فصل: تفسير الآية رقم (10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (10):

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)}
{الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْدًا} مكانًا ممهدًا أي موطأ ومآله بسطها لكم تستقرون فيها ولا ينافي ذلك كريتها لمكان العظم، وعن عاصم أنه قرأ {مهادا} بدون ألف {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} طرقًا تسكلونها في أسفاركم {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي لكي تهتدوا بسلوكنها إلى مقاصدكم أو بالتفكر فيها إلى التوحيد الذي هو المقصد الأصلي.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)}
{والذى نَزَّلَ مِنَ السماء مَاء بِقَدَرٍ} أي قدار تقتضيه المشيئة المبنية على الحكم والمصالح ولا يعلم مقدار ما ينزل من ذلك في كل سنة على التحقيق إلا الله عز وجل، والآلة التي صنعها الفلاسفة في هذه الأعصار المسماة بالاودوميتر يزعمون أنه يعرف بها مقدار المطر النازل في كل بلد من البلاد في جميع السنة لا تفيد تحقيقًا في البقعة الواحدة الصغيرة فضلًا عن غيرها كما لا يخفى على المنصف. وفي البحر بقدر أي بقضاء وحتم في الأزل، والأول أولى {فَأَنشَرْنَا بِهِ} أي أحيينا بذلك الماء {بَلْدَةً مَّيْتًا} خالية عن النماء والنبات بالكلية.
وقرأ أبو جعفر. وعيسى {مَيْتًا} بالتشديد، وتذكيره لأن البلدة في معنى البلد والمكان، قال الجلبي: لا يبعد والله تعالى أعلم أن يكون تأنيث البلد وتذكير {مَيْتًا} إشارة إلى بلوغ ضعف حاله الغاية، وفي الكلام استعارة مكنية أو تصريحية.
والالتفات في {أنشرنا} إلى نون العظمة لإظهار كمال العناية بأمر الإحياء والإشعار بعظم خطره {قَالَ كذلك} أي مثل ذلك الإنشار الذي هو في الحقيقة إخراج النبات من الأرض وهو صفة مصدر محذوف أي إنشارًا كذلك {تُخْرَجُونَ} أي تبعثون من قبوركم أحياء، وفي التعبير عن إخراج النبات بالإنشار الذي هو إحياء الموتى وعن إحيائهم بالإخراج تفخيم لشأن الإنبات وتهوين لأمر البعث، وفي ذلك من الرد على منكريه ما فيه.
وقرأ ابن وثاب. وعبد الله بن جبير. وعيسى. وابن عامر. والأخوان {تُخْرَجُونَ} مبنيًا للفاعل.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)}
{والذى خَلَقَ الازواج كُلَّهَا} أي أصناف المخلوقات فالزوج هنا عنى الصنف لا عناه المشهور، وعن ابن عباس الأزواج الضروب والأنواع كالحلو. والحامض. والأبيض. والأسود. والذكر. والأنثى، وقيل: كل ما سوى الله سبحانه زوج لأنه لا يخلو من المقابل كفوق وتحت ويمين وشمال وماض ومستقبل إلى غير ذلك والفرد المنزه عن المقابل هو الله عز وجل، وتعقب بأن دعوى اطراده في الموجودات بأسرها لا تخلو عن النظر.
ولعل من قال: كل ما سوى الله سبحانه زوج لم يبن الأمر على ما ذكر وإنما بناه على أن الواجب جل شأنه واحد من جميع الجهات لا تركيب فيه سبحانه بوجه من الوجوه لا عقلًا ولا خارجًا ولا كذلك شيء من الممكنات مادية كانت أو مجردة {وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الفلك والانعام مَا تَرْكَبُونَ} أي ما تركبونه، فما موصولة والعائد محذوف، والركوب بالنظر إلى الفلك يتعدى بواسطة الحرف وهو في كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك} [العنكبوت: 65] بخلافه لا بالنظر إليه فإنه يتعدى بنفسه كما قال سبحانه: {لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] إلا أنه غلب المتعدي بغير واسطة لقوته على المتعدي بواسطة فالتجوز الذي يقتضيه التغليب بالنسبة إلى المتعلق أو غلب المخلوق للركوب على المصنوع له لكونه مصنوع الخالق القدير أو الغالب على النادر فالتجوز في {مَا} وضميره الذي تعدى الركوب إليه بنفسه دون النسبة إلى المفعول ولتغليب ما ركب من الحيوان على الفلك.

.تفسير الآية رقم (13):

{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)}
{لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ} حيث عبر عن القرار على الجميع بالاستواء على الظهور المخصوص بالدواب والضمير لـ {ما تركبون} [الزخرف: 12] وأفرد رعاية للفظ، وجمع ظهور مع إضافته إليه رعاية لمعناه، والظاهر أن لام {لِتَسْتَوُواْ} لام كي، وقال الحوفي: من أثبت لام الصيرورة جاز له أن يقول به هنا، وقال ابن عطية: هي لام الأمر، وفيه بعد من حيث استعماله أمر المخاطب بتاء الخطاب، وقد اختلف في أمره فقيل: إنه لغة رديئة قليلة لا تكاد تحفظ إلا في قراءة شاذة نحو {فَبِذَلِكَ فلتفرحوا} [يونس: 58] أو شعر نحو قوله:
لتقم أنت يابن خير قريش

وما ذكره المحدثون من قوله عليه الصلاة والسلام: لتأخذوا مصافكم يحتمل أنه من المروى بالمعنى، وقال الزجاج: إنها لغة جيدة، وأبو حيان على الأول وحكاه عن جمهور النحويين.
{ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ} أي تذكروها بقلوبكم معترفين بها مستعظمين لها ثم تحمدوا عليها بألسنتكم وهذا هو معنى ذكر نعمة الله تعالى عليهم على ما قال الزمخشري، وحاصله أن الذكر يتضمن شعور القلب والمرور على اللسان فنزل على أكمل أحواله وهو أن يكون ذكرًا باللسان مع شعور من القلب، وأما الاعتراف والاستعظام فمن نعمة ربكم لاقتضائه الإحضار في القلب لذلك وهذا عين الحمد الذي هو شكر في هذا المقام لا أنه يوجبه وءن كان ذلك التقرير سديدًا أيضًا، ومنه يظهر إيثاره علي ثم تحمدوا إذا استويتم، ومن جوز استعمال المشترك في معنييه جوز هنا أن يراد بالذكر الذكر القلبي والذكر اللساني وهو كما ترى.
ولما كانت تلك النعمة متضمنة لأمر عجيب قال سبحانه: {وَتَقُولُواْ سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا} أي وتقولوا سبحان الذي ذلله وجعله منقادًا لنا متعجبين من ذلك، وليس الإشارة للتحقير بل لتصوير الحال وفيها مزيد تقرير لمعنى التعجب، والكلام وإن كان إخبارًا على ما سمعت أولًا يشعر بالطلب.
أخرج عبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر عن أبي مجلز قال: رأى الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما وكرم وجههما رجلًا ركب دابة فقال: سبحان الذي سخر لنا هذا فقال: أو بذلك أمرت؟ فقال: فكيف أقول؟ قال: الحمد لله الذي هدانا للإسلام الحمد لله الذي من علينا حمد صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي جعلني في أخير أمة أخرجت للناس ثم تقول: {سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا} إلى {مُقْرِنِينَ} وهذا يومي إلى أن ليس المراد من النعمة نعمة التسخير، وأخرج ابن المنذر عن شهر بن حوشب أنه فسرها بنعمة الإسلام.
وأخرج أحمد. وأبو داود. والترمذي وصححه. والنسائي. وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه أتى بدابة فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله ثلاثًا والله أكبر ثلاثًا سبحان الذي سخر لنا هذا إلى لمنقلبون سبحانك لا إله إلا أنت قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم شحك فقيل له: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك فقلت: يا رسول الله مم ضحكت؟ فقال: يتعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري، وفي حديث أخرجه مسلم.
والترمذي. وأبو داود. والدارمي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر حمد الله تعالى وسبح وكبر ثلاثًا ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا إلى لمنقلبون، وفي حديث أخرجه أحمد. وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من بعير إلا في ذروته شيطان فاذكروا اسم الله تعالى إذا ركبتموه كما أمركم، وظاهر النظم الجليل أن تذكر النعمة والقول المذكور لا يخصان ركوب الأنعام بل يعمانها والفلك، وذكر بعضهم أنه يقال: إذا ركبت السفينة {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} إلى {رَّحِيمٌ} [هود: 41] ويقال: عند النزول منها: اللهم أنزلنا منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلين. {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي مطيقين، وأنشد قطرب لعمرو بن معدي كرب:
لقد علم القبائل ما عقيل ** لنا في النائبات بمقرنينا

وهو من أقرن الشيء إذا أطاقه، قال ابن هرمة:
وأقرنت ما حملتني ولقلما ** يطاق احتمال الصد يا دعد والهجر

وحقيقة أقرنه وجده قرينته وما يقرن به لأن الصعب لا يكون قرينة للضعيف ألا ترى إلى قولهم في الضعيف لا تقرن به الصعبة، والقرن الحبل الذي يقرن به، قال الشاعر:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ** لم يستطع صولة البزل القنا عيس

وحاصل المعنى أنه ليس لنا من القوة ما يضبط به الدابة والفلك وإنما الله تعالى هو الذي سخر ذلك وضبطه لنا.
أخرج عبد بن حميد. وابن المنذر عن سليمان بن يسار أن قومًا كانوا في سفر فكانوا إذا ركبوا قالوا: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وكان فيهم رجل له ناقة رزام فقال: أما أنا فلهذه مقرن فقمصت به فصرعته فاندقت عنقه، وقرئ {مُقْرِنِينَ} بتشديد الراء مع فتحها وكسرها وهما عنى المخفف.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}
{وَإِنَّا إلى رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ} أي راجعون، وفيه إيذان بأن حق الراكب أن يتأمل فيما يلابسه من السير ويتذكر منه المسافرة العظمى التي هي الانقلاب إلى الله تعالى فيبني أموره في مسيره ذلك على تلك الملاحظة ولا يأتي بما ينافيها، ومن ضرورة ذلك أن يكون ركوبه لأمر مشروع، وفيه إشارة إلى أن الركوب مخطرة فلا ينبغي أن يغفل فيه عن تذكر الآخرة.

.تفسير الآية رقم (15):

{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)}
{وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا} متصل بقوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} [الزخرف: 9] إلى آخره فهو حال من فاعل {لَّيَقُولَنَّ} بتقدير قد أو بدونه، والمراد بيان أنهم مناقضون مكابرون حيث اعترفوا بأنه عز وجل خالق السموات والأرض ثم وصفوه سبحانه بصفات المخلوقين وما يناقض كونه تعالى خالقًا لهما فجعلوا له سبحانه جزأً وقالوا: الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، وعبر عن الولد بالجزء لأنهب ضعة ممن هو ولد له كما قيل: أولادنا أكبادنا، وفيه دلالة على مزيد استحالته على الحق الواحد الذي لا يضاف إليه انقسام حقيقة ولا فرضًا ولا خارجًا ولا ذنًا جل شأنه وعلا، ولتأكيد أمر المناقضة لم يكتف بقوله تعالى: {جزأ} وقيل {يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} لأنه يلزمهم على موجب اعترافهم أن يكون ما فيهما مخلوقه تعالى وعبده سبحانه إذ هو حادث بعدهما محتاج إليهما ضرورة.
وقيل: الجزء اسم للإناث يقال: أجزأت المرأة إذ ولدت أنثى، وأنشد قول الشاعر:
إن أجزأت حرة يومًا فلا عجب ** قد تجزئ الحرة المذكار أحيانًا

وقوله:
زوجتها من بنات الأوس مجزئة ** للعوسج اللدن في أنيابها زجل

وجعل ذلك الزمخشري من بدع التفاسير وذكر أن ادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث كذب عليهم ووضع مستحدث منخول وأن البيتين مصنوعان، وقال الزجاج: في البيت الأول لا أدري قديم أم مصنوع.
ووجه بعضهم ذلك بأن حواء خلقت من جزء آدم عليه السلام فاستعير لكل الإناث.
وقرأ أبو بكر عن عاصم {جزأ} بضمتين، ثم للكلام وإن سيق للفرض المذكور يفهم منه كفرهم لتجسيم الخالق تعالى والاستخفاف به جل وعلا حيث جعلوا له سبحانه أخس النوعين بل إثبات ذلك يستدعي الإمكان المؤذن بحدوثه تعالى فلا يكون إلهًا ولا بارئًا ولا خالقًا تعالى عما يقولون وسبحانه عما يصفون، وليس الكلام مساقًا لتعديد الكفران كما قيل. وقوله تعالى: {جُزْءا إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} لا يقتضيه فإن المراد المبالغة في كفران النعمة وهي في إنكار الصانع أشد من المبالغة في كفرهم به كما أشير إليه، و{مُّبِينٌ} من أبان اللازم أي ظاهر الكفران، وجوز أن يكون من المتعدي أي مظهر كفرانه.