فصل: تفسير الآية رقم (22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (22):

{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)}
{بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على ءاثارهم مُّهْتَدُونَ} إبطال لأن يكون لهم حجة أصلًا أي لا حجة لهم على ذلك عقلية ولا نقلية وإنما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم، والأمة الدين والطريقة التي تؤم أي كالرحلة للرجل العظيم الذي يقصد في المهمات يقال: فلان لا أمة له أي لا دين ولا نحلة، قال الشاعر:
وهل يستوى ذو أمة وكفور

وقال قيس بن الحطيم:
كنا على أم آبائنا ** ويقتدي بالأول الآخر

وقال الجبائي: الأمة الجماعة والمراد وجدنا آباءنا متوافقين على ذلك، والجمهور على الأول وعليه المعول، ويقال فيها إمة بكسر الهمزة أيضًا وبها قرأ عمر بن عبد العزيز. ومجاهد. وقتادة. والجحدري.
وقرأ ابن عياش {أُمَّةٍ} بفتح الهمزة، قال في البحر: أي على قصد وحال، و{على أُمَّةٍ وَإِنَّا} قيل خبر إن لأن، وقيل: على آثارهم صلة {مُّهْتَدُونَ} ومهتدون هو الخبر، هذا وجعل الزمخشري الآية دليلًا على أنه تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء سبحانه الايمان، وكفر أهل السنة القائلين بأن المقدورات كلها شيئة الله تعالى، ووجه ذلك بأن الكفار لما ادعوا أنه تعالى شاء منهم الكفر حيث قالوا: {لَوْ شَاء الرحمن} [الزخرف: 20] إلخ أي لو شاء جل جلاله منا أن نترك عبادة الأصنام تركناها رد {الله} تعالى ذلك عليهم وأبطل اعتقادهم بقوله سبحانه: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الزخرف: 20] إلخ فلزم حقيقة خلافه وهو عين ما ذهب إليه، والجملة عطف على قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ} [الزخرف: 15] أو على {جَعَلُواْ الملائكة} [الزخرف: 19] إلخ فيكون ما تضمنته كفرًا آخر ويلزمه كفر القائلين بأن الكل شيئته عز وجل، ومما سمعت يعلم رده، وقيل: في رده أيضًا: يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى أصل الدعوى وهو جعل الملائكة عليهم السلام بنات الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا دون ما قصدوه من قولهم: {لَوْ شَاء} إلخ وما ذكر بعد أصل الدعوى من تتمتها فإنه حكاية شبهتهم المزيفة لأن العبادة للملائكة وإن كانت شيئته تعالى لكن ذلك لا ينافي كونها من أقبح القبائح المنهي عنها وهذا خلاف الظاهر.
وقال بعض الأجلة: إن كفرهم بذلك لأنهم قالواه على جهة الاستهزاء، ورده الزمخشري بأن السياق لا يدل على أنهم قالوه مستهزئين؛ على الله تعالى قد حكى عنهم على سبيل الذم والشهادة بالكفر أنهم جعلوا له سبحانه جزأ وأنه جل وعلا اتخذ بنات واصطفاهم بالبنين وأنهم جعلوا الملائكة المكرمين أناثًا وأنهم عبدوهم وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم فلو كانوا ناطقين بها على طريق الهزء لكان النطق بالمحكيات قبل هذا المحكي الذي هو إيمان عنده لوجدوا بالنطق به مدحًا لهم من قبل أنها كلمات كفر نطقوا بها على طريق الهزء فبقي أن يكونوا جادين ويشترك كلها في أنها كلمات كفر، فإن جعلوا الأخير وحده مقولًا على وجه الهزء دون ما قبله فما بهم إلا تعويج كتاب الله تعالى ولو كانت هذه كلمة حق نطقوا بها هزأ لم يكن لقوله سبحانه: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الزخرف: 20] إلخ معنى لأن الواجب فيمن تكلم بالحق استهزاء أن ينكر عليه استهزاؤه ولا يكذب، ولا يخفى أن رده بأنه لا يدل عليه السياق صحيح، وأما ما ذكر من حكاية الله سبحانه والتعويج فلا لأنه تعالى ما حكى عنهم قولًا أولًا بل أثبت لهم اعتقادًا يتضمن قولًا أو فعلًا وقد بين أنهم مستخفون في ذلك العقد كما أنهم مستخفون في هذا القول فقوله: لو نطقوا إلخ لا مدخل له في السابق وليس فيه تعويج البتة من هذا الوجه وكذلك قوله: لم يكن لقوله تعالى: {مَّا لَهُم} إلخ معنى مردود لأن الاستهزاء باب من الجهل كما يدل عليه قول موسى عليه السلام {أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين} وقد تقدم في البقرة (67)، وأما الكذب فراجع إلى مضمونه والمراد منه كما سمعت فمن قال لا إله إلا الله استهزاء مكذب فيما يلزم من أنه اخبار عن إثبات التعدد لأنه إخبار عن التوحيد فافهم كذا في الكشف.
وفيه أيضًا أن قولهم: {لَوْ شَاء الرحمن} [الزخرف: 20] إلخ فهم منه كونه كفرًا من أوجه. أحدها: أنه اعتذار عن عبادتهم الملائكة عليهم السلام التي هي كفر وإلزام أنه إذا كان شيئته تعالى لم يكن منكرًا.
والثاني: أن الكفر والايمان بتصديق ما هو مضطر إلى العلم بثبوته بديهة أو استدلالًا متعلقًا بالمبدأ والمعاد وتكذيبه لا بإيقاع الفعل على وفق المشيئة وعدمه.
والثالث: أنهم دفعوا قول الرسل بدعوتهم إلى عبادته تعالى ونهيهم عن عبادة غيره سبحانه بهذه المقالة ثم أنهم ملزمون على مساق هذا القول لأنه إذا استند الكل إلى مشيئته تعالى شأنه فقد شاء إرسال الرسل وشاء دعوتهم للعباد وشاء سبحانه جحودهم وشاء جل وعلا دخولهم النار فالإنكار والدفع بعد هذا القول دليل على أنهم قالوه لا عن اعتقاد بل مجازفة، وإليه الإشارة بقوله تعالى في مثله: {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] وفيه أنهم يعجزون الخالق بإثبات التمانع بين المشيئة وضد المأمور به فيلزم أن لا يريد إلا ما أمر سبحانه به ولا ينهى جل شأنه إلا وهو سبحانه لا يريده وهذا تعجيز من وجهين. إخراج بعض المقدورات عن أن يصير محلها وتضييق محل أمره ونهيه؛ وهذا بعينه مذهب إخوانهم من القدرية؛ ولهذه النكتة جعل قولهم: {وَقَالُواْ لَوْ شَاء الرحمن مَا عبدناهم}
[الزخرف: 20] معتمد الكلام ولم يقل: وعبدوا الملائكة وقالوا: لو شاء ونظير قولهم في أنه إنما أتى به لدفع ما علم ضرورة قوله تعالى: {لَوْ شَاء رَبُّنَا لاَنزَلَ ملائكة} [فصلت: 14] فالدفع كفر والتعجيز كفر في كفر، وقوله تعالى: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الزخرف: 20] يحتمل أن يرجع إلى جميع ما سبق من قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ} [الزخرف: 15] إلى هذا المقام ويحتمل أن يرجع إلى الأخير فقد ثبت أنهم قالوه من غير علم وهو الأظهر للقرب وتعقيب كل بإنكار مستقل وطباقه لما في الأنعام، وقوله سبحانه: {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116] على هذا التكذيب المفهوم منه راجع إلى استنتاج المقصود من هذه اللزومية فقد سبق أنها عليهم لا لهم ولوح إلى طرف منه في سورة الأنعام أو إلى الحكم بامتناع الانفكاك مع تجويز الحاكم الانفكاك حال حكمه فإن ذلك يدل على كذبه وإن كان ذلك الحكم في نفسه حقًا صحيحًا يحق أن يعلم كما تقول زيد قائم قطعًا أو البتة وعندك احتمال نقيضه.
وليس هذا رجوعًا إلى مذهب من جعل الصدق بطباقه للمعتقد فافهم، على أنه لما كان اعتذارًا على ما مر صح أن يرجع التكذيب إلى أنه لا يصلح اعتذارًا أي أنهم كاذبون في أن المشيئة تقتضي طباق الأمر لها، وهذا ما آثره الإمام. والعلامة. والقاضي، والظاهر ما قدمناه. وتعقيب الخرص على وجه البيان أو الاستئناف عن قوله تعالى: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الزخرف: 20] وقوله تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} في سورة الأنعام (116) دليل على ما أشرنا فقد لاح للمسترشد أن الآية تصلح حجة لأهل السنة لا للمعتزلة؛ وقال في آية سورة الأنعام: إن قولهم هذا إما لدعوى المشروعية ردًا للرسل أو لتسليم أنهم على الباطل اعتذارًا بأنهم مجبورون، والأول باطل لأن المشيئة تتعلق بفعلهم المشروع وغيره فما شاء الله تعالى أن يقع منهم مشروعًا وقع كذلك وما شاء الله تعالى أن يقع لا كذلك وقع لا كذلك.
ولا شك أن من توهم أن كون الفعل شيئته تعالى ينافي مجيء الرسل عليهم السلام بخلاف ما عليه المباشر من الكفر والضلال فقد كذب التكذيب كله وهو كاذب في استنتاج المقصود من هذه اللزومية وظاهر الآية مسوق لهذا المعنى، والثاني على ما فيه من حصول المقصود وهو الاعتراف بالبطلان باطل أيضًا إذ لا جبر لأن المشيئة تعلقت بأن يشركوا اختيارًا منهم والعلم تعلق كذلك فهو يؤكد دفع القدر لا أنه يحققه وإليه الإشارة بقوله تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة} [الأنعام: 149] ثم إنهم كاذبون في هذا القول لجزمهم حيث لا ظن مطلقًا فضلًا عن العلم وذلك لأن من المعلوم أن العلم بصفات الله سبحانه فرع العلم بذاته جل وعلا والايمان بها كذلك والمحتجون به كفرة مشركون مجسمون، ونقل العلامة الطيبي نحوًا من الكلام الأخير عن إمام الحرمين عليه الرحمة في الإرشاد اه.
وقد أطال الأعلام الكلام في هذا المقام وأرى الرجل سقى الله تعالى مرقده صهيب الرضوان قد مخض كل ذلك وأتى بزبده بل لم يترك من التحقيق شيئًا لمن أتى من بعده فتأمل والله عز وجل هو الموفق.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)}
{وكذلك} أي والأمر كما ذكر من عجزهم عن الحجة مطلقًا وتشبثهم بذيل التقليد، وقوله سبحانه: {مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على ءاثارهم مُّقْتَدُونَ} استئناف مبين لذلك دال على أن التقليد فيما بينهم ضلال قديم لأسلافهم وأن متقدميهم أيضًا لم يكن لهم سند منظور إليه وتخصيص المترفين بتلك المقالة للإيذان بأن التنعم وحب البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد.

.تفسير الآية رقم (24):

{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)}
{قَالَ} حكاية لما جرى بين المنذرين وبين أممهم عند تعللهم بتقليد آبائهم أي قال: كل نذير من أولئك المنذرين لأمته {أَوْ لَوْ جِئْتُكُم} أي أتقتدون بآبائكم ولو جئتكم {بأهدى} بدين أهدى {مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءابَاءكُمْ} من الضلالة التي ليست من الهداية في شيء، وإنما عبر عنها بذلك مجاراة معهم على مسل الانصاف.
وقرأ الأكثرون {قُلْ} على أنه حكاية أمر ماض أوحى إلى كل نذير أي فقيل أو قلنا للنذير قل إلخ، واستظهر في البحر كونه خطابًا لنبينا صلى الله عليه وسلم، والظاهر هو ما تقدم لقوله تعالى: {قَالُواْ إِنَّا بما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون} فإنه ظاهر جدًا في أنه حكاية عن الأمم السالفة أي قال كل أمة لنذيرها إنا اأرسلتم به إلخ وقد أجمل عند الحكاية للإيجاز كما قرر في قوله تعالى: {يأَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} [المؤمنون: 51].
وجعله حكاية عن قومه عليه الصلاة والسلام بحمل صيغة الجمع على تغليبه صلى الله عليه وسلم على سائر المنذرين وتوجيه كفرهم إلى ما أرسل به الكل من التوحيد لإجمالعهم عليهم السلام عليه كما في نحو قوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين} [الشعراء: 123] تمحل بعيد، وأيضًا يأباه ظاهر قوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (25):

{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)}
{فانتقمنا مِنْهُمْ فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} فإن ظاهره كون الانتقام بعذاب الاستئصال وصاحب البحر يحمله على الانتقام بالقحط والقتل والسبي والجلاء.
وقرأ أبي. وأبو جعفر. وشيبة. وابن مقسم. والزعفراني. وغيرهم {أَوْ لَوْ جئناكم} بنون المتكلمين وهي تؤيد ما ذهبنا إليه والأمر بالنظر فيما انتهى إليه حال المكذبين تسلية له صلى الله عليه وسلم وإرشاد إلى عدم الاكتراث بتكذيب قومه إياه عليه الصلاة والسلام.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)}
{وَإِذْ قَالَ إبراهيم} أي واذكر لهم وقت قوله عليه الصلاة والسلام {لاِبِيهِ} آزر {وَقَوْمِهِ} المكبين على التقليد كيف تبرأ مما هم فيه بقوله: {إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ} وتمسك بالبرهان، والكلام تمهيد لما أهل مكة فيه من العناد والجسد والإباء عن تدبر الآيات وأنهم لو قلدوا آباءهم لكان الأولى أن يقلدوا آباهم الأفضل الأعلم الذي هم يفتخرون بالانتماء إليه وهو إبراهيم عليه السلام فكأنه بعد تعييرهم على التقليد ويعيرهم على أنهم مسيئون في ترك اختياره أيضًا.
وبراء مصدر كالطلاق نعت به مبالغة ولذلك يستوي فيه الواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث.
وقرأ الزعفراني. والقورصي عن أبي جعفر. وابن المنذري. عن نافع {بَرَاء} بضم الباء وهو اسم مفرد كطول وكرام بضم الكاف، وقرأ الأعمش {بري} وهو وصف كطويل وكريم وقراءة العامة لغة العالية وهذه لغة نجد.
وقرأ الأعمش أيضًا {الله إِنّى} بنون مشددة دون نون الوقاية.