي القربى} قال: فإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم. وروى ذاذان عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: فينافي آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا مؤمن ثم قرأ هذه الآية، وإلى هذا أشار الكميت في قوله:
وجدنا لكم في آل حم آية ** تأولها منا تقي ومعرب

ولله تعالى در السيد عمر الهيتي أحد الأقارب المعاصرين حيث يقول:
بأية آية يأتي يزيد ** غداة صحائف الأعمال تتلى

وقام رسول رب العرش يتلو ** وقد صمت جميع الخلق قل لا

والخطاب على هذا القول لجميع الأمة لا للأنصار فقد وإن ورد ما يوهم ذلك فإنهم كلهم مكلفون ودة أهل البيت. فقد أخرج مسلم. والترمذي. والنسائي عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اذكركم الله تعالى في أهل بيتي» وأخرج الترمذي. وحسنه. والطبراني. والحاكم. والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: قال عليه الصلاة والسلام:«أحبوا الله تعالى لما يغذوكم به من نعمة وأحبوني لحب الله تعالى وأحبوا أهل بيتي لحبي» وأخرج ابن حبان. والحاكم. عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله تعالى النار» إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من الأخبار، وفي بعضها ما يدل على عموم القربى وشمولها لبني عبد المطلب.
أخرج أحمد. والترمذي وصححه. والنسائي عن المطلب بن ربيعة قال: دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنا لنخرج فنرى قريشًا تحدث فإذا رأونا سكتوا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودر عرق بين عينيه ثم قال: والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتى يحبكم لله تعالى ولقرابتي». وهذا ظاهر إن خص القربى بالمؤمنين منهم وإلا فقيل: إن الحكم منسوخ، وفيه نظر، والحق وجوب محبة قرابته عليه الصلاة والسلام من حيث أنهم قرابته صلى الله عليه وسلم كيف كانوا، وما أحسن ما قيل:
داريت أهلك في هواك وهم عدا ** ولأجل عين ألف عين تكرم

وكلما كانت جهة القرابة أقوى كان طلب المودة أشد، فمودة العلويين الفاطميين الزم من محبة العباسيين على القول بعموم {القربى} وهي على القول بالخصوص قد تتفاوت أيضًا باعتبار تفاوت الجهات والاعتبارات وآثار تلك المودة التعظيم والاحترام والقيام بأداء الحقوق أتم قيام، وقد تهاون كثير من الناس بذلك حتى عدوا من الرفض السلوك في هاتيك المسالك. وأنا أقول قول الشافعي الشافي العي:
يا راكبًا قف بالمحصب من منى ** واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرًا إذا فاض الحجيج إلى منى ** فيضًا كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضًا حب آل محمد ** فليشهد الثقلان إني رافضي

ومع هذا لا أعد الخروج عما يعتقده أكابر أهل السنة في الصحابة رضي الله تعالى عنهم دينًا وأرى حبهم فرضًا على مبينًا فقد أوجبه أيضًا الشارع وقامت على ذلك البراهين السواطع. ومن الظرائف ما حكاه الإمام عن بعض المذكورين قال: إنه عليه الصلاة والسلام قال: «مثل أهل بيني كسفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك» وقال صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» ونحن الآن في بحر التكليف وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات وراكب البحر يحتاج إلى أمرين. أحدهما: السفينة الخالية عن العيوب، والثاني: الكواكب الطالعة النيرة، فإذا ركب تلك السفينة ووضع بصره على تلك الكواكب كان رجاء السلامة غالبًا، فلذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد صلى الله عليه وسلم ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة يرجون أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة انتهى، والكثير من الناس في حق كل من الآل والأصحاب في طرفي التفريط والإفراط وما بينهما هو الصراط المستقيم، ثبتنا الله تعالى على ذلك الصراط.
وقال عبد الله بن القاسم: المعنى لا أسألكم عليه أجرًا إلا أن يود بعضكم بعضًا وتصلوا قراباتكم، وأمر {فِى} والاستثناء لا يخفى.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أن المعنى لا أسألكم عليه أجرًا إلا التقرب إلى الله تعالى بالعمل الصالح فالقربى عنى القرابة وليس المراد قرابة النسب؛ قيل: ويجري في الاستثناء الاتصال والانقطاع، واستظهر الخفاجي أنه منقطع وأنه على نهج قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

البيت، وأراه على القول قبله كذلك.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {إِلا مَّوَدَّةَ فِي القربى} هذا ومن الشيعة من أورد الآية في مقام الاستدلال على إمامة علي كرم الله تعالى وجهه قال: علي كرم الله تعالى وجهه واجب المحبة وكل واجب المحبة واجب الطاعة وكل واجب الطاعة صاحب الإمامة ينتج على رضي الله تعالى عنه صاحب الإمامة وجعلوا الآية دليل الصغرى، ولا يخفى ما في كلامهم هذا من البحث، أما أولًا: فلأن الاستدلال بالآية على الصغرى لا يتم إلا على القول بأن معناها لا أسألكم عليه أجرًا إلا أن تودوا قرابتي وتحبوا أهل بيتي وقد ذهب الجمهور إلى المعنى الأول، وقيل في هذا المعنى: إنه لا يناسب شأن النبوة لما فيه من التهمة فإن أكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئًا ويسألون عليه ما يكون فيه نفع لأولادهم وقراباتهم، وأيضًا فيه منافاة ما لقوله تعالى: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [يوسف: 104] وأما ثانيًا: فلأنا لا نسلم أن كل واجب المحبة واجب الطاعة فقد ذكر ابن بابويه في كتاب الاعتقادات أن الإمامية أجمعوا على وجوب محبة العلوية مع أنه لا يجب طاعة كل منهم، وأما ثالثًا: فلأنا لا نسلم أن كل واجب الطاعة صاحب الإمامة أي الزعامة الكبرى وإلا لكان كل نبي في زمنه صاحب ذلك ونص {إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} [البقرة: 247] يأبى ذلك، وأما رابعًا: فلأن الآية تقتضي أن تكون الصغرى أهل البيت وأجبو الطاعة ومتى كانت هذه صغرى قياسهم لا ينتج النتيجة التي ذكروها ولو سلمت جميع مقدماته بل ينتج أهل البيت صاحبو الإمامة وهم لا يقولون بعمومه إلى غير ذلك من الأبحاث فتأمل ولا تغفل.
{وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} أي يكتسب أي حسنة كانت، والكلام تذييل، وقيل المراد بالحسنة المودة في قربى الرسول صلى الله عليه وسلم وروي ذلك عن ابن عباس. والسدي، وأن الآية نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه لشدة محبته لأهل البيت، وقصة فدك. والعوالي لا تأبى ذلك عند من له قلب سليم، والكلام عليه تتميم، ولعل الأول أولى، وحب آل الرسول عليه الصلاة والسلام من أعظم الحسنات وتدخل في الحسنة هنا دخولًا أوليًا {نَّزِدْ لَهُ فِيهَا} أي في الحسنة {حَسَنًا} ضاعفة الثواب عليها فإنها يزاد بها حسن الحسنة، ففي للظرفية و{حَسَنًا} مفعول به أو تمييز، وقرأ زيد بن علي. وعبد الوارث عن أبي عمرو. وأحمد بن جبير عن الكسائي {يزد} بالياء أي يزد الله تعالى. وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو {حسنى} بغير تنوين وهو مصدر كبشرى أو صفة لموصوف مقدر أي صفة أو خصلة حسنى {واعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ} ساتر ذنوب عباده {شَكُورٍ} مجاز من أطاع منهم بتوفية الثواب والتفضل عليه بالزيادة، وقال السدي: غفور لذنوب آل محمد صلى الله عليه وسلم شكور لحسناتهم.